الخطبة الأولى :
الْحَمْدُ للِّهِ الَّذِي شَرَحَ صُدُورَ أهْلِ الْإِسْلَامِ لِلْهُدَى، وَنَكَتَ فِي قُلُوبِ أهْلِ الطُّغْيَانِ فَلَا تَعَيِّ الْحكمةَ أبَدًا ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ إلَهاً أَحَدًّا فَرْدًّا صَمَدًا ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ مَا أَكَرَمَهُ عَبْدًا وَسَيِّدًا وَأَعْظَمَهُ أَصْلَاً ومَحفِدًا ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ غُيُوثِ النَّدَى وَلُيُوثِ الْعِدَى صَلَاَةً وَسَلَاَمًا دَائِمِينِ إِلَى أَنْ يُبْعَثَ النَّاسُ غَدًا ..
( يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُوا قَوْلَا سَدِيدَا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيمًا ).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إذاَ اِسْتَوْلَى التَّرَفُ وَاللَّهْوُ عَلَى أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ أَهْلَكَهَا وَلَا بُدَّ ، وَقَدْ ضَاعَ كَثِيرٌ مِنْ شَبَابِ الْأُمَّةِ وَفَتَيَاتِهَا بَينَ وَسَائِلِ اللَّهْوِ الَّتِي أَضَاعَتْ هَوِيَّتَهُمْ وَجَعَلَتْهُمْ مَسْخًا لَا يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُونَ مُنْكِرًا إلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلا بِاللَّهِ .
عِبَادَ اللَّهِ : وَمِنْ أَنْوَاعِ الْبَلَايَا الَّتِي سَيْطَرَتْ عَلَى عُقُولِ كَثِيرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي وَقْتِنَا الْحَاضِرِ : الْغِنَاءُ وَالْمُوسِيقَى حَتَّى أَصْبَحَ وَبَاءً اِجْتَاحَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْعَصْرِ الْحَديثِ ، فَصَارَ شِعَارًا وَدِثَارًا وَتَخَصَّصَتْ قَنَوَاتٌ فِي الْغِنَاءِ الْمَاجِنِ وَالرَّقْصِ الْفَاحِشِ وَكَثُرَتْ بَرَامِجُ الْمُسَابَقَاتِ وَاِكْتِشَافِ الْأَصْوَاتِ الْغِنَائيَةِ وَتَحَلَّقَ النَّاسُ فِي بُيُوتِهِمْ حَوْلَ الْقَنَوَاتِ لَا لِمُتَابَعَةِ قَضَايَا الْأُمَّةِ وَلَكِنْ لِتَشْجِيعِ الأَصْوَاتِ وَالْاِتِّصَالِ بِالْقَنَوَاتِ، وَاِحْتَلَّتْ هَذِهِ الْمُسَابَقَاتُ مِسَاحَاتٍ وَاسِعَةً مِنَ الْاِهْتِمَامِ وَأُنْفِقَ عَلَيهَا أَمْوالٌ ضَخْمَةٌ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلا بِاللَّهِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَالْمُتَأَمِّلُ فِي تَارِيخِ الْأُمَّةِ الْقَدِيمِ وَالْحَديثِ يَجِدُ أَنَّ أَقَوَامًا هَوَّنُوا مِنْ أَمْرِ الْمَعَازِفِ وَالْغِنَاءِ وَأَبَاحُوا الْاِسْتِمَاعَ إِلَيهُمَا وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلْأدلةِ الشَّرْعِيَّةِ الْكَثِيرَةِ مِنَ الآيَاتِ القرآنيةِ وَالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ الدَالةِ عَلَى ذَمِّ آلَاتِ الْمَلَاَهِي وَالتَّحْذِيرِ مِنهَا وَأَرْشَدَ الْقُرْآنُ إِلَى أَنَّ اِسْتِعْمَالَهَا مِنْ أَسْبَابِ الضّلَالِ وَاِتِّخَاذِ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوا كَمَا قَالَ تَعَالَى:{ وَمِنَ النَّاس مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَديثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} وَقَدْ فَسَّرَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لَهْوَ الْحَديثِ بِالْأغَانِي وآلاتِ الطَّرَبِ وَكُلِّ صَوْتٍ يَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ ، فقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ فِي جَامِع الْبَيَانِ وَاِبْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي ذَمِّ الْمَلَاَهِي وَاِبْنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَلْبيسِ إبْلِيس عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{ وَاِسْتَفْزِزْ مَنّ اِسْتَطَعْتَ مِنهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَّيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَاَدِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَان إِلَّا غُرُورًا} قَالَ : هُوَ الْغِنَاءُ وَالْمَزَامِيرُ، وَرَوَى الطَّبَرِيُّ عَنِ الْحَسَنِ الْبصرِيِّ أَنّهُ قَالَ: صَوْتُهُ هُوَ الدُّفُوفُ.
وَمِنهَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُعَلَّقًا وَوَصَلَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُحْدِثِينَ وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حَجَرٍ وَاِبْنُ الْقِيَمِ وَغَيْرُهُما مِنْ أهْلِ الْعِلْمِ مِنْ حَديثِ أَبِي مَالِكٍَ الْأَشْعِرَيِّ رَضِيَّ اللَّه عَنهُ قَالَ: وَاللَّهِ مَا كَذَبَنِي ، سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:” لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ” صَحِيحُ الْبُخَارِيُّ.
قَالَ الشَّيْخُ اِبْنُ بَازٍ فِي مَجْمُوعِ الْفَتَاوَى: وَالْمَعَازِفُ هِي الْأغَانِي وآلَاتُ الْمَلَاَهِي أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنّهُ يَأْتِيَ آخِرُ الزَّمَانِ قَوْمٌ يَسْتَحِلُّونَهَا كَمَا يَسْتَحِلُّونَ الْخَمْرَ والزِّنا وَالْحَرِيرَ وَهَذَا مِنْ عَلَاَمَاتِ نُبُوَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ ذَلِكَ وَقَعَ كُلُهُ وَالْحَديثُ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهَا وَذَمِّ مَنِ اِسْتَحَلَّهَا كَمَا يَذُمُّ مِنَ اسْتَحَلَّ الْخَمْرَ والزِّنا والآياتُ وَالْأَحَادِيثُ فِي التَّحْذِيرِ مِنَ الْأغَانِي وآلَاتِ اللَّهْوِ كَثِيرَةٌ جِدَا وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ الْأغَانِي وآلَاتِ الْمَلَاَهِي فَقَدْ كَذَبَ وَأَتَى مُنْكِرَاً عَظِيمَاً نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ مِنْ طَاعَة الْهَوَى وَالشَّيْطَانِ وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَأقْبَحُ وَأَشَدُّ جَرِيمَةً مَنْ قَالَ إِنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ! وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا مِنَ الْجَهْلِ بِاللَّهِ وَالْجَهْلِ بَدينِهِ بَلْ مِنَ الْجُرْأَةِ عَلَى اللَّهِ وَالْكَذِبِ عَلَى شَرِيعَتِهِ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ ضَرْبُ الدُّفِّ فِي النِّكَاحِ لِلنِّسَاءِ خَاصَّةً لِإعْلَاَنِهِ وَالتَّمْييزِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السِّفَاحِ أ . هـ .
عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى إبنِ عُمَرَ( أَنَّ اِبْنَ عُمَر سَمِعَ صَوْتَ زَمَّارَةِ رَاعٍ فَوَضَعَ إِصْبَعِيِّهِ فِي أُذْنَيْهِ وَعَدَلَ رَاحِلَتَهُ عَنِ الطَّرِيقِ وَهُوَ يَقَولُ: يا نَافِعُ أَتَسَمُعُ ؟ فَأَقَولُ: نَعَم فَيَمَضِي حَتَّى قَلَّتُ: لَا، فَوَضَعَ يَدَيِهِ و أَعَادَ رَاحِلَتَهُ إِلَى الطَّرِيقِ وَقَالٍ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَسَمِعَ صَوْتَ زَمَّارَةَ رَاعٍ فَصَنَعَ مِثْلَ هَذَا) قَالَ عَنهُ العلامةُ أَحَمَدُ شَاكِرُ :إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَقَالَ الْأَلْبَانِيِ رُوِيَ مِنْ طُرُقِ بَعْضِهَا صَحِيحٌ .
