الْتَّحْـذِيْـرُ مِنْ مُشَـابَهَـةِ الْكُفَّارِ وَمُشَارَكَتِهِمْ فِيْ أَعْيَادِهِمْ

حاطب خير
1432/01/27 - 2011/01/02 18:16PM
بِسْمِ الْلّهِ الْرَّحْمَنِ الْرَّحِيْمِ
الْتَّحْذِيْرُ مِنْ مُشَابَهَةِ الْكُفَّارِ وَمُشَارَكَتِهِمْ فِيْ أَعْيَادِهِمْ
يَتَسَارَعُ إِلَىَ مُجْتَمَعَاتِ الْمُسْلِمِيْنَ ظَوَاهِرُ خَطِيْرَةٌ وَسَلُوكِيَاتٌ قَبِيْحَةٌ، تُنْذِرُ بِخَطَرٍ عَظِيْمٍ وَتُهَدِّدُ بِشَرٍّ جَسِيْمٍ ، إِنَّهَا ظَوَاهِرُ الْتَّشَبُّهِ بِالْكُفَّارِ فِيْ الْأَفْكَارِ وَالثَّقَافَاتِ، وَفِيْ الْسُّلُوكِيَّاتِ وَالْعَادَاتِ، حَتَّىَ صدْقَ فِيْ مِثْلِ هَذِهِ الْظَّوَاهِرِ قُوْلُ الْمُصْطَفَىَ عَلَيْهِ الْصَّلَاةُ وَالْسَّلَامُ: (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرا بِشِبْرٍ وَذِرَاعا بِذِرَاعٍ حَتَّىَ لَوْ سَلَكُوْا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ قُلْنَا يَا رَسُوْلَ الْلَّهِ الْيَهُوْدَ وَالْنَّصَارَىَ قَالَ فَمَنْ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
عِبَادَ الْلَّهِ إِنْ الْتَّشَبُّهَ بِأَهْلِ الْكُفْرِ وَالْشِّرْكِ فِيْ أَزْيَائِهمْ وَعَادَاتِهِمْ وَأَحْكَامِهِمْ وَسِيَاسَاتِهِمْ وَاقْتِصَادِهِمْ قَدْ جَرَىْ فِيْ كَثِيْرٍ مِنْ أَوْسَاطِ الْمُسْلِمِيْنَ جَرَيَانَ الْدَمِ فِيْ الْعُرُوقِ، وَسَرَى سَرَيَانَ الْنَّارِ فِيْ يَابِسِ الْحَطَبِ، بَلْ وَلَرُبَّمَا صَارَ الْمُتَفْرْنِجُ الْمُحَاكِي مَوْضِعَ إِجْلَالِ الْدَّهْمَاءِ وَإِكِبَارِهِمْ، يَحْتَذِيهِ بُسَطَاءُ الْنَّاسِ وَأَغَرَارُهُمْ، ظَناً أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْتَّحَضُّرِ وَالْتَّمَدُّنِ وَالأَنَاقَةِ وَالْتَّجَمُّلِ، وَهُوَ فِيْ الْحَقِيقَةِ تَضْيِيْعٌ لِلْشَّخْصِيَّةِ وَإِذَابَةٌ لِلْهُوِيَّةِ ، سَبَبُهُ ضَعْفُ الْإِيْمَانِ وَانْحِرَافُ الْتَّرْبِيَةِ وَنُقْصَانُ الْتَّعْلِيْمِ.
