تخصيص الخطبة لابن جبرين

عبدالله المهنا
1430/07/20 - 2009/07/13 18:42PM
جرت عادة كثير من الخطباء على تخصيص خطبة لمناسبة موت أحد العظماء ، كما ضجت الجوامع لما توفي ابن باز وابن عثيمين والملك فهد وأحمد ياسين وغيرهم رحم الله الجميع .
وهذه قضية تحتاج إلى بحث فقهي ، إذ من المعلوم أن الخطبة لذكر الله وليست لذكر المخلوقين ، كما قال تعالى ( فاسعوا إلى ذكر الله ) .
المشاهدات 14848 | التعليقات 19

لعل المذموم -والله أعلم- أن يكون المقصود الأوحد من الخطبة نعي الميت وذكر مآثره والمصاب في فقده ..

أما إذا قصد ذكر فضل العلم والحث على طلبه ومنزلة العلماء في الأمة وحاجة الناس إليهم والرزية بفقدهم والتمثيل بذلك العالم الميت .. أفلا يكون ذلك مناسبا وخارجا عن حد الذم ؟؟


شكرا لكم يا شيخ عبد الله على المبادرة الطيّبة, في طرح مثل هذه المسائل..


انا لم أرجع الى البحث في المسألة
لكن من وجهة نظري الخااااااصة: أن هذا الأمر (افراد خطبة للمناقب ونعي العالم فيها) له أصل في الشرع, وهو أن النبي نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه..متفق عليه

ولايخفى أن ذلك النعي والصلاة لم يكن لكل ميّت في عهد النبي, بل لصاحب الشأن في الاسلام, وهو النجاشي.



والله أعلم


لكن ، هل كان النعي في خطبة الجمعة ؟


المسألة كما ذكر الشيخ/عبدالله المهنا ـ وفقه الله ـ ينبغي أن ينظر الحكم الشرعي فيها ويرجع فيها إلى العلماء الراسخين ، لا أن تغلب علينا فيها العاطفة .
لكنَّ مما لا أظننا نختلف فيه أن من المناسب أن يتكلم عن فضل طلب العلم ومكانة العلماء الربانيين العاملين ، وحث الناس على الارتباط بأهل العلم الموثوق فيهم ، في عقائدهم وعلمهم ، وترغيب الطلاب في الجد والاجتهاد لسد الثغرات التي فتحت بسبب موت العلماء العاملين .
والحمد الله الذي جعل في كل خلف عُدولاً يحملون العلم ويعلمونه وينشرونه .
وشيء يحث الناشئة عليه وهو الاهتمام بتسليح أنفسهم والتأصيل ، فإنهم اليوم صغار لا يؤبه لهم ، ويوشك أن يحملوا الراية غدًا ، فعليهم أن يحذروا من أن يكونوا من الرؤوس الجهال الذين يَضلون لقلة علمهم ويُضلون بجهلهم .
اللهم أجرنا في مصيبتنا بفقد علمائنا ، واخلف لنا خيرًا منها .


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،، وبعد :
فلا بد أن نعلم أن لله ما أخذ ولله ما أعطى وكل شيء عنده إلى أجل مسمى، ونسأل الله أن يأجرنا في مصيبتنا ويخلفنا خيراً منها.
أيها الخطباء الكرام :
أثار شيخنا الشيخ عبدالله المهنا مسألة مهمة وهي اعتياد بعض الخطباء والوعاظ الحديث عن العلماء والفضلاء بعد وفاتهم مباشرة وقبورهم لم تجف، بل وهم بين ظهراني أهليهم لم يقبروا ، ومبررهم في ذلك التأثر بموتهم ، واستغلال الحدث في الدعوة إلى الله والإصلاح .
وحسن المبرر لا يعفي من تأصيل المسألة من الناحية الشرعية .
وفي تقديري أن وفاة شيخنا الشيخ عبدالله بن جبرين تغمده الله بشآبيب رحمته، وسابغ مغفرته تثير مسألتين :
المسألة الأولى : حكم الحديث عن الفضلاء بعد موتهم مباشرة والثناء عليهم في الخطب ووسائل الإعلام ، والإشكال الظاهر هنا هو مسألة النعي؛ وليس - في رأيي - أن هذا من ذكر المخلوقين والخطبة لذكر الله تعالى؛ لأن ذكر المخلوقين لا يتناقض مع ذكر الله تعالى إذا كانوا صالحين عاملين بطاعة الله فذكرهم يذكر بالله والعمل له والاقتداء برسوله، ولكن المسألة التي أرى التعليل بها هنا هي مسألة النعي؛ إذ من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النعي كما في الترمذي وغيره، ومع ذلك نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه ، ونعى قادة مؤتة.
فمسألة النعي مسألة غير واضحة عند كثيرين، وكذلك المراد بالنعي هل هو الإخبار المجرد، أو الإخبار المقرون برفع الصوت والثناء. علماً بأن اللغة العربية تدل على أن النعي هو الإخبار المجرد بموت الميت كما أكد على ذلك الشوكاني في نيل الأوطار. وسأرفق مبحثين في هذه المسألة في مشاركة تالية.

