خطبة عيد الفطر 1432

عبدالله البصري
1432/09/28 - 2011/08/28 13:25PM
خطبة عيد الفطر 1432



الخطبة الأولى :

أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجعَلْ لَكُم فُرقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَيَغفِرْ لَكُم وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ "
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ .

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، يَا مَن شَهِدتُمُ العِيدَ وَلَبِستُمُ الجَدِيدَ ، بَعدَ أَنْ صُمتُم وَقُمتُم وَزكَّيتُم وَأَعطَيتُم ، وأَفرَدتُمُ اللهَ وَوَحَّدتُمُوهُ وَدَعَوتُمُوهُ ، وَأَقبَلتُم عَلَيهِ في رَمَضَانَ وَرَجَوتُمُوهُ ، وَأَنتُم في هَذَا البَلَدِ بِالعَدلِ تَنعَمُونَ ، وَلِلخَيرَاتِ تَقطِفُونَ ، هَل شَهِدتُم مَا حَفَلَ بِهِ عَامُكُم مِن أَحدَاثٍ فِيمَا حَولَكُم ؟!
هَل وَعَيتُم مَا تَمَخَّضَ عَنهُ مِن عِبَرٍ وَدُرُوسٍ وَعِظَاتٍ ؟!
العُرُوشُ الَّتي ثُلَّت وَسَقَطَت ، الحُكَّامُ الَّذِينَ أَفَلَت نُجُومُهُم وَانكَدَرَت ، الدُّوَلُ الَّتي اهتَزَّ اقتِصَادُهَا وتَأَرجَحَ ، وَهِيَ الآنَ تَستَعِدُّ لِلسُّقُوطِ في مَزبَلَةِ التَّأرِيخِ لِتُصبِحَ نَسيًا مَنسِيًّا ، تَقَلُّبُ أَقوَامٍ في نَعِيمٍ وَأَحسَنِ حُلَّةٍ ، وَابتِلاءُ آخَرِينَ بِالفَقرِ وَالجُوعِ وَالقِلَّةِ ، أَعَرَفتُم مَنشَأَ ذَلِكَ ومَبدَأَهُ ؟!
أَعَلِمتُم أَعظَمَ سَبَبٍ في بَقَاءِ الأُمَمِ أَو فَنَائِهَا ؟!
أَفَقِهتُم بِمَ يَكُونُ الانتِصَارُ وَالبِنَاءُ وَالطُّمَأنِينَةُ ؟!
وَمِن أَينَ تَأتي الهَزِيمَةُ وَالهَدمُ وَيَتَزَعزَعُ الأَمنُ وَيَحِلُّ الرَّوعُ ؟!
اللهُ المُستَعَانُ ـ يَا عِبَادَ اللهِ ـ وَعَلَيهِ التُّكلانُ ، إِنَّ أَسَاسَ عِمَارَةِ الكَونِ الَّذِي قَامَت عَلَيهِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ ، وَبِهِ يَصلُحُ العِبَادُ وَتَزدَهِرُ البِلادُ ، وَمِن أَجلِهِ أَرسَلَ اللهُ الرُّسُلَ وَأَنزَلَ الكُتُبَ ، وَلِتَثبِيتِهِ أَمَدَّ ـ سُبحَانَهُ ـ النَّاسَ بِالقُوَّةِ ، إِنَّهُ العَدلُ وَالقِسطُ ، نَعَم ، إِنَّهُ العَدلُ وَالقِسطُ ، الَّذِي مَا فَرَّطَتِ الأُمَمُ اليَومَ في ثَمِينٍ مِثلِهِ ، وَلا فَقَدَتِ الدُّوَلُ عَظِيمًا أَعَزَّ مِنهُ وَلا أَغلَى ، وَمِن ثَمَّ فَقَد أَصَابَتهَا القَلاقِلُ وَالفِتَنُ ، وَبُلِيَت بِالحُرُوبِ الطَّوِيلَةِ وَعَظِيمِ المِحَنِ ، وَحَلَّ بها مَا حَلَّ مِن زَوَالٍ وَدَمَارٍ وَعَدَمِ قَرَارٍ ، وَزَالَ عَنهَا مَا زَالَ مِن نِعَمٍ وَنَعِيمٍ ، وَتَوَارَى عَنهَا مَا تَوَارَى مِن خَيرَاتٍ وَبَرَكَاتٍ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " لَقَد أَرسَلنَا رُسُلَنَا بِالبَيِّنَاتِ وَأَنزَلنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالقِسطِ وَأَنزَلنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعلَمَ اللهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالغَيبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ "
وَاللهُ ـ سُبحَانَهُ ـ هُوَ الحَكَمُ العَدلُ ، أَمَرَ بِالعَدلِ وَالإِحسَانِ ، وَنَهَى عَنِ الظُّلمِ وَالطُّغيَانِ ، وَحَرَّمَ الظُّلمَ عَلَى نَفسِهِ وَعَلَى عِبَادِه ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّ اللهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُربى وَيَنهَى عَنِ الفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ "
وَقَالَ : " إِنَّ اللهَ يَأمُرُكُم أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلى أَهلِهَا وَإِذَا حَكَمتُم بَينَ النَّاسِ أَن تَحكُمُوا بِالعَدلِ "
وَقَالَ : " وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلعَبِيدِ "
وَقَالَ في الحَدِيثِ القُدسِيِّ الَّذِي رَوَاهُ مُسلِمٌ : " يَا عِبَادِي ، إِنِّي حَرَّمتُ الظُّلمَ عَلَى نَفسِي وَجَعَلتُهُ بَينَكُم مُحَرَّمًا فَلا تَظَالَمُوا "
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " اِتَّقُوا الظُّلمَ فَإِنَّ الظُّلمَ ظُلُمَاتٌ يَومَ القِيَامَةِ " أَخرَجَهُ مُسلِمٌ .
