المنهج الشرعي في التعامل مع أحداث التغيير

أبو المقداد الأثري
1432/03/07 - 2011/02/10 23:45PM
المنهج الشرعي في التعامل مع أحداث التغيير
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعود بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وأمينه على وحيّه، ومبلغ الناس شرعه، وصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد عباد الله: اتقوا الله تعالى، فإن تقوى الله جلّ وعلا هي خير زاد يبلغ إلى رضوان الله، يقول الله تعالى: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ فإن الله سبحانه وتعالى شاء وله الحكمة البالغة أن يختبر عباده بأنواع من الاختبار ، وبين أنه سبحانه وتعالى جعل هذه الدار دار امتحان وابتلاء يبلو عباده فتظهر نتيجة هذا البلاء وهذا الامتحان في ذلك اليوم العظيم الذي يجمعهم الله عز وجل فيه : {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ}، وقد أرسل الله عز وجل نبيا كريما، بلغ الرسالة وأدي الأمانة وجعل الأمة على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعده إلا هالك، صلوات الله وسلامه عليه، وقد تواردت النصوص كثيرا جدا عن أمر الفتن، واتضح من النصوص أنها تكثر وتتفاقم وتعظم في آخر الزمان، ويظهر لها دعاة وتشتبه على كثير من الناس، وهذا يدل دلالة واضحة على أن أمر الفتن إنما يقع الناس فيه لأحد سببين:
إما جهل بأمر النصوص، وإما لهوىً حمل على عناد النصوص، والضرب بها عرض الحائط، وإتيان أمور الفتن بأنواع من التأويلات الفارغة، وذلك وقع قديما وحديثا وسبب شيئا هائلا من البلايا التي أثرت أبلغ التأثير في أمة الإسلام، وبإذن الله عز وجل سنعرض له في هذه الخطبة التي هي إبراء للذمة، وبيان لحقيقة الحال وليكون المؤمنون على بصيرة من أمور الفتن في زمن قل فيه الصدق مع الله عز وجل، والجهر بكلمة الحق وإظهار ما ينبغي أن يظهر في مثل هذه الأمور، وذلك في ضوء إعلام عبث به العابثون، وتسلطوا من خلاله على إضاعة الحقائق، وعرض الأمور على خلاف ما ينبغي أن تعرض عليه، في كتاب الله وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهذا الوضع يؤكد على أهل العلم والخطباء خاصة أن يبذلوا جهدهم في بيان الحق للناس من غير مُحاباة لأحد ، متجردين من الأهواء ومتمسكين بما جاء عن الله وجاء عن رسوله r وسار عليه سلفنا الصالح، سعيا لإزالة المنكر أو تخفيفه قدر ما يستطيعون، وبيانه للناس ، والهداية بيد الله عز وجل ، { لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ }.
إخوة الإيمان لنا في هذه الخطبة عدة وقفات :
أولها/ أن المقصود من هذه الخطبة بيان منهج أهل السنة في باب الفتن، لا التعليق على الأخبار، ولا ذكر تحليلات إخبارية، لأن الأخبار والأحوال تتغير وتتقلب، فإذا كان عند المؤمن منهج واضح في التعامل مع الفتن فإنه حين تقع الفتنة في أي زمان وفي أي مكان يكون فيها على بصيرة مما أوجبه الله عليه في التعامل مع الفتن.
الوقفة الثانية:أن الناس في الفتن أنواع بحسب ما جعل الله لهم من العلم والتقى، فمنهم المبعد بنفسه النائي عنها لا يشارك فيها بقول ولا بسيف ، ومنهم المشترك والواقع فيها، ثم هؤلاء المشتركون في الفتنة أنواع، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله في الصحيحين: ((سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ فَمَنْ وَجَدَ مِنْهَا مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ)) ، وروى أبو داود وأحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي ، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي " . قَالُوا . فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ : " كُونُوا أَحْلَاسَ بُيُوتِكُمْ )) ، ولهذا ترجم العلماء رحمهم الله على هذا الحديث بما يبين المراد منه، فترجم أبو داود رحمه الله بقوله: باب النهي عن السعي في الفتنة، وترجم الآجوري بقوله: باب فضل القعود في الفتنة.
