تنبيه
تم تحويل رابط المقال من
https://khutabaa.com/ar/scientific_discovery/همة
إلى رابط جديد
https://khutabaa.com/ar/scientific_discovery/همة_1
يرجى استخدام الرابط الجديد لمشاركة هذا الموضوع
همة
2022-10-05 - 1444/03/09التعريف
الهِمَّةُ لُغةً:
الهمَّةُ: ما همَّ به الإنسانُ مِن أمرٍ ليفعَلَه، تَقولُ: إنَّه لعَظيمُ الهَمِّ، وإنَّه لصَغيرُ الهِمَّةِ، وإنَّه لبَعيدُ الهِمَّةِ والهَمَّة. يُنظر: لسان العرب؛ لابن منظور: (15-83).
وقال ابنُ القَيِّمِ في تَعريفِ الهمَّةِ: "والهمَّةُ فِعلةٌ مِنَ الهَمِّ، وهو مَبدَأُ الإرادةِ، ولَكِن خَصُّوها بنِهايةِ الإرادةِ، فالهَمُّ مَبدَؤُها، والهمَّةُ نِهايتُها". يُنظر: مدارج السالكين؛ لابن القيم: (3-5).
الهمَّةُ اصطِلاحًا:
الهمَّةُ في الاصطِلاحِ هي: "تَوجُّهُ القَلبِ وقَصدُه بجَميعِ قواه الرُّوحانيَّةِ إلى جانِبِ الحَقِّ؛ لحُصولِ الكَمالِ له أو لغَيرِه" يُنظر: التعريفات؛ للجرجاني: (ص 257).
عُلوُّ الهمَّةِ اصطِلاحًا هو: "استِصغارُ ما دونَ النِّهايةِ مِن مَعالي الأُمورِ، وطَلَبُ المَراتِبِ السَّاميةِ" يُنظر: صيد الخاطر: (ص: 173)، علو الهمة؛ للمقدم (ص: 7).
العناصر
1- الحث على علو الهمة من القرآن والسنة.
2- درجات علو الهمة.
3- أسباب وبواعث علو الهمة.
4- أهمية دور الوالدين في التربية الصحيحة، ودورهما في إعلاء همم الأولاد.
5- مظاهر علو الهمة.
6- نماذج من علو همة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
7- نماذج من علو همة الصحابة رضي الله عنهم وسلف الأمة.
8- دلائل وأوصاف عالي الهمة.
الايات
1- قال تعالى: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران: 133].
2- قوله تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) [الأحزاب: 23].
3- قوله تعالى: (رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ) [النور: 37].
4- قال الله سبحانه وتعالى بعد أن ذكر عدداً من الأنبياء ومواقفهم، ودعوتهم لقومهم: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام: 90].
5- قول الله تعالى: (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) [التوبة: 19- 20].
6- قوله تعالى: (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) [التوبة: 41- 42].
7- قوله تعالى: (وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ * رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ* لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [التوبة: 86- 88].
8- قوله تعالى: (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً * قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا) [الإسراء: 83- 84].
9- قوله تعالى: (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها* فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها * وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) [الشمس: 7-10].
الاحاديث
1- عن الحسين بن علي -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إن الله تعالى يحب معالي الأمور، وأشرافها، ويكره سفسافها”(رواه الطبراني: ٣-١٤٢، وابن عدي: ٣-٨٧٩، وغيرهما، وصححه الألباني في الصحيحة: ١٦٢٧).
2- عن حكيم بن حزام رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول وخير الصدقة عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله”(رواه البخاري: 1427، ومسلم: 1034).
3- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال -صلى الله عليه وسلم-: “يقال لصاحب القرآن: اقرأ، وارق، ورتل، كما كنت ترتل في دار الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها”(رواه أبو داود: 1464، والترمذي: 2914، وأحمد: 6799، وصححه الألباني).
4- عن أبى هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفى كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شىء فلا تقل لو أنى فعلت كان كذا وكذا. ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان”(رواه مسلم: 6945).
5- عن أنس بن مالك قال: كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعوات لا يدعهن كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وغلبة الرجال"(رواه النسائي: 5449، وقال الألباني: صحيح لغيره).
6- عن أبي هريرة -رضي اللّه عنه- قال: بعث النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النّبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فقال “ماذا عندك يا ثمامة؟”، فقال: عندي خير. يا محمّد، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت. فترك حتّى كان الغد، ثمّ قال له: “ما عندك يا ثمامة؟”، فقال: ما قلت لك، إن تنعم تنعم على شاكر. فتركه حتّى كان بعد الغد، فقال: “ما عندك يا ثمامة؟”، فقال: عندي ما قلت لك، فقال: “أطلقوا ثمامة”، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثمّ دخل المسجد فقال: أشهد ألاإله إلّا اللّه، وأشهد أنّ محمّدا رسول اللّه. يا محمّد، واللّه ما كان على الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحبّ الوجوه إليّ، واللّه ما كان من دين أبغض إليّ من دينك، فأصبح دينك أحبّ الدّين إليّ، واللّه ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك، فأصبح بلدك أحبّ البلاد إليّ، وإنّ خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟. فبشّره رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- وأمره أن يعتمر، فلمّا قدم مكّة قال له قائل: صبوت؟، قال: لا واللّه، ولكن أسلمت مع محمّد رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-، ولا، واللّه لا يأتيكم من اليمامة حبّة حنطة حتّى يأذن فيها النّبيّ -صلى الله عليه وسلم-. (رواه البخاري: 4372) واللفظ له، ومسلم: 1764).
7- عن عائشة -رضي اللّه عنها- قالت: هاجر إلى الحبشة رجال من المسلمين، وتجهّز أبو بكر مهاجرا؟ فقال النّبيّ -صلى الله عليه وسلم-: على رسلك فإنّي أرجو أن يؤذن لي *** الحديث وفيه: قالت عائشة: بينما نحن يوما جلوس في بيتنا في نحر الظّهيرة، فقال قائل لأبي بكر: هذا رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- مقبلا متقنّعا. في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال أبو بكر: فدا لك بأبي وأمّي، واللّه إن جاء به في هذه السّاعة إلّا لأمر. فجاء النّبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فاستأذن فأذن له، فدخل، فقال حين دخل لأبي بكر: “أخرج من عندك”، قال: إنّما هم أهلك بأبي أنت يا رسول اللّه، قال: “فإنّي قد أذن لي في الخروج”، قال: فالصّحبة بأبي أنت يا رسول اللّه، قال: “نعم” الحديث.(رواه البخاري: 5807).
8- قال أبو ذرّ -رضي اللّه عنه- خرجنا من قومنا غفار، وكانوا يحلّون الشّهر الحرام، فخرجت أنا وأخي أنيس وأمّنا، فنزلنا على خال لنا، فأكرمنا خالنا وأحسن إلينا، فحسدنا قومه فقالوا: إنّك إذا خرجت عن أهلك خالف إليهم أنيس، فجاء خالنا فنثا علينا الّذي قيل له، فقلت: أمّا ما مضى من معروفك فقد كدّرته، ولا جماع لك فيما بعد، فقرّبنا صرمتنا، فاحتملنا عليها، وتغطّى خالنا ثوبه فجعل يبكي، فانطلقنا حتّى نزلنا بحضرة مكّة، فنافر أنيس عن صرمتنا وعن مثلها، فأتينا الكاهن فخيّر أنيسا، فأتانا أنيس بصرمتنا ومثلها معها. قال: وقد صلّيت يابن أخي، قبل أن ألقى رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- بثلاث سنين، قلت: لمن؟ قال: للّهّ، قلت: فأين توجّه؟ قال: أتوجّه حيث يوجّهني ربّي، أصلّي عشاء حتّى إذا كان من آخر اللّيل ألقيت كأنّي خفاء، حتّى تعلوني الشّمس. فقال أنيس: إنّ لي حاجة بمكّة فاكفني، فانطلق أنيس حتّى أتى مكّة، فراث عليّ، ثمّ جاء، فقلت: ما صنعت؟ قال: لقيت رجلا بمكّة على دينك، يزعم أنّ اللّه أرسله، قلت: فما يقول النّاس؟، قال: يقولون: شاعر، كاهن، ساحر، وكان أنيس أحد الشّعراء. قال أنيس: لقد سمعت قول الكهنة، فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشّعر فما يلتئم على لسان أحد بعدي، أنّه شعر، واللّه! إنّه لصادق، وإنّهم لكاذبون. قال: قلت: فاكفني حتّى أذهب فأنظر، قال: فأتيت مكّة، فتضعّفت رجلا منهم، فقلت: أين هذا الّذي تدعونه الصّابأ؟ فأشار إليّ، فقال: الصّابأ، فمال عليّ أهل الوادي بكلّ مدرة وعظم، حتّى خررت مغشيّا عليّ، قال: فارتفعت حين ارتفعت، كأنّي نصب أحمر، قال: فأتيت زمزم فغسلت عنّي الدّماء، وشربت من مائها، ولقد لبثت يا ابن أخي ثلاثين بين ليلة ويوم. ما كان لي طعام إلّا ماء زمزم، فسمنت حتّى تكسّرت عكن بطني، وما وجدت على كبدي سخفة جوع. قال: فبينا أهل مكّة في ليلة قمراء إضحيان، إذ ضرب على أسمختهم فما يطوف بالبيت أحد، وامرأتين منهم تدعوان إسافا ونائلة، قال: فأتتا عليّ في طوافهما، فقلت: أنكحا أحدهما الاخرى، قال: فما تناهتا عن قولهما، قال: فأتتا عليّ، فقلت: هن مثل الخشبة غير أنّي لا أكني، فانطلقتا تولولان، وتقولان: لو كان هاهنا أحد من أنفارنا، قال: فاستقبلهما رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر، وهما هابطان، قال: “مالكما؟”، قالتا: الصّابىء بين الكعبة وأستارها، قال: “ما قال لكما؟”، قالتا: إنّه قال لنا كلمة تملأ الفم، وجاء رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- حتّى استلم الحجر، وطاف بالبيت هو وصاحبه، ثمّ صلّى، فلمّا قضى صلاته (قال أبو ذرّ) فكنت أنا أوّل من حيّاه بتحيّة الإسلام، قال: فقلت: السّلام عليك يا رسول اللّه، فقال: “وعليك ورحمة اللّه”. ثمّ قال: “من أنت؟”، قال: قلت: من غفار، قال: فأهوى بيده فوضع أصابعه على جبهته، فقلت في نفسي: كره أن انتميت إلى غفار، فذهبت آخذ بيده فقدعني صاحبه، وكان أعلم به منّي، ثمّ رفع رأسه، ثمّ قال: “متى كنت هاهنا؟”، قال: قلت: قد كنت هاهنا منذ ثلاثين، بين ليلة ويوم، قال: “فمن كان يطعمك؟”، قال: قلت: ما كان لي طعام إلّا ماء زمزم، فسمنت حتّى تكسّرت عكن بطني، وما أجد على كبدي سخفة جوع. قال: “إنّها مباركة، إنّها طعام طعم “. فقال أبو بكر: يا رسول اللّه ائذن لي في طعامه اللّيلة، فانطلق رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر، وانطلقت معهما، ففتح أبو بكر بابا، فجعل يقبض لنا من زبيب الطّائف، وكان ذلك أوّل طعام أكلته بها، ثمّ غبرت ما غبرت، ثمّ أتيت رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- فقال: “إنّه قد وجّهت لي أرض ذات نخل، لا أراها إلّا يثرب فهل أنت مبلّغ عنّي قومك؟ عسى اللّه أن ينفعهم بك ويأجرك فيهم”. فأتيت أنيسا، فقال: ما صنعت؟ قلت: صنعت أنّي قد أسلمت وصدّقت، قال: ما بي رغبة عن دينك، فإنّي قد أسلمت وصدّقت، فأتينا أمّنا، فقالت: ما بي رغبة عن دينكما، فإنّي أسلمت وصدّقت. فاحتملنا حتّى أتينا قومنا غفارا، فأسلم نصفهم، وكان يؤمّهم إيماء1” بن رحضة الغفاريّ وكان سيّدهم. وقال نصفهم: إذا قدم رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- المدينة أسلمنا، فقدم رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- المدينة، فأسلم نصفهم الباقي، وجاءت أسلم، فقالوا: يا رسول اللّه إخوتنا، نسلم على الّذي أسلموا عليه، فأسلموا، فقال رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-: “غفار غفر اللّه لها، وأسلم سالمها اللّه”. (رواه مسلم: 2473).
