الجوع والمجاعات (2)
الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل
1432/02/29 - 2011/02/02 20:04PM
الجُوْعُ وَالمَجَاعَاتُ (2)
أَهَمِّيَّةُ إِطْعَامِ الْطَّعَامِ فِي الْإِسْلَامِ
1/3/1432
الْحَمْدُ لله الْغَنِيِّ الْكَرِيْمِ [فَاطِرِ الْسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ] {الْأَنْعَامِ:14} نَحْمَدُهُ حَمْدَاً يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَعَظِيْمِ سُلْطَانِهِ؛ فَمَا مِنْ خَيْرٍ إِلَّا وَهُوَ مَانِحُهُ، وَمَا مِنْ ضُرٍّ إِلَّا وَهُوَ كَاشِفُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ [لَهُ مَقَالِيْدُ الْسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الْرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ] {الْشُّوْرَىْ:12} وَأَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ؛ كَانَ يَقُوْمُ وَيَنَامُ، وَيَصُوْمُ وَيُفْطِرُ، وَيَجُوعُ وَيَشْبَعُ.. لَا بَشَرَ أَكْرَمُ مِنْهُ فِيْ إِطْعَامِ الْطَّعَامِ، وَبَذْلِ المَالِ.. وَلَيْسَ فِي الْنَّاسِ أَصْبَرُ مِنْهُ عَلَى الْجُوْعِ وَاللَّأوَاءِ..أَخْرَجَهُ الْجُوْعُ مِنْ بَيْتِهِ، وَعَصَبَ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِهِ، وَهُوَ الَّذِي أَنْفَقَ أَوْدِيَةَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الْدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيْعُوْهُ، وَأَسْلِمُوا لَهُ وُجُوهَكُمْ، وَأَقِيْمُوْا لَهُ دِيْنَكُمْ، وَعَلِّقُوا بِهِ قُلُوْبَكُمْ؛ فَإِنَّ الْأَحْدَاثَ فِيْ تَسَارُعٍ، وَالاضْطِرَابَاتِ فِيْ تَفَاقُمٍ، وَزَمَنَ الْفِتَنِ الْعِظَامِ قَادِمٌ، وَلَا نَجَاةَ إِلَّا بِالله تَعَالَى، وَالتَعَلُّقِ بِهِ، وَالتَمَسُّكِ بِحَبْلِهِ، وَالْإِكْثَارِ مِنْ عِبَادَتِهِ؛ فَإِنَّنَا مَأْمُوْرُوْنَ بِذَلِكَ عِنْدَ حُدُوْثِ الْفِتَنِ؛ كَمَا قَالَ الْنَّبِيُّ ^:« الْعِبَادَةُ فِيْ الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ»رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
أَيُّهَا الْنَّاسُ: مِنْ حِكْمَةِ الله تَعَالَى فِيْ خَلْقِ الْبَشَرِ أَنَّهُ جَعَلَهُمْ يَحْتَاجُوْنَ إِلَى سَدِّ أَفْوَاهِهِمْ، وَمَلْئِ أَجْوَافِهِمْ، وَتَسْكِينِ جُوْعِهِمْ بِالْطَّعَامِ، وَهِيَ الْجِبِلَّةُ الَّتِي أَدْرَكَهَا إِبْلِيْسُ فِيْ خَلْقِ أَبِيْنَا آَدَمَ عَلَيهِ الْسَّلامُ كَمَا جَاءَ فِيْ حَدِيْثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُوْلَ الله ^ قَالَ:« لمَّا صَوَّرَ اللهُ آَدَمَ فِيْ الْجَنَّةِ تَرَكَهُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَتْرُكَهُ فَجَعَلَ إِبْلِيْسُ يُطِيْفُ بِهِ يَنْظُرُ مَا هُوَ فَلَمَّا رَآَهُ أَجْوَفَ عَرَفَ أَنَّهُ خُلِقَ خَلْقَاً لَا يَتَمَالَكُ»رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَمِنْ مَعَانِيْهِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ أَمَامَ شَهْوَةِ الْطَّعَامِ، وَمِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ غَزَا إِبْلِيْسُ آَدَمَ عَلَيهِ الْسَّلَامُ فَأَغْوَاهُ وَأَخْرَجَهُ مِنَ الْجِنَّةِ حِيْنَ زَيَّنَ لَهُ الْأَكْلَ مِنَ الْشَّجَرَةِ المُحَرَّمَةِ.
إِنَّ اللهَ تَعَالَى حِيْنَ خَلَقَ الْبَشَرَ وَجَعَلَ الْطَّعَامَ قِوَامَاً لَهُمْ، وَسَبَبَاً لِاسْتِمْرَارِ حَيَاتِهِمْ؛ رَزَقَهُمْ أَنْوَاعَ المَآكِلِ [فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ* أَنَّا صَبَبْنَا المَاءَ صَبَّاً * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقَّاً * فَأَنْبَتْنَا فِيْهَا حَبَّاً] {عَبَسَ:27} ثُمَّ عَدَّدَ سُبْحَانَهُ أَنْوَاعَاً مِنَ الْطَّعَامِ. وَفِيْ آَيَةٍ أُخْرَى [وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيْهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُوْنَ] {الْنَّحْلِ:5}.
وَجَعَلَ سُبْحَانَهُ خَلْقَ الْطَّعَامِ دَلِيلَاً عَلَى رُبُوْبِيَّتِهِ وَأُلُوْهِيَّتِهِ [قُلْ أَغَيْرَ الله أَتَّخِذُ وَلِيَّاً فَاطِرِ الْسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ] {الْأَنْعَامِ:14} وَفِيْ أَمْرِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ بِعِبَادَتِهِ سُبْحَانَهُ [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُوْنِ * مَا أُرِيْدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيْدُ أَنْ يُطْعِمُوْنِ] {الْذَّارِيَاتِ:57} وَقَالَ الْخَلِيْلُ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ مُعَدِّدَاً دَلَائِلَ رُبُوْبِيَّةِ الله تَعَالَىْ [الَّذِيْ خَلَقَنِيْ فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِيْ وَيَسْقِيْنِ] {الْشُّعَرَاءُ:79}.
ثُمَّ شَرَعَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىْ لِلْعِبَادِ مِنَ الْشَّرَائِعِ مَا يُوَافِقُ خِلْقَتَهُمْ، وَيُلَبِّي حَاجَتَهُمْ، وَيُسَكِّنُ جُوْعَهُمْ، فَجَعَلَ الْأَصْلَ حَلَّ الْطَّعَامِ، وَلَا يَحْرُمُ مِنْهُ إِلَّا مَا خَبُثَ لِضَرَرِهِ عَلَى الْإِنْسَانِ، [يَسْأَلُوْنَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الْطَّيِّبَاتُ] {الْمَائِدَةِ:4} [الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الْطَّيِّبَاتُ] {الْمَائِدَةِ:5} [يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آَمَنُوْا كُلُوْا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ] {الْبَقَرَةِ:172} وَجَاءَ الْنَّصُّ بِحَلِّ طَعَامِ الْبَحْرِ حَتَّى لِلْمُحْرِمَيْنِ الَّذِيْنَ يَحْرُمُ عَلَيهِمُ الْصَّيْدُ [أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعَاً لَكُمْ وَلِلْسَّيَّارَةِ] {الْمَائِدَةِ:96}.
وَمِنْ أَخَصِّ أَوْصَافِ الْنَّبِيِّ ^ [وَيُحِلُّ لَهُمُ الْطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ] {الْأَعْرَافِ:157} بَلْ جَاءَ الْنَّهْيُ الْصَّرِيْحُ في أَنْ يُحَرِّمَ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئَاً مِنَ الْطَّعَامِ [يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ] {الْمَائِدَةِ:87} وَأَنْكَرَ الْنَّبِيُّ ^ عَلَى مَنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ أَكَلَ الْلَّحْمِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ رَاغِبٌ عَنْ سَنَتِهِ.
وَكَانَ تَحْرِيْمُ شَيْءٍ مِنَ الْطَّعَامِ الْطَّيِّبِ نَوْعَاً مِنَ الْعُقُوْبَةِ الَّتِيْ عُوْقِبَ بِهَا بَنُوْ إِسْرَائِيْلَ [فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِيْنَ هَادُوْا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ] {الْنِّسَاءِ:160}.
وَمِنْ أَوَائِلِ الْخِطَابِ الْنَّبَوِيِّ المَكِّيِّ فِي المَرْحَلَةِ السِّرِّيَّةِ يَوْمَ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْنَّبِيِّ ^ إِلَّا حَرٌّ وَعَبْدٌ؛ سَأَلَهُ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ:«مَا الْإِسْلَامُ؟ فَقَالَ ^:طِيْبُ الْكَّلَامِ وَإِطْعَامُ الْطَّعَامِ»رَوَاهُ أَحْمَدُ. فَكَانَ إِطْعَامُ الْطَّعَامِ حَاضِرَاً فِيْ أَوَّلِ خِطَابَاتِ الْدَّعْوَةِ المَكِّيَّةِ، وَلمّا هَاجَرَ إِلَى المَدِيْنَةِ كَانَ أَوَّلُ خِطَابٍ لَهُ ^ فِيْهَا فِيْهِ ذِكْرُ الْطَّعَامِ؛ إِذْ قَالَ فِي مَقْدَمِهِ لِلْمَدِيْنَةِ:«يَا أَيُّهَا الْنَّاسُ أَفْشُوا الْسَّلَامَ وَأَطْعِمُوْا الْطَّعَامَ وَصِلُوا الْأَرْحَامَ وَصَلُّوْا بِالْلَّيْلِ وَالْنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ»رَوَاهُ الْدَّارِمِيُّ.
