كارثة جدة والعلاقة بين المصيبة والخطيئة د. لطف الله خوجه
أبو عبد الرحمن
1431/01/04 - 2009/12/21 06:13AM
كارثة جدة
والعلاقة بين المصيبة والخطيئة
د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه
والعلاقة بين المصيبة والخطيئة
د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه
من بين الأمور الملفتة للنظر في كارثة مدينة جدة - حماها الله، وحمى أهلها من كل فاجعة، وجعل ما أصابها تطهيرا ورفعة – اعتراض ورفض بعض الناس، رد سبب الكارثة إلى الذنوب، وأن هذا التعليل ما هو إلا شماتة بالمصابين، وتغطية على السبب والمتسبب الحقيقي؛ وهم الذين رخصوا بالبناء في مجاري السيول، ووضعوا فيها المخططات، وباعوها مستغفلين الناس.
فهؤلاء أحرى بالنكير والتحذير، ولو كان السبب هو الذنوب، فهم المستحقون للعقوبة لا المساكين المستغفلين، الذين لا ذنب لهم سوى أنهم أرادوا سكنا لأولادهم وأزواجهم.
وفي خلاف كهذا، أمرنا ربنا جل شأنه – نحن المسلمون المؤمنون بما أنزل الله تعالى – أن نرجع إليه وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ليفصل في الخلاف والنزاع، فقال:
- {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [الشورى : 10]
- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء : 59]
فما هو حكم الله تعالى في العلاقة بين الخطيئة والمصيبة ؟.
بعد تقليب النظر في القرآن نقف مباشرة على النصوص التالية:
{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى : 30]
هذه الآية ترجع سبب المصيبة إلى ما تكسبه الأيدي؛ أي ما تقترفه وتجنيه من الخطايا.
{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم : 41]. والآية هذه تقرر: أن سبب ظهور الفساد في البر والبحر هو: ذنوب الناس.
هاتان آيتان تثبتان بوضوح العلاقة ما بين المصيبة والخطيئة. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
وفي معركة أحد، لما خالف الرماة أَمْرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم - بنزولهم من الجبل؛ لجمع الغنائم - ركب المشركون ظهورهم، وانقلب النصر هزيمة، وكاد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل، لكنه أصيب وأدمي، فنزل على الإثر قوله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران : 165]
إذن المعصية سبب في الكارثة تصيب الإنسان أو جموع الناس.. هذا واضح جدا في كلام الله تعالى. وفي كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، الذي لا ينطق على الهوى، إن هو إلا وحي يوحى كذلك، فعن ابن عُمَرَ قال: سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلَّطَ الله عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ، حتى تَرْجِعُوا إلى دِينِكُمْ).
سنن أبي داود2/274
والذل للعدو من أشد المصائب ولا ريب، فهو أثر عن أكل الربا والاستغراق في الدنيا.
ويقول صلى الله عليه وسلم: (يقول لَيَكُونَنَّ من أُمَّتِي أَقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إلى جَنْبِ عَلَمٍ، يَرُوحُ عليهم بِسَارِحَةٍ لهم، يَأْتِيهِمْ يَعْنِي الْفَقِيرَ لِحَاجَةٍ، فيقولوا: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا. فَيُبَيِّتُهُمْ الله وَيَضَعُ الْعَلَمَ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)
رواه البخاري 5/2123
وهؤلاء أطبق عليهم الجبل جزاء: شربهم الخمر، وركوبهم الزنا، وسماعهم الأغاني بالمعازف (= الموسيقى)، ولباسهم الحرير.
وبعد هذا البيان والإقرار بحقيقة العلاقة بين المصيبة والخطيئة، فهل المعاصي سبب وحيد ؟.
فإنا نرى أناسا صالحين، متفق على صلاحهم، حتى أعداؤهم يشهدون، ثم يصابون بما لم يصب به غيرهم، كما ذكر في هذه الكارثة من موت زوجين صالحين داعيين، كانا يقومان على حج الفقراء، ماتا وأبناؤهما جميعا، إلا ولد مفقود حتى الآن، تقبلهم الله جميعا ورحمهم رحمة واسعة، فما معنى هذا؟
يقول تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} [البقرة : 155 - 157]
هذه الآية تبين: أن البلاء قد يكون امتحانا للصبر، فمن صبر فله الرضى والأجر، يؤكدها قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد : 31]
وهكذا نرى سببا آخر ليس الذنب والإجرام، بل الامتحان والاختبار؛ ليعلم المؤمنين من غيرهم.