9- عن عمر -رضي اللّه عنه- قال: سمعت رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- يقول: “إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزّرع، وتركتم الجهاد سلّط اللّه عليكم ذلّا لا ينزعه حتّى ترجعوا إلى دينكم”(رواه أبو داود: 3462، وصححه الألباني).
10- عن أبي هريرة -رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-: “لعن اللّه السّارق. يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده”(رواه البخاري: 6783، ومسلم: 1687).
11- عن عبد اللّه بن مسعود -رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-: “من سأل النّاس، وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش، أو خدوش أو كدوح” قيل: يا رسول اللّه؛ وما يغنيه؟ قال: “خمسون درهما أو قيمتها من الذّهب”(رواه الترمذي: 650، وقال: حديث حسن، وصححه الألباني).
12- عن ثوبان -رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-: “يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها”، فقال قائل: ومن قلّة نحن يومئذ؟ قال: “بل أنتم يومئذ كثير، ولكنّكم غثاء كغثاء السّيل، ولينزعنّ اللّه من صدور عدوّكم المهابة منكم، وليقذفنّ اللّه في قلوبكم الوهن”، فقال قائل: يا رسول اللّه، وما الوهن؟ قال: “حبّ الدّنيا وكراهية الموت”(رواه أبو داود: 4297، وصححه الألباني).
12- عن أبي موسى رضي الله عنه قال: "أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرَابِيًّا فَأَكْرَمَهُ، فقَالَ لَهُ: “ائْتِنَا”، فَأَتَاهُ، فقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “سَلْ حَاجَتَكَ”، قَالَ: نَاقَةٌ نَرْكَبُهَا، وَأَعْنُزٌ يَحْلِبُهَا أَهْلِي، فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “أَعَجَزْتُمْ أَنْ تَكُونُوا مِثْلَ عَجُوزِ بَنِي إِسْرَائِيلَ”؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا عَجُوزُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَالَ: “إِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا سَارَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ، ضَلُّوا الطَّرِيقَ، فقَالَ: مَا هَذَا؟، فقَالَ عُلَمَاؤُهُمْ: إِنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَخَذَ عَلَيْنَا مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ أَنْ لَا نَخْرُجَ مِنْ مِصْرَ حَتَّى نَنْقُلَ عِظَامَهُ مَعَنَا، قَالَ: فَمَنْ يَعْلَمُ مَوْضِعَ قَبْرِهِ؟، قَالَ: عَجُوزٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا فَأَتَتْهُ، فقَالَ: دُلِّينِي عَلَى قَبْرِ يُوسُفَ، قَالَتْ: حَتَّى تُعْطِيَنِي حُكْمِي، قَالَ: وَمَا حُكْمُكِ؟، قَالَتْ: أَكُونُ مَعَكَ فِي الْجَنَّةِ، فَكَرِهَ أَنْ يُعْطِيَهَا ذَلِكَ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: أَنْ أَعْطِهَا حُكْمَهَا، فَانْطَلَقَتْ بِهِمْ إِلَى بُحَيْرَةٍ مَوْضِعِ مُسْتَنْقَعِ مَاءٍ، فَقَالَتْ: أَنْضِبُوا هَذَا الْمَاءَ، فَأَنْضَبُوهُ، فَقَالَتْ: احْتَفِرُوا، فَاحْتَفَرُوا، فَاسْتَخْرَجُوا عِظَامَ يُوسُفَ، فَلَمَّا أَقَلُّوهَا إِلَى الْأَرْضِ، وَإِذَا الطَّرِيقُ مِثْلُ ضَوْءِ النَّهَارِ”(أخرجه أبو يعلى: ٧٢٥٤، وابن حبان: ٧٢٣، وقال الألباني في السلسلة الصحيحة: ١-٦٢٣: صحيح على شرط مسلم).
13- عن سعد بن أبي وقّاص -رضي اللّه عنه- قال: رأيت أخي عمير بن أبي وقّاص قبل أن يعرضنا رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر يتوارى ، فقلت: ما لك يا أخي؟ قال: إنّي أخاف أن يراني رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- فيستصغرني فيردّني، وأنا أحبّ الخروج لعلّ اللّه أن يرزقني الشّهادة. قال: فعرض على رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- فردّه، فبكى فأجازه. فكان سعد -رضي اللّه عنه- يقول: فكنت أعقد حمائل سيفه من صغره، فقتل وهو ابن ستّ عشرة سنة. (الإصابة: (5-36)، واللفظ له، وأخرجه البزار ورجاله ثقات، كما في المجمع: (6-69)، وأسد الغابة: (4-148) والحاكم: (3-4864) و قال حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه و قال الذهبي قي التلخيص : يعقوب بن محمد الزهري ضعفوه).
الاثار
1- عن عبيد الله بن زياد بن ضبيان قال: كان لي خال من كلب كان يقول لي: يا عبيد! هم؛ فإن الهمة نصف المروءة روضة العقلاء: (253).
2- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: “لا تصغرن همتكم فإني لم أر أقعد عن المكرمات من صغر الهمم” أدب الدنيا والدين للماوردي: (319).
3- قال وهيب بن الورد: “إن استطعت أن لا يسبقك إلى الله أحد فافعل” علو الهمة لمحمد إسماعيل المقدم: (209).
4- روي عن عمر بن الخطّاب -رضي اللّه عنه- أنّه قال: "لا تصغرنّ هممكم، فإنّي لم أر أقعد عن المكرمات من صغر الهمم". أدب الدنيا والدين للماوردي: (ص 327).
5- قال معاوية لعمرو بن العاص: "من طلب عظيما خاطر بعظيمته". عيون الأخبار لابن قتيبة: (1-335).
6- قال عمرو بن العاص: "عليكم بكلّ أمر مزلقة مهلكة. أي عليكم بجسام الأمور". عيون الأخبار لابن قتيبة: (1-335).
القصص
1- قال مالك بن عمارة اللّخميّ: كنت جالسا في ظلّ الكعبة أيّام الموسم عند عبد الملك بن مروان وقبيصة بن ذؤيب، وعروة بن الزّبير، وكنّا نخوض في الفقه مرّة، وفي المذاكرة مرّة، وفي أشعار العرب وأمثال النّاس مرّة، فكنت لا أجد عند أحد ما أجده عند عبد الملك بن مروان من الاتّساع في المعرفة، والتّصرّف في فنون العلم، وحسن استماعه إذا حدّث، وحلاوة لفظه إذا حدّث، فخلوت معه ليلة فقلت له، واللّه إنّي لمسرور بك لما شاهدته من كثرة تصرّفك وحسن حديثك، وإقبالك على جليسك، فقال: إن تعش قليلا فسترى العيون طامحة إليّ والأعناق نحوي متطاولة، فإذا صار الأمر إليّ فلعلّك أن تنقل إليّ ركابك، فلأملأنّ يديك. فلمّا أفضت إليه الخلافة توجّهت إليه فوافيته يوم الجمعة وهو يخطب على المنبر، فلمّا رآني أعرض عنّي فقلت: لعلّه لم يعرفني، أو عرفني وأظهر لي نكرة، فلمّا قضيت الصّلاة ودخل بيته لم ألبث أن خرج الحاجب، فقال: أين مالك بن عمارة. فقمت فأخذ بيدي وأدخلني عليه فمدّ إليّ يده وقال: إنّك تراءيت لي في موضع لا يجوز فيه إلّا ما رأيت، فأمّا الآن فمرحبا، وأهلا، كيف كنت بعدي، فأخبرته، فقال لي: أتذكر ما كنت قلت لك؟ قلت: نعم، فقال: واللّه ما هو بميراث وعيناه، ولا أثر رويناه، ولكنّي أخبرك بخصال منّي سمت بها نفسي إلى الموضع الّذي ترى. ما خنت ذا ودّ قطّ، ولا شمتّ بمصيبة عدوّ قطّ، ولا أعرضت عن محدّث حتّى ينتهي حديثه، ولا قصدت كبيرة من محارم اللّه تعالى متلذّذا بها. فكنت أؤمّل بهذه أن يرفع اللّه تعالى منزلتي، وقد فعل ثمّ دعا بغلام له، فقال: يا غلام بوّئه منزلا في الدّار، فأخذ الغلام بيدي، وأفرد لي منزلا حسنا، فكنت في ألذّ حال وأنعم بال، وكان يسمع كلامي، وأسمع كلامه، ثمّ أدخل عليه في وقت عشائه وغدائه فيرفع منزلتي، ويقبل عليّ ويحادثني ويسألني مرّة عن العراق، ومرّة عن الحجاز، حتّى مضت عشرون ليلة، فتغدّيت يوما عنده، فلمّا تفرّق النّاس نهضت قائما، فقال: على رسلك، فقعدت، فقال: أيّ الأمرين أحبّ إليك: المقام عندي مع النّصفة لك في المعاشرة، أو الرّجوع إلى أهلك ولك الكرامة؟ فقلت: يا أمير المؤمنين فارقت أهلي وولدي على أنّي أزور أمير المؤمنين، وأعود إليهم فإن أمرني أمير المؤمنين اخترت رؤيته على الأهل والولد، فقال: لا بل أرى لك الرّجوع إليهم، والخيار لك بعد في زيارتنا، وقد أمرنا لك بعشرين ألف دينار كسوة، وحملناك، أتراني قد ملأت يديك؟ فلا خير فيمن ينسى إذا وعد وعدا، وزرنا إذا شئت، صحبتك السّلامة. انظر المستطرف: (1/291-292).
2- عن ابن عمر -رضي اللّه عنهما- أنّ عمر -رضي اللّه عنه- قال يوم أحد لأخيه: خذ درعي يا أخي. قال: أريد من الشّهادة مثل الّذي تريد، فتركاها جميعا. قال الهيثمي (5-298): رجاله رجال الصحيح. وأخرجه ابن سعد: (3-275)، وأبو نعيم في الحلية: (1-367) نحوه.