عِبَادَ الْلَّهِ لَقَدْ حَرِصَ الْإِسْلامُ عَلَىَ تَمْيِيْزِ الْمُسْلِمِيْنَ عَنْ سَائِرِ الْأُمَمِ بِوَصْفِهِمْ أُمَّةً مُّسْلِمَةً، وَالسِّيَرَةُ الْنَّبَوِيَّةُ الْقَوْلِيَّةُ وَالْعَمَلِيَّةُ تُؤَصِّلُ قَاعِدَةً مِنْ أَعْظَمِ مَقَاصِدِ الْدّينِ وَأُصُوْلِهِ أَلَّا وَهِيَ مُخَالَفَةُ الْكُفَّارِ فِيْ الْظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ. فَفِيْ بَابٍ الْعَقَائِدِ جَاءَ الْنَّهْيُ عَنْ اتِّخَاذِ الْقُبُوْرِ مَسَاجِد، وَالغُلَوِ فِيْ الْصَّالِحِيْنَ، وَاتِّخَاذِ الْقُبُوْرِ مَشَاهَد وَمَزَارَات، وَالْبِنَاءِ عَلَيْهَا، وَالتَّفَرّقِ فِيْ الْدِيْنِ وَالْعَصَبِيِّاتِ وَالْتَّحَزُّبَاتِ ، وَالنِّيَاحَةِ عَلَىَ الْمَيِّتِ، وَالْفَخْرِ بِالْأَحْسَابِ، وَالْطَّعْنِ فِيْ الْأَنْسَابِ، وَحَمِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ.وَفِيْ الْعِبَادَاتِ وَرَدَ الْنَّهْيُ فِيْ مَسَائِلَ كَثِيْرَةٍ مِنْ أَبْوَابِ الصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ ، وَالْنِّكَاحِ وَالَذَّبَائِحِ وَالْأَعْيَادِ.وَفِيْ الْعَادَاتِ وَالْآدَابِ مِنَ الْلِّبَاسِ وَالْزِّيِّ، وَالْزِّيْنَةِ وَالْطَّعَامِ، وَتَوْفِيْرِ الْلِّحَى وَحَفَّ الْشَّوَارِبِ، وَتَغْيِيْرِ الْشَّيْبِ، وَمِنْ هُنَا فَهِمَ السَّلَفُ الْصَّالِحُ مِنْ الْصَّحَابَةِ وَالْتَّابِعِيْنَ تَحْرْيمَ الْتَّشَبُّهِ بِالْكُفَّارِ بِأَيِّ حَالٍ وَعَلَىَ أَيِّ صُوْرَةٍ وَقَدْ أَوْضَحَ ذَلِكَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٍ r وَفَصّلَهُ وَأَمْرَ أُمَّتَِهِ بِمُخَالَفَةِ الْكُفَّارِ فِيْ جَمِيْعِ أَحْوَالِهِمْ, فِيْ الْعَقَائِدِ وَالْعِبَادَاتِ وَالْعَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَالْآدَابِ وَالْسُّلُوكِ. وَفِيْ مَقَامٍ الْتَّرْهِيْبِ عَنْ الْتَّشَبُّهِ بِالْكُفَّارِ قَالَ رَسُوْلُ الْلَّهِ r ( بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ الْسَّاعَةِ بِالْسَّيْفِ حَتَّىَ يُعْبَدَ الْلَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ وَجُعِلَ رِزْقِيْ تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِيّ وَجُعِلَ الذُّلُّ وَالْصَّغَارُ عَلَىَ مَنْ خَالَفَ أَمْرِيْ وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيْحٌ وَلَمَّا قَدِمَ الْنَّبِيُّ r إِلَىَ الْمَدِيْنَةِ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُوْنَ فِيْهِمَا، قَالَ: ((مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟))، قَالُوْا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيْهِمَا فِيْ الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُوْلُ الْلَّهِ r : ((إِنَّ الْلَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُما خَيْرا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَىْ وَيَوْمَ الْفِطْرِ)) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُوْ دَاوُدَ وَالْنّسَائِيُّ، وَفِيْ الْصَّحِيْحَيْنِ أَنَّ الْنَّبِيَّ r قَالَ: ((إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيْدا، وَهَذَا عِيْدُنَا))،وَقَدْجَاءَ الْنَّهْيُ عَنْ مُشَارَكَةِ الْمُشْرِكِيْنَ فِيْ أَعْيَادِهِمْ قَالَ الْلَّهُ تَعَالَىْ فِيْ حَقِّ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِيْنَ: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُوْنَ الْزُّوْرَ) ، قَالَ غَيْرَ وَاحِدِ مِنْ الْسَّلَفِ: الْزُّوْرُ هُوَ عِيْدُ الْمُشْرِكِيْنَ. فَهَذِهِ الْنُّصُوْصُ الْشَّرْعِيَّةُ تَشْمَلُ الْنَهْيَ عَنْ مُحَاكَاةِ الْكُفَّارِ وَالتَّشَبُّهِ بِهِمْ فِيْ الْعَقَائِدِ وَالْعَادَاتِ وَفِيْ التَّزَيِيّ بِزِيِّهِمْ وَالْتَّخَلُّقِ بِأَخْلاقِهِمْ وَالْسَيْرِ بِسِيْرَتِهِمْ وَهَدْيِهِمْ وَهَيْئَاتِهِمْ وَحِلْيَتِهِِِِِِِِِِِِِِِمْ وَصِفَاتِهِمْ فِيْمَا اخْتَصُّوا بِهِ مِنْ عَادَاتٍ وَأَشْكَالٍ وَصُوَرٍ وَأَنْمَاطِ سُلُوْكٍ، سَوَاءً كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ مِمَّا قَصَدَ فَاعِلُهُ الْتّشَبُّهَ بِهِمْ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ، لَكِن الْجَاهِلَ لَا إِثْمَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْعِلْمِ وَالْبَيَانِ.