وقد بدا سبب ثالث، فإنا نجد رسول الله صلى الله عليه قد أوذي وأصيب، هو وإخوانه الأنبياء، فمنهم مات ولده وأولاده وزوجه، ومنهم الذي جرح، والذي خرج يترقب بعد أن قصدوا إلى قتله، بل ومن الأنبياء من قتل.. وهذه مصائب ولا شك، فهل كانوا صلوات الله وسلامه عليهم مذنبين ؟.
حاشاهم، لكن هذا يدلنا أن المصائب قد تكون أيضا لرفع درجات المصابين، وزيادة أجورهم.
قال تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ} [الأنعام : 34]
عن سَعْدٍ قال: سُئِلَ النبي صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الناس أَشَدُّ بَلَاءً ؟. (قال: الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ، فَالْأَمْثَلُ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ على حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كان في دِينِهِ صَلَابَةٌ زِيدَ صَلَابَةً، وإن كان في دِينِهِ رِقَّةٌ، خُفِّفَ عنه، ولا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ، حتى يَمْشِيَ على الأرض ماله خَطِيئَةٌ). سنن الدارمي 2/ 412
فالأنبياء مبرءون من الخطايا الموبقات، ثم يبتلون بالمصائب ما ذلك إلا رفعة لدرجاتهم.
فهؤلاء أحرى بالنكير والتحذير، ولو كان السبب هو الذنوب، فهم المستحقون للعقوبة لا المساكين المستغفلين، الذين لا ذنب لهم سوى أنهم أرادوا سكنا لأولادهم وأزواجهم.
وفي خلاف كهذا، أمرنا ربنا جل شأنه – نحن المسلمون المؤمنون بما أنزل الله تعالى – أن نرجع إليه وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ليفصل في الخلاف والنزاع، فقال:
- {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [الشورى : 10]
- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء : 59]
فما هو حكم الله تعالى في العلاقة بين الخطيئة والمصيبة ؟.
بعد تقليب النظر في القرآن نقف مباشرة على النصوص التالية:
{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى : 30]
هذه الآية ترجع سبب المصيبة إلى ما تكسبه الأيدي؛ أي ما تقترفه وتجنيه من الخطايا.
{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم : 41]. والآية هذه تقرر: أن سبب ظهور الفساد في البر والبحر هو: ذنوب الناس.
هاتان آيتان تثبتان بوضوح العلاقة ما بين المصيبة والخطيئة. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
وفي معركة أحد، لما خالف الرماة أَمْرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم - بنزولهم من الجبل؛ لجمع الغنائم - ركب المشركون ظهورهم، وانقلب النصر هزيمة، وكاد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل، لكنه أصيب وأدمي، فنزل على الإثر قوله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران : 165]
إذن المعصية سبب في الكارثة تصيب الإنسان أو جموع الناس.. هذا واضح جدا في كلام الله تعالى. وفي كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، الذي لا ينطق على الهوى، إن هو إلا وحي يوحى كذلك، فعن ابن عُمَرَ قال: سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلَّطَ الله عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ، حتى تَرْجِعُوا إلى دِينِكُمْ).
سنن أبي داود2/274
والذل للعدو من أشد المصائب ولا ريب، فهو أثر عن أكل الربا والاستغراق في الدنيا.
ويقول صلى الله عليه وسلم: (يقول لَيَكُونَنَّ من أُمَّتِي أَقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إلى جَنْبِ عَلَمٍ، يَرُوحُ عليهم بِسَارِحَةٍ لهم، يَأْتِيهِمْ يَعْنِي الْفَقِيرَ لِحَاجَةٍ، فيقولوا: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا. فَيُبَيِّتُهُمْ الله وَيَضَعُ الْعَلَمَ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)
رواه البخاري 5/2123
وهؤلاء أطبق عليهم الجبل جزاء: شربهم الخمر، وركوبهم الزنا، وسماعهم الأغاني بالمعازف (= الموسيقى)، ولباسهم الحرير.