وَكَمَا أَمَرَ ـ تَعَالى ـ بِالعَدلِ في الأَحكَامِ وَالأَفعَالِ ، فَقَد أَوجَبَهُ في الأَقوَالِ فَقَالَ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالقِسطِ شُهَدَاءَ للهِ وَلَو عَلَى أَنفُسِكُم أَوِ الوَالِدَينِ وَالأَقرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَو فَقِيرًا فَاللهُ أَولى بهما فَلا تَتَّبِعُوا الهَوَى أَن تَعدِلُوا "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَإِذَا قُلتُم فَاعدِلُوا وَلَو كَانَ ذَا قُربى وَبِعَهدِ اللهِ أَوفُوا "
بَل حَتَّى الإِصلاحُ أَوجَبَ اللهُ أَن يَكُونَ بِالقِسطِ وَالعَدلِ ، بِلا جَورٍ عَلَى الظَّالِمِ وَلَو جَارَ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤمِنِينَ اقتَتَلُوا فَأَصلِحُوا بَينَهُمَا فَإِن بَغَت إِحدَاهُمَا عَلَى الأُخرَى فَقَاتِلُوا الَّتي تَبغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمرِ اللهِ فَإِن فَاءَت فَأَصلِحُوا بَينَهُمَا بِالعَدلِ وَأَقسِطُوَا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقسِطِينَ "
بَل أَوجَبَ ـ سُبحَانَهُ ـ عَلَى المُؤمِنِينَ العَدلَ حَتَّى مَعَ أَعدَائِهِم فَقَالَ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالقِسطِ وَلا يَجرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَومٍ عَلَى أَلا تَعدِلُوا اعدِلُوا هُوَ أَقرَبُ لِلتَّقوَى "
وَمَعَ كَونِ العَدلِ مَطلُوبًا مِن جَمِيعِ النَّاسِ مَعَ بَعضِهِم ، وَعَلَيهِ تَقُومُ حَيَاتُهُم وَتُبنى مَصَالِحُهُم ، فَإِنَّهُ لا أَجمَلَ وَلا أَكمَلَ مِن عَدلِ الأَئِمَّةِ وَالوُلاةِ ، إِذْ بِهِ يَتَنَزَّلُ في البِلادِ الخَيرُ وَالبَرَكَةُ ، وَتُبَثُّ في قُلُوبِ العِبَادِ الطُمَأنِينَةُ ، وَمِن ثَمَّ فَقَد كَانَ مِنَ السَّبعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ يَومَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ : إِمَامٌ عَادِلٌ . جَاءَ بِذَلِكَ الحَدِيثُ المُتَّفَقُ عَلَيهِ ، وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " ثَلاثَةٌ لا تُرَدُّ دَعوَتُهُم : الإِمَامُ العَادِلُ ، وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفطِرَ ، وَدَعوَةُ المَظلُومِ " الحَدِيِثَ رَوَاهُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ أَحمَدُ شَاكِرُ .