المسألة الثانية : مصاب الأمة بفقد العلماء ، وهل موت العالم مصيبة يحزن عليها، وقد سمعت من بعض الدعاة والوعاظ من يقلل من شأن هذه المصيبة ويتحاشى ذكرها ويقول أنهم قدموا خيراً للأمة، ولكن الأمة محفوظة بحفظ الله لها، ولكتابها، وأنه لن تزال طائفة منها على الحق ظاهرة، فدعونا من الحزن والتباكي !!
بينما فئة أخرى تعد فقد العلماء رزية تصاب بها الأمة ، ولا تنطبق عليها كلمة المصيبة؛ لعظمتها و ظهور أثرها، ويعللون بأن العلماء ورثة الأنبياء ، والنبي صلى الله عليه وسلم عزى أمته في مصائبها كلها بمصيبتها بفقده عليه الصلاة السلام.
ويذكرون الأحاديث التي تشير إلى أن الله تعالى لا يقبض العلم انتزاعاً ولكن يقبضه بقبض العلماء، حتى يتخذ الناس رؤس جهالا فيفتون ويضلون الناس بغير علم .
ويستشهدون على ذلك بجرأة أهل الباطل على العلم الشرعي واستباحتهم لحماه، والكلام فيه بغير علم، وذلك لقلة أهله المعانين لحفظه ودرسه والذب عنه من تحريف الغالين وانتحال المبطلين.
ومن المعلوم أن من أبرز مهام العلماء هي حفظ الدين وحمايته من الطفيليات التي تعلق به وليست من أهله وقد ألف الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله كتابه النفيس (الرد على المخالف) وجعله من أصول أهل السنة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين) ذكره ابن وضاح في التحذير من البدع وأشار إليه الإمام أحمد في خطبته في كتابه الرد على الجهمية.
والشاهد في هذا أن مصيبة الناس بفقد العلماء كبيرة، وأثر نقصهم وقلتهم وتتابع موتهم لا تخفى على ذي بصيرة.
وفي تقديري أن التقليل من شان موت العلماء لا يبشر بخير، ولكن أيضا لا يبالغ الإنسان في وصف المصيبة بفقد العلماء فوق قدرها، ويقنط الناس من العلماء المعاصرين، وينتزع الخيرية والبركة منهم، ففي الزوايا خفايا وفي الرجال والعلماء بقايا.
بل يحرص ويجتهد في شرح المصيبة كما هي عليه فالمصيبة بفقد العلماء كبيرة ولكن ليست لشخصه، فلا يبالغ الواعظ في ذكر المآثر الشخصية للعالم المتوفى، وإنمايجتهد في بيان أن عظم المصيبة بسبب فقد الأمة للعلم الشرعي الذي يحمله، والحماية التي كان يمثلها للعلم الشرعي الذي هو دين الناس في محصلته النهائية، كما قال الإمام مالك : (إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم).
والخلاصة - في تقديري -هي الموازنة ، فالمصيبة كبيرة، وفي الأمة خير، ويحاول الواعظ أن يلهب المسؤولية في نفس الشباب وطلبة العلم إلى أن هذه ثغرات ولا بد أن ينبري لها من يسدها، وإلا بقيت ثغرة، وربما ثلمت من الدين بسببها ثلمة.

وهناك مسألة أرى مناسبة التطرق لها وهي التي أشار إليها شيخنا الشيخ صالح الفوزان في أحد مقالاته وردوده في صحيفة الجزيرة عندما خاطب مدير جامعة جازان عندما قلل الأخير من نصيب العلوم الشرعية بسبب عدم الحاجة لها في سوق العمل.
وهي أن العلم الشرعي عباده وحاجة الناس إليه حاجة دينية أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب وفنون الطب والهندسة والعمارة ، ولا ينظر إليه بالنظرة الدنيوية الضيقة.
ومن المناسب ان يشار للشباب وصغار السن ومن في قلبه شك أو تردد إلى قيمة العلم الشرعي والتمثيل بتقدير الناس لأهله ومن أقربهم مثالاً الشيخ العلامة عبدالله بن عبد الرحمن بن جبرين، فبكاء الناس عليه في مغسلة الدريهمية وفي الجامع الكبير وجهشهم بالبكاء في أثناء الدعاء، وتحملهم للحرارة والغبراء في طريق المقبرة ما هي إلا أمارات ظاهرة على قيمة العلم الشرعي عند هذه الأمة المحمدية المرحومة المعطاءة.
نسأل الله أن يخلف على المسلمين خيراً .
وأشكر المشايخ الكرام على ما أدلوا وتفضلوا به.


