الإمام ( تركي بن عبدالله ) ...يُقرب البطانة الصالحة ويُبعد الفاسدة

أبو عبد الرحمن
1430/11/09 - 2009/10/28 06:24AM
الإمام ( تركي بن عبدالله ) ...
يُقرب البطانة الصالحة ويُبعد الفاسدة




سليمان بن صالح الخراشي




بعد سقوط الدرعية على يد إبراهيم باشا عام ( 1234هـ) عاشت البلاد السعودية حوالي سبع سنوات في فوضى واضطرابات وفتن ونزاعات ضج منها المؤمنون ، وتضرعوا إلى بارئهم أن يُعيد لهم أمنهم ووحدتهم التي عرفوها . فقيض الله لهم الإمام تركي بن عبدالله - رحمه الله تعالى - الذي استطاع بفضل الله طرد الغزاة ، والتمكين لأهل الخير والصلاح ؛ فعادت البلاد كما كانت - ولله الحمد والمنة - .


كان قاضي بلدة " مرات " الشيخ المؤرخ أحمد بن علي بن دعيج قد عاصر زمن الفتنة وسقوط الدولة ، ثم شهد بعد ذلك زمن الانتصار والتمام الشمل ؛ فسجل هذا كله في " أرجوزة " مشهورة تداولها الناس بعده شفويًا ؛ وكتبها بعضهم ؛ وفيها وصفٌ يغلب عليه عدم التكلف والسهولة لما حل بالبلاد .


وقد أعجبني قوله - رحمه الله - أثناء تعداده لمناقب الإمام تركي التي اشتهر بها أنه كان حريصًا على ( البطانة الصالحة ) أن تكون حوله ؛ ترشده وتدله على ما ينفع البلاد في دنياهم وأخراهم ؛ لعلمه بأن هذا الصنيع هو من أسباب ثبات الملك .


وفي المقابل أبعد ( البطانة الفاسدة ) التي تأمر بالسوء والفحشاء ؛ وتُزين له الظلم والفساد ؛ وتُعجل بضعف الدولة وانحلالها ؛ كما هي سنة الله في الأمم .


وقد قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تُخفي صدورهم أكبر ) : يعتقد البعض أن هذه الآية وردت للتحذير من الركون والاعتماد في الحكم على اليهود أوالنصارى ، وفاتهم أن المفسرين ذكروا مع هذين فريقًا ثالثًا لا يقل عنهما عداوة وبغضًا للدولة المسلمة ؛ وهم المنافقون . بل ابتدأ بهم ابن كثير - رحمه الله - تفسير هذه الآية قبل غيرهم ؛ لعلمه بخطورة أمرهم ، قال : ( يقول الله تبارك وتعالى ناهيًا عباده المؤمنين عن اتخاذ المنافقين بطانة ؛ أي يُطلعونهم على سرائرهم وما يُضمرونه لأعدائهم . والمنافقون بجهدهم وطاقتهم لايألون المؤمنين خبالا ؛ أي يسعون في مخالفتهم وما يضرهم بكل ممكن ، وبما يستطيعون من المكر والخديعة ، ويودون ما يُعنت المؤمنين ويُحرجهم ويشق عليهم ) .



ولذا نجد أن الشيخ عبدالرحمن بن حسن - رحمه الله - وجه نصيحة ثمينة للإمام فيصل بن تركي - رحمه الله - يحثه فيها أن يسير سيرة أبيه مؤسس الدولة السعودية الثانية في هذا الأمر ؛ ومما قال له : ( من عبد الرحمن بن حسن إلى الأخ المحب الكريم فيصل بن تركي ، ألهمه الله رشده ، ووقاه شر نفسه ، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ؛ وبعد : تعلم أن نصيحتي لك نصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ؛ لأن بصلاحك يقوم الدين ، ويصلح أكثر الناس ... - إلى أن يقول - وقد حذر الله نبيه صلى الله عليه وسلم من طاعة الكافرين والمنافقين ؛ فقال تعالى ( يا أيها النبي اتق الله ولا تُطع الكافرين والمنافقين . إن الله كان عليمًا حكيمًا ) عليمًا بما يُصلح عباده ، حكيمًا في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره . ولما كان التحذير من أولئك من أهم مقامات الدين قال الله تعالى لنبيه ( واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ) .. فعليك بقرب من إذا قربتهم قربك الله وأحبك ، وإذا نصرتهم نصرك الله وأيدك . واحذر أهل الباطل الذين إذا قربتهم أبعدك الله ، وأوجب لك سخطه .. فلو حصل ذلك لثبت الدين ؛ وبثباته يثبت الملك ، وباستعمال أهل النفاق والخيانة والظلم يزول الملك ويضعف الدين ..) . ( الدرر السنية 9/90-95) .