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " أَصحَابُ الجَنَّةِ ثَلاثَةٌ : إِمَامٌ مُقسِطٌ مُصَّدِّقٌ مُوَفَّقٌ ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ القَلبِ بِكُلِّ ذِي قُربى وَمُسلِمٍ ، وَرَجُلٌ عَفِيفٌ فَقِيرٌ مُصَّدِّقٌ " رَوَاهُ ابنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَإِنَّهُ لَمَّا عَمَّ العَدلُ في الرَّعِيلِ الأَوَّلِ مِن أَئِمَّةِ المُسلِمِينَ ، كَثُرَتِ الخَيرَاتُ إِذْ ذَاكَ وَتَنَزَّلَتِ البَرَكَاتُ ، وَبَادَلَ المُسلِمُونَ وُلاتَهُم حُبًّا بِحُبٍّ وَنَصَحُوا لَهُم ، وَأَعطَوهُم مَا لَهُم مِن حَقِّ السَّمَعِ وَالطَّاعَةِ وَدَافَعُوا عَنهُم ، وَلَمَّا تَوَلَّتِ القُرُونُ الأُولى ، كَانَتِ الدُّوَلُ مَعَ رَعَايَاهَا في مَدٍّ وَجَزرٍ ، وَاختَلَفَ الأُمَرَاءُ وَالوُلاةُ عَدلاً وَجَورًا ، حَتَّى وَصَلَ النَّاسُ إِلى هَذَا العَصرِ الَّذِي اشتَدَّت فِيهِ غُربَةُ الدِّينِ ، وَابتُعِدَ كَثِيرًا عَنِ الحُكمِ بما أَنزَلَهُ رَبُّ العَالَمِينَ ، فَأَصبَحَ كَثِيرٌ مِنَ المُسلِمِينَ يَعِيشُونَ غُربَةً وَهُم في أَوطَانِهِم وَبَينَ أَهلِيهِم وَإِخوَانِهِم ، حُورِبُوا في دِينِهِم ، وَاستُبِيحَت حُرُمَاتُهُم ، وَتُجُسِّسَ عَلَيهِم في عِبَادَاتِهِم ، وَرُوقِبَت حَرَكَاتُهُم وَسَكَنَاتُهُم ، وَفُرِضَت عَلَيهِم عَادَاتُ الكُفَّارِ فَرضًا ، وأُطِرُوا عَلَى البَاطِلِ أَطرًا ، وجُوِّعُوا وَاسَتُؤثِرَ بِالأَموَالِ دُونَهُم ، وهُضِمُوا حُقُوقَهُم وَضُيِّقَ عَلَيهِم في أَرزَاقِهِم ، وَعَادَ المَظلُومُ يَصرُخُ فَلا يَجِدُ مُجِيبًا ، وَصَارَ المَلهُوفُ يَستَغِيثُ فَلا يَلقَى مُغِيثًا ، فَنَشَأَت فَجوَةٌ سَحِيقَةٌ بَينَ الحُكَّامِ وَالشُّعُوبِ ، جَعَلَت تِلكَ الشُّعُوبَ تَتَحَوَّلُ بَينَ عَشِيَّةٍ وَضُحَاهَا إِلى أُسُودٍ ثَائِرَةٍ وَوُحُوشٍ كَاسِرَةٍ ، وَتَنقَلِبُ بُحُورًا مِنَ الغَضَبِ هَادِرَةً مَائِرَةً ، فَتَرمِي حُكُومَاتِهَا بِحُمَمٍ مِن غَيظِهَا ، وَتَصُبُّ عَلى رُؤَسَائِهَا جَامَّ غَضَبِهَا ، فَسُبحَانَ مَن أَحيَا بِالعَدلِ القُلُوبَ وَأَنَارَ بِهِ الصُّدُورَ ، فَانشَرَحَت لأَئِمَّةِ العَدلِ وَأَحَبَّتهُم ، وَوَالَتهُم وَأَطَاعَتهُم وَدَعَت لَهُم ، وَضَيَّقَ بِالظُّلمِ صُدُورَ المَظلُومِينَ وَقَسَّى بِهِ قُلُوبَهُم ، فَلَعَنُوا وُلاةَ الجَورِ وَأَبغَضُوهُم وَقَاتَلُوهُم ، وَصَدَقَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ حَيثُ قَالَ : " خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُم وَيُحِبُّونَكُم ، وَيُصَلُّونَ عَلَيكُم وَتُصَلُّونَ عَلَيهِم ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبغِضُونَهُم وَيُبغِضُونَكُم ، وَتَلْعَنُونَهُم وَيَلعَنُونَكُم " الحَدِيثَ ، رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ .
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّ اللهَ لَيُملِي لِلظَّالِمِ ، حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لم يُفلِتْهُ ، ثُمَّ قَرَأَ : " وَكَذَلِكَ أَخذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ "
إِنَّهُ الظُّلمُ وَالطُّغيَانُ ، يُهلِكُ الأُمَمَ في الدُّنيَا قَبلَ الآخِرَةِ ، وَإِنَّهُمُ الظَّالمُونَ ، مُبغَضُونَ في الأَرضِ وَالسَّمَاءِ ، لا يُحِبُّهُمُ اللهُ وَلا يَهدِيهِم وَلا يُوَفِّقُهُم ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَتِلكَ القُرَى أَهلَكنَاهُم لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلنَا لِمَهلِكِهِم مَوعِدًا "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ عَن قَومِ نُوحٍ " فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُم ظَالمُونَ "
وَقَالَ عَن فِرعَونَ وَجُنُودِهِ : " فَأَخَذنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذنَاهُم في اليَمِّ فَانظُرْ كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالمِينَ "
وقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّا أَعتَدنَا لِلظَّالمِينَ نَارًا أَحَاطَ بهم سُرَادِقُهَا وَإِن يَستَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالمُهلِ يَشوِي الوُجُوهَ بِئسَ الشَّرَابُ وَسَاءَت مُرتَفَقًا "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " قَالَ لا يَنَالُ عَهدِي الظَّالمِينَ "
وَقَالَ : " إِنَّهُ لا يُفلِحُ الظَّالمُونَ "
وَقَالَ : " وَاللهُ لا يَهدِي القَومَ الظَّالمِينَ "
وَقَالَ ـ : " وَسَيَعلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ "
وَقَالَ : " أَلا لَعنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالمِينَ "
وَقَالَ : " وَقَد خَابَ مَن حَمَلَ ظُلمًا "
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لم تَزَلْ هَذِهِ الدَّولَةُ مُنذُ قِيَامِهَا ـ وَللهِ الحَمدُ ـ تَتَفَيَّأُ ظِلَّ دَوحَةِ العَدلِ ، وَيحَكُمُ قُضَاتُهَا بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ، وَيَجتَهِدُونَ لإِيصَالِ الحَقِّ لِمُستَحِقِّهِ وَرَفعِ الظُّلمِ عَمَّن وَقَعَ عَلَيهِ ، وَهُم في ذَلِكَ بَينَ أَجرٍ وَأَجرَينِ ، وَمِن ثَمَّ كَانُوا حَقِيقِينَ بِإِجَلالِهِم وَتَقدِيرِهِم وَتَوقِيرِهِم طَاعَةً لِرَسُولِ اللهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ حَيثُ قَالَ : " إِنَّ مِن إِجلالِ اللهِ إِكرَامَ ذِي الشَّيبَةِ المُسلِمِ ، وَحَامِلِ القُرآنِ غَيرِ الغَالي فِيهِ وَلا الجَافي عَنهُ ، وَإِكرَامَ ذِي السُّلطَانِ المُقسِطِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ .
غَيرَ أَنَّهَا نَبَتَت نَابِتَةُ نِفَاقٍ مُجرِمَةٌ ، لم تَرفَعْ رَأسًا بما تَحَقَّقَ لِهَذِهِ البِلادِ في ظِلِّ الشَّرِيعَةِ مِن عَدلٍ ، وَلم تَذُقْ طَعمًا لما كَفَاهَا اللهُ بِبَرَكَةِ قَضَائِهَا الشِّرعِيِّ مِن ظُلمٍ ، فَاشتَغَلَت في صُحُفِها بِالطَّعنِ في أَحكَامِ القُضَاةِ ، وَجَعَلَت مِن مُسَلسَلاتِهَا الطَّائِشَةِ وَسِيلَةً لِلتَّنَدُّرِ بِهِم وَالاستِهزَاءِ بِهَيئَاتِهِم وَنَقدِ أَقضِيَتِهِم ، سَائِرَةً في ذَلِكَ مَعَ مَا بُلِيَ بِهِ الوُلاةُ مِن مُتَزَلِّفِينَ مُتَمَلِّقِينَ ، جَعَلُوا دَيدَنَهُم الثَّنَاءَ الكَاذِبَ عَلَى كُلِّ تَصَرُّفٍ مِن مَسؤُولٍ صَحِيحًا كَانَ أَو غَيرَ صَحِيحٍ ، وَدَرَجُوا عَلَى قَلبِ الحَقَائِقِ عَلَى مَن فَوقَهُم وَتَغيِيبِهِ عَنِ الوَاقِعِ وَإِنْ كَانَ مُرًّا ، وَعَمَدُوا إِلى الحَيلُولَةِ بَينَ الوُلاةِ وَبَينَ الأَخذِ بِنُصحِ المُخلِصِينَ ، أَوِ الاستِمَاعِ إِلى شَكَاوَى المَظلُومِينَ . وَإِنَّ مَا حَدَثَ في عَامِنَا هَذَا مِن ثَورَاتٍ عَارِمَةٍ عَصَفَت بِرُؤَسَاءِ دُوَلٍ وَأَسقَطَت عُرُوشَهُمُ ، وَاقتَلَعَتهُم مِن كَرَاسِيِّهِم وَطَرَدتهُم مِن أَوطَانِهِم ، إِنَّهَا لَتُؤَكِّدُ لِمَن كَانَ لَهُ قَلبٌ أَنَّ القُوَّةَ لهِم وَحدَهُ ، بِيَدِهِ المُلكُ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَيَنزِعُهُ مِمَّن يَشَاءُ ، وَيُعِزُّ مَن يَشَاءُ وَيُذِلُّ مَن يَشَاءُ ، وَأَنَّ مَرتَعَ الظُّلمِ وَخِيمٌ وَعَاقِبَتَهُ سَيِّئَةٌ ، فَاتَّقُوا اللهَ وَاحذَرُوا الظُّلمَ بِجَمِيعِ أَنوَاعِهِ وَأَشكَالِهِ ، وَكُونُوا أَشَدَّ حَذَرًا مِن أَكَبَرِهِ وَهُوَ الشِّركُ بِاللهِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " إِنَّ الشِّركَ لَظُلمٌ عَظِيمٌ "
