عتاب

2022-10-05 - 1444/03/09

التعريف

المعاتبة لغة:

 

المعاتبة مصدر قولهم: عاتب يعاتب، وهو مأخوذ من مادّة (ع ت ب) الّتي تدلّ على “الأمر فيه صعوبة من كلام أو غيره” من ذلك العتبة، وهي أسكفّة الباب، وإنّما سمّيت بذلك لارتفاعها عن الم9 كان المطمئنّ السّهل، ومن الباب العتب بمعنى الموجدة، تقول عتبت على فلان عتبا ومعتبة، أي وجدت عليه، ثمّ يشتقّ منها فيقال: أعتبني، أي ترك ما كنت أجد عليه ورجع إلى مسرّتي، وهو معتب أي راجع عن الإساءة، ويقولون: أعطاني العتبى أي أعتبني، والتّعتّب: إذا قال هذا وهذا يصفان الموجدة وكذلك المعاتبة، ويقال للرّجل إذا طلب أن يعتب: قد استعتب. قال أبو الأسود:

 

فعاتبته ثمّ راجعته *** عتابا رقيقا وقولا أصيلا

فألفيته غير مستعتب *** ولا ذاكر اللّه إلّا قليلا

 

وقال الرّاغب: إنّ قولهم: أعتبت فلانا أي أبرزت الغلظة الّتي وجدت له في الصّدر، وأعتبته أيضا: حملته على العتب، وأعتبته أي أزلت عتبه، نحو أشكيته (أي أزلت شكواه) قال تعالى:( فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ)

 

والاستعتاب: أن يطلب من الإنسان أن يذكر عتبه ليعتب، والعتبى إزالة ما لأجله يعتب، وبينهم أعتوبة: أي ما يتعاتبون به، وقال الجوهريّ: يقال: عتب عليه، أي وجد عليه عتبا ومعتبا، والتّعتّب مثله، والاسم المعتبة والمعتبة (بفتح التّاء وكسرها)، وتقول: عاتبه معاتبة (وعتابا)، وأعتبني فلان، إذا عاد إلى مسرّتي راجعا عن الإساءة، واستعتب وأعتب بمعنى (واحد)، واستعتب أيضا طلب أن يعتب، ومن ذلك استعتبته فأعتبني أي استرضيته فأرضاني، والاعتتاب: الانصراف عن الشّيء، وقال الفيروز آباديّ: والعتوب من لا يعمل فيه العتاب، وقراءة عبيد بن عمير: (وإن يستعتبوا) على ما لم يسمّ فاعله (مبنيّ للمجهول) معناه: إن أقالهم اللّه، وردّهم إلى الدّنيا لم يعملوا بطاعته لما سبق في علم اللّه تعالى لهم من الشّقاء، وذلك كما في قوله تعالى: (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ).

 

وقال ابن منظور: العتب: الموجدة، يقال: عتب عليه يعتب ويعتب عتبا وعتابا ومعتبا ومعتبة ومعتبة: وجد عليه.

 

قال الغطمّش الضّبّيّ:

أقول وقد فاضت بعيني عبرة *** أرى الدّهر يبقى والأخلّاء تذهب

أخلّاي! لو غير الحمام أصابكم *** عتبت ولكن ليس للدّهر معتب

 

قوله: عتبت أي سخطت، أي لو أصبتم في حرب لأدركنا بثأركم وانتصرنا، ولكنّ الدّهر لا ينتصر منه.

