توقيت الحديث عن الهجرة والمحاسبة ببداية ونهاية العام(قضية للنقاش)

أبو عبد الرحمن
1430/12/25 - 2009/12/12 08:35AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يوقت كثير من الخطباء ومنهم بعض أئمة الحرمين وفقهم الله حديثهم عن الهجرة والمحاسبة ببداية ونهاية العام الهجري ، ويرى بعض الباحثين خطأ ذلك ، فأما الهجرة فقد وقعت في شهر ربيع الأول ، إضافة إلى محذور شبهة العيد والاحتفال ، وأما المحاسبة فمطلوبة طوال العام ، ونهاية العام أمر نسبي تبعا لأعمار الناس ، وقد تحدث عن ذلك بوضوح فضيلة إمام الحرم المكي الدكتور سعود الشريم في كتابه : الشامل فى فقه الخطيبِ والخُطبَةِ .
حيث قال :
« 14- توقيت الخطبة عن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم أو عن محاسبة النفس بنهاية العام : »


إن المتتبع لأحوال جملة من الخطباء يجد أنهم يتحدثون في آخر جمعة من العام عن حادث الهجرة وما فيه من الفوائد والعظات . وهذا أمر فيه فوائد عظيمة غير أنَّ لي على هذه المسألة ثلاثة أمور من جهة تخصيصه بآخر العام :


الأمر الأول :

أن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إنما كانت في شهر ربيع الأول بعد مضي ثنتي عشرة ليلة منه في يوم الاثنين كما ذكر ذلك الطبري في تأريخه (200) وأن الذي ابتدأ التأريخ على الصحيح هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة سبع أو ثمان عشرة من الهجرة حينما احتاجوا إلى التأريخ ، فاستشار الصحابة فقال بعضهم : من مبعثه ، وقال آخرون : من مهاجره ، فقال عمر رضي الله عنه : الهجرة فرقت بين الحق والباطل فارضوا بها .

ثم اختلفوا من أي شهر يكون ابتداء السنة ، فقال بعضهم : من رمضان ، لأنه الذي فيه أنزل القرآن ، وقال آخرون : بل من ربيع الأول وقت مهاجره ، واختار عمر وعثمان على أن يكون من المحرم ، لأنه شهر حرام يلي شهر ذي الحجة الذي يؤدي المسلمون فيه حجهم الذي به تمام أركان دينهم ، فكان ابتداء السنة الإسلامية الهجرية من شهر الله المحرم (201) .

فتخصيص الخطبة عن الهجرة بنهاية العام يوهم أن الهجرة وقعت في هذا التاريخ . والواقع أن كثيراً من الناس يظنون ذلك بسبب كثرة الخطب عنها في هذا الوقت ، ويجهلون جهالة تامة أنها كانت في شهر ربيع الأول بل لربما أنكر البعض هذا الأمر بداهة .


الأمر الثاني :


أن بعض الخطباء يستغل نهاية العام وحادث الهجرة للتذكير بالمحاسبة على هيئة الالتزام بذلك في نهاية كل عام ، والذي يظهر لي أن نهاية العام أمر نسبي يختلف من شخص لآخر ، فكل شخص ينتهي عامه بتمام سنة من تاريخ ولادته أو من وقت بلوغه سن التكليف إذا كان الحديث عن المحاسبة ، فضلاً عن كون المحاسبة غير مختصة بنهاية كل عام ، فإن المرء مأمور بالتوبة والمحاسبة في كل يوم من أيام حياته ، بل إن تخصيص الحديث عن المحاسبة في هذا الوقت يوقع في أنفس الناس أنه هو وقت المحاسبة الحقيقي دون غيره من أيام السنة ، وفي هذا لبس واضح ، وبالله التوفيق .