3- عن سليمان بن بلال -رضي اللّه عنه-: أنّ رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- لمّا خرج إلى بدر أراد سعد بن خيثمة وأبوه جميعا الخروج معه، فذكر ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأمر أن يخرج أحدهما. فاستهما ، فقال خيثمة بن الحارث لابنه سعد- رضي اللّه عنهما-: إنّه لابدّ لأحدنا من أن يقيم، فأقم مع نسائك، فقال سعد: لو كان غير الجنّة لآثرتك به، إنّي أرجو الشّهادة في وجهي هذا، فاستهما، فخرج سهم سعد؛ فخرج مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى بدر، فقتله عمرو بن عبد ودّ . الإصابة: (3-75).
4- عن عبّاد بن عبد اللّه بن الزّبير عن أبيه- رضي اللّه عنهما- قالا: حدّثني أبي الّذي أرضعني- وكان أحد بني مرّة بن عوف- وكان في تلك الغزوة «غزوة مؤتة» قال: واللّه لكأنّي أنظر إلى جعفر -رضي اللّه عنه- حين اقتحم عن فرس له «شقراء» ثّمّ عقرها، ثمّ قاتل القوم حتّى قتل وهو يقول:
يا حبّذا الجنّة واقترابها *** طيّبة وبارد شرابها
والرّوم روم قد دنا عذابها *** كافرة بعيدة أنسابها
عليّ إذ لاقيتها ضرابها
البداية والنهاية (4-244)، والإصابة (1-238). وأبو نعيم في الحلية (1-118).
5- قيل للعتّابيّ: فلان بعيد الهمّة، قال: "إذن لا يكون له غاية دون الجنّة". عيون الأخبار لابن قتيبة: (1-337).
6- نظر رجل إلى أبي دلف في مجلس المأمون فقال: "إنّ همّته ترمي به وراء سنّه". عيون الأخبار لابن قتيبة: (1-332).
7- عن دكين الراجز قال: أتيت عمر بن عبد العزيز بعد ما استخلف أستنجز منه وعدا كان وعدنيه وهو والي المدينة، فقال لي: "يا دكين، إن لي نفسا توّاقة، لم تزل تتوق إلى الإمارة، فلما نلتها تاقت إلى الخلافة، فلما نلتها تاقت إلى الجنة". عيون الأخبار لابن قتيبة: (334).
8- قال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: "كانت لي نفسٌ تَوَّاقة فكنت لا أنال منها شيئاً إلا تاقت إلى ما هو أعظم, فلما بَلَغَتْ نفسي الغاية, تاقت إلى الآخرة" حلية الأولياء رقم: 7616).
9- قال أبو حاتِمٍ الرازي -رحمه الله- لابنه عبدِ الرحمن: "يا بنيَّ، مَشَيْتُ على قدمي في طلب الحديث أكثر من ألف فرسخ" البداية والنهاية: (1-8) مع الفهارس: (ج6-65). والفرسخ يُعادل ستةَ كيلو مترات تقريبًا؛ أي أنه مشى على قدمَيه ما يُقارب ستة آلاف كيلو في طلب العلم.
10- عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- قال: حدّثني سلمان قال: كنت رجلا من أهل فارس من أصبهان، من جيّ، ابن رجل من دهاقينها- وفي حديث ابن إدريس: وكان أبي دهقان أرضه، وكنت أحبّ الخلق إليه- وفي حديث البكّائيّ: أحبّ عباد اللّه إليه، فأجلسني في البيت كالجواري، فاجتهدت في الفارسيّة- وفي حديث عليّ بن جابر: في المجوسيّة- فكنت في النّار الّتي توقد فلا تخبو، وكان أبي صاحب ضيعة، وكان له بناء يعالجه- زاد ابن إدريس في حديثه: في داره- فقال لي يوما: يا بنيّ، قد شغلني ما ترى فانطلق إلى الضّيعة، ولا تحتبس فتشغلني عن كلّ ضيعة بهمّي بك، فخرجت لذلك فمررت بكنيسة النّصارى وهم يصلّون، فملت إليهم وأعجبني أمرهم، وقلت: هذا واللّه خير من ديننا، فأقمت عندهم حتّى غابت الشّمس، لا أنا أتيت الضّيعة، ولا رجعت إليه، فاستبطأني وبعث رسلا في طلبي، وقد قلت للنّصارى حين أعجبني أمرهم: أين أصل هذا الدّين؟. قالوا: بالشّام. فرجعت إلى والدي، فقال: يا بنيّ، قد بعثت إليك رسلا، فقلت: مررت بقوم يصلّون في كنيسة، فأعجبني ما رأيت من أمرهم، وعلمت أنّ دينهم خير من ديننا، فقال: يا بنيّ دينك ودين آبائك خير من دينهم، فقلت: كلّا واللّه، فخافني وقيّدني.فبعثت إلى النّصارى وأعلمتهم ما وافقني من أمرهم، وسألتهم إعلامي من يريد الشّام، ففعلوا، فألقيت الحديد من رجليّ، وخرجت معهم، حتّى أتيت الشّام، فسألتهم عن عالمهم، فقالوا: الأسقفّ، فأتيته فأخبرته، وقلت: أكون معك أخدمك وأصلّي معك؟. قال: أقم، فمكثت مع رجل سوء في دينه، كان يأمرهم بالصّدقة، فإذا أعطوه شيئا أمسكه لنفسه، حتّى جمع سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا، فتوفّي، فأخبرتهم بخبره فزبروني، فدللتهم على ماله، فصلبوه ولم يغيّبوه ورجموه، وأحلّوا مكانه رجلا فاضلا في دينه زهدا ورغبة في الآخرة وصلاحا، فألقى اللّه حبّه في قلبي، حتّى حضرته الوفاة فقلت: أوصني، فذكر رجلا بالموصل، وكنّا على أمر واحد حتّى هلك. فأتيت الموصل، فلقيت الرّجل فأخبرته بخبري، وأنّ فلانا أمرني بإتيانك، فقال: أقم، فوجدته على سبيله وأمره، حتّى حضرته الوفاة، فقلت: أوصني، فقال: ما أعرف أحدا على ما نحن عليه إلّا رجلا بعمّوريّة. فأتيته بعمّوريّة فأخبرته بخبري، فأمرني بالمقام وثاب لي شيء، واتّخذت غنيمة وبقيرات، فحضرته الوفاة فقلت: إلى من توصي بي؟ فقال: لا أعلم أحدا اليوم على مثل ما كنّا عليه، ولكن قد أظلّك نبيّ يبعث بدين إبراهيم الحنيفيّة، مهاجره بأرض ذات نخل، وبه آيات وعلامات لا تخفى، بين منكبيه خاتم النّبوّة، يأكل الهديّة، ولا يأكل الصّدقة، فإن استطعت فتخلص إليه، فتوفّي. فمرّ بي ركب من العرب، من كلب، فقلت: أصحبكم وأعطيكم بقراتي وغنمي هذه، وتحملوني إلى بلادكم؟ فحملوني إلى وادي القرى، فباعوني من رجل من اليهود، فرأيت النّخل، فعلمت أنّه البلد الّذي وصف لي، فأقمت عند الّذي اشتراني، وقدم عليه رجل من بني قريظة فاشتراني منه، وقدم بي المدينة، فعرفتها بصفتها، فأقمت معه أعمل في نخله، وبعث اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وغفلت عن ذلك حتّى قدم المدينة، فنزل في بني عمرو بن عوف فإنّي لفي رأس نخلة إذا أقبل ابن عمّ لصاحبي، فقال: أي فلان، قاتل اللّه بني قيلة، مررت بهم آنفا وهم مجتمعون على رجل قدم عليهم من مكّة، يزعم أنّه نبيّ، فو اللّه ما هو إلّا أن سمعتها فأخذني القرّ، ورجفت بي النّخلة، حتّى كدت أسقط، ونزلت سريعا، فقلت: ما هذا الخبر؟ فلكمني صاحبي لكمة، وقال: وما أنت وذاك؟ أقبل على شأنك، فأقبلت على عملي حتّى أمسيت، فجمعت شيئا فأتيته به، وهو بقباء عند أصحابه، فقلت: اجتمع عندي أردت أن أتصدّق به، فبلغني أنّك رجل صالح، ومعك رجال من أصحابك ذوو حاجة، فرأيتكم أحقّ به، فوضعته بين يديه، فكفّ يديه، وقال لأصحابه: كلوا، فقلت: هذه واحدة، ورجعت.وتحوّل إلى المدينة، فجمعت شيئا فأتيته به،فقلت: أحببت كرامتك فأهديت لك هديّة، وليست بصدقة، فمدّ يده فأكل، وأكل أصحابه، فقلت:هاتان اثنتان، ورجعت.فأتيته وقد تبع جنازة في بقيع الغرقد، وحوله أصحابه فسلّمت، وتحوّلت أنظر إلى الخاتم في ظهره، فعلم ما أردت، فألقى رداءه، فرأيت الخاتم فقبّلته، وبكيت، فأجلسني بين يديه، فحدّثته بشأني كلّه كما حدّثتك يا ابن عبّاس، فأعجبه ذلك، وأحبّ أن يسمعه أصحابه، ففاتني معه بدر وأحد بالرّقّ، فقال لي: كاتب يا سلمان عن نفسك، فلم أزل بصاحبي حتّى كاتبته، على أن أغرس له ثلاثمائة وديّة، وعلى أربعين وقيّة من ذهب، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “أعينوا أخاكم بالنّخل”، فأعانوني بالخمس والعشر، حتّى اجتمع لي، فقال لي: “فقّر لها ولا تضع منها شيئا حتّى أضعه بيدي”، ففعلت، فأعانني أصحابي حتّى فرغت، فأتيته، فكنت آتيه بالنّخلة فيضعها، ويسوّي عليها ترابا، فأنصرف، والّذي بعثه بالحقّ فما ماتت منها واحدة، وبقي الذّهب، فبينما هو قاعد إذ أتاه رجل من أصحابه بمثل البيضة، من ذهب أصابه من بعض المعادن، فقال: “ادع سلمان المسكين الفارسيّ المكاتب”، فقال: أدّ هذه، فقلت: يا رسول اللّه، وأين تقع هذه ممّا عليّ؟، وروى أبو الطّفيل، عن سلمان، قال:أعانني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ببيضة من ذهب، فلو وزنت بأحد لكانت أثقل منه. أسد الغابة لابن الأثير: (2/265-267).
11- شجاعة أبي محجن الثّقفيّ -رضي اللّه عنه- "قتاله يوم القادسيّة حتّى ظنّوا أنّه ملك".
