خطبة : ( ردع العائل عن شواذ المسائل )

عبدالله البصري
1431/08/11 - 2010/07/23 03:32AM
ردع العائل عن شواذ المسائل 11 / 8 / 1431

الخطبة الأولى :

أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، خَلَقَ اللهُ النَّاسَ لِعِبَادَتِهِ كَمَا قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعبُدُونِ " وَإِنَّ لِلعِبَادَةِ شَرطَينِ لا بُدَّ مِن تَحَقُّقِهِمَا لِتُقبَلَ وَيُؤجَرَ العَبدُ عَلَيهَا ، أَوَّلُهُمَا الإِخلاصُ للهِ دُونَ سِوَاهُ ، وَثَانِيهِمَا المُتَابَعَةُ لِرَسُولِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَالتَّمَسُّكُ بما جَاءَ بِهِ ، وَلِهَذَا جَاءَ الحَثُّ عَلَى التَّفَقُّهِ في الدِّينِ ، وَجُعِلَ فِقهُ المَرءِ في الدِّينِ مِن إِرَادَةِ اللهِ بِهِ الخَيرَ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَن يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ " وَلأَنَّ التَفَقُّهَ في الدِّينِ قَد لا يَسَعُ كُلَّ أَحَدٍ وَلا يَستَطِيعُهُ كُلُّ مُكَلَّفٍ ، كَانَ المُؤمِنُ مُلزَمًا بِسُؤَالِ العُلَمَاءِ عَمَّا لا يَعلَمُهُ ، وَاستِفتَائِهِم فِيمَا أَشكَلَ عَلَيهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " فَاسأَلُوا أَهلَ الذِّكرِ إِن كُنتُم لا تَعلَمُونَ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّمَا شِفَاءُ العِيِّ السُّؤَالُ " وَإِنَّهُ مَا أَرَادَ المُستَفتي بِاستِفتَائِهِ مَعرِفَةَ الحَقِّ وَالعَمَلَ بِهِ ، وَلا حَرِصَ عَلَى سُؤَالِ مَن يَعلَمُ أَو يَغلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ أَهلٌ لِلفَتوَى ، ثُمَّ انتَبَهَ لِجَوَابِ المُفتي وَفَهِمَهُ فَهمًا وَاضِحًا فَأَخَذَ بِهِ ، إِلاَّ هُدِيَ إِلى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ ، وَمَا طَلَبَ أَحَدٌ الرُّخَصَ وَتَتَبَّعَ زَلاَّتِ العُلَمَاءِ ، وَاشتَغَلَ بِشَوَاذِّ المَسَائِلِ وَمُفرَدَاتِهَا ، وَجَعَلَ حَاكِمَهُ هَوَى نَفسِهِ وَشَهوَتَهَا ، إِلاَّ ضَلَّ وَتَزَندَقَ وَخَلَعَ رِبقَةَ الإِسلامِ مِن عُنُقِهِ . وَقَد كَانَ المُسلِمُونَ عَلَى مَرِّ عُصُورِهِم عَلَى نَهجٍ كَرِيمٍ ، يَطلُبُونَ فِيهِ الحَقَّ فَيَلزَمُونَهُ ، وَيَتَحَرَّونَ الصَّوَابَ فَيَأخُذُونَ بِهِ ، حَرِيصِينَ عَلَى أَن يَعبُدُوا رَبَّهُم عَلَى عِلمٍ وَبَصِيرَةٍ ، مُتَحَرِّينَ لما يُرضِيهِ وَلَو خَالَفَ مُشتَهَى نُفُوسِهِم ، وَمَا زَالُوا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى غَشَتِ النَّاسَ في السَّنَوَاتِ المُتَأَخِّرَةِ غَوَاشٍ مِن جَهلٍ وَاتِّبَاعِ هَوًى وَقِلَّةِ دِيَانَةٍ ، وَإِخلادٍ لِلدُّنيَا وَنِسيَانٍ لِلآخِرَةِ ، فَضَعُفَ لَدَيهِمُ استِشعَارُ المَسؤُولِيَّةِ ، وَظَهَرَ مِنهُمُ التَّهَاوُنُ بِالأَمَانَةِ ، فَتَسَرَّعُوا في تَلَقُّفِ الفَتَاوَى الشَّاذَّةِ ، وَتَهَاوَنُوا بِقَبُولِ الأَقوَالِ الفَاذَّةِ ، وَتَسَاهَلُوا بِاتِّبَاعِ مَن يَقُولُ عَلَى اللهِ بِغَيرِ عِلمٍ ، وَتَمَادَوا في اختِيَارِ مَا تَمِيلُ إِلَيهِ نُفُوسُهُم ، وَارتَاحُوا لما تُملِيهِ عَلَيهِم شَهَوَاتُهُم ، وَبَدَلاً مِن أَن تَحكُمَ الشَّرِيعَةُ أَهوَاءَهُم وتُهَذِّبَهَا ، انقَلَبَتِ المَوَازِينُ لَدَى بَعضِهِم رَأسًا عَلَى عَقِبٍ ، وَصَارُوا يُحَكِّمُونَ أَهوَاءَهُم في مَسَائِلِ الخِلافِ ؛ فَيَأخُذُونَ أَهوَنَ الأَقوَالِ وَأَيسَرَهَا عَلَى نُفُوسِهِم ، دُونَ استِنَادٍ إِلى دَلِيلٍ شَرعِيٍّ وَلا حُجَّةٍ وَاضِحَةٍ ؛ بَل تَقلِيدًا لِمَن زَلَّ من العُلَمَاءِ ، أَوِ استِئنَاسًا بِتَخلِيطِ مَن ضَلَّ مِنَ الأَدعِيَاءِ ، بَل وَصَلَ الحَالُ بِبَعضِ هَؤُلاءِ إِلى أَنَّ يَتَّخِذَ لِنَفسِهِ مَذهَبًا يَقُومُ عَلَى التَّلفِيقِ بَينَ آرَاءِ الفُقَهَاءِ وَالتَّرقِيعِ بَينَ أَقوَالِ العُلَمَاءِ ، فَإِذَا طُوَلِبَ بِالدَّلِيلِ الرَّاجِحِ وَحُجَجِ الشَّرعِ الوَاضِحَةِ ، تَنَصَّلَ مِن ذَلِكَ بِإِلقَاءِ المَسؤُولِيَّةِ عَلَى مَن أَفتَاهُ ، وَرَمَى بِكَامِلِ العُهدَةِ عَلَيهِ ، مُعتَقِدًا أَنَّ قَولَ ذَلِكَ المُفتي سَيَكُونُ حَجَّةً لَهُ يَومَ القِيَامَةِ بَينَ يَدَي رَبِّهِ . وَقَد زَادَ في انتِشَارِ هَذِهِ الظَّاهِرَةِ أَمرَانِ : أَوَّلُهُمَا كَثرَةُ المُفتِينَ في الفَضَائِيَّاتِ وَمَوَاقِعِ الشَّبَكَةِ العَالَمِيَّةِ ، مِمَّن جَهِلُوا أَو تَسَاهَلُوا ، فَنَشَرُوا الفَتَاوَى الشَّاذَّةَ وَالرُّخَصَ المُخَالِفَةَ ؛ وَثَانِيهِمَا فَرِيقٌ مَفتُونٌ مِن أَهلِ الأَهوَاءِ ، مِمَّن يَتَكَلَّمُونَ بِأَلسِنَتِنَا وَيَكتُبُونَ في صُحُفِنَا ، حَمَلُوا أَفكَارًا غَرِيبَةً ، وَانتَحَلُوا تَوَجُّهَاتٍ مُرِيبَةً ، اِنبَهَرُوا بِالحضَارَةِ الغَربِيَّةِ الكَافِرَةِ ، وَأَرَادُوا نَقلَهَا لَنَا بِعُجَرِهَا وَبُجَرِهَا ، فَهَجَمُوا عَلَى كُلِّ شَيءٍ في الدِّينِ أُصُولاً وَفُرُوعًا ، وَتَجرَّؤُوا عَلَى العِلمِ وَهَجَمُوا عَلَى العُلَمَاءِ ؛ فأَهمَلُوا أُصُولاً وَأَحدَثُوا فُصُولاً ، وَجَاؤُوا بِمَنهَجٍ جَدِيدٍ سَمَّوهُ حُرِّيَّةَ الرَّأيِ وَالفَتوَى ، وَمَا هُوَ إِلاَّ الأَخذُ بِالرُّخَصِ وَالتَتَبُّعُ لِلشَّوَاذِّ .
وَإِنَّ المُسلِمِينَ وَقَد رَضُوا بِاللهِ رَبًّا وَبِالإِسلامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ نَبِيًّا رَسُولاً ، إِنَّهُم لَمُطَالَبُونَ بِالتَّحَاكُمِ إِلى كِتَابِ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ في جَمِيعِ المَسَائِلِ ، مُلزَمُونَ بِالتَّسلِيمِ وَالانقِيَادِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ، لا إِيمَانَ لَهُم بِغَيرِ ذَلِكَ ، وَلا بَرَاءَةَ لِذِمَمِهِم إِلاَّ بِجَعلِهِ طَرِيقًا لهم وَمَنهَجًا ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لا يَجِدُوا في أَنفُسِهِم حَرَجًا مِمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُوا تَسلِيمًا " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " فَإِنْ تَنَازَعتُم في شَيءٍ فَرُدُّوهُ إِلى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُم تُؤمِنُونَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيرٌ وَأَحسَنُ تَأوِيلاً " وَإِنَّ مِنَ الأَهَمِّيَّةِ بِمَكَانٍ في هَذَا الشَّأنِ اعتِبَارَ فَهمِ السَّلَفِ الصَّالِحِ لِنُصُوصِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَعَدَمَ التَّطَاوُلِ عَلَيهِ أَو التَّقلِيلِ مِن شَأنِهِ ؛ فَهُمُ السَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ وَهُم خَيرُ القُرُونِ ، لُغَتُهُم أَفصَحُ اللُّغَاتِ ، وَلَهجَتُهُم أَصدَقُ اللَّهَجَاتِ ، وَفَهمُهُم خَيرُ الفُهُومِ وَأَزكَاهَا ، هُمُ الَّذِينَ عَاصَرُوا النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَعَايَشُوا نُزُولَ الوَحيِ بَينَ يَدَيهِ ، وَفَقِهُوا الدِّينَ وَعَرَفُوا مَقَاصِدَ التَّشرِيعِ ، وَسَارُوا عَلَيهِ في حَيَاتِهِم وَمَنهَجِهِم وَسُلُوكِهِم ، وَزَكَّاهُمُ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَأَمَرَ بِاتِّبَاعِ سُنَّتِهِم وَالتَّمَسُّكِ بها فَقَالَ : " خَيرُكُم قَرني ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم " وَقَالَ : " فَعَلَيكُم بِسُنَّتي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهدِيِّينَ مِن بَعدِي ، تَمَسَّكُوا بها وَعَضُّوا عَلَيهَا بِالنَّوَاجِذِ ، وَإِيَّاكُم وَمُحدَثَاتِ الأُمُورِ ؛ فَإِنَّ كُلَّ بِدعَةٍ ضَلالَةٌ " وَأَمرٌ آخَرُ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ ذَلِكُم هُوَ اعتِبَارُ حُجِّيَّةِ الإِجمَاعِ وَعَدَمُ خَرَقِهِ أَوِ التَّقلِيلِ مِن شَأنِهِ ، كَيفَ وَقَدِ استَقَرَّ أَنَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ لا تَجتَمِعُ عَلَى ضَلالَةٍ ؛ قَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيرَ سَبِيلِ المُؤمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلىَّ وَنُصلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَت مَصِيرًا " وَأَمَّا ثَالِثَةُ الأَثَافي لِمَن أَرَادَ الحَقَّ وَابتَغَى لِنَفسِهِ النَّجَاةَ ، فَهِيَ الرُّجُوعُ في المَسَائِلِ المُتَنَازَعِ فِيهَا إِلى العُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ ، المَشهُودِ لَهُم بِالعِلمِ وَالتَّقوَى ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَإِذَا جَاءَهُم أَمرٌ مِنَ الأَمنِ أَوِ الخَوفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَو رَدُّوهُ إِلى الرَّسُولِ وَإِلى أُولي الأَمرِ مِنهُم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَستَنبِطُونَهُ مِنهُم وَلَولا فَضلُ اللهِ عَلَيكُم وَرَحمَتُهُ لاتَّبَعتُمُ الشَّيطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " فَاسأَلُوا أَهلَ الذِّكرِ إِن كُنتُم لا تَعلَمُونَ . بِالبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ " وَأَمَّا تَتَبُّعُ الرُّخَصِ وَجَعَلُهَا دِينًا وَدَيدَنًا ، بِأَن يَختَارَ المَرءُ مِن كُلِّ مَذهَبٍ مَا هُوَ الأَهوَنُ عَلَيهِ دُونَ عِلمٍ وَلا نَظَرٍ وَلا فِقهٍ ، وَلا دَافِعٍ مِن قُوَّةِ الدَّلِيلِ أَو صَادِقِ البَرَاهِينِ ؛ بَل تَشَهِّيًّا وَجَهلاً ، وَرَغبَةً في اتِّبَاعِ الأَيسَرِ وَالأَخَفِّ عَلَى النَّفسِ ، فَإِنَّ هَذَا هُوَ التَّرَخُّصُ المَذمُومُ ؛ الَّذِي اشتَدَّ نَكِيرُ العُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ عَلَى مَن قَالَ بِهِ أَو فَعَلَهُ . قَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ : ثَلاثَةٌ يَهدِمنَ الدِّينَ : زَلَّةُ العَالِمِ ، وَجِدَالُ المُنَافِقِ ، وَأَئِمَّةٌ مُضِلُّونَ . وَقَالَ سُلَيمَانُ التَّيمِيُّ : لَو أَخَذتَ بِرُخصَةِ كُلِّ عَالِمٍ اجتَمَعَ فَيكَ الشَّرُّ كُلُّهُ . وَقَالَ إِبرَاهِيمُ بنُ أَبي عُلَيَّةَ : مَن تَبِعَ شَوَاذَّ العِلمِ ضَلَّ . وَقَالَ الإِمَامُ الأَوزَاعِيُّ : مَن أَخَذَ بِنَوَادِرِ العُلَمَاءِ خَرَجَ مِن الإِسلامِ . وَقَالَ العِزُّ بنُ عَبدِالسَّلامِ : يَجُوزُ تَقلِيدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِن الأَئِمَّةِ الأَربَعَةِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُم ـ ... وَلا يَجُوزُ تَتَبُّعُ الرُّخَصِ . وَقَالَ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : مَن تَتَبَّعَ رُخَصَ المَذَاهِبِ وَزَلاَّتِ المُجتَهِدِينَ فَقَد رَقَّ دِينُهُ . وَقَالَ الإِمَامُ ابنُ القَيِّمِ : لا يَجُوزُ لِلمُفتي تَتَبُّعُ الحِيَلِ المُحَرَّمَةِ وَالمَكرُوهَةِ ، وَلا تَتَبُّعُ الرُّخَصِ لِمَن أَرَادَ نَفعَهُ ، فَإِنْ تَتَبَّعَ ذَلِكَ فَسَقَ وَحَرُمَ استِفتَاؤُهُ . أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَليَكُنْ طَلَبُ الحَقِّ رَائِدَكُم وَهَدَفَكُم ، وَاعلَمُوا أَنَّهُ لا احتِجَاجَ بِأَقوَالِ العُلَمَاءِ وَلا آرَائِهِمُ المُخَالِفَةِ لِلنُّصُوصِ الشَّرعِيَّةِ ؛ لأَنَّنَا مُتَعَبَّدُونَ بِالأَدِلَّةِ الشَّرعِيَّةِ مَأمُورُونَ بِاتِّبَاعِهَا ، وَاللهُ ـ تَعَالى ـ قَد أَمَرَ نَبِيَّهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ بِالحُكمِ بما أَنزَلَهُ عَلَيهِ فَقَالَ لَهُ : " وَأَنِ احكُمْ بَينَهُم بما أَنزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهوَاءَهُم " فَلا تَهُولَنَّكُم تِلكَ العِبَارَاتُ الرَّنَّانَةُ ، وَلا تَخدَعَنَّكُمُ الأَقوَالُ البَرَّاقَةُ ، الَّتي يَتَشَدَّقُ بها بَعضُ المَفتُونِينَ مِمَّن يُرِيدُونَ تَطوِيعَ الفَتوَى بِحُجَّةِ مُسَايَرَةِ الوَاقِعِ وَمُوَاكَبَةِ العَصرِ ، أَو مِمَّن يُنَادُونَ بِتَغيِيرِ الفِقهِ الإِسلامِيِّ لِيَكُونَ بِزَعمِهِم فِقهَ تَيسِيرٍ وَوَسَطِيَّةٍ ، وَمَا كُلُّ ذَلِكَ في الحَقِيقَةِ إِلاَّ تَميِيعٌ لِلدِّينِ وَتَنَصُّلٌ مِن شَرِيعَةِ رَبِّ العَالَمِينَ ، عُطِّلَت بِهِ حُدُودٌ وَتُرِكَت فِيهِ أَحَادِيثُ ، وَفُتِحَ بِهِ لِلجُهَّالِ مَجَالٌ لِلتَطَاوُلِ عَلَى الدِّينِ وَالسُّخرِيَةِ بِأَهلِهِ ، وَظَهَرَت فَتَاوَى يَستَنكِرُهَا أَصحَابُ الفِطَرِ السَّلِيمَةِ مِنَ العَامَّةِ فَضلاً عَن أَهلِ العِلمِ وَالخَاصَّةِ . أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ " هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيكَ الكِتَابَ مِنهُ آيَاتٌ مُحكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِم زَيغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنهُ ابتِغَاءَ الفِتنَةِ وَابتِغَاءَ تَأوِيلِهِ وَمَا يَعلَمُ تَأوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ في العِلمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِن عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلبَابِ . رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعدَ إِذ هَدَيتَنَا وَهَب لَنَا مِن لَدُنْكَ رَحمَةً إِنَّكَ أَنتَ الوَهَّابُ "




