منّ

2022-10-04 - 1444/03/08

التعريف

المن لغة:

المنّ مصدر منّ عليه منّا وهو مأخوذ من مادّة (م ن ن) الّتي تدلّ علي أصلين: أحدهما القطع والانقطاع، والآخر على اصطناع خير، فمن الأوّل: مننت الحبل: قطعته، قال تعالى: (فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) [التين: 6] ومنه: منّ بيد أسداها، إذا قرّع بها.

وهذا يدلّ على أنّه قطع الإحسان. ومن الثّانى: منّ يمنّ منّا، إذا صنع صنعا جميلا [المقاييس (5/ 267). بتصرف] .

يقول الرّاغب: والمنّة: النّعمة الثّقيلة، ويقال ذلك على وجهين: أحدهما: أن يكون ذلك بالفعل، فيقال: منّ فلان على فلان إذا أثقله بالنّعمة، وعلى ذلك قوله تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 164] وذلك على الحقيقة لا يكون إلّا للّه تعالى. والثّاني: أن يكون ذلك بالقول، وذلك مستقبح فيما بين النّاس إلّا عند كفران النّعمة، ولقبح ذلك قيل: المنّة تهدم الصّنيعة، ولحسن ذكرها عند الكفران قيل: إذا كفرت النّعمة حسنت المنّة، وقوله: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) [الحجرات: 17] فالمنّة منهم بالقول، ومنّة اللّه عليهم بالفعل وهو هدايته إيّاهم كما ذكر [التعريفات (254) ] .

ومنّ عليه منّا: أنعم، والمنّان من أسماء اللّه تعالى. ومنّ عليه منّة، أي امتنّ عليه، قال أبو عبيد: رجل منونة: كثير الامتنان [المفردات (474) ]، ومننت عليه منّا عددت له ما فعلت له من الصّنائع، مثل أن تقول أعطيتك وفعلت لك، وهو تكدير وتغيير تنكسر منه القلوب، فلهذا نهى الشّارع عنه بقوله: [لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى] [البقرة: 264] ومن هنا يقال: «المنّ أخو المنّ، أي الامتنان بتعديد الصّنائع أخو القطع والهدم  [التوقيف (317) وقد يقع المنّان على الّذي لا يعطي شيئا إلّا منّه، واعتدّ به على من أعطاه، وهو مذموم. والمنون من النّساء الّتي تزوّج لمالها فهي أبدا تمنّ على زوجها، والمنّانة كالمنون. وقال بعض العرب: لا تتزوّجنّ حنّانة ولا منّانة  [انظر المفردات للراغب (474) بتصرف وإضافة] ».

وقال أبو حيّان في قوله تعالى: [الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ] [البقرة: 262]، أصل المنّ القطع، لأنّ المنعم يقطع قطعة من ماله لمن ينعم عليه، والمنّ (أيضا) النّقص من الحقّ والبخس له، ومنه المنّ المذموم، وهو ذكر المنّة للمنعم عليه على سبيل الفخر عليه بذلك والاعتداد عليه بإحسانه».

وقال- رحمه اللّه تعالى- قيل نزلت (هذه الآية) في عثمان، وقيل: في عليّ، وقيل: في عبد الرّحمن بن عوف- رضي اللّه عنهم أجمعين- وقد بيّن سبحانه أنّ هذا الجزاء إنّما هو لمن لا يتبع إنفاقه منّا ولا أذى- لأنّهما مبطلان للصّدقة- ولكن يراعي جهة الاستحقاق لا جزاء من المنفق عليه، ولا شكرا له منه، ويكون قصده خالصا لوجه اللّه تعالى، فإذا التمس بإنفاقه الشّكر والثّناء كان صاحب سمعة ورياء، وإن التمس الجزاء كان تاجرا لا يستحقّ حمدا ولا شكرا، وظاهر الآية يدلّ على أنّ المنّ والأذى يكونان من المنفق على المنفق عليه، سواء أكان الإنفاق في الجهاد على سبيل التّجهيز أو الإعانة فيه، أم كان في غير الجهاد، والأذى يشمل المنّ وغيره، ونصّ على المنّ وقدّمه لكثرة وقوعه من المتصدّق، ومنه (مثلا) أن يقول: قد أحسنت إليك، أو يتحدّث بما أعطى فيبلغ ذلك المعطى فيؤذيه، ومن الأذى أن يسبّ المعطى أو يشتكي منه، أو ما أشبه ذلك [تفسير البحر المحيط 2/ 318- 319] .

