ونحن أيضاً، سنصدعُ بالحقِّ***علوي بن عبد القادر السَّقَّاف

أبو عبد الرحمن
1430/11/14 - 2009/11/02 07:34AM
ونحن أيضاً، سنصدعُ بالحقِّ



علوي بن عبد القادر السَّقَّاف

المشرف على موقع الدرر السنية




الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه واهتدى بهداه.

أمَّا بعد:


فقد عاشت هذه البلاد منذ عقودٍ خَلَتْ على منهج أصيل، أسَّسَه علماؤها وغيرُهم من العلماء الوافدين إليها من أنحاء العالم، وترسَّخ هذا المنهج، وضُبطت أصولُه وقواعدُه على منهج أهل السنة والجماعة في الاعتقاد والاستدلال، ونشأت الأجيال وتربت الأمة عليه، وارتضاه الناس، حيث جمع شملهم، ووحَّد كلمتهم من شرق البلاد إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، ووجد له أنصاراً ومحبين في شرق العالم وغربه، حيث وافق الفطرة، ودعا للإسلام النقي من شوب المحدثات. وترسَّخ خلال هذه الفترة في نفوس الناس ضرورةُ التقيُّد بالدليل الصحيح وعدم التعصب لمذهب معين رغم وجود الدراسة الفقهية الحنبلية والاسترشاد بها في القضاء وغيره.


وظهر بعد الجيل الأول من العلماء جيل آخر أخذ منهم، وسلك مسلكهم، فكانوا خيرَ خلفٍ لخير سلف، أعانوا مشايخهم على رفع الجهل عن الأمة بالعلم والتعليم والدعوة والإصلاح، ومع تحري منهجهم للدليل، وقيامهم بالدعوة على أسس منهج السلف في العقيدة، ودعوتهم الناس إلى نبذ العصبيات إلا أن ذلك لا يعني قبول جميع الأطراف لدعوتهم بل كانت هناك أعداد قليلة غير راضية عن هذا المسلك متهمةً إياه بالتشدد تارة، وبالجمود تارة أخرى، لكن لم يكن لهم تأثيرٌ يُذكر، حيث صدَّقت أفعالُ العلماء أقوالَهم، وظهر للقاصي والداني نُصحهم، وصحة منهجهم.



وخلال تلك الفترة جَدَّتْ أحداث، ونزلت بالأمة نوازل، اختلفت فيها الآراء والاجتهادات في مسائل معدودة، لكن لم يُنْقَضْ فيها أصلٌ، ولم يُشَنَّع فيها على عالم، واجتمعت كلمة الجميع ولم تختلف إلا ما ندر. وحفظ الصغارُ قَدْرَ الكبار، واستفادوا من علمهم وتجاربهم، واستفاد الكبارُ في المقابل من اطلاع الصغار وتخصصهم، ورغم حدوثِ متغيراتٍ عالميةٍ وعربيةٍ ومحليةٍ في تلك الفترة، ووفودِ أفكارٍ ومعتقداتٍ إلحاديةٍ كالشيوعيةِ والقوميةِ والبعثيةِ والحداثيةِ، وانفتاحِ المجتمع على المجتمعات الغربية وتطورِ وسائل الإعلام، إلا أنَّ المجتمع كان متمسكاً بدينه، وملتفًّا حول علمائه، وكان لعلمائه هيبةٌ ووقارٌ لدى الكبير والصغير، دون تقديس أو ادعاء عصمة، وخلال هذه الفترة حُرِّرت مسائل، وأُلفت كتبٌ، وأُعدت رسائل جامعية في شتى العلوم: العقدية، والأصولية، والفقهية، حتى أصبحت هذه البلاد وعلماؤها وطلاب العلم والدعاة فيها محط الأنظار، وقدوة للأمصار، في سلامة المنهج، وقوة التمسك بالدليل.


واستمر هذا الحال ثلاثة عقود أو أكثر، وكانت اللحمة الدينية والسياسية على وفاق واتساق، مما أفرح الصديق وأغاظ العدو، وهذا كله لا يعني عدم وجود أخطاء، وتجاوزات، واختلافات، ومفارقات، لكنها لم تكن لتشق الصف وتفرِّق الأمة، ولم يكن يتطلب الأمر أن يُسعى لتقويض ما تسميه بعض الجهات المشبوهة ومقلِّدوها بالمؤسسة الدينية.



ثم حدثت في السنوات الأخيرة أحداثٌ عالميةٌ ومحليةٌ لا تخفى على أحد، ووقعت على إثرها ضغوطٌ عالمية ظهرت آثارها وتسارعت بشكلٍ كبير لكثرةِ قنواتِ الاتصالِ وسرعتها، غيَّرت من قناعاتِ وتوجهاتِ عددٍ من الخطباء والدعاة وطلاب العلم، بل وبعضٍ ممن يحسبون على العلماء!.


كان هؤلاء في بدء الأمر يعرضون ما عندهم بمداورة والتواء ولحنٍ في القول، وبصوت منخفض، وعلى استحياء، وفي مجالس خاصة، ثم تطور الأمرُ فأصبح بعضهم يُصرِّح بما عنده ولكن في مجالس خاصة أيضاً. وكان عددٌ من الدعاة وطلاب العلم يبلغهم ذلك، فتارة ينفونه عنهم حُسْنَ ظنٍّ بإخوانهم، وتارة يتوقفون، وأخرى ينصحون. ثم تطور الأمرُ أكثر، فأصبح بعضُ أؤلئك يصرِّح في حواراتٍ صحفية، أو فتاوى فضائية، أو مقالاتٍ (إلكترونية)، كلُّ ذلك كان يحصل والعلماء وطلاب العلم كانوا يغلِّبون حسن الظن بهم، ويؤمِّلون أوبتهم، ويطمعون في عودتهم. ورغم قلَّتهم -كما يعبرون هم عن أنفسهم- إلا أن تأثيرهم قد زاد، وما ذاك إلا لأن وسائل الإعلام قد فتحت لهم أبوابَها وقنواتِها، ولأن ما يطرحونه مما تستهويه الأنفس. ونسوا قول الله عزَّ وجلّ: {فَأَمَّاالزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}


فطفق العلماء وطلاب العلم يتهامسون فيما بينهم: أما آن الأوان أن نصدع بالحق ونبين أخطاءهم حتى لا يغتر بهم العامة؟


وكانت طائفة من أهل الثبات على المنهج تدعو إلى الرويَّة حفاظاً على وحدة الصف ولمِّ الشمل، لكن القوم استفحل أمرُهم، وتجاوز الخلاف معهم المسائل الفقهية المبنية على التيسير غير المنضبط بضوابط الشرع: كالقول بجواز الأخذ من اللحية بلا قيد، وجواز إسبال الثياب، وعدم وجوب الصلاة جماعة في المسجد، وجواز سماع بعض آلات المعازف كالطبل وغيره -وهي مسائل وإن قيل بها إلا أنها مرجوحة-، وكالقول بجواز الاحتفال بأعياد الميلاد والأوطان، بل وبمولد النبي صلى الله عليه وسلم، وقضايا متعلقة بالمرأة كالحجاب والنقاب والعباءة واختلاط الرجال بالنساء ... إلخ. تجاوز الأمرُ ذلك كلَّه إلى قضايا عقدية ومنهجية: كمسائل في نواقض الإيمان، والولاء والبراء، والتسامح مع المبتدع، وجعل الأشاعرة والماتريدية من أهل السنة والجماعة، والدعوة إلى فتح الذرائع، وغير ذلك مما يناقض أصول أهل السنة والجماعة في العقيدة والاستدلال، كلُّ ذلك ضمن إطار ما يزعمونه من تجديد الخطاب الديني، وركوب موجة الإصلاح والتغيير بحجة استغلالهما قبل أن يستغلهما المُفسدون، وكأن الإصلاح والتغيير لا يكونان إلا بمسايرة الواقع، ومخالفة الشرع، والانفلات من التدين، وهذا عين ما يزعمه دعاة التحرير.


بل تطور الأمرُ عند بعضهم، فطالت كتاباتهم، وبلغت سهامهم الدعوة السلفية، ودعوة الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب وأتباعه، وأثاروا الشكوك حولها، وتجرأ بعضهم على كبار علماء هذه البلاد ولمزوهم.



وظلَّ السؤال يعيدُ نفسه: هل آن الأوان لنصدع بالحق ونبين خطأ إخواننا هؤلاء أم نظل ساكتين حتى تغرق السفينة، وتنهدم الصروح الشامخة التي بُنيت عبر عقود؟


والذي يراه الآن كثيرٌ من العلماء وطلاب العلم والدعاة أنه قد آن الأوان - إن لم يكن قد فات -، وأن عليهم أن يتداركوا الأمر ويفنِّدوا شبهاتِ هؤلاء الإخوة علناً كما نشروها علناً، وأن يصدعوا بالحق كما صدعوا هم بما يظنونه حقاً، فحديثهم عن كبار العلماء والمؤسسة الدينية وتأثيرها إنما ينصب على مدرسة الإمامين ابن باز وابن عثيمين –رحمهما الله- ومن سار على طريقتهما من العلماء وطلاب العلم والدعاة، وقد كانت طريقة هدى ورشاد، من غير ادعاء العصمة لهم من الخطأ.


لذلك وجب الصدع بالحق في وجه هذا التيار نصيحة لله ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم، وبياناً للدليل، ولمأخذه عند أهل النظر من أهل الرسوخ من العلماء وطلاب العلم، وحفاظاً على مكتسبات الأمة خلال هذه العقود، لكن ينبغي أن يكون ذلك برفقٍ وعدلٍ وعلمٍ دون تعصُّبٍ لأحد، وألا يشغلنا الردُّ عليهم عن الردِّ على أهل الباطل الصرف من المبتدعة والعلمانيين والليبراليين كما شُغِلوا هم -وللأسف- عن ذلك.


