الليل والسهر
صالح العويد
1432/07/28 - 2011/06/30 18:15PM
أما بعد .. فاتقوا الله عباد الله، فتقوى اللهِ وصيةُ اللهِ للأولين والآخرين، وهي مستمسك الصالحين، وسبيل النجاة في الدنيا ويومِ الدين
عباد الله: إن في تقلُّب الليالي والأيام، وفصول السنة والأعوام، وفي تناوب الضياء والظلام، وتبدّل الحرارة والبرودة، وطلوع الشمس وأفولها، وولادة القمر واحتضاره..وغيرها من المظاهر الكونية والتغيرات المناخية والجوية عبرة لنا أي عبر،{يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ}
وإن من العبر والآيات والمنن والأعطيات أن جعل الله النوم سباتًا للناس، وجعل الليل لهم خير سكن ولباس، يقول الملك المنان في معرض الامتنان: وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً وَجَعَلْنَا ٱلَّيْلَ لِبَاساً [النبأ: 9، 10]، ويقول في ذكر الإنعام في سورة الأنْعَام: وَجَعَلَ ٱلَّيْلَ سَكَناً [الأنعام: 96]. ليلٌ تهدأ به الأنفاس، وتسكن فيه الأعضاء والحواس، وتحصل فيه الراحة والإيناس، جعله الله برحمته وفضله وقت منام ودعة وإجمام وهدوء عام، وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [القصص: 73]. وهو مِنَّةٌ من الله أمر العباد أن يشكروه عليها : اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِوَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّأَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ وهو زمن التعبد النافلة فيه أفضل من نافلة النهار ، قال - عليه الصلاة والسلام - : " أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل " رواه مسلم ، وتعلق القلوب فيه بالله أرجى فأمر الله رسوله بالإكثارمن الصلاة والتسبيح فيه : قُمِ اللَّيْلَإِلَّا قَلِيلاًالمزمل 2 ،وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاًطَوِيلاًالإنسان 26، واقتفى الصالحون أثره فـ :(كانوا قليلاً منالليل ما يهجعون ). وفيه صلاة الوتر ، والله وتر يحب الوتر ، وصلاة آخر الليل مشهودة ،و " من صلَّى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ، ومن صلى الفجر في جماعةفكأنما قام الليل كله " ، "وفي الليل ساعةمن مغيب الشمس لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله من خيري الدنيا والآخرة إلا أعطاهإياه " رواه مسلم ، "
أيها الأحبة كان الليل في زمن مضى ميدانَ سَبْق ومطيةَ مجد ومضمار صدق وجد، لا ترى فيه إلا مصليًا أو باكيًا أو تاليًا أو داعيًا، وكان السلف رحمهم الله تعالى يرونه أعظم مطية إلى الجنة العلية، أما اليوم فقد أصبح الليل لدى كثير من الناس لحظات طيش وضلال عيش، وصار السهر اليوم في الأعم الأغلب منبعًا للمعار ومجمعًا للأخطار وطريقًا للمهالك والمضار تعالوا بناأيهاالأحبة إلى بيت النبوة، لنقف على المنهج السني والهدي النبوي، فنقتفي ونقتدي، بسنة النبي محمد ، تقول عائشة رضي الله عنها: ما نام رسول الله قبل العشاء ولا سمر بعدها.أخرجه ابن ماجه وحين سمعت رضي الله عنها عروة يتحدث بعد العشاء قالت: ما هذا الحديث بعد العتمة؟! ما رأيت رسول الله راقدًا قط قبلها ولا متحدثًا بعدها، إما مصليًا فيغنم أو راقدًا فيسلم. أخرجه عبد الرزاق وعن الأسود قال: سألت عائشة رضي الله عنها: كيف كانت صلاة النبي ؟ قالت: كان ينام أول الليل ويقوم آخره. متفق عليه هكذا كان ليله بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه، فأين الاهتداء والاقتداء؟ إن النوم في أول الليل فيه خيرات وبركات وهونعمة من نعم الله الجسيمة يحتاجه الغني والفقير ، وبفضل من الله جعله يسيرا في كل مكانويناله كل مخلوق بلا ثمن تغمض العينان فترتفع الروح ، فينال الجسد الراحة والسكون ، قال - عز وجل - :وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاًالنبأ 9 ، وهو من آيات الله العظيمة الدالة على قوته وجبروته ، قال - جلَّ شأنه - :وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِوَالنَّهَارِ.. الروم 23 ، يميت البشر بالنوم ثم يوقظهم متى شاء إذاشاء. قضى الله أن تكون نَومة أهل الكهف ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاًفكان ما شاء ، وهو - سبحانه - حيٌّ قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إنالله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام ، يخفض القسط ويرفعه ، يرفع إليه عمل الليل قبلعمل النهار ، وعمل النهار قبل عمل الليل" رواه مسلم ، والشيطان يتخبطالعبد في منامه ، " من قرأ آية الكرسي قبلنومه لم يزل عليه من الله حافظ ولم يقربه شيطان حتى يصبح " رواهالبخاري. والرؤيا الصالحة في المنام من الله ، والحلم من الشيطان ، " فمن رأى رؤيا صالحة فليحمد الله عليها وليحدثبها من يحب ، ومن رأى حلماً من الشيطان فليبصق عن يساره ثلاثاً ، وليتعوذ بالله منشرها ، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه ، ولا يحدث بها أحداً فإنها لا تضره " متفق عليه.
