الدَّرْسُ الأَوَّلُ: مِنْ فَضَائِلِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ.
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، أمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ مِنْ فَضْلِ اللهِ تَعَالَى وَكَرَمِهِ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ أَنْ عَوَّضَهَا فِي قِصَرِ أَعْمَارِهَا: بِمَوَاسِمَ عَظِيمَةٍ، وَأَعْمَالٍ جَلِيلَةٍ، يُضَاعِفُ بِهَا أُجُورَهُم، فَمَنْ وُفِّقَ لَهَا وَاغْتَنَمَهَا فَكَأَنَّمَا رُزِقَ عُمُرًا طَوِيلًا.
وَمِنْ تِلْكَ الْمَوَاسِمِ: لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وَمِنْهَا: هَذِهِ العَشْرُ الْمُبَارَكَةُ؛ فَقَدْ جَاءَ فِي فَضْلِهَا؛ قَولُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَــلَيهِ وَسَلَّمَ: ( مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ ) يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: ( وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْء ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاودَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.
أَيَّامٌ قَلِيلٌ عَدَدُهَا؛ عَظِيمٌ شَأنُهَا، أَقْسَمَ اللهُ تَعَالَى بِهَا؛ فَقَالَ: { وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ } الفجر 2،1.
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ: الْمُرَادُ بِهَا عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ.
وَيَقُولُ ابْنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ: وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ السَّبَبَ فِي امْتِيَازِ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ: لِمَكَانِ اجْتِمَاعِ أُمَّهَاتِ العِبَادَةِ فِيهِ، وَهِيَ: الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ وَالحَجُّ، وَلَا يِأْتِي ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ.
أَخِي الْمُسْلِمُ: لَيْسَتْ هَذِهِ العَشْرُ مِنْ عَشْرِ رَمَضَانَ بِبَعِيْدٍ؛ بَلْ إنَّ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ- رَحِمَهُ اللهُ- لَمَّا سُئِلَ عَنْهَا وَعَنْ عَشْرِ رَمَضَانَ الأَخِيْرَةِ؛ قَالَ: أيَّامُ عَشْرِ ذِيْ الحِجَّةِ أَفْضَلُ مِنْ أيَّامِ العَشْرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَاللَّيالِي العَشْرُ الأَوَاخِرُ مِنْ رَمَضَانَ أفْضَلُ مِنْ لَيَالِي عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ. ا ه.
وَقَدْ كَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ إِذَا دَخَلَ أَيَّامُ الْعَشْرِ اجْتَهَدَ اجْتِهَادًا شَدِيدًا حَتَّى مَا يَكَادُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ.
أَلَا فَاحْمَدِ اللهَ أخِي الْمُسْلِمُ؛ وَقَدْ مَنَّ عَلَيْكَ بِبُلُوغِ هَذِهِ الأَيَّامِ؛ اِغْتَنِمْهَا، وَمَيِّزْهَا بِكَثْرَةِ العَمَلِ وَإِحْسَانِهِ، وَلَا تُفَرِّطْ فِي لَحْظَةٍ مِنْها إِلَّا فِيْمَا يُقَرِّبُكَ إِلَى اللهِ تَعَالَى.
اِجْتَهِدْ فِي الفَرَائِضِ، وَأَكْثِرْ مِنَ النَّوَافِلِ: فَفَي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ أنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: ( وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ… ) أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِينَا لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أجْمَعِين.
الدَّرْسُ الثَّانِي: الْمُسَارَعَةُ لِلْخَيْرَاتِ.
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، أمَّا بَعْدُ: فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَحَابَتِهِ يَومًا: ( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَا، قَالَ: فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَا، قَالَ: فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَا، قَالَ: فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ، إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ ). أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
فَلْيَكُنْ لَكَ ـ أَخِي الْمُسْلِمُ ـ أُسْوةٌ حَسَنَةٌ فِي صَحْبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ إِذَا أصْبَحْتَ فَتَلَمَّسْ فُرَصَ الطَّاعَاتِ، سَارِعْ إِلَى الخَيْرَاتِ، وَسَابِقْ إِلَيْهَا؛ تَفُزْ بِوَعْدِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ، فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ } الواقعة 10 – 12 قَالَ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: السَّابِقُونَ فِي الدُّنْيَا إِلَى الْخَيْرَاتِ، هُمُ السَّابِقُونَ فِي الْآخِرَةِ لِدُخُولِ الجَنَّاتِ. ـ جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ السَّابِقِينَ الْمُقَرَّبِينَ ـ .