خالد بن عبد الله المصلح

19 - 5 - 2009




يطلق النعي على الإخبار بموت الميت وإذاعة ذلك، ويطلق أيضًا على ما قد يصاحب ذلك من قول: كتعداد مناقب الميت، أو فعل: كشق الجيوب وضرب الخدود.

قال الترمذي في جامعه: (والنعي عندهم أن ينادى في الناس أن فلانًا مات ليشهدوا جنازته) [جامع الترمذي، ص(239)].

وقال القليوبي في حاشيته: (وهو النداء بموت الشخص، وذكر مآثره ومفاخره) [حاشية القليوبي، (1/345)].

ألفاظ تشارك النعي:

هناك ألفاظ يطلقها أهل العلم ويذكرون لها أحكامًا، وهي تشارك النعي من بعض الوجوه، ولذلك نحن بحاجة إلى الوقوف على معاني هذه الألفاظ.

أولًا: الندب:

قال ابن الأثير في النهاية في تعريف الندب: هو (أن تذكر النائحة الميت بأحسن أوصافه، وأفعاله) [النهاية في غريب الأثر، ابن الأثير، (5/34)].

وعلى هذا فإن الندب يشترك مع النعي في كونه تعدادًا لصفات الميت ومحاسنه.

ثانيًا: النياحة:

قال ابن حجر الهيتمي في الزواجر: (النوح: وهو رفع الصوت بالندب، ومثله إفراط رفعه بالبكاء) [الزواجر، ابن حجر الهيتمي، (1/361)].

وقد وسَّع بعض أهل العلم معنى النياحة فجعل منها كل ما هيَّج المصيبة من وعظٍ أو إنشاء شعر، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية [انظر: الفروع، (2/227)، الإنصاف، (2/569)].

ومن هذا يتبين أن النياحة هي إظهار الجزع والتسخط على موت الميت.

قال القرافي: (وصورته: أن تقول النائحة لفظًا يقتضي فرط جمال الميت وحسنه، وكمال شجاعته وبراعته، وأبهته ورئاسته، وتبالغ فيما كان يفعل من إكرام الضيف، والضرب بالسيف، والذب عن الحريم والجار، إلى غير ذلك من صفات الميت التي يقتضي مثلها أن لا يموت، فإن بموته تنقطع هذه المصالح، ويعز وجود مثل الموصوف بهذه الصفات، ويعظم التفجع على فقد مثله، وأن الحكمة كانت بقاءه وتطويل عمره لتكثر تلك المصالح في العالم، فمتى كان لفظها مشتملًا على هذا كان حرامًا، وهذا شرح النوح.

وتارة لا تصل إلى هذه الغاية، غير أنها تبعد السلوة عن أهل الميت، وتهيج الأسف عليهم، فيؤدي ذلك إلى تعذيب نفوسهم وقلة صبرهم وضجرهم، وربما بعثهم ذلك على القنوط وشق الجيوب وضرب الخدود، فهذا أيضًا حرام) [الفروق، (2/172)].

ثالثًا: الرثاء:

وهو في اللغة بكاء الميت بعد موته ومدحه، وكذا إذا عددت محاسنه، وكذلك إذا نظمت فيه شعرًا [لسان العرب، ابن منظور، (14/309)].

ويراد به أيضًا التوجع من الوقوع في مكروه، ومنه قول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في قول النبي صلى الله عليه وسلم له: ((لكن البائس سعد بن خولة)) [رواه البخاري، (1213)]، يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة [فتح الباري، (3/164-165)].

رابعًا: التأبين:

وهو في اللغة من أَبَنَ الرجل تأبينًا، أي: (مدحه بعد موته وبكاه) [لسان العرب، ابن منظور، (13/5)].

أقسام النعي وصوره:

المسألة الأولى: الإعلام بالموت مجردًا:

ذهب جمهور أهل العلم من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وغيرهم إلى جواز الإعلام بالموت من غير نداء؛ لأجل الصلاة، بل ذهب جماعة من العلماء إلى استحباب ذلك [البناية شرح الهداية، (3/267)، الخرشي على مختصر خليل، (2/139)، الأذكار للنووي، ص(226)].

واستدلوا بما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر أربعًا [متفق عليه، رواه البخاري، (1168)، ومسلم، (1580)].