والنوم قسيم الموتويذكر به قال - تعالى - :اللَّهُيَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِيمَنَامِهَاالزمر 42 ، وكم من نائم مات في نومته ، ومن دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - عند نومه : " إنأمسكت نفسي فارحمها " متفق عليه.
و " إذا نام العبد عقدالشيطان على قافيته ثلاث عقد يضرب على كل عقدة .. عليك ليل طويل فارقد ، فإذااستيقظ فذكر الله انحلت عقدة ، فإن توضأ انحلت عقدة ، فإن صلى انحلت عقدة ، فأصبحنشيطاً طيب النفس ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان " ، والاستيقاظ بعد النوم نعمة منالله تشكر ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا استيقظ قال : " الحمد لله الذي أحيانا من بعد ما أماتنا وإليهالنشور " ، ودعوة المستيقظ من الليل مع الذكر مستجابة ، وصلاتهمقبولة .. قال - عليه الصلاة والسلام- : " من تَعارَّ من الليل – أي استيقظ – فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولهالملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا اللهوالله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال اللهم اغفر لي أو دعا إلا استجيب له، فإن توضأ وصلى قُبِلت صلاتُه " رواهالبخاري.
ومن نام ولم يستيقظ للصلاة حتى يصبح بالالشيطان في أذنه ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليل يُشوِّص فاهبالسواك ، ومن استيقظ من نومه فليذكر الله ، وليغسل يديه ثلاثاً ، وليستنثر ثلاثاً؛ فإن الشيطان يبيت على خيشومه هكذاكان هديه عليه الصلاة والسلام وكان عليه الصلاة والسلام يذم السهر ويحذر منه عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه أن رسول الله كان يستحب أن يؤخر العشاء، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها ويقول الإمام النووي رحمه الله: "واتفق العلماء على كراهة الحديث بعد العشاء إلا ما كان في خير"
أيها المسلمون، لقد استمرأ كثير من الناس السهر المحرم الذي أدى بأكثرهم إلى تضييع صلاة الفجر حتى خروجها عن وقتها، وصار الذين يشهدونها في جماعة المسلمين في المساجد أفرادًا معدودين محدودين، وأصبح هذا السهر أمرًا عاديًا وطبعيًا لا تنكره أكثر القلوب مع أنه قال: ((أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما من الرغائب لأتوهما ولو حبوًا)) متفق عليه
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق. أخرجه مسلم فاتق الله يا عبد الله، وإياك والسمر المذموم والسهر المشؤوم، ولا تكن من الغافلين، وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَـٰنُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ
أيها المسلمون، ساعات الأسحار ساعات توبة واستغفار وتضرع وانكسار، يقول عليه الصلاة والسلام: ((ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له)) متفق عليه ويقول عليه الصلاة والسلام: ((أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر, فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله تعالى في تلك الساعة فكن)) أخرجه الترمذي أفيليق بمسلم أن يقضي هذه الأوقات الجليلة مع المزامير والطنابير وما يهيج الغرام ويحرك سواكن الوجد والهيام.