وَسُئِلَ الْنَّبِيُّ ^:«أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: تُطْعِمُ الْطَّعَامَ وَتَقْرَأُ الْسَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِيْ أَوْصَافِ الْأَبْرَارِ، وَذِكْرِ أَعْمَالِهِمْ الَّتِيْ اسْتَحَقُّوا بِهَا الْجَنَّةَ؛ كَانَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ [وَيُطْعِمُوْنَ الْطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيْنَاً وَيَتِيْمَاً وَأَسِيْرَاً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله لَا نُرِيْدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوْرَاً] {الْإِنْسَانَ:9}.
كَمَا كَانَ مِنْ أَوْصَافِ أَهْلِ الْنَّارِ، وَذِكْرِ أَفْعَالِهِمْ الَّتِيْ أَوْجَبَتْ لَهُمُ الْنَّارَ أَنَّهُمْ حَبَسُوا الْطَّعَامَ عَنِ المُحْتَاجِيْنَ، وَلَمْ يَدْعُوْا غَيْرَهُمْ لِلْإِطْعَامِ [مَا سَلَكَكُمْ فِيْ سَقَرَ * قَالُوْا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّيْنَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِيْنَ] {الْمُدَّثِّرُ:42-44} وَفِيْ آَيَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ [وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِيْنِ] {الْحَاقَّةُ:34}.
وَفِي الْرُّكْنِ الْثَّالِثِ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ فَرَضَ اللهُ تَعَالَى الْزَّكَاةَ فِي الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ، وَفَرَضَهَا فِيْ بَهِيْمَةِ الْأَنْعَامِ، وَكُلُّهَا طَعَامٌ وَتنْتِجُ طَعَامَاً، وَلَمْ يَكْتَفِ بِفَرْضِهَا فِيْ الْأَمْوَالِ فَقَطْ مَعَ أَنَّ الْأَمْوَالَ يُشْتَرَى بِهَا الْطَّعَامُ، وَخُصَّتْ زَكَاةُ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ بِالْطَّعَامِ، وَهِيَ فِيْ الْفَرْضِ سَابِقَةٌ لِزَكَاةِ الْأَمْوَالِ.
وَأُدْخِلَ الْإِطْعَامُ فِيْ كُلِّ الْكَفَّارَاتِ: فَفِيْ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَكَفَّارَةِ الْوَطْءِ فِيْ نَهَارِ رَمَضَانَ، فِيْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا إِطْعَامُ سِتِّيْنَ مِسْكِينَاً، وَفِيْ كَفَّارَةِ قَتْلِ الْصَّيْدِ الْحَرَامِ إِذَا لَمْ يَجِدْ مِثْلَهُ قَوَّمَ قِيْمَتَهُ وَاشْتَرَى بِهَا طَعَامَاً لِلْمَسَاكِيْنِ، وَفِيْ كَفَّارَةِ الْيَمِيْنِ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِيْنَ، وَفِيْ فِدْيَةِ ارْتِكَابِ مَحْظُوْرٍ فِيْ الْإِحْرَامِ إِطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِيْنَ.
ولما شَرَعَ اللهُ تَعَالَى الْتَّقَرُّبَ إِلَيْهِ بِالْهَدَايَا وَالْضَّحَايَا أَمَرَ بِالْإِطْعَامِ مِنْهَا [فَكُلُوْا مِنْهَا وَأَطْعِمُوْا الْبَائِسَ الْفَقِيْرَ] {الْحَجِّ:27} وَفِيْ آَيَةٍ أُخْرَى [فَكُلُوْا مِنْهَا وَأَطْعِمُوْا الْقَانِعَ وَالمُعْتَرَّ] {الْحَجِّ:36}.
وَمِنْ أَسْبَابِ الْنَّجَاةِ مِنْ عَذَابِ الْنَّارِ بَذْلُ الْطَّعَامِ لِلْمُحْتَاجِ إِلَيْهِ [أَوْ إِطْعَامٌ فِيْ يَوْمٍ ذِيْ مَسْغَبَةٍ] {الْبَلَدِ:14} أَيْ: بَذْلُهُ فِيْ المَجَاعَةِ.
وَمِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ سُوْرَةُ الْأَنْعَامِ عَالَجَتْ كَثِيْرَاً مِنْ أَحْكَامِ الْطَّعَامِ، وَسُوْرَةُ المُطَفِّفِيْنَ بُدِئَتْ بِوَعِيْدِ مِنْ يَغُشُّ فِيْ الْكَيْلِ، وَأَكْثَرُ المَكِيْلِ وَالمَوْزُوْنِ هُوَ الْطَّعَامُ [وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِيْنَ * الَّذِيْنَ إِذَا اكْتَالُوْا عَلَى الْنَّاسِ يَسْتَوْفُوْنَ * وَإِذَا كَالُوْهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ] {الْمُطَفِّفِينَ:1-3} .
وَبُعِثَ نَبِيُّ الله تَعَالَى شُعَيْبٌ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ لِيَدْعُوَ إِلَى الْتَّوْحِيْدِ، وَيَقُوْمَ بِمُهِمَّةِ الْإِصْلَاحِ الاقْتِصَادِيِّ؛ إِذْ كَانَ الْغِشُّ فِيْ كَيْلِ الْطَّعَامِ مُنْتَشِرَاً بَيْنَ قَوْمِهِ، فَقَالَ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ لَهُمْ [وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا الْنَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِيْ الْأَرْضِ مُفْسِدِيْنَ] {هُوْدٍ:85}.
وَفِيْ تَشْرِيْعَاتِ الْبُيُوْعِ وَالمُعَامَلَاتِ خُصَّ الْطَّعَامُ عَنْ غَيْرِهِ بِأَحْكَامٍ لِأَهَمِّيَّتِهِ فَجَاءَ فِي الْحَدِيْثِ:«لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ» وَنَقَلَ الْتِّرْمِذِيُّ إِجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى مَنْعِ الْاحْتِكَارِ فِي الْطَّعَامِ، وَجُعِلَتْ حِيَازَةُ الْطَّعَامِ المَبِيعِ قَبْلَ بَيْعِهِ مَرَّةً أُخْرَى أَمْرَاً وَاجِبَاً، وَجَاءَ فِيْهِ حَدِيْثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ:«كُنَّا فِيْ زَمَانِ رَسُوْلِ الله ^ نَبْتَاعُ الْطَّعَامَ فَيَبْعَثُ عَلَيْنَا مَنْ يَأْمُرُنَا بِانْتِقَالِهِ مِنَ المَكَانِ الَّذِيْ ابْتَعْنَاهُ فِيْهِ إِلَى مَكَانٍ سِوَاهُ قَبْلَ أَنْ نَبِيعَهُ»رَوَاهُ الْشَّيْخَانِ، وَكَانُوْا يُعَاقَبُوْنَ عَلَى الْإِخْلَالِ بِذَلِكَ؛ كَمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ «أَنَّهُمْ كَانُوْا يُضْرَبُوْنَ عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ الله ^ إِذَا اشْتَرَوْا طَعَامَاً جِزَافَاً أَنْ يَبِيْعُوْهُ فِيْ مَكَانِهِ حَتَّى يُحَوِّلُوهُ»رَوَاهُ الْشَّيْخَانِ.
وَهَذَا الْتَّشْدِيْدُ فِي الْطَّعَامِ لَمْ يَرِدْ فِيْ غَيْرِهِ، وَكَأَنَّ الْشَّارِعَ الْحَكِيْمَ أَرَادَ إِقْفَالَ كُلِّ طَرِيْقٍ تُؤَدِّي إِلَى احْتِكَارِ الْطَّعَامِ؛ لِأَنَّ مَعَايِّشَ الْنَّاسِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ، فَحِيْنَ يُلْزِمُ بِكَيْلِهِ وَنَقْلِهِ وَحِيَازَتِهِ بَعْدَ بَيْعِهِ قَبْلَ أَنْ يُبَاعَ مَرَّةً أُخْرَى تَكْثُرُ الْأَيْدِي الَّتِي تَتَدَاوَلُهُ، فَيَمْتَنِعُ احْتِكَارُهُ، وَيَرَاهُ الْنَّاسُ بِكَثْرَةِ انْتِقَالِهِ فِيْ الْأَيْدِي فَيَطْمَئِنُونَ عَلَى مَعَايِّشِهِمْ، وَهُوَ مَا يُسَمَّى فِيْ اصْطِلَاحِ الْعَصْرِ: تَحْقِيْقُ الْأَمْنِ الْغِذَائِيِّ، الَّذِيْ بِهِ يَكُوْنُ الِاسْتِقْرَارُ السِّيَاسِيُّ.. فَمَا تَرَكَتْ الْشَرِيعَةُ الْرَّبَّانِيَّةُ خَيْرَاً لِلْنَّاسِ إِلَّا بَيَّنَتْهُ لِيَعْمَلُوا بِهِ، وَلَا شَرَّاً إِلَّا حَذَّرَتْهُمْ مِنْهُ [وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله حُكْمَاً لِقَوْمٍ يُوْقِنُوْنَ] {الْمَائِدَةِ:50} نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُعَلِّمَنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَأَنْ يَرْزُقَنَا الْعَمَلَ بِمَا عَلَّمَنَا، وَأَنْ يَهَبَ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدَاً، إِنَّهُ سَمِيْعٌ مُجِيْبٌ.
وَأَقُوْلُ قَوْلِيْ هَذَا وَاسْتَغْفِرُ اللهَ...
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لله حَمْدَاً طَيِّبَاً كَثِيْرَاً مُبَارَكَاً فِيْهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسْولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الْدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيْعُوْهُ [يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آَمَنُوْا اتَّقُوْا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوْتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُوْنَ] {آَلِ عِمْرَانَ:102}.