نعود إلى " ابن دعيج " الذي يقول في أرجوزته :



وأظلمت نجد وثارت الفــتنْ
واستنسر البعوض والثـعلب فتنْ
فانتدب الشهم المـوفق تـركي
وجرّد " الأجرب " نظام الملكِ
وأورد الأعدا بحار الهـــلكِ
وقض من نجــد قصور التركِ
ولاح بدرٌ طالعـــًا في السَعَدِ
وكف شرًا واستقــرت نجدي
فانصلحت به الأمــور الفاسده
وأرغم الله تعــــالى حاسده
واستنــقذ الملــة والخـلافه
وناف فعلا عن فعال أســلافه
يُجهز الجيــــوش للمغازي
ويقمع أهل الشــين والمخازي
وينصـــر المظلومَ ، والحدودا
يُقيمـها ويُكــــرم الوفودا
يُقـــرب أهل الخير والأمانه
يجعلهم شعارهْ والبــــطانه
ويُبعد أهل الشـــر من ناديه

ويُقصهم لو كانوا مــن ذويه



أسأل الله أن يوفق ذرية الإمام تركي بن عبدالله - رحمه الله - للسير على ما سار عليه هذا الرجل الموفق من تقريب البطانة الصالحة ، والتمكين لهم ، وإبعاد البطانة الفاسدة ، وعدم السمع لهم ، وأن يُثبت ملكهم ، ويُعز الإسلام وأهله بهم .


( مرجع الأرجوزة : مقال " من النظم التأريخي " للدكتور محمد بن سعد الشويعر ؛ مجلة الدارة ، عدد رجب ، 1403هـ ) .

المشاهدات 4981 | التعليقات 2

ولي الأمر والبطانة الصالحة





إبراهيم معتوق عساس



كان من أبرز الأدعية في شهر رمضان المبارك هذا العام وكل الاعوام السابقة الذي رفعه أئمة الجوامع والمساجد في بلادنا الغالية وفي مقدمتهم أئمة الحرمين الشريفين الدعاء بأن يحفظ الله - سبحانه وتعالى - ولاة الأمر الكرام وأن يديم على بلادنا الأمن والأمان وأن يهيئ لولاة الأمر البطانة الصالحة التي تعينهم على الحق وتدلهم عليه، وهو من الدعاء المأثور المطلوب في الأيام المباركة وفي كل مناسبة من المناسبات الدينية بل الواجب ان يحرص المواطن على هذا الدعاء مع كل صلاة.









والحقيقة ان كل موظف في الدولة لابد ان يعرف انه يمثل بطانة لولاة الأمر الكرام وعليه واجبات الوظيفة، وهو في وظيفته ومؤتمن على أدائها سواء كان يعمل بالجهات المرتبطة بمصالح الناس او في اي وظيفة حتى لو كانت وظائف العلاقات العامة والاستقبال والمراسم من اصغرها الى اكبرها فإن كل من يعمل فيها يعتبر نفسه بطانة لولاة الأمر حتى لو لم يكن للوظيفة ارتباط بالجمهور وبمصالحهم لأنها هي الأخرى من الوظائف الوطنية التي من المفترض ان يعمل شاغلوها بأمانة وصدق وأن يكونوا بطانة صالحة لولاة الأمر، وقد خصصت بالذكر وظائف العلاقات العامة والاستقبال والمراسم، وشاغلوها ليس لهم علاقة او احتكاك مباشر بمصالح ادارية او مالية او حقوقية حتى أبين ان اي وظيفة يشغلها اي موظف لابد ان يعرف أنه إما أن يكون بطانة صالحة أو غير صالحة لأن وظائف العلاقات العامة والاستقبال والمراسم قد يتدخلون في بعض الترتيبات التي لها علاقة بالاستقبال والولائم ونحوهما فإن كانوا بطانة صالحة فإنهم يؤدون الدور المطلوب منهم بطريقة مشرفة وجالبة للدعاء الطيب.