أيها الأولياء والآباء، إنكم مأمورون بكف صبيانكم عن الخروج إذا أقبل جنح الليل بقوله
((إذا كان جنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم، فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم)) متفق عليه
أيها المسلمون، وإذا كان لشياطين الجن انتشارًا وانبعاثًا في تلك الساعة اقتضى كفَّ الصبيان وحبسهم؛ فإن لشياطين الإنس في هذا الزمان انتشارًا وخطفة وانبعاثًا طوال ساعات الليل، يحاولون جر الشباب والأولاد وفلذات الأكباد إلى أوضار الانحراف والفساد، عبر مغريات وملهيات لا يحصرها حاصر، مما يوجب اليقظة والحيطة، فكونوا على حذرأعوذبالله من الشيطان الرجيم ياأيهاالذين آمنواقواأنفسكم وأهليكم ناراوقودهاالناس والحجارة عليهاملائكة غلاظ شدادلايعصون الله ماأمرهم ويفعلون مايؤمرون بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وصلى الله على المبعوث رحمة للعالمين أما بعد: فيا أيها المسلمون، اتقوا الله وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه، يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّـٰدِقِينَ أيها المسلمون، إن مما يذيب القلبَ كمدًا ويعتصر له الفؤاد ألمًا تجاوز كثير من الناس المباح إلى غير المباح في الأعراس والأفراح، وعدم اكتفائهم بما شرعه الله لهم من إعلان النكاح والتفريق بينه وبين السفاح من الضرب بالدف والغناء الذي ليس فيه دعوة ولا مدح لمحرم للنساء خاصة، حيث تجاوزوا ذلك إلى سهر لا خير فيه، ولا تحصى مساويه، أفراحٌ تضج وتعج بالمخالفات والمنكرات، ، سفه وإضاعة للمال في قبيح الفعال، وإيذاء واعتداء ناتجان عن رفع الصوت بالغناء، وبذل طائش وإسراف فاحش في المآكل والمشارب التي لا يخفى مصيرها، وتنافسٌ محموم في غلاء مذموم في ثياب الأعراس، ونساءٌ متبرجات يلبسن ثيابًا شفافة وضيقة ومجسِّمة وكاشفة وعارية وشبه عارية، ورقصات وإمالات كرقص العاهرات والكافرات،واستئجارٌ للمغنين والمغنيات والمطربين والمطربات وتصاويربالجوالات والكاميرات وربما حصل اختلاط للرجال بالنساء، فتنٌ مظلمة وأمور مخجلة سرت إلى صفوف بعض المسلمين بطريق العدوى والتقليد الأعمى. فاتقوا الله عباد الله، وانتهوا عما نهيتم، وكفوا واقصروا وسيروا على ما سار عليه الأسلافهَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ التنزيل حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًااللّهم صَل وَسَلّم على عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحمّد ، وعلى آلِه وَصَحْبهِ أَجْمَعِينَ ، وارضَ اللّهُمَّ عن الخلفاء الراشدينَ وعن بقيةِصحابة رسولِكَ أجْمَعينَ ، وعَنِ التابعينَ وتابعيـهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين ، وعنّا مَعَهُم بِرحمتـكَ يا أرْحم الراحمين .اللهم أعِزّ الإسلامَ وانْصر المسلمين ، وأذِلّ الشّركَ والْمُشْرِكينَ ، وَدَمِّرْ أعداءَك أعداءَ الدّين
عباد الله: إن في تقلُّب الليالي والأيام، وفصول السنة والأعوام، وفي تناوب الضياء والظلام، وتبدّل الحرارة والبرودة، وطلوع الشمس وأفولها، وولادة القمر واحتضاره..وغيرها من المظاهر الكونية والتغيرات المناخية والجوية عبرة لنا أي عبر،{يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ}