وبعد هذا البيان والإقرار بحقيقة العلاقة بين المصيبة والخطيئة، فهل المعاصي سبب وحيد ؟.
فإنا نرى أناسا صالحين، متفق على صلاحهم، حتى أعداؤهم يشهدون، ثم يصابون بما لم يصب به غيرهم، كما ذكر في هذه الكارثة من موت زوجين صالحين داعيين، كانا يقومان على حج الفقراء، ماتا وأبناؤهما جميعا، إلا ولد مفقود حتى الآن، تقبلهم الله جميعا ورحمهم رحمة واسعة، فما معنى هذا؟
يقول تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} [البقرة : 155 - 157]
هذه الآية تبين: أن البلاء قد يكون امتحانا للصبر، فمن صبر فله الرضى والأجر، يؤكدها قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد : 31]
وهكذا نرى سببا آخر ليس الذنب والإجرام، بل الامتحان والاختبار؛ ليعلم المؤمنين من غيرهم.
وقد بدا سبب ثالث، فإنا نجد رسول الله صلى الله عليه قد أوذي وأصيب، هو وإخوانه الأنبياء، فمنهم مات ولده وأولاده وزوجه، ومنهم الذي جرح، والذي خرج يترقب بعد أن قصدوا إلى قتله، بل ومن الأنبياء من قتل.. وهذه مصائب ولا شك، فهل كانوا صلوات الله وسلامه عليهم مذنبين ؟.
حاشاهم، لكن هذا يدلنا أن المصائب قد تكون أيضا لرفع درجات المصابين، وزيادة أجورهم.
قال تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ} [الأنعام : 34]
عن سَعْدٍ قال: سُئِلَ النبي صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الناس أَشَدُّ بَلَاءً ؟. (قال: الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ، فَالْأَمْثَلُ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ على حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كان في دِينِهِ صَلَابَةٌ زِيدَ صَلَابَةً، وإن كان في دِينِهِ رِقَّةٌ، خُفِّفَ عنه، ولا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ، حتى يَمْشِيَ على الأرض ماله خَطِيئَةٌ). سنن الدارمي 2/ 412
فالأنبياء مبرءون من الخطايا الموبقات، ثم يبتلون بالمصائب ما ذلك إلا رفعة لدرجاتهم.
فتحصل معنا – من خلال مرجعنا ومصدرنا في التدين والعقيدة – ثلاثة أسباب للمصيبة:
1- الخطايا. ==== فتكون عقوبة.
2- الابتلاء. ==== فتكون تمحيصا وتطهيرا.
3- الرفعة. ==== فتكون زيادة في الثواب.
1- الخطايا. ==== فتكون عقوبة.
2- الابتلاء. ==== فتكون تمحيصا وتطهيرا.
3- الرفعة. ==== فتكون زيادة في الثواب.
وفي كارثة جدة، لا نقطع بأن سببها واحد من الثلاثة دون غيرها، فقد تكون كلها، خصوصا مع اختلاف أحوال الناس، فمنهم الصالح المصلح، ومنهم الصالح، ومنهم الفاسق الظالم لنفسه. فهؤلاء إذا اجتمعوا في محل، ثم وقع عليهم حادث مدمر، فكل هذه الثلاثة تكون أسبابا، ولكل منهم ما يخصه. فصاحب الخطيئة يعاقب بالمصيبة إما تكفيرا لخطاياه، إن كانوا من المرحومين، أو انتقاما إن كان من المجرمين. وصاحب الابتلاء يبتلى لتمحيص إيمانه، حتى يتزكى. وصاحب الرفعة قد جاوز القنطرة، فصار من أولياء الله تعالى، فالله يريد أن يرفع درجته، كالأنبياء والسابقين المقربين.
لقد حلت المصيبة بخير القرون، في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أصاب الناس قحط، سمي عام الرمادة، والناس يؤمئذ خير الناس وأبرهم لله تعالى، وفيهم المبشرون بالجنة، وأمهات المؤمنين رضوان الله عليهم، فبالقطع لم يكن ذلك بسبب المعاصي وحدها، بل كان كذلك تمحيصا، ورفعة.