الوقفة الثالثة: من صفات الفتن أنها وليعاذ بالله تتفاقم وتزداد وتكثر وتعظم، روى مسلم في كتاب الإمارة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِى أَوَّلِهَا وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلاَءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا وَتَجِىءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَتَجِىءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ مُهْلِكَتِى. ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِىءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ هَذِهِ)) ، وذلك يعني أن الفتنة تتفاقم، فالأولى تكون كبيرة، ثم يعقبها فتنة أعظم منها، فَتَرِقُّ الأولى مع أنها شديدة بالنسبة للثانية.
ومن صفات الفتن شدة اشتباهها على الناس وكأنها مظلمة، لا يتضح فيها وجه الصواب عند الكثير ، فقد روى حذيفة رضي الله عنه في حديثه المشهور لما ذكر الفتن ومراحلها التي تمر بها قال: قال في آخره: ((فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ صَمَّاءُ عَلَيْهَا دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ النَّارِ ، فَإِنْ مُتَّ يَا حُذَيْفَةُ ! وَأَنْتَ عَاضٌّ عَلَى جِذْلٍ_ أي أصل شجرة -خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَتَّبِعَ أَحَدًا مِنْهُمْ))، نقل صاحب عون المعبود: أن المراد بكون الفتنة : عمياء صماء، أن تكون بحيث لا يُرَى منها مخرج عِيَاذًا بالله، ولا يوجد دونها مستغاث، أو أن يقع الناس فيها على غرة من غير بصيرة فَيَعْمَوْنَ فِيهَا، وَيُصَمُّونَ عَنْ تَأَمُّلِ الْحَقِّ واستماع النصح.
الوقفة الرابعة : قد بَيَّنَتِ النصوص الشرعية مايجب على المسلم حال وقوع الفتنة من المخارج الجلية الواضحة المبنية على العلم النافع، لا على الهوى والتخرص والظنون، فأرشدتنا النصوص في أمر الفتن وعلاجها إلى أمور:
منها أولاً: الفرار من الفتن وعدم التعرض لها، أو الاشتراك فيها، ففي الحديث السابق: أن الفتن من استشرف لها استشرفته، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: ((يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرُ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمًا يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ))، هذا هو الشاهد، هذا الرجل لا رغبة له في الأغنام ولا مقصد له التجارة بها، ولكنه صار يتبع شعف الجبال العالي ويتبع مواقع القطر والمطر، ليفر بدينه من الفتن ، لأن دينه أعظم ما يملك ، أعظم من روحه التي بين جنبيه، وهذا هو العلاج الأول.
العلاج الثاني: كف اللسان عن الدخول في الفتن، روى ابن أبي شيبة وأبو داود وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في شأن الفتنة: ((اللِّسَانُ فِيهَا أَشَدُّ مِنْ وَقْعِ السَّيْفِ)).
وسبب الأمر بكف اللسان، لما للسان غالبا من أثر في تحريض الناس فيحرض الناس ويشجع بعضهم على بعض ، فيلجون ولعياذ بالله في أشد أنواع الولوج في الفتنة بَدَلاً مِنْ أَنْ يُطْفِئوهَا، ويسعون في تخفيف نارها، وربما جعل بعضهم في ذلك شِعرًا، أو خطب حماسية أو مقالات وكلمات بعيدة عن لزوم الكتاب والسنة والفهم الصحيح للنصوص الشرعية والحذر من الفتن واستشرافها ، فيؤدي ذلك إلى دخول الناس في الفتنة وتشجيعهم على الولوج فيها، فيكون هذا الخطيب أو المتكلم سببا في سفك دماء كثيرة، وقد يكون بعيدا عن الفتنة والمشاركة في القتل والنهب وانتهاك الأعراض ، فما أزهق أرواحا ولا أطلق رصاصًا!! ولكنه بلسانه تسبب في الفتنة كما في الحديث: ((اللِّسَانُ فِيهَا أَشَدُّ مِنْ وَقْعِ السَّيْفِ))، ولهذا جاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه رأى خطباء الفتنة لَمَّا أُسْرِيَ به ، ذكر بأنه مر بقوم تُقْرَضُ ألسنتهم وشفاههم قرضًا، أي تقطع السنتهم تقطيع، عياذا بالله، رآهم تُقْرَضُ ألسنتهم وشِفَاهُهُمْ، كلما قرضت عادت، تنال العذاب في الآخرة نسأل الله العافية والسلامة، ، ومن هؤلاء الخطباء الذين يخطبون في الفتن ويحرضون الناس عليها.