الأمر الثالث :


أن توقيت نهاية العام بالخطبة عن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم قد يكون سبباً في فهم بعض الناس أن هذا يوم احتفال بهجرته بدليل أن جلَّ الخطباء يتحدثون عنه بل يكادون يجمعون عليه ، وفي هذا مدخل لأهل البدع الذين ينكر عليهم أهل السنة تخصيص يوم معين للاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم أو ما شابه ذلك .


وكل ما أدى إلى فهم خاطئ فإنه ينبغي تركه أو التنبيه إليه أو على الأقل عدم المواظبة عليه لئلا يفضي إلى الابتداع والتمسك به من قبل أهل البدع احتجاجاً به على بدعهم. والله أعلم.

ولشيخ الإسلام رحمه الله كلام يشبه هذه المسألة فيما يتعلق بالمداومة على قراءة السجدة والإنسان فجر الجمعة ، فقد قال رحمه الله : " ولا ينبغي المداومة على ذلك ؛ لئلا يظن الجاهل أن ذلك واجب ، بل يقرأ أحياناً غيرهما من القرآن " (202) .

وقد قال ابن القيم رحمه الله نحواً من ذلك بما نصه : " ولهذا كره من كره من الأئمة المداومة على قراءة هذه السورة في فجر الجمعة دفعاً لتوهم الجاهلين " (203) .

وقد قال شيخنا العلامة محمد العثيمين ما نصه : " وكل شيء يوجب أن يفهم الناس منه خلاف حقيقة الواقع فإنه ينبغي تجنبه " (204) . والعلم عند الله تعالى .



(200) انظر: تاريخ الطبري ( 2/ 393 ) .

(201) انظر : نفس المصدر السابق .

(202) انظر : مجموع الفتاوى (24/ 206 ) .

(203) انظر : زاد العاد (1 / 375 )

(204) انظر : الشرح الممتع ( 5 /87 ) .





بانتظار مداخلاتكم و آرائكم المسددة في ذلك .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المشاهدات 13010 | التعليقات 22

شكر الله تعالى لك يا أبا عبد الرحمن، والتعريف الذي ذكرته أنا في تعريف البدعة هو تعريف الشاطبي رحمه الله تعالى، وليست الموضوع تعريف البدعة، وإنما تنزيل بعض أعمال الخطباء عليها، فهل الحديث عن نهاية العام أو الهجرة أو نحو ذلك من البدعة أم لا؟ هذا هو الموضوع بارك الله تعالى فيك.



كلام جامع في بابه، ماتع في لبابه..

وأثابكم الله شيخنا الكريم,,


Quote:
البدعة التي تعريفها:طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية، يقصَد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه


يحسن بمن أراد أن يبدع أن يتذكر هذا التعريف للبدعة قبل المبالغة في التثريب على فعلٍ دون تأمل .

وكما ذكر الشيخ لو أنا بدعنا كل من استغل مناسبة لتذكير الناس ، لما سلم لنا أحد .

" وكذلك جعلناكم أمة وسطًا "

وما فعله الشيخ عبدالله المهنا في إجابته هو مما يسمى بأسلوب الحكيم ، فجزاه الله خيرًا .


نقول :

لا عطر بعد عروس .

أو لنقل :

قطعت جهيزة قول كل خطيب .


والظاهر أن الخطباء الذين يفعلونه لا يقصدون تعبدًا ولا يعتقدون مزية خاصة بقدر ما هم قد وجدوا المناسبة فرصة سانحة فاهتبلوها ، ومع هذا فلا مانع من تنبيههم على ما هو خلاف الأولى ، أو ما قد يكون بذرة لبدعة أو يدعو الناس لاعتقاد ما لا يصح .

نسأل الله أن يوفقنا لاقتفاء السنة واتباع الهدي وأن يجنبنا البدع والمحدثات .