فيا علماء المسلمين، ويا طلاب العلم ابروا أقلامكم، وجهزوا صحائفكم، فإن كلمة الحق لا بد لها من سامع، وإن مقاومة الأخطاء المتكررة بالعلم، والبيان، وإقامة الحجة، عهدٌ عهده الله إليكم، فإن لم يكن الآن وقت ذلك فبالله عليكم متى يكون؟!



قال الإمام أحمد: إذا سكتُّ أنا، وسكتَّ أنت، فمتى يتبيَّن الحق.



أسال الله عزَّ وجلَّ أن يثبتنا على دينه وسنة نبيه، وأن يردَّ إخواننا هؤلاء إلى الحق ردًّا جميلاً، إنه ولي ذلك والقادر عليه.


وصلى الله على سيِّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم




[email protected]

12/11/1430هـ


رابط الموقع


[URL="http://dorar.net%3cbr%20/%3e"]http://dorar.net[/URL]
[URL="http://dorar.net%3cbr%20/%3e"]
[/URL]
المشاهدات 6656 | التعليقات 6

سنصدع بالحق

( المصدر : من صفحة الشيخ في الفيس بوك)


19 أكتوبر، 2009‏، الساعة 03:34 مساءً‏
لقد كانت قلة قليلة منا ( معشرَ المتخصصين في العلوم الشرعية ) ربما تحدّثَ بعضُنا على خجلٍ وبصوت
منخفضٍ عن قضايا ملحّةٍ كثيرة (في قضايا المرأة وغيرها) ، كانت لنا فيها وجهاتُ نظرٍ مخالِفَةٍ لتوجُّهِ الإفتاء الرسمي
في المملكة . وكنا نترفّقُ في عَرْضنا لاجتهاداتنا وفي اعتراضنا على فتاواهم ؛ طمعًا في قبولها والاستفادة منها .
وكنا في مقابل ذلك الترفُّقِ نتقبّلُ من بعض المشايخ وطلبة العلم حُزْمةً من التصنيفات الجائرة لنا وللتُّهَمِ الجزاف التي كانت تُطلق علينا , وأرجو أن لا نترك ذالك الترفُّـقَ ولا هذا التقبُّـلَ .
ولكننا استمررنا بالتلطُّفِ في المخالفة إلى حدِّ العجز عن الإصلاح ، وإلى حد ضعف التأثير ، وكنا نبرر هذا العجز والضعف بعدة أمور ، نال كلَّ واحدٍ منا نصيبٌ منها ، وهي :
1- إما مجاملة للمشايخ والتيار المتوقّفِ عند اجتهاداتهم فقط وتطييبًا لخاطرهم على حساب الإصلاح الديني ! وهذه معصية لا يجوز أن تستمر ؛ لأن مصلحة الدين تستوجب عدم فعل ذلك .
2- وإما رضوخًا لفكرةِ أنه لا داعي للفَتِّ في عضد المؤسسة الدينية الرسمية ، وذلك من باب تقديمِ دَرْءِ مفسدةٍ أكبر بأخفّ . ولكن أثبتت الأيام أن تقدير أصحاب هذا التبرير للمفاسد والمصالح كان منكوسًا.
3- وإما من باب تحميل المؤسسة الدينية الرسمية مسؤوليةَ الإصلاح والتأثير , ولو برأيٍ فقهيٍّ مرجوحٍ صادرٍ منها (فالاجتماعُ على الرأي المرجوح خير من التفرق على الرأي الراجح) , ولو مع مبالغةٍ من المؤسسة الدينية الرسمية في استخدام قاعدة سدّ الذرائع (الصحيحة في أصلها) , ولو مع ضعف إدراك بعض أعضائها لحاجات المرحلة ,ولو... ! ولكن توالت خسائرنا الإصلاحية ؛ لأننا بذلك قد حمّلنا المؤسسةَ الدينية الرسمية فوق طاقتها , بسبب المبالغة في تقدير حجم التأثير المتوقَّعِ لها . ولذلك تجاوزها القرارُ السياسي , الذي لا يمكنه إلا أن يواكب الـحَدَثَ وأن يتعايش مع الواقع , إن أمكنه ذلك بالمؤسسة الدينية (وهذا ما يتمناه) , أو بدونها (وهذا ما لا يتمناه ) .
4- وإما أَخْذًا منا بنصائح الناصحين والمحبين , بتأخير بعض الآراء إلى وقتها المناسب . ولكننا أخطأنا في قبول تلك النصائح غير الموفَّقة , والتي لا تحدد الزمنَ المناسب أبدًا, ولا تريد أن تحدده ؛ لأنها لا تريد إلا الاستمرار في الصمت . وقد تبينَ مؤخرًا أن الوقت المناسب إن لم يكن قد تجاوَزَنا , فهذا هو أوانُه المؤكّد والحاسم .
فهل آن أوانُ الصدع بالحق , والإعلان عن اجتهاداتنا الفقهية بالصوت المرتفع , وبالصوت المرتفع وحده .
وهل آن الأوان لِنُشِيْعَ بين الناس أن الإصلاح الديني ليس محصورًا في المؤسسة الدينية الرسمية وحدها , بل قد يكون تَحَقُّقُ الإصلاح الديني في اجتهاداتٍ آتيةٍ من خارج المؤسسة الدينية الرسمية ؛ لأن تلك الاجتهادات الآتية من خارجها قد تكون هي الأرجح , أوهي الأصلح لزمننا .
لا أشك في أن هذين السؤالين التقريريين جوابهما هو : نعم , لقد آن الأوان , أو نرجو أن نستطيع إدراك أوانه الذي قد فات .
ولكي يكون هذا المقال بدايةَ الإصلاح , أودُّ ذِكْرَ بعض ملاحظاتي على المؤسسة الدينية الرسمية , ببيان بعض سياساتها المرجوحة شرعيا في اجتهادي :
أولا :المبالغة في سد الذرائع , بسبب خوفٍ على المجتمع ,وهو ما يُسمّيه البعض وصايةً عليه : بأننا لو فتحنا للمجتمع المجال تجاوَزَ الحدَّ المسموح إلى غير المسموح , ولذلك يجب (حسب اجتهادهم) وَضْعُ حدٍّ احتياطي من الممنوعات , لكي لا يصل الناس للحد الحقيقي . وهذا المنطلق الفقهي (وهو أصل سد الذرائع) ليس مطلقا بغير شروط , بل لا بد من توفر شروطٍ لصحته , ولا أجد هذه الشروط متوفرة في العديد من الفتاوى والاجتهادات .
ثانيا :مصادرة الاختلاف السائغ , والتشنيع عليه ؛ بحجة أنه غير سائغ وشاذ وبدعوى مخالفته للإجماع (دون اتضاح الرؤية لضوابط تَشْذِيذِ قول واطِّراحِه) , أو بحجة أن القائلَ به من متتبعي رُخَصِ الفقهاء (ومن تتبع رخص الفقهاء تزندق) , أو بحجة أنها قولٌ مرجوحٌ , ولا يهم أن يكون راجحًا عند فقيه آخر .
ثالثا : بعض تلك السياسات مرجعها إلى خلط التقاليد والأعراف بالدين (مثل معضلة: عباية الرأس أو الكتفين) , واتّهمْنا من يخالفُنا فيها بشتى التهم , كالتغريب أو قلة الغَيرة (الدياثة) , وغير ذلك من التهم .
ولقد كنت أذكر خلافي لذلك كله بصوت يعلو قليلا وينخفض كثيرا ؛ لا خوفًا من ضغوض التهميش , الذي لا يمكن في زمن الفضاء المفتوح والشبكة الدولية المتاحة لكل أحد . ولا وجلاً من بَغْيِ هجومٍ متوَّقع يقصد الإسقاطَ وتشويهَ السمعة بشتى الوسائل : من تجهيلٍ وتبديع , إلى غير ذلك من صنوف الفجور في الخصومة . وإنما كان الصوت ينخفض كثيرًا : مراعاةً مني للمصلحة العامة المتمثلة في الحرص على وحدة الصف , أو تسامحًا مع الرأي القائل بأن المخالفين قادرون على تدارك الأخطاء إن وقعت , وأن جبهة الممانعة قوية , فلا داعي لإضعافها من الداخل . ويبدو أنني أخطأت في ذلك كله , وأنه ما كان لصوت الإصلاح أن ينخفض , وأن السكوت كان خطيئة لا تجوز.
فمثلا : كنتُ قد كتبتُ فتوى مُطَـوَّلةً فصّلتُ فيها الكلام عن الاختلاط بين الذكور والإناث , وبينتُ أن الاختلاط منه ما هو جائز ومنه ما هو محرم , وبينت فيه أن كثيرا من الناس فيه بين إفراطٍ وتفريط . ولا أعلم طرحًا شرعيا سابقا لذلك الطرح فَصَّلَ في شأنِ الاختلاط ذلك التفصيل . ومع أن تلك الفتوى كانت من قبيل الصوت المنخفض في الإصلاح , وهي تدعو لانضباطٍ شرعي مؤصَّلٍ في موضوع الاختلاط ؛ إلا أنها لم تحظَ بقبولٍ واسع لدى المخالفين من الشرعيين , الذين ما زالوا يغالطون ( في شأن الاختلاط ) الأدلةَ الشرعية ، ويتجاهلون الحاجةَ الملحة لإعادة النظر في عاداتنا التي مزجناها بالدين . فكانت تلك الفتوى مصدرَ امتعاظٍ عند شريحة كبيرة فيما ظهر لي , وتجاهلٍ أكبر من شريحة أكبر . حتى جاء الوقتُ الحاضر , فأصبح بعضُ من كان ينكر تلك الفتوى يتبجح الآن بالتفصيل الذي مضى لي على ذكره زمان , ووجد فيها بعضُ المتجاهلين لها سابقا مخرجًا من أزمةٍ وحلاًّ لمشكلةٍ . ولو أنهم راجعوا أنفسهم قبل هذا , وأدركوا متغيرات العصر , لعرفوا أن موقفهم السابق من ذلك الرأي كان خطأ شرعيا سيؤدي إلى خطأ شرعي في الاتجاه الآخر.
وفي قضية تأنيث المحلات النسائية : كنت أصرح بدعمي لهذا المشروع بضوابط , لكن الصوت العام كان هو الرفض والممانعة ,كالعادة , دون محاولة تَفَهُّمٍ لأهمية قبوله بضوابط.
وفي قضية الطائفية : تكلمتُ بصوت مرتفع , في الفضائيات , وفي أكثر من مقال , منها مقالٌ مطول نشرتْه بعضُ المواقع الشبكية , ثم طُبع ونُشر مجانا (بدعم من بعض المحسنين الفضلاء) . فكنتُ أحذًّرُ من خطر الطائفية , وأبين أنها الورقةَ الرابحةَ بيد المتربص الخارجي , وأن الاعتدال غائبٌ في شأنها عن الساحة الشرعية من الجوانب كلها (من جانب السنة ومن جانب الشيعة أيضا وغيرهم) . وما زال الرفض والممانعة مستمرَّينِ حتى خرج تقرير لجنة حقوق الإنسان السعودية يطالب بإعطاء الشيعة حقوقهم . فأرجو أن لا تستمر الممانعة , إلى أن تقع الفتنة الطائفية , أو إلى أن تتجاوز الأقليةُ الشيعية حقوقَها إلى ما ليس من حقوقها .
وفي مجال التكفير : كنت قد نشرتُ فتوى صريحة أقـيِّمُ فيها دعوةَ الشيخ محمد بن عبد الوهاب (رحمه الله) , حسب زمنها , وبما لا أعرف طريقةً هي أقوى منها في الدفاع عنها, وأَدْعَى لبقاء أثرها الطيب ؛ لأنها الإنصاف والعدل . ولأجعل هذه الفتوى مني مدخلا لمراجعاتٍ سلفيةٍ سُنية لتراثنا البشري غير المعصوم في مسائل التكفير والتي لي ولغيري فيها اجتهاداتٌ عديدةٌ نخالف المشهور بيننا فيها اليوم , نشرتُ أحدهَا في كتابي (الولاء والبراء) وفي مقدمة (التعامل مع المبتدع) , ومازلت أصرِّحُ بفتاواي فيها لكل سائل, وأناقش كل معترض . ولا أذكر هذا ؛ إلا لكي لا أُطالبَ بالدليل على ما أقول وبأمثلة لما أدّعيه.
وقد قُوبلت تلك المراجعات بهجوم متوقَّع , لا يهمني الآن منه ؛ إلا التذكير بواجب إعادة الحسابات , والمبالغة في محاسبة النفس , فمصلحةُ الدين فوق حظوظ النفس .
فمتى سنعلم أن الإصلاح الديني الحقيقي هو الانتصار الحقيقي لمكانة المؤسسة الدينية الرسمية , وفي استمرار أثرها المبارك ؛ سواء جاء الإصلاح منها أو من خارجها ؛ لأن مكانة المؤسسة الدينية الرسمية ليس سلطانا يقوم بالقوة , وإنما تقوم مكانتها بإصلاحٍ لشؤون الدين والدنيا , ويحقق للأمة (قيادةً وشعبا) مبتغاها في سعادة الدارين وفي العز والمجد والنصر والتمكين .
ويجب أن نتذكر : أن فضيلة الصدع بالحق لا تنحصر في الصدع به أمام الحاكم , بل من الصدع بالحق أيضا الصدعُ بالحق أمام العلماء والتيار الديني السائد , بغرض الإصلاح , ومن المؤهل للإصلاح .
وكتب
د .حاتم بن عارف الشريف
عضو مجلس الشورى
1/11/1430هـ


