موضوع للحوار : هل الأفضل للخطيب في زماننا الارتجال أم القراءة من الورق ؟؟
بلال الفارس
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد ..
فإن لكل زمن ثقافته وإن ثقافة المستمعين تنعكس على خطيبهم فلئن كان الكلام المختصر البليغ يوصل الرسالة في زمن فقد لا تصل الرسالة في زمن آخر إلا بشيء من الإطناب والتفصيل ..
ومن القضايا محل الحوار والمتعلقة بمراعاة أحوال المستمعين مسألة ارتجال الخطيب لخطبته وهل الأنفع للمستمعين أن تكون خطبة خطيبهم مرتجلة لتكون أصدق لهجة أو مكتوبة لتكون أكثر دقة ..
وهل تطغى رغبة بعض الخطباء في تطوير ذاته بارتجال خطبه ليكون ذلك على حساب تشتت الخطبة بالنسبة للمستمعين ..
أسئلة أقطع أنها كانت محل نظر لكل خطيب في يوم من الأيام , وإن هذا الملتقى المبارك محل لمثل هذه الحوارات البناءة ومعكم معشر الخطباء نلتقي فنرتقي ..
و سأفتتح الحوار باقتباس يسير من كتاب الشامل في الخطبة , لخطيب الحرم فضيلة الشيخ د. سعود الشريم حيث عرج على هذه المسألة بقوله حفظه الله :
لسائل أن يسأل أيهما أفضل ؟ الارتجال أم الخطبة بالقراءة من الورق ؟ .
فالجواب : هو أنه لاشك في أن الارتجال هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه رضي الله عنهم ومن جاء من بعدهم. ولكن هل فعله صلى الله عليه وسلم هذا للتعبد أم أنه فعل جبلي؟
الذي يظهر لي – والله أعلم – أنه فعل جبلي ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان أمياً . ولكن قد يشكل على هذا فعل الصحابة رضي الله عنهم حيث إن بعضهم كانوا يرتجلون مع علمهم بالقراءة والكتابة .
ولعل من المناسب هنا أن أقول : ينبغي أن ينظر في المسألة :
فإن كان الخطيب ممن لديه ملكة الارتجال ، بحيث يجيد مخارج الحروف مع إعرابها خالية من اللحن والتلعثم والكلام المكرر ، أو أن يرتج عليه كثيراً بحيث تفقد هيبة الخطيب والخطبة ، فإن الارتجال هنا أفضل وأكمل .
وأما إن كان الأمر غير ذلك ، فإن الخطابة بالورق أكثر نفعاً ، بحيث لا يخرج الخطيب عن الموضوع أو ينسى أو يزل أو يلحن . ولعل الأمر في ذلك واسع والله الموفق .
قال ابن مفلح : قال أبو المعالي وابن عقيل : ولمن لا يحسن الخطبة قراءتها من صحيفة . قال : كالقراءة في الصلاة لمن لا يحسن القراءة في المصحف . كذا قال . وسبق أن المذهب لا بأس بالقراءة في المصحف . قال جماعة : كالقراءة من الحفظ فيتوجه هنا مثله ؛ لأن الخطبة شرط كالقراءة
خطباءَنا الكرام
بياض الصفحة القادم لمحابركم فأتحفونا بتجاربكم أو رؤاكم ليشمخ البناء والله وليكم
المشاهدات 15070 | التعليقات 11
[align=center]رحم الله امرءا عرف قدر نفسه
اختلاف القدرات من خطيب لآخر تحكم الإجابة على هذا السؤال
فمن الخطباء من يكون الارتجال في حقه أولى لما لديه من علم ومواهب
تمكنه من ايصال ذلك العلم
ومنهم من قد يكون ارتجاله إثم يوقعه فيه ذلك الارتجال
والحق الذي لا بد من التنبيه إليه أن الخطبة ليست بمجال استعراض مهارات
ولاميدانا لإبراز القوى بل هي أمانة عظيمة
لئن لم يعي الخطيب قدرها ويعرف شأنها كانت سببا في هلاكه[/align]
الإرتجال ادعى لاستفادة المستمعين, حيث زرع الثقة في قلوب الجمهور, واستخدام تعبيرات الوجه, وامور أخرى لا تخفى على كل خطيب.
لكن الارتجال مرحلة متقدمة يسبقها مراحل من المران الجاد والاعداد المضني, والتعب المتواصل, وعليه فالارتجال درجة تحتاج لأخذ الأهبة عند رقيها.
