عــــاقــــبــــة الــــظـــــــلـــــم والــــــظـــالــــــــــمــــيـــــن

د مراد باخريصة
1432/02/18 - 2011/01/22 18:20PM
أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : قال الله تبارك وتعالى : (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرماً ؛ فلا تظالموا … ) ويقول الله سبحانه وتعالى (وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيد ) ويقول : ( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) ويقول: (وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ) (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّة ).
الظلم وما أدراك ما الظلم ؟! خلق ذميم ، وذنب جسيم ، وأذى عظيم ، ووصف لئيم ، يحلق الدين ، ويأكل الحسنات ، ويجلب الويلات والنكبات ،ويورث البغضاء والمشاحنات ، ويسبب الأحقاد والعداوات.
يقول سفيان الثوري - رحمه الله - : « إن لقيت الله تعالى بسبعين ذنباً فيما بينك وبين الله تعالى ؛ أهون عليك من أن تلقاه بذنب واحد فيما بينك وبين العباد » ويقول الشافعي رحمه الله: (بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد).
الظلم مرتعه وخيم ، وشؤمه جسيم ، وقد توعّد الله سبحانه وتعالى أهله بالنكال والعذاب الأليم فقال : [ وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً ].وبيَّن سبحانه وتعالى أن الظالم محروم من الفلاح في الدنيا والآخرة ،ومصروف عن الهداية في دينه ودنياه ، فقال : [ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ]وقال : [ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ ] وهدد الله جل جلاله الظالمين بسوء العاقبة وشؤم المنقلب فقال: [ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ]يقول النبي صلى الله عليه وسلم "اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة".
الظلم ما شاع في أمة إلا أهلكها ولا انتشر في بلدة إلا خربها ولا حل في قرية إلا دمرها قال تعالى (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا) .
عباد الله:
لا يجوز لأحد كائناً من كان أن يظلم عباد الله ، أويؤذيهم أويضرهم ، أو يتجنى عليهم ، أويعتدي على مصالحهم ، أو يمنعهم حقوقهم أو يبخسهم أشيائهم أو يقصر عليهم فيما يجب عليه تجاههم فالخلق خلق الله وكلنا عبيد الله يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم من بطونهم أحراراً ).
فلماذا كثرت المظالم بين الناس وامتلأت المحاكم بالقضايا والخصومات وبغى الناس بعضهم على بعض فالراعي يظلم الرعية ويهدر حقوقهم والمسئول يظلم السائلين ويبخسهم أشيائهم والمدير يظلم الموظفين ولا يعطيهم مستحقاتهم والأب يظلم أبنائه ولا يعدل بينهم والزوج يظلم زوجته ويهدر حقوقها والزوجة تظلم زوجها ولا توفيه حقه يقول الله سبحانه وتعالى [ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم ]ويقول [ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِه ].
عباد الله
لقد بلغ السيل زُباه، والكيدُ مداه، والظلم منتهاه، ولكن الظلم لا يدوم ولا يطول، وسرعان ما ينتهي ويزول، وسيعلم الظالمون عاقبة الغرور فالزمان عليهم سيدور يقول الله سبحانه وتعالى (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم " إنَّ اللهَ لِيُملِي للظَّالِمِ حتَّى إذا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ".
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً … فالظلم ترجع عقباه إلى الندمِ
تنام عيناك والمظلوم منتبه … يدعو عليك ، وعينُ الله لم تنمِ
يقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين أرسله إلى اليمن(واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب) و يقول صلى الله عليه وسلم " دعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبوابَ السماء، ويقول لها الرب: وعزَّتي وجلالي لأنصرنَّك ولو بعدَ حين)).
يقول ابنُ القيّم رحمه الله: "أصلُ كلِّ خيرٍ هو العلم والعَدل، وأصلُ كلِّ شرٍّ هو الظلم والجهل
والظالم من أحرى الناس بلعنة الله تعالى وناره وغضبه، يقول الله سبحانه وتعالى: ( يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ )
والظالمُ لا يحبه الله، ولا يهديه، ولا يغفرُ له، إلا إذا شاء ربنا تبارك وتعالى، وما أكثرَ ما تجدُ في القرآن الكريم (وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ) ( وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلالاً ) (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا)
لقد ضرب الله سبحانه وتعالى مثلاً في كتابه الكريم لنبي من الأنبياء ظُلم أشد الظلم إنه نبي الله يوسف عليه السلام فقد ظُلم من إخوته حين عزموا على قتله ظلماً وعدواناً وألقوه في غيابت الجب ظلماً وعدواناً ثم باعه المسافرون بثمن بخس دراهم معدودة ثم انتقل من ظلم الجب إلى ظلم الحب حيث اتهمته امرأة العزيز ظلماً وعدواناً بأنه كان يراودها عن نفسها ثم صدر القرار الظالم بسجنه حتى حين فلبث في السجن بضع سنين ثم ظلمه إخوته مرة أخرى فقالوا {قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ}
لقد أتُهم في عرضه وهو العفيف ، وسُجن وهو البريء ، وبِيعَ في سوق النخاسة وهو الحر الكريم بن الكريم ولكن ماذا كانت النهاية بعد هذه المظالم المتتالية ، والابتلاءات المتنوعة ، لقد مكَّن الله له في الأرض ، وجعل له العاقبة في الدنيا والآخرة ، وآثره على كل من آذاه وظلمه . يقول الله تعالى : [ وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ] ولما اندهش إخوته من مكانته وقالوا{ أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}
الخطبة الثانية
الحمد لله { مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} والصلاة والسلام على رسول الله خير خلق الله من اصطفاه ربه واجتباه…
عباد الله
لقد أرانا الله سبحانه وتعالى في الأسبوع الماضي مصرعاً من مصارع الظالمين وأرانا بطشه بالمجرمين وانتقامه من الظالمين…
لقد شاهد العالم كله الرئيس التونسي الذي تجبر في الأرض وطغى وظلم شعبه وبغى وجعل تونس الخضراء سجناً كبيراً يضرب به المثل في القمع ولإجرام.
لقد مسخ الإيمان من قلوب أهل الإيمان وجعل تونس القيروان نموذجاً للكفر والظلم والطغيان وكاد أن يمنع الشباب من أداء صلاة الفجر في المسجد وشدد على الحجاج وبث جواسيسه بينه وحارب الحجاب وآذى المحجبات وفصل كل طالبة أو معلمة ترتدي الحجاب وأجبر الطالبات على لعب كرة السلة بعورات مكشوفة وجمع بين الكفر والفقر ولم يترك للناس ديناً ولا دنيا.
لقد ظن هذا الطاغية الجبان أن حصونه مانعته من الله وظن أن قبضة الله لن تدركه فأتاه الله من حيث لم يحتسب وجعل نهايته على يد شاب بسيط عاطل عن العمل يائس من الحياة في ظل الطاغوت وظلمه.
لقد رآه العالم عبر شاشات التلفزة وهو يتحدث ذليلاً مرتبكاً ممتقع الوجه يستعطف شعبه ويتوسل إليهم ويرتجف أمامهم ويكرر خطابه قائلاً لهم: أنا فهمتكم، لقد أدركت الحقيقة، دعوني إلى سنة 2014 فقد عقلت الأمر ، لا رئاسة مدى الحياة ، أعدكم بفجر جديد تنطلق فيه حرية التعبير ، سأقضي على البطالة ، سأخفض أسعار المواد التموينية ، أنا فهمتكم).
الآن أدرك الحقيقة بعد أن رأى رقبته قد اقتربت من مقصلة العدالة الآن فهم شعبه بعدما رآهم يعصفون بكرسيه ويسحبون البساط من تحته الآن يحدثهم بالتغيير بعد أن حدثهم بالتغيير في مرات سابقة فكذب ووعدهم فأخلف وبشرهم فتراجع ونكث الآن {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} وصدق الله جل جلاله إذ يقول {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ }.
لقد كان بإمكانه أن يخرج من تونس دون أن يتذلل لأحد ودون أن يخاطب الناس بهذا الخطاب الذليل ولكن الله الملك الحق أراد أن يقصم ظهره ويُمرغ أنفه ويدس رأسه في الطين ويجعله عبرة لكل جبار عنيد.
إنها آية من آيات الله في نصره للمستضعفين وتأييده للمضطهدين وانتقامه من المجرمين وبطشه بالظالمين يقول الله جل جلاله وعز كماله { فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} ويقول سبحانه وتعالى {إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ}
لقد أذله الله في البر وأذله في الجو بعد أن رفض أسياده الفرنسيين دخوله إلى فرنسا وخذله أصدقاءه الأمريكيين حيث أشاد الرئيس الأمريكي بشجاعة وكرامة الشعب التونسي حتى مالطا رفضت دخوله إلى أراضيها لأن هؤلاء الغربيين يستعملون هؤلاء الطغاة مناديل لمسخ أوساخهم فأذا سقط الطاغية تخلوا عنه ولا كرامة له فما أذل نهاية الطغاة.
هذا ذل الدنيا فكيف بذل الآخرة يقول الله سبحانه وتعالى {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ}.
فهل سيتعظ الطغاة قبل أن تكشف أوراقهم وقبل أن تهتك أستارهم وتظهر أسرارهم وهل سيعتبروا بغيرهم قبل فوات الأوان وقبل انفجار البركان {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ}.
المشاهدات 5091 | التعليقات 1