بسم الله الرحمن الرحيم

إنها الورطات يا شيخ حاتم !!




بقلم / ناصر العلي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد :
فقد اطلعت على مقال الشيخ حاتم بن عارف الشريف، المعنون بـــــ "سنصدع بالحق"، والمنشور في صفحته على (الفيس بوك) وبعض المواقع والمنتديات بشبكة الإنترنت. فألفيت فكرته تدور حول نعْيِه لحال المؤسسة الدينية الرسمية والتيار الديني السائد. وقد آن أوانه في الصدع بالحق الذي يراه, والإعلان عن اجتهاداته الفقهية بالصوت المرتفع ولو خالف فتاوى المؤسسة الدينية الرسمية. ولي وقفات مع هذه الورطات:




(1)

إن صدعه بالحق – الذي يعتقده - لم يكن في وجه المؤسسة الدينية الرسمية فحسب، بل هو في حقيقة الأمر في وجوه كثيرين من العلماء وطلبة العلم؛ لأن كثيراً مما أفتت به المؤسسة الرسمية يدين به عدد كبير من العلماء وطلبة علم غير الرسميين. ثم إن هذه المؤسسة قد ضمت علماء كبار دان العالم الإسلامي لهم بعلمهم وفضلهم، وانتشرت فتاواهم في الآفاق، كابن باز وابن عثيمين وابن قعود وعفيفي والفوزان وغيرهم. فإن لم يكن هؤلاء محل التقدير والاحترام – ولو بالصوت المنخفض – فمن به أولى؟!.((ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)).


(2)

إن المآخذ التي أوردها الشيخ حاتم على المؤسسة الدينية اعتقاداً منه أنها أعاقت "الإصلاح"، وما أثاره حولها من تساؤلات، لا يبدو لي أنها إصلاحية كما اجتهد:

فسَدُّ الذرائع - وهو حسم المواد المفضية إلى المفسدة - قد أخذ به علماء المؤسسة الرسمية في فتاواهم بالشروط المعتبرة تبعاً لجمهرة علماء الأمة قديماً وحديثاً، وقد أقام الإمام ابن القيم رحمه الله لهذا الأصل تسعة وتسعين شاهداً من الكتاب والسنة، ولكن تحقيق مناط هذا الأصل في الوقائع النازلة مما يسوغ فيه الاجتهاد. ثم إن العلماء أعرف بواقع الضغوط الدولية ومؤامرات المنظمات الحقوقية وتوصيات المؤسسات البحثية كتقرير "راند" والمطالبات الليبرالية مما يجعل المبالغة في سد الذرائع له ما يبرره، هذا على القول بالتسليم بالمبالغة أصلاً. فهل يُلام العلماء إذا سعوا إلى خير الأمة في وقت طغيان التبرج والانحلال تقليلاً للرذيلة والفاحشة. وهل من اللائق وصم العلماء بالمبالغة في الأخذ بهذا الأصل؟. إن اتهام العلماء بأنهم جعلوا أنفسهم "أوصياء على المجتمع" إنما تصدر من الذين ملؤا دنيا الصحافة والفضائيات ضجيجًا لا من طلبة العلم السلفيين!
وأما الاختلاف السائغ، فلم نرَ أحدا من أهل العلم أنكر أو شنَّع على من عمل بأحد القولين مجتهدا أو متأولا، وقد جرى العمل بهذه القاعدة قديما وحديثا، والأمثلة على ذلك تجلُّ عن الانحصار، وما الاختلاف بين المعاصرين من داخل المؤسسة الرسمية إلا مثالا على ذلك (كالاختلاف بين ابن باز وابن عثيمين في فتاواهما).
أما الاختلاف غير السائغ فهو مجال الإنكار، فحينها يمكن أن يحكم عليه العلماء بالشذوذ (وتشذيذ الفتوى موجود قديماً)، وتفصيل هذا معلوم مشهور.
فليس كل خلاف جاء معتبرا *** إلا خلافا له حظٌ من النظر
يبقى هنا اختلاف وجهات النظر في سائغية الاختلاف من عدمها.
أما الأعراف والعوائد، فإن لم تكن معارضة لأحكام الشريعة، وكانت حسنةً متسقة مع مقاصدها، فإنها معتبرة، فالعادة محكَّمةٌ، وشواهد الكتاب والسنة ناطقةٌ بذلك. ولكن الليبراليين(الإصلاحيين!) يسعون حثيثاً لطمس معالم الدين وأحكامه تحت شعار "هذه عادات وتقاليد لم يأت بها الدين".




(3)

لقد مثَّل الشيخ حاتم بأربعة أمثلة كان صوته فيها مرفوعا مسموعا، وهي :

مسألة الاختلاط وحالاته : لقد نفى علمه بسبق أحدٍ إلى تناوله (طرحه) الشرعي، والواقع أن عددًا من أهل العلم والباحثين - كالشيخ د.لطف الله خوجه، له أبحاث ومقالات محررة منشورة في الإنترنت منذ سنوات، منها:"قولي في الاختلاط" و"المجروح" وغيرهما – قد سبقوا الشيخ حاتما في تحرير صور الاختلاط، وفرقوا بين الاختلاط الواقع للضرورة أو كان عابراً، وما كان منه مقصودا ومستديماً... إلخ. وكانت إجابات العلماء تنطلق بحسب الصورة المستفتى عنها، ويمكن الرجوع إلى فتوى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله(10/35-43) وموقع الشيخين العثيمين، والفوزان في الإنترنت، وغيرهم.
مسألة تأنيث المحلات النسائية بالضوابط الشرعية: ليس صحيحاً – كما ذكر الشيخ - أن الصوت العام كان رافضاً ممانعاً، بل قد نادى بالتأنيث كثيرون، ومنهم هيئة رسمية كهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن أصحاب القرار أرادوا التأنيث بلا ضوابط، حينها سيكون الصوت العام والخاص رافضا وممانعا..
مسألة الطائفية: يكفي فيها موقف الشيخ القرضاوي – أخيراً - الصارخ المنذر المحذر من خطر الشيعة، فكان الواجب على الشيخ حاتم أن يوجه نداءه إلى الرافضة، فهم الذين يمارسون الطائفية كما في العراق وإيران، بل وفي التاريخ كله.
مسألة التكفير ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: هناك ردود وكشف للشبهات المثارة حولها، منها: رد الشيخ بندر الشويقي، والشيخ سليمان الخراشي، بل والشيخ عبد العزيز آل عبد اللطيف وهو متخصص في دراسته العليا عن هذه الدعوة المباركة، وفنّد فيها دعاوى المناوئين لها. وقبل بضع سنين نبه بعض الأفاضل من طلبة العلم إلى إعادة النظر في بعض فتاوى "الدرر السنية" بأسلوب محترم ليس فيه استفزاز أو انفعال، وظلّ مقدّرا ومحترما من الجميع، بغض النظر عن صوابية وجهة النظر.
هذه الأمثلة تؤكّد بوضوح - ما ذكرته سلفاً - أن خصومة الشيخ إنما هي مع عامة العلماء وطلبة العلم، وليست مع المؤسسة الرسمية فحسب؛ لأن بعضها مما لم تتكلم فيه المؤسسة.