الخطبة الثانية :


أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَرَاقِبُوا أَمرَهُ وَنَهيَهُ وَلا تَنسَوهُ . وَتَحَرَّوا مَن تَثِقُونَ في دِينِهِ وَتَقوَاهُ فَاستَفتُوهُ ، وَانظُرُوا مَن يَتَتَبَّعُ الشَّاذَّ مِن أَقوَالِ العُلَمَاءِ وَيَتَعَلَّقُ بِزَلاَّتِهِم فَاحذَرُوهُ ، وَاعلَمُوا أَنَّهُ لا عَيبَ في الأَخذِ بِالرُّخَصِ الشَّرعِيَّةِ المُعتَبَرَةِ ، الَّتي جَاءَ بها الشَّارِعُ الحَكِيمُ تَخفِيفًا عَلَى المُكَلَّفِينَ وَتَسهِيلاً لِلأَحكَامِ ، وَتَيسِيرًا لِلعَمَلِ وَدَفعًا لِلمَشَقَّةِ وَالحَرَجِ ، فَهِيَ مِن رَحمَةِ اللهِ بِالعِبَادِ وَفَضلِهِ عَلَيهِم ؛ لِئَلاَّ يَقَعَ عَلَيهِم حَرَجٌ فِيمَا كُلِّفُوا بِهِ أَو يُصِيبَهُم مِنهُ عَنَتٌ . قَالَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ : " يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ العُسرَ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " وَمَا جَعَلَ عَلَيكُم في الدِّينِ مِن حَرَجٍ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " عَلَيكُم بِرُخصَةِ اللهِ الَّتي رَخَّصَ لَكُم " وَلا خِلافَ عِندَ جُمهُورِ أَهلِ العِلمِ في مَشرُوعِيَّةِ الأَخذِ بِالرُّخَصِ الشَّرعِيَّةِ إِذَا وُجِدَت أَسبَابُهَا وَتَحَقَّقَت دَوَاعِيهَا ، وَالمَشَقَّةُ تَجلِبُ التَّيسِيرَ ، وَالحَرَجُ مَرفُوعٌ وَالضَّرَرُ يُزَالُ ، وَإِذَا ضَاقَ الأَمرُ اتَّسَعَ ، وَإِنَّمَا العَيبُ وَاللَّومُ في الاحتِجَاجِ بِوُجُودِ الخِلافِ في مَسأَلَةٍ مَا لِيَأخُذَ المَرءُ فِيهَا بما شَاءَ مِن أَقوَالٍ ، قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : لَو جَازَ اتِّبَاعُ أَيِّ مَذهَبٍ شَاءَ لأَفضَى إِلى أَن يَلتَقِطَ رُخَصَ المَذَاهِبِ مُتَّبِعًا لِهَوَاهُ وَيَتَخَيَّرَ بَينَ التَّحلِيلِ وَالتَّحرِيمِ وَالوُجُوبِ وَالجَوَازِ ؛ وَذَلِكَ يُؤَدِّي إِلى الانحِلالِ مِن رِبقَةِ التَّكلِيفِ . وَقَالَ الإِمَامُ الشَّاطِبيُّ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : فَإِنَّ في مَسَائِلِ الخِلافِ ضَابِطًا قُرآنِيًّا يَنفِي اتِّبَاعَ الهَوَى جُملَةً ، وَهُوَ قَولُهُ ـ تَعَالى ـ :" فَإِنْ تَنَازَعتُم في شَيءٍ فَرُدُّوهُ إِلى اللهِ وَالرَّسُولِ " وَالرَّدُّ إِلى اللهِ ـ سُبحَانَهُ ـ هُوَ الرَّدُّ إِلى كِتَابِهِ ، وَالرَّدُّ إِلى الرَّسُولِ هُوَ الرَّدُّ إِلَيهِ نَفسِهِ في حَيَاتِهِ وَإِلى سُنَّتِهِ بَعدَ وَفَاتِهِ . إِنَّ عَلَى المُسلِمِ ـ عِبَادَ اللهِ ـ أَنَّ يُسَلِّمَ قِيَادَهُ لِنُصُوصِ الشَّرعِ حَيثُ تَوَجَّهَت بِهِ ؛ مُتَجَرِّدًا لِلحَقِّ مُبتَعِدًا عَنِ الهَوَى وَالتَّعَصُّبِ ، جَاعِلاً نَهجَهُ وَمَقصِدَهُ طَلَبَ الحَقِّ بِدَلِيلِهِ ، وَمَن فَعَلَ ذَلِكَ هُدِيَ وَوُفِّقَ " وَمَن يَعتَصِم بِاللهِ فَقَد هُدِيَ إِلى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ " وَأَمَّا تَتَبُّعُ الرُّخَصِ فَإِنَّهُ مُخَالَفَةٌ صَرِيحَةٌ لأُصُولِ الشَّرِيعَةِ وَهَدمٌ لِمَقَاصِدِهَا ؛ لأَنَّه اتِّبَاعٌ لِلهَوَى ، وَالشَّرِيعَةُ قَد جَاءَت لِتُخرِجَ الإِنسَانَ مِن دَوَاعِي الهَوَى وَنَهَت عَنِ اتِّبَاعِهِ ، ثُمَّ إِنَّ في تَتَبُّعِ الرُّخصِ تَركَ اتِّبَاعِ الدَّلِيلِ ؛ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَولِهِ ـ تَعَالى ـ : " فَإِن تَنَازَعتُم في شَيءٍ فَرُدُّوهُ إِلى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُم تُؤمِنُونَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيرٌ وَأَحسَنُ تَأوِيلاً " وَفيهِ تَركُ مَا هُوَ مَعلُومٌ إِلى مَا لَيسَ بِمَعلُومٍ . وَفيهِ انخِرَامُ نِظَامِ السِّيَاسَةِ الشَّرعِيَّةِ الَّذِي يَقُومُ عَلَى العَدَالَةِ وَالتَّسوِيَةِ ؛ بِحَيثُ إِذَا انخَرَمَ أَدَّى إِلى الفَوضَى وَالمَظَالِمِ وَتَضيِيعِ الحُقُوقِ بَينَ النَّاسِ . أَلا فَاتَّقُوا اللهَ وَخَافُوا لِقَاءَهُ ، وَتَذَكَّرُوا " فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الكُبرَى . يَومَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى . وَبُرِّزَتِ الجَحِيمُ لِمَن يَرَى . فَأَمَّا مَن طَغَى . وَآثَرَ الحَيَاةَ الدُّنيَا . فَإِنَّ الجَحِيمَ هِيَ المَأوَى . وَأَمَّا مَن خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفسَ عَنِ الهَوَى . فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأوَى "


( ملحوظة : هذه الخطبة مستفادة من كتاب تتبع الرخص بين الشرع والواقع للشيخ عبداللطيف بن عبدالله التويجري )
المشاهدات 2871 | التعليقات 4

قال علامة الشام الشيخ محمد جمال الدين القاسمي في آخر رسالته ( المسح على الجوربين والنعلين ) :
لا يخفى أن الرخص المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم هي نعمة عظمى في كل حال وعلى أي حال ، وإنما يظهر تمام نعمة تشريعها في بعض الأحوال مثل رخصة المسح على الجوربين في أيام البرد وأوقات السفر وحالات المرض أو تشقق القدم أو قشف الرجلين أو تورمهما مما يعرض ، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم السرية الذين شكوا إليه ما أصابهم من البرد أن يمسحوا على العصائب والتساخين كما قدمنا ، وقال من صحب عكرمة رضي الله عنه إلى واسط : ما رأيته غسل رجليه ، إنما يمسح عليهما حتى خرج منها : رواه ابن جرير في تفسيره ...
وقد يظن قوم أن التشدد في العزائم ومجافاة الرخص من التقوى ، وحاشا الله ، كيف وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم ، فإن قوماً شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم ، فتلك بقاياهم في الصوامع والديار ( وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه )
وعنه صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تعالى يحب أن تقبل رخصه كما يحب العبد مغفرة ربه )
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته )
وقال صلى الله عليه وسلم : ( هلك المتنطعون )
نعم يوجد من خيار العباد ، ذوي الجد والاجتهاد ، من لا يأخذون إلا بالعزائم ، لا زهداً في المأثور ، ولا رغبة عن المرخص فيه المبرور ، بل تربية للنفس على الأفضل ، وأخذاً بها إلى الأمثل والأكمل ، وهو ما يسميه الفقهاء بالاحتياط ، والخروج من الخلاف ، إيثاراً لما يكون فيه إجماع وائتلاف . وأصله ما صح في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل حتى ترم قدماه ، فقيل له : أتتكلف هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فيقول : ( أفلا أكون عبداً شكوراً ) ؟ .
جعلنا الله من عباده الشاكرين ، وفقهنا في الدين ، وحشرنا مع الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، والحمد لله رب العالمين .