أَيُّهَا الْنَّاسُ: مَنْ تَأَمَّلَ الْشَّرِيْعَةَ الْرَّبَّانِيَّةَ وَجَدَ أَنَّهَا أَوْلَتْ مَعَايِّشَ الْنَّاسِ وَأَرْزَاقَهُمْ عِنَايَةً عَظِيْمَةً، فَسَدَّتْ كُلَّ طَرِيْقٍ لِاحْتِكَارِ الْطَّعَامِ، أَوِ الْتَّضْيِيْقِ عَلَى الْنَّاسِ فِيْهِ، وَفَتَحَتْ كُلَّ طَرِيْقٍ يُؤَدِّي إِلَى إِطْعَامِ الْطَّعَامِ وَبَذْلِهِ، وَرَتَبَتْ عَلَيْهِ الْأُجُورَ الْعِظَامَ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْطَّعَامَ ضَرُوْرَةٌ لَا انْفِكَاكَ لِلْإِنْسَانِ عَنْهَا، وَلَا يَصْبِرُ عَلَى فَقْدِهَا، وَاخْتِلَالُ هَذَا الْجَانِبِ يُؤَدِّي إِلَى الِاضْطِرَابِ وَالْفِتَنِ وَذَهَابِ الْأَمْنِ، وَالْتَّارِيْخُ الْقَدِيْمُ وَالمُعَاصِرُ يَدُلَّانِ عَلَى ذَلِكَ؛ فَأَكْثَرُ الثَّوْرَاتِ عَلَى مَرِّ الْتَّارِيْخِ هِيَ ثَوْرَاتُ البَطَالَةِ وَالْفَقْرِ وَالْجُوْعِ.. هِيَ ثَوْرَاتُ الْخُبْزِ..
وَقَدْ أَفْرَدَ المُؤَرِّخُ الْمِصْرِيُّ أَبُوْ الْعَبَّاسِ المَقْرِيزِيُّ كِتَابَاً فِيْ مَجَاعَاتِ مِصْرَ الَّتِي أَدَّتْ إِلَى ثَوْرَاتٍ عَارِمَةٍ، أَوْ إِلَى مَوْتٍ ذَرِيْعٍ بِسَبَبِ الْجُوْعِ وَالْوَبَاءِ، وَقَدْ كَتَبَ كِتَابَهُ فِيْ أَوَائِلِ الْقَرْنِ الْتَّاسِعِ الْهِجْرِيِّ بِأَحَاسِيْسِهِ وَدُمُوْعِهِ؛ لِأَنَّ ابْنَتَهُ الْوَحِيدَةَ قَضَتْ فِيْ الْوَبَاءِ الَّذِي أَعْقَبَ الْجُوْعَ فِيْ تِلْكَ الْفَتْرَةِ، وَسَمَّاهُ (إِغَاثَةَ الْأُمَّةِ بِكَشْفِ الْغُمَّةِ) أَرَادَ بِهِ أَنَّ يُخَفِّفَ عَنِ الْنَّاسِ مُصَابَهُمْ بِذِكْرِ مُصَابِ مِنْ كَانُوْا قَبْلَهُمْ مِمَّا هُوَ أَشَدُّ مِنْ مُصَابِهِمْ، وَجَمَعَ فِيْهِ مِنْ أَخْبَارِ المَجَاعَاتِ وَثَوْرَاتِهَا مَا يَشِيْبُ لِهَوْلِهِ الْوِلْدَانُ..
وَالْثَّوْرَةُ الْفَرَنْسِيَّةُ المَشْهُوْرَةُ كَانَ أَهَمُّ سَبَبٍ لاشْتِعَالِهَا الْجُوعَ، وَالْثَّوْرَةُ الْبُلْشُفِيَّةُ كَانَ عِمَادَهَا الْفِكْرُ الاشْتِرَاكِيُّ فِيْ الْاقْتِصَادِ لِلْقَضَاءِ عَلَى الْفَقْرِ وَالْجُوْعِ، وَكُلُّ الَّذِيْنَ شَرَّحُوا الثَّوْرَاتِ الْكُبْرَى فِيْ الْتَّارِيْخِ الْبَشَرِيِّ وَجَدُوْا أَنَّ الْعَامِلَ الاقْتِصَادِيَّ هُوَ الْجَامِعُ بَيْنَهَا، وَالمُؤَثِرُ فِيْهَا.
وَالمُؤَرِّخُ الْأَمْرِيْكِيُّ اللَّامِعُ دْيُوْرَانَتْ الَّذِيْ أَمْضَى عُمُرَهُ المَدِيْدَ فِيْ كِتَابَةِ قِصَّةِ الْحَضَارَةِ فَأَنْجَزَهَا فِيْ أَرْبَعِيْنَ مُجَلَّدَاً ضَخْمَاً لَخَّصَ دُرُوْسَ الْتَّارِيْخِ الاقْتِصَادِيَّةِ فِيْ أَنْ تَرْكِيْزَ الثَّرْوَةِ شَيْءٌ طَبْعِيٌّ وَحَتْمِيٌّ، تُلَطِّفُهُ دَوْرِيَّاً إِعَادَةُ تَوْزِيْعِهِا جُزْئِيَّاً بِعُنْفٍ أَوْ بِهُدُوْءٍ –يَقْصِدُ إِعَادَةَ تَوْزِيْعِهِا بِالثَوْرَاتِ وَهُوَ الْعُنْفُ أَوْ بِالْإِصْلَاحِ الاقْتِصَادِيِّ وَهُوَ الْهُدُوءُ- قَالَ: وَفِيْ ضَوْءِ هَذِهِ الْفِكْرَةِ يَكُوْنُ الْتَّارِيْخُ الاقْتِصَادِيُّ كُلُّهُ أَشْبَهَ بِنَبَضَاتِ الْقَلْبِ الْبَطِيئَةِ لِلْكَائِنِ الِاجْتِمَاعِيِّ، فَهُوَ انْقِبَاضٌ وَانْبِسَاطٌ هَائِلَانِ فِيْ تَرْكِيْزِ الثَّرْوَةِ وَإِعَادَةِ تَوْزِيْعِهِا بِالْإِكْرَاهِ.اهـ
إِنَّ تَشَارُكَ مُلَّاكِ الْأَمْوَالِ مَعَ صُنَّاعِ الْقَرَارِ يُؤَدِّي إِلَى الْفَسَادِ المَالِيِّ وَالإِدَارِيِّ، وَاسْتِحْوَاذِ فِئَاتٍ قَلِيْلَةٍ عَلَى ثَرَوَاتٍ طَائِلَةٍ، فَتَنْتَشِرُ الْبَطَالَةُ، وَيَعْقُبُهَا الْفَقْرُ ثُمَّ الْجُوْعُ، وَإِذَا بَلَغَ الْنَّاسُ مَرْحَلَةَ الْجُوْعِ بَدَتْ بِوَادِرُ الثَّوْرَةِ فِيْهِمْ، يُغَذِّيهَا مَخْزُوْنٌ هَائِلٌ مِنَ الْسَّخَطِ وَالْغَضَبِ تَرَاكَمَ مَعَ الْأَيَّامِ، وَازْدَادَ مَعَ زِيَادَةِ الْفَسَادِ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْنَّاسُ فَيَخْتَلَّ الْأَمْنُ، وَيَخْسَرَ الْجَمِيْعُ حُكَّامَاً وَمَحْكُوْمِيْنَ..أَغْنِيَاءَ وَفُقَرَاءَ.. وَلِذَا فَإِنَّ مِنَ الْكَيَاسَةِ وَحُسْنِ الْسِيَاسَةِ دَعْمُ السِّلَعِ الْضَّرُوْرِيَّةِ لِلْنَّاسِ لِتَكُوْنَ فِيْ مُتَنَاوَلِ الْجَمِيْعِ، وَتَقْلِيْصُ الْفَارِقِ بَيْنَ الْفُقَرَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ، بِدَعْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْحَدِّ مِنْ تَسَلُّطِ الْأَغْنِيَاءِ، وَكُلَّمَا كَانَتِ الْطَّبَقَةُ المُتَوَسِّطَةُ هِيَ الْأَكْثَرَ كَانَ ذَلِكَ أَدْعَى لِلْأَمْنِ وَالاسْتِقْرِارِ، وَكُلَّمَا تَلَاشَتِ الْطَّبَقَةُ المُتَوَسِّطَةُ لِصَالِحِ طِبْقَتِي الْفُقَرَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ اقْتَرَبَ الْنَّاسُ مِنْ حِمَى الثَّوْرَةِ وَالْفَوْضَى، وَإِذَا وَقَعَ ذَلِكَ فَلَنْ يَنْفَعَ نَدَمُ نَادِمٍ، وَلَنْ يُجْدِيَ إِصْلَاحُ مُصْلِحٍ، وَفِيْ أَخْبَارِ المَاضِيْ وَأَحْدَاثِ الْحَاضِرِ عِبَرٌ لِلْمُعْتَبِرِيْنَ، وَآَيَاتٌ لِلْمُتَّعِظِينَ، وَفِي الْقُرْآَنِ الْعَظِيْمِ [إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِيْنُ] {الْقَصَصَ:26} وَمَا أَقَلَّ الْأَمَانَةَ وَأَكْثَرَ الْخِيَانَةَ فِيْ هَذَا الْزَّمَنِ.
وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى نَبِيِّكُمْ..