واستدلوا أيضًا بما أخرج الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد أو شابًّا، ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عنها أو عنه، فقالوا: مات، فقال صلى الله عليه وسلم: ((أفلا كنتم آذنتموني)) [متفق عليه، رواه البخاري، (438)، ومسلم، (1588)].

وهذان الحديثان ظاهران في إباحة الإعلام بالموت لأجل الصلاة، بل هما دالان على الاستحباب، ولأن ذلك وسيلة لأداء حقه من الصلاة عليه واتباع جنازته.

ومما يدل على جواز إعلام من لم يعلم بموت الميت لمصلحة غير الصلاة عليه؛ ما في صحيح البخاري من حديث أنس رضي الله عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم: نعى زيدًا وجعفرًا وابن رواحة للناس قبل أن يأتي خبرهم، فقال: ((أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب، وعيناه تذرفان حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم)) [رواه البخاري، (1169)].

ففي هذا الحديث نعى النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء الثلاثة رضي الله عنهم، ولم يكن ذلك النعي لأجل الصلاة عليهم، إنما لأجل إخبار المسلمين بخبر إخوانهم، وما جرى لهم في تلك الواقعة؛ وعليه فيجوز الإعلام بالموت لكل غرض صحيح كالدعاء له وتحليله وما أشبه ذلك، وليس ذلك من النعي الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل إن بعض ذلك مما دلت النصوص على فضله واستحبابه؛ فقد أجمع أهل العلم على أن شهود الجنائز خير وبر وفضل، وأجمعوا على أن الدعاء إلى الخير من الخير، قال ابن عبدالبر: (وكان أبو هريرة يمر بالمجالس، فيقول: إن أخاكم قد مات فاشهدوا جنازته) [الاستذكار، (3/26)].

وذهب جماعة من أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم كحذيفة بن اليمان رضي الله عنه إلى عدم الإخبار بموت الميت، خشية أن يكون ذلك من النعي الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال البيهقي: (ويروى في ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وأبي سعيد، ثم عن علقمة وابن المسيب والربيع بن خثيم وإبراهيم النخعي) [السنن الكبرى، للبيهقي، (4/74)].

واستدلوا بما جاء عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: (إذا مت فلا تؤذنوا بي أحدًا، إني أخاف أن يكون نعيًا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النعي) [رواه الترمذي، (1002)، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، (986)].

ولما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إياكم والنعي، فإن النعي من عمل الجاهلية)) [رواه أحمد، (23848)، الترمذي، (986)، ابن ماجه، (1476)، وهو من رواية بلال بن يحيى العبسي عن حذيفة رضي الله عنه، وقد قال ابن معين عن هذا الطريق: إنه مرسل، انظر: تحفة التحصيل، (40)، وممن رجح كون روايته عن حذيفة مرسلة ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، (2/396)].

وقد حمل النووي ما ورد عن هؤلاء على الكراهة [المجموع شرح المهذب، (5/216)].

وعند التأمل والنظر يتبين أن النهي الوارد عن النعي لا يعارض ما جاء عن النبي صلى الله عنه وسلم من نعي النجاشي، ونعي الأمراء على المنبر، فإن النعي المنهي عنه في قول حذيفة رضي الله عنه: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النعي)، إنما هو في نعي الجاهلية، فالألف واللام للعهد الذهني، وهو ما كان معروفًا في الجاهلية من النعي، فلقد (كان من عادتهم إذا مات منهم شريف بعثوا راكبًا إلى القبائل يقول: نعايا فلان، أو يا نعايا العرب، أي: هلكت العرب بمهلك فلان، ويكون مع النعي ضجيج وبكاء) [الأذكار، النووي، ص(226)].

فيكون النعي المنهي عنه محمولًا (على النعي لغير غرض ديني، مثل إظهار التفجع على الميت، وإعظام حال موته، ويحمل النعي الجائز على ما فيه غرض صحيح، مثل طلب كثرة الجماعة تحصيلًا لدعائهم ...) [إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، (2/158)]، وما أشبه ذلك.

ولا يرد على هذا التوجيه قول حذيفة رضي الله عنه؛ لأنه لم يقل إن الإعلام بمجرده نعي، وإنما قال: أخاف أن يكون نعيًا، وكأنه خشي أن يتولد من الإعلام زيادة مؤدية إلى نعي الجاهلية، وعلى هذا فلا حرج في الإخبار بموت الميت لكل غرض صحيح كما تقدم، والله أعلم.

المسألة الثانية: الإعلام بالموت بنداء ورفع صوت:

ذهب جمهور أهل العلم من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة إلى كراهية النداء في الإعلام بموت الميت؛ لما تقدم من حديثي حذيفة وابن مسعود رضي الله عنهما، وذهب جماعة من الحنفية إلى أنه لا يكره النداء على الميت في الأزقة والأسواق إذا كان نداء مجردًا عن ذكر المفاخر [فتح القدير، (2/128)].