وإن كانوا عكس ذلك واستفادوا من كل شاردة وواردة أو سخروا العمل لمصالحهم الخاصة من خلال "قربوا هذا وأبعدوا ذاك، وفلان لا يأكل وفلان لايُصور" فإن تصرفاتهم السيئة وغرورهم وتعاليهم على الناس قد تجعلهم من البطانة غير الصالحة التي تستحق الدعاء عليهم بأن يبعدهم من مناصبهم لأن وجودهم ليس في مصلحة أوطانهم ولا ولاة أمورهم.









وفي واقع الأمر فإن البطانة السيئة لا تستطيع أن تخدع الناس زمناً طويلاً وهي إن استطاعت بالمكر والخداع والتباكي البقاء في موقعها فترة من الزمن إلا ان تزيد في تماديها وطغيانها وكبريائها واستكبارها ومجاهرتها بالمعاصي فإن كل ذلك يجلب الدعاء عليها في الايام المباركة ومن القلوب المخلصة في حب المليك والوطن، مما يحقق الدعاء بأن يبدل امثال هؤلاء ببطانة صالحة تعين ولاة الامر على ما يحرصون عليه من خير وبر.



وفي الحقيقة فإن البطانة الفاسدة إذا تجمعت فإنها تتكاثر وتصبح مصدر قوة تعين بعضها لتكون مجموعة أبو طربوش التي لا تقدم إلا كل رأي مغشوش ومن يتعامل معها يكون متخلق بخلقها الفاشوش، فإن بطش الواحد مرة أو بطشه مرتين او بطشه ثلاث مرات فإن العاقبة المتوقعة أن يستجاب دعاء الصالحين لولاة الامر بأن يهيئ الله - سبحانه وتعالى - لهم البطانة الصالحة ويكون في ذلك إبعاد لجماعة أبو طربوش لأنهم ليسوا من البطانة الصالحة وعندها سيرى الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.





وبما ان الدعاء لولي الامر واجب ديني ويبين رجولة المواطن الذي يخاف على أمن وطنه الذي يحتضن افراد اسرته فإنني أدعو كل من يقرأ هذه السطور أن يُردد معي كلمة آمين مع هذا الدعاء "اللهم يامالك الملك وفق ولي أمرنا إلى ما تحب وترضى واجعل كل اموره متصلة بتوفيق منك واعنه على ما يقوم به من اعمال جليلة لهذا الوطن الغالي واكتب له السلامة والحفظ من كل مكروه ولجميع ولاة أمرنا الكرام ولهذا الوطن الامن والأمان والرخاء والاستقرار ويسر لولي الامر جميع الامور وأبعده عنه كل مكروه وبارك في صحته وعمره وعمله





اللهم يا مالك الملك هيئ لولي أمرنا البطانة الصالحة التي تُعينه على الخير وتدله عليه وأبعد عنه بطانة السوء وكل من يُريد بالوطن أي سوء إنك سميعٌ مجيب الدعوات" قولوا معي آمين يارب العالمين.