أَهَمِّيَّةُ إِطْعَامِ الْطَّعَامِ فِي الْإِسْلَامِ
1/3/1432
الْحَمْدُ لله الْغَنِيِّ الْكَرِيْمِ [فَاطِرِ الْسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ] {الْأَنْعَامِ:14} نَحْمَدُهُ حَمْدَاً يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَعَظِيْمِ سُلْطَانِهِ؛ فَمَا مِنْ خَيْرٍ إِلَّا وَهُوَ مَانِحُهُ، وَمَا مِنْ ضُرٍّ إِلَّا وَهُوَ كَاشِفُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ [لَهُ مَقَالِيْدُ الْسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الْرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ] {الْشُّوْرَىْ:12} وَأَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ؛ كَانَ يَقُوْمُ وَيَنَامُ، وَيَصُوْمُ وَيُفْطِرُ، وَيَجُوعُ وَيَشْبَعُ.. لَا بَشَرَ أَكْرَمُ مِنْهُ فِيْ إِطْعَامِ الْطَّعَامِ، وَبَذْلِ المَالِ.. وَلَيْسَ فِي الْنَّاسِ أَصْبَرُ مِنْهُ عَلَى الْجُوْعِ وَاللَّأوَاءِ..أَخْرَجَهُ الْجُوْعُ مِنْ بَيْتِهِ، وَعَصَبَ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِهِ، وَهُوَ الَّذِي أَنْفَقَ أَوْدِيَةَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الْدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيْعُوْهُ، وَأَسْلِمُوا لَهُ وُجُوهَكُمْ، وَأَقِيْمُوْا لَهُ دِيْنَكُمْ، وَعَلِّقُوا بِهِ قُلُوْبَكُمْ؛ فَإِنَّ الْأَحْدَاثَ فِيْ تَسَارُعٍ، وَالاضْطِرَابَاتِ فِيْ تَفَاقُمٍ، وَزَمَنَ الْفِتَنِ الْعِظَامِ قَادِمٌ، وَلَا نَجَاةَ إِلَّا بِالله تَعَالَى، وَالتَعَلُّقِ بِهِ، وَالتَمَسُّكِ بِحَبْلِهِ، وَالْإِكْثَارِ مِنْ عِبَادَتِهِ؛ فَإِنَّنَا مَأْمُوْرُوْنَ بِذَلِكَ عِنْدَ حُدُوْثِ الْفِتَنِ؛ كَمَا قَالَ الْنَّبِيُّ ^:« الْعِبَادَةُ فِيْ الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ»رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
أَيُّهَا الْنَّاسُ: مِنْ حِكْمَةِ الله تَعَالَى فِيْ خَلْقِ الْبَشَرِ أَنَّهُ جَعَلَهُمْ يَحْتَاجُوْنَ إِلَى سَدِّ أَفْوَاهِهِمْ، وَمَلْئِ أَجْوَافِهِمْ، وَتَسْكِينِ جُوْعِهِمْ بِالْطَّعَامِ، وَهِيَ الْجِبِلَّةُ الَّتِي أَدْرَكَهَا إِبْلِيْسُ فِيْ خَلْقِ أَبِيْنَا آَدَمَ عَلَيهِ الْسَّلامُ كَمَا جَاءَ فِيْ حَدِيْثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُوْلَ الله ^ قَالَ:« لمَّا صَوَّرَ اللهُ آَدَمَ فِيْ الْجَنَّةِ تَرَكَهُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَتْرُكَهُ فَجَعَلَ إِبْلِيْسُ يُطِيْفُ بِهِ يَنْظُرُ مَا هُوَ فَلَمَّا رَآَهُ أَجْوَفَ عَرَفَ أَنَّهُ خُلِقَ خَلْقَاً لَا يَتَمَالَكُ»رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَمِنْ مَعَانِيْهِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ أَمَامَ شَهْوَةِ الْطَّعَامِ، وَمِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ غَزَا إِبْلِيْسُ آَدَمَ عَلَيهِ الْسَّلَامُ فَأَغْوَاهُ وَأَخْرَجَهُ مِنَ الْجِنَّةِ حِيْنَ زَيَّنَ لَهُ الْأَكْلَ مِنَ الْشَّجَرَةِ المُحَرَّمَةِ.
إِنَّ اللهَ تَعَالَى حِيْنَ خَلَقَ الْبَشَرَ وَجَعَلَ الْطَّعَامَ قِوَامَاً لَهُمْ، وَسَبَبَاً لِاسْتِمْرَارِ حَيَاتِهِمْ؛ رَزَقَهُمْ أَنْوَاعَ المَآكِلِ [فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ* أَنَّا صَبَبْنَا المَاءَ صَبَّاً * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقَّاً * فَأَنْبَتْنَا فِيْهَا حَبَّاً] {عَبَسَ:27} ثُمَّ عَدَّدَ سُبْحَانَهُ أَنْوَاعَاً مِنَ الْطَّعَامِ. وَفِيْ آَيَةٍ أُخْرَى [وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيْهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُوْنَ] {الْنَّحْلِ:5}.
وَجَعَلَ سُبْحَانَهُ خَلْقَ الْطَّعَامِ دَلِيلَاً عَلَى رُبُوْبِيَّتِهِ وَأُلُوْهِيَّتِهِ [قُلْ أَغَيْرَ الله أَتَّخِذُ وَلِيَّاً فَاطِرِ الْسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ] {الْأَنْعَامِ:14} وَفِيْ أَمْرِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ بِعِبَادَتِهِ سُبْحَانَهُ [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُوْنِ * مَا أُرِيْدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيْدُ أَنْ يُطْعِمُوْنِ] {الْذَّارِيَاتِ:57} وَقَالَ الْخَلِيْلُ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ مُعَدِّدَاً دَلَائِلَ رُبُوْبِيَّةِ الله تَعَالَىْ [الَّذِيْ خَلَقَنِيْ فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِيْ وَيَسْقِيْنِ] {الْشُّعَرَاءُ:79}.
ثُمَّ شَرَعَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىْ لِلْعِبَادِ مِنَ الْشَّرَائِعِ مَا يُوَافِقُ خِلْقَتَهُمْ، وَيُلَبِّي حَاجَتَهُمْ، وَيُسَكِّنُ جُوْعَهُمْ، فَجَعَلَ الْأَصْلَ حَلَّ الْطَّعَامِ، وَلَا يَحْرُمُ مِنْهُ إِلَّا مَا خَبُثَ لِضَرَرِهِ عَلَى الْإِنْسَانِ، [يَسْأَلُوْنَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الْطَّيِّبَاتُ] {الْمَائِدَةِ:4} [الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الْطَّيِّبَاتُ] {الْمَائِدَةِ:5} [يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آَمَنُوْا كُلُوْا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ] {الْبَقَرَةِ:172} وَجَاءَ الْنَّصُّ بِحَلِّ طَعَامِ الْبَحْرِ حَتَّى لِلْمُحْرِمَيْنِ الَّذِيْنَ يَحْرُمُ عَلَيهِمُ الْصَّيْدُ [أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعَاً لَكُمْ وَلِلْسَّيَّارَةِ] {الْمَائِدَةِ:96}.
وَمِنْ أَخَصِّ أَوْصَافِ الْنَّبِيِّ ^ [وَيُحِلُّ لَهُمُ الْطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ] {الْأَعْرَافِ:157} بَلْ جَاءَ الْنَّهْيُ الْصَّرِيْحُ في أَنْ يُحَرِّمَ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئَاً مِنَ الْطَّعَامِ [يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ] {الْمَائِدَةِ:87} وَأَنْكَرَ الْنَّبِيُّ ^ عَلَى مَنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ أَكَلَ الْلَّحْمِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ رَاغِبٌ عَنْ سَنَتِهِ.
وَكَانَ تَحْرِيْمُ شَيْءٍ مِنَ الْطَّعَامِ الْطَّيِّبِ نَوْعَاً مِنَ الْعُقُوْبَةِ الَّتِيْ عُوْقِبَ بِهَا بَنُوْ إِسْرَائِيْلَ [فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِيْنَ هَادُوْا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ] {الْنِّسَاءِ:160}.
وَمِنْ أَوَائِلِ الْخِطَابِ الْنَّبَوِيِّ المَكِّيِّ فِي المَرْحَلَةِ السِّرِّيَّةِ يَوْمَ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْنَّبِيِّ ^ إِلَّا حَرٌّ وَعَبْدٌ؛ سَأَلَهُ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ:«مَا الْإِسْلَامُ؟ فَقَالَ ^:طِيْبُ الْكَّلَامِ وَإِطْعَامُ الْطَّعَامِ»رَوَاهُ أَحْمَدُ. فَكَانَ إِطْعَامُ الْطَّعَامِ حَاضِرَاً فِيْ أَوَّلِ خِطَابَاتِ الْدَّعْوَةِ المَكِّيَّةِ، وَلمّا هَاجَرَ إِلَى المَدِيْنَةِ كَانَ أَوَّلُ خِطَابٍ لَهُ ^ فِيْهَا فِيْهِ ذِكْرُ الْطَّعَامِ؛ إِذْ قَالَ فِي مَقْدَمِهِ لِلْمَدِيْنَةِ:«يَا أَيُّهَا الْنَّاسُ أَفْشُوا الْسَّلَامَ وَأَطْعِمُوْا الْطَّعَامَ وَصِلُوا الْأَرْحَامَ وَصَلُّوْا بِالْلَّيْلِ وَالْنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ»رَوَاهُ الْدَّارِمِيُّ.
وَسُئِلَ الْنَّبِيُّ ^:«أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: تُطْعِمُ الْطَّعَامَ وَتَقْرَأُ الْسَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِيْ أَوْصَافِ الْأَبْرَارِ، وَذِكْرِ أَعْمَالِهِمْ الَّتِيْ اسْتَحَقُّوا بِهَا الْجَنَّةَ؛ كَانَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ [وَيُطْعِمُوْنَ الْطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيْنَاً وَيَتِيْمَاً وَأَسِيْرَاً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله لَا نُرِيْدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوْرَاً] {الْإِنْسَانَ:9}.
كَمَا كَانَ مِنْ أَوْصَافِ أَهْلِ الْنَّارِ، وَذِكْرِ أَفْعَالِهِمْ الَّتِيْ أَوْجَبَتْ لَهُمُ الْنَّارَ أَنَّهُمْ حَبَسُوا الْطَّعَامَ عَنِ المُحْتَاجِيْنَ، وَلَمْ يَدْعُوْا غَيْرَهُمْ لِلْإِطْعَامِ [مَا سَلَكَكُمْ فِيْ سَقَرَ * قَالُوْا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّيْنَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِيْنَ] {الْمُدَّثِّرُ:42-44} وَفِيْ آَيَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ [وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِيْنِ] {الْحَاقَّةُ:34}.