قال الفقير إلى رحمة ربه مرور الكرام :
وكلام العلامة القاسمي رحمه الله هو فيما جاء فيه من الشارع رخصة كمثل المسح على الخفين وكقصر الصلاة وجمعها وكالفطر في السفر وكالأكل من الميتة لإنقاذ النفس من الهلكة ...

وأما الترخص والتيسير الذي يدندن حولهما أهل الصحافة ومن تشبه بهم من المنسوبين إلى العلم فهو مورد الذم كما في الخطبة ... نسأل الله الثبات على الحق إلى الممات ...


عرف الشاطبي ـ رحمه الله ـ الرخصة بقوله :
وأما الرخصة فما شرع لعذر شاق استثناء من أصل كلي يقتضي المنع ، مع الاقتصار على مواضع الحاجة فيه .


إلى أن قال في شرحه التعريف :
وكون هذا المشروع لعذر " مستثنى من أصل كلي " يبين لك أن الرخص ليست بمشروعة ابتداء ؛ فلذلك لم تكن كليات في الحكم ، وإن عرض لها ذلك فبالعرض ، فإن المسافر إذا أجزنا له القصر والفطر ؛ فإنما كان ذلك بعد استقرار أحكام الصلاة والصوم ، هذا وإن كانت آيات الصوم نزلت دفعة واحدة ؛ فإن الاستثناء ثانٍ عن استقرار حكم المستثنى منه على الجملة ، وكذلك أكل الميتة للمضطر في قوله ـ تعالى ـ : " فَمَنِ اضْطُرَّ "
وكونه " مقتصرا به على موضع الحاجة " خاصة من خواص الرخص أيضا لا بد منه ، وهو الفاصل بين ما شُرع من الحاجيات الكلية وما شرع من الرخص ؛ فإن شرعية الرخص جزئية يُقتصر فيها على موضع الحاجة ، فإن المصلي إذا انقطع سفره وجب عليه الرجوع إلى الأصل من إتمام الصلاة وإلزام الصوم ، والمريض إذا قدر على القيام في الصلاة لم يصلِّ قاعدا ، وإذا قدر على مس الماء لم يتيمم ... إلخ .