اِحْرِصْ أَخِي الْمُسْلِمُ عَلَى العَمَلِ الصَّالِحِ سَائِرَ حَيَاتِكَ؛ وَحُثَّ عَلَيهِ غَيْرَكَ؛ يُعْطِكَ اللهُ مِثْلَ أُجُورِهِمْ؛ وَلْيَعْظُمْ حِرْصُكَ فِي الْمَوَاسِمِ الفَاضِلَةِ، وَالْفُرَصِ الثَّمِيْنَةِ؛ كَأَيَّامِنَا هَذِهِ؛ أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ؛ فَالعَمَلُ الصَّالِحُ فِي العَشْرِ أحَبُّ إِلَيهِ تَعَالَى مِنْهُ فِي غَيْرِهَا. اِحْرِصْ أَوَّلَ مَا تَحْرِصُ عَلَى صَلَاحِ قَلْبِكَ؛ فَبِصَلَاحِهِ يَصْلُحُ الجَسَدُ كُلُّهُ، ثُمَّ اجْتَهِدْ فِي أَعْمَالِ الجَوَارِحِ؛ وَلْيَكُنْ لَكَ فِي هَذِهِ العَشْرِ الْمُبَارَكَةِ حَظٌ كَبِيْرٌ مِنَ الطَّاعَاتِ؛ خُذْ ـ وَفَّقَكَ اللهُ ـ مِنْ كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ بِنَصِيبٍ؛ لِيَكُنْ لَكَ فِي عَشْرِكَ حَظٌ مِنَ الصِّيامِ، فَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ القُرُبَاتِ، وَمِمَّا اخْتَصَّهُ اللهُ لِنَفْسِهِ بَيْنَ سَائِرِ الأَعْمَالِ، وَ: ( مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ، بَعَّــدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّـــــارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا ) أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ. وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ… ) الحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. لِيَكُنْ لَكَ فِي عَشْرِكَ حَظٌ مِنْ نَفْعِ الآخَرِينَ، مِنَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، مِنَ الْإِحْسَانِ لِلْمُحْتَاجِينَ؛ يَسِّرْ عَلَى مُعْسِرٍ، فَرِّجْ كُرْبَةَ مَكْرُوبٍ؛ عِنْدَهَا أَبْشِرْ بِالعَطَاءِ الجَزِيلِ مِنْ رَبِّ العَالَمِينَ؛ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّـمَ: ( وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًــا، سَتَـــرَهُ اللهُ يَــوْمَ القِيَــامَةِ. ) أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ. لِيَكُنْ لَكَ حَظٌ مِنْ عِيَادَةِ الْمَرْضَى؛ فَـ : ( مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ، قِيلَ يَا رَسُــولَ اللهِ، وَمَا خُرْفَةُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ: جَنَاهَا. ). أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
نَسْأَلُ اللهَ الكَرِيمَ مِنْ فَضْلِهِ. وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجْمَعِينْ.
الدَّرْسُ الثَّالِثُ: ذِكْرُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ وَمِنْهُ: ( التَّكْبِيْرُ )
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، أمَّا بَعْدُ: فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً }الأحزاب 41ـ 42
وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ: { وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْـراً عَظِيماً } الأحزاب 35
وَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ فَأَنْبِئْنِي مِنْهَا بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ، قَالَ: ( لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ) أخرجه ابن ماجه وصححه الألباني.
وَفِي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ؛ يَقُولُ اللهُ جَلَّ وَعَلَا: ( أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَــــرَنِي، فَإِنْ ذَكَــــرَنِي فِي نَفْسِــهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِــي، وَإِنْ ذَكَـــــــرَنِي فِي مَــلَإٍ ذَكَرْتُــــهُ فِي مَــلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، … ) أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
بِذِكْرِ اللهِ تَعَالَى تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ، وَبِهِ تُفْرَجُ الكُرُوبُ، وَبِهِ الحِصْنُ الحَصِينُ مِنْ كَيْدِ الكَائِدِينَ، وَمِنَ السَّحَرَةِ وَالشَّيَاطِينِ؛ وَبِذِكْرِ اللهِ تَعَالَى تَثْـقُلُ الْمَوَازِينُ؛: ( كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيْلَتَانِ فِي المِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللهِ العَظِيمْ ) أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَفِي الحَدِيثِ الآخَرِ: ( … وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ… ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَمِنَ الذِّكْرِ الْمَشْرُوعِ أيَّامَنَا هَذِهِ: التَّكْبِيرُ؛ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: { وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ } البقرة 203 وَيَقُولُ تَعَالَى: { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ } الحج 28 قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أيَّامَ العَشْرِ، وَالأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ: أيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوْقِ فِي أيَّامِ العَشْرِ يُكَبِّرَانِ، ويُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيْرِهِمَا … ) وَالتَّكْبِيْرُ أيَّامَ العَشْرِ وَأيَّامَ التَّشْرِيقِ؛ سُنَّةٌ زَهَدَ النَّاسُ فِيْهَا كَثِيرًا، وَقَلَّ أنْ تَسْمَعَ مَنْ يَجْهَرُ بِهَا؛ فَكُنْ أَخِي الْمُسْلِمُ مِمَّنْ يُحْيِي هَذِهِ السُّنةَ؛ وَيُذَكِّرُ بِهِا.
يَبْدَأُ التَّكْبِيرُ مِنْ غُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَومٍ مِنْ ذِي القَعْدَةِ إِلَى غُرُوبِ شَمْسِ اليَومِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ. وَهَذَا هُوَ التَّكْبِيْرُ الْمُطْلَقُ؛ أمَّا الْمُقَيَّدُ: فَيَبْدَأُ لِلْحَاجِّ مِنْ ظُهْرِ يَومِ النَّحْرِ، وَلِغَيرِ الحَاجِّ مِنْ فَجْرِ يَومِ عَرَفَةَ؛ وَيَنْتَهِي لَهُمَا عَصْرَ آخِرِ أيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَيُقَالُ أَدْبَارَ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ؛ فَإِذَا سَلَّمَ مِنَ الصَّلَاةِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ تَبَارَكْتَ يَا ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ، ثُمَّ شَرَعَ فِي التَّكْبِيرِ، يُجْزِيءُ مِنْهُ مَرَّةً، وَإِنْ كَرَّرَهُ ثَلَاثًا فَحَسَنٌ، وَالْمَسْبُوقُ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ يُكَبِّرُ إِذَا فَرَغَ مِنْ قَضَاءِ مَا فَاتَهُ.