ثُمَّ إِيَّاكُم وَمُشَارَكَةَ مُنَافِقِي هَذَا العَصرِ في ظُلمِهِم ، بِمُحَارَبَةِ الدُّعَاةِ المُصلِحِينَ ، أََو مُجَابَهَةِ الآمِرِينَ بِالمَعرُوفِ وَالنَّاهِيَنَّ عَنِ المُنكَرِ ، أَوِ الاستِهزَاءِ بِهِم وَإِيذَائِهِم ، أَو تَُوَلِّي الكَافِرِينَ وَتَقلِيدِهِم في كُلِّ شَيءٍ ، فَقَد قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَمَن أَظلَمُ مِمَّن مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَن يُذكَرَ فِيهَا اسمُهُ وَسَعَى في خَرَابِهَا "
وَقَالَ : " وَمَن يَتَوَلَّهُم فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالمُونَ "
ثُمَّ احذَرُوا بَعدُ مِن أَنوَاعٍ مِنَ الظُّلمِ ، ذُكِرَت في الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِالذَمِّ ، مِن أَعظَمِهَا تَعَدِّي حُدُودِ اللهِ وَالتَجَرُّؤُ عَلَى مَعاصِيهِ وَالإِعرَاضُ عَن آيَاتِهِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالمُونَ "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَمَن أَظلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعرَضَ عَنهَا إِنَّا مِنَ المُجرِمِينَ مُنتَقِمُونَ "
إِيَّاكُم وَكَتمَ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ مِنَ الظُّلمِ ، قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَمَن أَظلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللهِ "
وَاحذَرُوا الاعتِدَاءَ عَلَى الأَنفُسِ البَرِيئَةِ بِقَتلٍ أَو ضَربٍ أَو إِيذَاءٍ ، أَو تَضيِيقٍ في الرِّزقِ وَأَكلٍ لِعَرَقِ الجَبِينِ ؛ قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " يَجِيءُ المَقتُولُ بِالقَاتِلِ يَومَ القِيَامَةِ نَاصِيَتُهُ وَرَأسُهُ بِيَدِهِ وَأَودَاجُهُ تَشخُبُ دَمًا فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَني ؟ حَتى يُدنِيَهُ مِنَ العَرشِ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابنُ مَاجَهْ ، وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَن ضَرَبَ بِسَوطٍ ظُلمًا ، اِقتُصَّ مِنهُ يَومَ القِيَامَةِ " رَوَاهُ البَيهَقِيُّ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَنِ اقتَطَعَ حَقَّ امرِئٍ مُسلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَد أَوجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الجَنَّةَ " فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : وَإِنْ كَانَ شَيئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : " وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِن أَرَاكٍ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " قَالَ اللهُ ـ تَعَالى ـ : ثَلاثةٌ أَنَا خَصمُهُم يَومَ القِيَامَةِ ـ وَذَكَرَ مِنهُم قَولَهُ ـ : وَرَجُلٌ استَأجَرَ أَجِيرًا فَاستَوفى مِنهُ وَلم يُعطِهِ أَجرَهُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ .
وَمِنَ الظُّلمِ الاعتِدَاءُ عَلَى المُمتَلَكَاتِ العَامَّةِ وَالاستِئثَارُ بها أَو أَكلُهَا ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَنِ استَعمَلنَاهُ مِنكُم عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخيَطًا فَمَا فَوقَهُ ، كَان غُلُولاً يَأتي بِهِ يَومَ القِيَامَةِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
وَمِن الظُّلمِ التَّفرِقَةُ بَينَ الأَولادِ في العَطِيَّةِ ، أَو الجَورُ وَالحَيفُ في الوَصِيَّةِ ، أَو عَضلُ البَنَاتِ وَالمُتَاجَرَةُ بِمُهُورِهِنَّ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " اِتَّقُوا اللهَ وَاعدِلُوا بَينَ أَولادِكُم " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَينِ : اليَتِيمِ وَالمَرأَةِ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ عَلَى الأُمَّةِ أَن تُوَاجِهَ الظُّلمَ وَتُحَارِبَ الظَّلَمَةَ ، إِنذَارًا وَإِعذَارًا ، وَحِفظًا لِسَفِينَةِ المُجتَمَعِ ، وَإِلاَّ فَلْتَنتَظِرِ الهَلاكَ جَمِيعًا ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالمَ فَلَم يَأخُذُوا عَلَى يَدَيهِ ، أَوشَكَ أَن يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِن عِندِهِ " رَوَاهُ أَهلُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
فَيَا مَن عَدَى ثُمَّ اعتَدَى ، اِتَّقِ اللهَ وَاعلَمْ أَنَّ الظَّالمَ يِأتي يَومَ القِيَامَةِ وَقَد شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا ، فَيُعطَى هَذَا مِن حَسَنَاتِهِ ، وَهَذَا مِن حَسَنَاتِهِ ، فَإِن فَنِيَت حَسَنَاتُهُ قَبلَ أَن يُقضَى مَا عَلَيهِ ، أُخِذَ مِن خَطَايَاهُم فَطُرِحَت عَلَيهِ ، ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ . بهَذَا جَاءَ الخَبَرُ عَنِ المَعصُومِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ كَمَا في صَحِيحِ مُسلِمٍ وَغَيرِهِ .