العلاج الثالث: الذي أرشدت إليه النصوص أيضا: كف اليد، فإن كفه مثل أن تكف لسانك، فكفك ليدك من باب أولى، روى أحمد في المسند عن أُهْبَانَ بْنَ صيفي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم عهد إليه –يعني: أوصاه- ((إِذَا كَانَتْ فِتْنَةٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ اتَّخِذْ سَيْفًا مِنْ خَشَبٍ))، وفي لفظ: ((سَتَكُونُ فِتَنٌ وَفُرْقَةٌ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَاكْسِرْ سَيْفَكَ وَاتَّخِذْ سَيْفًا مِنْ خَشَبٍ))، قال رضي الله عنه: فَقَدْ وَقَعَتْ الْفِتْنَةُ وَالْفُرْقَةُ وَكَسَرْتُ سَيْفِي وَاتَّخَذْتُ سَيْفًا مِنْ خَشَبٍ، والمقصود أنه لا يدخل في القتال والفتنة.
العلاج الرابع للفتن: عدم التعجل والتروي والتثبت والتؤدة، وعدم الطيش والاستعجال في أمر الفتنة، فإن الإنسان لو أتاه أمر من أمور دنياه، من بيع أو شراء لتروى ، فكيف بأمر الفتن ، ولهذا روى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: إنها ستكون هنات وأمور مُشْبِهَاتٌ ، فَعَلَيْك بِالتُّؤَدَةِ فَتَكُونُ تَابِعًا فِي الْخَيْرِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَكُونَ رَأْسًا فِي الشَّرِّ ، يعني: عليك بالتؤدة أي التأني فخير لك أن تكون تابعا في الخير، أحسن من أن تكون رأسا من الزعماء والرؤساء الذين يبرزون في الشر والفتنة. وقد روى البخاري في كتاب الفتن من صحيحه في باب الفتنة التي تموج كموج البحر، عن خَلَفِ بْنِ حَوْشَبٍ أنهم كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَتَمَثَّلُوا بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ عِنْدَ الْفِتَنِ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
الْحَرْبُ أَوَّلُ مَــــــــا تَكُـــــونُ فَـــــتِيَّةً تَسْعَى بِزِينَتِهَا لِكُلِّ جَهُــولِ
حَتَّى إِذَا اشْتَعَلَتْ وَشَبَّ ضِرَامُهَا وَلَّتْ عَجُوزًا غَيْرَ ذَاتِ حَلِيلِ
شَمْطَـــــاءَ يُنْكَـــرُ لَوْنُهَــا وَتَغَيَّرَتْ مَكْــرُوهَةً لِلشَّـــــمِّ وَالتَّقْبِيـــلِ
ومُرَادهم بالتمثل بهذه الأبيات أن النفوس في أول ما ترد الفتن تجد أنها شغوفا مستعجلة إلى الدخول فيها، ولهذا يحرص الناس دوما على أمر الحرب والقتال والدخول في الفتنة، وعدم البحث عن علاج شرعي يزيل أو يخفف الفتنه.