وَفِي الْرُّكْنِ الْثَّالِثِ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ فَرَضَ اللهُ تَعَالَى الْزَّكَاةَ فِي الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ، وَفَرَضَهَا فِيْ بَهِيْمَةِ الْأَنْعَامِ، وَكُلُّهَا طَعَامٌ وَتنْتِجُ طَعَامَاً، وَلَمْ يَكْتَفِ بِفَرْضِهَا فِيْ الْأَمْوَالِ فَقَطْ مَعَ أَنَّ الْأَمْوَالَ يُشْتَرَى بِهَا الْطَّعَامُ، وَخُصَّتْ زَكَاةُ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ بِالْطَّعَامِ، وَهِيَ فِيْ الْفَرْضِ سَابِقَةٌ لِزَكَاةِ الْأَمْوَالِ.
وَأُدْخِلَ الْإِطْعَامُ فِيْ كُلِّ الْكَفَّارَاتِ: فَفِيْ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَكَفَّارَةِ الْوَطْءِ فِيْ نَهَارِ رَمَضَانَ، فِيْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا إِطْعَامُ سِتِّيْنَ مِسْكِينَاً، وَفِيْ كَفَّارَةِ قَتْلِ الْصَّيْدِ الْحَرَامِ إِذَا لَمْ يَجِدْ مِثْلَهُ قَوَّمَ قِيْمَتَهُ وَاشْتَرَى بِهَا طَعَامَاً لِلْمَسَاكِيْنِ، وَفِيْ كَفَّارَةِ الْيَمِيْنِ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِيْنَ، وَفِيْ فِدْيَةِ ارْتِكَابِ مَحْظُوْرٍ فِيْ الْإِحْرَامِ إِطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِيْنَ.
ولما شَرَعَ اللهُ تَعَالَى الْتَّقَرُّبَ إِلَيْهِ بِالْهَدَايَا وَالْضَّحَايَا أَمَرَ بِالْإِطْعَامِ مِنْهَا [فَكُلُوْا مِنْهَا وَأَطْعِمُوْا الْبَائِسَ الْفَقِيْرَ] {الْحَجِّ:27} وَفِيْ آَيَةٍ أُخْرَى [فَكُلُوْا مِنْهَا وَأَطْعِمُوْا الْقَانِعَ وَالمُعْتَرَّ] {الْحَجِّ:36}.
وَمِنْ أَسْبَابِ الْنَّجَاةِ مِنْ عَذَابِ الْنَّارِ بَذْلُ الْطَّعَامِ لِلْمُحْتَاجِ إِلَيْهِ [أَوْ إِطْعَامٌ فِيْ يَوْمٍ ذِيْ مَسْغَبَةٍ] {الْبَلَدِ:14} أَيْ: بَذْلُهُ فِيْ المَجَاعَةِ.
وَمِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ سُوْرَةُ الْأَنْعَامِ عَالَجَتْ كَثِيْرَاً مِنْ أَحْكَامِ الْطَّعَامِ، وَسُوْرَةُ المُطَفِّفِيْنَ بُدِئَتْ بِوَعِيْدِ مِنْ يَغُشُّ فِيْ الْكَيْلِ، وَأَكْثَرُ المَكِيْلِ وَالمَوْزُوْنِ هُوَ الْطَّعَامُ [وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِيْنَ * الَّذِيْنَ إِذَا اكْتَالُوْا عَلَى الْنَّاسِ يَسْتَوْفُوْنَ * وَإِذَا كَالُوْهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ] {الْمُطَفِّفِينَ:1-3} .
وَبُعِثَ نَبِيُّ الله تَعَالَى شُعَيْبٌ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ لِيَدْعُوَ إِلَى الْتَّوْحِيْدِ، وَيَقُوْمَ بِمُهِمَّةِ الْإِصْلَاحِ الاقْتِصَادِيِّ؛ إِذْ كَانَ الْغِشُّ فِيْ كَيْلِ الْطَّعَامِ مُنْتَشِرَاً بَيْنَ قَوْمِهِ، فَقَالَ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ لَهُمْ [وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا الْنَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِيْ الْأَرْضِ مُفْسِدِيْنَ] {هُوْدٍ:85}.
وَفِيْ تَشْرِيْعَاتِ الْبُيُوْعِ وَالمُعَامَلَاتِ خُصَّ الْطَّعَامُ عَنْ غَيْرِهِ بِأَحْكَامٍ لِأَهَمِّيَّتِهِ فَجَاءَ فِي الْحَدِيْثِ:«لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ» وَنَقَلَ الْتِّرْمِذِيُّ إِجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى مَنْعِ الْاحْتِكَارِ فِي الْطَّعَامِ، وَجُعِلَتْ حِيَازَةُ الْطَّعَامِ المَبِيعِ قَبْلَ بَيْعِهِ مَرَّةً أُخْرَى أَمْرَاً وَاجِبَاً، وَجَاءَ فِيْهِ حَدِيْثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ:«كُنَّا فِيْ زَمَانِ رَسُوْلِ الله ^ نَبْتَاعُ الْطَّعَامَ فَيَبْعَثُ عَلَيْنَا مَنْ يَأْمُرُنَا بِانْتِقَالِهِ مِنَ المَكَانِ الَّذِيْ ابْتَعْنَاهُ فِيْهِ إِلَى مَكَانٍ سِوَاهُ قَبْلَ أَنْ نَبِيعَهُ»رَوَاهُ الْشَّيْخَانِ، وَكَانُوْا يُعَاقَبُوْنَ عَلَى الْإِخْلَالِ بِذَلِكَ؛ كَمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ «أَنَّهُمْ كَانُوْا يُضْرَبُوْنَ عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ الله ^ إِذَا اشْتَرَوْا طَعَامَاً جِزَافَاً أَنْ يَبِيْعُوْهُ فِيْ مَكَانِهِ حَتَّى يُحَوِّلُوهُ»رَوَاهُ الْشَّيْخَانِ.
وَهَذَا الْتَّشْدِيْدُ فِي الْطَّعَامِ لَمْ يَرِدْ فِيْ غَيْرِهِ، وَكَأَنَّ الْشَّارِعَ الْحَكِيْمَ أَرَادَ إِقْفَالَ كُلِّ طَرِيْقٍ تُؤَدِّي إِلَى احْتِكَارِ الْطَّعَامِ؛ لِأَنَّ مَعَايِّشَ الْنَّاسِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ، فَحِيْنَ يُلْزِمُ بِكَيْلِهِ وَنَقْلِهِ وَحِيَازَتِهِ بَعْدَ بَيْعِهِ قَبْلَ أَنْ يُبَاعَ مَرَّةً أُخْرَى تَكْثُرُ الْأَيْدِي الَّتِي تَتَدَاوَلُهُ، فَيَمْتَنِعُ احْتِكَارُهُ، وَيَرَاهُ الْنَّاسُ بِكَثْرَةِ انْتِقَالِهِ فِيْ الْأَيْدِي فَيَطْمَئِنُونَ عَلَى مَعَايِّشِهِمْ، وَهُوَ مَا يُسَمَّى فِيْ اصْطِلَاحِ الْعَصْرِ: تَحْقِيْقُ الْأَمْنِ الْغِذَائِيِّ، الَّذِيْ بِهِ يَكُوْنُ الِاسْتِقْرَارُ السِّيَاسِيُّ.. فَمَا تَرَكَتْ الْشَرِيعَةُ الْرَّبَّانِيَّةُ خَيْرَاً لِلْنَّاسِ إِلَّا بَيَّنَتْهُ لِيَعْمَلُوا بِهِ، وَلَا شَرَّاً إِلَّا حَذَّرَتْهُمْ مِنْهُ [وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله حُكْمَاً لِقَوْمٍ يُوْقِنُوْنَ] {الْمَائِدَةِ:50} نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُعَلِّمَنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَأَنْ يَرْزُقَنَا الْعَمَلَ بِمَا عَلَّمَنَا، وَأَنْ يَهَبَ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدَاً، إِنَّهُ سَمِيْعٌ مُجِيْبٌ.
وَأَقُوْلُ قَوْلِيْ هَذَا وَاسْتَغْفِرُ اللهَ...
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لله حَمْدَاً طَيِّبَاً كَثِيْرَاً مُبَارَكَاً فِيْهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسْولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الْدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيْعُوْهُ [يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آَمَنُوْا اتَّقُوْا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوْتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُوْنَ] {آَلِ عِمْرَانَ:102}.
أَيُّهَا الْنَّاسُ: مَنْ تَأَمَّلَ الْشَّرِيْعَةَ الْرَّبَّانِيَّةَ وَجَدَ أَنَّهَا أَوْلَتْ مَعَايِّشَ الْنَّاسِ وَأَرْزَاقَهُمْ عِنَايَةً عَظِيْمَةً، فَسَدَّتْ كُلَّ طَرِيْقٍ لِاحْتِكَارِ الْطَّعَامِ، أَوِ الْتَّضْيِيْقِ عَلَى الْنَّاسِ فِيْهِ، وَفَتَحَتْ كُلَّ طَرِيْقٍ يُؤَدِّي إِلَى إِطْعَامِ الْطَّعَامِ وَبَذْلِهِ، وَرَتَبَتْ عَلَيْهِ الْأُجُورَ الْعِظَامَ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْطَّعَامَ ضَرُوْرَةٌ لَا انْفِكَاكَ لِلْإِنْسَانِ عَنْهَا، وَلَا يَصْبِرُ عَلَى فَقْدِهَا، وَاخْتِلَالُ هَذَا الْجَانِبِ يُؤَدِّي إِلَى الِاضْطِرَابِ وَالْفِتَنِ وَذَهَابِ الْأَمْنِ، وَالْتَّارِيْخُ الْقَدِيْمُ وَالمُعَاصِرُ يَدُلَّانِ عَلَى ذَلِكَ؛ فَأَكْثَرُ الثَّوْرَاتِ عَلَى مَرِّ الْتَّارِيْخِ هِيَ ثَوْرَاتُ البَطَالَةِ وَالْفَقْرِ وَالْجُوْعِ.. هِيَ ثَوْرَاتُ الْخُبْزِ..