نشر بتاريخ 03-10-2009





باب بطانة الإمام وأهل مشورته

البطانة الدخلاء



قال الإمام البخاري6773 حدثنا أصبغ أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه فالمعصوم من عصم الله تعالى وقال سليمان عن يحيى أخبرني ابن شهاب بهذا وعن ابن أبي عتيق وموسى عن ابن شهاب مثله وقال شعيب عن الزهري حدثني أبو سلمة عن أبي سعيد قوله وقال الأوزاعي ومعاوية بن سلام حدثني الزهري حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن أبي حسين وسعيد بن زياد عن أبي سلمة عن أبي سعيد قوله وقال عبيد الله بن أبي جعفر حدثني صفوان عن أبي سلمة عن أبي أيوب قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم

قال الإمام ابن حجر :
قوله : باب بطانة الإمام وأهل مشورته ) بضم المعجمة وسكون الواو وفتح الراء من يستشيره في أموره .
[ ص: 202 ] قوله : البطانة الدخلاء ) هو قول أبي عبيدة قال في قوله تعالى لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا البطانة : الدخلاء ، والخبال : الشر انتهى . والدخلاء بضم ثم فتح جمع دخيل : وهو الذي يدخل على الرئيس في مكان خلوته ويفضي إليه بسره ويصدقه فيما يخبره به مما يخفى عليه من أمر رعيته ويعمل بمقتضاه ، وعطف أهل مشورته على البطانة من عطف الخاص على العام ، وقد ذكرت حكم المشورة في " باب متى يستوجب الرجل القضاء " وأخرج أبو داود في المراسيل من رواية عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين أن رجلا قال يا رسول الله ما الحزم ؟ قال : أن تشاور ذا لب ثم تطيعه ومن رواية خالد بن معدان مثله غير أنه قال : ذا رأي " قال الكرماني فسر البخاري " البطانة : بالدخلاء " فجعله جمعا ، انتهى ولا محذور في ذلك .
قوله ( ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة ) في رواية صفوان بن سليم " ما بعث الله من نبي ولا بعده من خليفة " والرواية التي في الباب تفسر المراد بهذا ، وأن المراد ببعث الخليفة استخلافه ، ووقع في رواية الأوزاعي ومعاوية بن سلام " ما من وال " وهي أعم .
قوله ( بطانة تأمره بالمعروف ) في رواية سليمان " بالخير " وفي رواية معاوية بن سلام " بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر " وهي تفسر المراد بالخير .
قوله : وتحضه عليه ) بالحاء المهملة وضاد معجمة ثقيلة أي " ترغبه فيه " وتؤكده عليه .
قوله ( وبطانة تأمره بالشر ) في رواية الأوزاعي " وبطانة لا تألوه خبالا " وقد استشكل هذا التقسيم بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه وإن جاز عقلا أن يكون فيمن يداخله من يكون من أهل الشر لكنه لا يتصور منه أن يصغى إليه ، ولا يعمل بقوله لوجود العصمة ، وأجيب بأن في بقية الحديث الإشارة إلى سلامة النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك بقوله فالمعصوم من عصم الله تعالى فلا يلزم من وجود من يشير على النبي صلى الله عليه وسلم بالشر أن يقبل منه ، وقيل " المراد بالبطانتين في حق النبي الملك والشيطان " وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم ولكن الله أعانني عليه فأسلم . وقوله " لا تألوه خبالا " أي لا تقصر في إفساد أمره لعمل مصلحتهم ، وهو اقتباس من قوله تعالى لا يألونكم خبالا ونقل ابن التين عن أشهب أنه " ينبغي للحاكم أن يتخذ من يستكشف له أحوال الناس في السر ، وليكن ثقة مأمونا فطنا عاقلا " لأن المصيبة إنما تدخل على الحاكم المأمون من قبوله قول من لا يوثق به إذا كان هو حسن الظن به فيجب عليه أن يتثبت في مثل ذلك .