وليست المشكلة فيمن بدأ رحلته مع الخطابة بالكتابة, فذلك حال الأغلب ممن درج مدارج الخطابة, لكن الأسف على من له سنوات متواليات ومستواه لم يرتق وخطبته لاتزال تراوح مكانها.
ومن واقع التجربة فالخطبة التي يعطيها الخطيب الوقت الكافي للإعداد والتجهيز, ثم يستظهر خطوطها العريضة ويحفظ النصوص الواردة فيها للإستشهاد, ويكرر ذلك فيما بينه وبين نفسه, ثم يلقيها ارتجالا تكون أكثر نفعا وفائدة له فيما حفظ, وللمستمعين فيما أوصله لهم من الكلام الطيب المبارك, وفي مثل هذه الحالة لو لم يتذكر عند الإلقاء من الذي جهزه في خطبته إلا ثلث أو نصف المادة لكان أولى من قرائتها من ورق.
وعلى كل حال فهذه وجهة نظر فحسب والله أعلم بالصواب.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً وبعد ؛
فالنسبة لهذا الموضوع فرأي الشخصي أن الورقة أفضل لإنها تحد الموضوع وتمنع من الإسهاب , والأهم هو التحضير الممتاز والتفاعل مع مايقول الخطيب وإن استخدم الورقة فلا يهمل من ملاحظة المستمعين ومخاطبة عيونهم فهي سبيل سريع إلى عقولهم .
فأشكر أخي الشيخ بلال الفارس على فتح هذا الموضوع ، وهو كما قال، همٌّ حاضر، عند كثير من الخطباء ...
ومن باب إبداء الرأي في الموضوع أقول :
إن خطبة الجمعة تختلف كثيراً عن الكلمة الوعظية في المساجد؛ حيث إن خطبة الجمعة تتكرر كل أسبوع، و لا يمكن تكرارها وترداد الأفكار الواردة بصفة مستمرة؛ لتكرر الحضور والمستفيدين، بخلاف الكلمة الوعظية فإنها تحضَّر وتلقى في أكثر من مناسبة وأكثر من مكان ولا يزيدها التكرار إلا إتقاناً وإبداعاً.
ولذلك فإني أرى أن القدرة على الارتجال في خطبة الجمعة لا تبنى على ملكة الإلقاء والارتجال فحسب بل لها تعلق بالعلم والحفظ وسعة الاطلاع؛ فالخطيب الذي حصيلته من العلم قليلة ، وبضاعته المحفوظة مزجاة، كيف سيستمر في الارتجال وهو لا يملك ما يقدمه من العلم؟.
ولذلك فإن أبرز سلبيات الاتجال في خطبة الجمعة - والتي سمعت عنها كثيراً - هي التكرار وعدم التجديد والإبداع.
فالخطيب الذي يرتجل ويستمر في الارتجال هو أحد ثلاثة رجال :
الأول : عالم حافظ لكثير من النصوص والشواهد فهو بحر لا تكدره الدلاء.
الثاني: خطيب جادٌ، مجتهدٌ، يحظٍّر الخطبة، ويحفظ عناصرها وشواهدها، وذلك في كل خطبة، وهذا يبشر بالفائدة العظيمة والتطور السريع والتأثير الكبير.
الثالث: خطيب يحفظ معلومتين، ويتقن شاهدين، ويكرر المعلومات، ويعيد النصوص والأفكار، أو يأتي بكلام لا خطام له ولا زمام فهو بياع كلام ، وتاجر حديث، ولكنك لا تخرج منه بعلم ولا فائدة.
فهذا خطيب مستهتر بمن أمامه، مستخف بمن يستمع له، لا يبالي بهيبة المنبر، ولا يقيم وزناً لأمانة الكلمة.
وأرجو ألا يكون من خطبائنا من يمتهن هذه الطريقة ويسير بهذه السيرة.
ولذلك فإني أرى أن من يريد الارتجال لا بد أن يكون أحد الرجلين الأولين .
يملك غزارة في العلم وقوة في الحافظة ووفرة في المحفوظ .
أو لديه من الجد والاجتهاد والتفرغ ما يؤهله للتحضير والحفظ في كل خطبة.
ولعلي أمثل بنوعين من الخطباء من الصنفين الأولين سمعت لخطبهم واستفدت من علمهم :
من الصنف الأول : مفتي عام المملكة العربية السعودية الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، والشيخ صالح بن فوزان الفوزان، والشيخ عبدالله بن قعود، والشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ (الوزير) والشيخ محمد بن أحمد الفراج، والشيخ عبدالرحمن بن صالح الحجي، وغيرهم كثير، فهؤلاء يخطبون ارتجالاً ولكن مع علم وافر وحشد كبير من النصوص، وتحدث في جميع الموضوعات التي يحتاج لها الناس.