(4)

يرى الشيخ حاتم أن مجاملة المشايخ وتطييب خواطرهم على حساب الإصلاح الديني معصية لا يجوز أن تستمر. أقول: نعم، لا يجوز الاستمرار في العصيان، ويرى أن السكوت خطيئة لا تجوز، ولا أظن أن الشيخ كان ساكتاً من قبل عن بعض فتاوى المؤسسة الرسمية، ولا أعتقد أن أحداً نصحه بالسكوت والمجاملة، بل لا أعلم أن أحداً من أهل العلم الثقات الأثبات سكتوا مجاملةً للمؤسسة الرسمية. فأيّ عالمٍ معتبر مشتهر بعلمه قد يخالف في بعض فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء. فما الحاجة إلى هذا القول إذن؟!


(5)

جاء في مقال الشيخ عبارة: "ولذلك تجاوزها القرار السياسي الذي لا يمكنه إلا أن يواكب الحدث ويتعايش مع الواقع". والسؤال هنا: هل كان تجاوز القرار السياسي للمؤسسة الدينية مصيباً في كل الأحوال؟. نعم القرار السياسي تجاوز المؤسسة في فرض التأمين وفي توسعة المسعى وفي الاختلاط المحرم وفي مسلسل طاش وفي بعض قضايا المرأة والإعلام والاقتصاد(الربا) ... إلخ. فمن كان أهدى سبيلاً؟.

ثم أحقًّا أن المؤسسة الدينية الرسمية كانت ومازالت تعوِّق مسيرة الإصلاح المنشود (المزعوم)؟!




(6)

أشار الشيخ إلى قضايا ملحّة كثيرة، ومنها ما يتعلق بالمرأة! ثم ذكر قوله بعد ذلك : " ولكن توالت خسائرنا الإصلاحية". والسؤال هنا: لماذا يبدأ المشروع الإصلاحي وينتهي بالمرأة دائما؟ ألا يتناغم هذا الطرح مع ذلك الطرح الليبرالي، بل مع الأهداف الغربية؟ وما هي الخسائر التي مُنِي بها الإصلاح والإصلاحيون من جراء ذلك، وخصوصاً فيما يتعلق المرأة

.

(7)



ما من شك أن القضايا التي أثارها الشيخ حاتم تعتبر مما يتصل بالشأن العام، وهي قضايا شائكة ومتشابكة، فلا أرى أنه يكفي فيها أن يرفع الشيخ وحده عقيرته بإعلان رأيه فيها، ثم يصرّ بصوابيته، ومرجوحية رأي هيئة كبار العلماء. وآمل ألا يُحْدِث هذا الصنيع تشويشًا وبلبلةً في صفوف الناس.


(8)

ذكر الشيخ أن تقريراً للجنة حقوق الإنسان السعودية خرج مطالباً بإعطاء الشيعة حقوقهم.

أتساءل : ما حقوقهم؟ أحقوقُ المواطنة؟! إنها مكفولةٌ لهم، فإن وقع تقصير عليهم، فغيرهم وقع عليه ذلك.
آلحقوق الدينية؟ وهل من الشريعة – لا حقوق الإنسان – السماح لهم بالمجاهرة ببدعتهم؟((كل أمتي معافى إلا المجاهرين))، فإذا كان ينكر على المجاهر بالمعصية، فكيف بالمبتدع؟!. وفرقٌ بين الذميِّ والبدعيِّ.
أم حقوقهم السياسية؟ هل من الكياسة والسياسة أن يتسنموا مناصب ذات حساسية في الدولة؟! ما تاريخ الوزير ابن العلقمي ونصير الدين الطوسي والبرامكة والفاطميين والصفويين وما يحدث الآن في العراق عنا ببعيد.




(9)

وددتُ لو أن مقال الشيخ خلا من التعبيرات الموحية بالاعتداد بالنفس، حتى تنجو النفس من حظوظها، ولئلا يساء الظن بالشيخ من جرائها. من الأمثلة على ذلك قوله: " ولا أعلم طرحًا شرعيا سابقا لذلك الطرح فَصَّلَ في شأنِ الاختلاط ذلك التفصيل" ، " كانت لنا فيها وجهاتُ نظرٍ مخالِفَةٍ لتوجُّهِ الإفتاء ... وكنا نترفّقُ في عَرْضنا لاجتهاداتنا ... وكنا في مقابل ذلك الترفُّقِ نتقبّلُ ... وكنا نبرر هذا ..."، " ولو أنهم راجعوا أنفسهم قبل هذا" ، " وبما لا أعرف طريقةً هي أقوى منها في الدفاع عنها, وأَدْعَى لبقاء أثرها الطيب؛ لأنها الإنصاف والعدل" ، "ومازلت أصرِّحُ بفتاواي فيها لكل سائل, وأناقش كل معترض" ...إلخ.


(10)

وددت لو أن الشيخ ترفَّق في بعض عباراته القاسية مع إخوانه، لربما طبيعة صدعه بالحق اقتضت هذه الحِدَّة، لهذا تكررت كلمة "الصدع" في مقاله ست مرات حتى تصدَّعت رؤوس إخوانه المشايخ، ومن عباراته أيضا :

" أثبتت الأيام أن تقدير أصحاب هذا التبرير للمفاسد والمصالح كان منكوسًا" ، "ولو مع ضعف إدراك بعض أعضائها(المؤسسة)" ، "ولكننا أخطأنا في قبول تلك النصائح غير الموفَّقة" ، "ولا وجلاً من بَغْيِ هجومٍ متوَّقع يقصد الإسقاطَ وتشويهَ السمعة"، " إلى غير ذلك من صنوف الفجور في الخصومة" ، " فأصبح بعضُ من كان ينكر تلك الفتوى يتبجح الآن بالتفصيل". عجباً لأمر الشيخ! لم يعدْ لديه وقتٌ لمجاملة إخوانه ومخاطبتهم بكلمة رقيقة حكيمة؛ لأنها ستعرقل مسيرته الإصلاحية، التي مُنِيَتْ بخسائر متلاحقة!!.




(11)

يمكن للقارئ أن يلاحظ اللغة التي تحدث بها الشيخ، لا تكاد تفترق في بعض عباراتها عن لغة الصحفيين الليبراليين. وهذه عباراته : "عاداتنا التي مزجناها بالدين" ، " خلط التقاليد والأعراف بالدين" ، " ولكن توالت خسائرنا الإصلاحية" ، " ولذلك تجاوزها القرارُ السياسي, الذي لا يمكنه إلا أن يواكب الـحَدَثَ وأن يتعايش مع الواقع" ، " وهل آن الأوان لِنُشِيْعَ بين الناس أن الإصلاح الديني ليس محصورًا في المؤسسة الدينية الرسمية وحدها" ، " المبالغة في سد الذرائع , بسبب خوفٍ على المجتمع ,وهو ما يُسمّيه البعض وصايةً عليه" ، " مصادرة الاختلاف السائغ , والتشنيع عليه" ، " وأنه ما كان لصوت الإصلاح أن ينخفض" ، "وأدركوا متغيرات العصر" ، " لتراثنا البشري غير المعصوم" ، " والتيار الديني السائد". هذه العبارات بقطع النظر عن مصداقيتها في سياقاتها المذكورة، لكنها كثيرة الدوران على ألسنة الليبراليين(الإصلاحيين!). طبعا الحق أحق أن يُتبع، وقد يَجْري الحق على لسان العدو، وقد يحصل التوافق على فكرة بين الخصوم، لكن الشأن هنا التنبيه على الوقوع في فخ "كلمة حق أريد بها باطل"، والحذر من مجاراة من قال الله فيهم: { وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} (محمد:30).


(12)

ختم الشيخ مقاله: بأن فضيلة الصدع بالحق لا تنحصر في الصدع به أمام الحاكم, بل من الصدع بالحق أيضا الصدعُ بالحق أمام العلماء والتيار الديني السائد.

أما الصدع بالحق علناً بصوت عالٍ أمام العلماء والتيار الديني السائد فقد رأيناه في هذا المقال. فهل سيتحفنا الشيخ ذات مرة بممارسة فضيلة الصدع بالحق أمام الحاكم – ولو بصوت منخفض - ولاسيما أنه عضو في مجلس الشورى؟
ثم ما المعايير الدقيقة التي يمكن بها التفريق بين حالتي: الصدع بالحق والتشغيب بالباطل؟
وهل حقُّ الصدع بالحق متاحٌ لكل أحدٍ أو أنه خاص بمن يمتلك مؤهلاته وأدواته وأساليبه؟
وهل جرَّب الشيخ إصلاح المؤسسة الدينية الرسمية بالاتصال بها رئيسا وأعضاء، فخاطبهم بصوت منخفض قبل أن يجأر به في مقال "الصدع بالحق"؟. تُرى لو كان الشيخ عضوا في هذه المؤسسة الرسمية أكان سيرضى بلهجة وأسلوب مقال حاتمٍ آخر ينتقد مؤسسته؟! أسئلة تتطلب المراجعة ومحاسبة النفس.





* ختاماً:

~



صدق الشيخ حاتم حينما صدّر مقاله بأنه - ومن معه – "قلة قليلة"، فهم كذلك، وسيبقون كذلك؛ لأن وجهات نظرهم مخالفة للاتجاه الديني السائد المساند للمؤسسة الدينية الرسمية، طالما كانت هذه المؤسسة تنطلق في فتاواها ورؤاها من معين الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة، آخذةً في اعتبارها رعاية المصالح العامة للعباد والبلاد.