اللهُ أكْبَرُ اللهُ أكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ . وَاللهُ أكْبَرُ اللهُ أكْبَرُ وَلِلهِ الحَمْد.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجْمَعِينْ.
الدَّرْسُ الرَّابِعُ: الحَجُّ.
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، أمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الْحَجَّ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ؛ فَهُوَ رُكْنٌ مِنْ أرْكَانِ الإِسْلَامِ؛ كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ… وَذَكَرَ مِنْهَا الْحَج ). أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ. وَلَمَّا سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ( إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللهِ، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: حَجٌّ مَبْرُورٌ ) أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ.
الحَجُّ سَبَبٌ لِمَحْوِ الخَطَايَا، وَتَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ؛ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ حَجَّ هَذَا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ) أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ. وَفِي الحَدِيثِ الآخَرِ: ( الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ ) أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمسلمٌ.
أَخِي الْمُسْلِمُ: مَتَى وَجَبَ الحَجُّ عَلَيكَ فَبَادِرْ، وَحَذَارِ أَنْ تَتَهَاوَنَ وَتُسَوِّفَ، وَكُلَّ عَامٍ تُؤَجِّلُهُ، وَلَا تَدْرِي أَتُؤَجَّلُ أَنْتَ أَمْ يَفْجَأُكَ هَاذِمُ اللَّذِاتِ، ثُمَّ تَلْقَى اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَقَدْ فَرَّطْتَ فِي رُكْنٍ مِنْ أَرْكاَنِ الإِسْلَامِ.
إِذَا عَزَمْتَ عَلَى الحَجِّ فَلْتَكُنْ نِيَّتُكَ لِلهِ خَالِصَةً، وَعَلَيْكَ بِتَقْوَى اللهِ، وَالتَّوبَةِ النَّصُوحِ، وَرَدِّ الْمَظَالِمِ لِأَهْلِهَا، ثُمَّ اخْتَرْ لِحَجِّكَ مِنَ النَّفَقَةِ أَطْيَبَهَا، وَمِنَ الرُّفْقَةِ أَصْلَحَهُم.
تَعَلَّمْ صِفَةَ الحَجِّ، وَاقْرَأْ فِي كُتُبِ الْمَنَاسِكِ، واسْأَلْ عَمَّا يُشْكِلُ عَلَيْكَ؛ لِتَعْبُدَ اللهَ تَعَالَى عَلَى بَصِيْرَةٍ، وَتُؤَدِيَ هَذَا الـــرُّكْنَ العَظِيمَ عَلَى وَجْهِهِ الْأَتَمِّ؛ وَحَتَّى لَا تَقَعَ فِي الخَطَأِ ثُمَّ تَبْحَثُ عَنِ الْمَخْرَجِ.
إَذَا شَرَعْتَ فِي السَّفَرِ فَتَأَدَّبْ بِآدَابِهِ، وَتَعَلَّم مَا تَحْتَاجُ مِنْ أَحْكَامِهِ.
أَدِّ مَا افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكَ؛ وَمِنْ أهَمِّ ذَلِكَ: تَوحِيْدُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِخْلَاصُ العِبَادَةِ لَهُ، وَالحَذَرُ مِنَ الشِّرْكِ صَغِيرِهِ وَكَبِيْرِهِ، فَالشِّرْكُ يُحْبِطُ الأَعْمَالَ، وَيَجْعَلُهَا هَبَاءً مَنْثُـورًا.
وَمِنْ أهَمِّ ذَلِكَ: إِقَامَةُ الصَّلَواتِ الخَمْسِ كَمَا أَمَرَ اللهُ أنْ تُقَامَ.
ثُمَّ لْتَحْفَظْ لِسَانَكَ عَنِ القِيلِ وَالقَالِ، وَالكَلَامِ فِيمَا لَا يَعْنِي، وَمِنْ بَابِ أَوْلَى عَنِ الغِيْبَةِ وَبَذِيءِ الكَلَامِ.
تَخَلَّقْ ـ وَفَّقَكَ اللهُ ـ بِالخُلُقِ الحَسَنِ، وَعَلَيكَ بِالصَّبْرِ الجَمِيْلِ، وَالصَّفْحِ الجَمِيْلِ؛ تَحَمَّلْ مَا قَدْ يَصْدُرُ مِنَ النَّاسِ مِنْ أذىً؛ فَكَثِيرًا مَا يَعْرِضُ لِلْحَاجِّ مَا يُثِيرُ غَضَبَهُ، خَاصَّةً مَعَ الإِرْهَاقِ وَالزِّحَامِ.
احْرِصْ أنْ تَذْهَبَ لِلْحَجِّ وَتَرْجِعَ مِنْهُ وَلَمْ تُصِبْ مُسْلِمًا بِأَذَىً؛ فَقَدْ جَاءَ فِي الحَدِيثِ: ( الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ
اِحْفَظْ بَصَرَكَ عَنِ الحَرَامِ، وَمَتَى حَصَلَ مِنْ غَيرِ قَصْدٍ فَاصْرِفْهُ مُبَاشَرَةً؛ قَالَ تَعَالَى: { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِــنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } النور 30 وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى وَلَـيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ ) أخرجه أبو دود وحسنه الألباني.
أَكْثِرْ أخِي الحَاجُّ مِنْ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى وَدُعَائِهِ، وَقُمْ بِشَعَائِرِ الحَجِّ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيْمِ وَالإِجْلَالِ وَالْمَحَبَّةِ وَالخُضُوعِ لِلهِ عَزَّ وَجَلَّ.