وقال القرطبيّ في تفسير الآية: المنّ: ذكر النّعمة على معنى التّعديد لها والتّقريع بها، مثل أن يقول: قد أحسنت إليك ونعشتك وشبهه. وقال بعضهم: المنّ: التّحدّث بما أعطى حتّى يبلغ ذلك المعطى فيؤذيه. والمنّ من الكبائر  [القرطبي (3/ 308) ] .

منّ عليه يمنّ منّا، أحسن وأنعم، والاسم المنّة ومنّ عليه وامتنّ وتمنّن: قرّعه بمنّة، أنشد ثعلب:

أعطاك يا زيد الّذي يعطي النّعم *** من غير ما تمنّن ولا عدم

وقال أبو بكر في قوله تعالى: (مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا) [القصص: 82] يحتمل المنّ تأويلين: أحدهما إحسان المحسن غير معتدّ بالإحسان، يقال: لحقت فلانا من فلان منّة، إذا لحقته نعمة باستنقاذ من قتل أو ما أشبهه.

والثّاني: منّ فلان إذا عظّم الإحسان وفخر به وأبدأ فيه وأعاد حتّى يفسده، ويبغّضه. فالأوّل حسن، والثّاني قبيح، وهو المقصود هنا [ لسان العرب (13/ 417، 418) ] .

قال القرطبيّ: المنّ غالبا يقع من البخيل والمعجب، فالبخيل تعظم في نفسه العطيّة وإن كانت حقيرة في نفسها، والمعجب يحمله العجب على النّظر لنفسه بعين العظمة وأنّه منعم بماله على المعطى، وإن كان أفضل منه في نفس الأمر، وموجب ذلك كلّه الجهل، ونسيان نعمة اللّه فيما أنعم به عليه، ولو نظر مصيره لعلم أنّ المنّة للآخذ لما يترتّب له من الفوائد [فتح الباري (3/ 299) والمن هنا يراد به النوع الثالث من أنواع المن، وسيأتي التعريف الاصطلاحي] ..

المن اصطلاحا:

للمنّ اصطلاحا ثلاثة معان:

الأوّل: المنّ في الحرب وقد عرّفه الجرجانيّ فقال: المنّ: هو أن يترك الأمير الأسير الكافر من غير أن يأخذ منه شيئا [التعريفات (254) ]. أي إطلاقه بلا عوض كما يقول الرّاغب [المفردات (474) ] .

وقال المناويّ: المنّ: أن يترك الأسير الكافر ولا يؤخذ منه شيء  [التوقيف (317) ] .

الثّاني: المنّ الفعليّ وهو أن يثقل الإنسان بالنّعمة، وذلك على الحقيقة لا يكون إلّا للّه تعالى، ومن ذلك قوله تعالى (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 164] وقوله سبحانه: (كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ) [النساء: 94].

الثّالث: أن يكون ذلك بالقول؛ بأن يذكر الإنسان ما يظنّ أنّه أنعم به على أخيه، وذلك مستقبح فيما بين النّاس، إلّا عند كفران النّعمة، ولقبح ذلك قيل: المنّة تهدم الصّنيعة، ولحسن ذكرها عند الكفران قيل: إذا كفرت النّعمة حسنت المنّة [انظر المفردات للراغب (474) بتصرف وإضافة] .

 

العناصر

1- أحكام المن .

2- فضل الله وجوده وكرمه ومنه على عباده الصالحين .

3- التحذير من المن في العطية .

4- أهمية التأمل في نعمة الإسلام والإيمان .

5- أعظم أسباب قبول الأعمال شهود منة الله سبحانه في كونه .

6- من أخص خصائص العبودية الافتقار المطلق لله تعالى .

7- فضيلة شكر الله وأهميته على التوفيق للعمل الصالح .

8- تواضع الأنبياء عليهم السلام في دعائهم وعدم مَنهم على الله جهادهم ودعوتهم وابتلاءهم وهم من هم في علو الإيمان وذروة اليقين .