عِبَادَ الْلَّهِ إِنَّ مِنْ الْأُمُوْرِ المُحْزِنّةِ وَالْقَضَايَا الْمُفْزِعَةِ انْسِيَاقُ بَعْضِ الْمُسْلِمِيْنَ وَرَاءَ طَبَائِعَ وَعَادَاتِ وَمُعْتَقَدَاتِ غَيَّرِ الْمُسْلِمِيْنَ، مِنْ خِلَالِ الِانْخِرَاطِ مَعَهُمْ فِيْ أَعْيَادِهِمْ وَعَوَائِدِهِمْ الَّتِيْ حَرّمَهَا دَيْنُنَا الْحَنِيْفُ، وَحَذَّرَنَا أَشَدَّ الْتَّحْذِيْرُ مِنْ الْوُقُوْعِ فِيْ أُتُّونِهَا.وَقَبْلَ أَيَّامٍ احْتَفِلْ الْنَّصَارَىَ بِمَا يَزْعُمُوْنَهُ عِيْدَ مِيْلَادِ الْمَسِيْحِ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ الْمُسَمَّى(الكرِيسِمسّ) وَفِيْ هَذَا الْيَوْمِ يَسْتَعِدُّوْنَ لِلْاحْتِفَالِ بِعِيْدِ رَأْسِ الْسَّنَةِ الْمِيْلَادِيَّةِ، وَلَهُمْ فِيْ هَذَيْنِ الْعِيْدَيْنِ الْكَبِيْرَيْنِ- عِنْدَهُمْ - جُمْلَةٌ مِنَ الْشَّعَائِرِ وَالْأَعْمَالِ الْمَمْلُوْءَةِ بِالْشِّرْكِ وَالْبِدَعِ، وَالْمُشْتَمِلَة عَلَىَ أَنْوَاعٍ مِنْ الشُّبُهَاتِ الْمُضِلَّةِ، وَالشَّهَوَاتِ الْمُحَرَّمَةِ، وَالِاعْتِقَادَاتِ الْفَاسِدَةِ.
وَهَذِهِ الْأَعْيَادِ الْشِّرْكِيَّةِ تَصِلُ احْتِفَالَاتُهَا وَشَعَائِرُهَا إِلَىَ بُيُوْتِ الْمُسْلِمِيْنْ فِيْ كُلِّ مَكَانٍ عَبْرَ الْبَثِّ الْفَضْائِيّ، مِمَّا يُحَتِّمُ الْحَدِيْثَ عَنْهَا، وَالْتَحْذِيْرَ مِنْهَا
عِبَادَ الْلَّهِ إِنَّ عِيْدَ الْمِيلَادِ عِنْدَ الْنَّصَارَىَ قَدْ أَحْدَثُوْهُ لِمَا يَزْعُمُوْنَهُ تَجْدِيْدا لَذِكْرَىَ مُوَلِّدِ الْمَسِيْحِ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَدَىَّ مُؤَرِّخِيْ الْنَّصَارَىَ يَوْمَ مَوْلِدِهِ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ، وَالْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِيْ عَامِهِ كَبِيْرٌ جِدا!! فَكَيْفَ بِشَهْرِه وَيَوْمِهِ؟! وَالَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُوْنَ مِنْ مُؤَرِّخِيْ الْنَّصَارَىَ أَنْ عِيْدَ الْمِيْلَادِ عِيْدٌ وَثَنِيٌ أَحْدَثَهُ عُبَّادُ الْشَّمْسِ ، فَلَمَّا تَنَصَّرُوْا ، نَقَلَهُ رُهْبَانُ الْنَّصَارَىَ مِنْ كَوْنِهِ عِيْدَا لِمَوْلِدِ الْشَّمْسِ إِلَىَ عِيْدٍ لِمِيْلادِ الْمَسِيْحِ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ؛ مُسَايَرَةً لِلْرُّوَمَانِ الْوَثَنِيِّيْنَ الَّذِيْنَ اعْتَنَقُوا الْنَّصْرَانِيَّةَ الْمُحَّرَّفَةَ، وَمُوَافَقَةً لَهُمْ فِيْ عِيْدِهِمْ؛ وَلِذَا جَعَلُوْهُ فِيْ مَوْعِدِهِ.