~



كثيرا ما يَنْعَتُ الشيخ نفسَه وفكره وطرحه بـــ "الوسطية والاعتدال"، أو ينعتُه طلابه ومحبُّوه بذلك. فأين هذه السمة في مقاله المنفعل مع علماء ومشايخ خالفوه أو خالفهم في اجتهادات فقهية؟!. هل هذه صفحةٌ مشرقةٌ وأنموذجٌ صادقٌ لكيفية التعامل مع "الآخر" بمنهجٍ وسطيٍّ متَّزن؟!. هل الضجر والتبرم من نهج علماء أجلاء نصّبهم وليُّ الأمر في مؤسسة دينية رسمية مما يتَّسق مع الاتصاف بالعدل والإنصاف وسماحة النفس ورحابة الصدر؟!.

~



وددت لو أن الشيخ اشتغل بمناقشة المسائل المثارة من الناحية العلمية الموضوعية فحسب، بدلا من أسلوب الاستفزاز والإثارة. ليته تجافى عن مواجهة المؤسسة الدينية الرسمية والتيار الديني السائد، فهناك من سيكفونه المؤونة. وفي تقديري أن الليبراليين (الإصلاحيين!) - ومعهم الرافضة والمبتدعة - لن يجدوا أفضل من أطروحة الشيخ هذه للانقضاض بل والإجهاز على المؤسسة الدينية الرسمية برمّتها وأتباعها المحافظين ؟!

ولهذا ، كان الأولى بالشيخ إعمال النظر في "مآلات الأمور"، فإنه من الفقه المقاصدي المعتبر.




~ وكنت أتمنى لو أن الشيخ حاتماً هدأ قليلا، وصبر كثيرا على خفض صوته احتراما لعلماء أجلَّاء، منهم من قضى نحبه، ومنهم من تقدمت بهم السن في العلم والفضل. ولكنها الورطـات، التي نسأل الله السلامة منها، وأن يثبتنا على الحق، وألا يجعل مصيبتنا في ديننا، وأن يهدي عباده لما اختُلف فيه من الحق بإذنه.وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.



ياشيخ حاتم: كيف يعترف السلفيون بأسبقيتك، وأنت قد جحدت أسبقية غيرك؟!

* أهلاً بك ياشيخ حاتم عضواً جديداً في نادي التنوير والنهضة ..


عبدالله التميمي





يبدي الدكتور الفاضل حاتم انزعاجه وتألمه من كون السلفيين يسرقون أفكاره، وأنهم يعارضونه أول الأمر ثم ينقلبون ويتبنون فكرته دون الإشارة لفضل سبقه.



المشكلة يادكتور حاتم أنك أنت قمت –للأسف- بنفس الدور، فهذه القضايا التي صدعت فيها بالحق لم تشر فيها لفضل من سبقك بتاتا بل نسبتها لنفسك على سبيل فخر الابتكار والابداع.



خذ القضايا التي ذكرتها:



1- قضية (مؤسسة الفتيا ومواكبة المتغيرات) فهذه سبقك بها الدكتور متعدد المواهب غازي القصيبي (حتى لاتكون فتنة، 1990م) وذكر نقولاً فقهية لدعم الفكرة عن (ابن تيمية، وابن القيم، والقرافي، وغيرهم).



2- قضية (أن أصل مشكلة التخلف ليست في السياسي، بل السياسي يريد التنمية لكن المشكلة في الفكر الديني الذي يعرقله) فهذه سبقك بها الاستاذ محمد بن عبداللطيف آل الشيخ، بل هي كالماركة المسجلة باسمه (عشرات المقالات باسمه الصريح في جريدة الرياض، وباسمه المستعار في الشبكة الليبرالية)



3- قضية أن (فقهاء البلد لايصدرون في فتاواهم عن نظر في الدليل، بل هي عادات ممزوجة بالدين) فهذه سبقك بها الدكتور الأديب تركي الحمد (فصل بعنوان "التقاليد بين التقديس والتدنيس" في كتابه (السياسة بين الحلال والحرام، ط2، 2001م).



4- قضية أن (الوهابية فيها غلو في التكفير)، فهذه سبقك بها الشيخ حسن فرحان المالكي في كتابٍ مفصل تفصيلاً لاتفصيل بعده (محمد بن عبدالوهاب داعية وليس نبي، 2005).



5- قضية (تأنيث المحلات النسائية) سبقك بها فضيلة الشيخ د.ابراهيم المطلق في جريدة الرياض (11/5/2006م) وشرح مسوغاتها الشرعية.



6- قضية (مشروعية الاختلاط المحتشم) فهذه سبقك بها الاستاذ المكثر عبدالله ابوالسمح (منذ أول يوم طبعت فيه صحيفة سعودية!)





7- قضية (أن الردود السلفية على الشيعة تثير الطائفية) فهذه سبقك بها كل كتّاب "جريدة الوطن" بلا استثناء.





فهؤلاء كلهم سلفك في هذه الأفكار، وقد جحدت أسبقيتهم وفضلهم عليك في التنبيه على هذه الافكار، فجئت بعدهم ورددت نفس أفكارهم واستنسبتها لنفسك صراحة أوضمناً، فإذا كنت جحدت سلفك، فكيف تريد من غيرك أن يعترف بأنك سلف له؟!



ولذلك كانت عقوبتك من جنس جنايتك.



وكل هؤلاء ذكروا هذه المسائل ودعوا لها واستدلوا عليها حين كنت أنت خارج التاريخ تطحن وتعجن في قضايا ابن الصلاح وابن حجر!



ياسيدي حاتم .. حين تصل للمطار بعد إقلاع الطائرة فليس الحل أن تشتم الموظفين بالادعاء بأنك كنت موجوداً قبل المسافرين أصلاً، بل الحل أن تعترف بأنك تأخرت فعلاً، ليتدبروا لك مقعداً في حجوزات الانتظار على الطائرة اللاحقة.



أنا لا أقول أن ماذكرته في مقالتك لايستحق الحفاوة والاحتفال، كلا قطعاً، ولكنه ليس (احتفال ابتكار) بقدر ماهو (احتفال عضوية جديدة) فقط لتيار موجود مسبقاً، فنحن لسنا أمام (فكرة جديدة) بقدر ما إننا أمام (عضو جديد).



فأهلاً بك ياشيخ حاتم عضواً جديداً في نادي التنوير والنهضة ..



وإن كان لديك فتاوى جديدة تريد أن تصدع فيها بالحق، فتذكر أن للطبيبة ليلى الأحدب عشرات المقالات في (كشف الوجه)، وللغنامي كتاب في (عدم وجوب صلاة الجماعة)، وللنقيدان مقالات مبكرة في (مشروعية المعازف)، وللمزيني عشرات المقالات في (الأهلة)، ولأبا الخيل مقالة في (عدم تكفير المسالمين).



فكلي أمل يادكتور حاتم أن تتحلى بالشجاعة الأدبية في صدعك القادم، وتقر بفضل سلفك الذين نبهوك على هذه الأفكار، وطوروا لغتك الكتابية من قاموس (لاينبغي) (فتأمل يارعاك الله) (أصح قولي العلماء) إلى قاموس حديث صرت تتبجح بمفرداته (المؤسسة الدينية) (الاصلاح الديني) (الطائفية) (مواكبة المتغيرات) الخ ومع ذلك كله جحدت فضل سلفك ولم تنبه لأسبقيتهم وسرقت أفكارهم ومفرداتهم وجئت تنعى على السلفيين سرقة أفكارك!



عبدالله التميمي - ثادق


مشروع البالون الإصلاحي...
(دعوة الشيخ حاتم الشريف أنموذجاً)
22-10-2009
عبد الرحيم التميمي