الخطبة الثانية
وبهذا نتساءل، أين بعض الناس اليوم من هذا الهدي العظيم الذي تقدم في النصوص وفي كلام السلف رضي الله تعالي عنهم؟ بل أين بعض الدعاة اليوم وهم يهيجون الناس ويسوقونهم إلى الفتن بدعوى التغيير؟ فيهتفون كثيرا مشجعين على التغيير في الحكومات والحياة المعيشية، لكنهم لا يتبصرون في ثلاثة أمور، لا يكون التغيير مشروعا إلا بها:
الأمر الأول: هل الوسائل المستخدمة في التغيير شرعية أو لا؟
الأمر الثاني: هل الراية المرفوعة لإيجاد التغيير إسلامية أو جاهلية؟
الأمر الثالث: إذا تأملت في الأمرين معا هل تأملت في أمر العواقب للشروع في التغيير هل عواقب هذا التغيير مأمونة أم غير مأمونة؟
هذه أمور ثلاثة، أهل البصيرة والعلم والعقل لا يدخلون في أمر التغيير إلا من خلال تأملها، فإن سقط واحد منها فالتغيير شر محض.
التغيير أيها الإخوة، ماذا يعني في الشرع؟ باختصار شديد هو إنكار المنكر، التغيير شرعا يعني تغيير المنكر، والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مامن قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أعز منهم وأمنع لايغيرون إلا عمهم الله بعقاب))، فالتغيير الشرعي: يعني أن تنكر المنكر وانكار المنكر درجات كما فصل النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ))، وذلك يعني: ان انكار المنكر درجات ، إما باليد وإما باللسان وإما بالقلب على حسب القدرة والمصلحة المترجحة، إذن فالتغيير الذي نسمعه كثيرا في وسائل الإعلام إذا كان تغييرا حقا يعني إنكار لمنكر، فيجب أن يكون وفق درجات النهي عن المنكر الثلاث المذكورة في الحديث.
أما إذا استعملت وسائل للتغيير ليست مشروعة فهذا التغيير في نفسه منكر، حتى وإن كان حتى وإن كان الداعيين للتغيير وإزالة الظلم نواياهم طيبة ومقاصدهم صحيحة وسليمة فيقال لا تزيلوه إلا بالأسلوب الشرعي.
ثانيا أيها الإخوة: راية التغيير التي ترفع ما هي؟ هل هي إسلامية على منهج محمد صلى الله عليه وسلم وعلى منهج أصحابه وسلف الأمة؟ أم هي راية جاهلية؟
إذا كانت الراية التي ترفع ليجتمع الناس عليها ليست راية الإسلام، إنما تدعو لحكم الشعب بالشعب والحرية المطلقة وتنادي بالديمقراطية حكم الجاهلية ، فهذه باختصار شديد راية جاهلية، أيا كانت هذه الدعوة، فلا تكون راية إسلامية إلا في حال إتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه والسلف، فإن كان الأمر على غير ذلك فهي جاهلية، وإن رغم أنف من لا يريد، لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه مسلم في كتاب الإمارة: ((مَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِلْعَصَبَةِ وَيُقَاتِلُ لِلْعَصَبَةِ فَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِى)) ، وفي لفظ: ((فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ))، لأنه إذا قتل فليس في سبيل الله وإنما قتل قتلة جاهلية نسأل الله العافية والسلامة.
ومعنى الرايةُ العِمِّيَّةُ أي القتال في العصبية والأهواء.
وواقع الفتن اليوم أيها الإخوة والرايات المرفوعة في كثير من الأحيان لا ذكر فيها للإسلام أصلا. الأهداف المعلنة التي يصرح بها كثير ممن يريدون التغيير لا تتحدث عن إقامة دين الله، ولا عن إحقاق حق وفق شرع الله، أو إبطال باطل أبطلته النصوص، بل تركز في كثير من الأحوال على أمور دنيوية محضة، وكأنا سبحان الله لم نخلق إلا للدنيا، وكأن منكر الدين أمر يرمى به خلف الظهور وإنما ينظر إلى أمر المآكل والمشارب فقط، أما أمر الدين وما يعصى الله عز وجل به من الشرك والمجاهرة ليلا ونهارا بالمنكرات سرا وجهارا فهذا لا يحرك في كثير منهم ساكنا، ولهذا لا يتحدثون عنه ، وهاهنا أمر مهم جدا فبعضهم يطالب الناس بتعيين فلان وتمليك فلان، وأن يتولى زمام الأمور فلان، ويزهقون أرواحهم ليكون هو الحاكم دون غيره، وهذا ليس مقصدا مشروعا أبدا، فقد روى النسائي في تعظيم الدم من كتاب السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يجيء الرجل آخذا بيد الرجل فيقول يا رب هذا قتلني فيقول الله له لم قتلته فيقول قتلته لتكون العزة لك، فيقول فإنها لي، ويجيء الرجل آخذا بيد الرجل فيقول إن هذا قتلني فيقول الله له لم قتلته فيقول لتكون العزة لفلان، فيقول سبحانه وبحمده: إنها ليست لفلان فيبوء بإثمه))، نسأل الله العافية والسلامة،، ولهذا روى النسائي هذا الحديث عن جندب بلفظ: ((قَتَلْتُهُ عَلَى مُلْكِ فُلاَنٍ))، يعني حتي يكون فلان هو الذي يتولى، قال جندب بعد أن روى الحديث: فاتَّقِهَا، يعني: اتق أن تدخل في حرب تزهق نفسك أو نفس غيرك لأجل أن يكون فلان هو الحاكم.
