المعية الربانية وأثرها في تحقيق الأمن والسلام النفسي للفرد و المجتمع

الشيخ السيد مراد سلامة
1441/05/06 - 2020/01/01 21:26PM

Smiley face

المعية الربانية وأثرها
 في تحقيق الأمن والسلام النفسي للفرد و المجتمع
للشيخ
السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى

أما بعد :

إخوة الإسلام نعيش في هذا اليوم الطيب الميمون مع المعية الربانية وأثرها في تحقيق الأمن والسلام النفسي للفرد و المجتمع

فالكون من أصغر ذرة إلى أعظم مجرة يعيش في معيته سبحانه وتعالى

إذا كان الناس يفتخرون بالمعيات

فهذا يفتخر ويقول أنا معي مالي

وهذا يفتخر ويقول أنا معي منصبي

وأخر يقول أنا معي نسبي وحسبي

كل هذه المعيات قد تجلب العناء والشقاء والخوف والهم والحزن يقول الله تعالى {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة: 55]

إلا معية الله فإنها تجلب السعادة والرضا وتجلب الروح والفرح وتجلب العز والنصر

سر سعادة قلبك بأن تشعر أن الله راض عنك

اصبر قليلا، فبعد العسر تيسير وكل وقت له أمر وتدبير

هل الحياة إلا معه؟؟

هل العيش إلا في رحابه؟

هل السعادة الحقيقية إلا بين يديه؟؟

هل النعيم إلا في طاعته والإقبال عليه؟؟

اذا كان أكثر الناس يتفاخرون بمعية العظماء والكبراء والمشاهير، يلوذون بهم ويحتمون، وقد شغلتهم دنياهم عن ربهم، وغرهم سلطان البشر بمعية الناس عن معية رب الناس، فإن أهل الإيمان العقلاء، يتعلقون بمعية ربهم ومولاهم، فهي عزهم وفخارهم، يعملون لنيلها، ويرجون ثمارها، لقلوبهم ونفوسهم وحياتهم، ليسعدوا بكونه سبحانه معهم في كل حال ومكان وزمان. فإن شعور المؤمن أنه في كنف الله، مصحوبا بمعيته وعنايته، يطرد عنه شبح الوحدة المخيف، ويجعله في أُنْسٍ دائم بربه، ونعيمٍ موصولٍ بقربه. يقول الله تعالى في الحديث القدسي: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنِ اقْتَرَبَ إِلَيَّ شِبْرًا، اقْتَرَبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ” ([[1]])

اشـدُدْ يـديـك بحبـل الله معتصمــاً فإنـه الـرّكـنُ إن خـانـتْــك أركـــــانُ

من يتـقِ اللهَ يُـحمـدْ في عــواقبـه ويكْفِـه شـرّ من عَــزّوا ومن هانــوا

ومن استعـانَ بغيـر اللهِ في طلـب فـإنّ نـــاصــرَه عـجــــزٌ وخِــــــذلانُ

فمعية الله تعالى لخلقه ثابتة بالكتاب والسنة، وإجماع السلف، قال الله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد: 4]. وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: 128].

وقد أجمع السلف على إثبات معية الله تعالى لخلقه.

وهذه المعية أيها الإخوة حق على حقيقتها، لكنها معية تليق بالله تعالى ولا تشبه معية أي مخلوق لمخلوق لقوله تعالى عن نفسه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الشورى: 11] وقوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا } [مريم: 65] وقوله: ({وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4] وكسائر صفاته الثابتة له حقيقة على وجه يليق به ولا تشبه صفات المخلوقين.

قال ابن عبد البر: أهل السنة مجمعون على الصفات الواردة كلها في القرآن الكريم والسنة والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز إلا أنهم لا يكيفون شيئاً من ذلك ولا يحدون فيه صفة محدودة”. ا.هـ.

أنواع المعية

فالله – جل وعلا – فوق السماوات السبع، مُستوٍ على عرشه، بائنٌ من خلقه، ومعية الله لخلقه لا تُناقِضُ علُوَّه، وعلوُّهُ واستواؤه على عرشه لا يُنافِي معيَّتَهُ؛ لأن معيَّةَ الله لخلقه تكون على معنيين، هما:

النوع الأول: معيَّة عامة شاملة لجميع الخلق المؤمن والكافر: وهي بمعنى: أنه مع خلقه بعلمه، ومشيئته، وإحاطته، ونفوذ أمره، وقدرته، وقهره، وإحاطته، لا يغيب عنه شيءٌ، ولا يُعجِزُه.