أَمَّا أَنتَ ـ أَيُّهَا المَظلُومُ ـ فَاعلَمْ أَنَّهُ " لا يُحِبُّ اللهُ الجَهرَ بِالسُّوءِ مِنَ القَولِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ " فَارفَعْ شِكَاتَكَ إِلى الوُلاةِ أَو تَقَدَّمْ بها إِلى القُضَاةِ ، وَإِنْ صَبَرتَ فَأَبشِرْ بِالأَجرِ وَالعِزِّ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ "
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " ثَلاثٌ أُقسِمُ عَلَيهِنَّ وَأُحَدِّثُكُم حَدِيثًا فَاحفَظُوهُ : مَا نَقَصَ مَالُ عَبدٍ مِن صَدَقَةٍ ، وَلا ظُلِمَ عَبدٌ مَظلَمَةً فَصَبَرَ عَلَيهَا إِلاَّ زَادَهُ اللهُ عِزًّا ، وَلا فَتَحَ عَبدٌ بَابَ مَسأَلَةٍ إِلاَّ فَتَحَ اللهُ عَلَيهِ بَابَ فَقرٍ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَابنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " وَلا تَحسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعمَلُ الظَّالمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُم لِيَومٍ تَشخَصُ فِيهِ الأَبصَارُ . مُهطِعِينَ مُقنِعِي رُؤُوسِهِم لا يَرتَدُّ إِلَيهِم طَرفُهُم وَأَفئِدَتُهُم هَوَاءٌ . وَأَنذِرِ النَّاسَ يَومَ يَأتِيهِمُ العَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلم تَكُونُوا أَقسَمتُم مِن قَبلُ مَا لَكُم مِن زَوَالٍ . وَسَكَنتُم في مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُم وَتَبَيَّنَ لَكُم كَيفَ فَعَلنَا بهِم وَضَرَبنَا لَكُمُ الأَمثَالَ . وَقَد مَكَرُوا مَكرَهُم وَعِندَ اللهِ مَكرُهُم وَإِنْ كَانَ مَكرُهُم لِتَزُولَ مِنهُ الجِبَالُ . فَلا تَحسَبَنَّ اللهَ مُخلِفَ وَعدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ "

الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ حَقَّ التَّقوَى ، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الإِسلامِ بِالعُروَةِ الوُثقَى ، وَاحذَرُوا مَا يُسخِطُ رَبَّكُم ـ جَلَّ وَعَلا ـ فَإِنَّ أَجسَامَكُم عَلَى النَّارِ لا تَقوَى .
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَلهِر الحَمدُ .
عِبَادَ اللهِ ، حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَجَانِبُوا الشَّهَوَاتِ ، وَأَدُّوا الزَّكَاةَ وَصُومُوا الشَّهرَ ، وَاقضُوا مَا أَوجَبَ رَبُّكُم عَلَيكُم مِن حَجٍّ وَعُمرَةٍ ، ثُمَّ مُرُوا بِالمَعرُوفِ وَانهَوا عَنِ المُنكَرِ وَلا تَأخُذَنَّكُم في اللهِ لَومَةُ لائِمٍ ، وَانصَحُوا لهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِكِتَابِهِ وَلأَئِمَّةِ المُسلِمِينَ وَعَامَّتِهِم ، كُونُوا إِخوَةً مُتَحَابِّينَ ، عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى مُتَعَاوِنِينَ ، وَإِيَّاكُم وَعَزَاءَ الجَاهِلِيَّةِ وَفَخرَهَا بِالأَحسَابِ وَطَعنَهَا في الأَنسَابِ ، فَإِنَّمَا هُوَ مُؤمِنٌ تَقِيٌّ أَو فَاجِرٌ شَقِيٌّ ، وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِن تُرَابٍ .
إِنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ فَخُذُوهُ ، وَالحَرَامَ بَيِّنٌ فَاجتَنِبُوهُ ، وَالشُّبُهَاتُ في هَذَا الزَّمَانِ كَثِيرَةٌ ومُنتَشِرَةٌ ، فَاتَّقُوهَا وَاحذَرُوهَا ، وَلا تَنخَدِعُوا بِلمَعَانِهَا وبَرِيقِهَا ، فَوَاللهِ مَا أَذهَبَ دِينَ الكَثِيرِينَ اليَومَ وَأَحَلَّ أَعرَاضَهُم وَأَفسَدَ قُلُوبَهُم ، وَذَهَبَ بِبَرَكَةِ أَموَالِهِم وَمَنَعَ إِجَابَةَ دُعَائِهِم ، إِلاَّ وُلُوغُهُم في الشُّبُهَاتِ ، وَتَسَاهُلُهُم بِالمُختَلِطَاتِ ، وَوُقُوعُهُم في حِمَى المُحَرَّمَاتِ .
