خطبة حياة الصحابة أنموذج تطبيقي لصحيح الإسلام

الشيخ السيد مراد سلامة
1441/03/07 - 2019/11/04 16:44PM

Smiley face

خطبة حياة الصحابة أنموذج تطبيقي لصحيح الإسلام
الشيخ السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى

أمة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم-: نعيش في هذا اليوم الطيب الميمون مع خيرة خلق الله تعالى من خلقه بعد الأنبياء والمرسلين إنهم أصحاب النبي الأمين صلى الله عليه وسلم من اصطفاهم الله تعالى لصحبة نبيه ونصرة دينه وحملة شريعته -رضي الله عنهم أجمعين -

قل خير قول في الصحابة كلهم ...   ولاتك طعانا تعيب وتجرح
فقد نطق الوحي المبين بفضلهم ...   وفي الفتح أي للصحابة تمدح
أولئك قوم قد عفا الله عنهم ...        فأحببهم فإنك تفرح
أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم-صفوة الله من خلقة

قال الله تعالى: [كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ] آل عمران 110.

يقول القرطبي – رحمه الله - أن الخطاب في هذه الآية موجه لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وهذا لا شك يدل على فضلهم ومكانتهم، قال حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: [كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ] قال: هم الذي هاجروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة وشهدوا بدراً والحديبية ([1]).

أمة الإسلام لقد أثنى الله تعالى على أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- في الكتب السماوية و ضرب لهم أروع الأمثال فقال الكبير المتعال::{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} الفتح 29

عن أبي موسى الأشعري، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:(النجوم أمَنةٌ للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يوعدون، وأنا أمَنَةٌ لأصحابي، فإذا ذهبت أنا أتى أصحابي ما يوعدون وأصحابي أمَنَةٌ لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يُوعَدُون) ([2])

فهيا أيها الأحباب لنرى كيف ترجم الصحابة الإسلام في أخلاقهم وأعمالهم كيف أصبحت حركاتهم وسكناتهم داعية الإسلام مترجمة للقران وسنة النبي العدنان –صلى الله عليه وسلم-

أولا: صدق الصحابة رضي الله عنهم أجمعين  : إخوة الإيمان الصدق من الأخلاق الرفيعة التي دعا إليها الله تعالى في كتابه و حثنا عليه إمام الصادقين صلى الله عليه و سلم  واعلموا أن الله تعالى امتدح الصدق و الصادقين في غير ما آية من القران الكريم فامر الله تعالى المؤمنين بالصدق فال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِين}

. الصدق من صفات الله عز وجل: قال سبحانه: ﴿ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ ﴾. ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ﴾. ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ﴾.

الصدق من صفات الأنبياء والرسل: فالصدق من صفات الأنبياء و الرسل قال  ﴿ هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ﴾.

قال إبراهيم –عليه الصلاة و السلام-: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ﴾ [الشعراء: 83، 84]. ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا ﴾ [مريم: 41].

الصحابة رضي الله عنهم أجمعين والصدق

اعلم بارك الله فيك: أن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين قد استطاعوا أن يجسدوا الصدق في أفعالهم وأخلاقهم حتى أصبحوا قدوة للعالمين ودعاة إلى الإسلام بالفعال لا بالأقوال فحسب هيا نرى ذلك

قال الله تعالى {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا } [الأحزاب: 23، 24]

قال أنس: عمِّى الذي سُميت به لم يشهد مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدراً. قال: فشق عليه. قال: أول مشهد شهده رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غُيّبت عنه. وإن أراني الله مشهداً، فيما بعد، مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ليراني الله ما أصنع. قال: فهاب أن يقول غيرها. قال: فشهد مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم أحد. قال: فاستقبل سعد بن معاذ. فقال له أنس: يا أبا عمر! أين؟ فقال: واهاً لريح الجنة. أجده دون أحد. قال: فقاتلهم حتى قُتل. قال: فوُجد في جسده بضع وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية. قال فقالت أخته: عمتي الرُّبيّع بنت النضر: فما عرفت أخي إلا ببنانه. ونزلت هذه الآية: (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديل) قال: فكانوا يُرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه. ([3])