من الصنف الثاني: خطباء رأيت لهم طريقة في التحضير في موقع المنبر يجعلون موضوعهم على شكل مادة علمية دون صياغة لها بصيغة خطابية ثم يقومون بحفظ ما يستطيعون من هذه المادة العلمية وترتيبها بترتيب منطقي ثم يعتلون المنبر ، وقد جمعوا بين مميزات الارتجال ومميزات الكتابة والتحرير والإلقاء من ورقة.
وأختم مداخلتي بوصايا للخطباء :
الأولى: أوصي عامة الخطباء أن يحرروا خطبهم تحريرا بالغاً ويعملوها كأنها ستلقى من الورقة.
الثانية: أوصيهم أن يكون ذلك بجهاز الحاسب؛ ليعم الانتفاع بها وتسهل الاستفادة منها، وبدل أن يلقيها على الألف شخص الذين يصلون معه يلقيها معه مائة خطيب على مائة ألف شخص.
الثالثة: أوصيهم بأن يختارون من خطبهم التي ألفوها وأتقنوا كثيراً من نصوصها ويراجعوها ويرتبوها ثم يلقوها ارتجالاً ، فالمراوحة بين الإلقاء من الأوراق وبين الارتجال يظهر لي أنه هو الكمال.
نسأل الله أن يجعلنا مباركين أينما كنا، وأن ينفع بنا حيثما حللنا.
جزى الله المشايخ على ما جادوا به من أفكار وآراء..
من وجهة نظري الخاصة: أنّ القضية مثل من يقرأ في التراويح بمصحف، ومن يقرأ من حفظه...
فالذي يقرأ من حفظه أقرب الى التأثر بالقراءة من الذي يقرأ بالمصحف...
وكذلك الأمر بالنسبة الى الارتجال مع القراءة من الورق
لكن إيجابية الارتجال تذهب في سلبية تفويت بعض ما في الذهن في خواطر ونقاط
لكن ليجمع بين الأمرين ، وذلك بكتابة نقاط ورؤوس أقلام -بعد التحضير الجيّد للموضوع.
والله أعلم
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ،، أما بعد
فإن فيما حبرته أقلام الإخوة الكرام من قبلي كفاية وغنية ، فجزاهم الله خيرًا ونفع بهم .
ولكني أحببت المشاركة في هذا الموضوع المهم . فأقول :
ليست طريقة الإلقاء هدفًا مقصودًا لذاته ، بل هي وسيلة للتأثير بالخطبة في نفوس المستمعين ، ومن ثم فلا أرى من الجدوى بمكان أن نختلف كثيرًا في مسألة إلقاء الخطبة ارتجالاً أو قراءتها مكتوبة ، خاصة وقد رجح الشيخ سعود الشريم ـ حفظه الله ـ ولعله الصحيح أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنما كان يرتجل خطبته جبلةً لا عن قصد الاقتداء به والتأسي .
وقد سمعنا وسمعتم من هذا وهذا كثيرًا ، سمعنا من يرتجل ويؤثر تأثيرًا بالغًا ، وسمعنا من يقرأ من ورقة ويكون تأثيره أبلغ وأقوى .
ولا أظنه من الصحيح ولا الواقعي أن نحصر التأثير بالخطبة في شيء واحد وهو طريقة الإلقاء ، بل إن ثمة أشياء ـ وليس شيئًا واحدًا ـ تجتمع لتجعل الخطبة مؤثرة ، والدليل من الواقع أنك تستمع لخطبة متواضعة في كتابتها من خطيب مفوه ، جهوري الصوت حسن الإلقاء ، يعرف مواضع الوقف فيلتزم بها ، ونقاط البدء فينطلق منها ، ويحسن في اختيار مواطن خفض الصوت ورفعه ، فتجد لهذه الخطبة من التأثير ما لا تجده لخطيب آخر يقرأ خطبة بليغة الأسلوب كثيرة الأدلة محكمة الإنشاء ، ولكنه يقرؤها وكأنما يقرأ نشرة أخبار، أو يسرد كلماتها سردًا لا يتمثل فيه المعنى ، بل قد لا يكون فَهِمَها بنفسه فضلاً عن إفهام غيره .