قالوا: لأن في ذلك تكثير الجماعة من المصلين والمستغفرين للميت، وليس مثله نعي الجاهلية، فإنهم كانوا يبعثون إلى القبائل ينعون مع ضجيج وبكاء وعويل وتعديد ونياحة.

ويقال في الجواب على هذا: إن مقصود تكثير الجماعة من المصلين والمستغفرين للميت يمكن حصوله دون النداء ورفع الصوت، فالصواب من هذين القولين قول الجمهور القائلين بكراهة رفع الصوت في الإعلام بموت الميت؛ لأن النداء ورفع الصوت بموت الميت داخل من حيث الصورة في بعض نعي الجاهلية الذي ورد النهي عنه، فإنهم كانوا يرسلون من يعلن بخبر موت الميت على أبواب الدور والأسواق [فتح الباري، (3/117)].

المسألة الثالثة: إعلان الموت في الصحف والمجلات السيارة وما أشبهها:

إعلان الوفاة في الصحف والمجلات وما أشبهها من وسائل الإعلام العام، كالمنتديات والصفحات العامة في شبكة الإنترنت، كل ذلك لا يخلو أن يكون إعلانًا مجردًا أو إعلانًا غير مجرد، ولا يخلو أيضًا أن يكون قبل الصلاة على الميت أو بعده.

فإن كان الإعلان قبل الصلاة مجردًا عن نداء ورفع صوت، وليس فيه تفجع على الميت ولا إعظام لحال موته، ولا تسخط فيه ولا ضجر؛ فإن ذلك جائز، لاسيما إذا كان الميت مما يهم الناس أمره وحاله، أو كان له شأن ومكانة في الإسلام أو نفع علم، ولا بأس أن يقترن بالإعلان ثناء يسير مطابق للواقع يرغِّب في الدعاء له والصلاة عليه.

ويدل لهذا نعي النبي صلى الله عليه وسلم النجاشي في اليوم الذي مات فيه، ففي صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مات اليوم عبدٌ لله صالح أصحمة، فقام فأمنا وصلى عليه)) [ رواه مسلم، (2251)]، فقوله صلى الله عليه وسلم في نعيه النجاشي: مات عبد لله صالح ثناء عليه وتزكية له، حيث وصفه بالصلاح، وفي هذا تنشيط على الدعاء له والصلاة عليه.

ويشهد لهذا أيضًا ما رواه الشيخان من حديث أنس رضي الله عنه قال: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وجبت))، ثم مروا بأخرى، فأثنوا عليها شرًّا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وجبت))، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما وجبت؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((هذا أثنيتم عليه خيرًا، فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرًا فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض)) [رواه البخاري، (1367)]، فأقرهم النبي r على الثناء بالخير على الجنازة، فدل على جواز ذكر الميت بما فيه من الخير.

أما إن كان الإعلان عن الموت بعد الصلاة عليه فإن كان لمجرد الإعلام بالموت؛ فالظاهر أنه من النعي المنهي عنه؛ لأن الصحف وشبهها من الوسائل الإعلامية هي أقرب ما تكون لمجامع الناس ومنتدياتهم في العصر الأول، ويتأكد النهي والتحريم إذا كان الخبر متضمنًا لما يثير الأحزان ويهيج على البكاء، أو كان متضمنًا الشهادة بالجنة للميت أو ما يفهم منه ذلك، ككتابة بعضهم في خبر الوفاة قول الله تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر: 27-30]، فإن مثل هذا محرم لا يجوز.

أما إن كان الإعلام بالموت بعد الصلاة على الميت لمصلحة معتبرة شرعًا، كإبراء ذمة الميت وما أشبه ذلك؛ فإن هذا جائز لا بأس به؛ لما فيه من المصلحة، قال شيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى في فتوى له: (وأما الإعلان عن موت الميت: فإن كان لمصلحة مثل أن يكون الميت واسع المعاملة مع الناس بين أخذ وإعطاء، وأعلن موته لعل أحدًا يكون له حق عليه فيقضى أو نحو ذلك؛ فلا بأس).

المسألة الرابعة: إعلان الموت بالرسائل الهاتفية أو البريد الإلكتروني:

جرى عمل كثير من الناس في هذه الأيام على تبادل الرسائل الهاتفية أو البريد الإلكتروني للإخبار بالموت، والذي يظهر أن مثل هذا إن كان لأجل الصلاة على الميت أو الدعاء له، أو تعزية المصاب به ونحو ذلك فهو مستحب؛ لأن ذلك وسيلة لتلك الصالحات، والوسائل لها حكم الغايات، وما لا يتم الصالح إلا به فهو صالح، وكذلك الحكم إن كان ذلك لمصلحة، ويمكن أن يقال: إن إعلان الموت بالرسائل الهاتفية أو البريد الإلكتروني لا يخرج عما سبق من كلام أهل العلم في حكم النعي المجرد.