وإذا كان الأمر كذلك، لم يصح رد سبب الكارثة إلى أمر واحد بإطلاق، هو: الخطايا. إلا في حالين:
- في مثل قوم كفروا بالله وبرسوله، وأطبقوا على الاستكبار، كحال الأقوام الذين عمهم الله بالبلاء في الأمم السابقة، فينتقم الله منهم.
- أو بمعنى أن المصيبة العامة، تصيب جميع الناس من مسلمين، فسببها الخطايا، فيطهرهم بها.
أما المصيبة الخاصة، التي تصيب المسلم في نفسه وحده، أو ما يلحقه من المصيبة العامة، فسببها: إما الخطايا، أو الابتلاء، أو الرفعة؛ لوجود كل الفئات في كل مجتمع مسلم: الظالم لنفسه، والمقتصد، والسابق للخيرات بإذن الله.
ونحن نعلم أن ممن أنكر الربط بين الخطيئة والمصيبة، فإنما ينكر ذلك على سبيل الإطلاق، ولا يرى الذنب شؤما وبلاء على الناس، وهو بهذا مخالف لصريح القرآن والسنة، فمن قرأهما لم يتعن ليعرف هذه الحقيقة الجلية.
لكن من أنكر تخصيص المصابين بموعظتهم؛ بأن السبب المعاصي، فإنكاره صحيح؛ فإن المصيبة إن وقعت على صالحين، أو صالحين مصلحين، فهي تمحيص وتطهير ورفعة، فعلام موعظتهم في الذنب؟.
وإن وقعت على عاصين خاطئين، فما وقع يكفيهم، وليسوا بحاجة إلى عقوبة التقريع فوق ذلك، فإن أبا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه روى: أَنَّهُ سَمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا زَنَتْ الْأَمَةُ، فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا، ولا يُثَرِّبْ. ثُمَّ إن زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا، ولا يُثَرِّبْ. ثُمَّ إن زَنَتْ الثَّالِثَةَ فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ من شَعَرٍ). صحيح البخاري (2/756)، والتثريب هو اللوم والتقريع.
فإذا كان بحضرة المصابين، فالتذكير بأن الذنوب هي السبب، موعظة في غير محله، ويمكن ذلك بغير حضرتهم، أو بعدما تنجلي الكارثة.
* * *
لقد حلت المصيبة بخير القرون، في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أصاب الناس قحط، سمي عام الرمادة، والناس يؤمئذ خير الناس وأبرهم لله تعالى، وفيهم المبشرون بالجنة، وأمهات المؤمنين رضوان الله عليهم، فبالقطع لم يكن ذلك بسبب المعاصي وحدها، بل كان كذلك تمحيصا، ورفعة.
وإذا كان الأمر كذلك، لم يصح رد سبب الكارثة إلى أمر واحد بإطلاق، هو: الخطايا. إلا في حالين:
- في مثل قوم كفروا بالله وبرسوله، وأطبقوا على الاستكبار، كحال الأقوام الذين عمهم الله بالبلاء في الأمم السابقة، فينتقم الله منهم.
- أو بمعنى أن المصيبة العامة، تصيب جميع الناس من مسلمين، فسببها الخطايا، فيطهرهم بها.
أما المصيبة الخاصة، التي تصيب المسلم في نفسه وحده، أو ما يلحقه من المصيبة العامة، فسببها: إما الخطايا، أو الابتلاء، أو الرفعة؛ لوجود كل الفئات في كل مجتمع مسلم: الظالم لنفسه، والمقتصد، والسابق للخيرات بإذن الله.
ونحن نعلم أن ممن أنكر الربط بين الخطيئة والمصيبة، فإنما ينكر ذلك على سبيل الإطلاق، ولا يرى الذنب شؤما وبلاء على الناس، وهو بهذا مخالف لصريح القرآن والسنة، فمن قرأهما لم يتعن ليعرف هذه الحقيقة الجلية.
لكن من أنكر تخصيص المصابين بموعظتهم؛ بأن السبب المعاصي، فإنكاره صحيح؛ فإن المصيبة إن وقعت على صالحين، أو صالحين مصلحين، فهي تمحيص وتطهير ورفعة، فعلام موعظتهم في الذنب؟.