منذ تصاعد دخان ركام أبراج مانهاتن في سبتمبر أيلول 21م, والتيار السلفي بكافة أطيافه أصبح الوجبة اليومية المفضلة للكثير من المفكرين والفقهاء والمثقفين, لقد تباينت الرؤى النقدية تجاه محدداته، ولكن لوحظ أن أغلبها نشأت وكُتبت في أجواء موبوءة ومشحونة، أسهمت في قصف الأدبيات السلفية بكافة أنواع الراجمات والصواريخ من داخل التيار السلفي أو خارجه.
وقد أدمت تلك الراجمات والصواريخ الجسد السلفي وأثخنته بالجراح، ولكنها لم تعالج إشكالاته أو تقدم مشروعاً بديلاً، لأن" المنهج الفكري" الذي يقتات ويعيش على هاجس مناكفته لمدرسة مغايرة، لا يمكن له أن يشيد بناء مستقلاً ذا هوية واضحة، يمكن الانضواء تحته والالتحاق بركابه.
لقد تملكني العجب من عنوان مقالة الشيخ الفاضل / حاتم الشريف حول التيار السلفي العام "سنصدع بالحق", بعد ثمان سنوات من أشرس هجمة فكرية وثقافية وفقهية تعرض لها المنهج السلفي المعاصر خلال القرن الحالي, لقد جاء هذا البيان بعد أن أصبح التيار السلفي ورموزه "مضغة" في أفواه أراذل الناس وسفهائهم سنين عدداً, فضلاً عن خيار الفقهاء والمثقفين من أمثال الشيخ الفاضل / حاتم الشريف, فموقف الشيخ المعلن لم يقدم جديداً لدى كافة المتابعين، عدا أنه سيكون وقوداً يستثمره "خصوم التيار السلفي" في معاودة القصف مرة أخرى في ظل "جو استثنائي" لا يُتوقع أن يطول, جعل المنهج السلفي ورموزه كالأيتام على موائد اللئام.
ليست المشكلة في نقد إشكالات فقهية أو دعوية لدى التيار السلفي العام، فكاتب هذه السطور مارس هذا النقد بشكل أو بآخر, وأداء رجالات التيار السلفي في السعودية وغيرها يظل جهداً بشرياً لا يمكن لمنصف أن يزعم عصمته وقدسيته, وبالتالي لا مانع من نقده والاختلاف معه, ولكن المعضلة أن بعض المشايخ، ومنهم شيخنا الفاضل / حاتم, بالغوا في تصوير مهمتهم الإصلاحية، كإصلاح التيار الديني أو حفظ التوازن في المجتمع إزاء الصراعات الفكرية, وبيان ذلك من وجهين:
الوجه الأول: أن تحميل التيار الإسلامي بوجهيه (الرسمي والمستقل) معضلة احتقان بعض الملفات المعقدة، كالطائفية وغيرها، فيه الكثير من استغفال القراء والمتابعين, نعم ثمة مشكلة في تعاطي التيار الإسلامي العام مع الملف الطائفي, ولكن القارئ الفاحص لهذا الملف بكافة تجلياته، يعلم جيداً أن هذا الموقف، الذي قد يوصف بالشدة، يتم إطلاقه أو إسكاته وفقاً لمعطيات الواقع السياسي, وبعيداً عن أي "نقاش فقهي" حول موقف أهل السنة من الشيعة, فإذا كان لدى الشيخ حاتم أو غيره من المشايخ والفضلاء أي رؤية إصلاحية بخصوص الملف الطائفي, فعليهم أن يوجهوا نقدهم "وصدعهم بالحق" لمن يمسك بخيوط اللعبة كلها, لا أريد من هذه النقطة إسكات أي ناقد بحجة عدم نقده للسلطة، ولكن "اختزال" المعضلة الطائفية في إشكالية الخطاب الديني من شيخ فاضل وعضو في مؤسسة دستورية، كمجلس الشورى، يعد تسطيحاً غير مقبول.
الوجه الثاني: مشكلة خطاب الشيخ الفاضل حاتم ومن رأى رأيه من الفضلاء والدعاة, أنه لا يملك هوية علمية وفكرية واضحة, إنه خطاب هلامي يربت على كافة الأكتاف، عدا أكتاف السلفيين, ولهذا نرى "عزفاً ترحيبياً" لا ينقطع من كافة خصوم المدرسة السلفية، أو ما يسميها خصومها "الوهابية"...
ربما ظن هؤلاء الفضلاء أن هذا الترحيب الاستثنائي بوجوه سلفية، يستهدف وئاماً فكرياً أو استقراراً اجتماعياً أو تنوعاً ثقافياً إيجابياً, وهذا وهم وخيال تكذبه العديد من البراهين والأدلة، بل ويكذبه واقع رموز تلك التيارات وأدائها في داخل مناشطها ومؤسساتها, إنها لا تعدو أن تكون فرصة لضرب الدوحة السلفية ببعض أغصانها لالتقاط الأنفاس, والنفاذ من خلالها لتحقيق مكاسب طائفية أو مذهبية أو فكرية.
إن أصحاب هذا الخطاب مع وافر تقديرنا لهم ولفضلهم ولعلمهم ونواياهم الطيبة، لن يكون خطابهم التعايشي سوى بالونا يُراد منه أداء دور محدد في هذه المرحلة, وإلباس خطابهم لباس الإصلاح الديني والاجتماعي، لن يفيد أصحابه كثيراً، لسبب جوهري وهو أن "مستوى التنظير" في خطابهم لا يتناسب مع قراءتهم "المعلنة" للواقع, إنه يقدم كلاماً "حلواً" عن الوئام والائتلاف, ولكنه أغفل منذ سنوات "حجر الزاوية" في أي عملية إصلاحية، وهو دور السلطة في تحقيق أي سلام اجتماعي, ورقي اقتصادي, واستقرار سياسي.


حتى أنت يا 'بروتس'!


(تعقيباً على بيان 'الصدع بالحق' للشريف حاتم)


24-10-2009


عبدالله العجيري: كاتب سعودي


إنها "معارك سهلة" يقيمها هؤلاء تحت "عناوين ضخمة" يظهرون من خلالها "شجاعتهم" و"براعتهم" و"بطولاتهم"، ولكن على أجساد "الضعوف" من أبناء "التيار الديني التقليدي" رسميين وغيرهم!!..ودعني أهمس في أذن الدكتور بأن لا يجعل "قضايانا" ثمناً لتطلعاتٍ قد تكون نحو الأعلى، وأننا لا نريد منه "حقيقةً" إلا أن "يصدع بالحق" بوصفه "حقاً"، لا لكونه مؤهلاً لركوب "موجة التغيير" .. لكني أخشى أن مثل هذا الكلام لن يجد مدخلاً إلى أذن الدكتور، فركوب "موجة التغيير" يتطلب صدعاً بالحق ولكن في "اتجاهٍ واحدٍ"!!


تُحدثنا كتبُ التواريخ أن "مجلسَ الحكماء الروماني" تآمروا على "يوليوس قيصر" واتفقوا على قتله .. وكان من بينهم صديق القيصر المقرب "بروتس" .. فلما جاء وقت تنفيذ المخطط .. وأخذت الخناجر من لحم "القيصر" ما أخذت، التفت في وجه "الخيانة" صائحاً: حتى أنت يا "بروتس"!

***

طبعاً الحديث هنا ليس عن "بروتس" .. ولا هو عن "القيصر" أيضاً.

***

فرحةٌ عارمةٌ انتابتني وأنا أقرأ ذلك العنوان الضخم "سنصدع بالحق"، فلا زالت للشيخ مكانته من "القلب" ولا زال "حسن الظن" يعمل فيّ عمله وأنا الذي استفدت من "دروسه الحديثية" وكتبه في علوم "السنة النبوية". وقلت في نفسي:

أخيراً .. الشيخ سيتكلم، بل سيصدع بالحق .. فبأيّ حقٍّ سيصدع؟!

هل سيتكلم عن مسلسل التجاوزات "غير الشرعية" للقرار الشرعي ..

أم سيفضح "بلاوي" صحافتنا المحلية و"دعاة التغريب" المندسين في إعلامنا ..

أم تُراه يتحدث عن حجم "المظالم" التي تُصبُّ على رؤوس الناس صباح مساء ..

أم سيتناول "ملف الفساد العريض" الذي يأكل الأخضر واليابس، لا يبقي ولا يذر ..

أم سيعظ "دعاة الاستبداد" و"مشرعيه" و"منفذيه" مطالباً بإعطاء الناس شيئاً من "أكسجين الحرية" لعلهم يتنفسون كما يجب أن يتنفس البشر ..

لقد تجاوز الشيخ ذلك كله .. ليُعلن بلغة "متوترة" وبنفسية "متأزمة" وببوصلة "متعطلة" و"بأنا عالية" أنه سيصدع بالحق .. ولكن في وجه "المؤسسة الدينية الرسمية".. "والتيار الديني السائد" .. ليبتدئ في تدشين مشروعه "الصدامي" بنَفْسيةٍ "صدامية" .. وليقص الشريط مفتتحاً مؤسسته "الخاصة" للإصلاح الديني على أنقاض "المؤسسة الدينية الرسمية" وبقايا "التيار الديني السائد".

لن أتوقف كثيراً عند انسياق الشيخ حاتم مع مصطلح "المؤسسة الدينية"، فقد تمنيت لو أنه اختار عبارة "مؤسسة الإفتاء الرسمية" مثلاً لئلا يقع -وهو المتخصص- في شراك "الاصطلاحات الكنسية" التي يحاول "العلمانيون" إلباسها أهل العلم .. هذا "رجل دين" وهذه "مؤسسة دينية".

لكني سأتوقف عند هذا التوقيت "الحرج" لإعلان الشيخ لحالة "الصدع بالحق" هذه .. فلو جاء هذا الإعلان على إِثر منكرٍ اقترفته تلك "المؤسسة الدينية" أو انحرافٍ وقعت فيه لتفهَّمنا سبب هذه الحماسة المفاجئة "للصدع بالحق" .. لكنه جاء ولمّا تبرد جراح "ملف الاختلاط" .. "وتداعيات كاوست" .. "وإقالة عضو هيئة كبار العلماء" .. وكأن الشيخ يريد المشاركة في هذي الجراح .. ولو متأخراً .. ولو من الضفة الأخرى!

وإلا كيف نفسر هذا التوقيت "الحرج" لإعلان حالة "مخاض الحق" هذه؟!

إن إعلان الشيخ لبيان "الصدع بالحق" في هذا المقام لا يحتمل -للأسف- إلا معنى واحداً يختلف عما صدع به فضيلته. فالدكتور -غفر الله له- شارك في "صدع الحق" تحت عنوان "الصدع بالحق"!

ولعلي أعيد ترتيب "المشهد الأخير" للصراع الإسلامي الليبرالي لنعلم موقع هذا "الإعلان الدرامي" من هذا المشهد، والدور الذي يمكنه أن يلعبه فيه.

- افتتاح أول جامعة مختلطة في المملكة.

- فرحٌ واستبشارٌ ليبرالي ليس بالجامعة فقط .. بل بالاختلاط نفسه بصفته انفتاحاً وتحرراً.

- كلمة عابرة على استحياء أطلقها "عالم" بعدما قدم بين يديها بمقدمات من الثناء البالغ على الجامعة، ومفرقاً كلمته بعبارات حسن الظن الزائد في القائمين عليها، مضمناً ذلك لانتقاد رقيق جداً لمسألة الاختلاط.

- حملة صحفية "إقصائية" ضخمة تطال المجيب، والتيار الديني كله.

- حملةُ دفاعٍ مضاد للذب عن الشيخ، وفضح تيار "الإقصاء" على شبكة الإنترنت.

- الشيخ يحزم الأمتعة مودعاً "هيئة كبار العلماء" بقرار "إقالة".

- مشروع الاختلاط لا زال قائماً على الأرض.