كما في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.

وَقَوْلُهُ: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد: 4] .

النوع الثاني: معيَّة خاصة: وهي معيَّته لرسله – تعالى، وأوليائه بالنصر، والتأييد، والمحبة، والتوفيق، والإلهام؛ كقوله: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا}، وكقوله: {إِنَّ اللهَ مَعَ الذِيْنَ اتَّقَوْا وَالذِيْنَ هُمْ مُحْسِنُونَ}، فالمراد بالمعيَّة هنا: معيَّة الحفظ، والنصر، والعصمة من الأعداء.

( يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين) (البقرة:153)، أي إنَّ الله مع الصابرين بعونه وتوفيقه وتسديده وقال سبحانه  {إنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46] .

وقال سبحانه  {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} [النحل: 128] .

أثر المعية في تحقيق السلام النفسي

عندما يستشعر المؤمن و المؤمنة أنه يعيش في معية الله تبارك وتعالى يسير في هذه الحياة و هو يردد كلام العارفين إذا كان الله معك فمن عليك، وإذا كان عليك فمن معك ؟ وإذا تخلى الله عنك تخلى عنك أقرب الناس إليك، وإذا كان معك سخر لك ألد أعدائك، إذا كان الله معك كل من في الأرض معك، ألقى محبتك في قلوب الخلق، وإذا كان الله عليك، ألقى البغض في قلوب الخلق، ومن هاب الله هابه كل شيء، ومن أطاع الله أطاعه كل شيء ويردد بيقين الراسخين من نال معية الله ورضوانه فقد نال كل شيء، فإذا رضي الله عنه أرضى الناس وآمنه من شرهم،

أيها المسلم إن إحساس المسلم واستشعاره لمعية الله تعالى يجعله يعيش في راحة وطمأنينة وسكينة فهو لا يخاف إلا الله ولا يرجو إلا الله ولا يتوكل إلا على الله ولا يسال غير الله

لأن الله هو القوي فمن كان الله معه فمعه القوة التي لا تقهر، والفئة التي لا تغلب ولا تهزم، والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضل

معية الله تعالى لأنبيائه وأوليائه وأثرها على السلام والأمن النفسي

معية الله تعالى لخليله إبراهيم عليه السلام: إخوة العقيدة: إن الذي يقرأ قصة نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام – ليرى حقيقة المعية معية النصر والتمكين معية الأمان والسلام النفسي فإبراهيم عليه السلام كان يواجه أهل الكفر على اختلاف معتقداتهم فهو يواجه عبدة الأصنام والأوثان ويواجه عبدة الكواكب والنجوم وكل ثقة ويقين بمعية رب العالمين و لنأخذ مثالا على ذلك

قصة تكسير الأصنام و معية الله تعالى : عندما قام الخليل عليه السلام بتكسير تلك الأصنام ليلقن الكفار دراسا عمليا أن تلك الأصنام لا تنفع ولا تضر فهي لا تنفع ولا تدفع قرر أهل البغي و الطغيان أن يجعلوا إبراهيم عليه السلام عبرة لكل معتبر لذا قرروا قتله بأبشع أنواع القتل ألا وهو الإحراق في النار فجمعوا له نار عظيمة بلغت عنان السماء و جاء وقت التنفيذ وقد بدأ الاستعداد بإحراق إبراهيم عليه السلام وحفروا حفرة عظيمة ملأوها بالحطب والخشب والأشجار وأشعلوا فيها النار وأحضروا المنجنيق ليقذفوا إبراهيم فيها فقيدوا يداه وقدماه واشتعلت النار وتصاعد اللهب إلى السماء , وصدر أمرهم بإلقائه في النار وفي تلك اللحظة جاء جبريل عليه السلام ووقف عند رأس إبراهيم عليه السلام وسأله : يا إبراهيم .. ألك حاجة؟

قال إبراهيم عليه السلام: أما إليك فلا , لكنه فوض أمره من قلبه لخالقه الذي يراه فهو عالم به , صابرا ثابتا واثقا أن الله هو الحق وأن ما دونه هو الباطل فما إن نطق بتلك الكلمات وقال حسبي الله ونعم الوكيل إذ صعدت كالبرق قبل نزوله في تلك النار فكانت قدرة القادر الذي يقول كن فيكون ..