 

وعاتبه معاتبة وعتابا: لامه. قال الشّاعر:

أعاتب ذا المودّة من صديق *** إذا ما رابني منه اجتناب

إذا ذهب العتاب فليس ودّ *** ويبقى الودّ ما بقي العتاب

 

والعتبى: الرّضا، وأعتبه: أعطاه العتبى وأرضاه، والعتبى (أيضا) رجوع المعتوب عليه إلى ما يرضي العاتب، والإعتاب كذلك، والاستعتاب طلبك إلى المسيء الرّجوع عن إساءته، وقال أبو منصور: العتب والعتبان: لومك الرّجل على إساءة كانت له إليك، فاستعتبته منها، وكلّ واحد من اللّفظين (العتب والعتبان) يخلص للعاتب، فإذا اشتركا في ذلك، وذكّر كلّ واحد منهما صاحبه ما فرط منه إليه من الإساءة، فهو العتاب والمعاتبة، والعتب: الرّجل الّذي يعاتب صاحبه أو صديقه في كلّ شيء إشفاقا عليه ونصيحة له، والعتوب: الّذي لا يعمل فيه العتاب، ويقال إذا تعاتبوا: أصلح ما بينهم العتاب، وروي عن أبي الدّرداء أنّه قال: معاتبة الأخ خير من فقده، والعتبى اسم على فعلى، يوضع موضع الإعتاب وهو الرّجوع عن الإساءة إلى ما يرضي العاتب، وفي الحديث الشّريف: “لا يتمنّينّ أحدكم الموت، إمّا محسنا فلعلّه يزداد، وإمّا مسيئا فلعلّه يستعتب، أي يرجع عن الإساءة ويطلب الرّضا”، انظر مقاييس اللغة لابن فارس: (2-226)، المفردات للراغب: (321) الصحاح للجوهري: (1-176) لسان العرب “عتب” (2793)، وبصائر ذوى التمييز: (4-17).

 

المعاتبة اصطلاحا:

 

قال المناويّ: العتاب هو مخاطبة الإدلال ومذاكرة الموجدة. التوقيف: (236).

 

وقال أبو منصور الأزهريّ: التّعتّب والمعاتبة والعتاب: كلّ ذلك مخاطبة المدلّين أخلّاءهم، طالبين حسن مراجعتهم ومذاكرة بعضهم بعضا ما كرهوه ممّا كسبهم الموجدة. تهذيب اللغة للأزهري: (2-278).

 

العناصر

1- تعريف العتاب وأهميته

 

2- حاجتنا إلى عتاب النفس.

 

3- صور من معاتبة الله تعالى رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

 

4- صور من معاتبة النبي صلى الله عليه وسلم بعض نسائه.

 

5- بعض آداب العتاب وسماته

 

6- خطورة الإكثار من المعاتبة.

 

7- الصفح الجميل صفح بلا معاتبة.

 

الايات

1- قوله تعالى: (وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) [النحل: 84].

 

2- قوله تعالى: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ * وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) [الروم: 55-57].

 

3- قوله تعالى: (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذا ما جاؤُوها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ * وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ * فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) [فصلت: 19-24].

 

4- قوله تعالى: (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ * وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ * وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ * وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ * ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) [الجاثية: 31-35].

 

5- قوله تعالى: (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) [الأنفال: 67-68].

 

6- قوله تعالى: (لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ * عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ) [التوبة: 42-43].

 

7- قوله تعالى: (قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) [الكهف: 75].

 

8- قوله تعالى: (قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) [الشعراء: 18-19].

 

9- قوله تعالى: (قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ) [القلم: 28].

 

10- قوله تعالى: (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى * وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى * وَهُوَ يَخْشى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى)[عبس: 1-10].

 

الاحاديث

1- عن أميّة أنّها سألت عائشة -رضي اللّه عنها- عن قول اللّه تعالى: (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) وعن قوله: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) فقالت: ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: “هذه معاتبة اللّه العبد فيما يصيبه من الحمّى والنّكبة، حتّى البضاعة يضعها في كمّ قميصه، فيفقدها فيفزع لها، حتّى إنّ العبد ليخرج من ذنوبه كما يخرج التّبر الأحمر من الكير” رواه الترمذي: (2991) وقال: هذا حديث حسن غريب وضعفه الألباني، وحسنه أحمد شاكر في عمدة التفسير: (١-٣٤٦).