وإن وقعت على عاصين خاطئين، فما وقع يكفيهم، وليسوا بحاجة إلى عقوبة التقريع فوق ذلك، فإن أبا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه روى: أَنَّهُ سَمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا زَنَتْ الْأَمَةُ، فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا، ولا يُثَرِّبْ. ثُمَّ إن زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا، ولا يُثَرِّبْ. ثُمَّ إن زَنَتْ الثَّالِثَةَ فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ من شَعَرٍ). صحيح البخاري (2/756)، والتثريب هو اللوم والتقريع.
فإذا كان بحضرة المصابين، فالتذكير بأن الذنوب هي السبب، موعظة في غير محله، ويمكن ذلك بغير حضرتهم، أو بعدما تنجلي الكارثة.
* * *
وهنا يرد سؤال وفقا للتفصيل الآنف: إذا كانت المصيبة العامة سببها الذنب، وسببها الخاص يختلف، فكيف لنا أن نعرف حين تقع على أحد من الناس، أو على أقوام: إن كانت عقوبة وانتقاما، أو تطهيرا، أو تمحيصا، أو ثوابا. ؟.
وهو سؤال في محله؛ لأنه ينبني على جوابه، معرفة طريقة الوعظ والتعليم عقب الحادثة، كيف تكون، ويكشف لنا سرا من أقدار الله تعالى وأحكامه في العباد، يعرفه المتدبرون لآيات الله تعالى.
إن المصيبة - بمجردها - لا تعرف، إن كانت: عقوبة على إجرام، أو تطهيرا، أو تمحيصا، أو رفعة.
ذلك لأن الأطراف في المعصية ثلاثة: الواقع فيها، والناهي عنها، والساكت عليها.
وهو سؤال في محله؛ لأنه ينبني على جوابه، معرفة طريقة الوعظ والتعليم عقب الحادثة، كيف تكون، ويكشف لنا سرا من أقدار الله تعالى وأحكامه في العباد، يعرفه المتدبرون لآيات الله تعالى.
إن المصيبة - بمجردها - لا تعرف، إن كانت: عقوبة على إجرام، أو تطهيرا، أو تمحيصا، أو رفعة.
ذلك لأن الأطراف في المعصية ثلاثة: الواقع فيها، والناهي عنها، والساكت عليها.
وقد جاءت النصوص مبينة أن المصيبة:
- تارة تقع على العاصي وحده.
كما في قوله تعالى عن فرعون: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91)} [يونس : 90 - 91]
فعاقبه بالغرق ومن معه من المجرمين، ونجا موسى ومن معه من المؤمنين.
- تارة تقع على العاصي وحده.
كما في قوله تعالى عن فرعون: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91)} [يونس : 90 - 91]
فعاقبه بالغرق ومن معه من المجرمين، ونجا موسى ومن معه من المؤمنين.
- وتارة تقع على العاصي والساكت عنه؛ الذي لا ينهاه.
كما قوله تعالى عن أصحاب السبت من اليهود، لما احتالوا على أكل السمك وصيده، في اليوم الذي نهوا عنه، وسكت ناس فلم ينكروا عليهم : {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف : 165]
فقد نجا الله تعالى الناهين، وأخذ الظالمين، وسكت عن الساكتين، وفي بعض التفاسير أنهم هلكوا، وأصرح من هذا قوله عن الذين يسمعون المنكر من القول، ثم لا ينكرون:{ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ } ؛ أي كالمذنبين في الإثم، سواء بسواء، بسكوتكم وقعودكم وعدم إنكاركم. قال تعالى : {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)} [النساء : 140]
كما قوله تعالى عن أصحاب السبت من اليهود، لما احتالوا على أكل السمك وصيده، في اليوم الذي نهوا عنه، وسكت ناس فلم ينكروا عليهم : {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف : 165]
فقد نجا الله تعالى الناهين، وأخذ الظالمين، وسكت عن الساكتين، وفي بعض التفاسير أنهم هلكوا، وأصرح من هذا قوله عن الذين يسمعون المنكر من القول، ثم لا ينكرون:{ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ } ؛ أي كالمذنبين في الإثم، سواء بسواء، بسكوتكم وقعودكم وعدم إنكاركم. قال تعالى : {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)} [النساء : 140]
- وتارة تقع على الجميع: العاصي، والناهي، والساكت. قال تعالى:
{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال : 25]
فالفتنة عقوبة، وقد توعد الله بها حتى الخاصة؛ وهم الناهون عن المنكر، والصالحون الساكتون عن المنكر، ليس الظالمين فحسب. وفي الأثر:
عن أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أبي سُفْيَانَ، عن زَيْنَبَ ابنة جَحْشٍ رضي الله عَنْهُنَّ: أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فَزِعًا، يقول:( (لَا إِلَهَ إلا الله وَيْلٌ لِلْعَرَبِ من شَرٍّ، قد اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ من رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هذه). وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا، قالت زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ: فقلت: يا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟. قال: نعم، إذا كَثُرَ الْخَبَثُ). صحيح البخاري 3/ 1221
فهذا صريح في المعنى، فالخبث إذا كثر، أخذ حتى الصالحين وعمهم بالعقوبة، ليس لعصيان منهم، بل لأن الخبث عام، ثم يبعثون على نياتهم وأعمالهم الصالحة، فيكون هذا سبب موتهم، ولا بد لهم من الموت، كما في حديث غزو الكعبة.