فَاِحْذَرُوا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ الْأغَانِيَ وَالْمَعَازِفَ، فَقَدْ صَارَّتْ فتنةً تَصِلُ لِلنَّاسِ حَتَّى فِي مَسَاجِدِهِمْ عَبْرَ نَغْمَاتِ الْجَوَّالِ فَضْلًا عَنِ التَّوَسُعِ فِيهَا فِي حَفْلَاتِ الزَّوَاجِ وَالتَّخَرُّجِ وافْتِتَاحِ المَحَلَّاتِ وَالأسْوَاقِ بِالْإضَافَةِ إِلَى الْاِسْتِمَاعِ إِلَيهَا عَبْرَ سَمَّاعَاتِ الْأُذُنِ الَّتِي صَارَّتْ عَلَاَمَةً لِشَبَابِ الْأُمَّةِ وَفَتَيَاتِهَا يَسْمَعُونَ مُنْكِرًا مِنَ الْقَوْلِ وزورًا وَيَنْكَبُّ عَلَى أغانٍ مُثِيرَةٍ لِلْعَوَاطِفِ ومُحَرِّكَةًّ لِلْغَرَائِزِ فتَحَوَّلَتْ الْفَتَاةُ الْعَفِيفَةُ إِلَى فَاسِقَةٍ وَالشَّابُّ الْمُؤْمِنُ إِلَى بَاحِثٍ عَنِ الشَّهَوَاتِ وَالْمُتَعِ ، فَاحْذَرُوا الْأغَانِيَ وَالْمَعَازِفَ ، رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ وَعَافَانَا مِنْ هَذَا الدَّاءِ الْوَبِيلِ .
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ للِّهِ عَلَى إحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبِدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِيَ إِلَى رِضْوانِهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَعَلَى آله وَأَصْحَابِهِ وَإِخْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: أَخَرَجَ اِبْنُ مَاجَةَ مِنْ حَديثِ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعِرَيِّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ( لِيَشْرَبَنَّ أَنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اِسْمِهَا وَيُضْرَبُ عَلَى رُؤُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالْقَيْنَاتِ يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمْ الْأَرْضَ وَيَجْعَلُ مِنهُمْ قِرْدَةً وَخَنَازِيرَ ).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: عَجَباً مِنْ أُمَّةٍ تَغَنِّي طَرَبًا فِي حِينِ أَنَّهَا أُمَّةٌ مُثْخَنَةٌ بِالْجِرَاحِ وَالدِّمَاءِ ، ومُثْقَلَةٌ بالْجَمَاجِمِ وَالْأَشْلَاءِ ، يُنَالُ مِنْ كَرَامَتِهَا، وَيُعْتَدَى عَلَى أَرْضِهَا ثُمَّ تُغَنِّي طَرَبًا، وَكَأَنْ لَمْ يَكِنْ ثَمَّ حُروبٌ شَدِيدَةٌ ، وَوَقَائِعُ مُبِيدَةٌ ، وَقِتَالٌ مُسْتَعِرٌ ، وَأُمَمٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ تَحْتَضِرُ ، فنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ مَوْتِ الْقُلُوبِ وَطَمْسِ الْبَصَائِرِ عَنْ أُنْسٍ رَضيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّه:( صَوْتَانِ مَلْعُونَانِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ: مِزْمَارٌ عِنْدَ نعمةٍ، وَرَنَّةٌ عِنْدَ مُصِيبَةٍ ) أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وصَحَحهُ الألباني.
سُبْحَانكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، نَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلاَّ أَنْتَ نَسْتَغْفِرُكُ وَنَتُوبُ إِلَيكَ.
-
هذا الموضوع تم تعديله قبل 12 شهور بواسطة
يوسف العوض.
-
هذا الموضوع تم تعديله قبل 12 شهور بواسطة
يوسف العوض.
-
هذا الموضوع تم تعديله قبل 12 شهور بواسطة
يوسف العوض.
-
هذا الموضوع تم تعديله قبل 12 شهور بواسطة
يوسف العوض.
-
هذا الموضوع تم تعديله قبل 12 شهور بواسطة
يوسف العوض.
-
هذا الموضوع تم تعديله قبل 12 شهور بواسطة
يوسف العوض.
-
هذا الموضوع تم تعديله قبل 11 شهور، 3 أسابيع بواسطة
يوسف العوض.
-
هذا الموضوع تم تعديله قبل 11 شهور، 3 أسابيع بواسطة
يوسف العوض.
-
هذا الموضوع تم تعديله قبل 9 شهور، 2 أسابيع بواسطة
يوسف العوض.