[glow=FFFF66]
المسألة الخامسة: إعلان الموت في الخطب المنبرية:

ذكر خبر وفاة عالم من العلماء أو علم من الأعلام في الخطب, سواء كانت خطبة الجمعة أو خطبة خاصة للإعلام بموته ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: أن يكون ذلك لإخبار الناس بموت من يهمهم معرفة خبره، ولم يسبق علم عام بموته، أو كان ذلك لمصلحة راجحة؛ فالذي يظهر لي أن ذلك جائز لا حرج فيه، ولو اقترن به ثناء يسير مطابق للواقع، وسواء كان الإعلان في خطبة الجمعة أو في خطبة خاصة للإعلام بموته.

ويدل لهذا ما رواه البخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب، وعيناه تذرفان حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم)) [رواه البخاري، (1169)].

ويشهد له أيضًا أن أبا بكر رضي الله عنه خطب الناس لما اضطربوا في وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن تيقن موته صلى الله عليه سلم، فقال في خطبته المشهورة: ((أما بعد، فمن كان منكم يعبد محمدًا صلى الله عليه وسلم فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت)) [رواه البخاري، (1242)].

أما دليل جواز الثناء اليسير المطابق للواقع في خبر الوفاة ما رواه مسلم من حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مات اليوم عبد لله صالح أصحمة، فقام فأمنا وصلى عليه)) [ رواه مسلم، (2251)]، ويحسن في مثل هذا المقام إن كان الناس مصابين أن يصبَّرهم، ببيان أن ما أصاب الميت أمر آتٍ على كل أحد، وأنه سبيل لابد منه، وباب لابد من دخوله، وأن يبين وجوب الصبر وفضله وجميل عاقبته وسوء منقلب التسخط والضجر.

القسم الثاني: ألا يكون غرض صحيح من الإخبار بموت الميت أو أن يكون الخطيب قد أكثر من ذكر مآثر الميت، وفضائله وأعماله وصفاته، أو عظيم الخسارة بموته، فإن ذلك لا يجوز، وهو من النعي المحرم، إذ هو نظير ما كان يفعله أهل الجاهلية من بعث المنادي ينادي بموت الميت ويذكر مآثره ومفاخره، وقد تقدم في الكلام عن النعي ما يدل على تحريم هذا القسم، لاسيما وأن كثيرًا من الخطباء يذكر في كلامه ما يهيِّج الأحزان ويضعف عن الصبر، ويبعد المصابين بالميت عن السلوة، ولا يشك عالم بموارد الشريعة ومصادرها أن مثل هذا لا يجوز.

[/glow]المسألة السادسة: المحاضرات العلمية والمشاركات الإعلامية:

مما انتشر بين الناس في الأزمنة المتأخرة أنه إذا مات عالم من العلماء أو علم من الأعلام طلب من طلابه أو معارفه أو أقاربه أو زملائه أو من لهم صلة به أن يتحدثوا عنه؛ إما في مشاركات إذاعية أو مرئية أو محاضرات أو ندوات أو مقالات أو تعليقات، ويتلخص ذلك كله في أنه عدٌّ لمحاسن الميت، وإبراز لجوانب شخصيته، والثناء عليه وما أشبه ذلك.

والذي يظهر لي أن مثل هذه الأعمال تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: ما كان وقت المصيبة قبل السلو عنها فهذا داخل في النعي المنهي عنه؛ لأن مؤداه التفجع على الميت وإعظام حال موته، وأن بموته تنقطع المصالح، ويعز وجود نظيره، وفي هذا تجديد الأحزان ونكءٌ الآلام ومخالفة مقصود الشرع من تخفيف المصاب وتسهيله؛ ليكون ذلك عونًا في الصبر على قضاء الله وقدره.

القسم الثاني: ما كان بعد السلوة وبرود المصيبة فلا بأس بذلك من حيث الأصل، فإن كان الغرض منه التأسي بالصالحين والاقتداء بهم؛ فإن ذلك مستحب، لما يتضمنه من الدعوة إلى الخير والتأسي بالصالحين، وعلى هذا بناء كثير من كتب السير والتراجم والأعلام، ومما يدل لذلك ما جاء في صحيح مسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب يوم الجمعة فذكر نبي الله صلى الله عليه وسلم وذكر أبا بكر رضي الله عنه [انظر: صحيح مسلم، (879)].