الايات

1- قال الله تَعَالَى: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أنْفَقُوا مَنّاً وَلاَ أذىً) [البقرة: 262].
2- قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالمَنِّ وَالأذَى) [البقرة:264].

الاحاديث

- عن أَبي ذَر رضي الله عنه، عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلاَ يَنْظُرُ إلَيْهِمْ، وَلاَ يُزَكِّيِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَليمٌ) قَالَ: فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثلاثَ مِرارٍ: قَالَ أَبُو ذرٍ: خَابُوا وخَسِرُوا مَنْ هُمْ يَا رسول الله؟ قَالَ: (المُسْبِلُ، والمَنَّانُ، وَالمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بالحَلِفِ الكَاذِبِ). رواه مسلم.
وفي روايةٍ لَهُ: (المُسْبِلُ إزَارَهُ) يَعْنِي: المُسْبِلَ إزَارَهُ وَثَوْبَهُ أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ لِلخُيَلاَءِ.

الاثار

1- عن مجاهد يرويه قال: " لا يدخل الجنة عاق، ولا منان، ولا مدمن خمر، ولا من أتى ذات محرم، ولا مرتد أعرابياً بعد هجرة " مصنف عبد الرزاق.
2- قال القرطبي: " المن غالبًا يقع من البخيل والمعجب، فالبخيل تعظم في نفسه وإن كانت حقيرة في نفسها والمعجب يحمله العجب على النظر لنفسه بعين العظمة، وأنه منع بحاله على المعطى وإن كان أفضل منه في نفس الأمر وموجب ذلك كله الجهل ونسيان نعمة الله فيما أنعم به ولو نظر مصيره بعلم أن المنة للآخذ لما يترتب له من الفوائد " فتح الباري.
3- قال ابن عربي: " والمن من أمراض النفس التي يجب التداوي منها. ودواؤه: أنه لا يرى أنه أوصل إليه إلا ما هو له في علم الله، وأنه أمانة عنده كانت بيده لم يعرف صاحبها، فلما أخرجها بالعطاء لمن عين له عرفاً فشكر الله على أدائها؛ فمن استحضر ذلك عند الإعطاء نفعه " فيض القدير.

القصص

- عن أبي علي الحسين بن عبيد الله الشيخ الصالح قال: " رأيت أبا عثمان سعيد بن إسماعيل الزاهد في المنام بعد وفاته بثلاث، فقلت له: يا أبا عثمان، أي الأعمال وجدته أفضل؟ قال: الإفضال على المسلمين بلا منة، ولا داعية توجب الإفضال ".

الاشعار

لا تَحْمِلَنَّ لِمَـنْ يَمُـنُّ مِـنَ الأَنَامِ *** عَلَيْـكَ مِـنَّ الأَنَـامِ عَلَيْكَ مِنَّة
وَاخْـتَـرْ لِنَفْسِـكَ حَظـَّـهَـا *** وَاصْبِـرْ فَـإِنَّ الصَّبْـرَ جُـنَّـهْ
مِنَـنُ الـرِّجَـالِ عَلَى الْـقُـلُـو *** بِ أَشَدُّ مِـنْ وَقْـعِ الأَسِـنَّـهْ
[الشافعي]

أَفْسَدْتَ بِالْمَنِّ مَا أَسْدَيْتَ مِنْ حَسَنٍ *** لَيْسَ الْكَرِيـمُ إِذَا أَسْـدَى بِمَنَّانِ
[...........]

إِنَّ مِنْ أَقْـبَـحِ الْمَعَـايِبِ عَـارًا *** أَنْ يَمُـنَّ الْفَتَـى بِمَا يُسْـدِيـهِ
[المعَرِّي]

فَامْضِ لا تَـمْـنُـنْ عَلَـيَّ يَـداً *** مَـنُّـكَ الْمَعْـرُوفِ مِنْ كَدَرِهْ
[الحسن بن هانئ]

لا يَسْتَثِيبُ بِبَذْلِ الْعُـرْفِ مَحْمَـدَةً *** وَلا يَمُـنُّ إِذَا مَـا قَلَّـدَ الْمِنَنَـا
[ابن المعتز]