فأمر سبحانه النار أن تكون بردا وسلاما على إبراهيم فلم تمارس وظيفتها في الإحراق، بل أحرقت قيوده فقط ، وجلس إبراهيم وسطها وكأنه يجلس وسط حديقة غناء , يسبح بحمد ربه .

ولما انطفأت فوجئوا بإبراهيم يخرج سليما كما دخل ووجهه يتلألأ بالنور وثيابه كما هي لم تحترق وليس عليه أي أثر للحريق ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، فالخسارة للظالم المستبد والهلاك له، وهو قوله تعالى {وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ } [الأنبياء: 70]

الله لا يضيع أوليائه

في عصر الاضطراب النفسي وفي عصر كثرة في الأمراض النفسية الاكتئاب والقلق والأرق والضغط وغيرها من أمراض نفسية مصدرها الخوف من المستقبل والخوف على المستقبل يحتاج المسلم إلى معية الله تعالى وان الله لا يضيع أوليائه وأهل طاعته

يا ابن ادم إذا ضاقت عليك الدنيا فقل يا الله.

يا ابن ادم إذا تخلي الناس عنك فقل يا الله.

يا ابن ادم إذا نزلت بك شدة فقل يا الله.

يا ابن ادم إذا مرضت فقل يا الله.

يا ابن ادم إذا نمت على فراش الموت فقل يا الله.

يا ابن ادم إذا دخل عليك ملك الموت فقل يا الله.

يا ابن ادم إذا سألت فسأل الله.

يا ابن ادم إذا توكلت فتوكل علي الله.

إذا أوصدت الأبواب أمام الطلاب وأسدلت الستور في وجه السائلين صاحوا يا الله

إذا بارت الحيل وضاقت السبل وانتهت الآمال وتقطعت الحبال نادوا يا الله

إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت وضاقت عليك نفسك بما حملت فاهتف يا الله

ولقد ذكرتك والخطوب كوالح سود ووجه الدهر اغبر قاتم

فهتفت في الأسحار باسمك صارخا فإذا محيا كل فجر باسم

قال ابن القيم رحمه الله (إذا أصبح العبد و أمسى و ليس همه إلا الله وحده تحمل الله حوائجه كلها و حمل عنه كل ما أهمه وفرغ قلبه لمحبته و لسانه لذكره و جوارحه لطاعته ,و إن أصبح و أمسي و الدنيا همه حمله الله همومها و غمومها و أنكادها ووكله إلى نفسه فشغل قلبه عن محبته بمحبه الخلق و لسانه عن ذكره بذكرهم و جوارحه عن طاعته بخدمتهم و أشغالهم ,فهو يكدح كدح الوحوش في خدمة غيره كالكير ينفخ بطنه و يعصر أضلاعه في نفع غيره ,فكل من أعرض عن عبودية الله و طاعته و محبته بلىّ بعبودية المخلوق و طاعته و محبته )

فيامن تخاف على الحياة كن مع واهب الحياة

ويامن تخاف على مستقبلك ومستقبل أولادك كن مع الله واتق الله

ويامن تخاف الفقر والعيلة كن مع الرزاق تأتيك الأرزاق

هاجر عليها السلام واستشعارها لمعية الرزاق

إخوة الإسلام: من أروع صور استشعار معية الله التي تورث الأمن النفسي والأمن الروحي مشهد هاجر عليها السلام –عندما وضعها إبراهيم عليه السلام وسط صحراء قحلاء جرداء لا زرع فيها ولا ماء بل لا أنيس ولا جليس وضعها وترك له حفنة من تمر ستنفذ بعد أيام وجرعات من ماء لا تكفيها أياما

تركها وهو يعلم أن الله تعالى معها وأن الله تعالى لن يضيعها …… ترك المشهد ليحدثنا عن نفسه