وعن شداد بن الهاد: أن رجلا من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله وسلم فآمن به واتبعه، ثم قال أهاجر معك فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه، فلما كانت غزوة غنم النبي صلى الله عليه وسلم سبياً فقسم وقسم له فأعطى أصحابه ما قسم له، وكان يرعى ظهرهم، فلما جاء دفعوه إليه فقال: ما هذا؟ قالوا: قسم قسمه لك النبي صلى الله عليه وسلم فأخذه فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هذا؟ قال: قسمته لك قال: ما على هذا اتبعتك، ولكني اتبعتك على أن أرمى إلى ها هنا وأشار إلى حلقه بسهم فأموت فأدخل الجنة، فقال: إن تصدق الله يصدقك. فلبثوا قليلاً ثم نهضوا في قتال العدو فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم يحمل قد أصابه سهم حيث أشار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أهو هو قالوا: نعم، قال: صدق الله فصدقه: ثم كفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبة النبي صلى الله عليه وسلم ثم قدمه عليه، فكان فيما ظهر من صلاته اللهم هذا عبدك خرج مهاجراً في سبيلك فقتل شهيداً أنا شهيد على ذلك. رواه النسائي وقال الشيخ الألباني:

صدق بلال رضي الله عنه في إجابته لمن سأله عن حال أخيه عندما أراد يتزوج منهم

 و ها هو بلال رضي الله عنه يترجم معنى الصدق في الأخبار بحاله و حال أخيه فعن عن عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، أَنَّ أَخًا لِبِلَالٍ كَانَ يَنْتَمِي إِلَى الْعَرَبِ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ مِنْهُمْ، فَخَطَبَ امْرَأَةً مِنَ الْعَرَبِ فَقَالُوا: إِنْ حَضَرَ بِلَالٌ زَوَّجْنَاكَ، قَالَ: فَحَضَرَ بِلَالٌ فَقَالَ: «أَنَا بِلَالُ بْنُ رَبَاحٍ، وَهَذَا أَخِي وَهُوَ امْرُؤٌ سَيِّئُ الْخُلُقِ وَالدِّينِ، فَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ تُزَوِّجُوهُ فَزَوِّجُوهُ، وَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ تَدَعُوا فَدَعُوا» فَقَالُوا: مَنْ تَكُنْ أَخَاهُ نُزَوِّجُهُ فَزَوَّجُوهُ «([4])

عبد الله بن جحش رضي الله عنه:

 وها هي أيها الإخوة صورة من أروع صور الصدق مع الله تعالى فعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ، قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ: أَلَا تَأْتِي نَدْعُو اللَّهَ، فَخَلَوْا فِي نَاحِيَةٍ، فَدَعَا سَعْدٌ فَقَالَ: يَا رَبِّ إِذَا لَقِينَا الْقَوْمَ غَدًا، فَلَقِّنِي رَجُلًا شَدِيدًا بَأْسُهُ شَدِيدًا حَرْدُهُ، فَأُقَاتِلُهُ فِيكَ وَيُقَاتِلُنِي، ثُمَّ ارْزُقْنِي عَلَيْهِ الظَّفَرَ حَتَّى أَقْتُلَهُ، وَآخُذَ سَلَبَهُ، فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ ثُمَّ، قَالَ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي غَدًا رَجُلًا شَدِيدًا حَرْدُهُ، شَدِيدًا بَأْسُهُ، أُقَاتِلُهُ فِيكَ وَيُقَاتِلُنَي، ثُمَّ يَأْخُذُنِي فَيَجْدَعُ أَنْفِي وَأُذُنِي، فَإِذَا لَقِيتُكَ غَدًا قُلْتَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ فِيمَ جُدِعَ أَنْفُكَ وَأُذُنُكَ؟ فَأَقُولُ: فِيكَ وَفِي رَسُولِكَ، فَيَقُولُ: صَدَقْتَ. قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: يَا بُنَيَّ كَانَتْ «دَعْوَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ خَيْرًا مِنْ دَعْوَتِي، لَقَدْ رَأَيْتُهُ آخِرَ النَّهَارِ، وَإِنَّ أُذُنَهُ وَأَنْفَهُ لَمُعَلَّقَانِ فِي خَيْطٍ». ([5])

ثانيا إيثار صحابة النبي المختار-صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أجمعين

والإيثار محمود، بل أنه من أكمل أنواع الجود والكرم، لأنه ليس من السهل على النفس أن تبذل شيئاً لغيرها، فكيف إذا كان هذا الشيء تحتاجه النفس وترغب فيه ؟ لا شك أن ذلك يحتاج إلى إيمان قوي يجعل صاحبه يؤثر غيره على نفسه, وقد تحلى بهذا الخلق الكريم : الصحابة رضي الله عنهم, قال الله عز وجل عن الأنصار رضي الله عنهم : {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [الحشر: 9]

قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله : وقوله : {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة  }أي : ومن أوصاف الأنصار التي فاقوا بها غيرهم, وتميزوا بها عمن سواهم : الإيثار, وهو أكمل أنواع الجود, وهو الإيثار بمحاب النفس من الأموال وغيرها, وبذلها للغير مع الحاجة إليها, بل مع الضرورة والخصاصة, وهذا لا يكون إلا من خلق زكي, ومحبة لله تعالى, مقدمة على شهوات النفس ولذاتها.