فَإِذَا عَمِلْتَ الْخَيْرَ لا تَمْـنُـنْ بِـهِ *** لا خَيْـرَ فِـي مُتَمَـدِّحٍ مَنَّـانِ
[عبد الله الأندلسي]

زَادَ مَعْـرُوفَـكَ عِنْـدِي عِظَمًـا *** أَنَّـهُ عِنْـدَكَ مَسْتُـورٌ حَقِيـرُ
تَتَـنَـاسَـاهُ كَـأَنْ لَـمْ تَـأْتِـهِ *** وَهُوَ عِنْدَ النَّاسِ مَشْهُـورٌ كَبِيـرُ
[الخُرَيميّ]

لنَقْلُ الصَّخْرِ من قُللِ الجبالِ *** أَحَبُّ إِليَّ من مِنَنِ الرجالِ
يقولُ الناسُ لي في الكَسْبِ عازٌ *** فقْلتُ العارُ في ذُلَّ السؤالِ
[..............]
بلوتُ الناسَ قرناً بعد قرنٍ *** ولم أرَ مثلِ مختالٍ بمالِ
وذقْتُ مرارةَ الأشياءِ طُراً *** فما طعمٌ أَمَرُّ من السؤالِ
ولم أرَ في الخُطوبِ أَشَدَّ هولاً *** وأصعبُ من مقالاتِ الرجالِ
[علي بن أبي طالب]

لأن أزجي عند العُرْيِ بالخَلَقِ *** وأجتزي من كثير المزاد بالعُلُقِ
خيرٌ وأكرمُ لي من أن أرى مِنناً *** معقودةً للئامِ الناسِ في عُنُقي
إِني وإِن قصُرتُ عن هِمتي جدتي *** وكان مالي لا يقْوى على خُلُقي
لتاركُ كلَّ أمرٍ كان يلزمني *** عاراً ويشرعني في المَنْهَلِ الرَّنْق
[محمد بن بسير]

صَحِبْتُ الدهرَ في سهلٍ وحزنٍ *** وجرَّبتُ الأمورَ وجربتني
فلم أرَ مذ عرفتُ محلَّ نفسي *** بلوغَ غنىً يساوي حملَ منِّ
[أبو الفتح الببغاء]

للبسُ ثوبين باليَيْنِ *** وطيُّ يومٍ وليلتين
أيسرُ من مِنَّةٍ لقومٍ *** أغضُ منها جُفُنَ عيني
[علي بن الجهم]

يا مُبْطلاً فعلَ الجميلِ بمِنَّةٍ *** أسخطْتنَي من بعد ما أرضَيْتَني
يا ليتَ كَفَّكَ لم تسامحْني به *** أو ليتني جانياتُ ما أوليتني
[أبو بشر الخوارزمي]

نزهْ جميلَكَ عن قبيهِ المنِّ إِن *** حاولْتَ في رتبِ الكرامِ سُمُوّا
كم حوَّلَ المنُّ الجميلُ إِهانةً *** والحمدَ ذماً والصديقَ عَدُوّا
[القروي]

الدراسات

متفرقات

1- قال ابن كثير- رحمه اللّه- في قوله تعالى: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً) [البقرة: 262] قال: يمدح اللّه تبارك وتعالى الّذين ينفقون في سبيله ثمّ لا يتبعون ما أنفقوا من الخيرات، والصّدقات منّا على من أعطوه، فلا يمنّون به على أحد، ولا يمنّون به لا بقول ولا بفعل، وقوله: وَلا أَذىً، أي لا يفعلون مع من أحسنوا إليه مكروها، يحبطون به ما سلف من الإحسان، ثمّ وعدهم اللّه تعالى الجزاء الجزيل على ذلك، فقال: (لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ)، أي ثوابهم على اللّه، لا على أحد سواه وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ، أي فيما يستقبلونه من أهوال يوم القيامة، (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)، أي على ما خلّفوه من الأولاد، ولا ما فاتهم من الحياة الدّنيا وزهرتها، لا يأسفون عليها؛ لأنّهم قد صاروا إلى ما هو خير لهم من ذلك.[ تفسير ابن كثير (1/ 317- 318) ] .