[align=justify]
عجيب أمر أولئك الكفرة حقًّا ، فهم يحتفون بهؤلاء الطغاة ما داموا أدوات طيعة في أيديهم ، ويدعمونهم ويشجعونهم وينصرونهم على شعوبهم ، فإذا قضوا ما عليهم وانتهى دورهم في التمثيلية ، ورأوا أنهم قد انكشف أمرهم تخلوا عنهم ببجاحة وتبرؤوا منهم في صفاقة .
إنه موقف صعب يذكرنا بموقف أصعب منه وأشد " إذ تبرأ الذين اتُّبِعُوا من الذين اتَّبَعُوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب . وقال الذين اتَّبَعُوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرؤوا منا ... "
لا ندري إلى متى يتكرر الدور نفسه مع هؤلاء الرؤساء الأغبياء حقًّا ؟ متى يعرفون عدوهم الحقيقي ويوقنوا أن شعوبهم هي أغلى ما يملكون فيُعِدُّوهم للنوائب بتربيتهم التربية الإسلامية الحسنة ، ويحسنوا إليهم ويعدلوا فيهم ليحبوهم محبة حقيقية كتلك المحبة التي حصلت لخلفاء المسلمين الراشدين ولعمر بن عبدالعزيز وأمثالهم من ملوك المسلمين العادلين ؟

ورحم الله إبراهيم بن أدهم حيث قال : كل ملك لا يكون عادلاً فهو واللص سواء ، وكل عالم لا يكون تقيًّا ، فهو والذئب سواء ، وكل من ذل لغير الله فهو والكلب سواء (سيرأعلام النبلاء : 7/394)

[/align]