ولعل الأهم في هذا الشأن أمور ثلاثة :
أولها : الإخلاص لله ـ تعالى ـ
وثانيها : العيش مع الخطبة ، وجعلها همًّا منذ البدء في كتابة أول حرف فيها ، وإلى آخر كلمة في إلقائها من على المنبر ، ففرق بين خطيب يقرأ مكتوبًا أمامه ، أو يحاول التخلص من واجب ثقيل عليه بأخذ خطبة من كتاب أو موقع قبل ساعة أو ساعتين من اعتلائه المنبر ، وآخر يعيش خطبته أسبوعًا كاملاً ، يتعب في إعدادها ويجتهد في اختيار مضامينها كلمة كلمة ، وتتحرك لكل حرف منها كل ذرة في جسمه وهو يلقيها . وكما قيل : ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة .
وثالثة الأثافي : جعل الخطيب ما يقوله فعلاً في الواقع ، فإذا كان الناس ينظرون من الخطيب في الجامع إلقاءه ، فإنهم ينظرون في خارج الجامع ـ قبل الخطبة وبعدها ـ معاملته ومدى تطبيقه لما يقول .
وفي ظني أنه متى وجدت في الخطيب هذه الأمور الثلاثة ، فإنه لا فرق بين أن تكون خطبته مكتوبة أو مرتجلة ، مع عدم إغفال صفات الإلقاء ومهاراته الأخرى فلها حظها من النظر .
وفق الله الجميع لما يرضيه .
[align=center]مورد عذب في هذه الصفحة فيه سبعة عيون كلها زلال ماؤها ,
سقى الله من سقانا
ولا يزال الحوار متصلا , وأحبذ إضافة التجارب أنعم الله بكم عينا .[/align]
1. خطبة من شأنها أن تغير العالم – الحلقة السادسة –
www.oujdacity.net/oujda-article-11950-ar.html
2. خطبة من شأنها أن تغير العالم - الحلقة الثالثة
www.oujdacity.net/oujda-article-11717-fr.html
3. خطبة من شأنها أن تغير العالم - الحلقة الثانية
www.oujdacity.net/oujda-article-11611-fr.html
4. خطبة من شأنها أن تغير العالم-الحلقة الخامسة - الخطبة من خلال ...
www.oujdacity.net/oujda-article-11904-fr.html
5. خطبة من شأنها أن تغير العالم -الحلقة الرابعة
www.oujdacity.net/oujda-article-11765-fr.html
6. خطبة من شأنها أن تغير العالم - الحلقة الأولى–
www.oujdacity.net/oujda-article-11571-fr.html
[align=center][table1="width:95%;background-image:url('https://khutabaa.com/wp-content/uploads/site_imgs/vb_backgrounds/18.gif');border:4px solid silver;"][cell="filter:;"][align=center]
الشيخ محمد أبو زهرة
المصدر: كتاب: "الخطابة - أصولها، تاريخها في أزهر عصورها عند العرب"
من موقع الألوكة
إن حاجة الخطيب إلى الارتجال لَوَاضحة؛ فقد يحضر الخطيب؛ ثم يرى من وجوه السامعين وحالهم ما يحمله على اتِّجاهٍ آخر، فإن لم تُسْعِفْهُ بديهةٌ حاضرةٌ، وخاطرٌ سريعٌ، ومِرانٌ على الارتجال طويلٌ - ضاع هو وما يدعو إليه، والتقاه الناس بالمُكاء والتَّصْدِيَة، والصَّفير والسُّخرية، والاستهزاء في كل مكان!!
وقد يخطب الخطيب؛ فيعترض عليه بعض الناس في خطبته، فإن لم تكن له بديهةٌ حاضرةٌ تردُّ الاعتراض وتنزعه بالحُجَّة القويَّة - ذهبت الخطبة وآثارها.
يُروَى أن أبا جعفر المنصور كان يخطب مرةً؛ فقال: "اتقوا الله"؛ فقال رجلٌ: "أُذَكِّرُكَ مَنْ ذَكَّرْتَنا به"! فقال أبو جعفر: "سمعًا سمعًا لمَنْ فهم عن الله وذكَّر به، وأعوذ بالله أن أُذكِّر به وأنساه، فتأخذني العِزَّة بالإثم، لقد ضللتُ إذًا وما أنا من المهتدين! وما أنت؟". والتفت إلى الرجل، فقال: "والله، ما الله أردتَ بها، ولكن ليُقال: قام فقال؛ فعوقِبَ فصبر، وأهون بها لو كانت العقوبة، وأنا أنذركم أيها الناس أختها، فإنَّ الموعظة علينا نزلت، وفينا نَبَتَتْ"، ثم رجع إلى موضعه من الخطبة!!
فلو لم تكن قدرة المنصور على الارتجال؛ ما استطاع أن يأتي بذلك النوع من الكلام، وما استطاع حينئذٍ أن ينال من المتهجِّم على مقام الإِمْرَة ذلك التهجُّم.