 

2- عن عمرو بن تغلب -رضي اللّه عنه- أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أتي بمال- أو سبي- فقسمه فأعطى رجالا وترك رجالا، فبلغه أنّ الّذين ترك عتبوا، فحمد اللّه، ثمّ أثنى عليه، ثمّ قال: “أمّا بعد، فو اللّه إنّي لأعطي الرّجل، والّذي أدع أحبّ إليّ من الّذي أعطي، ولكن أعطي أقواما لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع، وأكل أقواما إلى ما جعل اللّه في قلوبهم من الغنى والخير، فيهم عمرو بن تغلب”. فو اللّه ما أحبّ أنّ لي بكلمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حمر النّعم. رواه البخاري: (923).

 

3- عن سعيد بن جبير- رحمه اللّه. قال: قلت لابن عبّاس -رضي اللّه عنهما-: إنّ نوفا البكاليّ يزعم أنّ موسى -عليه السلام- صاحب بني إسرائيل ليس هو موسى صاحب الخضر -عليه السلام- فقال: كذب عدوّ اللّه سمعت أبيّ ابن كعب يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: “قام موسى -عليه السلام- خطيبا في بني إسرائيل، فسئل: أيّ النّاس أعلم؟ فقال: أنا أعلم. قال: فعتب اللّه عليه إذ لم يردّ العلم إليه. فأوحى اللّه إليه أنّ عبدا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك. قال موسى: أي ربّ، كيف لي به؟ فقيل له: احمل حوتا في مكتل فحيث تفقد الحوت فهو ثمّ. فانطلق وانطلق معه فتاه وهو يوشع بن نون. فحمل موسى -عليه السلام- حوتا في مكتل، وانطلق هو وفتاه يمشيان حتّى أتيا الصّخرة فرقد موسى -عليه السلام- وفتاه فاضطرب الحوت في المكتل حتّى خرج من المكتل فسقط في البحر. قال: وأمسك اللّه عنه جرية الماء حتّى كان مثل الطّاق ، فكان للحوت سربا وكان لموسى وفتاه عجبا. فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما ونسي صاحب موسى أن يخبره. فلمّا أصبح موسى -عليه السلام- قال لفتاه: آتنا غداءنا، لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا قال: ولم ينصب حتّى جاوز المكان الّذي أمر به قال: أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلّا الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبا. قال موسى: ذلك ما كنّا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصا. قال: يقصّان آثارهما حتّى أتيا الصّخرة فرأى رجلا مسجّى عليه بثوب فسلّم عليه موسى، فقال له الخضر: أنّى بأرضك السّلام. قال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. قال: إنّك على علم من علم اللّه علّمكه اللّه، لا أعلمه. وأنا على علم من علم اللّه علّمنيه، لا تعلمه. قال له موسى -عليه السلام-: هل أتّبعك على أن تعلّمني ممّا علّمت رشدا؟ قال: إنّك لن تستطيع معي صبرا، وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا. قال: ستجدني إن شاء اللّه صابرا ولا أعصي لك أمرا. قال له الخضر: فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيء حتّى أحدث لك منه ذكرا. قال: نعم. فانطلق الخضر وموسى يمشيان على ساحل البحر. فمرّت بهما سفينة. فكلّماهم أن يحملوهما. فعرفوا الخضر فحملوهما بغير نول فعمد الخضر إلى لوح من ألواح السّفينة فنزعه، فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول، عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها، لقد جئت شيئا إمرا. قال: ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرا؟ قال: لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا. ثمّ خرجا من السّفينة فبينما هما يمشيان على السّاحل إذا غلام يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر برأسه فاقتلعه بيده فقتله. فقال موسى: أقتلت نفسا زاكية بغير نفس؟ لقد جئت شيئا نكرا. قال: ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرا؟ قال: وهذه أشدّ من الأولى. قال: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذرا.فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقضّ فأقامه. يقول: مائل، قال الخضر بيده هكذا فأقامه. قال له موسى: قوم أتيناهم فلم يضيّفونا ولم يطعمونا، لو شئت لاتّخذت عليه أجرا. قال هذا فراق بيني وبينك. سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا. قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “يرحم اللّه موسى لوددت أنّه كان صبر حتّى يقصّ علينا من أخبارهما” رواه البخاري: (3401) ومسلم (2380).