أدِّ شَعَائِرَ حَجِّكَ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ، وَاحْرِصْ عَلَى اتِّبَاعِ هَدْيِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي حَجِّهِ؛ فَهُوَ أَحْرَى بِالقَبُولِ.
نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أنْ يَتَقَبَّلَ مِنَّا وَمِنْكُمْ صَالِحَ العَمَلِ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجْمَعِينْ.
الدَّرْسُ الخَامِسُ: الأُضْحِيَةُ 1
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، أمَّا بَعْدُ: فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ }الكوثر 2 وَعَنْ أَنسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ( ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَــعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا ) أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ ومسلمٌ وغيرُهُما
يَقُولُ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَدَعُ الأُضْحِيَةَ.
أَخِي الْمُسْلِمُ: الأُضْحِيَةُ مِنْ أَفْضَلِ الطَّاعَاتِ، فِيهَا التَّقَرُّبُ إِلَى اللهِ تَعَالَى بِالذَّبْحِ لَهُ، وَفِيهَا إِحْيَاءُ سُنَّةِ إِمَامِ الْمُوَحِّدِينَ إِبْرَاهِيمَ، وَسُنَّةِ سَيدِ الْمُرْسَلِينَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا وَسَائِرِ الأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ.
وَفِيْهَا شُكْرُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَا خَلَقَ لَنَا وَسَخَّرَ مِنَ الأَنْعَامِ، وَفِيهَا التَّوْسِعَةُ عَلَى الأَهْلِ وَالعِيَالِ وَالفُقَرَاءِ.
الأُضْحِيَةُ مِنَ العِبَادَاتِ الْمَشْرُوعَةِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ؛ يَقُولُ الشَّيخُ ابْنُ عُثَيْمِيْنَ رَحِمَهُ اللهُ: وَبَعْدَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الأُضْحِيَةِ؛ اخْتَلَفُوا: أَوَاجِبَةٌ هِيَ أَمْ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ ؟ عَلَى قَوْلَينِ: ثُمَّ ذَكَرَ القَولَينِ، وَأَدِلَّةَ كُلِّ قَولٍ، ثُمَّ قَالَ رَحِمَهُ اللهُ: هَذِهِ آرَاءُ العُلَمَاءِ وَأَدِلَّتُهُمْ سُقْنَاهَا لِيَبِيْنَ شَأنُ الأُضْحِيَةِ وَأَهَمِّيَّتُهَا فِي الدِّينِ، وَالأَدِلَّةُ فَيْهَا تَكَادُ تَكُونُ مُتَكَافِئَةً، وَسُلُوكُ سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ أنْ لَا يَدَعَهَا مَعَ القُدْرَةِ عَلَيْهَا، لِمَا فِيْهَا مِنْ تَعْظِيمِ اللهِ وَذِكْرِهِ وَبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ بِيَقِينٍ. ويَقُولُ الشَّيخُ ابْنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ: وَلَا حَرَجَ أنْ يَسْتَدِينَ الْمُسْلِمُ لِيُضَحِّيَ إِذَا كَانَ عِنْدَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الوَفَاءِ.أ هـ
أخِي الْمُسْلِمُ: إنْ كُنْتَ مُوسِرًا، وَثَمَنُ الأُضْحِيَةِ لَا يَشُقُّ عَلَيكَ، فَضَحِّ؛ وَاعْلَمْ أنَّهَا كُلَّمَا كَانَتْ أَكْمَلُ؛ فَهِيَ أحَبُّ إِلَى اللهِ، وَأَعْظَمُ لِلْأَجْرِ؛ لَا تحْرِمْ نَفْسَكَ هَذِهِ الشَّعِيرَةَ؛ فَهِيَ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي العَامِ، ثُمَّ إِنَّ مَا يُنْفِقُهُ النَّاسُ فِيمَا لَا يُقَارَنُ بِالْأُضْحِيَةِ وَلَا يُدَانِيهَا؛ يَفُوقُ ثَمَنَ عَدَدٍ مِنَ الأَضَاحِي؛ يُنفِقُ أَحَدُهُمُ الْآلَافَ فِي أسْفَارِ النُّزْهَةِ، وَتَجْدِيدِ الأثَاثِ، وَتَغْيِيْرِ الجَوَّالَاتِ؛ وَلَا يَحْسِبُ لِذَلِكَ حِسَابًا؛ ثُمَّ يَتَثَاقَلُ ثَمَنَ أُضْحِيَةٍ.
وَمِنَ الغَرِيبِ أَنَّ البَعْضَ إِمَّا أَنْ يُضَحِّي بِأُضْحِيَةٍ بَاهِضَةِ الثَّمَنِ؛ وَقَدْ يَعْجَزُ عَنْهُ؛ وَإِمَّا أنْ يَتْرُكَ الأُضْحِيَةَ.
فَتَنَبَّهْ لِهَذَا ـ أَخِي الْمُسْلِمُ ـ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُمْكِنُكَ الِاشْتِرَاكُ فِي سُبْعِ بَدَنَةٍ، أو سُبْعِ بَقَرَةٍ، ثُمَّ إِنَّهُ يُوجَدُ مِنَ أَصْنَافِ الغَنَمِ مَا هُوَ رَخِيصُ الثَّمْنِ؛ وَهُوَ مُجْزِيءٌ فِي الأُضْحِيَةِ؛ مُسْتَوفٍ لِلشُّرُوطِ، سَالِمٍ مِنَ العُيُوبِ.
هَذَا وَاللهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.