أَمَّا عِيْدُ رَأْسِ الْسَّنَةِ الْمِيْلَادِيَّة فَهُوَ يُوَافِقُ عِيْدَا يُسَمَّىْ عِيْدَ (البِسَتَرِينَة) وَهِيَ آَلِهَةٌ اتَّخَذَهَا الْيُوْنَانُ وَالْرُّوْمَانُ الْوَثَنِيُّونَ رَمْزا لِلْقُوَّةِ، فَلَمَّا اعْتَنَقَ الْرُّوْمَانٌ الْنَّصْرَانِيَّةَ أَقَرَّ الرُّهْبَانُ كَثِيْرا مِنْ شَعَائِرِهِمْ وَأَعْيَادِهِمْ، وَأَحْدَثُوْا لَهَا أُصُولَا دِيْنِيْةً عِنْدَهُمْ، فَسَمَّوا هَذَا الْعِيْدَ الْوَثَنِيَ (عِيْدَ الْخِتَانَةِ) وَزَعَمُوْا أَنَّ الْمَسِيْحِ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ خُتِنَ فِيْهِ.
وَلِلاحْتِفَالِ بِهَذَيْنِ الْعِيْدَيْنِ فِيْ هَذَا الْزَّمَنِ شَأْنٌ عَظِيْمٌ عِنْدَ الْأُمَّةِ الْنَّصْرَانِيَّةِ، وَانْتَقَلَ إِلَىَ الْأُمَمِ الْأُخْرَى بِسَبَبِ الْتَّقْلِيدِ وَالْمُحَاكَاةِ، وَالْتَّزْيِيْنِ الْإِعْلامِيَّ لَهُمَا .
عِبَادَ الْلَّهِ إِنَّ مُشَارَكَةَ الْنَّصَارَىَ فِيْ أَعْيَادِهِمْ تُوَرِّثُ نَوْعَ مَحَبَّةٍ وَمَوَدَّةٍ وَمْوَالَاةِ، وَالْمَحَبَّةُ وَالْمُوَالَاةُ لَهُمْ تُنَافِيِ الْإِيْمَانَ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَىْ: ( يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آَمَنُوْا لَا تَتَّخِذُوَا عَدُوِّيَ وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُوْنَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوَا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ ). ثُمَّ إِنَّ مُشَابَهَتِهِمْ فِيْ بَعْضِ أَعْيَادِهِمْ يُوَجِّبُ سُرُوْرَ قُلُوْبِهِمْ وَانْشِرَاحَ صُدُوْرِهِمْ بِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْبَاطِلِ، وَالْمُشَابَهَةُ وَالْمُشَاكَلَةُ فِيْ الْأُمُورِ الْظَّاهِرَةِ تُوْجِبُ مُشَابَهَةً وَمُشَاكَلَةً فِيْ الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ مِنْ الْعَقَائِدِ الْفَاسِدَةِ عَلَىَ وَجْهِ الْمُسَارَقَةِ وَالْتَّدَرُّجِ الْخَفِيَّ، قَالَ ابْنُ عَقِيْلٍ رَحِمَهُ الْلَّهُ تَعَالَىْ: "إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ الْإِسْلَامَ مِنْ أَهْلِ الْزَّمَانِ فَلَا تَنْظُرْ إِلَىَ ازْدِحَامِهِمْ عَلَىَ أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ، وَلَا ارْتِفَاعِ أَصْوَاتِهِمْ بِـ(لَبَّيْكَ)، ولَكِنِ انْظُرْ إِلَىَ مُوَالَاتِهِمْ لَأَعْدَاءِ الْشَرِيعَةِ". فَاحْذَرُوا -عِبَادَ الْلَّهِ- مُشَارَكَةَ الْأَمَةِ الْضَّالَّةِ فِيْ أَعْيَادِهَا وَشَعَائِرِهَا، أَوْ إِعَانَتَهَمْ عَلَيْهَا، أَوْ الْتَّهَادِيْ بِمُناسْبَتِهَا، أَوْ تَهْنِئَةَ أَحَدٍ بِهَا؛ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ الْلَّهُ تَعَالَىْ: (وَأَمَّا الْتَّهْنِئَةُ بِشَعَائِرَ الْكُفْرِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ فَحَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ مِثْلُ أَنْ يُهَنِّئَهُمْ بِأَعْيَادِهِمْ وَصَوْمِهِمْ فَيَقُوْلُ: عِيْدٌ مُبَارَكٌ عَلَيْكَ أَوْ تَهَنَّأْ بِهَذَا الْعِيْدِ وَنَحْوِهِ، فَهَذَا إِنْ سَلِمَ قَائِلُهُ مِنَ الْكُفْرِ فَهُوَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُهَنِّئَهُ بِّسُجُوْدِهِ لِلْصَلِيبِ، بَلْ ذَلِكَ أَعْظَمُ إِثْمَا عِنْدَ الْلَّهِ وَأَشَدُّ مَقْتَا مِنْ الْتَّهْنِئَةِ بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَقَتْلِ الْنَّفْسِ وَارْتِكَابِ الْفَرَجِ الْحَرَامِ وَنَحْوِهِ، وَكَثِيْرٌ مِمَّنْ لَا قَدَرَ لِلْدِّيِنِ عِنْدَهُ يَقَعُ فِيْ ذَلِكَ وَلَا يَدْرِيَ قُبْحَ مَا فَعَلَ، فَمَنْ هَنَّأَ عَبْدَا بِمَعْصِيَةٍ أَوْ بِدْعَةٍ أَوْ كَفَرٍ فَقَدْ تَعَرَّضَ لَمَقْتِ الْلَّهِ وَسَخَطِهِ)، انْتَهَىَ كَلَامُهُ رَحِمَهُ الْلَّهُ تَعَالَىْ.