إيثار رجل من الأنصار ضيفه: و من صور الإيثار التي ضحك من العزيز الجبار و ضحك منها حبيبنا المختار صلى الله عليه وسلم قصة أهل بيت من الأنصار مع ضيفه  عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ فَقُلْنَ: مَا مَعَنَا إِلَّا المَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَضُمُّ أَوْ يُضِيفُ هَذَا»، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنَا، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي، فَقَالَ: هَيِّئِي طَعَامَكِ، وَأَصْبِحِي سِرَاجَكِ، وَنَوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً، فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا، وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا، وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا، ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ، فَجَعَلاَ يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلاَنِ، فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «ضَحِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ، أَوْ عَجِبَ، مِنْ فَعَالِكُمَا» فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} [الحشر: 9]. ([6])

إيثار عائشة لعمر رضي الله عنهما

 ولم يكن الإيثار من أخلاق الرجال فحسب بالمرأة المسلمة ضربت في ذلك المجال بسهم فها هي أمنا عائشة رضي الله عنها تؤثر عمر رضي الله عنه كما في حديث ع عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الأَوْدِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، اذْهَبْ إِلَى أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَقُلْ: يَقْرَأُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ عَلَيْكِ السَّلاَمَ، ثُمَّ سَلْهَا، أَنْ أُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيَّ، قَالَتْ: كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي فَلَأُوثِرَنَّهُ اليَوْمَ عَلَى نَفْسِي، فَلَمَّا أَقْبَلَ، قَالَ: لَهُ مَا لَدَيْكَ؟ قَالَ: أَذِنَتْ لَكَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، قَالَ: " مَا كَانَ شَيْءٌ أَهَمَّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ المَضْجَعِ، فَإِذَا قُبِضْتُ فَاحْمِلُونِي، ثُمَّ سَلِّمُوا، ثُمَّ قُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، فَإِنْ أَذِنَتْ لِي، فَادْفِنُونِي، وَإِلَّا فَرُدُّونِي إِلَى مَقَابِرِ المُسْلِمِينَ،.  ([7])

إيثار جابر بن عبدالله رضي الله عنه لأخواته, وزواجه بالثيب من أجلهن

 و الإيثار بين الإخوة من روبط المحبة و الألفة و ها هو سيدنا جابر رضي الله عنه-  يقدم لنا نوعا أخر من أنواع الإيثار عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: هَلَكَ أَبِي وَتَرَكَ سَبْعَ بَنَاتٍ أَوْ تِسْعَ بَنَاتٍ، فَتَزَوَّجْتُ امْرَأَةً ثَيِّبًا، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَزَوَّجْتَ يَا جَابِرُ» فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: «بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟» قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبًا، قَالَ: «فَهَلَّا جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ، وَتُضَاحِكُهَا وَتُضَاحِكُكَ» قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ هَلَكَ، وَتَرَكَ بَنَاتٍ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَجِيئَهُنَّ بِمِثْلِهِنَّ، فَتَزَوَّجْتُ امْرَأَةً تَقُومُ عَلَيْهِنَّ وَتُصْلِحُهُنَّ، فَقَالَ: «بَارَكَ اللَّهُ لَكَ» أَوْ قَالَ: «خَيْرًا» ([8])

ثالثا عدل الصحابة رضي الله عنهم أجمعين:

اعلم علمني الله وإياك: أن العدل ضد الجور وهو الاعتدال والاستقامة والميل إلى الحق . 

وشرعا: هو الاستقامة على طريق الحق بالاجتناب عما هو محظور دينا.