الدَّرْسُ السَّادِسُ: الأُضْحِيَةُ 2
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، أمَّا بَعْدُ: فَيَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
يُمْسِكُ عَنْ ذَلِكَ؛ مِنْ دُخُولِ العَشْرِ حَتَّى يُضَحِيَ، فَإِنْ نَوَى الأُضْحِيَةَ أَثْنَاءَ العَشْرِ أَمْسَكَ مِنْ حِينِ نِيَّتِهِ وَلَا شَيءَ عَلَيهِ فِيمَا أَخَذَهُ قَبْلَ النِّيَةِ؛ وَمَنْ عَزَمَ عَلَى الأُضْحِيَةِ وَأَخَذَ مِنْ شَعْرِهِ أَوْ ظُفْرِهِ نَاسِيًا أوْ جَاهِلًا، أوْ سَقَطَ الشَّعْرُ بِلَا قَصْدٍ مِنْهُ فَلَا إِثْمَ عَلَيهِ؛ فَإِنْ كَانَ مُتَعَمِّداً فَعَلَيهِ التَّوبَةُ إِلَى اللهِ وَعَدَمُ العَودِ؛ وَلَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ عَنِ الأُضْحِيَةِ، وَمَنِ احْتَاجَ إِلَى أَخْذِ شَيءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلَهُ أَخْذُهُ وَلَا شَيءَ عَلَيهِ، كَمَنِ انْكَسَرَ ظُفْرُهُ وَآذَاهُ؛ فَلَهُ قَصُّهُ، أَوْ نَزَلَ الشَّعْرُ فِي عَيْنَيهِ، أوِ احْتَاجَ إِلَى قَصِّهِ لِمُدَاوَاةِ جُرْحٍ وَنَحْوِهِ؛ فَلَهُ إِزَالَتُهُ؛ كَمَا أنَّهُ لَا بَأسَ بِغَسْلِ الرَّأسِ وَدَلْكِهِ، وَلَو سَقَطَ شَيءٌ مِنَ الشَّعْرِ.
وَالنَّهيُ خَاصٌ بِصَاحِبِ الأُضْحِيَةِ؛ لَا يَشْمَلُ الزَّوْجَةَ وَلَا الأَوْلَادَ وَلَا الوَكِيلَ؛ إلَّا مَنْ كَانَ لَهُ أُضْحِيَةٌ تَخُصُّهُ.
أمَّا عَنْ شُرُوطِ الأُضْحِيَةِ؛ فَأَوَّلُها: أنْ تَكُونَ مُلْكًا لِلمُضَحِّي.
ثَانِيًا: أَنْ تَكُونَ مِنْ بَهِيْمَةِ الأَنْعَامِ: الإِبِلُ وَالبَقَرُ وَالغَنَمُ ضَأْنُهَا وَمَعْزُهَا؛ قَالَ تَعَالَى: { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ } الحج 28
ثَالِثًا: أنْ تَبْلُغَ السِّنَ الْمُعْتَبَرَ شَرْعًا؛ وَهُوَ فِي الإِبِلِ خَمْسُ سِنِينَ، وَفِي البَقَرِ سَنَتَانِ، وَفِي الغَنَمِ سَنَةٌ، وَيَجُوزُ فِي الضَّأِنِ مِنْهَا خَاصَّةً مَا تَمَّ لَهُ سِتَةُ أشْهُرٍ؛ لِقَولِهِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ( لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ.
رَابِعًا: أنْ تَكُونَ خَالِيةً مِنَ العُيُوبِ الْمَانِعَةِ مِنَ الإِجْزَاءِ؛ وَهِيِ أَرْبَعَةٌ: العَوَرُ البَيِّنُ، وَالْمَرَضُ البَيِّنُ، والعَرَجُ البَيِّنُ، والكِبَرُ الْمُتَنَاهِي؛ ويُلْحَقُ بِهَذِهِ العُيُوبِ مَا كَانَ مُسَاوِيًا لَهَا، أوْ أَشَدَّ مِنْهَا.
خَامِسًا: أنْ تُذْبَحَ الأُضْحِيَةُ فِي وَقْتِ الذَّبْحِ الْمُحَدَّدِ شَرْعًا، وَيَبْدَأُ يَومَ العِيدِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَيَستَمِرُّ إِلَى غُرُوبِ شَمْسِ اليَومِ الثَّالِثَ عَشَرَ.
ثُمَّ احْرِصْ أَخِي الْمُسْلِمُ عَلَى تَفَقُّدِ الأُضْحِيَةِ حَالَ شِرَائِهَا، وَتَحَقَّقْ خُلُوَّهَا مِنَ العُيُوبِ، وَاعْلَمْ أنَّهَا كُلَّمَا كَانَتْ أَكْمَلُ؛ فَهِيَ أَحَبُّ إِلَى اللهِ وَأَعْظَمُ لِلْأَجْرِ؛ وَهَكَذَا عَلَى بَائِعِي الأَضَاحِي أنْ يَتَّقُوا اللهَ، وَأَنْ يَصْدُقُوا مَعَ الْمُشْتَرِي فِي الْإِخْبَارِ بِالسِّنِّ والعُيُوبِ، وَلْيَحْذَرُوا الغِشَّ؛ فَقَدْ قَالَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ( مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالأُضْحِيَةِ: وُجُوبُ التَّسْمِيَةِ عَلَيْهَا، وَلَفْظُهَا: ( بِاسْمِ اللهِ )؛ وَتُسْتَــــحَبُّ زِيَادَةُ: ( وَاللهُ أَكــبَرُ ) كَمَا تَنْبَغِي تَسْمِيَةُ مَنْ هِيَ لَهُ عِندَ الذَّبْحِ، فَيَقُولُ مَثَلًا: بِاسْمِ اللهِ واللهُ أكْبَرُ؛ اللهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِي، اللهُمَّ هَذَا عَنِّي وَعَنْ أهْلِ بَيْتِي. وَيَنْبَغِي: الْإِحْسَانُ إِلَيْهَا بِكُلِّ مَا يُرِيحُهَا؛ لِقَولِهِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيــُرِحْ ذَبِيحَتَهُ ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: ( وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ ) بِإِحْدَادِ السِّكِّينِ وَتَعجِيلِ إِمْرَارِهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَيُسْتَحَبُّ ألَّا يُحِدَّ السِّكِّينَ بِحَضْرَةِ الذَّبِيحَةِ، وَأنْ لَّا يَذْبَحَ وَاحِدَةً بِحَضْرَةِ الأُخْرَى، وَلَا يَجُرَّهَا إِلَى مَذْبَحِهَا . ا هـ
وَمِنْ آدَابِهَا: أنْ تُنْحَرَ الإِبِلُ قَائِمَةً مَعْقُولَةً يَدُهَا اليُسْرَى، وَيُذْبَحَ غَيْرُهَا مُضْجَعًا.