عن ابن سيرين قال: كان أبو محجن الثّقفيّ -رضي اللّه عنه- لا يزال يجلد في الخمر، فلمّا أكثر عليهم سجنوه وأوثقوه، فلمّا كان يوم القادسيّة رآهم يقتتلون، فكأنّه رأى أنّ المشركين قد أصابوا من المسلمين، فأرسل إلى أمّ ولد سعد أو إلى امرأة سعد يقول لها: إنّ أبا محجن يقول لك: إن خلّيت سبيله وحملته على هذا الفرس ودفعت إليه سلاحا، ليكوننّ أوّل من يرجع إليك إلّا أن يقتل، وأنشأ يقول:
كفى حزنا أن تلتقي الخيل بالقنا *** وأترك مشدودا عليّ وثاقيا
إذا قمت عنّاني الحديد وغلّقت *** مصارع دوني قد تصمّ المناديا
فذهبت الاخرى، فقالت ذلك لامرأة سعد، فحلّت عنه قيوده، وحمل على فرس كان في الدّار وأعطي سلاحا، ثمّ خرج يركض حتّى لحق بالقوم، فجعل لا يزال يحمل على رجل فيقتله ويدقّ صلبه، فنظر إليه سعد فجعل يتعجّب منه ويقول: من ذلك الفارس؟! فلم يلبثوا إلّا يسيرا حتّى هزمهم اللّه، ورجع أبو محجن -رضي اللّه عنه-، وردّ السّلاح، وجعل رجليه في القيود كما كان.فجاء سعد -رضي اللّه عنه- فقالت له امرأته أو أمّ ولده: كيف كان قتالكم؟ فجعل يخبرها، ويقول:لقينا ولقينا، حتّى بعث اللّه رجلا على فرس أبلق، لولا أنّي تركت أبا محجن في القيود لظننت أنّها بعض شمائل أبي محجن، فقالت: واللّه إنّه لأبو محجن، كان من أمره كذا وكذا، فقصّت عليه قصّته، فدعا به وحلّ قيوده. قال أبو محجن -رضي اللّه عنه- أنا واللّه لا أشربها أبدا، كنت آنف أن أدعها من أجل جلدكم، قال: فلم يشربها بعد ذلك. الاستيعاب: (4-184)، وسنده صحيح، كما في الإصابة: (4-174).
12- عن معقل بن يسار أنّ عمر بن الخطّاب -رضي اللّه عنه- شاور الهرمزان. فقال: ما ترى أبدأ: بفارس، أو بأذربيجان، أم بأصبهان؟. فقال: إنّ فارس وأذربيجان الجناحان، وأصبهان الرّأس، فإن قطعت أحد الجناحين قام الجناح الاخر، فإن قطعت الرّأس وقع الجناحان، فابدأ بالرّأس. فدخل عمر -رضي اللّه عنه- المسجد والنّعمان بن مقرّن -رضي اللّه عنه- يصلّي، فقعد إلى جنبه، فلمّا قضى صلاته قال: إنّي أريد أن أستعملك. قال: أمّا جابيا، فلا، ولكن غازيا. قال: فأنت غاز. فوجّهه إلى أصبهان- فذكر الحديث- وفيه: فقال المغيرة للنّعمان: يرحمك اللّه إنّه قد أسرع في النّاس، فاحمل. فقال: واللّه إنّك لذو مناقب، لقد شهدت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم القتال، وكان إذا لم يقاتل أوّل النّهار أخّر القتال حتّى تزول الشّمس، وتهبّ الرّياح، وينزل النّصر، قال: ثمّ قال: إنّي هازّ لوائي ثلاث مرّات: فأمّا الهزّة الأولى فقضى الرّجل حاجته وتوضّأ، وأمّا الثّانية فنظر رجل في سلاحه، وفي شسعه فأصلحه، وأمّا الثّالثة فاحملوا ولا يلوينّ أحد على أحد وإن قتل النّعمان فلا يلو عليه أحد، فإنّي أدعو اللّه- عزّ وجلّ- بدعوة، فعزمت على كلّ امرىء منكم لما أمّن عليها: اللّهمّ أعط اليوم النّعمان الشّهادة في نصر المسلمين، وافتح عليهم. وهزّ لواءه أوّل مرّة، ثمّ هزّ الثّانية، ثمّ شلّ درعه، ثمّ حمل فكان أوّل صريع، فقال معقل: فأتيت عليه، فذكرت عزمته، فجعلت عليه علما، ثمّ ذهبت- وكنّا إذا قتلنا رجلا شغل عنّا أصحابه- ووقع ذو الحاجبين عن بغلته، فانشقّ بطنه، فهزمهم اللّه، ثمّ جئت إلى النّعمان ومعي إداوة فيها ماء، فغسلت عن وجهه التّراب، فقال: من أنت؟ قلت:
معقل بن يسار. قال: ما فعل النّاس؟ فقلت: فتح اللّه عليهم. قال: الحمد للّهّ، اكتبوا بذلك إلى عمر، وفاضت نفسه. وعند الطّبريّ أيضا عن زياد بن جبير عن أبيه- رضي اللّه عنهما- فذكر الحديث بطوله في وقعة نهاوند، وفيه: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا غزا فلم يقاتل أوّل النّهار لم يعجل حتّى تحضر الصّلاة، وتهبّ الأرواح، ويطيب القتال فما منعني إلّا ذلك اللّهمّ إنّي أسألك أن تقرّ عيني اليوم بفتح يكون فيه عزّ الإسلام، وذلّ يذلّ به الكفّار، ثمّ اقبضني إليك بعد ذلك على الشّهادة. أمّنوا يرحمكم اللّه فأمّنّا وبكينا. أخرجه الطبراني بطوله مثل ما روى الطبري. قال الهيثمي (6-217): رجاله رجال الصحيح غير علقمة بن عبد اللّه المزني، وهو ثقة، الحاكم (3-293) عن معقل بطوله. والحاكم (3/ 293) وأقره الذهبي)
13- عن جعفر بن عبد اللّه بن أسلم الهمدانيّ -رضي اللّه عنه- قال: لمّا كان يوم اليمامة كان أوّل النّاس جرح أبو عقيل الأنيفيّ -رضي اللّه عنه-، رمي بسهم فوقع بين منكبيه وفؤاده، فشطب في غير مقتل، فأخرج السّهم- ووهن له شقّه الأيسر- لما كان فيه، وهذا أوّل النّهار، وجرّ إلى الرّحل - فلمّا حمي القتال وانهزم المسلمون وجازوا رحالهم- وأبو عقيل واهن من جرحه- سمع معن بن عديّ -رضي اللّه عنه- يصيح بالأنصار: اللّه اللّه! والكرّة على عدوّكم، وأعنق معن يقدم القوم، وذلك حين صاحت الأنصار: أخلصونا، أخلصونا، فأخلصوا رجلا رجلا يميّزون. قال عبد اللّه بن عمر- رضي اللّه عنهما-: فنهض أبو عقيل يريد قومه، فقلت: ما تريد يا أبا عقيل، ما فيك قتال؟!، قال: قد نوّه المنادي باسمي، قال ابن عمر: فقلت: إنّما يقول: يا للأنصار، لا يعني الجرحى!! قال أبو عقيل: أنا رجل من الأنصار، وأنا أجيبه ولو حبوا! قال ابن عمر: فتحزّم أبو عقيل وأخذ السّيف بيده اليمنى مجرّدا، ثمّ جعل ينادي: يا للأنصار، كرّة كيوم حنين، فاجتمعوا- رحمهم اللّه- جميعا يقدمون المسلمين دربة دون عدوّهم حتّى أقحموا عدوّهم الحديقة، فاختلطوا واختلف السّيوف بيننا وبينهم. قال ابن عمر: فنظرت إلى أبي عقيل وقد قطعت يده المجروحة من المنكب، فوقعت على الأرض وبه من الجراح أربعة عشر جرحا كلّها قد خلصت إلى مقتل، وقتل عدوّ اللّه مسيلمة، قال ابن عمر: فوقعت على أبي عقيل وهو صريع باخر رمق، فقلت: أبا عقيل، فقال: لبّيك. بلسان ملتاث - لمن الدّبرة؟، قلت: أبشر، ورفعت صوتي: قد قتل عدوّ اللّه، فرفع أصبعه إلى السّماء يحمد اللّه، ومات- رحمه اللّه- قال ابن عمر: فأخبرت عمر بعد أن قدمت خبره كلّه، فقال: رحمه اللّه، ما زال يسأل الشّهادة ويطلبها، وإن كان ما علمت من خيار أصحاب نبيّنا صلّى اللّه عليه وسلّم وقديم إسلام. حياة الصحابة: (2-201).
14- عن ابن عمر- رضي اللّه عنهما- أنّ عمر -رضي اللّه عنه- قال يوم أحد لأخيه: خذ الدّرع يا أخي، قال: أريد من الشّهادة مثل الّذي تريد، فتركاها جميعا. (الهيثمي: 5-298 وقال: رجال الطبراني رجال الصحيح، وابن سعد: 3-275، وأبو نعيم في الحلية: 1-367 نحوه).
15- عن زيد بن أسلم عن أبيه، قال: خرجت مع عمر بن الخطّاب -رضي اللّه عنه- إلى السّوق، فلحقت عمر امرأة شابّة، فقالت: يا أمير المؤمنين هلك زوجي وترك صبية صغارا، واللّه ما ينضجون كراعا، ولا لهم زرع ولا ضرع”، وخشيت أن تأكلهم الضّبع، وأنا بنت خفاف بن إيماء الغفاريّ، وقد شهد أبي الحديبية مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فوقف معها عمر ولم يمض، ثمّ قال: مرحبا بنسب قريب، ثمّ انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطا في الدّار فحمل عليه غرارتين ملأهما طعاما وحمل بينهما نفقة وثيابا، ثمّ ناولها بخطامه، ثمّ قال: اقتاديه، فلن يفنى حتّى يأتيكم اللّه بخير. فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أكثرت لها، قال عمر: ثكلتك أمّك، واللّه إنّي لأرى أبا هذه وأخاها قد حاصرا حصنا زمانا فافتتحاه ثمّ أصبحنا نستفيء سهماننا منه. البخاري- الفتح 7 (4160).
16- كان سعيد بن عمرو بن العاص ذا نخوة وهمّة، قيل له في مرضه: إنّ المريض يستريح إلى الأنين وإلى شرح ما به إلى الطّبيب. فقال أمّا الأنين فهو جزع وعار، واللّه لا يسمع اللّه منّي أنينا فأكون عنده جزوعا، وأمّا وصف ما بي إلى الطّبيب فو اللّه لا يحكم غير اللّه في نفسي إن شاء أمسكها وإن شاء قبضها. (المستطرف للأبشيهي: 1-142).
17- عن عبّاد بن عبد اللّه بن الزّبير- رضي اللّه عنهما- قال: حدّثني أبي الّذي أرضعني- وكان أحد بني مرّة بن عوف. وكان في تلك الغزوة (غزوة مؤتة)، قال: واللّه لكأنّي أنظر إلى جعفر -رضي اللّه عنه- حين اقتمّ عن فرس له شقراء ثمّ عقرها، ثمّ قاتل القوم حتّى قتل، وهو يقول:
يا حبّذا الجنّة واقترابها طيّبة وبارد شرابها *** والرّوم روم قد دنا عذابها
كافرة بعيدة أنسابها *** عليّ إذ لاقيتها ضرابها
(البداية والنهاية: 4-244).
18- قال سعيد بن العاص: ما شاتمت رجلا مذ كنت رجلا، لأنّي لم أشاتم إلّا أحد رجلين:إمّا كريم فأنا أحقّ أن أجلّه، وإمّا لئيم فأنا أولى أن أرفع نفسي عنه. (المستطرف في كل فن مستظرف (1-136).