 

2- قال ابن الأثير : (المنّان) هو المنعم المعطي من المنِّ: العطاء، لا من المنة. وكثيراً ما يرد المنّ في كلامهم: بمعنى الإحسان إلى من لا يستثيبه ولا يطلب الجزاء عليه، فالمنّان من أبنية المبالغة ... كالوهاب [النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير(4/ 365) ] .

 

3- قال الأصفهاني: المنة: النعمة الثقيلة، وهي على نوعين: النوع الأول: أن تكون هذه المنَّة بالفعل فيقال: منَّ فلانٌ على فلان إذا أثقله بالنعمة، وعلى ذلك قوله تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ) [آل عمران: 164]، وقوله تعالى: (كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) [النساء: 94]، وقال - عز وجل -: (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ) [الصافات: 114] . (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى) [طه: 37]، (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) [القصص: 5]، (فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ) [الطور: 27]، (وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ) [إبراهيم: 11] . وهذا كله على الحقيقة لا يكون إلا من الله تعالى، فهو الذي منّ على عباده بهذه النعم العظيمة، فله الحمد حتى يرضى، وله الحمد بعد رضاه، وله الحمد في الأولى والآخرة. النوع الثاني: أن يكون المنّ بالقول. وذلك مستقبح فيما بين الناس، ولقبح ذلك قيل: المنة تهدم الصنيعة، قال الله تعالى: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [الحجرات: 17]، فالمنَّة من الله عليهم بالفعل وهو هدايتهم للإسلام [مفردات غريب القرآن للأصفهاني، ص474] .

 

4- قال الشيخ عَلوي بن عبد القادر السقاف: المنان من أسماء الله الحسنى التي سماه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يقول: «اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك المنان يا بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب » [رواه أبو داود (1495)، والترمذي (3544)، والنسائي (3/ 52)، وابن ماجه (3858) واللفظ له، وأحمد (3/ 120) (12226)، والحاكم (1/ 683). والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الترمذي: حديث غريب. وقال الألباني في (صحيح سنن ابن ماجة): حسن صحيح.] قال ابن الأثير [النهاية في غريب الحديث (4/ 365) ] : المنان: هو المنعم المعطي من المنِّ: العطاء، لا من المنة وكثيراً ما يرد المن في كلامهم: بمعنى الإحسان إلى من لا يستثيبه ولا يطلب الجزاء عليه فالمنان من أبنية المبالغة كالوهاب ومنه الحديث الذي أخرجه البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنه ليس من الناس أحد أمنّ عليَّ في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة ولو كنت متخذاً من الناس خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن خلة الإسلام أفضل » [رواه البخاري (467) من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما] ومعنى (إن من أمنِّ الناس) أكثرهم جوداً لنا بنفسه، وماله وليس هو من المن الذي هو الاعتداد بالصنيعة والله عز وجل هو المنان: من المن العطاء، والمنان: هو عظيم المواهب، فإنه أعطى الحياة، والعقل، والنطق، وصور فأحسن وأنعم فأجزل، وأسنى النعم، وأكثر العطايا والمنح قال وقوله الحق: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم:34]، ومن أعظم النعم بل أصل النعم التي امتن الله بها على عباده الامتنان عليهم بهذا الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أنقذهم الله به من الضلال وعصمهم به من الهلاك [انظر تفسير السعدي (1/ 449) ] . قال الله تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) [آل عمران:164] فالله عز وجل هو الذي منَّ على عباده: بالخلق، والرزق، والصحة في الأبدان، والأمن في الأوطان، أسبغ عليهم النعم الظاهرة والباطنة، ومن أعظم المنن وأكملها وأنفعها- بل أصل النعم - الهداية للإسلام ومنته بالإيمان وهذا أفضل من كل شيء ومعنى لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ أي تفضل على المؤمنين المصدقين والمنان المتفضل [الأسماء والصفات للبيهقي (1/ 209) ]، والمنة: النعمة العظيمة قال الأصفهاني: المنة: النعمة الثقيلة وهي على نوعين: النوع الأول: أن تكون هذه المنة بالفعل فيقال: منَّ فلان على فلان إذا أثقله بالنعمة وعلى ذلك قوله تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ وقوله تعالى: (كذلك كنتم من قبل فمنّ الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيراً) [النساء:94]