عِبَادَ الْلَّهِ
هَذِهِ النُّصُوْصُ لَا تَشْمَلُ فِيْ تَحْرِيْمِ الْتَّشَبُّهِ بِهِمْ مَا يَكُوْنُ فِيْ الْأُمُورِ الْنَّافِعَةِ لِلْمُسْلِمِيْنَ، وَالَّتِي تُحَقِّقُ الْمَصَالِحَ وَالْمَنَافِعَ وَالْفَوَائِدَ، كَالْأُمُورِ الْتَّنْظِيْمِيَّةِ لْحَيَاةِ الْنَّاسِ وَمَعائِشِهِمْ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ لَا يُخَالِفُ نَصاً شَرْعِياً وَلَا أَصْلَاً كُلّياً مِنْ أُصُوْلِ الْشَّرِيِعَةِ
أَلَا فَاتَّقُوا الْلَّهَ رَحِمَكُمُ الْلَّهُ وَمَنِ كَانَ شَحِيْحاً بِدَيْنِهِ رَاغِباً فِيْ خَلَاصِ مُهْجَتِهُ مِنْ عَذَابِ الْلَّهِ فَلْيَتَّقِ الْلَّهَ، وَلْيَلْزَمْ هَدْيَ الْإِسْلَامِ وَيَتَّبِعْ سَبِيِلَ الْمُؤْمِنِيْنَ، وَلْيَحْذَرْ طَرِيْقَ الْمُشْرِكِيْنَ وَالْمَغْضُوْبِ عَلَيْهِمْ وَالْضَّالِّيْنَ.أَعُوْذُ بِاللَّهِ مِنَ الْشَّيْطَانِ الْرَّجِيْمِ: ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلْدِّيِنِ حَنِيْفَا فِطْرَتَ ٱلِلَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلَنَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيْلَ لِخَلْقِ ٱلِّلَّهِ ذَلِكَ ٱلِدَّيْنُ ٱلْقَيّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلَنَّاسِ لَا يَعْلَمُوْنَ مُنِيْبِيْنَ إِلَيْهِ وَٱتَّقُوهُ وَأَقِيْمُوْا ٱلَصَّلَوَٰةَ وَلَا تَكُوْنُوْا مِنَ ٱلْمُشْرِكِيْنَ مِنَ ٱلَّذِيَنَ فَرَّقُوْا دِيْنَهُمْ وَكَانُوْا شِيَعا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُوْنَ )

الْخُطْبَةُ الْثَّانِيَةُ
عِبَادَ الْلَّهِ
لَقَدْ أَكْمَلَ الْلَّهُ هَذَا الْدِّيْنَ وَرَضِيَهُ، وَأْتَمَّ بِهِ عَلَىَ الْمُسْلِمِيْنَ نِعْمَتَهُ (ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِيْنَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِىَ وَرَضِيْتُ لَكُمُ ٱلإِسَّلامُ دِيْنَا )، فَكَانَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ بِالْإِسْلَامِ خَيِّرَ الْأُمَمِ، وَمَنْ الْمَعْلُوْمِ قَطْعاً وَجَزْماً أَنَّ هَذِهِ الْخَيْرِيَّةُ نَّابِعَةٌ مِنْ كَمَالِ دِيْنِهَا وَصَفَاءِ عَقِيْدَتِهَا وَوَفَاءِ شَرِيْعَتِهَا، لَا تَكُوْنُ الْعِزَّةُ إِلَا بِهِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ الْسُّمُوُّ إِلَا بِهِ، بَلْ لَا تَكُوْنُ الْنَّجَاةُ فِيْ الْدَّارَيْنِ إِلَّا بِطَرِيْقِهِ، وَالْبَشَرُ مُحْتَاجُوْنَ إِلَيْهِ حَاجَتَهُمْ إِلَىَ الْغِذَاءِ وَالْهَوَاءِ