فعن عَائِشَةُ رضي الله عنها قالت: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ، فإذا كَانُوا بِبَيْدَاءَ من الأرض، يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ. قالت: قلت: يا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ وَمَنْ ليس منهم، قال: يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ على نِيَّاتِهِمْ). صحيح البخاري 2/ 746
فهذه حالات ثلاثة لوقوع المصائب، لم تفرق بين مصلحين وصالحين ومفسدين، وهي تكشف شيئا عن طبيعة الحياة الدنيا وقانونها: أن فيها الخير والشر جميعا، وفيها الأخيار والأشرار جميعا، فالشر والخير يقع على الجميع مدة حياتهم في الدنيا، لا يسلمون من الشر، فما يخرج المرء من الدنيا إلا وناله شيء من ذلك، قل أم كثر، فليست العبرة بنوع ما أصابه خيرا أم شرا، إنما العبرة في: صبره، واتعاظه، ويقينه، وعمله الصالح، كما قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} [البقرة : 155 - 157]
{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال : 25]
فالفتنة عقوبة، وقد توعد الله بها حتى الخاصة؛ وهم الناهون عن المنكر، والصالحون الساكتون عن المنكر، ليس الظالمين فحسب. وفي الأثر:
عن أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أبي سُفْيَانَ، عن زَيْنَبَ ابنة جَحْشٍ رضي الله عَنْهُنَّ: أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فَزِعًا، يقول:( (لَا إِلَهَ إلا الله وَيْلٌ لِلْعَرَبِ من شَرٍّ، قد اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ من رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هذه). وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا، قالت زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ: فقلت: يا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟. قال: نعم، إذا كَثُرَ الْخَبَثُ). صحيح البخاري 3/ 1221
فهذا صريح في المعنى، فالخبث إذا كثر، أخذ حتى الصالحين وعمهم بالعقوبة، ليس لعصيان منهم، بل لأن الخبث عام، ثم يبعثون على نياتهم وأعمالهم الصالحة، فيكون هذا سبب موتهم، ولا بد لهم من الموت، كما في حديث غزو الكعبة.
فعن عَائِشَةُ رضي الله عنها قالت: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ، فإذا كَانُوا بِبَيْدَاءَ من الأرض، يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ. قالت: قلت: يا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ وَمَنْ ليس منهم، قال: يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ على نِيَّاتِهِمْ). صحيح البخاري 2/ 746
فهذه حالات ثلاثة لوقوع المصائب، لم تفرق بين مصلحين وصالحين ومفسدين، وهي تكشف شيئا عن طبيعة الحياة الدنيا وقانونها: أن فيها الخير والشر جميعا، وفيها الأخيار والأشرار جميعا، فالشر والخير يقع على الجميع مدة حياتهم في الدنيا، لا يسلمون من الشر، فما يخرج المرء من الدنيا إلا وناله شيء من ذلك، قل أم كثر، فليست العبرة بنوع ما أصابه خيرا أم شرا، إنما العبرة في: صبره، واتعاظه، ويقينه، وعمله الصالح، كما قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} [البقرة : 155 - 157]
وتأكيدا لهذه الحقيقة: نجد ما يخالف التوقع؛ المصيبة تتجنب المذنب وتتقصد الطائع، وذلك في حال المجرمين والكافرين، انظر قوله تعالى: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197)} [آل عمران : 196 - 197]
فتجد الكافر والمجرم يرتفع ويرتع في النعيم، ويتقلب في المباهج، والمؤمن التقي والمسلم النقي في عنت ومشقة، لكن كل هذا ظل زائل، فليست الدنيا دار هذا ولا هذا، والله تعالى يعطي هذا الظالم ويمهله، حتى يأخذه فلا يلفته، وهذا هو الإملاء والاستدراج، وهو من أشد وأنكى العقوبات الإلهية، والتي قال عنها جل شأنه:
- {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45)} [القلم : 44 - 45]
- {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [آل عمران : 178]
فهذا في هؤلاء المجرمين الذين أجرموا في حق العباد وحق الله تعالى، يتراكم عليهم الإثم، حتى لا يبقى لهم عذر، فينتقم الله منهم، قال تعالى: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (56)} [الزخرف : 55 - 56]
أما المؤمن فيتطهر بما يصيبه؛ إي إنها في حقه هي خير، من ناحية ما يستقبل، إن هو صبر.