وقال عز وجل: (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ) [الصافات:114] (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى) [طه:37] (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) [القصص:5] (فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ) [الطور:27] (وَلَكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ) [إبراهيم:11] وهذا كله على الحقيقة لا يكون إلا من الله تعالى فهو الذي منَّ على عباده بهذه النعم العظيمة فله الحمد حتى يرضى وله الحمد بعد رضاه وله الحمد في الأولى والآخرة . النوع الثاني: أن يكون المنُّ بالقول وذلك مستقبح فيما بين الناس ولقبح ذلك قيل المنة تهدم الصنيعة قال الله تعالى: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [الحجرات:17] فالمنة من الله عليهم بالفعل وهو هدايتهم للإسلام، والمنة منهم بالقول المذموم وقد ذم الله في كتابه ونهى عن المنُّ المذموم: وهو المنة بالقول فقال: (وَلا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ) [المدثر:6]

قال ابن كثير: لا تمنن بعملك على ربك تستكثره وقيل غير ذلك وقال الله عز وجل: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) [البقرة:262 - 264] وقد ذم رسول الله صلى الله عليه وسلم المنُّ بالعطية فقال عليه الصلاة والسلام: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات قال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله قال: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب» [رواه مسلم (106) ] هذا هو المنُّ المذموم أما المن بمعنى العطاء والإحسان، والجود فهو المحمود والخلاصة: أنَّ الله تبارك وتعالى هو المنان الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وهو عظيم المواهب، أعطى الحياة، والعقل، والنطق، وصور فأحسن، وأنعم فأجزل، وأكثر العطايا والمنح، وأنقذ عباده المؤمنين، ومنَّ عليهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب، وإخراجهم من الظلمات إلى النور بمنه وفضله ومنَّ على عباده أجمعين: بالخلق، والرزق، والصحة، والأمن لعباده المؤمنين وأسبغ على عباده النعم مع كثرة معاصيهم وذنوبهم [انظر شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة لسعيد بن علي بن وهف القحطاني - ص200] .

التحليلات

الإحالات

1- نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم المؤلف : عدد من المختصين بإشراف الشيخ/ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب الحرم المكي الناشر : دار الوسيلة للنشر والتوزيع، جدة الطبعة : الرابعة (11/5563) .

2- تطريز رياض الصالحين فَيْصَلْ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ آل مُبَارَك - باب النهي عن المنِّ بالعطية ونحوها (2/354) .

3- شرح عمدة الأحكام المؤلف : عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن جبرين مصدر الكتاب : دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية http://www.islamweb.net (54/4)

4- موسوعة البحوث والمقالات العلمية جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة حوالي خمسة آلاف وتسعمائة مقال وبحث علي بن نايف الشحود .

5- الأذْكَارُ النَّوَويَّة للإِمام النَّوَوي (1/445) . 

6- الثمر المجتنى مختصر شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسُّنَّة المؤلف: د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني الناشر: مطبعة سفير، الرياض توزيع: مؤسسة الجريسي للتوزيع والإعلان، الرياض (1/131) .

7- شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسُّنَّة المؤلف: د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني الناشر: مطبعة سفير، الرياض توزيع: مؤسسة الجريسي للتوزيع والإعلان، الرياض (1/210) .

8- عقيدة المسلم في ضوء الكتاب والسُّنَّة - المفهوم، والفضائل، والمعنى، والمقتضى، والأركان، والشروط، والنواقص، والنواقض المؤلف: د. سعيد بن على بن وهف القحطاني الناشر: مطبعة سفير، الرياضى توزيع: مؤسسة الجريسي للتوزيع والإعلان، الرياض (1/330) .

9- الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة المؤلف: حسين بن عودة العوايشة الناشر: المكتبة الإسلامية (عمان - الأردن)، دار ابن حزم (بيروت - لبنان) الطبعة: الأولى، من 1423 - 1429 هـ (ينظر التفصيل بأول كل جزء) (3/147) .

10- الموسوعة العقدية إعداد: مجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ عَلوي بن عبد القادر السقاف الناشر: موقع الدرر السنية على الإنترنت dorar.net (2/8) .