وَقَدْ أَفْرَدَ المُؤَرِّخُ الْمِصْرِيُّ أَبُوْ الْعَبَّاسِ المَقْرِيزِيُّ كِتَابَاً فِيْ مَجَاعَاتِ مِصْرَ الَّتِي أَدَّتْ إِلَى ثَوْرَاتٍ عَارِمَةٍ، أَوْ إِلَى مَوْتٍ ذَرِيْعٍ بِسَبَبِ الْجُوْعِ وَالْوَبَاءِ، وَقَدْ كَتَبَ كِتَابَهُ فِيْ أَوَائِلِ الْقَرْنِ الْتَّاسِعِ الْهِجْرِيِّ بِأَحَاسِيْسِهِ وَدُمُوْعِهِ؛ لِأَنَّ ابْنَتَهُ الْوَحِيدَةَ قَضَتْ فِيْ الْوَبَاءِ الَّذِي أَعْقَبَ الْجُوْعَ فِيْ تِلْكَ الْفَتْرَةِ، وَسَمَّاهُ (إِغَاثَةَ الْأُمَّةِ بِكَشْفِ الْغُمَّةِ) أَرَادَ بِهِ أَنَّ يُخَفِّفَ عَنِ الْنَّاسِ مُصَابَهُمْ بِذِكْرِ مُصَابِ مِنْ كَانُوْا قَبْلَهُمْ مِمَّا هُوَ أَشَدُّ مِنْ مُصَابِهِمْ، وَجَمَعَ فِيْهِ مِنْ أَخْبَارِ المَجَاعَاتِ وَثَوْرَاتِهَا مَا يَشِيْبُ لِهَوْلِهِ الْوِلْدَانُ..
وَالْثَّوْرَةُ الْفَرَنْسِيَّةُ المَشْهُوْرَةُ كَانَ أَهَمُّ سَبَبٍ لاشْتِعَالِهَا الْجُوعَ، وَالْثَّوْرَةُ الْبُلْشُفِيَّةُ كَانَ عِمَادَهَا الْفِكْرُ الاشْتِرَاكِيُّ فِيْ الْاقْتِصَادِ لِلْقَضَاءِ عَلَى الْفَقْرِ وَالْجُوْعِ، وَكُلُّ الَّذِيْنَ شَرَّحُوا الثَّوْرَاتِ الْكُبْرَى فِيْ الْتَّارِيْخِ الْبَشَرِيِّ وَجَدُوْا أَنَّ الْعَامِلَ الاقْتِصَادِيَّ هُوَ الْجَامِعُ بَيْنَهَا، وَالمُؤَثِرُ فِيْهَا.
وَالمُؤَرِّخُ الْأَمْرِيْكِيُّ اللَّامِعُ دْيُوْرَانَتْ الَّذِيْ أَمْضَى عُمُرَهُ المَدِيْدَ فِيْ كِتَابَةِ قِصَّةِ الْحَضَارَةِ فَأَنْجَزَهَا فِيْ أَرْبَعِيْنَ مُجَلَّدَاً ضَخْمَاً لَخَّصَ دُرُوْسَ الْتَّارِيْخِ الاقْتِصَادِيَّةِ فِيْ أَنْ تَرْكِيْزَ الثَّرْوَةِ شَيْءٌ طَبْعِيٌّ وَحَتْمِيٌّ، تُلَطِّفُهُ دَوْرِيَّاً إِعَادَةُ تَوْزِيْعِهِا جُزْئِيَّاً بِعُنْفٍ أَوْ بِهُدُوْءٍ –يَقْصِدُ إِعَادَةَ تَوْزِيْعِهِا بِالثَوْرَاتِ وَهُوَ الْعُنْفُ أَوْ بِالْإِصْلَاحِ الاقْتِصَادِيِّ وَهُوَ الْهُدُوءُ- قَالَ: وَفِيْ ضَوْءِ هَذِهِ الْفِكْرَةِ يَكُوْنُ الْتَّارِيْخُ الاقْتِصَادِيُّ كُلُّهُ أَشْبَهَ بِنَبَضَاتِ الْقَلْبِ الْبَطِيئَةِ لِلْكَائِنِ الِاجْتِمَاعِيِّ، فَهُوَ انْقِبَاضٌ وَانْبِسَاطٌ هَائِلَانِ فِيْ تَرْكِيْزِ الثَّرْوَةِ وَإِعَادَةِ تَوْزِيْعِهِا بِالْإِكْرَاهِ.اهـ
إِنَّ تَشَارُكَ مُلَّاكِ الْأَمْوَالِ مَعَ صُنَّاعِ الْقَرَارِ يُؤَدِّي إِلَى الْفَسَادِ المَالِيِّ وَالإِدَارِيِّ، وَاسْتِحْوَاذِ فِئَاتٍ قَلِيْلَةٍ عَلَى ثَرَوَاتٍ طَائِلَةٍ، فَتَنْتَشِرُ الْبَطَالَةُ، وَيَعْقُبُهَا الْفَقْرُ ثُمَّ الْجُوْعُ، وَإِذَا بَلَغَ الْنَّاسُ مَرْحَلَةَ الْجُوْعِ بَدَتْ بِوَادِرُ الثَّوْرَةِ فِيْهِمْ، يُغَذِّيهَا مَخْزُوْنٌ هَائِلٌ مِنَ الْسَّخَطِ وَالْغَضَبِ تَرَاكَمَ مَعَ الْأَيَّامِ، وَازْدَادَ مَعَ زِيَادَةِ الْفَسَادِ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْنَّاسُ فَيَخْتَلَّ الْأَمْنُ، وَيَخْسَرَ الْجَمِيْعُ حُكَّامَاً وَمَحْكُوْمِيْنَ..أَغْنِيَاءَ وَفُقَرَاءَ.. وَلِذَا فَإِنَّ مِنَ الْكَيَاسَةِ وَحُسْنِ الْسِيَاسَةِ دَعْمُ السِّلَعِ الْضَّرُوْرِيَّةِ لِلْنَّاسِ لِتَكُوْنَ فِيْ مُتَنَاوَلِ الْجَمِيْعِ، وَتَقْلِيْصُ الْفَارِقِ بَيْنَ الْفُقَرَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ، بِدَعْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْحَدِّ مِنْ تَسَلُّطِ الْأَغْنِيَاءِ، وَكُلَّمَا كَانَتِ الْطَّبَقَةُ المُتَوَسِّطَةُ هِيَ الْأَكْثَرَ كَانَ ذَلِكَ أَدْعَى لِلْأَمْنِ وَالاسْتِقْرِارِ، وَكُلَّمَا تَلَاشَتِ الْطَّبَقَةُ المُتَوَسِّطَةُ لِصَالِحِ طِبْقَتِي الْفُقَرَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ اقْتَرَبَ الْنَّاسُ مِنْ حِمَى الثَّوْرَةِ وَالْفَوْضَى، وَإِذَا وَقَعَ ذَلِكَ فَلَنْ يَنْفَعَ نَدَمُ نَادِمٍ، وَلَنْ يُجْدِيَ إِصْلَاحُ مُصْلِحٍ، وَفِيْ أَخْبَارِ المَاضِيْ وَأَحْدَاثِ الْحَاضِرِ عِبَرٌ لِلْمُعْتَبِرِيْنَ، وَآَيَاتٌ لِلْمُتَّعِظِينَ، وَفِي الْقُرْآَنِ الْعَظِيْمِ [إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِيْنُ] {الْقَصَصَ:26} وَمَا أَقَلَّ الْأَمَانَةَ وَأَكْثَرَ الْخِيَانَةَ فِيْ هَذَا الْزَّمَنِ.
وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى نَبِيِّكُمْ..
المرفقات
الجوع والمجاعات 2.doc
الجوع والمجاعات 2.doc
المشاهدات 5083 | التعليقات 3
ترفع لطلب بعضهم رفعها
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ...