- بيان "الصدع بالحق" يطلع على "خشبة المسرح" ليبين لنا موقع "المؤسسة الدينية الرسمية" من خارطة "تعطيل الإصلاح" ويضع النقاط على الحروف، فيقول:

"ولذلك تجاوزها القرارُ السياسي، الذي لا يمكنه إلا أن يواكب الحَدَثَ وأن يتعايش مع الواقع، إن أمكنه ذلك بالمؤسسة الدينية (وهذا ما يتمناه)، أو بدونها (وهذا ما لا يتمناه)".

* "الاختلاط منه ما هو جائز ومنه ما هو محرم".

* وينتقد "الذين ما زالوا يغالطون (في شأن الاختلاط) الأدلةَ الشرعية، ويتجاهلون الحاجةَ الملحة لإعادة النظر في عاداتنا التي مزجناها بالدين".

هكذا الأمر إذن "تجاوزات" للقرار الشرعي لا بد منها.. و"إجمالٌ للأحكام" في مقامات لا يسع فيها إلا التفصيل .. ثم يريد الدكتور إقناعنا "ببطولات" مرتقبة تحت شعار "سنصدع بالحق"!

إنها "معارك سهلة" يقيمها هؤلاء تحت "عناوين ضخمة" يظهرون من خلالها "شجاعتهم" و"براعتهم" و"بطولاتهم"، ولكن على أجساد "الضعوف" من أبناء "التيار الديني التقليدي" رسميين وغيرهم!!

فإذا ما أحسوا "بضآلة المعركة" التي يخوضونها أقبلوا علينا واعظين "بأن فضيلة الصدع بالحق لا تنحصر في الصدع به أمام الحاكم، بل من الصدع بالحق أيضا الصدعُ بالحق أمام العلماء والتيار الديني السائد، بغرض الإصلاح، ومن المؤهل للإصلاح".

إي والله "فضيلة الصدع بالحق لا تنحصر في الصدع به أمام الحاكم" ولكن خبرني أين هو؟! بالله عليك أين هو؟!

ولنا أن نعظ الدكتور أيضاً: "بأن فضيلة الصدع بالحق لا تنحصر بالصدع به أمام العلماء والتيار الديني السائد"!

وليطمئن الدكتور، فإن تلك "المؤسسة" التي يتحدث عنها لم تعد حجر عثرة في طريق أحد.

وليأذن لي حين أتساءل: هل ادعى أحدٌ في يومٍ أن لهذه المؤسسة أو غيرها عصمةً وقدسيةً تحرم مخالفتها؟! أم لم تزل المخالفة مشروعةً مادامت واقعة ممن هو أهلٌ للمخالفة، المتأدب بأدب الخلاف، العارف لمحالّه، والملتزم بأصول الاستدلال الصحيح، وفتش في الواقع -اليوم وقبل اليوم- فإنك واجدٌ شيئاً كثيراً جداً من المخالفة.

لكن الإشكال حين نتجاوز المناقشة في "مسائل جزئية" لنسدد "اللكمات" للأصول والكليات، ونبدأ في إطلاق التهم المستوردة من "الضفة الأخرى" من شاكلة "التوسع في باب سد الذريعة" .. "مصادرة الاختلاف السائغ" .. "خلط العادات والتقاليد بالدين" .. "ضعف إدراك حاجات المرحلة" فحينها يتغير المشهد تماماً وتأتي مطالبات البرهنة والتدليل، ولا يكفي في مثل هذا ذكر المثل ولا المثلين، فمن ذا الذي ينكر ذلك، ولكن فرقٌ كبيرٌ بين الحكم "بخطأ جزئي" والاتهام "بأخطاء كلية" .. وبين أن نختلف في "فروع" أو أن نختلف في "المنهج"!

ثم إن النقد والتصحيح والنصيحة والمراجعة شيءٌ .. وإعلان حالة "الحرب والصدام" شيء آخر مختلفٌ تماماً!!

وليت شعري لو صدقت هذه التهم ـ التي أرسلها الدكتور ـ في فردٍ أكان استفتاؤه والصدور عن رأيه جائزاً .. فكيف الحال بمؤسسة اجتمعت فيها هذه الانحرافات.

ولا يخفاك أن هذا النقد الموجه "للمؤسسة الدينية الرسمية" هو نقد متوجه "بالضرورة" إلى "رقعة زمنية" واسعة .. وإلى مراحل عمرية سابقة .. "يعني بالعربي" ينتقدها بتشكيلتها الحالية والسابقة .. إذ الاتهامات واحدة .. ومنهجية الافتاء لم تتغير .. واستحضر إن شئت تشكيلاتها السابقة .. ثم إن الدكتور ينتقد "التيار الديني السائد" .. فمن هم صناعه ومروجوه؟!

ولقد قلبت النظر في تلك المسائل التي مثل بها الدكتور فوجدت غالبها وجهات نظرٍ شخصية، ومخالفوه في أكثرها غير محصورين فيما أسماه "بالمؤسسة الدينية". بل جلّ من يسميهم الدكتور "متخصصين" يخالفونه في تلك المسائل. فكيف صار قول الشيخ حاتم في جلّ تلك الأمثلة هو الحق المحض، وتحول كلام الآخرين إلى باطلٍ محضٍ وسلطانٍ جائرٍ يجب أن يُصدع في وجهه بكلمة الحق!!

أليس من الطريف أن يقول هذا من يعيب على "المؤسسة الدينية" مصادرة الاختلاف السائغ؟!!

وليت الدكتور إذ افتتح ملف نقد "المؤسسة الدينية الرسمية" دعا إلى ما يجب الدعوة إليه من استقلالها من كل "الضغوط"، وتقديم ضمانات "حرية الكلمة" فيها، ونادى أهلها بأداء "واجب البيان" "والصدع بالحق" في خاصة أمر المسلمين وعامتهم، بدل الإسهام ـ شعر أم لم يشعر ـ في رفع شرعية "المؤسسة الدينية" بتبرير تجاوز القرار السياسي لها، وتقديم مبررات تجاوزها لعموم الناس.

لكن الظاهر أن الدكتور فَضَّلَ إسداء النصائح ـ غير المباشرة ـ لتلك "المؤسسة" بمجاراة ما يُراد منها حتى لا يتم تجاوزها.

ولئن كان الدكتور يحدثنا أن موجة التغيير قادمة، وأنه يريد أن يركبها من أجل الإصلاح. فالذي أخشاه وأرى شواهده تلوح أمامي أن موجة التغيير هي التي ستركب الدكتور وأمثاله لأجل الإفساد، وأنه سيستميت في مجاراة تلك الموجة، حتى لا تنزل الموجة عن ظهره، وتبحث عن مركوب آخر. فتلك هي النصيحة التي أسداها الشيخ "للمؤسسة الدينية الرسمية" وإن بطريقة غير مباشرة.

الدكتور الآن يتوعد بتقديم بديلٍ "أكثر مرونة" .. يتجاوب مع ما يُراد منه .. ويبصم بالعشرة! أو بالأحد عشر "حسب متطلبات المرحلة" وكأن "الضعف" السابق مبرر لمزيد من الضعف!! وكأننا لم نتعلم من "دروس كاوست" إلا "لا تعترض فتنطرد"!!

إنها صفعة ستوقظ الكثيرين على واقع مرّ وعلى مستقبل أكثر مرارة .. وعلى "عظائم" مخبأة في مستقبل الأيام!

ولئن كان من "عظائم" الشيخ أيام "همسه" الحكم بإسلام من خرج مقاتلاً النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، والحكم بكفر من أعلن محبته لدين الكفار في الظاهر دون الباطن!!

فلنا أن نتخيل ما يخبئه لنا الشيخ من "صراخٍ" بعد إعلان "حالة الصدام"! ومن "تصدعات" و"انصداعات" و"صداعٍ ووجع راس"!!

ولنا أن نتخيل -أيضاً- أولئك الذين سيستثمرون "بيان الصدام" هذا في تمرير مشروعاتهم وأجنداتهم الخاصة!

فلئن قصّر الشيخ في نقد مؤسسة دينية دون أخرى وتيار ديني دون آخر فسيطل علينا -من لا يرتضيهم الشيخ- ليسددوا لكماتهم وركلاتهم للتيار الإسلامي كله دفعاً "لإثم" التقصير في البيان! والذريعة واحدة "توسع في باب سد الذريعة" .. "ومصادرة الاختلاف السائغ" .. "وخلط العادات والتقاليد بالدين" .. "وضعف إدراك حاجات المرحلة"!!

وإذا كان الشيخ يتوعد اليوم "بمفاجأته المستقبلية" و"صدعه بالحق" فلا أقل من أن يصدع "بحقه" كله .. حلوه ومره .. ما يسوؤنا منه وما يسوء غيرنا .. أما أن يكون صدعه بالحق "أعور" .. وأن يكون علينا لا لنا ..وأن تكون لنا منه المرّة ولغيرنا الحلوة .. فإني أُحرِّج على الشيخ ذلك .. وغيري سيحرِّج عليه.

ودعني أهمس في أذن الدكتور بأن لا يجعل "قضايانا" ثمناً لتطلعاتٍ قد تكون نحو الأعلى، وأننا لا نريد منه "حقيقةً" إلا أن "يصدع بالحق" بوصفه "حقاً"، لا لكونه مؤهلاً لركوب "موجة التغيير" .. لكني أخشى أن مثل هذا الكلام لن يجد مدخلاً إلى أذن الدكتور، فركوب "موجة التغيير" يتطلب صدعاً بالحق ولكن في "اتجاهٍ واحدٍ"!!

****

سؤال "غير بريء" بخصوص "أوهام الأولية" أليس مما حُمد للإمام الشافعي قوله: "وددت أن الخلق يتعلمون هذا العلم ولا ينسب إليّ منه شيء"؟! مع أنه الشافعي .. وأنت تعلم من هو الشافعي.