يَأكُلُ الْمُضَحِّي مِنْ أُضْحِيَتِهِ وَيُهْدِي مِنهَا لِلْأَقَارِبِ وَالجِيْرَانِ وَيَتَصَدَّقُ عَلَى الفُقَرَاءِ وَالْمُحْتَاجِينَ، وَلَا يَقتَصِرُ عَلَى إِعْطَاءِ مَنْ يَرُدُّ عَطِيَّتَهُ.
يَقُولُ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللهُ: يَأْكُلُ هُوَ الثُّلُثَ، ويُطْعِمُ مَنْ أرَادَ الثُّلُثَ، ويَتَصَدَّقُ بِالثُّلُثِ.
اللهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ، وَاغْفِرْ لَنَا إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيم.
وَاللهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.
الدَّرْسُ السَّابِعُ: اغْتِنَامُ بَقِيَّةِ العَشْرِ.
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، أمَّا بَعْدُ: فَقَدْ مَضَى أَكْثَرُ عَشْرِنَا؛ فَلْنُرَاجِعْ أنْفُسَنَا؛ مَاذَا قَدَّمْنَا مِنْ صَالِحِ العَمَلِ فِيْمَا مَضَى ؟ مَا الَّذِي مَيَّزْنَا بِهِ عَشْرَنَا عَنْ سَائِرِ أيَّامِنَا ؟ مَا حَالُنَا مَعَ الصِّيامِ؟ وَحَالُنَا مَعَ القِيَامِ؟ وَحَالُنَا مَعَ التَّكْبِيرِ؟ وَحَالُنَا مَعَ القُرْآن؟ بَلْ مَا حَالُنَا مَعَ الفَرَائِضِ؟ مَا حَالُنَا مَعَ صَلَاةِ الفَجْرِ هَذِهِ الأَيَّامِ، أيَّامَ الإِجَازَةِ وَالسَّهَرِ؟. فُرَصٌ ثَمِيْنَةٌ، ومَغَانِمُ عَظِيْمَةٌ، فَرَّطَ فِيْهَا كَثِيرُنَا؛ فلْنَتَدَارَكْ مَا بَقِيَ مِنْ أيَّامِهَا، فهِيَ وَإنْ كَانَتْ يَسِيرَةً إلَّا أنَّهَا بِالخَيرَاتِ مَلِيئةً، وَبالبَرَكَاتِ حَرِيَّةً، وَلَعَلَّ اللهَ تَعالَى أنْ يكْتُبَ لَنَا فِيهَا الفَوزَ والرِّضْوَانَ.
إِنَّ فِيْمَا بَقِيَ مِنْ عَشْرِنَا: يَومُ عَرَفَةَ، يَومُ إِكْمَالِ الدِّينِ وَإتمَامِ النِّعمَةِ، فَهُوَ الْيَومُ الَّذِي أُنْزِلَتْ فِيهِ: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِـــيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا } وَهُوَ اليَومُ الَّذِي قَالَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ: ( مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ ) أخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ: ( خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) أخرجه الترمذي وحسنه الألباني. دُعَاءٌ وَذِكْرٌ عَظِيمٌ؛ فِيهِ إِعْلَانُ التَّوْحِيدِ لِلهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى؛ ونَفْيُ الشَّرِيكِ عَنهُ، فِيهِ إِثْبَاتُ صِفَاتِ الكَمَالِ لِلهِ جَلَّ وَعَلَا وَنَفْيُ ضِدِّهَا؛ فَلْتُكْثِرْ أَخِي الْمُسْلِمُ مِنْ هَذَا الذِّكْرِ؛ سَوَاءً كُنْتَ حَاجًّا أوْ لَمْ تَكُنْ.
أَكْثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ، وَأَلِحَّ عَلَى اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، اُدْعُ لِنَفْسِكَ، وَوَالِدَيْكَ وَأَهْلِكَ وَذُرِّيَّتِكَ وَأَقَارِبِكَ، اُدْعُ لِلْعُلَمَاءِ وَلِوُلَاةِ الأَمْرِ، اُدْعُ بِصَلَاحِ أحْوَالِ الأُمَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ وَنَصْرِهَا وَعِزِّهَا.