علي القرعاني


[align=justify]
حينما قرأت كلام الشيخ الشريم في الكتاب وقت صدوره .. جال في خاطري كثير من هذه التساؤلات وخصوصا مدى مشروعية - الالتزام - بالحديث عن كل مناسبة : النصف من شعان ، الإسراء والمعراج ، ونهاية العام ، وأغلب خطب المناسبات على هذا .
وقد قرأت كلاما للشيخ الطنطاوي رحمه الله في ذكرياته عن الاحتفال بالمولد وأبان عن خطأ من يفعل فيه الأشياء غير اللائقة من رقص وغير ذلك .. إلا أنه لم يثرب على ( الاحتفاء ) بهذه المناسبة وذكر شيء من سيرة الرسول ومناقبه والقراءة في ذلك .. وكذا قال د.محمد عبده يماني ورأيه معروف في مسألة المولد .
فهل هناك تحقيق دقيق في هذه المسألة يفرق بين الجائز وغيره ؟!
أعتقد أن الشيخ الحقيل ربما كان لديه مثل هذه الفوائد النفيسة ، فننتظر منه مداخلة تشفي الغليل .


[/align]


لا شك في بدعية الاحتفال بالمولد .


الشيخ عبدالله سلمه الله ..
يبدو أنك فهمت أن الكلام والنقاش هنا على بدعية المولد من عدمه !
وهذا خلاف المقصود بالبحث هنا - ولهذا علا الصوت باعتبار كبر حجم الخط -
البحث - رعاك الله - عن مشروعية الالتزام بالحديث في أوقات المناسبات عن المناسبة نفسها .. تذكيراً بها أو ترغيباً أو ترهيباً .. والنقل لأجل مناسبة السياق .
وفقك الله ..



Quote:
والذي يظهر من حيث الأدلة والأصول الشرعية أن تخصيص هذا الوقت بموعظة خاصة والمداومة على ذلك وحث الناس على التوبة والأعمال الصالحة والصدقة ومحاسبة النفس والتحلل من المظالم في ختام العام أن هذا كله عمل غير مشروع وهو أقرب إلى البدعة منه إلى السنة
Quote:
فعلى هذا لا يشرع للواعظ والداعية أن يحرض الناس على التوبة والعمل الصالح والمحاسبة في هذا الوقت ولا يخصه بشيء ولا يجعل له مزية في الشرع أو يجعل لآخر جمعة في العام فضيلة خاصة. فهذه الأيام لا مزية لها ولا فضيلة بل هي كسائر الأيام التي لم يخصها الشرع بشيء. والتوبة والأعمال الصالحة مشروعة في كل وقت.