19- قال الفضل- وهو ابن زياد-: سمعت أبا عبد اللّه، يقول: ليس تضمّ إلى معمر أحدا إلّا وجدته فوقه، رحل في الحديث إلى اليمن وهو أوّل من رحل، فقال له أبو جعفر: والشّام؟، فقال: لا، الجزيرة. (الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي: 220-221).
20- قال مكحول الدّمشقيّ الإمام: كنت عبدا بمصر لامرأة من بني هذيل فأعتقتني فما خرجت من مصر وبها علم إلّا حويت عليه فيما أرى، ثمّ أتيت الحجاز فما خرجت منها وبها علم إلّا حويت عليه فيما أرى، ثمّ أتيت العراق فما خرجت منها وبها علم إلّا حويت عليه فيما أرى، ثمّ أتيت الشّام فغربلتها، كلّ ذلك أسأل عن النّفل، فلم أجد أحدا يخبرني فيه بشيء حتّى أتيت شيخا يقال له زياد بن جارية التّميميّ فقلت له: هل سمعت في النّفل شيئا؟ قال: نعم سمعت حبيب بن مسلمة الفهريّ يقول: شهدت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم نفّل الرّبع في البدأة والثّلث في الرّجعة. الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي: (220-221) .
21- سمع عمر -رضي اللّه عنه- سائلا يسأل بعد المغرب، فقال لواحد من قومه: عشّ الرّجل فعشّاه، ثمّ سمعه ثانيا يسأل فقال: ألم أقل لك عشّ الرّجل، قال: قد عشّيته. فنظر عمر فإذا تحت يده مخلاة مملوءة خبزا، فقال: لست سائلا ولكنّك تاجر، ثمّ أخذ المخلاة ونثرها بين يدي إبل الصّدقة، وضربه بالدّرّة، وقال: لا تعد. (إحياء علوم الدين للإمام أبي حامد الغزالي: (4-211).
الاشعار
1- قال الشّاعر:
رأيت عرابة الأوسيّ يسمو *** إلى الخيرات منقطع القرين
إذا ما راية رفعت لمجد *** تلقّاها عرابة باليمين
انظر المستطرف: (1-206).
2- قال القاضي عليّ بن عبد العزيز الجرجانيّ:
يقولون لي فيك انقباض وإنّما *** رأوا رجلا عن موقف الذّلّ أحجما
أرى النّاس من داناهم هان عندهم *** ومن أكرمته عزّة النّفس أكرما
ولم أقض حقّ العلم إن كان كلّما *** بدا طمع صيّرته لي سلّما
وما كلّ برق لاح لي يستفزّني *** ولا كلّ من لاقيت أرضاه منعما
إذا قيل هذا منهل قلت قد أرى *** ولكنّ نفس الحرّ تحتمل الظّما
أنهنهها عن بعض ما لا يشينها *** مخافة أقوال العدا فيم أولما؟
ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي *** لأخدم من لاقيت، لكن لا أخدما
أأشقى به غرسا وأجنيه ذلّة *** إذن فاتّباع الجهل قد كان أحزما
ولو أنّ أهل العلم صانوه صانهم *** ولو عظّموه في النّفوس لعظّما
ولكن أهانوه فهان ودنّسوا *** محيّاه بالأطماع حتّى تجهّما
انظر أدب الدنيا والدين للماوردي: (92).
3- قال الشّاعر:
وإذا كانت النّفوس كبارا *** تعبت في مرادها الأجسام
صيد الخاطر لابن الجوزي: (570).
4- قال الشّاعر:
سافر إذا حاولت قدرا *** سار الهلال فصار بدرا
والماء يكسب ما جرى *** طيبا ويخبث ما استقرّا
وبنقلها الدّرر النّفيسة *** بدّلت بالبحر نحرا
الفلاكة والمفلكون للإمام الدلجي: (141).
5- وقال آخر:
لا يدرك المجد من لا يركب الخطرا *** ولا ينال العلا من قدّم الحذرا
ومن أراد العلا صفوا بلا كدر *** قضى ولم يقض من إدراكه وطرا
وأحزم النّاس من لو مات من ظمأ *** لا يقرب الورد حتّى يعرف الصّدرا
الفلاكة والمفلكون: (140).
6- قال علي رضي الله عنه:
إذا أظمأتك أكف الرجال *** كفتك القناعة شبعاً وريا
فكن رجلاً رجله في الثرى *** وهامة همته في الثريا
7- وقال أيضاً:
ما اعتاضَ باذلُ وجهٍ بسؤالهِ *** عِوَضاً ولو نالَ المنى بسؤالِ
وإِذا السؤالُ معَ النوالِ وزنتَه *** وجَحَ السؤالُ وخفَّ كُلُّ نوالِ
وإِذا ابتُليْتَ ببذلِ وجهِكَ سائلاً *** فابذلْهِ للمتكرمِ المفضالِ
8- وقال أيضاً:
ومحترسٍ من نفسِه خوفَ ذلةٍ *** تكونُ عليه حجةً هي ماهي
فقَلِّصَ بُرْدَيهِ وأفضى بقلبهِ *** إِلى البِرِّ والتقوى فنالَ الأمانيا
وجانب أسبابَ السفاهةِ والخَنا *** عفافاً وتنزيهاً فأصبحَ عاليِا
وصانَ عن الفحشاءِ نفساً كريمةً *** أبتْ همةً إلا العلى والمعاليا
تراهُ إِذا ما طاشَ ذو الجهلِ والصَّبا *** حليماً وقوراً ضائنَ النفسِ هاديا
له حِلْمُ كهلٍ في صرامةِ حازمٍ *** وفي العينِ إِن أبصرتَ أبصرتَ ساهياً
يروقُ صفاءُ الماءِ منه بوجهِه *** فأصبحَ منه الماءُ في الوجهِ صافياً
ومن فضلِه يرعى ذِماماً لجارهِ *** ويحفظُ منه العهد إِذا ظلَّ راعيا
صَبوراً على صَرْفِ اليالي ودرئِها *** كَتوماً لأسرارِ الضميرِ مُداريا
له هِمَّةُ تعلو على كُلِّ همةٍ *** كما قد علا البَدرُ النجومَ الداريا
(مجمع الحكم والأمثال لأحمد قبش: (165).
9- قال المتنبي:
لولا المشقة ساد الناس كلهم *** الجود يفقر والإقدام قتال
10- وقال أيضا:
وإذا كانت النفوس كبارا *** تعبت في مرادها الأجسام
أدب الدنيا والدين للماوردي: 318).
11- وقال أيضاً:
ولم أر في عيوب الناس عَيْبًا *** كنقص القادرين على التَّمامِ
12- قال ابن هانئ الأندلسي:
ولم أجِد الإِنسانَ إِلا ابن سعيِه *** فمن كان أسعى كان بالمجدِ أجدرا
وبالهمةِ العلياءِ يرقى إِلى العلا *** فمن كان أرقى هِمَّةٍ كان أظهرا
ولم يتأخرْ من يريد تقدماً *** ولم يتقدمْ من يريدُ تأخراً
مجمع الحكم والأمثال لأحمد قبش: (217).
13- قال الشّاعر:
لعمرك ما أهويت كفّي لريبة *** ولا حملتني نحو فاحشة رجلي
ولا قادني سمعي ولا بصري لها *** ولا دلّني رأيي عليها ولا عقلي
ولست بماش ما حييت لمنكر *** من الأمر لا يمشي إلى مثله مثلي
ولا مؤثر نفسي على ذي قرابة *** وأوثر ضيفي ما أقام على أهلي
وأعلم أنّي لم تصبني مصيبة *** من الدّهر إلّا قد أصابت فتى مثلي
البداية والنهاية لابن كثير: (9-108).
14- قال حبيب الطّائيّ:
أعاذلتي ما أخشن اللّيل مركبا *** وأخشن منه في الملمّات راكبه
ذريني وأهوال الزّمان أقاسها *** فأهواله العظمى تليها رغائبه
العقد الفريد لابن عبد ربه: (3-188).
15- قال كعب بن زهير:
وليس لمن لم يركب الهول بغية *** وليس لرحل حطّه اللّه حامل
إذا أنت لم تعرض عن الجهل والخنا *** أصبت حليما أو أصابك جاهل
العقد الفريد لابن عبد ربه: (3-188).
16- قال امرؤ القيس:
فلو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة *** كفاني ولم أطلب قليل من المال
ولكنّما أسعى لمجد مؤثّل *** وقد يدرك المجد المؤثّل أمثالي
العقد الفريد لابن عبد ربه: (3-175).
متفرقات
1- بين الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى أن الهمة مولودة مع الآدمي يقول رحمه الله: وما تقف همة إلا خساستها، يعني: المفترض في الهمة أنها تظل تطلب طلباً معيناً، فتحققه، ثم تصبو إلى ما هو أعلى، فإذا أنجزته تصبو إلى ما هو أعلى، وهكذا. سلسلة علو الهمة لمحمد أحمد إسماعيل المقدم: (ص4).
2- قال ابن الجوزي: "من علامة كمال العقل علو الهمة، والراضي بالدون دني". صيد الخاطر؛ لابن الجوزي: (28).
3- قال ابن القيم: "فمن علت همته وخشعت نفسه اتصف بكل خلق جميل ومن دنت همته وطغت نفسه اتصف بكل خلق رذيل" الفوائد لابن القيم: (97).
4- وقال أيضا: "الهمة العلية لا تزال حائمة حول ثلاثة أشياء تعرف لصفة من الصفات العليا تزداد بمعرفتها محبة وإرادة وملاحظة لمنة تزداد بملاحظتها شكر أو إطاعة وتذكر لذنب تزداد بتذكره توبة وخشية فإذا تعلقت الهمة بسوى هذه الثلاثة جالت في أودية الوساوس والخطرات من عشق الدنيا نظرت إلى قدرها عنده فصيرته من خدمها وعبيدها وأذلته ومن أعرض عنها نظرت إلى كبر قدره فخدمته وذلت له إنما يقطع السفر ويصل المسافر بلزوم الجادة وسير الليل فإذا حاد المسافر عن الطريق ونام الليل كله فمتى يصل إلى مقصده؟" الفوائد لابن القيم: (99).
5- وقال أيضاً: العلم والعمل توأمان أمهما علو الهمة". بدائع الفوائد لابن القيم (ص: 747).
6- وقال أيضاً: "لا تكون الروح الصافية إلا في بدن معتدل ولا الهمة العالية إلا في نفس نفيسة" بدائع الفوائد لابن القيم: (750).
7- قسم الهروي درجات علو الهمة على ثلاث:
الدرجة الأولى: همة تصون القلب عن وحشة الرغبة في الفاني، وتحمله على الرغبة في الباقي، وتصفيه من كدر التواني. يقول ابن القيم: الفاني الدنيا وما عليها.
أي يزهد القلب فيها وفي أهلها. وسمى الرغبة فيها وحشة لأنها وأهلها توحش قلوب الراغبين فيها، وقلوب الزاهدين فيها. أما الراغبون فيها: فأرواحهم وقلوبهم في وحشة من أجسامهم. إذ فاتها ما خلقت له. فهي في وحشة لفواته.