أَمَّا صِيَامُ هَذَا الْيَومِ؛ فَقَدْ جَاءَ فِيهِ: ( صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ ) أخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. فَلْنَحْرِصْ عَلَى صِيَامِ هَذَا اليَومِ، وَلْنُكْثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ، وَلْنَتَوَاصَ بِذَلِكَ، وَلْنَحُثَّ غَيْرَنَا مِنَ الأَهْلِ وَالأَولَادِ وَالعُمَّالِ وَالخَدَمِ؛ يَكُنْ لَنَا مِثْلُ أُجُورِهِمْ؛ يَقُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا. ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
اللهُمَّ تَقَبَّل مِنَّا إنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ، وَاغْفِرْ لَنَا إنَّكَ أنتَ الغَفُورُ الرَّحِيم.
وَاللهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.
الدَّرْسُ الثَّامِنُ: الدُّعَاءُ
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، أمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ العِبَادَاتِ، وَأَجَلِّهَا وَأَيْسَرِهَا: الدُّعَاءُ؛ عِبَادَةٌ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِهَا، وَأَثْنَى عَلَى أَهْلِهَا، وَوَعَدَهُمُ الإِجَابَةَ عَلَيْهَا: { ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ، وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } الأعراف 55ـ 56 وَيَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ }غافر 60 وَيَقُولُ تَعَالَى فِي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: ( يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ، إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ، إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ… ) الخ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
يَأْمُرُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِدُعَائِهِ؛ وَطَلَبِ الِهدَايَةِ وَالْمَغْفِرَةِ وَالرِّزْقِ مِنْهُ سُبْحَانَهُ؛ وَيَعِدُ بِالعَطَاءِ جَلَّ وعَلَا.
فَادْعُ ـ أَخِي الْمُسْلِمُ ـ رَبَّكَ وَأَكْثِرْ مِنْ دُعَائِهِ، وَأبْشِرْ بِجَزِيلِ عَطَائِهِ؛ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( إنَّ رَبَّكُمْ حَييٌ كَرِيمٌ يَسْتَحِيي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيهِ إِلَيهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرا ) أخرجه الترمذي وصححه الألباني.
اُدْعُ اللهَ تَعَالَى فِي يُسْرِكَ وَعُسْرِكَ، وَغِنَاكَ وَفَقْرِكَ، وَسَرَّائِكَ وَضَرَّائِكَ، اُدْعُ اللهَ وَالْجَأ إِلَيهِ، بِقَلْبٍ حَاضِرٍ مُوقِنٍ بِالإِجَابَةِ؛ فَفِي الحَدِيثِ: ( ادْعُوا اللهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ وَاعْلَمُوا أنَّ اللهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ ) أخرجه الترمذي وحسنه الألباني . أَلِحَّ عَلَى اللهِ بِالدُّعَاءِ وَلَا تَستَعْجِلِ الإِجَابَةَ؛ فَقَدْ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلمَ: ( يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي.) أخرجه البخاري.
تَحَرَّ الْأَزْمِنَةَ الفَاضِلَةَ؛ كَيَومِ عَرَفَةَ، وَيَومِ الجُمُعَةِ، وَثَلُثِ اللَّيلِ الآخِرِ؛ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي، فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي، فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي، فَأَغْفِرَ لَهُ. ) أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَهَكَذَا الْأَحْوَالَ الفَاضِلَةَ؛ كَحَالِ السُّجُودِ؛ فَــ ( أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ، وَهُوَ سَاجِدٌ … ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. اُدْعُ لِنَفْسِكَ، وَوَالِدَيْكَ وَأَوْلَادِكَ، وَزَوجِكَ وَإِخْوَتِكَ، وَأقَارِبِكَ، وَأُمَّتِكَ؛ فَكَمْ بِالْمُسْلِمِينَ مِنَ الشَّدَائِدِ، وَكَمْ تُحِيطُ بِهِمْ مِنَ النَّوَازِلِ، وَكَمْ لَهُمْ مِنَ الحَوَائِجِ وَلَيسَ لَهُم إلَّا اللهُ جَلَّ وَعَلَا؛ يَرفَعُ الضَّرَاءَ، وَيَكْشِفُ البَلَاءَ، وَيُعطِي الجَزِيلَ تَبَارَكَ وتعالى.
اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ، وَاغْفِرْ لَنَا إنَّكَ أنتَ الغَفُورُ الرَّحِيم.
وَاللهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.
الدَّرْسُ التَّاسِعُ: عِيْدُ الأَضْحَى.
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، أمَّا بَعْدُ: فَيَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ ) أخرجه النسائي وصححه الألباني. وَيَقُولُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الْفِطْـرِ وَيَوْمَ النَّحْرِ. ) أخرجه الإمام أحمد وصححه الألباني.
يَومُ النَّحْرِ، يَومُ عِيْدِ الأَضْحَى؛ هُوَ عَاشِرُ الأيَّامِ الْمُبَارَكَةِ؛ الَّتِي قَالَ عَنْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ ) يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: ( وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْء ) رواه أبو داود وصححه الألباني.
يَومُ عِيدِ الأَضْحَى أَعْظَمُ أيَّامِ العَامِ؛ كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ أَعْظَمَ الأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ ) رواه أبو داود وابن خزيمة وصححه الألباني
يَومُ عِيدِ الأَضْحَى هُوَ يَومُ الحَجِّ الأَكْبَرِ؛ فَفِي الحَدِيثِ: ( هَذَا يَوْمُ الحَـجِّ الأَكْبَرِ ) أخرجه البخاري.