عن صُهَيْبٍ قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ؛ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إلا لِلْمُؤْمِنِ، إن أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا له، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا له).
صحيح مسلم 4/2295
إذن النتيجة التي تحصلنا عليها من مفهوم المصيبة: أنها إذا أتت عامة على الجميع، فسببها المعصية، ثم في تنزيلها على الخاصة، يختلف سببها الخاص: فبعضهم يصاب لمعصيته؛ فإما تكفيرا إن كان من المرحومين، أو انتقاما إن كان من المجرمين، وبعضهم ابتلاء، وبعضهم رفعة، فالمصيبة بمجردها ليست مقياسا على صلاح الإنسان أو فساده، إيمانه أو كفره. فما المقياس إذن ؟.
المقياس هو الأحوال:
- فالطائع في حقه: تطهير، وتزكية، ورفعة.
- والعاصي المقر بذنبه في حقه: تكفير ومحو للذنب.
- والمجرم في حقه: عقوبة وانتقام.
وكل واحد من هؤلاء يعرفون بالعلامات، التي لا تخفى على أحد، فمن كان طائعا لله تعالى، فنور الطاعة يمشي بين يديه، ومن كان عاصيا، فظلمة المعصية على وجهه وجوارحه.
بعد هذا التطواف في النصوص، نعود إلى مصاب الأهل والإخوان في جدة؛ فالمصاب العام سببه الذنب، أما في الخصوص فليس سببه الوحيد الذنوب، بل منه ما سببه تطهير وتزكية أقوام. ومنه ما سببه رفعة درجات أقوام. ومنه ما سببه الذنب، لكن أي ذنب هو ؟.
أهو ذنب الغرقى الشهداء – رحمهم الله – والمتضررين كان الله بعونهم ؟.
أم ذنب الذي استولى على مسيل الأودية لنفسه، ثم خططها وباعها على المساكين، الذين لا هم لهم إلا بيت يكنهم، والذي صرح بالبناء، وهو يعلم أنه مسيل الوادي ؟.
لا شك أن المتسبب المباشر في الكارثة هم الذين استغلوا الأودية وباعوها، ومن أذن لهم. والذين لم يجعلوا للمدينة مصارف سيول ومجاري، فلولا هذا منهم، لما كان كل هذا المصاب الجلل.
فهذا سبب عام في المصيبة ومباشر، وهناك أسباب تخص كل إنسان تضرر، فيما بينه وبين ربه، إن كان قد أسرف وفرط في جنب الله تعالى، فما أصابه كفارة بعون الله تعالى، يطهره بها وينقيه.
ونعوذ بالله أن يكون هذا من الله تعالى انتقاما، بل ولا نعتقد ذلك، فالله تعالى لم يهدنا للإسلام، والعمل الصالح، وجعل بيننا أخيارا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويقيمون العلم والدعوة والفريضة، وهم في جدة أكثر من أية مدينة أخرى إلا ما شاء الله، ثم ينتقم منهم بمثل هذا.