فهو سبحانه وتعالى شرع الشرائع بحكمته وعدله فمن عدالته سبحانه في خلقه ، أن يقتل القاتل ويقطع السارق ويجلد شارب الخمر والزاني ويرجم المحصن يقول سبحانه)  ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب ( [ البقرة 179 ] . ومن عدله يوم القيامة أنه لا يظلم الناس شيئا ، يقول سبحانه وتعالي ) ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفي بنا حاسبين ( [ الأنبياء 47 ]

قال تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [المائدة: 8]: أي قد فرضت عليكم العدل فرضا لا هوادة فيه ، اعدلوا هو - أي العدل المفهوم من " اعدلوا " - أقرب لتقوى الله ; أي لاتقاء عقابه وسخطه باتقاء معصيته

العدل مع أبغضُ الخلق إلى الإنسان

 و لسان العدل لا يحابي أحدا على أحد بل الكل أمام الله سواء فلا يظلم إنسان لجنسه أو للغته أو لدينه ومعتقده وقد  قدم لنا الصحابة أروع  قصص العدل مع العدو قبل الصديق عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّهُ قَالَ: " أَفَاءَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْبَرَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقَرَّهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا كَانُوا، وَجَعَلَهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، فَبَعَثَ عَبْدَ اللهِ بْنَ رَوَاحَةَ، فَخَرَصَهَا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، أَنْتُمْ أَبْغَضُ الْخَلْقِ إِلَيَّ، قَتَلْتُمْ أَنْبِيَاءَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَذَبْتُمْ عَلَى اللهِ، وَلَيْسَ يَحْمِلُنِي بُغْضِي إِيَّاكُمْ عَلَى أَنْ أَحِيفَ عَلَيْكُمْ، قَدْ خَرَصْتُ عِشْرِينَ أَلْفَ وَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ، فَإِنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ فَلِي، فَقَالَوا: بِهَذَا قَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، قَدْ أَخَذْنَا، فَاخْرُجُوا عَنَّا " ([9])

أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.

أما بعد:

عدل عمر بن الخطاب رضي الله عنه: -

ومن أئمة العدل عمر رضي الله عنه فقد أقام العدل بين الرعية و لم يفرق بين أمير و لا خفير ولا غني ولا فقير فعن عطاء: قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأمر عماله أن يوافوه بالموسم، فإذا اجتمعوا قال: "أيها الناس، إني لم أبعث عمالي عليكم ليصيبوا من أبشاركم ولا من أموالكم، إنما بعثتهم ليحجِزوا بينكم، وليقسموا فيئكم بينكم. فمن فعل به غير ذلك فليقم. فما قام أحد إلا رجل واحد قام، فقال: يا أمير المؤمنين، إنَّ عاملك فلانا ضربني مائة سوط. قال: فيم ضربته؟ قم فاقتص منه. فقام عمرو بن العاص فقال: يا أمير المؤمنين إنك إن فعلت هذا يكثر عليك ويكون سنة يأخذ بها من بعدك. فقال: أنا لا أُقيد وقد رأيت رسول الله يقيد من نفسه. قال: فدعنا فلنرضه. قال: دونكم فأرضوه. فافتدى منه بمائتي دينار. كل سوط بدينارين" ([10])

أخرج البيهقي عن جريرا أن رجلا كان مع أبي موسى – رضي الله عنهما – فغنموا مغنما فأعطاه أبو موسى نصيبه ولم يوفه ، فأبى أن يأخذه إلا جميعه ، فضربه أبو موسى عشرين سوطا وحلق رأسه فجمع شعره ، وذهب به إلى عمر رضي الله عنه فأخرج شعرا من جيبه فضرب به صدر عمر ،قال ، مالك ؛ فذكر قصته ، فكتب عمر إلى أبي موسى رضي الله عنه: " سلام عليك أما بعد ، فإن فلان ابن فلان أخبرني بكذا وكذا ، وإني أقسم عليك إن كنت فعلت ما فعلت في ملأ من الناس !! جلست له في ملأ من الناس فأقتص منك ، وإن وكنت فعلت ما فعلت في خلا ، فاقعد له في خلاء فليقتص منك : فلما دفع إليه الكتاب قعد للقصاص ، فقال الرجل : قد عفوت عنه لله . ([11]

عدل علي رضي الله عنه: - افتقد علي رضي الله عنه درعًا له في يوم من الأيام، ووجده عند يهودي، فقال لليهودي: "الدرع درعي لم أبع ولم أهب. فقال اليهودي: درعي وفي يدي، فقال: نصير إلى القاضي، فتقدَّم علي فجلس إلى جنب شريح، وقال: لولا أنَّ خصمي يهودي لاستويت معه في المجلس، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «وأصغروهم من حيث أصغرهم الله». فقال شريح: قل يا أمير المؤمنين. فقال: نعم، هذه الدرع التي في يد هذا اليهودي درعي لم أبع ولم أهب، فقال شريح: إيش تقول يا يهودي؟ قال: درعي وفي يدي. فقال شريح: ألك بينة يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم؛ قَنْبَر والحسن يشهدان أنَّ الدرع درعي. فقال شريح: شهادة الابن لا تجوز للأب. فقال علي: رجل من أهل الجنة لا تجوز شهادته؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة». فقال اليهودي: أمير المؤمنين قدَّمني إلى قاضيه، وقاضيه قضى عليه، أشهد أنَّ هذا هو الحقُّ، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا رسول الله، وأنَّ الدرع درعك"  ([12])