قوله : فالمعصوم من عصم الله ) في رواية بعضهم " من عصمه الله " بزيادة الضمير وهو مقدر في الرواية الأخرى ، ووقع في رواية الأوزاعي ومعاوية بن سلام ومن وقي شرها فقد وقي وهو من الذي غلب عليه منهما ، وفي رواية صفوان بن سليم فمن وقي بطانة السوء فقد وقي ، وهو بمعنى الأول ، والمراد به إثبات الأمور كلها لله تعالى : فهو الذي يعصم من شاء منهم " فالمعصوم من عصمه الله لا من عصمته نفسه " إذ لا يوجد من تعصمه نفسه حقيقة إلا إن كان الله عصمه ، وفيه إشارة إلى أن ثم قسما ثالثا وهو : أن من يلي أمور الناس قد يقبل من بطانة الخير دون بطانة الشر دائما ، وهذا اللائق بالنبي ، ومن ثم عبر في آخر الحديث بلفظة " العصمة " وقد يقبل من بطانة الشر دون بطانة الخير ، وهذا قد يوجد ولا سيما ممن يكون كافرا ، [ ص: 203 ] وقد يقبل من هؤلاء تارة ومن هؤلاء تارة ، فإن كان على حد سواء فلم يتعرض له في الحديث لوضوح الحال فيه وإن كان الأغلب عليه القبول من أحدهما فهو ملحق به إن خيرا فخير وإن شرا فشر ، وفي معنى حديث الباب حديث عائشة مرفوعا " من ولي منكم عملا فأراد الله به خيرا جعل له وزيرا صالحا إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه " قال ابن التين : يحتمل أن يكون المراد بالبطانتين الوزيرين ويحتمل أن يكون الملك والشيطان " وقال الكرماني " يحتمل أن يكون المراد بالبطانتين النفس الأمارة بالسوء والنفس اللوامة المحرضة على الخير " إذ لكل منهما قوة ملكية وقوة حيوانية انتهى . والحمل على الجميع أولى إلا أنه جائز أن لا يكون لبعضهم إلا البعض ، وقال المحب الطبري " البطانة : الأولياء والأصفياء " وهو مصدر وضع موضع الاسم يصدق على الواحد والاثنين والجمع مذكرا ومؤنثا .
قوله ( وقال سليمان ) هو ابن بلال ( عن يحيى ) هو ابن سعيد الأنصاري ( أخبرني ابن شهاب بهذا ) وصله الإسماعيلي من طريق أيوب بن سليمان بن بلال عن أبي بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال قال : قال يحيى بن سعيد أخبرني ابن شهاب قال : فذكر مثله .
قوله : وعن ابن أبي عتيق وموسى عن ابن شهاب مثله ) هو معطوف على يحيى بن سعيد . وابن أبي عتيق هو محمد بن عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ، وموسى هو ابن عقبة ، قال : الكرماني : روى سليمان عن الثلاثة ، لكن الفرق بينهما أن المروي في الطريق الأول هو المذكور بعينه ، وفي الثاني هو مثله . قلت : ولا يظهر بين هذين فرق ، والذي يظهر أن الإفراد أن سليمان ساق لفظ يحيى ثم عطف عليه رواية الآخرين وأحال بلفظهما عليه فأورده البخاري على وفقه ، وقد وصله البيهقي من طريق أبي بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن محمد بن أبي عتيق وموسى بن عقبة به ، وأخرجه الإسماعيلي من طريق محمد بن الحسن المخزومي عن سليمان بن بلال عنهما به ، ومحمد بن الحسن المخزومي ضعيف جدا كذبه مالك ، وهو أحد المواضع التي يستدل بها على أن المستخرج لا يطرد كون رجاله من رجال الصحيح .
قوله : وقال شعيب ) هو ابن أبي حمزة ، عن الزهري إلخ ، وقوله " قوله " يعني إنه لم يرفعه ، بل جعله من كلام أبي سعيد ، وهو بالنصب على نزع الخافض أي " من قوله " ورواية شعيب هذه الموقوفة وصلها الذهلي في جمعه حديث الزهري وقال الإسماعيلي : لم تقع بيدي . قلت : وقد رويناها في فوائد علي بن محمد الجكاني : بكسر الجيم وتشديد الكاف ثم نون ، عن أبي اليمان مرفوعة .