الله تعالى لا ينتقم إلا من المجرمين، الذين لا خير فيهم، ومن أمة أطبقت على حرب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وليس فيهم من صالح مصلح، قال تعالى : {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)} [هود : 116 - 117]
فتجد الكافر والمجرم يرتفع ويرتع في النعيم، ويتقلب في المباهج، والمؤمن التقي والمسلم النقي في عنت ومشقة، لكن كل هذا ظل زائل، فليست الدنيا دار هذا ولا هذا، والله تعالى يعطي هذا الظالم ويمهله، حتى يأخذه فلا يلفته، وهذا هو الإملاء والاستدراج، وهو من أشد وأنكى العقوبات الإلهية، والتي قال عنها جل شأنه:
- {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45)} [القلم : 44 - 45]
- {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [آل عمران : 178]
فهذا في هؤلاء المجرمين الذين أجرموا في حق العباد وحق الله تعالى، يتراكم عليهم الإثم، حتى لا يبقى لهم عذر، فينتقم الله منهم، قال تعالى: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (56)} [الزخرف : 55 - 56]
أما المؤمن فيتطهر بما يصيبه؛ إي إنها في حقه هي خير، من ناحية ما يستقبل، إن هو صبر.
عن صُهَيْبٍ قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ؛ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إلا لِلْمُؤْمِنِ، إن أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا له، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا له).
صحيح مسلم 4/2295
إذن النتيجة التي تحصلنا عليها من مفهوم المصيبة: أنها إذا أتت عامة على الجميع، فسببها المعصية، ثم في تنزيلها على الخاصة، يختلف سببها الخاص: فبعضهم يصاب لمعصيته؛ فإما تكفيرا إن كان من المرحومين، أو انتقاما إن كان من المجرمين، وبعضهم ابتلاء، وبعضهم رفعة، فالمصيبة بمجردها ليست مقياسا على صلاح الإنسان أو فساده، إيمانه أو كفره. فما المقياس إذن ؟.
المقياس هو الأحوال:
- فالطائع في حقه: تطهير، وتزكية، ورفعة.
- والعاصي المقر بذنبه في حقه: تكفير ومحو للذنب.
- والمجرم في حقه: عقوبة وانتقام.
وكل واحد من هؤلاء يعرفون بالعلامات، التي لا تخفى على أحد، فمن كان طائعا لله تعالى، فنور الطاعة يمشي بين يديه، ومن كان عاصيا، فظلمة المعصية على وجهه وجوارحه.
بعد هذا التطواف في النصوص، نعود إلى مصاب الأهل والإخوان في جدة؛ فالمصاب العام سببه الذنب، أما في الخصوص فليس سببه الوحيد الذنوب، بل منه ما سببه تطهير وتزكية أقوام. ومنه ما سببه رفعة درجات أقوام. ومنه ما سببه الذنب، لكن أي ذنب هو ؟.
أهو ذنب الغرقى الشهداء – رحمهم الله – والمتضررين كان الله بعونهم ؟.
أم ذنب الذي استولى على مسيل الأودية لنفسه، ثم خططها وباعها على المساكين، الذين لا هم لهم إلا بيت يكنهم، والذي صرح بالبناء، وهو يعلم أنه مسيل الوادي ؟.
لا شك أن المتسبب المباشر في الكارثة هم الذين استغلوا الأودية وباعوها، ومن أذن لهم. والذين لم يجعلوا للمدينة مصارف سيول ومجاري، فلولا هذا منهم، لما كان كل هذا المصاب الجلل.
فهذا سبب عام في المصيبة ومباشر، وهناك أسباب تخص كل إنسان تضرر، فيما بينه وبين ربه، إن كان قد أسرف وفرط في جنب الله تعالى، فما أصابه كفارة بعون الله تعالى، يطهره بها وينقيه.
ونعوذ بالله أن يكون هذا من الله تعالى انتقاما، بل ولا نعتقد ذلك، فالله تعالى لم يهدنا للإسلام، والعمل الصالح، وجعل بيننا أخيارا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويقيمون العلم والدعوة والفريضة، وهم في جدة أكثر من أية مدينة أخرى إلا ما شاء الله، ثم ينتقم منهم بمثل هذا.
الله تعالى لا ينتقم إلا من المجرمين، الذين لا خير فيهم، ومن أمة أطبقت على حرب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وليس فيهم من صالح مصلح، قال تعالى : {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)} [هود : 116 - 117]