إِنَّ قُوَّةَ الْمُسْلِمِ وَرَفَعْتَهُ وَعُلُوَّ شَأْنِهِ لِتَكْمُنُ بِوُضُوْحٍ فِيْ مَدَىْ اعْتِزَازِهِ بِدِيْنِهِ وَتَمَسُّكِهِ بِعَقِيْدَتِهِ وَأَخْلَاقِهِ وَمَبَادئِهِ، وَبُعْدِهِ عَنْ لَوْثَةِ الْتَّقْلِيدِ الْأَعْمَى وَالْتَّبَعِيَّةِ الْمَقِيْتَةِ وَرَاءَ الْمَجْهُوْلِ. وَإَنَّ عَلَىَ رَأْسِ الاعْتِزَازِ وَالْرِّفْعَةِ الَّتِيْ هِيَ مَطْلَبٌ مَنْشُوْدٌ لِكُلِّ مُجْتَمَعَ ـ هُوَ الِاتِّبَاعُ وَالاقْتِدَاءُ لِهَدْيِ الْمُصْطَفَىَ وَالبُعدِ عَنِ الْإِحْدَاثِ وَالِابْتِدَاعِ، اتِّبَاعاَ مِلْؤُهُ الْتَّأَسِّي الْمُخَلِصُ وَالْمَحَبَّةُ الدَاعِيّةُ إِلَيْهِ، اتِّبَاعاً يُشْعِرَ كَلَّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ أَنْ الْخُضُوْعَ فِيْ الْدِّيْنِ وَالْخُلُقِ والْأَدَبِ إِنَّمَا هُوَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْأَحَدِ؛ إِذْ كَيْفَ يَحْلُوْ دِيْنٌ لَا خُضُوْعَ فِيْهِ وَلَا اتِّبَاع؟! وَمِنْ هَذَا الْمُنْطَلَقِ جَاءَتْ الْوَصِيَّةُ الْكُبْرَىَ مِنْ الْخَالِقِ جَلَّ شَأْنُهُ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِيْنَ بِقَوْلِهِ: ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِيْ مُسْتَقِيْماً فَاتَّبِعُوْهُ وَلَا تَتَّبِعوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيِلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُوْنَ )
أَيُّهَا الْمُسْلِمُوْنَ، لَقَدْ كَانَ مِنْ أُسُسِ مَحَبَّةِ الْلَّهُ جَلَّ وَعَلا الِاتِّبَاعُ الْصَّادِقُ لِنَبِيِّهِ r ؛ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَىْ: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّوْنَ الْلَّهَ فَاتَّبِعُوْنِيْ يُحْبِبْكُمُ الْلّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوْبَكُمْ وَالْلَّهُ غَفُوْرٌ رَّحِيْمٌ ، قُلْ أَطِيْعُوْا الْلَّهَ وَالْرَّسُوْلَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ الْلَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِيْنَ ) أَلَا فَاتقُوا الْلّهَ رَحِمَكُمُ الْلّهُ، وَاعْرِفُوَا فَضَلَ الْلّهِ وَمِنَّتَهُ، وَعَظِّمُوْا أَمَرَ دِيْنِكُمْ، وَاقَدَرُوهُ قَدْرَهُ، فَالْعِزَّةُ لِلّهِ وَلِرَسُوْلِهِ وَلِلْمُؤْمِنِيْنَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِيْنَ لَا يَعْلَمُوْنَ.






.
المشاهدات 3322 | التعليقات 2

عيدا الميلاد ورأس السنة النصرانيين أصلهما، وشعائرهما، وحكمهما :

https://khutabaa.com/forums/موضوع/136400







.


الاحتفال بالكريسمس والتخلف الحضاري :

https://khutabaa.com/forums/موضوع/136398







.