[font="]أما بعد فيا عباد الله : اتقوا الله حق التقوى [/font]
معاشر المسلمين :
[font="] إن الأعداء على مر الزمان وفي كل مكان يـريـدون القضاء على إيماننا وعقيدتنا وديننا، وأن نترك دين الله الذي ارتضاه لنا إلى ملتهم المعوجة المحرَّفة، ويستخدمون لذلك كل ما يمكنهم من أدواتٍ يرونها قويةً وسريعة الـتـأثـير وتُحدث دماراً أوسع وخراباً أعم .[/font]
[font="] يتولى كبر ذلك العـداء : اليهود والنصارى كما أشار إلى ذلك القرآن ، بل إنــهــم لـيـنسون عداواتهم الـقـديـمــة ويؤلِّفون حلفاً شيطانياً ضد ديننا وأمتنا : ((... بعضهم أولياء بعض...)) [المائدة:51]، ((والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ...)) [الأنفال: 73].[/font]
[font="] إنـهـم يستخدمون كلَّ ورقة يرونها رابحة وكلَّ سلعة يظنونها رائجة من أجـل اسـتـئـصال هذا الدين منهجاً ودعاة وأمة .[/font]
أيها المسلمون :
[font="] ومن بين الوسائل ذات الأثر الفاعل ضد أمتنا وذات العائد الثري عليهم : وسيلة حرب البطون وما يتبعها من سياسات الإفقار المـدمِّـــرة ، ومحاربة الاقتصاد ومـصـادر المعيشة في حياة الأمة الإسلامية عملاً بالمثل القائل : "جوِّعْ كلبَك يتبعْك". لقـد فكّر دهاة اليهود ـ لعنهم الله ـ طويلاً وقدَّروا ثم نظروا ثم عبسوا وبسروا ـ قُتلوا كيف فعلوا ـ ثم تمخض ذلك عن العمل على احتكار رؤوس الأموال وتجنيد أصــحــابـهـا لـيـكــون ذلك مقدمة للاستيلاء على العالم بعد إخضاعه لحكمهم وقراراتهم وتوصياتهم ومـخـطـطـاتـهـم؛ فهم الذين يقبضون على عنقه ويتحكمون في مصيره ويملكون قوته .[/font]
[font="] ولا شك أيها المسلمون أن الفقر من مشكلات العالم الإسلامي اليوم، فلقد أنشب الفقر أظفاره في أصقاع من الأمة كثير ، وانطوت الأحشاء على الجوع نتج عن ذلك آثارٌ مدمرة حين غاب الإيمان عن قلوب الناس أو ضعف أثره ، ولذا فلقد استعاذ الرسول ز[font="] من الفقر وفتنته فقال : " اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلة والذلة " أخرجه أبو داود .[/font][/font]
[font="] ولا غرابة في ذلك فالفقر له آثار سيئة على الفرد والمجتمع والأمة على العقيدة والإيمان على الخلق والسلوك .[/font]
[font="] الفقير الذي لا يجد ما يسد رمقه ، ويخفف لوعة جوعه ، ويطفئ غلته ، قد تتزعزع عقيدته ، بل ويتنازل عنها حين لا يجد إلا الذين يقدمون له كسرةَ الخبز بيد ، والصليبَ والإنجيلَ باليد الأخرى ، ففي مجال العقيدة والدين ترى أثر [font="]الفقر فهو مدعاة للشك في حكمة التنظيم الإلهي للكون ، وعدم الرضا بتقسيم الرزق .[/font][/font]
[font="] وفي مجال السلوك أيضاً فإن [font="]الحاجة[/font] [font="]والفقر[/font] [font="]من[/font] [font="]الأسباب[/font] [font="]الرئيسة[/font] [font="]التي[/font] [font="]تقف[/font] [font="]وراء[/font] [font="]الرذائل والفواحش ؛[/font] [font="]إذ[/font] [font="]يكون[/font] [font="]الـفـقـر[/font] [font="]في[/font] [font="]حال[/font] [font="]غياب[/font] [font="]الإيمان[/font] [font="]أو[/font] [font="]ضعفه[/font] [font="]، أقوى[/font] [font="]من[/font] [font="]مراقبة[/font] [font="]الله والخوف[/font] [font="]منه ، وفي الحديث المتفق عليه مــــن رواية ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ عن الثلاثة الذين آواهم المبيت أو ألجأهم المطر إلى الغار ، فسقطت الصخرة وسدت عليهم باب الغار ، فأشار بعضهم على بعض بالتوسل إلى الله بصالح الأعمال لينجوا من الموت والهلكة، فقال أحدهم : " اللهم كانت لي ابنة عم كانت أحب الناس إليَّ فأردتها عن نفسها (راودتها) فامتنعتْ مني حتى ألَـمَّت بها سنةٌ من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلِّي بيني وبين نفسها، ففعلت ؛ حتى إذا قـدرت عليها قالت : لا أُحِلُّ لك أن تفض الخاتم إلا بحقه، فتحرَّجتُ من الوقوع عليها، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إليَّ...." رواه البخاري [/font][/font]
[font="]ما الذي جعل المرأة العفيفة توافق على أن تخلي بينها وبين نفسها لابن عمها ؟! إنها الحاجة والفقر: (ألمت بها سنة من السنين)، وهذا هو الشاهــد!! ثم ما الذي حفظها وابنَ عمها من الفاحشة؟! إنه الإيمان وتقوى الله الذي نادت به ابنَ عمها: (اتق الله).[/font]
[font="] وإن الواقع ليتحدث : في اعترافات الواقعين في مستنقعات الرذيلة والـفـاحشة وفي مــذكراتهم ما يدل على أن الفقر والحاجة إلى المال كان سبباً في سقوطهم في كثير من الأحيان .[/font]
[font="] ومآسي الأســر في ضياع شرفها وفي امـتـهــان أولادها للسرقة والدعارة بسبب الفقر قصصٌ تُدمي القلوب وُتحزِن الـنـفــوس وتُـعـظم العقاب على كل راع ومسؤول لم يؤدِ حق رعايته .[/font]
[font="] كما أن الفقر سبب في الـذلة لغير الله تعالى وهذا أمر خطير وخلق سيئ يجعل المرء عبداً للناس يخافهم ويذعن لما يملونه عليه حتى لو كــان في ذلك معصيةٌ لله ، لذلك تعوَّذ رسول الله ز[font="] من الفقر والذلة وقرن بينهما فقال : "اللهم إني أعوذ بك من القلة والذلة" رواه النسائي .[/font][/font]
كما[font="] أن الفقر يدفع إلى طلب الدَّيْن، مع عدم القدرة على السداد والأداء ويجعل الإنسان يحلفُ ويكذبُ ويعدُ ويخلفُ وهي من صفات النفاق ، يقول رسول الله ز[font="] : "إن الرجل إذا غَرِم حدث فكذب ، ووعد فأخلف" رواه البخاري .[/font][/font]
[font="] ثم إن الفقر أيها المسلمون : يجبر الناس على التخلي عن كثير من الأخلاقِ الحميدةِ ، مثلُ : [/font]
[font="]الكرم للضيوف والأصحاب - والصدقةِ والتكافل الاجتماعي- وصلةِ الأرحام - والحبِ والتوادِ بين الناس- والتعفف والحياء .[/font]
[font="] كما يدعو إلى الاضطرار إلى التسوُّل والسؤال وما يجره ذلك من أضرار .[/font]
[font="] ولقد سجل القرآن حقيقة تاريخية رهيبة ، هي أن بعض الآباء قتلوا أولادهم ، وفلذات أكبادهم تحت وطأة الفقر المدقع أو خشية الفقر المدقع فكانت جريمة بغيضة قال الله عنها : " ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم " وقال : " ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئاً كبيراً " .[/font]
[font="] أن من المسلمين من يزعم أن صاحب الرسالة ز[font="] آثر الفقر على الغنى ، ودعا إلى قلة ذات اليد ، فنشروا الفقر في الأمة الإسلامية وجعلوها لا تحسن إدارة مفتاحِ خزائن الأرض ، مع أن الإسلام – من خلال نصوصه من الكتاب والسنة - يعتبر الفقر آفةً خطيرة توجب التعوذ منها كما تقدم [/font][/font]
[font="] كما حث على الدعاء بطلب الغنى ، ففي صحيح مسلم من دعاء الرسول ز[font="] [/font][font="]: " اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى " ومن أدعية الصباح والمساء : " اللهم إني أسألك علماً نافعاً ورزقاً طيباً وعملاً صالحاً متقبلاً " رواه البخاري ، واعتبر الغنى بعد الفقر نعمة امتن الله على عباده بها فقال تعالى : " ووجدك عائلاً فأغنى "وقال تعالى : " الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف"[/font][/font]
[font="] إخوة الإسلام : ولم يكتف الإسلام بهذه النظرة الإيجابية للمال بل لقد اعتنى بعلاج الفقر ، ورعاية الفقراء بمنهجٍ لم يسبق له مثيل في أي دين سماوي أو مذهب بشري .[/font]
[font="] فلقد حث الإسلام على العمل والسعي وذلك من خلال الامتنان بنعمة تسخير الأرض والحث على أنواع المهن والحرف والزراعة والصناعة فلقد اشتغل النبي ز[font="] [/font][font="]بالتجارة في أول عمره مع عمه ثم مع أم المؤمنين خديجة [/font]ر[font="] واشتغل صحابته الكرام بذلك ، ومنهم : أبو بكر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله – [/font]ر[font="] هم- وقال [/font]ز[font="] : " ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده " رواه البخاري .[/font][/font]
[font="] وفي هذا الزمان احتقر بعض أقوياء البنية وأبناء الأمة بعض الحرف والمهن واستهانوا بها ، وآثروا الاتكالَ على الآخرين وذلَ السؤال ، وممارسةَ التسول ، فبدَّل الإسلام هذه المفاهيم المغلوطة ، ورفع من قيمة العمل أيَّاً كان نوعه ، وحقَّر من شأن البطالة ، وجعل كُلَّ كسبٍ حلالٍ عملاً شريفاً ، وإن نظر الناس إليه نظرة استهانةٍ وانتقاصٍ قال ز[font="] : " لأن يأخذ أحدُكم حبله فيأتيَ بحُزمة الحطب على ظهره فيبيعَها ، فيكفَ اللُه بها وجهه خيرٌ له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه " رواه البخاري .[/font][/font]
ولنا في أنبياء الله ورسله[font="] أعظم القدوة ، فزكريا – عليه السلام – كان نجاراً ، وآدم حراثاً ، وإدريس خياطاً ، وصالحٌ تاجراً أما أفضل الخلق محمد بن عبد الله ز[font="] فلقد كان يرعى الغنم على قراريط لأهل مكة .[/font][/font]
[font="] وإذا كان الفقير قادراً على العمل فإنه لا يكفيه أن يقدم له المجتمع والأمة خطباً وعظيةً وحلولاً نظريةً ، أو معونةً ماديةً وقتيةً ، إنه يتطلع إلى محترفي الصناعة وأهل التجارة وأرباب المال ، أن يكونوا له سنداً في توفير فرص العمل ، ليسد جوعته ويطعم أسرته .[/font]