فِي يَومِ النَّحْرِ خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ خُطبَةً عَظِيمَةً؛ رَوَاهَا البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وغيرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْــــــــــــــرِ، قَالَ: ( أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ أَلَيْسَ ذُو الحَجَّةِ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ الحَرَامِ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: اللهُمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ، فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَــــــابَ بَعْضٍ ).
فَلْنُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ، وَلْنُعَظِّمْ حُرُمُاتِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَلْنَحْذَرْ كُلَّ الحَذَرِ مِنَ التَّعَدِيْ عَلَى حُرُمَاتِ الْمُسْلِمِينَ؛ عَلَى دِمَائِهِمْ أوْ أمْوَالِهِمْ أوْ أعْرَاضِهِمْ.
لِتُعَظِّمْ أَخِي الْمُسْلِمُ هَذَا اليَومَ، ثُمَّ لْتَحْرِصْ عَلَى أدَاءِ صَلَاةِ العِيدِ، مَعَ الجَمَاعَةِ، لِتَخْرُجْ لِهَذِهِ الصَّلاةِ مُبَكِّرًا، ومُكَبِّرًا فِي طَرِيْقِكَ، وَمَعَكَ أوْلَادُكُ وَنِسَاؤُكَ، خُذُ لِهَذِهِ الصَّلَاةِ زِينَتَكَ؛ بِالاغْتِسَالِ وَالطِّيبِ وَلُبْسِ أَحْسَنِ الثِّيَابِ دُونَ إِسْرَافِ وَلَا كِبْرِيَاءٍ، وَلَا مُخَالَفَةٍ لِلسُّنَّةِ؛ أمَّا الْمَرْأةُ فَتَخْرُجُ غَيرَ مُتَطَيِّبَةٍ وَلَا مُتَبَرِّجَةٍ بِزِيْنَةٍ. اذْهَبْ إِلَى الصَّلَاةِ مِنْ طَرِيقٍ وَارْجِعْ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ.
اللهُمَّ بَلِّغْنَا العِيْدَ، وتَقَبَّلَ منَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ.
وَصَلِّ اللهُمَّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.
الدَّرْسُ العَاشِرُ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ.
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، أمَّا بَعْدُ: فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: { وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ } قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُـــمَا: ( أيَّامُ التَّشْرِيقِ ) وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ ) أخرجه النسائي وصححه الألباني.
أيَّامُ التَّشرِيقِ هِيَ: الحَادِيَ عَشَرَ وَالثَّانِيَ عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ، مِنْ شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ؛ وَهِيَ أّيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ؛ فَلَا يَصِحُّ صِيَامُهَا، فَفِي البُخَارِيِّ: ( لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ، إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الهَدْيَ ).
كَمَا تَنْبَغِي التَّوسِعَةُ عَلَى النَّفْسِ وَالأَهْلِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ، مَعَ الحَذَرِ مِنَ التَّبْذِيرِ وَالإِسْرَافِ، فَاللهُ تَعَالَى لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ، وَالتَّهاوُنُ بِنِعَمِ اللهِ وَعَدَمُ شُكْرِهَا مُؤذِنٌ بِزَوَالِهَا، كَمَا قَـــــــــــــــالَ سُبْحَانَهُ: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } إبراهيم 7
وَكَمَا هِيَ أيَّامُ أكْلٍ وَشُرْبٍ فَهِيَ أيَّامُ ذِكْرٍ لِلهِ تَعَالَى؛ كَمَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ فَيَنْبَغِي أَلَّا يَغَفَلَ الْمُسْلِمُ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ جَلَّ وَعَلَا؛ سَوَاءً الأَذْكَارَ الْمُطْلَقَةَ كَالِاسْتِغْفَارِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّهْلِيلِ، وَقِرَاءَةِ القُرْآنِ، أوِ الأَذْكَارَ الْمُقَيَّدَةَ كَأَذْكَارِ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ وَنَحْوِهَا.
أوِ التَّكْبِيرَ الْمُطْلَقَ فِي كُلِّ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، أَوِ الْمُقَيَّدِ بِأَدْبَارِ الصَّلَواتِ؛ وَيَبْدَأُ لِغَيرِ الحَاجِّ مِنْ فَجْرِ يَومِ عَرَفَةَ، وَلِلْحَاجِّ مِنْ ظُهْرِ يَومِ النَّحْرِ، وَيَنْتَهِي لَهُمَا فِي آخِرِ أيَّامِ التَّشْرِيقِ.
يَقُولُ ابْنُ رَجَبٍ الحَنْبَلِيِّ رَحِمَهُ اللهُ: فَأيَّامُ التَّشْرِيقِ يَجْتَمِعُ فِيْهَا لِلْمُؤْمِنِينَ نَعِيمُ أَبْدَانِهِمْ بِالأَكْلِ وِالشُّرْبِ، وَنَعِيْمُ قُلُوبِهِمْ بِالذِّكْرِ وَالشُّكْرِ، وَبِذَلَكَ تَتِمُّ النِّعْمَةُ، وَكُلَّمَا أَحْدَثُوا شُكْرًا عَلَى النِّعْمَةِ كَانَ شُكْرُهُمْ نِعْمَةً أُخْرَى، فَيَحْتَاجُ إِلَى شُكْرٍ آخَرَ، وَلَا يَنْتَهِي الشُّكْرُ أَبَدًا.
اللهُ أكْبَرُ اللهُ أكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ . وَاللهُ أكْبَرُ اللهُ أكْبَرُ وَلِلهِ الحَمْد.
اللهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يَذْكُرُكَ كَثِيرًا، وَيُسَبِّحُكَ بُكْرةً وَأَصِيْلاً.
وَاللهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.