وأما الزاهدون فيها: فإنهم يرونها موحشة لهم. لأنها تحول بينهم وبين مطلوبهم ومحبوبهم. ولا شيء أوحش عند القلب مما يحول بينه وبين مطلوبه ومحبوبه. ولذلك كان من نازع الناس أموالهم، وطلبها منهم أوحش شيء إليهم وأبغضه.
وأيضا: فالزاهدون فيها: إنما ينظرون إليها بالبصائر. والراغبون ينظرون إليها بالأبصار فيستوحش الزاهد مما يأنس به الراغب.
كما قيل:
وإذا أفاق القلب واندمل الهوى *** رأت القلوب ولم تر الأبصار
وكذلك هذه الهمة تحمله على الرغبة في الباقي لذاته. وهو الحق سبحانه. والباقي بإبقائه: هو الدار الآخرة. وتصفيه من كدر التواني أي تخلصه وتمحصه من أوساخ الفتور والتواني، الذي هو سبب الإضاعة والتفريط. والله أعلم.
الدرجة الثانية: همة تورث أنفة من المبالاة بالعلل، والنزول على العمل والثقة بالأمل. يقول ابن القيم: العلل هاهنا: هي علل الأعمال من رؤيتها، أو رؤية ثمراتها وإرادتها. ونحو ذلك. فإنها عندهم علل. فصاحب هذه الهمة: يأنف على همته، وقلبه من أن يبالي بالعلل. فإن همته فوق ذلك. فمبالاته بها، وفكرته فيها: نزول من الهمة. وعدم هذه المبالاة: إما لأن العلل لم تحصل له؛ لأن علو همته حال بينه وبينها. فلا يبالي بما لم يحصل له.
وإما لأن همته وسعت مطلوبه، وعلوه يأتي على تلك العلل، ويستأصلها. فإنه إذا علق همته بما هو أعلى منها تضمنتها الهمة العالية. فاندرج حكمها في حكم الهمة العالية. وهذا موضع غريب عزيز جدا. وما أدري قصده الشيخ أو لا؟ وأما أنفته من النزول على العمل: فكلام يحتاج إلى تقييد وتبيين. وهو أن العالي الهمة مطلبه فوق مطلب العمال والعباد.
وأعلى منه. فهو يأنف أن ينزل من سماء مطلبه العالي، إلى مجرد العمل والعبادة، دون السفر بالقلب إلى الله، ليحصل له ويفوز به. فإنه طالب لربه تعالى طلبا تاما بكل معنى واعتبار في عمله، وعبادته ومناجاته، ونومه ويقظته، وحركته وسكونه، وعزلته وخلطته، وسائر أحواله. فقد انصبغ قلبه بالتوجه إلى الله تعالى أيما صبغة. وهذا الأمر إنما يكون لأهل المحبة الصادقة. فهم لا يقنعون بمجرد رسوم الأعمال، ولا بالاقتصار على الطلب حال العمل فقط. وأما أنفته من الثقة بالأمل: فإن الثقة توجب الفتور والتواني. وصاحب هذه الهمة: ليس من أهل ذلك، كيف؟ وهو طائر لا سائر.
الدرجة الثالثة: همة تتصاعد عن الأحوال والمعاملات. وتزري بالأعواض والدرجات. وتنحو عن النعوت نحو الذات.
يقول ابن القيم: "أي هذه الهمة أعلى من أن يتعلق صاحبها بالأحوال التي هي آثار الأعمال والواردات، أو يتعلق بالمعاملات. وليس المراد تعطيلها. بل القيام بها مع عدم الالتفات إليها، والتعلق بها. ووجه صعود هذه المهمة عن هذا: ما ذكره من قوله: تزري بالأعواض والدرجات، وتنحو عن النعوت نحو الذات، أي صاحبها لا يقف عند عوض ولا درجة.
فإن ذلك نزول من همته. ومطلبه أعلى من ذلك. فإن صاحب هذه الهمة قد قصر همته على المطلب الأعلى، الذي لا شيء أعلى منه. والأعواض والدرجات دونه. وهو يعلم أنه إذا حصل له فهناك كل عوض ودرجة عالية. وأما نحوها نحو الذات فيريد به: أن صاحبها لا يقتصر على شهود الأفعال والأسماء والصفات. بل الذات الجامعة لمتفرقات الأسماء والصفات والأفعال". مدارج السالكين لابن القيم: (3/6-8).
8- يقول ابن حزم في علو همة من امتحن بمكروه وعاقه عن هذا الطريق: "ووجدت العامل للآخرة إن امتحن بمكروه في تلك السبيل لم يهتم بل يسر إذ رجاؤه في عاقبه ما ينال به عون له على ما يطلب وزايد في الغرض الذي إياه يقصد ووجدته إن عاقه عما هو بسبيله عائق لم يهتم إذ ليس مؤاخذا بذلك فهو غير مؤثر في ما يطلب ورأيته إن قصد بالأذى سر وإن نكبته نكبة سر وإن تعب فيما سلك فيه سر فهو في سرور متصل أبدا" الأخلاق والسير لابن حزم: (15).
9- قال الماورديّ- رحمه اللّه-: اعلم أنّ من شواهد الفضل، ودلائل الكرم: المروءة الّتي هي حلية النّفوس، وزينة الهمم. ومن حقوق المروءة وشروطها، ما لا يتوصّل إليه إلّا بالمعاناة، ولا يوقف عليه إلّا بالتّفقّد والمراعاة، فثبت أنّ مراعاة النّفس إلى أفضل أحوالها هي المروءة، وإذا كانت كذلك، فليس ينقاد لها مع ثقل كلفها، إلّا من تسهّلت عليه المشاقّ، رغبة في الحمد، وهانت عليه الملاذّ، حذرا من الذّمّ، ولذلك قيل: سيّد القوم أشقاهم.
وقال الشّاعر:
وإذا كانت النّفوس كبارا *** تعبت في مرادها الأجسام
والدّاعي إلى استسهال ذلك شيئان: أحدهما: علوّ الهمّة، والثّاني: شرف النّفس. أمّا علوّ الهمّة، فلأنّه باعث على التّقدّم، وداع إلى التّخصيص، أنفة من خمول الضّعة، واستنكارا لمهانة النّقص". أدب الدنيا والدين للماوردي: (306-307).
10- قال الشّيخ الخضر حسين- رحمه اللّه-: وممّا جبل عليه الحرّ الكريم، ألايقنع من شرف الدّنيا والآخرة بشيء ممّا انبسط له، أملا فيما هو أسنى منه درجة وأرفع منزلة، ولذلك قال عمر بن عبد العزيز لدكين الرّاجز: إنّ لي نفسا توّاقة، فإذا بلغك أنّي صرت إلى أشرف من منزلتي هذه، فبعين ما أرينّك- قال له ذلك وهو عامل المدينة لسليمان بن عبد الملك- فلمّا صارت إليه الخلافة قدم عليه دكين، فقال له: أنا كما أعلمتك أنّ لي نفسا توّاقة، وأنّ نفسي تاقت إلى أشرف منازل الدّنيا، فلمّا بلغتها وجدتها تتوق لأشرف منازل الآخرة.
وفي هذا المعنى:
والحرّ لا يكتفي من نيل مكرمة *** حتّى يروم الّتي من دونها العطب
يسعى به أمل من دونه أجل *** إن كفّه رهب يستدعه رغب
لذاك ما سال موسى ربّه أرني *** أنظر إليك وفي تساله عجب
يبغي التّزيّد فيما نال من كرم *** وهو النّجيّ لديه الوحي والكتب
وسائل الإصلاح للخضر حسين: (ص 85- 95) باختصار.
11- قال الحافظ أبو بكر عبد اللّه بن الإمام الحافظ أبي داود السّجستانيّ، المولود سنة (303 هـ). قال: دخلت الكوفة ومعي درهم واحد فاشتريت به ثلاثين مدّا باقلّاء، فكنت آكل منه وأكتب عن الأشجّ عبد اللّه بن سعيد الكنديّ محدّث الكوفة، فما فرغ الباقلّاء حتّى كتبت عنه ثلاثين ألف حديث ما بين مقطوع ومرسل. (انظر صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل لأبي غدة).
12- قال الحافظ الذّهبيّ في تذكرة الحفّاظ في ترجمة الإمام محمّد بن جرير الطّبريّ، قال أبو محمّد الفرغانيّ تلميذ ابن جرير: كان محمّد بن جرير لا تأخذه في اللّه لومة لائم مع عظم ما يؤذى، فأمّا أهل الدّين والعلم فغير منكرين علمه وزهده ورفضه الدّنيا وقناعته بما يجيئه من حصّة خلّفها له أبوه بطبرستان، قال: ورحل محمّد بن جرير لمّا ترعرع، وسمح له أبوه بالسّفر، وكان أبوه طول حياته يوجّه إليه بالشّيء بعد الشّيء إلى البلدان، فسمعته يقول: أبطأت منّي نفقة والدي واضطررت إلى أن بعت ثيابي. ولقد قال ابن جرير:
إذا أعسرت لم يعلم رفيقي *** وأستغني فيستغني صديقي
حيائي حافظ لي ماء وجهي *** ورفقي في مكالمتي رفيقي
ولو أنّي سمحت ببذل وجهي *** لكنت إلى الغنى سهل الطّريق
وهو الّذي يقول:
خلقان لا أرضى طريقهما *** بطر الغنى ومذلّة الفقر
فإذا غنيت فلا تكن بطرا *** وإذا افتقرت فته على الدّهر
(انظر صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل لأبي غدة).
13- قال ابن الجوزيّ: تأمّلت أحوال النّاس في حالة علوّ شأنهم فرأيت أكثر الخلق تبين حسراتهم حينئذ، فمنهم من بالغ في المعاصي من الشّباب، ومنهم من فرّط في اكتساب العلم ومنهم من أكثر من الاستمتاع باللّذات. فكلّهم نادم في حالة الكبر حين فوات الاستدراك لذنوب سلفت، أو قوى ضعفت، أو فضيلة فاتت، فيمضي زمان الكبر في حسرات، فإن كانت للشّيخ إفاقة من ذنوب قد سلفت، قال: وا أسفاه على ما جنيت؟ وإن لم يكن له إفاقة صار متأسّفا على فوات ما كان يلتذّ به. فأمّا من أنفق عصر الشّباب في العلم فإنّه في زمن الشّيخوخة يحمد جنى ما غرس ويلتذّ بتصنيف ما جمع، ولا يرى ما يفقد من لذّات البدن شيئا بالإضافة إلى ما يناله من لذّات العلم.
هذا مع وجود لذّاته في الطّلب الّذي كان يأمل به إدراك المطلوب، وربّما كانت تلك الأعمال أطيب ممّا نيل منها، كما قال الشّاعر:
أهتزّ عند تمنّي وصلها طربا *** وربّ أمنيّة أحلى من الظّفر
ولقد تأمّلت نفسي بالإضافة إلى عشيرتي الّذين أنفقوا أعمارهم في اكتساب الدّنيا، وأنفقت زمن الصّبوة والشّباب في طلب العلم، فرأيتني لم يفتني ممّا نالوه إلّا ما لو حصل لي ندمت عليه، ثمّ تأمّلت حالي فإذا عيشي في الدّنيا أجود من عيشهم، وجاهي بين النّاس أعلى من جاههم، وما نلته من معرفة العلم لا يقاوم. فقال لي إبليس: ونسيت تعبك وسهرك، فقلت له: أيّها الجاهل. تقطيع الأيدي لا وقع له عند رؤية يوسف، وما طالت طريق أدّت إلى صديق:
جزى اللّه المسير إليه خيرا *** وإن ترك المطايا كالمزاد.