إِنَّ لَكُم دِينًا عَظِيمًا ، مَا تَرَكَ خَيرًا إِلاَّ دَلَّ عَلَيهِ ، وَلا شَرًّا إِلاَّ حَذَّرَ مِنهُ ، فَلِمَ التَّفَلُّتُ مِنهُ وَالنُّزُوعُ إِلى مَذَاهِبَ غَربِيَّةٍ أَو شَرقِيَّةٍ ؟
لِمَ الاغتِرَارُ بِالفَسَقَةِ وَدُعَاةِ الشَّرِّ ؟
إِنَّ في أَغلَبِ القَنَوَاتِ وَفي كَثِيرٍ مِن مَوَاقِعِ الشَّبَكَةِ ، وَفي أَروِقَةِ مُؤَسَّسَاتِ الصَّحَافَةِ وَدَهَالِيزِ مُؤَسَّسَاتِ العَفَنِ المُسَمَّى بِالفَنِّ ، إِنَّ فِيهَا لَدُعَاةً عَلَى أَبوَابِ جَهَنَّمَ ، مَن أَجَابَهُم إِلَيهَا قَذَفُوهُ فِيهَا ، فَلا يَغُرَّنَّكُم أَنَّهُم مِن جِلدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلسِنَتِنَا ، أَوِ ادِّعَاؤُهُم أَنَّهُم يُرِيدُونَ نَقدًا أَو إِصلاحًا ، فَمَا هُم وَاللهِ بِمُصلِحِينَ وَلَكِنَّهُم مُفسِدُونَ قَد زُيِّنَ لَهُم سُوءُ عَمَلِهِم فَرَأَوهُ حَسَنًا ، وَالمَوعِدُ اللهُ وَالدَّارُ الآخِرَةُ ، فَالْزَمُوا جَمَاعَةَ المُسلِمِينَ وَإِمَامَهُم وَخُذُوا عَن عُلَمَائِهِم " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللهِ الغَرُورُ . إِنَّ الشَّيطَانَ لَكُم عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدعُو حِزبَهُ لِيَكُونُوا مِن أَصحَابِ السَّعِيرِ . الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُم عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَغفِرَةٌ وَأَجرٌ كَبِيرٌ . أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهدِي مَن يَشَاءُ فَلا تَذهَبْ نَفسُكَ عَلَيهِم حَسَرَاتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بما يَصنَعُونَ "
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَلهِ" الحَمدُ .
يَا نِسَاءَ المُسلِمِينَ ، لَقَد مَنَحَكُنَّ اللهُ الأُنُوثَةَ بِنُعُومَتِهَا وَرِقَّتِهَا ، وَأَكرَمَكُنَّ بِفَيضِ المَشَاعِرِ وَمَلاحَةِ الدَّلالِ وَحُسنِ التَّبَعُّلِ ، وَجَمَّلَكُنَّ بِالحَيَاءِ وَالعَفَافِ وَحَفِظَكُنَّ بِالتَّسَتُّرِ . رِسَالَتُكُنَّ عِمَارَةُ البُيُوتِ ، ومُهِمَّتُكُنَّ حِفظُ الأَزوَاجِ ، وَوَظِيفَتُكُنَّ تَربِيَةُ الأَولادِ ، وَقَد قَضَى ـ سُبحَانَهُ ـ بِأَنَّهُ " وَلَيسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى " وَمِن ثَمَّ فَقَد أَمرَكُنَّ بِالقَرَارِ في البُيُوتِ ، وَنَهَاكُنَّ عَن تَبَرُّجِ الجَاهِلِيَّةِ الأُولى ، وَحَذَّرَكُنَّ مِنَ الخُضُوعِ بِالقَولِ لِئَلاَّ يَطمَعَ فِيكُنَّ أَصحَابُ الشَّهَوَاتِ وَمَرضَى القُلُوبِ ، فَكَيفَ تُحَارِبُ إِحدَاكُنَّ مَا وَهَبَهَا اللهُ مِن نِعَمٍ ، أَو تُخَالِفُ مَا فَطَرَهَا عَلَيهِ مِن فِطرَةٍ ؟!