الأمر الثالث: إذا تأكدت من الأمرين السابقين وصارت الراية إسلامية، وكان الغرض منها وجه الله عز وجل، واستعملت الوسائل الشرعية للتغيير، فلابد من مراعاة أمر ثالث، هل عواقب التغيير مأمونة؟
تقدمت النقول عن السلف في التثبت والتروي للفتنة، وللأسف أن الكثيرين لا يتروون في الفتنة ولا ينظرون إلى عواقب التغيير: أن كثيرين منهم يدخلون في الفتن من باب ردة الفعل وإزالة الظلم بتبني مفاهيم متحررة، وكأن شرع الله لا وسط فيه، فإما ظلم محض وإما فوضى الغرب، فلهذا ترفع في كثير من الأحيان رايات الحرية المطلقة، وهذا ليس من شرع الله، لا في قليل ولا في كثير.
و كثير من الناس يريدون التغيير ، ولا يتفكرون في العواقب التي يمكن أن تنشأ لو انفلت الأمن، هناك أناس كثيرون لا يردعهم خوف من الله، فإذا انفلت الأمر انفتحت الأبواب الواسعة لهؤلاء المفسدين في الأرض لينهبوا وليقتلوا من شاءوا وليتعرضوا للمحارم فكثير ممن يطلب التغيير لا يريد هذا و لكنه يريد التغيير ولا يتفطن إلى أن هذا التغيير المتعجرف البعيد عن منهج الشرع ولهذا ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: ما تكرهون في الجماعة، خير لكم مما تكرهون في الفرقة، يعني من وقوع بعض المنكرات، هو خير مما تتخيلون أنه سيكون لكم لو وقعت فُرْقة.
ومن الأمور المهمة وأن كثيرين لا ينتبهون لها وهو استغلال العدو المجرم الكافر للفتن وتحريكها داخل بلاد المسلمين، إما لإضعاف الأمة ونشر الفوضى والرعب فيها، أو ليتقدم عارضا مبدأه وكأنه ينتشلنا ويحل مشاكلنا، ويسوق لمبدأه الضال ويقول: عندي ما يخلصكم ويجمعكم، ألا فخذوا مبادئي وعليكم بما بنيت عليه بلدي ، ابنوا بلادكم على مثل ما بنيت عليه بلاد الفوضى في أوربا وفي غيرها تسلموا وتهدأ أحوالكم، ويُسْمَعَ لأصواتكم، فيسوغ مبادئه، والناس من شدة سعيهم في التخلص من الفوضى يرخون الآذان لمثل هذه الدعوى، فيجد العدو المتربص فرصة ليسوغ مبدأه، ويقسرون المسلمين على هذه المبادئ قسرا .