وإن من العبر والآيات والمنن والأعطيات أن جعل الله النوم سباتًا للناس، وجعل الليل لهم خير سكن ولباس، يقول الملك المنان في معرض الامتنان: وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً وَجَعَلْنَا ٱلَّيْلَ لِبَاساً [النبأ: 9، 10]، ويقول في ذكر الإنعام في سورة الأنْعَام: وَجَعَلَ ٱلَّيْلَ سَكَناً [الأنعام: 96]. ليلٌ تهدأ به الأنفاس، وتسكن فيه الأعضاء والحواس، وتحصل فيه الراحة والإيناس، جعله الله برحمته وفضله وقت منام ودعة وإجمام وهدوء عام، وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [القصص: 73]. وهو مِنَّةٌ من الله أمر العباد أن يشكروه عليها : اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِوَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّأَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ وهو زمن التعبد النافلة فيه أفضل من نافلة النهار ، قال - عليه الصلاة والسلام - : " أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل " رواه مسلم ، وتعلق القلوب فيه بالله أرجى فأمر الله رسوله بالإكثارمن الصلاة والتسبيح فيه : قُمِ اللَّيْلَإِلَّا قَلِيلاًالمزمل 2 ،وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاًطَوِيلاًالإنسان 26، واقتفى الصالحون أثره فـ :(كانوا قليلاً منالليل ما يهجعون ). وفيه صلاة الوتر ، والله وتر يحب الوتر ، وصلاة آخر الليل مشهودة ،و " من صلَّى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ، ومن صلى الفجر في جماعةفكأنما قام الليل كله " ، "وفي الليل ساعةمن مغيب الشمس لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله من خيري الدنيا والآخرة إلا أعطاهإياه " رواه مسلم ، "
أيها الأحبة كان الليل في زمن مضى ميدانَ سَبْق ومطيةَ مجد ومضمار صدق وجد، لا ترى فيه إلا مصليًا أو باكيًا أو تاليًا أو داعيًا، وكان السلف رحمهم الله تعالى يرونه أعظم مطية إلى الجنة العلية، أما اليوم فقد أصبح الليل لدى كثير من الناس لحظات طيش وضلال عيش، وصار السهر اليوم في الأعم الأغلب منبعًا للمعار ومجمعًا للأخطار وطريقًا للمهالك والمضار تعالوا بناأيهاالأحبة إلى بيت النبوة، لنقف على المنهج السني والهدي النبوي، فنقتفي ونقتدي، بسنة النبي محمد ، تقول عائشة رضي الله عنها: ما نام رسول الله قبل العشاء ولا سمر بعدها.أخرجه ابن ماجه وحين سمعت رضي الله عنها عروة يتحدث بعد العشاء قالت: ما هذا الحديث بعد العتمة؟! ما رأيت رسول الله راقدًا قط قبلها ولا متحدثًا بعدها، إما مصليًا فيغنم أو راقدًا فيسلم. أخرجه عبد الرزاق وعن الأسود قال: سألت عائشة رضي الله عنها: كيف كانت صلاة النبي ؟ قالت: كان ينام أول الليل ويقوم آخره. متفق عليه هكذا كان ليله بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه، فأين الاهتداء والاقتداء؟ إن النوم في أول الليل فيه خيرات وبركات وهونعمة من نعم الله الجسيمة يحتاجه الغني والفقير ، وبفضل من الله جعله يسيرا في كل مكانويناله كل مخلوق بلا ثمن تغمض العينان فترتفع الروح ، فينال الجسد الراحة والسكون ، قال - عز وجل - :وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاًالنبأ 9 ، وهو من آيات الله العظيمة الدالة على قوته وجبروته ، قال - جلَّ شأنه - :وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِوَالنَّهَارِ.. الروم 23 ، يميت البشر بالنوم ثم يوقظهم متى شاء إذاشاء. قضى الله أن تكون نَومة أهل الكهف ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاًفكان ما شاء ، وهو - سبحانه - حيٌّ قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إنالله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام ، يخفض القسط ويرفعه ، يرفع إليه عمل الليل قبلعمل النهار ، وعمل النهار قبل عمل الليل" رواه مسلم ، والشيطان يتخبطالعبد في منامه ، " من قرأ آية الكرسي قبلنومه لم يزل عليه من الله حافظ ولم يقربه شيطان حتى يصبح " رواهالبخاري. والرؤيا الصالحة في المنام من الله ، والحلم من الشيطان ، " فمن رأى رؤيا صالحة فليحمد الله عليها وليحدثبها من يحب ، ومن رأى حلماً من الشيطان فليبصق عن يساره ثلاثاً ، وليتعوذ بالله منشرها ، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه ، ولا يحدث بها أحداً فإنها لا تضره " متفق عليه.