منقول من المقال الموسوم بـ: الموعظة بمناسبة انتهاء العام الهجري



أشكر الإخوة الأكارم على نقاش هذه المسألة، واستجابة لطلب أخينا أبي العنود -وفقه الله تعالى- المشاركة في ذلك برأيي أقول وبالله التوفيق ومنه العون والسداد:
أولاً: هذه من المسائل الاجتهادية التي لا يقطع فيها بحكم؛ ولذا لا بد أن تختلف أنظار العلماء والدعاة فيها، ويجب أن تتسع الصدور للخلاف فيها.
ثانياً: لا أرى مانعاً من الحديث عن الهجرة في أول العام أو في وقتها، ولا من الحديث عن المحاسبة في نهاية العام أو بدايته، ولا أرى أن ذلك يدخل في البدعة التي تعريفها:طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية، يقصَد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه ....لكن لو أصبحت الهجرة عيداً أو أرأس السنة الهجرية عيداً للزم الامتناع عن الحديث عنها لقطع التوهم بجواز العيد البدعي، أو لزم التنبيه -أثناء الحديث عنها- على حرمة اتخاذها عيداً، أما التذكير بالهجرة وربطها بالتاريخ الهجري الذي مناسبته تكون في أول العام، أو الحديث عن المحاسبة في نهاية العام فلا يدخل في تعريف البدعة لا من قريب ولا من بعيد. ومثله كذلك الحديث عن الغزوات في أوقاتها، أو أحداث العام في نهايته، ونحو ذلك.
ثالثاً: الأسباب التي تحدد موضوع الخطبة على نوعين:
الأول: أسباب قدرية ومنها: النوازل الكونية مثل: الزلازل والفيضانات ونحوها، وكذلك التواريخ مثل وقوع الأحداث والغزوات في تاريخ معين.
الثاني: أسباب شرعية ومنها المناسبات الدينية، مثل: رمضان والحج ونحوها.
وإذا وجدت الأسباب للحديث عن موضوع معين، ولم يؤد إلى محذور فلا مانع منه، وأما توسيع مفهوم البدعة لتتناول ذلك فغير صحيح.
رابعاً: احتجاج المانعين بأنه التزام بلا دليل غير صحيح؛ لأنه التزام بسبب كوني أو شرعي فلا يمنع منه. أما كون الهجرة وقعت في ربيع لا في محرم فيحصل بسببه الإلباس؛ فصحيح إذا لم يربط الخطيب بين الهجرة والتاريخ الهجري، أما إذا ربط بينهما انتفت علة المنع، ولو بين الخطيب أن الهجرة ما وقعت في محرم انتفى تعقبهم.
وأما قولهم: إن سنة كل شخص تنتهي بوقت ميلاده فصحيح، لكن نهاية العام علامة مؤثرة يستوي الناس كلهم فيها، ويتأثرون بها، ويجعلونها آية على قدرة الله تعالى في تسيير الزمن، كما يكثر حديثهم عن ذهاب أعمارهم، فهل يمنع الخطيب من استغلال هذا التأثر في الناس بالتأثير فيهم بالحديث عنه لمجرد ظنون وتوهمات بالبدعة أو الحوم حول حماها؟! أظن عدم صحة ذلك.
خامساً: يلزم من يمنع ذلك أن يطرد أصل المنع في كل ما لا دليل عليه ومن ذلك:
1- لم يأت دليل على تخصيص رمضان بخطب عن الصيام أو عن فضائل رمضان، أو عن الزكاة باعتبار أن كثيرا من الناس يوقتون إخراج زكاتهم في رمضان، والمانعون كانوا ولا زالوا يخطبون عن هذه الموضوعات ويلتزمونها في كل عام بلا دليل يدل على التزامها. ومثل ذلك كل المناسبات الشرعية: الحج، وعرفة، وعشر ذي الحجة، وعاشوراء، والصيام في شعبان، والصيام في محرم، وغير ذلك.
2- لم يأت دليل على التزام الحديث عن النوازل كلما وقعت، فإذا تكررت الزلازل، والتزم الخطيب الحديث عنها في كل مرة تقع يكون قد التزم بشيء لا دليل على التزامه، ومثل ذلك الفيضانات، والبراكين، والقحط، والكسوف ونحوها.
3- درج الخطباء على إنكار البدع الحولية في كل عام كالمولد والإسراء والنصف من شعبان، وغالبهم يختار الحديث إما عن البدع وآثارها، ويلتزمون ذلك في كل عام مع أنه لا دليل على ذلك، أو يختارون موضوعاً في السيرة أو فضائل النبي عليه الصلاة والسلام، مع أنه لا دليل على التزام ذلك.
فإن قيل: وجدت الأسباب الشرعية أو الكونية للحديث عنها والتزام ذلك، قيل: وكذلك وجد السبب الكوني للحديث عن الهجرة أو المحاسبة في آخر العام بكون الحدث المتكلم عنه وقع في ذلك التاريخ.
ولو قيل بلوازم هذا القول لأصبحت الخطبة في واد وحاجات الناس في واد آخر، ولفقدت الخطبة أهميتها عند الناس، ومعلوم أن الخطبة شرعت لتذكير الناس بما يحتاجون...
أكتفي بهذا القدر، واعتذر عن التقصير، وأستغفر الله تعالى من النقص والزلل والخطأ، وأوكد على أن ما ذكرته صواب يحتمل الخطأ، وما ذكره الإخوة المانعون خطأ يحتمل الصواب.. وبالله التوفيق.