الأمر الخامس :
وختاما أقول إن كثيرين اليوم لايحسبون لعواقب الأمور ويخالفون الحق، فمن رأى أن منهج السلف الصالح غير مناسب للسياسة أو غيرها، فما ذاك إلا لفساد اعتقاده هو ، وانحرافه المنهجي ومثل ذلك انحراف أهل البدع من الجهمية والمعتزلة مثلا حينما يقرر منهج السلف في أسماء الله وصفاته، وهو كغضب الرافضة حين يقرر منهج أهل السنة فيما يتعلق بالصحابة، وكغضب المتميعين من الليبراليين وغيرهم حين يعرض منهج الحق في الجهاد في سبيل الله وفي أمر الولاء والبراء، ونحن ولله الحمد لا نلتمس رضاهم كلهم ونسأل ربنا أن يجعلنا ممن يلتمس رضاه وحده وإن غضب من غضب.
نسأل الله سبحانه بأسمائه وصفاته أن يجعلنا وإياكم وسائر المسلمين ممن يستمعون الحق فيتبعونه ولا يقدمون عليه هوى، ونسأله سبحانه وتعالى بأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، نسأله تعالى أن لا يجعله علينا ملتبسا فنضل، ونسأله سبحانه أن يصلح أحوال المسلمين وأن يرزقهم العودة الحميدة الصادقة له تبارك وتعالى، وأن يجعل ما وقع لهم من هذه الكروب والمحن سببا في عودة رعيتهم ورعاتهم، جميعا إلى الله عز وجل، فإن الله تعالى يقول: { وَتُوبُوَاْ إِلَى اللّهِ جَمِيعاً أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ}، فالواجب أن يتوب الرعاة والملوك والرؤساء، توبة إلى الله صادقة، والواجب أن يتوب الرعية والناس توبة نصوحا .
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر يا رب العالمين.اللهم فقهنا في دينك اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا ذا الجلال والإكرام
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكِّها أنت خير من زكَّاها أنت وليها ومولاه ، اللهم حبب إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين
اللهم وآمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة
اللهم أنت الله، لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدرارا اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم سقيا رحمة لا سقيا بلاء ولا عذاب ولا هدم ولا غرق ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ )
المشاهدات 4080 | التعليقات 5

هذه خارطة طريق مؤصلة للتغيير أسال الله تعالى أن يثيبك عليها
وندعوا الناس عند التفكير في التغيير إلى الانتباه الشديد لهذه الأمور.
لكنني لا أؤيد التعليق بها على أحداث مصر؛ لأن مشكلتها الحقيقية هي في تحقيق المناط وتنزيله على أحداث مصر وهذا ما تريده فيما يظهر لي، وهو أمر قد لا أتفق معك عليه.
وأنا تقريباً أتبنى ما في مقالة الشيخ إبراهيم الحقيل في المقطع المرفق.


(
ومن عبر هذا الحدث:أن من الحنكة والحكمة إمساك المرء عما لا يحسن، واشتغاله بما يحسن، وأعترف وبكل مرارة أن جمعاً من إخواننا السلفيين في مصر وخارجها قد فشلوا فشلاً ذريعاً في التعاطي مع هذه الأحداث، فبعض المشايخ كان له موقف معارض في أول الأحداث، ثم موقف متوسط في وسطها ثم موقف مؤيد في آخرها، وبعضهم يرى الشارع يغلي، والجموع تتدفق غاضبة ويريد أن يردهم عما هم فيه بدعوى أنها فتنة وهو لا يستطيع الانتصار لهم، ولا رفع الظلم عنهم، مما فسره كثير من الناس أن السلفيين أعوان للظلمة والمستبدين.
وكم كان غيظي شديداً حين رأيت عدو السلفية اللدود وزير الإعلام المصري أنس الفقي وهو يجر بعض مشايخ السلفية ليخرجهم في تلفزة النظام الرسمية ليعارضوا الثورة، وهو الذي قبل أشهر قليلة أغلق القنوات السلفية بجرة قلم وبلا جريرة، وألب عليها الرأي العام والمؤسسات الغربية، فأي فقه عند هؤلاء الشيوخ حين يتمندل بهم الطغاة، ويستخدمونهم استخدام التيس المستعار في زواج التحليل، ثم يرمونهم ويغلقون قنواتهم بعد انتهاء مهمتهم، وإهانة أمتهم؟!