وقال في موضع آخر :
والخامس : أن الترخص إذا أخذ به في موارده على الإطلاق ؛ كان ذريعة إلى انحلال عزائم المكلفين في التعبد على الإطلاق ، فإذا أخذ بالعزيمة كان حريا بالثبات في التعبد والأخذ بالحزم فيه .
بيان الأول أن "الخير عادة والشر لجاجة " وهذا مشاهد محسوس لا يحتاج إلى إقامة دليل ، والمتعود لأمر يسهل عليه ذلك الأمر ما لا يسهل على غيره ؛ كان خفيفا في نفسه أو شديدا ، فإذا اعتاد الترخص صارت كل عزيمة في يده كالشاقة الحرجة ، وإذا صارت كذلك لم يقم بها حق قيامها وطلب الطريق إلى الخروج منها ، وهذا ظاهر ، وقد وقع هذا المتوقع في أصول كلية ، وفروع جزئية ، كمسألة الأخذ بالهوى في اختلاف أقوال العلماء ، ومسألة إطلاق القول بالجواز عند اختلافهم بالمنع والجواز ، وغير ذلك مما نبه عليه في أثناء الكتاب أو لم ينبه عليه .
وبيان الثاني ظاهر أيضا مما تقدم ؛ فإنه ضده .
وسبب هذا كله أن أسباب الرخص أكثر ما تكون مقدرة ومتوهمة لا محققة ، فربما عدها شديدة وهي خفيفة في نفسها ؛ فأدى ذلك إلى عدم صحة التعبد ، وصار عمله ضائعا وغير مبني على أصل , وكثيرا ما يشاهد الإنسان ذلك ؛ فقد يتوهم الإنسان الأمور صعبة وليست كذلك إلا بمحض التوهم ؛ ألا ترى أن المتيمم لخوف لصوص أو سباع إذا وجد الماء في الوقت أعاد عند مالك ، لأنه عده مقصرا ؛ لأن هذا يعتري في أمثاله مصادمة الوهم المجرد الذي لا دليل عليه ، بخلاف ما لو رأى اللصوص أو السباع وقد منعته من الماء فلا إعادة هنا ، ولا يعد هذا مقصرا ، ولو تتبع الإنسان الوهم لرمى به في مهاوٍ بعيدة ، ولأبطل عليه أعمالا كثيرة ، وهذا مطرد في العادات والعبادات وسائر التصرفات .

وقد تكون شديدة ، ولكن الإنسان مطلوب بالصبر في ذات الله والعمل على مرضاته ، وفي الصحيح : " من يصبر يصبره الله " وجاء في آية الأنفال في وقوف الواحد للاثنين بعدما نسخ وقوفه للعشرة : " وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ " ... إلخ .


جزاك الله خيرا ياشيخ عبدالله وكثر في الدنيا من أمثالك وخطبك دائما في الصميم .
دمت بخير في طاعة البارئ


حياك الله ـ أخي الكريم عبدالحميد ـ وبياك .

وأسأل الله لي ولك ولجميع المسلمين التوفيق لما يحب ويرضى ، وأن يثبتنا على الحق ويرزقنا البر والتقوى .

ولا شك أن الخطباء لا يستغنون عن النصح والنقد بل والتشجيع أحيانًا ، فلعلنا نشرف بذلك من إخواننا أصدقاء الخطباء ، ولعلهم يكونون لنا مرآة نستجلي بها ما نكتب ؛ لنعرف مواطن القوة ـ إن كانت ـ فنلزمها ، والمواطن التي تحتاج إلى تحسين ـ وما أكثرها ـ فنجتهد في تحسينها وتزيينها بما يعود على أمتنا ومجتمعنا بالعلم النافع الموعظة الحسنة .

ولا نقول إلا كما قال الصاحب في الغار : اللهم اجعلنا خيرًا مما يظنون ، واغفر لنا ما لا يعلمون ، ولا تؤاخذنا بما يقولون .