والنوم قسيم الموتويذكر به قال - تعالى - :اللَّهُيَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِيمَنَامِهَاالزمر 42 ، وكم من نائم مات في نومته ، ومن دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - عند نومه : " إنأمسكت نفسي فارحمها " متفق عليه.
و " إذا نام العبد عقدالشيطان على قافيته ثلاث عقد يضرب على كل عقدة .. عليك ليل طويل فارقد ، فإذااستيقظ فذكر الله انحلت عقدة ، فإن توضأ انحلت عقدة ، فإن صلى انحلت عقدة ، فأصبحنشيطاً طيب النفس ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان " ، والاستيقاظ بعد النوم نعمة منالله تشكر ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا استيقظ قال : " الحمد لله الذي أحيانا من بعد ما أماتنا وإليهالنشور " ، ودعوة المستيقظ من الليل مع الذكر مستجابة ، وصلاتهمقبولة .. قال - عليه الصلاة والسلام- : " من تَعارَّ من الليل – أي استيقظ – فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولهالملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا اللهوالله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال اللهم اغفر لي أو دعا إلا استجيب له، فإن توضأ وصلى قُبِلت صلاتُه " رواهالبخاري.
ومن نام ولم يستيقظ للصلاة حتى يصبح بالالشيطان في أذنه ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليل يُشوِّص فاهبالسواك ، ومن استيقظ من نومه فليذكر الله ، وليغسل يديه ثلاثاً ، وليستنثر ثلاثاً؛ فإن الشيطان يبيت على خيشومه هكذاكان هديه عليه الصلاة والسلام وكان عليه الصلاة والسلام يذم السهر ويحذر منه عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه أن رسول الله كان يستحب أن يؤخر العشاء، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها ويقول الإمام النووي رحمه الله: "واتفق العلماء على كراهة الحديث بعد العشاء إلا ما كان في خير"
أيها المسلمون، لقد استمرأ كثير من الناس السهر المحرم الذي أدى بأكثرهم إلى تضييع صلاة الفجر حتى خروجها عن وقتها، وصار الذين يشهدونها في جماعة المسلمين في المساجد أفرادًا معدودين محدودين، وأصبح هذا السهر أمرًا عاديًا وطبعيًا لا تنكره أكثر القلوب مع أنه قال: ((أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما من الرغائب لأتوهما ولو حبوًا)) متفق عليه
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق. أخرجه مسلم فاتق الله يا عبد الله، وإياك والسمر المذموم والسهر المشؤوم، ولا تكن من الغافلين، وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَـٰنُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ
أيها المسلمون، ساعات الأسحار ساعات توبة واستغفار وتضرع وانكسار، يقول عليه الصلاة والسلام: ((ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له)) متفق عليه ويقول عليه الصلاة والسلام: ((أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر, فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله تعالى في تلك الساعة فكن)) أخرجه الترمذي أفيليق بمسلم أن يقضي هذه الأوقات الجليلة مع المزامير والطنابير وما يهيج الغرام ويحرك سواكن الوجد والهيام.