ولو تأملنا مواقف كثير من أحزاب المعارضة والمستقلين والشخصيات السياسية والثقافية في أحداث مصر لوجدنا أنهم سكتوا متربصين إلى أن تبين لهم نجاح الثورة، وزلزلة عرش الفرعون فأعلنوا تأييدهم لها، ونزلوا إلى الشارع، بل حتى مشايخ الأزهر فعلوا ذلك، فلم يكن في فعلهم أي تخذيل ولا تناقض.. فما بال إخواننا السلفيين يتخبطون في مثل تلك الأحوال وهم المؤصلون شرعاً، وهذا يبين أهمية الحكمة للدعاة والعلماء، والإلمام بالواقع المعاصر، واستشارة أهل الرأي والتخصص قبل الوقوع في مثل هذه التخبطات التي تضر الدعوة ضرراً كبيراً
)
.


(وختاما أقول إن كثيرين اليوم لايحسبون لعواقب الأمور ويخالفون الحق، فمن رأى أن منهج السلف الصالح غير مناسب للسياسة أو غيرها، فما ذاك إلا لفساد اعتقاده هو ، وانحرافه المنهجي ومثل ذلك انحراف أهل البدع من الجهمية والمعتزلة مثلا حينما يقرر منهج السلف في أسماء الله وصفاته، وهو كغضب الرافضة حين يقرر منهج أهل السنة فيما يتعلق بالصحابة، وكغضب المتميعين من الليبراليين وغيرهم حين يعرض منهج الحق في الجهاد في سبيل الله وفي أمر الولاء والبراء، ونحن ولله الحمد لا نلتمس رضاهم كلهم ونسأل ربنا أن يجعلنا ممن يلتمس رضاه وحده وإن غضب من غضب.)


نسأل الله تعالى أن يعيذنا والمسلمين من الفتن ماظهر منها وما بطن


جزاك الله خيراً أبا المقداد :
لي تنبيه بسيط لو قبلته مني وفقك الله .. عند تأصيل المسائل ينبغي على المؤصل مراعاة صحة ما يستند إليه ، فمثلاً حديث :
( إنها ستكون فتنة تستنظف العرب ، قتلاها في النار ، اللسان فيها أشد من وقع السيف) .
ضعيف لا يصح :
أخرجه أبو داود (4265) ، والترمذي (2/ 27) ، وابن ماجه (3967) ، وأحمد (2/ 211-212) من طريق ليث ، عن طاوس ، عن زياد بن سيمنكوش ، عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً .
قال الترمذي مضعفاً له :
"حديث غريب ، سمعت محمد بن إسماعيل يقول : لا يعرف لزياد بن سيمنكوش غير هذا الحديث ، رواه حماد بن سلمة عن ليث فرفعه ، ورواه حماد بن زيد فأوقفه" . أهـ
وزياد بن سمنكوش قال الحافظ عنه في : "مقبول" ، يعني : عند المتابعة ، وليس له متابع بهذا اللفظ ؛ فالحديث ضعيف .
وليث - وهو ابن أبي سليم - ضعيف أيضاً .
والحديث ضعفه الشيخ الألباني وتكلم عليه في سلسلة ألأحاديث الضعيفة ، وانظر ضعيف الجامع ..
وفقنا الله وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح .


إذا رأيت الناس قد مرجت عهودهم و خفت أماناتهم و كانوا هكذا - و شبك بين أنامله - فالزم بيتك و املك عليك لسانك و خذ ما تعرف و دع ما تنكر و عليك بخاصة أمر نفسك و دع عنك أمر العامة
( ك ) عن ابن عمرو .
قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 563 في صحيح الجامع
وفي الصحيحة:
[ إذا رأيت الناس قد مرجت عهودهم وخفت أماناتهم وكانوا هكذا : وشبك بين أصابعه . قال ( الراوي ) : فقمت إليه فقلت له : كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك ؟ قال : الزم بيتك واملك عليك لسانك وخذ ما تعرف ودع ما تنكر وعليك بأمر خاصة نفسك ودع عنك أمر العامة . ]