وقد يعقِّب بعض الخصوم على كلام الخطيب بالنَّقْض - وذلك كثيرٌ في مرافعات المحامين والنيابة - فإذا لم يتقدَّم بكلامٍ قيِّمٍ يسدُّ به الخُلَّة، ويردُّ به الحقَّ إلى نِصابه، ويتدارك من أمره ما هُوجِمَ فيه - ضاع مقصوده، وذهب أدراج الرياح مجهوده، وذلك لا يكون إلا بقوة الارتجال التي تتكوَّن بالمزاولة والمِران.
2 - وقد كان العرب أيام ازدهار الخطابة فيهم من أقوى الناس على الارتجال؛ قال الجاحظ في وصفهم: "وكل شيءٍ للعرب فهو بديهةٌ وارتجالٌ، وكأنه إلهامٌ، وليست هناك معاناة ولا مكابدة، ولا إجالةُ فكرٍ ولا استعانة، وإنما هو أن يصرف وهمه إلى الكلام، وإلى الرَّجْز يوم الخصام، أو حين أن يَمْتَحَ على رأس بئر، أو يحدو ببعير، أو عند المقارعة أو المُناقَلَة، فما هو إلا أن يصرف وهمه إلى جملة المذهب، وإلى العمود الذي إليه يقصد، فتأتيه المعاني أرسالاً، وتَنْثالُ عليه الألفاظ انثيالاً، ثم لا يقيِّده على نفسه، ولا يدرِّسه أحدًا من وَلَدِه... وكانوا أمِّيِّين لا يكتبون، ومطبوعين لا يتكلَّفون، وكان الكلام الجيِّد عندهم أَظْهَر وأكثر، وهم عليه أَقْدَر وأَقْهَر، وكلُّ واحدٍ في نفسه أَنْطَق، ومكانه من البيان أَرْفَع، وخطباؤهم أَوْجَز، والكلام عليهم أَسْهَل، هو عليهم أَيْسَر من أن يفتقروا إلى تحفُّظٍ، أو يحتاجوا إلى تَدارُسٍ، وليسوا كمَنْ حفظ علم غيره واحتذى كلامَ مَنْ كان قبله، فلم يحفظوا إلاَّ ما علق بقلوبهم، والتحم بصدورهم، واتَّصل بعقولهم من غير تكلُّفٍ ولا قصدٍ ولا تحفُّظٍ ولا طَلَبٍ".
3 - والمران على الارتجال يكون والعود أخضر، والعادات لم تتكوَّن، والنفس لم تَجْمُد على نحو خاص من أنحاء القول يخالفها، ولذا قيل: إن القدرة على الارتجال لا تتكوَّن بعد الأربعين، ويصعب أن تتكوَّن بعد الثلاثين؛ بل تتكوَّن في سنٍّ دون هذه السنِّ.
ويتربى الارتجال:
1 - بسماع الخطباء المرتجِلين الممتازين؛ لأنَّ السماع يحفِّز مَنْ عنده استعدادُ الكلام إليه، ولأنَّ فكر البشر يتغذَّى بالتَّقليد والمحاكاة.
2 - وبأن يأخذ نفسه من وقتٍ لآخر بالكلام مرتجِلاً، ويغشى الجماعات ويتقدَّم إلى القول؛ ليفُكَّ عقدةَ لسانه، ويزيل حَبْسَة الحياء.
ويرى (موريس آجام) أن تمرين مريد الخطابة على الارتجال: بأن يتكلَّم كل صباحٍ في موضوعٍ من الموضوعات لنفسه ولو ربع ساعة، فيتمرَّن جرسه وصوته.
3 - ومن أَمْثَل الطُّرق: أن يجتهد في ألاَّ يخطب من ورق، وأن يعرف ملخَّص ما يقول بعد تحضيره، فإذا دأب على ذلك، وواتته فطرةٌ قويةٌ واستعدادٌ قويمٌ - قوي على القول على البديهة من غير تحضيرٍ عند الاقتضاء.
4 - وعلى مريد الخطابة أن يستنصِحَ رفيقًا له؛ يدلّه على عيوبه، كما أن عليه أن يراقب نفسه مراقبةً تامةً، ويأخذ نفسه بالإصلاح، ولا يترك عادةً لا تُسْتَحْسَن تثبت وتنمو، وعليه ألاَّ يتقيَّد بعبارات خاصة، وإلا أثار سخرية الناس، ومَكَّن خصومَه من العبث بسُمْعَتِه البيانية.
[/align][/cell][/table1][/align]
عبدالله المهنا
الأفضل أكثرها تأثيراً على المستمعين .
تعديل التعليق