أيها الأولياء والآباء، إنكم مأمورون بكف صبيانكم عن الخروج إذا أقبل جنح الليل بقوله
((إذا كان جنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم، فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم)) متفق عليه
أيها المسلمون، وإذا كان لشياطين الجن انتشارًا وانبعاثًا في تلك الساعة اقتضى كفَّ الصبيان وحبسهم؛ فإن لشياطين الإنس في هذا الزمان انتشارًا وخطفة وانبعاثًا طوال ساعات الليل، يحاولون جر الشباب والأولاد وفلذات الأكباد إلى أوضار الانحراف والفساد، عبر مغريات وملهيات لا يحصرها حاصر، مما يوجب اليقظة والحيطة، فكونوا على حذرأعوذبالله من الشيطان الرجيم ياأيهاالذين آمنواقواأنفسكم وأهليكم ناراوقودهاالناس والحجارة عليهاملائكة غلاظ شدادلايعصون الله ماأمرهم ويفعلون مايؤمرون بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وصلى الله على المبعوث رحمة للعالمين أما بعد: فيا أيها المسلمون، اتقوا الله وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه، يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّـٰدِقِينَ أيها المسلمون، إن مما يذيب القلبَ كمدًا ويعتصر له الفؤاد ألمًا تجاوز كثير من الناس المباح إلى غير المباح في الأعراس والأفراح، وعدم اكتفائهم بما شرعه الله لهم من إعلان النكاح والتفريق بينه وبين السفاح من الضرب بالدف والغناء الذي ليس فيه دعوة ولا مدح لمحرم للنساء خاصة، حيث تجاوزوا ذلك إلى سهر لا خير فيه، ولا تحصى مساويه، أفراحٌ تضج وتعج بالمخالفات والمنكرات، ، سفه وإضاعة للمال في قبيح الفعال، وإيذاء واعتداء ناتجان عن رفع الصوت بالغناء، وبذل طائش وإسراف فاحش في المآكل والمشارب التي لا يخفى مصيرها، وتنافسٌ محموم في غلاء مذموم في ثياب الأعراس، ونساءٌ متبرجات يلبسن ثيابًا شفافة وضيقة ومجسِّمة وكاشفة وعارية وشبه عارية، ورقصات وإمالات كرقص العاهرات والكافرات،واستئجارٌ للمغنين والمغنيات والمطربين والمطربات وتصاويربالجوالات والكاميرات وربما حصل اختلاط للرجال بالنساء، فتنٌ مظلمة وأمور مخجلة سرت إلى صفوف بعض المسلمين بطريق العدوى والتقليد الأعمى. فاتقوا الله عباد الله، وانتهوا عما نهيتم، وكفوا واقصروا وسيروا على ما سار عليه الأسلافهَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ التنزيل حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًااللّهم صَل وَسَلّم على عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحمّد ، وعلى آلِه وَصَحْبهِ أَجْمَعِينَ ، وارضَ اللّهُمَّ عن الخلفاء الراشدينَ وعن بقيةِصحابة رسولِكَ أجْمَعينَ ، وعَنِ التابعينَ وتابعيـهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين ، وعنّا مَعَهُم بِرحمتـكَ يا أرْحم الراحمين .اللهم أعِزّ الإسلامَ وانْصر المسلمين ، وأذِلّ الشّركَ والْمُشْرِكينَ ، وَدَمِّرْ أعداءَك أعداءَ الدّين
المشاهدات 3978 | التعليقات 5
منصور الفرشوطي;7469 wrote:
جزاك الله خير الجزاء خطبة جميلة ورائعة وفي وقتها أيها المبارك
اللهم آمين وإياك أخي منصور
وشاكرلك مرورك الكريم
وشاكرلك مرورك الكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فجزاكم الله جميعا خيرا على ما تقدمونه لإخوانكم، وهذا تنسيق مني-حسب الوسع والجهد والطاقة-على وورد (97-2003) لهذه الخطبة لتسهيل طباعتها والانتفاع بها مع تعديل خفيف وتصرف قليل لا يضر إن شاء الله تعالى. والله يحفظكم ويرعاكم ولا تنسوني من صالح دعائكم.
المرفقات
https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/7/1/4/الليل%20والسهر-صالح%20العويد%20–ملتقى%20الخطباء.doc
https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/7/1/4/الليل%20والسهر-صالح%20العويد%20–ملتقى%20الخطباء.doc
محب لأمة الإسلام;7550 wrote:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فجزاكم الله جميعا خيرا على ما تقدمونه لإخوانكم، وهذا تنسيق مني-حسب الوسع والجهد والطاقة-على وورد (97-2003) لهذه الخطبة لتسهيل طباعتها والانتفاع بها مع تعديل خفيف وتصرف قليل لا يضر إن شاء الله تعالى. والله يحفظكم ويرعاكم ولا تنسوني من صالح دعائكم.
فجزاكم الله جميعا خيرا على ما تقدمونه لإخوانكم، وهذا تنسيق مني-حسب الوسع والجهد والطاقة-على وورد (97-2003) لهذه الخطبة لتسهيل طباعتها والانتفاع بها مع تعديل خفيف وتصرف قليل لا يضر إن شاء الله تعالى. والله يحفظكم ويرعاكم ولا تنسوني من صالح دعائكم.
بارك الله فيك وشكرسعيك
نفعني الله وإياكم لمايحبه ويرضاه
منصور الفرشوطي
جزاك الله خير الجزاء خطبة جميلة ورائعة وفي وقتها أيها المبارك
تعديل التعليق