عن كليب قال : قدم علي رضي الله عنه مال من أصبهان فقسمه على سبعة أسهم ، فوجد فيه رغيفا فكسره على سبعه وجعل كل قسم منها كسرة ، ثم دعا الأمراء الأسباع فأقرع بينهم لينظر أيهم يعطى أولا . )([13])

عن عيسي بن عبد الله الهاشمي عن أبيه عن جده قال : أتت عليا امرأتان تسألانه عربية ومولاه لها فأمر لكل واحدة منها بكر ، من طعام وأربعين درهما ، أربعين درهما ، فأخذت المولاة الذي أعطيت وذهبت ، وقالت العربية يا أمير المؤمنين : تعطيني مثل الذي أعطيت هذه وأنا عربية وهي مولاة ؛!! قال لها علي رضي الله عنه : إني نظرت في كتاب الله عز وجل فلم أر فيه فضلا لولد إسماعيل على ولد إسحاق عليهما السلام  )([14])

عدل عثمان رضي الله عنه وحرصه على إقامته .

 و من رواع عثمان رضي الله عنه إقامة القصاص على نفسه أخرج السمان في الموافقة عن أبي الفرات قال : كان لعثمان رضي الله عنه عبد فقال له : إني كنت عركت أذنك فاقتص مني ، فأخذ بأذنه ثم قال عثمان رضي الله عنه اشدد يا حبذا الله قصاص في الدنيا لا قصاص في الآخرة . ([15])

رسالة إلى الآباء والأمهات: أيها الآباء علموا أولادكم سير أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم اخبروهم بصدقهم و عدلهم و خوفهم من الله تعالى ....

أيها الآباء إن أبنائنا قد حاد كثير منهم عن الصراط المستقيم لذا نراهم يتهافتون على تقليد الفنانين والفنانات والساقطين والساقطات لأنهم لم تقدم لهم القدوة الحسنة لأنهم لم يربوا على سيرة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين

لأنهم تربوا على الأفلام والمسلسلات التي تدعو إلى الرذيلة وتحارب الفضيلة

أيها الآباء أدبوا أبنائكم على حب نبيكم وحب آل نبيكم وعلى محبة أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم

الدعاء ...................................................................

[1] - القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: 4/ 166

[2] - أخرجه أحمد (4/398 ، رقم 19584) ، ومسلم (4/1961 ، رقم 2531) . وأخرجه أيضًا : البزار (8/104 ، رقم 3102) ، وابن حبان (16/234 ، رقم 7249)

[3] -(صحيح مسلم 3/1512 - ك الإمارة، ب ثبوت الجنة للشهيد) ، (صحيح الطبري 8/377 ح4783 - ك التفسير -

[4] -الحاكم في مستدركه ج3/ص320 ح5237

[5] - أخرجه الحاكم في المستدرك (3/ 160). رواه: وأبو نعيم في الحلية (1 - 108)

[6] - البخاري-الفتح 7 (3798) واللفظ له، ومسلم (2054) .

[7] -أخرجه البخاري (7328)

[8] - البخاري (5/2009، رقم 4949) ، ومسلم (2/1087 ، رقم 715)

[9] - مسند أحمد ط الرسالة (23/ 210) وأخرجه أبو داود (3414)

[10] - رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى: [3/293] من حديث عطاء

[11] - جامع الأحاديث - (25 / 467)  كنز العمال 40180]أخرجه البيهقي (8 /50) . ح  15806.

[12] -(ذكره السيوطي في تاريخ الخلفاء: [142]،

[13] - جامع الأحاديث - (31 / 240)[كنز العمال 14347]أخرجه البيهقي (6/348 ، رقم 12768) ، وابن عساكر (42/476)

[14] - جامع الأحاديث - (29 / 247)[كنز العمال 17059]أخرجه البيهقي (6/349 ، رقم 9)

[15] - حياة الصحابة ص307.   عثمان بن عفان تأليف محمد رضا ص 37،و ربيع الأبرار - (1 / 281)

المرفقات

حياة-الصحابة-أنموذج-تطبيقي-لصحيح-الإس

حياة-الصحابة-أنموذج-تطبيقي-لصحيح-الإس

المشاهدات 2001 | التعليقات 0