[font="] تأملوا أيها المسلمون كيف عالج النبي ز[font="] حالة فقير من الفقراء عندما أتاه يسأله فقال له [/font]ز[font="] : أَمَا فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ ، قَالَ : بَلَى ، حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ ، وَقَعْبٌ نَشْرَبُ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ ، قَالَ : ائْتِنِي بِهِمَا ، قَالَ : فَأَتَاهُ بِهِمَا ، فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّه [/font]ز[font="] [/font][font="]بِيَدِهِ ، وَقَالَ : مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ ، قَالَ رَجُلٌ : أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ ، قَالَ : مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ ، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ، قَالَ رَجُلٌ : أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ ، فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ وَأَعْطَاهُمَا الْأَنْصَارِيَّ وَقَالَ اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ قَدُومًا فَأْتِنِي بِهِ ، فَأَتَاهُ بِهِ فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّه [/font]ز[font="] عُودًا بِيَدِهِ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَبِعْ وَلَا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ ، فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى بِبَعْضِهَا ثَوْبًا وَبِبَعْضِهَا طَعَامًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه ِ[/font]ز[font="] هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ الْمَسْأَلَةُ نُكْتَةً فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ ، لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ " رواه أبو داود ، وهكذا أخذ الرسول [/font]ز[font="] بيد الفقير وأرشده إلى العمل وهيأ له آلته ، فأسهم في علاج مشكلته .[/font][/font]
[font="] أيها المسلمون : والإسلام له منهج في محاربة الفقر فالزكاة من وسائل مكافحة الفقر ، وما ضنت السماء بمائها ولا شحت الأرض بنباتها إلا بسبب بخل بعض الأغنياء وعدم إخراجهم لزكاة أموالهم .[/font]
[font="] في أرصدة المسلمين اليوم أموال طائلة لو أُخرجت زكاتها ما بقي في البلاد فقير .[/font]
[font="] كم قد بليت الأمة وعوقبت بمن يمنعون الزكاة التي هي ركن من أركان الإسلام يمثل الحد الأدنى من أموال المجتمع ليُرد على فقرائهم وبقيةِ الأصناف الثمانية التي ذكرتها آية التوبة ، التي بينت في آخرها أنها فرض واجب قال تعالي : " إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوهم وفي الرقاب والغارمين ونفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم "[/font]
[font="] إخوة الإسلام : وإلى جانب الزكاة التي تعد من أهم المبيدات الفعالة للفقر هناك صدقة الفطر وهنالك الكفارات الواجبة لبعض الذنوب ككفارة اليمين والظهار والجماع في نهار رمضان .[/font]
[font="] وهنالك الفدية لمن ارتكب محظوراً من محظورات الإحرام .[/font]
[font="] وهناك النذور .[/font]
[font="] وهناك الأطعمة والذبائح كالهدي والأضحية والعقيقة .[/font]
[font="] وهناك الصدقات الاختيارية التي هي نافلة الواجبات المالية التي تترك لإيمان الإنسان ونفسيته الخيرة الكريمة بأن يعطي دون طلب وينفقَ دون سؤال وإنما يؤمن بالخلف من الله قال تعالى : " وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً " وقال تعالى : " وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين " ومن الصدقات الاختيارية الصدقة الجارية التي هي الأوقاف الخيرية . [/font]
[font="] أيها المسلمون : تلك هي الأدوية المتعددة التي جعلها الإسلام لداء الفقر وهذه هي الحلول المتنوعة لمعضلة الحاجة والحرمان ، ولم يكن ذلك مجردَ مبادئَ نظريةٍ يتم الحديث عنها بعيداً عن صلاحيتها للواقع ، بل إن المسلمين قد طبقوها وأقاموها في مجتمعاتهم فحصل ما تكلم عنه التاريخ بفخر واعتزاز ، حتى إن تاريخ الأمة ليشرف بذلك العهد الزاهي الذي لحق عهد الخلفاء ، ونقصد به عهد خلافة الإمام العادل عمر بن عبد العزيز واستمعوا إلى ما حكاه ابن كثير في البداية والنهاية فيقول : " كان منادي عمرَ ينادي كل يوم : أين الغارمون ؟ أين الناكحون ، أين المساكين ، أين اليتامى ؟ حتى أغنى كلاً من هؤلاء " وفي تاريخ الخلفاء يذكر السيوطي : " قال عمر بن أسيد : والله ما مات عمر حتى جعل الرجلُ يأتينا بالمال العظيم فيقول اجعلوا هذا حيث ترون ، فما يبرح حتى يرجعَ بماله كلِّه ، قد أغنى عمر الناس " الله أكبر !! هل لولاة أمر المسلمين أن يعودوا إلى ربهم وشرعة رسولهم ز[font="] [/font][font="]؟؟[/font][font="] ليسوسوا شعوبهم ودولهم بها ، فيجتنوا خير الدنيا ونعيم الآخرة .[/font][/font]
[font="]اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، اللهم إنا نعوذ بك من الفقر والقلة والذلة .[/font]
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
[font="] [/font]
[font="] الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه وصلاة الله وسلامه على أشرف رسله ..........[/font]
[font="] أما بعد : فيا عباد الله .... اتقوا الله حق التقوى وراقبوه في السر والنجوى [font="][/font][/font]
[font="] أيها المسلمون [font="]: يا من ابتلاك الله بالفقر ويا من ابتلاك الله بالغنى اعلموا جميعاً أن قبض الرزق وبسطه ، لا يدلان على إكرام الله أو إهانته لعبده، وإنما هو امتحان وابتلاء ؛ ليبلو الغني بالفقير ويبلوا الفقير بالغني[/font][font="]، ولما احتج الجاحدون من الأغنياء بمشيئة الله وقدرته ، ردّ عليهم سبحانه زعمهم ورماهم بصفة الضلال المبين، قال تعالى: ( وإذَا قِيلَ لَهُم أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إنْ أَنتُمْ إلاَّ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) ، إنـهـم فـي ضــلال مبين ؛ لأنهم لو عقلوا لعلموا أن الله قد أراد أن يرزق الناس بعضَهم من بعض، وأن يتعاونـوا على رد قدر الله من الفقر بقدر الله من التكافلِ وحسنِ توزيع الثروات وإيجادِ فرص العمل وأسبابِ الرزق .[/font][/font]
[font="] يا من بلاه الله بالفقر وقلة ذات اليد :اعلم أن ما يلزمُك من العبادة في هذه الحالة هو فعل الأسباب والصبر الجميل ، فإذا قمت به كنت من المتقين الصابرين الذين يؤتون أجرهم بغير حساب .[/font]
[font="] أيها الفقير [font="]: ينبغي أن لا تيأس ويضيقَ صدرك لضيق يدك وقلة رزقك وخشونة عيشك فإن معيشة الرسول [/font]ز[font="] [/font][font="]كانت كذلك ، ومتاع الدنيا قليل ، والدنيا فانية ، لا تستحق الأسى والحزن على فواتها ، أنظر إلى من أسفل منك مالاً ومتاعاً ممن فضلت عليه ليكون ذلك داعياً إلى الشكر وعدم ازدراء نعمة الله عليك .[/font][/font]
[font="] وأنت أيها الغني [font="]: يا من بلاك الله ببسط الدنيا وفقر الفقراء ، اعلم أن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولكنه لا يعطي الآخرة إلا لمن يحب .[/font][/font]
[font="] واعلم [font="]أن المال الذي رزقته أنت مستخلف فيه ليرى الله عملك فيما آتاك هل ستنفح فيه يمنة ويسره في سبيل الله تعالى ، أو تكنِـُزه وتحبِسه ليكون وبالاً عليك يوم القيامة .[/font][/font]
[font="] واعلم أيها الغني [font="]أن هذا المال حظ مرسوم ورزق مقسوم ليس لك فيه منَّة ولو شاء الله لسلبه منك ولجعلك فقيراً معدما فلا تزهُ بهذا المال وتفسد به [/font][/font]
[font="] واعلم أن الفقير [font="]أخ لك لا تدري أيُّكم أعظم منزلة عند الله ، فلا تحقره ولا تزدره وأحسن التعامل معه فلقد عاتب الله نبيه [/font]ز[font="] عندما تلهى عن الأعمى وتصدى لمن استغنى فقال تعالى : " عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى أما من استغنى فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى " وقال تعالى : " فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر " وقال [/font]ز[font="] : " للسائل حق ولو جاء راكباً على فرس " رواه أحمد وأبو داود ، أي ولو كان ظاهره الغنى فإذا سألك فإن له حق في مالك فلا تردَّه وأعطه ولو شيئاً قليلاً. [/font][/font]
[font="] وفي المسلمين اليوم إعراض [font="]عن السائلين ، وإن في الصدقة اليسيرة بالريال والريالين لمندوحة عن الإعراض وفرصة للصدقة المستمرة التي ينبغي أن لا تنقطع ولو يوماً واحداً .[/font][/font]
[font="] وقد كان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم يتصدقون بشق التمرة وكسرة الخبزة لأنهم يعلمون أن الله يربيها بيمينه حتى تكون مثل جبل أحد [/font]
[font="] أيها المسلمون [font="]: يتوج الحديثَ عن فضل الضعفاء والفقراء قول الرسول [/font]ز[font="] : " هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم " أخرجه البخاري وقوله [/font]ز[font="] [/font][font="] : " أبغوني ضعفائكم فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم " أخرجه أبو داود وقوله [/font]ز[font="] : " يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمس مائة عامٍ نصفِ يوم " رواه الترمذي ، وقوله [/font]ز[font="] : " قمت على باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين ، وأصحاب الجَدِّ محبوسون "رواه البخاري وقوله [/font]ز[font="] : " رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره "رواه مسلم [/font][/font]
[font="] إخوة الإسلام : [font="]وفي شهر رمضان فرصة للإنفاق في سبيل الله إلا فاتقوا الله عباد الله وتكافلوا وتكاتفوا واعلموا أن الصدقة على القريب صدقة وصلة وعلى البعيد صدقة فقط .[/font][/font]
[font="] وصلوا [/font]
[font="] وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه في قوله :" إن الله وملائكته ...." .[/font]
[font="]اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد صاحب الحوض والمقام المحمود ........[/font]
[font="]وارض اللهم عن خلفائه الراشدين ....[/font]
[font="]وارض عنا معهم بعفوك وكرمك وجودك ......[/font]
[font="]اللهم أعز الإسلام والمسلمين ............[/font]
[font="]اللهم آمنا في دورنا ...........[/font]
[font="]اللهم انصر إخواننا المستضعفين في كل مكان ..........[/font]
[font="]اللهم اجعلنا ممن يصوم رمضان ويقومه إيماناً واحتساباً .....[/font]
[font="]ربنا آتنا في الدنيا .......[/font]
[font="]اللهم قنا شح أنفسنا واجعلنا من اليد العليا لا من اليد السفلى [/font]
عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ..
12/9/1421هـ
تعديل التعليق