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَوَّلُ مَا اتَّخَذَتِ النِّسَاءُ الْمِنْطَقَ مِنْ قِبَلِ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ، اتَّخَذَتْ مِنْطَقًا لِتُعَفِّيَ أَثَرَهَا عَلَى سَارَةَ، ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُرْضِعُهُ حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ الْبَيْتِ، عِنْدَ دَوْحَةٍ فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ، فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ، وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ، وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ، ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا، فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ، أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْمَوْضِعِ، لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ؟ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ لَهُ: آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَتْ: إِذًا لَا يُضَيِّعُنَا، ثُمَّ رَجَعَتْ، فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لَا يَرَوْنَهُ، اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ، ثُمَّ دَعَا بِهَذِهِ الدَّعَوَاتِ: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} [إبراهيم: 37]، حَتَّى {يَشْكُرُونَ} [إبراهيم: 37] وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إِسْمَاعِيلَ، وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ، عَطِشَتْ وَعَطِشَ ابْنُهَا، وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى، – أَوْ قَالَ: يَتَلَبَّطُ – فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَوَجَدَتِ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ يَلِيهَا، فَقَامَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَتِ الْوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا، فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَهَبَطَتْ مِنَ الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْوَادِيَ، رَفَعَتْ طَرْفَ دِرْعِهَا، وَسَعَتْ سَعْيَ الْإِنْسَانَ الْمَجْهُودِ حَتَّى جَاوَزَتِ الْوَادِيَ، ثُمَّ أَتَتِ الْمَرْوَةَ، فَقَامَتْ عَلَيْهَا، وَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا، فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلِذَلِكَ سَعَى النَّاسُ بَيْنَهُمَا» فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا فَقَالَتْ: صَهْ، تُرِيدُ نَفْسَهَا ثُمَّ تَسَمَّعَتْ، فَسَمِعَتْ أَيْضًا، ثُمَّ قَالَتْ: قَدْ أَسْمَعْتَ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غِوَاثٌ فَإِذَا بِالْمَلَكِ عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَمَ يَبْحَثُ بِعَقِبِهِ ـ أَوْ قَالَ بِجَنَاحِهِ ـ حَتَّى ظَهَرَ الْمَاءُ، فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ هَكَذَا، وَتَقُولُ بِيَدِهَا وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِنَ الْمَاءِ فِي سِقَائِهَا وَهِيَ تَغُورُ بِقَدْرِ مَا تَغْرِفُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ، أَوْ قَالَ لَمْ تَغْرِفَ مِنَ الْمَاءِ كَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا» قَالَ: فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا، فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ: لَا تَخَافُوا الضَّيْعَةَ، فَإِنَّ هَاهُنَا بَيْتُ اللَّهِ يَبْنِيهِ هَذَا الْغُلَامُ وَأَبُوهُ، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضَيِّعُ أَهْلَهُ،([2])

أقول قولي هذا و استغفر الله لي و لكم إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

أما بعد :

معية الله مع خليله و حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم و اثرها على الجانب النفسي

أيها الأحباب  انظروا إلى أثر المعية مع خير البرية إمام الأتقياء و سيد الأصفياء كيف تجلت المعية الربانية في حمايته و نصرته صلى الله عليه وسلم {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 40] سكينة نزلت  على النفس فاستقرت و استراحت و اطمأنت لأن الله معنا

وجنود اخذوا بأبصار الكفار فلم يرو النبي المختار و هو في الغار صلوا على سيد الأبرار صلى الله عليه وسلم

يقول عائض القرني :المختار في الغار ، أحاط به الكفار ، فقال الصِدِّيق هم على مسافة أشبار ، ونخشى من الدمار ، فقال الواثق بالقهار ، إن الله معنا ، وهو يسمعنا ، ويحمينا كما جمعنا .

هي الأيام والغير

أتيأس أن ترى فرجاً

وأمر الله ينتظر

فأين الله والقدر

قل لمن في حضيض اليأس سقطوا ، وعلى الشؤم هبطوا،وفي مسألة القدر غلطوا ، اعلموا أنه ينزل الغيث من بعد ما قنطوا ، كان بلال يسحب على الرمضاء ، ثم رفع على الكعبة لرفع النداء ، وإسماع الأرض صوت السماء .كان يوسف مسجوناً في الدهليز، ثم ملك مصر بعد العزيز ، كان عمر يرعى الغنم في مكة ، ثم نشر بالعدل مُلكه ، وطبعت باسمه السَّكة ، وهو الذي قطع حبل الجور وفكَّه ، وسحق صرح الطغيان ودكَّه .

إن الله معنا و هو يسمعنا و يبصرنا فكن منه على حذر حتى لا تقع في الخطر و ينالك الضرر

الدعاء...............................

[1] - أخرجه : البخاري 9/147 (7405) ، ومسلم 8/62 (2675)

[2] - البخاري (3/147 و4/172)

المرفقات

الربانية-وأثرها-في-تحقيق-الأمن-والسلا

الربانية-وأثرها-في-تحقيق-الأمن-والسلا

المشاهدات 3708 | التعليقات 0