المسألة السابعة: المراثي:

للعلماء رحمهم الله في رثاء الأموات قولان في الجملة:

القول الأول: أنه لا بأس بالمراثي، وهذا مذهب الحنفية [انظر: حاشية ابن عابدين، (2/239)]، والشافعية [انظر: نهاية المحتاج، (3/17)]، واستدل هؤلاء بأن الكثير من الصحابة رضي الله عنهم فعله، وكذلك فعله كثير من أهل العلم [شرح المنهاج للجمل، (2/215)].

القول الثاني: أنه تكره المراثي، وهو قول للشافعية [نهاية المحتاج، (3/17)]، واستدل هؤلاء بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن المراثي، فعن عبدالله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المراثي) [رواه ابن ماجه، (1660)، وضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه، (1592)].

قالوا: (والأولى الاستغفار له، ويظهر حمل النهي عن ذلك على ما يظهر فيه تبرم أو على فعله مع الاجتماع له، أو على الإكثار منه، أو على ما يجدد الأحزان، دون ما عدا ذلك فإن الكثير من الصحابة وغيرهم من العلماء يفعلونه) [نهاية المحتاج، (3/17)].

وقد قسَّم القرافي المراثي إلى أربعة أقسام باعتبار حكمها:

(الأول: المراثي المباحة، وهي الخالية عن التحريم من ضجر أو تسخط أو تسفيه للقضاء وما أشبه ذلك.

الثاني: المراثي المندوبة، وهي ما كان مسهلًا للمصيبة، مذهبًا للحزن، محسنًا لتصرف القضاء، مثنيًا على الرب تعالى.

الثالث: المراثي المحرمة الكبيرة، وهي ما كان فيه اعتراض على القضاء، وتعظيم لشأن الميت، وأن موته خلاف الحكمة والمصلحة، وما أشبه ذلك.

الرابع: المراثي المحرمة الصغيرة، وهي ما كان مبعدًا للسلوة عن أهل الميت، مهيجًا للأسف معذبًا للنفوس) [الفروق، (2/173-174، 181-182)].

وهذا تفصيل حسن، فيحمل ما جاء من النهي عن المراثي على القول بثبوته على القسمين الثالث والرابع، قال ابن حجر عندما ذكر رثاء النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن خولة رضي الله عنه: (وليس معارضًا لنهيه عن المراثي التي هي ذكر أوصاف الميت الباعثة على تهييج الحزن وتجديد اللوعة، وهذا هو المراد بما أخرجه أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم من حديث عبدالله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المراثي)، وهو عند ابن أبي شيبة بلفظ: (نهانا أن نتراثى)، ولاشك أن الجامع بين الأمرين التوجع والتحزن) [انظر: فتح الباري، (3/164-165)]، والله أعلم.

..................................................