قوله ( وقال الأوزاعي ومعاوية بن سلام حدثني الزهري حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة ) يريد أنهما خالفا من تقدم فجعلاه " عن أبي هريرة بدل أبي سعيد " وخالفا شعيبا أيضا في وقفه فرفعاه ، فأما رواية الأوزاعي فوصلها أحمد وابن حبان والحاكم والإسماعيلي من رواية الوليد بن مسلم عنه ، وأخرجه الإسماعيلي أيضا من رواية عبد الحميد بن حبيب عن الأوزاعي ، فقال عن الزهري ويحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة . قلت : فعلى هذا فلعل الوليد حمل رواية الزهري على رواية يحيى ، فكأنه عند يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة وعند الزهري عن يحيى عن أبي سعيد فلعل الأوزاعي حدث به مجموعا فظن الراوي " عنه " أنه " عنده " عن كل منهما بالطريقين فلما أفرد أحد الطريقين انقلبت عليه ، لكن رواية معمر التي بعدها قد تدفع هذا الاحتمال ، ويقرب أنه عند الزهري عن أبي سلمة عنهما جميعا ، وقد قيل عن الأوزاعي عن الزهري عن [ ص: 204 ] حميد بن عبد الرحمن بدل أبي سلمة أخرجه إسحاق في مسنده من طريق الفضل بن يونس عن الأوزاعي ، والفضل صدوق ، وقال ابن حبان : لما ذكره في " الثقات " ربما أخطأ فكان هذا من ذاك ، وأما رواية معاوية بن سلام ، وهو بتشديد اللام فوصلها النسائي والإسماعيلي من رواية معمر - بالتشديد أيضا - ابن يعمر بفتح أوله وسكون المهملة ، حدثنا معاوية بن سلام حدثنا الزهري حدثني أبو سلمة أن أبا هريرة قال فذكره .
قوله : وقال ابن أبي حسين وسعيد بن زياد عن أبي سلمة عن أبي سعيد قوله ) أي وقفاه أيضا ، وابن أبي حسين هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين النوفلي المكي ، وسعيد بن زياد هو الأنصاري المدني من صغار التابعين ، روى عن جابر وحديثه عنه عند أبي داود والنسائي ، وما له راو إلا سعيد بن أبي هلال ، وقد قال فيه أبو حاتم الرازي مجهول ، وما له في البخاري ذكر إلا في هذا الموضع .
قوله ( وقال عبيد الله بن أبي جعفر : حدثني صفوان عن أبي سلمة عن أبي أيوب ) أما عبيد الله فهو المصري ، واسم أبي جعفر يسار بتحتانية ومهملة خفيفة ، وعبيد الله تابعي صغير ، وقد وصل هذه الطريق النسائي والإسماعيلي من طريق الليث عن عبيد الله بن أبي جعفر ; حدثنا صفوان بن سليم هو المدني عن أبي سلمة عن أبي أيوب الأنصاري فذكره ، قال الكرماني : محصل ما ذكره البخاري أن الحديث مرفوع من رواية ثلاثة أنفس من الصحابة انتهى . وهذا الذي ذكره إنما هو بحسب صورة الواقعة ، وأما على طريقة المحدثين فهو حديث واحد ، واختلف على التابعي في صحابيه فأما صفوان فجزم بأنه عن أبي أيوب ، وأما الزهري فاختلف عليه هل هو أبو سعيد أو أبو هريرة ، وأما الاختلاف في وقفه ورفعه فلا تأثير له لأن مثله لا يقال من قبل الاجتهاد ، فالرواية الموقوفة لفظا مرفوعة حكما ، ويرجح كونه عن أبي سعيد موافقة ابن أبي حسين وسعيد بن زياد لمن قال عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي سعيد . وإذا لم يبق إلا الزهري وصفوان فالزهري أحفظ من صفوان بدرجات ، فمن ثم يظهر قوة نظر البخاري في إشارته إلى ترجيح طريق أبي سعيد فلذلك ساقها موصولة وأورد البقية بصيغ التعليق إشارة إلى أن الخلاف المذكور لا يقدح في صحة الحديث ، إما على الطريقة التي بينتها من الترجيح ، وإما على تجويز أن يكون الحديث عند أبي سلمة على الأوجه الثلاثة ، ومع ذلك فطريق أبي سعيد أرجح والله أعلم ، ووجدت في " الأدب المفرد " للبخاري ما يترجح به رواية أبي سلمة عن أبي هريرة ، فإنه أخرجه من طريق عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة كذلك في آخر حديث طويل.