كَيفَ تَخلَعُ رِدَاءَ الأُنُوثَةِ الَّذِي هُوَ جَمَالُهَا وَكَمَالُهَا ، فَتَستَرجِلَ وَتَلبَسَ ثَوبًا غَيرَ ثَوبِهَا ؟! أَلا تَرَينَ دُوَلَ الكُفرِ وَالعُهرِ وَقَد خَرَجَت نِسَاؤُهَا عَنِ الفِطرَةِ كَيفَ اضطَرَبَت لَدَيهِم بِذَلِكَ المَوَازِينُ وَاختَلَفَتِ المَفَاهِيمُ ، وَخَرِبَت بُيُوتُهُم وَاختَلَطَت أَنسَابُهُم ، وَكَثُرَ فِيهِمُ اللُّقَطَاءُ وَمَجهُولُو الأُمَّهَاتِ وَالآبَاءِ ، وَصَارُوا عِبئًا على مُجتَمَعَاتِهِم ، وَغَدَوا فِيهَا لُصُوصًا مُفسِدِينَ وَمُجرِمِينَ عَابِثِينَ ؟!
فَالحَذَرَ الحَذَرَ يَا أَمَةَ اللهِ مِمَّن يَخدَعُونَكِ بِشِعَارَاتِهِمُ البَرَّاقَةِ ، زَاعِمِينَ أَنَّهُم يُرِيدُونَ مَنحَكِ حُرِّيَّتَكِ وَتَخلِيصَكِ مِن سِجنِ الزَّوجِيَّةِ وَأَغلالِ المَحْرَمِ ، وَمُرَادُهُم بِذَلِكَ مَعرُوفٌ وَقَصدُهُم غَيرُ مَجهُولٍ .
حَبَّذَا وَاللهِ ـ يَا أَمَةَ اللهِ ـ أَن تَكُوني عَطُوفًا وَدُودًا مُبَارَكَةً وَلُودًا ، مَحبُوبَةً مِنَ الجِيرَانِ مَحمُودَةً في السِّرِّ والإعلانِ ، كَرِيمَةَ التَّبَعُّلِ كَثِيرَةَ التَّفَضُّلِ ، خَافِضَةً صَوتًا نَظِيفَةً بَيتًا ! وَلا حَبَّذَا ـ وَرَبِّ الكَعبةِ ـ أَن تَكُوني ممَّن لا يَشكُرْنَ عَلَى جَمِيلٍ وَلا يَرضَينَ بِقَلِيلٍ ، أو ممَّن هِيَ خَرَّاجَةٌ وَلاَّجَةٌ ، تَهُبُّ مَعَ الرِّيَاحِ وَتَطِيرُ مَعَ كُلِّ ذِي جَنَاحٍ ، أَو كَتِلكَ المَاضِغَةِ لِلِسَانِهَا الآخِذَةِ في غَيرِ شَأنِهَا ، أَلا فَاتَّقِي اللهَ وَخُذِي مِنهَاجَ حَيَاتِكَ الَّذِي بِهِ فَلاحُكِ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ ، خُذِيهِ مِن فَمِ مَن لا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى حَيثُ قَالَ : " إِذَا صَلَّتِ المَرأَةُ خَمسَهَا ، وَصَامَت شَهرَهَا ، وَحَصَّنَت فَرجَهَا ، وَأَطَاعَت زَوجَهَا ، قِيَلَ لها : ادخُلِي الجَنَّةَ مِن أَيِّ أَبوَابِ الجَنَّةِ شِئتِ " رَوَاهُ ابنُ حِبَّانَ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَلهِا الحَمدُ .
عِبَادَ اللهِ ، أَدِيمُوا الطَّاعَةَ بَعدَ رَمَضَانَ ، وَأَتبِعُوا الإِحسَانَ بِالإِحسانِ ، صُومُوا سِتَّ شَوَّالٍ تَنَالُوا أَجرًا عَظِيمًا ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَن صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتبَعَهُ سِتًّا مِن شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهرِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ .
تَصَافَحُوا وَتَصَالَحُوا ، وَتَعَانَقُوا وَابتَسِمُوا في وُجُوهِ بَعضِكُم ، وَأَفشُوا السَّلامَ وَأَطعِمُوا الطَّعَامَ ، وَصِلُوا الأَرحَامَ وَأَكرِمُوا الجِيرَانَ ، وَوَسِّعُوا عَلَى أَهلِيكُم وَمَن تَحتَ أَيدِيكُم ، وَلا تَنسَوا إِخوَانَكُم في مَشَارِقِ الأَرضِ وَمَغَارِبِهَا ، فَتَصَدَّقُوا عَلَى فُقَرَائِهِم ، وَادعُوا لِلمُضطَهَدِينَ مِنهُم ، عَسَى اللهُ أَن يُغنِيَهُم مِن فَضلِهِ وَيُعَجِّلَ فَرَجَهُم وَيَنصُرَهُم عَلَى القَومِ الظَّالمِينَ .
المشاهدات 2753 | التعليقات 1


ملف الخطبة (وورد)

المرفقات

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/5/0/خطبة%20عيد%20الفطر%201432.doc

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/5/0/خطبة%20عيد%20الفطر%201432.doc