أستاذ مساعد في قسم الفقه في كلية الشريعة في جامعة القصيم


د. خالد المشيقح

المسألة الأولى : النعي
والنعي :هو الإخبار بموت الميت .
والأصل في النص النهي ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة وغيره " أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه وخرج بالصحابة وصلى عليه صلاة الغائب " .
وكذلك أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى أصحاب سرية مؤتة فقال: (( أصيب زيد أصيب جعفر أصيب عبدالله )) نعاهم للصحابة رضي الله تعالى عنهم بالمدينة .
و وكذلك أيضاً حديث حذيفة رضي الله عنه قال أنه قال : إذا مت فلا تؤذنوا بي إني أخاف أن يكون نعياً فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ينهى عن النعي" وهذا أخرجه الإمام أحمد و الترمذي وصححه الترمذي .
النعي ذكر العلماء رحمهم الله أن له ثلاث صور:
الصورة الأولى: أن يُعلم أقارب الميت وأصدقاؤه وجيرانه بموته لكي يجتمعوا على تجهيزه من تغسيله وتكفينه والصلاة عليه والدعاء لـه بالرحمة وغيره فنقول بأن هذا من النعي المشروع ،وليس من النعي المذموم حتى ولو حصل ذلك بوسائل الاتصال.
والدليل على ذلك حديث أبي هريرة السابق أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه وخرج بالصحابة "وأعلم الصحابة لكي يصلوا عليه وخرج النبي عليه الصلاة والسلام بالصحابة رضي الله تعالى عنهم وصلى بالنجاشي .
الصورة الثانية : أن يُبعث من ينادي في الناس ومجامعهم ونواديهم ألا إن فلاناً قد مات فاشهدوا جنازته ، ومن ذلك أيضاً ما يحصل في وسائل الإعلام في الصحف والمجلات وغير ذلك ,
هذه الصورة اختلف فيها العلماء رحمهم الله :
الرأي الأول : أن ذلك مكروه وأنه مذموم وهو من النعي المذموم , وهذا رأي جمهور أهل العلم .
واستدلوا على ذلك ما تقدم من حديث حذيفة رضي الله تعالى عنه" إذا مت فلا تؤذنوا بي فإني أخاف أن يكون نعياً فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النعي " .
وأيضاً قالوا بأن هذا فيه تشبهاً بأهل الجاهلية ،فإن أهل الجاهلية كان إذا مات فيهم الميت يصعدون على المرتفعات ويقفون في مجامع الناس فينادى بأن فلان قد مات ويذكرون شيئاً من مآثره ومناقبه ..إلخ .
الرأي الثاني : أن هذا جائز ولا بأس به وهو رأي الحنفية .
واستدلوا على ذلك:
• بأن الأصل في ذلك الجواز.
• وأيضاً استدلوا بما تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه.
• وكذلك أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى أصحاب سرية مؤتة .
الرأي الثالث : التفصيل إذا كان المقصود في ذلك غرض صحيح ومصلحة فإن هذا جائز مثلاً المقصود أن يصلى عليه وأن تشهد جنازته وكذلك أيضاً أن يتعاون الناس في تغسيله وتكفينه ودفنه ، وكذلك أيضاً من كان له دين أو معاملة من هذا الميت يأتي لكي يأخذ حقه منه لأنه قد لا يتمكن من ذلك إلا عن طريق وسائل الإعلام فإن هذا جائز ولا بأس به بل هو مطلوب لأن فيه إبراء لذمة الميت وهذا قال به طائفة من فقهاء الشافعية .وهذا القول هو الأقرب.
الصورة الثالثة : أن يكون ذلك مُشْبِهاً لنعي أهل الجاهلية أن يُبعث من ينادي في الناس ومجامعهم ونواديهم فيذكر محاسنه ومآثره وقد يصحب ذلك شيء من الصياح و النياحة ، فهذا نعي مذموم ومنهي عنه .
فتلخص لنا أن النعي أن يكون قبل تجهيز الميت و قبل تغسيله وقبل تكفينه وقبل الصلاة عليه لكي يتساعد الناس في تجهيزه ولكي يجتمعوا على الصلاة عليه هذا أمر مطلوب ومشروع لأن النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه وكذلك أيضاً النبي صلى الله عليه وسلم نعى أصحاب سرية مؤتة هذا قبل تجهيزه وتكفينه والصلاة عليه ودفنه .
القسم الثاني: النعي بعد الصلاة عليه نقول لا ينعى وأن هذا غير مشروع إلا إذا ترتب على ذلك مصلحة كأن يكون لهذا الميت معاملات أو عليه ديون ويريد ورثته أن تسدد عنه الديون فنقول بأن هذه مصلحة وأن هذا جائز حتى ولو حصل في وسائل الإعلام من الجرائد وغيرها .

[mark=#ffff99]
أما إلقاء الخطب والمحاضرات بعد موت زيد من الناس ولو كان عالماً نقول هذا كله غير مشروع فإن كان في أثناء المصيبة فهو نوع من النعي ونوع من تهييج الأحزان ولا يترتب عليه فائدة وأما إن كان ذلك بعد تباعد المصيبة فنقول لا بأس أن تلقى محاضرة عن العالم الفلاني أداء لحقه وأيضاً حثاً الأمة أن تقتدي به وأن تقتبس من سيرته وتربية للناشئة على سيرته لأن هذا نوع من حقه, فنقول إن كان بعد تباعد المصيبة فإن هذا مطلوب ولا بأس به لأن العلماء ألفوا الكتب في سير الرجال وكتب الطبقات وذكروا مناقب الرجال والعلماء . وأما أثناء المصيبة فإن هذا منهي عنه بل هو نوع من تهييج الأحزان وإيقاظ المصيبة والشارع شرع التعزية لتسلية المصاب كل ذلك درءا لهذا المحظور .
[/mark]


شكر الله لجميع المشايخ ما أفادوه ، وخصوصاً مشرفنا الشيخ ماجد حفظه الله .


فائدة حول الموضوع :
أخبرني أحد الإخوة ممن حضروا جنازة الشيخ حمود التويجري رحمه الله أن الشيخ يوسف المطلق شفاه الله قام خطيباً فيما بين الأذان والإقامة وذكر المتوفى وفضائله وأسهب ، ثم لما أراد ختم كلمته قال : وندع الكلمة لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز ، فلما تكلم الشيخ وحمد الله وأثنى عليه قال : أما بعد : فإني لا أعلم لهذا الفعل أصلاً ... وصلى الله على محمد .


الشيخ عبدالله البصري / مساك الله بالخير .