ولقد كنت في حلاوة طلبي العلم ألقى من الشّدائد ما هو عندي أحلى من العسل لأجل ما أطلب وأرجو، كنت في زمان الصّبا آخذ معي أرغفة يابسة فأخرج في طلب الحديث وأقعد على نهر عيسى فلا أقدر على أكلها إلّا عند الماء، فكلّما أكلت لقمة شربت عليها، وعين همّتي لا ترى إلّا لذّة تحصيل العلم، فأثمر ذلك عندي أنّي عرفت بكثرة سماعي لحديث الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم وأحواله وآدابه وأحوال أصحابه وتابعيهم . صيد الخاطر لابن الجوزي: (218- 219).
14- "كان الإمام البخاريّ يقوم في اللّيلة الواحدة ما يقرب من عشرين مرّة لتدوين حديث أو فكرة طرأت عليه، كما أنّه من أعظم الرّماة، ما كان سهمه يخطأ الهدف إلّا نادرا". انظر هذه الاثار في: الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي (220- 221)، ومعرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري: (2- 3).
15- وفي ترجمة الإمام الطّبرانيّ: هو الحافظ العلّامة أبو القاسم سليمان بن أحمد اللّخميّ الشّاميّ الطّبرانيّ مسند الدّنيا، زادت مؤلّفاته عن خمسة وسبعين مؤلّفا. سئل الطّبرانيّ عن كثرة حديثه، فقال: كنت أنام على الحصير ثلاثين سنة. (انظر هذه الاثار في: الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي (220- 221)، ومعرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري (2- 3).
16- قال الإمام أحمد بن حنبل: "رحلت في طلب العلم والسّنّة إلى الثّغور والشّامات والسّواحل والمغرب والجزائر ومكّة والمدينة والحجاز واليمن والعراقين جميعا وفارس وخراسان والجبال والأطراف ثمّ عدت إلى بغداد. وقال: حججت خمس حجج منها ثلاث حجج راجلا- ولا يغيب عنك أنّ بلده بغداد- أنفقت في إحدى هذه الحجج ثلاثين درهما. وقال الإمام ابن الجوزيّ: طاف الإمام أحمد بن حنبل الدّنيا مرّتين حتّى جمع المسند". انظر هذه الاثار في: الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي: (220- 221)، ومعرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري: (2- 3).
17- قال أبو عبد اللّه الحاكم النّيسابوريّ في كتابه (معرفة علوم الحديث) وهو يذكر فضل أصحاب الحديث وطلّابه: "هم قوم سلكوا محجّة الصّالحين واتّبعوا آثار السّلف من الماضين، ودمغوا أهل البدع والمخالفين بسنن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. قوم آثروا قطع المفاوز والقفار على التّنعّم في الدّمن والأوكار، وتنعّموا بالبؤس في الأسفار مع مساكنة أهل العلم والأخبار، وقنعوا عند جمع الأحاديث والاثار بوجود الكسر والأطمار *** جعلوا المساجد بيوتهم وأساطينها تكاهم وبواريها فرشهم، نبذوا الدّنيا بأسرها وراءهم، وجعلوا غذاءهم الكتابة وسمرهم المعارضة (أي مقابلة الكتاب الّذي كتبوه بالكتاب الّذي سمعوه أو نقلوا منه) واسترواحهم المذاكرة، وخلوقهم المداد، ونومهم السّهاد، واصطلاءهم الضّياء، وتوسّدهم الحصى، فالشّدائد مع وجود الأسانيد العالية عندهم رخاء، ووجود الرّخاء مع فقد ما طلبوه عندهم بؤس، فعقولهم بلذاذة السّنّة غامرة، وقلوبهم بالرّضاء في الأحوال عامرة، تعلّم السّنن سرورهم، ومجالس العلم حبورهم، وأهل السّنّة قاطبة إخوانهم، وأهل الإلحاد والبدع بأسرها أعداؤهم". الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي: (200- 221).
18- عكف أبو صالح أيّوب بن سليمان على كتاب العروض حتّى حفظه، فسأله بعضهم عن إقباله على هذا العلم بعد الكبر، فقال: حضرت قوما يتكلّمون فيه فأخذني ذلّ في نفسي أن يكون باب من العلم لا أتكلّم فيه". أدب الدنيا والدين: (ص 54).
19- الرسول صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الحسنة، والقدوة الرائعة، في علو الهمة والشجاعة والإقدام، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا حمي الوطيس في الحرب كان أكثر الناس شجاعة، وأعظمهم إقداماً، وأعلاهم همة، وقد قاد صلوات الله عليه بنفسه خلال عشر سنين سبعاً وعشرين غزاة، وكان يتمنى أن يقوم بنفسه كل البعوث التي بعثها والسرايا التي سيرها، ولكن أقعده عن ذلك أنه كان لا يجد ما يزود به جميع أصحابه للخروج معه في كل بعث، وكان أكثرهم لا تطيب نفسه أن يقعد ورسول الله قد خرج إلى الجهاد. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده، لولا أن رجالاً من المسلمين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني، ولا أجد ما أحملهم عليه، ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله، والذي نفسي بيده لوددت أن أقتل في سبيل الله ثم أحيى، ثم أقتل ثم أحيى، ثم أقتل ثم أحيى، ثم أقتل) (رواه البخاري: 2797). فأية همة علية أعلى من هذه الهمة النبوية (الأخلاق الإسلامية لعبد الرحمن الميداني (2-480). وكان صلى الله عليه وسلم القدوة في الهمة العالية في العبادة فعن عائشة رضي الله عنها قالت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقلت له: لم تصنع هذا يارسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: (أفلا أكون عبداً شكوراً) (رواه البخاري: 4837، ومسلم: 2819 واللفظ للبخاري).
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فأطال القيام، حتى هممت بأمر سوء، قيل وما هممت به؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه (رواه مسلم (773)، فعلو همته صلى الله عليه وسلم لا تنحصر بالأمثلة فحياته كانت مليئة بالهمم العالية (موسوعة الأخلاق الإسلامية لمجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ عَلوي بن عبد القادر السقاف).
20- حديث الروح : اترك وراءك آثاراً يكتبها نورس دوماً وأبداً ما ألقاه، ليوقد بروحي شُعلاً من الحماس المتوهج لدين الله.. هو نفسه قد غدا جذوة متوقدة من الانفعال الحي المُعدي للآخرين! ذات حوار فاجأني بتساؤل يبدو أنه يعصف بذهنه منذ أيام: أريد أن أترك أثراً طيباً، مباركاً، كبيراً، ليس في قريتي الصغيرة هذه، بل على مستوى الأمة.. أريد ذلك. تعجبت من همته العالية، لكنني خفت عليه من عدم واقعية هدفه، ومن مثاليته المتعملقة، لذا أجبته متفاجئاً: أثر! وعلى مستوى الأمة! خفتُ على صديقي من الإحباط فأردفت قائلاً: عزيزي، تعلم أن عظمة العمل بما خالطها من إخلاص وتجرد لله، وليس بضخامته الحسية، فرُبَ عملٍ صغير حقير تضخمه النية الخالصة. افتر ثغره عن ابتسامة وقال: ليكن يا عزيزي عملاً ضخماً روحه النية الخالصة، ولِمَ لا !؟
وضعت يدي على كتَفه وقلت له: على بركة الله، أنت لها ... مضى على حوارنا حينٌ من الدهر، وذات أصيل هاتفني يطلب رؤيتي، فرحبت به والتقينا، جاء كعادته متوقداً جدية وحماسة، وبأخبار طازجة عجيبة! ذكرني بمشروعه العملاق ذاك ( أريد أن أترك أثرا طيباً، مباركاً، كبيراً، ليس في قريتي الصغيرة هذه، بل على مستوى الأمة.. أريد ذلك ).
فرددت عليه أذكر ذلك جيداً .. هل من جديد؟ فقال: استولت عليَّ الفكرة حقاً، فعزمت على إقناع أحد التجار بتبني مشروع إنشاء مركز إسلامي كبير في أحد الدول الأفريقية، ووجدت الشخص المناسب كان قريباً مني جداً، أحد أقاربي، لكنني كنت محرجاً للغاية بتحديثه بالأمر وتمنيت أن تحين فرصة جيدة لأحدثه، ويا سبحان الله! وجدت به ذات يوم يُقم المسجد بعد صلاة عصر أحد الأيام، ناداني وقال: يا بني أنظر لذلك الصندوق به مصاحف قديمة، أودُ منك التخلص منها بمعرفتك، أحرقها أو ادفنها .. أخاف أن يعبث بها الصبية الصغار لو بقيت هنا. فرددت عليه ( والله يا عم ما يهون عليّ أن أحرق أو أدفن المصاحف، تخيل يا عم مثل هذه المصاحف في بعض الدول الأفريقية الفقيرة تُقَسم إلى أجزاء وتُتداول بين أهالي القرى ليتمكنوا من قراءة القرآن، لعدم توفر المصاحف هناك ) غلبني التأثر فبكيت، حدثته عن النشاط التنصيري هناك. سكت صاحبي ليلتقط أنفاسه وليقطف دموعه حبةً حبة! ثم أكمل قصته العجيبة قائلاً: لقد قال الرجل المُسن ( منذ زمن أود بناء مسجد ويا سبحان الله كنت قد جعلت مبلغاً قرابة نصف مليون ريال لبناء مسجد في إحدى القرى المجاورة، لكن يبدو أنني سأغير نيتي لأبنيه في إحدى تلك الدول الفقيرة التي حدثتني عنها الآن ). ولم يلبث الرجل المُسن أن كلفني بالإشراف على المشروع ( بناء المركز الإسلامي )، وها هو الملف بين يديك يحوي تقريراً عن المركز بالصور، بعد أن تبنته إحدى اللجان الخيرية ببلدنا الكريم. طالعت الملف فوجدت مركزاً إسلامياً يحتوي على مدرستين واحدة للذكور والأخرى للإناث لتعليم الإسلام، ومسجد يتسع لقرابة ألفي مصل، ووقف تسعة دكاكين دخلُها يوفر رواتب المشرفين والمشرفات على المركز التعليمي . الذي سيزور مدينة ( كادونا ) ستبصر عيناه ( مركز المدينة الإسلامي )، شامخاً أبياً ذا مئذنة خضراء سامقة تناطح السحب الاستوائية رفعةً وسمواً وطهارة. همسة روحية أخيرة: وكُن رجلاً إن أتوا بعده.. يقولون مرَّ وترك الأثر". (مجلة شباب العدد 55 جمادى الآخرة 1424هـ).
