وَقَفَاتٌ مَعَ حَدِيثِ: ( مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ )

مبارك العشوان 1
1441/04/01 - 2019/11/28 08:45AM

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيْهِ، وَنَعُوْذُ بِهِ تَعَالَى مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى أيُّهَا النَّاسُ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

اِتَّقُوا اللهَ - رَحِمَكُمُ اللهُ -، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا.

عِبَادَ اللهِ: رَوَى الإِمَامُ  مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُـــــولُ: ( مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ، وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ ).

عِبَادَ اللهِ: السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ؛ هُمَا وَاجِبُ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، وَهُمَا سَبِيلُ فَلَاحِهْمْ: { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } النور 51  

( سَمِعْنَا، وَأَطَعْنَا ) كَلِمَتَانِ اِجْعَلْهُمَا - وَفَّقَكَ اللهُ - شِعَارًا لَكَ مَعَ أَوَامِرِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا وَنَوَاهِيهِ، وَأَوَامِرِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَنَوَاهِيهِ؛ فَامْتَثِلِ الْأَمْرَ؛ وَاجِبًا كَانَ أَمْ مُسْتَحَبًّا؛ وَاجْتَنِبِ النَّهْيَ مُحَرَّمًا كَانَ أَمْ مَكْرُوهًا؛ يَقُولُ الشَّيْخُ ابْنُ عُثَيْمِينَ رَحِمَهُ اللهُ: قُلْ: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، إِنْ كَانَ لِلْوُجُوبِ فَقَدْ أَثَابَكَ اللهُ عَلَيهِ ثَوَابَ الوَاجِبِ، وَإِنْ كَانَ لِلْاِسْتِحْبَابِ أَثَابَكَ اللهُ عَلَيهِ ثَوَابَ المُسْتَحَبِّ... وَيَقُولُ: وَلِهَذَا لَا أَعْلَمُ أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - كَانُوا يَقُولُونَ إِذَا أَمَرَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بِأَمْرٍ : يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌ أَوْ وَاجِبٌ ؟ وَإِذَا نَهَى عَنْ شَيءٍ يَقُولُونَ: هَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ أَوْ حَرَامٌ ؟ مَا عَلِمْتُ هَذَا... الخ.

عِبَادَ اللهِ: أمَّا الضِّدُّ مِنْ ذَلِكَ - مَعْصِيَةُ اللهِ وَرَسُولِهِ - فَقَدْ ذَكَرَهَا اللهُ تَعَالَى عَنْ شِرَارِ خَلْقِهِ؛ ذَكَرَهَا عَنِ اليَهُودِ أَخْزَاهُمُ اللهُ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلاً } النساء 46  

التَّهَاوُنُ بِالوَاجِبَاتِ وَتَرْكُهَا، وَبِالمُحَرَّمَاتِ وَارْتِكَابُهَا، مِنْ أَخْطَرِ مَا يَكُونُ عَلَى مُرْتَكِبِهَا؛ وَهُوَ يُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِوَعِيدِ اللهِ فِي قَوْلِهِ: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }النور 63.

إِذَا عَرَضَتْ لَكَ المَعْصِيَةُ؛ فَاذْكُرْ قَوْلَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: { إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }يونس15

{ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ }الحشر16

إِذَا خَلَوْتَ بِمَعْصِيَةِ اللهِ؛ فَاذْكُرْ قَوْلَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: { أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرَى } العلق 14  حَاذِرْ مَعْصِيَةَ اللهِ يَا عَبْدَ اللهِ، أَنْ تَتَجَرَّأَ عَلَيْهَا وَرَبُّكَ جَلَّ وَعَلَا يَرَاكَ؛ فَإِنْ غَلَبَكَ عَدُوُّكَ، وَأَوْقَعَكَ الشَّيْطَانُ فِي عِصْيَانِ رَبِّكَ، فَحَذَارِ حَذَارِ أَنْ تُقَابِلَ ربَّكَ بِمَعَاصِيْكَ قَبْلَ تَوْبَةٍ نَصُوحٍ تَمْحُوهَا. ( كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ ).أخرجه الترمذي وحسنه الألباني.

لَا يَسْلَمُ مِنَ الذَّنْبِ أَحَدٌ، وَلَكِنَّ المُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ نَدِمَ عَلَى ذَنْبِهِ، وَخَافَ مَقَامَ رَبِّهِ، وَدَفَعَهُ خَطَؤُهُ إِلَى الِاسْتِغْفَارِ، وَالتَّوْبَةِ، وَالتَّزَوُّدِ مِنَ الحَسَنَاتِ، ليُذْهِبَ بِهَا السَّيِّئَاتِ؛ كَمَا وَصَفَ اللهُ عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ: { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ، أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ } آل عمران 135، 136

أَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى لِي وَلَكُمْ مِنْ فَضْلِهِ العَظِيْمِ، وَأَنْ يُبَارِكَ لَنَا فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَيَنْفَعَنَا بِمَا فِيْهِ مِنَ الْآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيْمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.

  

 الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ. أَمَّا بَعْدُ:

فَهَذِهِ عِبَادَ اللهِ حَالُ المُؤْمِنِينَ؛ يَحْذَرُونَ الذُّنُوبَ، فَإِنْ وَقَعُوا نَدِمُوا وَاسْتَغْفَرُوا، أَمَّا حَالُ المُنَافِقِينَ - أَعَاذَنِي اللهُ وَإيَّاكُمْ مِنْ حَالِهِم - فَيَقْتَرِفُ أحَدُهُم المَعْصِيَةَ تِلْوَ المَعْصِيَةِ؛ وَلَا يَعُدُّ ذَلِكَ شَيْئًا، وَفِي البُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ( إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ فَقَالَ بِهِ هَكَذَا...). 

إِنَّنَا - عِبَادَ اللهِ - عَلَى خَطَرٍ مِنْ ذُنُوبٍ اِحْتَقَرْنَاهَا، وَاسْتَهَنَّا بِارْتِكَابِهَا، عَلَى خَطَرٍ مِنْ مَعَاصٍ جَاهَرْنَا بِهَا، وَمَعَاصٍ  أَصْرَرْنَا عَلَيْهَا. يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّـــمَ مُحَذِّرًا: ( إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ  وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ ) أخرجه الإمام أحمد وصححه شعيب الأرنؤوط  وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يَا عَائِشَةُ إِيَّاكِ وَمُحَقَّرَاتِ الْأَعْمَالِ، فَإِنَّ لَهَا مِنَ اللهِ طَالِبًا ). أخرجه ابن حبان وقال الألباني صحيح.  وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ ) رواه البخاري.

أَرَأَيْتُمْ - عِبَادَ اللهِ - عِظَمَ الخَطَرِ فِي اِحْتِقَارِ المَعْصِيَةِ، وَالإِصْرَارِ عَلَيْهَا، وَالفَرَحِ وَالمُجَاهَرَةِ بِهَا؛ بُعْدٌ عَنِ العَافِيَةِ؛ وَتَعَرُّضٌ لِلْهَلَاكِ.

أَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى لِي وَلَكُمُ العَافِيَةَ.

اللَّهُمَّ اِقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيْكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }الأحزاب 56

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

المشاهدات 2419 | التعليقات 0