مجلة رؤية >> المنتدى
هل قلت: "إصلاح" ياشيخ حاتم؟!
2009-11-04
بقلم د . عبدالله المهند
فقد قرأت المقالة أول الأمر.. وقرأت ما نقله الشيخ من قصص الصدع بالحق في وجه المشركين.. قرأت ذلك فتخيلت الشيخ حاتماً ساجداً عند الكعبة، وسماحة المفتي يضع قدمه فوق عنقه يخنقه بعنفٍ. ثم يأتي الشيخ صالح الفوزان فيضع سلا الجزور فوق ظهره. فينصرف حاتم من صلاته، وهو يردد بثباتٍ: (أتقتلون رجلاً أن يقول: العباية على الكتف حلال؟!).. أعدت قراءة المقالة، فتخيلت الشيخ عبدالله بن غديان يضع حجراً فوق صدر الشيخ حاتم، ويصرخ في وجهه: أصبأت؟! فيردد حاتم بأعلى صوته: (أحدٌ.. أحدٌ.. الاختلاط فيه تفصيلٌ لم أسبق إليه).
news_583_pic1_1253125815049496100.jpg

كثيرون علقوا على قصة : (سنصدع بالحق)..
ولي تعليق على القصة الأخرى المكتوبة تحت عنوان: (دروس من صدعه صلى الله عليه وسلم بالحق). وهو المقال الذي عرض فيه شيخنا حاتم صوراً من هدي النبي –صلى الله عليه وسلم- في الصدع بالحق، والصبر على سخرية المشركين منه!
فليصبر شيخنا إذن على ما سأكتبه.
فقد قرأت المقالة أول الأمر.
وقرأت ما نقله الشيخ من قصص الصدع بالحق في وجه المشركين.
قرأت ذلك فتخيلت الشيخ حاتماً ساجداً عند الكعبة، وسماحة المفتي يضع قدمه فوق عنقه يخنقه بعنفٍ. ثم يأتي الشيخ صالح الفوزان فيضع سلا الجزور فوق ظهره. فينصرف حاتم من صلاته، وهو يردد بثباتٍ: (أتقتلون رجلاً أن يقول: العباية على الكتف حلال؟!)
أعدت قراءة المقالة، فتخيلت الشيخ عبدالله بن غديان يضع حجراً فوق صدر الشيخ حاتم، ويصرخ في وجهه: أصبأت؟! فيردد حاتم بأعلى صوته: (أحدٌ.. أحدٌ.. الاختلاط فيه تفصيلٌ لم أسبق إليه).
وفيما هو في عناء وشدةٍ مرَّ به الصحافي الجليل تركي السديري، وقال له بكلماتٍ مؤمنة مطمئنة: (صبراً يا شيخ حاتم..فإن موعدك لقاء في جريدة الرياض). ثم يمر به صحافي آخر من السابقين الأولين، ويهمس في أذنه داعياً إياه للهجرة إلى أرض الحبشة حيث يوجد ملك لا يظلم عنده أحد من الصادعين بالحق. شيخنا حاتم!
قد فهمنا "المنهج المقترح" الذي تطالب به.
ولعل "مرسلك الخفي" وصل إلى ملك الحبشة.
وما ترمي إليه: باطلٌ بإجماع المحدثين على اشتراط سماع ولي الأمر من هيئته التي نصبها بنفسه وسماها: هيئة كبار العلماء.
وتذكر دائماً -أيها الشيخ- أن "الله لا يقبل تدليساً".
وتذكر أن شعبة قال: "لأن (...) أحب إليَّ من أن أدلس".
حدثتنا –أيها الشيخ- عن إصلاح سياسي تعوقه مؤسسة دينية!
فهلا حدثتنا عن إصلاحٍ ديني تعوقه مؤسسة سياسية!
وهلا حدثتنا عن إصلاح سياسي تعوقه مؤسسة سياسية!
إن كنت –حقاً- تريد الإصلاح. فانظر إلى بلدك، وستدرك أن من أعظم بلاياه أنه يعيش في عصر المؤسسات، في حين لا يوجد به قط مؤسسة تشريعية حقيقية.
فهل يمكن أن يقوم إصلاح بلا مؤسسات تشريعية؟!
أنت تجلس بمجلس شورى وعن يمينك وشمالك العشرات من "معاشر المتخصصين" يعقدون اجتماعات مطولة، كي يشاركوا فقط في "استطلاع للرأي"!
وبدل أن تطالب بالإصلاح الحقيقي، فتدعو لتحويل "مؤسسة استطلاع الرأي" إلى "مؤسسة تشريعية نافذة"، رأيناك تطالب بعكس ذلك تماماً.
رأيناك تذكر أن ببلدك (هيئة كبار علماء) على وجهها آثار قديمة لبقايا مؤسسة تشريعية، فأردت طمس هذا الأثر، فطالبت من بعيد بإكمال مسيرة الإصلاح العكسي، بتحويل الهيئة بالكامل إلى مؤسسة أخرى "لاستطلاع الرأي الشرعي"، يسوغ للسلطان أن يطأها بقدمه، وأن يأخذ برأيك ورأي رفاقك من معاشر المتخصصين الصادعين بالحق، الذين لا تأخذهم في الاختلاط لومة لائم.
كنت سأفهم لو أنك طلبت تطوير المؤسسة.
أو اعترضت على كفاءة بعض من فيها.
أو طالبت بتطوير آلية اختيار أعضائها.
أما أن تدعو صاحب السلطة إلى مزيد من الفردية و الاستبداد بالقرار، والإمعان في تطنيش المؤسسات المختصَّة، ثم تسمي كلامك إصلاحاً. فاحتمل المزيد من سخرية صناديد قريش.
لا تقل لي : "المؤسسة الدينية" غير معصومة.
فأنت و سائر "معاشر المتخصصين" –أيضاً- غير معصومين.
كما أن صاحب السلطة هو الآخر غير معصوم.
الحديث هنا –يا عضو الشورى- عن بلد يجب أن يسير على نظام، كي نستطيع أن نتكلم عن شيء اسمه إصلاح.
الحديث هنا –يا عضو معاشر المتخصصين- ليس عن العصمة. بل هو حديثٌ عن المؤسسة التي تملك صلاحية سن التشريعات الملزمة، حتى وإن جاز عليها الخطأ.
لن يصلح البلد إدارياً دون مجلس شورى نافذٍ القرار.
كما أنه لن يصلح دينياً دون مؤسسة إفتاء نافذة القرار.
تأمل هذا -أيها الشيخ- وستدرك أن الإصلاح الذي تدعو إليه ، هو عين الإفساد.
فإن كنت لم تبصر ذلك إلى الآن..فاستقبل المزيد من الأذى.
ولتصبر...
ولتواصل صدعك بالحق...
فقد تصل إلى الحبشة... لكنك لن تعود إلى يثرب!
المصدر / مجموعة القاسم

5 تعليق حتى الآن
comment_icon.gif من أجمل ماقرأت حول الموضوع | عبد العزيز ...
أحببت أن أسجل إعجابي لهذا القلم لا أشكك في الشيخ العوني لكن ما ذكر هنا منطقي جدا أحب هذا النوع من الطرح شكرا لك د.عبدالله المهند وشكرا ل رؤية
comment_icon.gifماهذا التحليل؟؟؟ | ابوفراس ...
والله ضحكت من تحليل هذا الدكتور العجيب,,, وقلت على الدكتور حاتم ان يتحمل ماياتيه من مثل هذا التهكم الراقي
comment_icon.gifليت القديمي يقرأ لتعلم الانصاف | سلوى بنت عبدالخالق ...
اصبت يا عبدالله في كل كلمة سطرتها وليت القديمي (وهو أحد رفقاء حاتم الشريف في رحلة الإصلاح) يتعلم منك الانصاف ويبتعد عن العاطفة.
comment_icon.gifمن يقف في وجه تأسيس المؤسسات أصلا؟ | قارئة ...
مقالتك جريئة وصريحة ولكن علي ان اسألك : من هو الذي وقف شوكة في حلوق المطالبين بدولة المؤسسات المدنية ؟؟ أظن انه لم يكن تركي السديري ولا الشيخ حاتم ولاحتى الملك عبد الله ولكنه شخص تعرفه واعرفه اسمه (سعد البريك) افنى سحابة وقته في الرد على هذه المسألة وهو لايفقه منها ابعد من قصره في المعذر المقالة جميلة وصريحة ولكنها بدلا من ان توجه للشيخ حاتم كان مفترضا ان توجه لبقايا المتطفلين المقتاتين على فتات السلاطين ومن يطبلون لفردية السلطان وتقديسه ، ومن ينادون بمزيد من تهميش المجتمع وتسميته با(العوام والغوغاء) وهذا هو عين مايفعله اعضاء هيئة كبار العلماء ومن شابههم من مطاوعة المكرفون والتائبين من الجهادية او مايسمون بالجامية الجدد ومسألة تحريم الاختلاط وعباءة الكتف فرضت على المجتمع بنفس الآلية التي يريد الشيخ حاتم أن يقاومها، فما المشكلة؟؟ لماذا على الشيخ حاتم وحده أن يعلق جرس المطالبة بالمؤسسات التشريعية وهل يجرؤ كاتب المقال أن يطالب بهذه المؤسسات على الجرائد والمنابر بنفس الجرأة التي انتقد بها الشيخ حاتم؟؟ هل تستطيع ان تكتب كتابا كما كتب الأستاذ عبد الله الحامد تطالب فيه بدستور ومؤسسات بدلا من السخرية بالشيخ حاتم الذي هو (فرد) يعبر عن رأيه؟ الجواب معروف لأن كلا منا يمد رجليه على قد لحافه، ويبدو ان لحاف مطاوعة 2009 لم يعد يتجاوز التواثب على مقالات من (شذّ) عن خطاهم لنقدها وعرمشتها بالسنان واللسان أوبالعربي : أبوي مايقدر إلا على أمي
comment_icon.gifالخير أم الشر | الغريب بن حمد ...
اتق الله فالإختلاط له مفاسد لايعلمها إلا الله ونحن ننظر إلى الشعوب الموجود بها إختلاط بماذا تقدموا وهم الآن يطالبون بفصل الجنسين عن بعضهم لما وجدوا من أضراره التي لاتخفى على الجميع أم كالحثالة نأخذ كل مايلفضونة من جميع سلبياتهم فلنراجع أنفسنا