21- شرف نفس عالي الهمة أثر عن العرب أخبار كثيرة فيها إعظامهم شرف النفس، فمن ذلك أنه حكى العتبي عن أبيه قال: أهدى ملك اليمن عشر جزائر إلى مكة -والجزائر جمع جزور، وهو ما يصلح لأن يذبح من الإبل- وأمر أن ينحرها أعز قرشي، فقدمت وأبو سفيان عروس بـ هند بنت عتبة، وحينئذ لم يكن يخرج من بيته، فقالت له زوجته: أيها الرجل! لا يشغلنك النساء عن هذه المكرمة التي لعلها أن تفوتك! لأن ملك اليمن اشترط أن لا ينحرها إلا أعز رجل في قريش، فـ هند بنت عتبة كانت من النساء العاليات الهمة، فقالت له: أيها الرجل! لا يشغلنك النساء عن هذه المكرمة التي لعلها أن تفوتك. فبماذا أجابها أبو سفيان؟ قال لها: يا هذه! دعي زوجك وما يختاره لنفسه، والله ما نحرها غيري إلا نحرته. فقد كان أهل قريش يعرفون جيداً من هو أعز رجل فيهم، فبقيت الجزائر في عقلها -والعقل: جمع العقال، وهو الحبل الذي يعقل به البعير- حتى خرج أبو سفيان في السابع فنحرها (سلسلة علو الهمة المؤلف: محمد أحمد إسماعيل المقدم مصدر الكتاب: دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية http://www.islamweb.net (5/3).
22- يقول الشيخ محمد اسماعيل المقدم: التاريخ الإسلامي حافل بمثل هذه النماذج وهذه الأمثلة التي تبرز لنا هذا المعنى العظيم الجليل، ونحن لا نقصد الاستيعاب، وإنما نقصد ضرب الأمثلة، ونختم الكلام في هذا الفصل بمثال فذ من عصرنا الحديث، لرجل بذل حياته لإعلاء كلمة الله، وهو الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى وأعلى درجته في الشهداء، فإن ذلك الرجل -وما أقل الرجال في هذا العصر- ارتضع منذ طفولته معاني العزة والكرامة والأنفة وشرف النفس حتى عاش حياته سيداً، وغادر الدنيا سيداً رافعاً رأسه، وعاش حياته قطباً، وغادرها أيضاً قطباً في الدعوة والجهاد، وحياته الطويلة حافلة بمواقف العزة والكرامة، لكن نتوقف عند ساعاته الأخيرة وهو يغادر هذه الدنيا الفانية، فقد طلب منه أن يعتذر للطاغية مقابل إطلاق سراحه، فقال: لن أعتذر عن العمل مع الله! وعندما طلب منه كتابة كلمات يسترحم بها عبد الناصر قال: إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة يرفض أن يكتب حرفاً يقر به حكم طاغية. وقال أيضاً: لماذا أسترحم؟! إن سجنت بحق فأنا أقبل حكم الحق، وإن سجنت بباطل فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل. وفي إحدى الجلسات اقترب منه أحد الضباط وسأله عن معنى كلمة (شهيد)، إشارة له إلى أن مصيرك أن تقتل، فرد عليه رحمه الله تعالى قائلاً: كلمة (شهيد) تعني أنه شهد على أن شريعة الله أغلى عليه من حياته (سلسلة علو الهمة المؤلف: محمد أحمد إسماعيل المقدم مصدر الكتاب: دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية http://www.islamweb.net (5/27).
23- يقول الشيخ محمد اسماعيل المقدم: "كان أول ما علم من ابن الزبير رضي الله عنه أنه كان ذات يوم يلعب مع الصبيان وهو صبي، فمر رجل عليهم وهم يلعبون، فصاح الرجل عليهم ففروا، ومشى ابن الزبير القهقرى، يعني: أبى أن يوليه دبره، لكن تراجع إلى الخلف، كما يفعل المجاهد والمقاتل الشجاع الذي لا يعطي عدوه دبره أبداً، في حين أن زملاءه كلهم فروا، ثم قال: يا صبيان! اجعلوني أميركم وشدوا بنا عليه! يعني: عينوني أميراً عليكم، وهيا بنا نهاجم هذا الرجل، ونطرده عن طريقنا. ومر به عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو صبي يلعب مع الصبيان، ففر الصبيان ووقف هو، فقال له عمر: (ما لك لم تفر مع أصحابك؟! قال: يا أمير المؤمنين! لم أجرم فأخاف، ولم تكن الطريق ضيقة فأوسع لك (سلسلة علو الهمة المؤلف: محمد أحمد إسماعيل المقدم مصدر الكتاب: دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية http://www.islamweb.net (5/27).
24- يقول الشيخ محمد اسماعيل المقدم: "نماذج من علو همة الشباب وقد كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين آمنوا به وعزروه ونصوره واتبعوا النور الذي أنزل معه شباباً. هذا أسامه بن زيد رضي الله تعالى عنهما أمّره رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجيش وكان عمره ثماني عشرة سنة. وهذا عتاب بن أسيد رضي الله تعالى عنه استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على مكة لما صار إلى حنين وعمره نيف وعشرون سنة" (سلسلة علو الهمة المؤلف: محمد أحمد إسماعيل المقدم مصدر الكتاب: دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية http://www.islamweb.net).
25- قال ابن القيم رحمه الله: "قال شقيق بن إبراهيم بن الأزديّ، البلخيّ: أغلق باب التّوفيق عن الخلق من ستّة أشياء:
اشتغالهم بالنّعمة عن شكرها، ورغبتهم في العلم وتركهم العمل، والمسارعة إلى الذّنب وتأخير التّوبة، والاغترار بصحبة الصّالحين، وترك الاقتداء بفعالهم، وإدبار الدّنيا عنهم وهم يبتغونها، وإقبال الآخرة عليهم وهم معرضون عنها.
قلت: وأصل ذلك عدم الرّغبة والرّهبة، وأصله ضعف اليقين، وأصله ضعف البصيرة، وأصله مهانة النّفس ودناءتها واستبدال الّذي هو أدنى بالّذي هو خير. وإلّا فلو كانت النّفس شريفة كبيرة لم ترض بالدّون. فأصل الخير كلّه بتوفيق اللّه ومشيئته وشرف النّفس ونبلها وكبرها. وأصل الشّرّ خسّتها ودناءتها وصغرها، قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها* وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) [الشمس9- 10]، أي أفلح من كبّرها وكثّرها ونمّاها بطاعة اللّه، وخاب من صغّرها وحقّرها بمعاصي اللّه. فالنّفوس الشّريفة لا ترضى من الأشياء إلّا بأعلاها وأفضلها وأحمدها عاقبة، والنّفوس الدّنيئة تحوم حول الدّناءات وتقع عليها كما يقع الذّباب على الأقذار. فالنّفس الشّريفة العليّة لا ترضى بالظّلم ولا بالفواحش ولا بالسّرقة والخيانة لأنّها أكبر من ذلك وأجلّ. والنّفس المهينة الحقيرة الخسيسة بالضّدّ من ذلك. فكلّ نفس تميل إلى ما يناسبها ويشاكلها، وهذا معنى قوله تعالى: (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) [الإسراء: 84]، أي على ما يشاكله ويناسبه فهو يعمل على طريقته الّتي تناسب أخلاقه وطبيعته، وكلّ إنسان يجري على طريقته ومذهبه وعاداته الّتي ألفها وجبل عليها، فالفاجر يعمل بما يشبه طريقته من مقابلة النّعم بالمعاصي والإعراض عن المنعم، والمؤمن يعمل بما يشاكله من شكر المنعم ومحبّته والثّناء عليه والتّودّد إليه والحياء منه، والمراقبة له، وتعظيمه وإجلاله". الفوائد لابن القيم (312- 313).
26- قال الشّيخ الخضر حسين رحمه اللّه: "إنّ معالي الأمور وعرة المسالك محفوفة بالمكاره، والعلم أرفع مقام تطمح إليه الهمم، وأشرف غاية تتسابق إليها الأمم، فلا يخلص إليه الطّالب دون أن يقاسي شدائد، ويحتمل متاعب، ولا يستهين بالشّدائد إلّا كبير الهمّة ماضي العزيمة. كان سعيد بن المسيّب يسير اللّيالي في طلب الحديث الواحد، ورحل أبو أيّوب الأنصاريّ من المدينة إلى عقبة بن عامر وهو في مصر ليروي عنه حديثا، فقدم مصر ونزل عن راحلته ولم يحلّ رحلها، فسمع منه الحديث وركب راحلته وقفل إلى المدينة راجعا، ولم ينتشر العلم في بلاد المغرب أو الأندلس إلّا برجال رحلوا إلى الشّرق ولاقوا في رحلاتهم عناء ونصبا، مثل أسد بن الفرات وأبي الوليد الباجيّ وأبي بكر بن العربيّ. وخلاصة المقال: تذكير النّبهاء من نشئنا بأن يقبلوا على العلم بهمم كبيرة صيانة للوقت من أن ينفق في غير فائدة، وعزم يبلى الجديدان وهو صارم صقيل، وحرص لا يشفي غليله إلّا أن يغترف من موارد العلوم بأكواب طافحة، وغوص في البحث لا تحول بينه وبين نفائس العلوم وعورة المسلك ولا طول مسافة الطّريق، وألسنة مهذّبة لا تقع في لغو أو مهاترة". رسائل الإصلاح للخضر حسين: (ص 53).
الإحالات
1- علو الهمة؛ لمحمد اسماعيل المقدم.
2- صلاح الأمة في علو الهمة؛ د. السيد حسين العفاني.
3- الهمة العالية معوقاتها ومقوماتها؛ د. محمد بن إبراهيم الحمد
الحكم
1- الهمَّةُ رائِدةُ الجِدِّ.
يُنظر: الأمثال والحكم؛ للماوردي: (ص: 131).
2- بُعْدُ الهمَمِ بَذْرُ النِّعَمِ
يُنظر: الأمثال والحكم؛ للماوردي: (ص: 131).
3- عُلُوُّ الهِمَمِ بَذْرُ النِّعَمِ.
يُنظر: الأمثال والحكم؛ للماوردي: (ص: 131).
4- ومِمَّا جَرى مَجرى الأمثالِ في هذا قَولُ شَوقي:
لا تَعدَمُ الهمَّةُ الكُبرى جَوائِزَها... سيَّانِ مَن غَلَبَ الأيَّامَ أو غُلِبا.
يُنظر: ديوان أحمد شوقي؛ (ص: 50).
5- اطلُبْ تَظفَرُ.
الظَّفَرُ: الفوزُ بالمُرادِ والبُغيةِ، يقولُ: الظَّفرُ ثانٍ للطَّلَبِ، فاطلُبْ طَلبتَك أوَّلًا، تَظفَرْ به ثانيًا.
يُضرَبُ في الحَثِّ على طَلَبِ المَقصودِ.
يُنظر: مجمع الأمثال؛ للميداني: (1-436).
6- بَنانُ كفٍّ ليس فيها ساعِدٌ.
يُضرَبُ لمَن له همَّةٌ ولا مَقدِرةَ له على بُلوغِ ما في نَفسِه.
يُنظر: مجمع الأمثال؛ للميداني: (1-108).
7- الهُمومُ بقَدْرِ الهِمَمِ.
يُنظر: زهر الأكم في الأمثال والحكم؛ لنور الدين اليوسي: (3-64).