 

4- عن عبد اللّه بن الزّبير -رضي اللّه عنهما- أنّه لم يكن بين إسلامهم وبين أن نزلت هذه الآية، يعاتبهم اللّه بها إلّا أربع سنين (وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) رواه ابن ماجه: (4192) قال المحقق: في الزوائد: هذا إسناده صحيح، ورجاله ثقات.

 

5- عن أبي هريرة -رضي اللّه عنه- قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: “لن يدخل أحدا عمله الجنّة” قالوا: ولا أنت يا رسول اللّه؟ قال: “لا، ولا أنا إلّا أن يتغمدّني اللّه بفضل ورحمة فسدّدوا وقاربوا، ولا يتمنّينّ أحدكم الموت، إمّا محسنا فلعلّه أن يزداد خيرا، وإمّا مسيئا فلعلّه أن يستعتب” رواه البخاري: (5673).

 

6- عن أنس -رضي اللّه عنه- قال: قال عمر: وافقت اللّه في ثلاث- أو وافقني ربّي في ثلاث- قلت: يا رسول اللّه! لو اتّخذت مقام إبراهيم مصلّى، وقلت: يا رسول اللّه! يدخل عليك البرّ والفاجر، فلو أمرت أمّهات المؤمنين بالحجاب. فأنزل اللّه آية الحجاب، قال: وبلغني معاتبة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بعض نسائه، فدخلت عليهنّ قلت: إن انتهيتنّ أو ليبدّلنّ اللّه رسوله خيرا منكنّ، حتّى أتيت إحدى نسائه، قالت: يا عمر! أما في رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما يعظ نساءه حتّى تعظهنّ أنت؟ فأنزل اللّه: (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ الآية) رواه البخاري: (4483).

 

7- عن أنس بن مالك -رضي اللّه عنه- قال: لم يكن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم سبّابا ولا فحّاشا ولا لعّانا، كان يقول لأحدنا عند المعتبة: “ما له ترب جبينه” رواه البخاري: (6031).

 

8- عن الزّبير بن العوّام -رضي اللّه عنه- أنّه خاصم رجلا من الأنصار قد شهد بدرا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في شراج من الحرّة كانا يسقيان به كلاهما، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم للزّبير: “اسق يا زبير ثمّ أرسل إلى جارك”. فغضب الأنصاريّ فقال: يا رسول اللّه آن كان ابن عمّتك. فتلوّن وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثمّ قال: “اسق، ثمّ احبس حتّى يبلغ الجدر”. فاستوعى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حينئذ حقّه للزّبير. وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قبل ذلك أشار على الزّبير برأي سعة له وللأنصاريّ فلمّا أحفظ الأنصاريّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم استوعى للزّبير حقّه في صريح الحكم، قال عروة: قال الزّبير: واللّه ما أحسب هذه الآية نزلت إلّا في ذلك (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) [النساء: 65] رواه البخاري: (2708).

 

9- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي” قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ: “ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي” قَالَ: يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ: “ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي” يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ: “ اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي؟” رواه مسلم: (4661).

 

10- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ إن الله يدني المؤمن ، فيضع عليه كنفه ، ويستره ، فيقول: أتعرف ذنب كذا ، أتعرف ذنب كذا ؟” فيقول: نعم أي رب. حتى إذا قرره بذنوبه، ورأى في نفسه أنه هلك، قال: “سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم” ، فيعطى كتاب حسناته. وأما الكافرون والمنافقون فيقول الأشهاد: (هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) [هود: 18]، رواه البخاري: (96)، ومسلم: (2768).

 

11- عن أنس بن مالك قال جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأنصار فقال “ أفيكم أحد من غيركم”. فقالوا لا إلا ابن أخت لنا. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- “ إن ابن أخت القوم منهم”. فقال “ إن قريشا حديث عهد بجاهلية ومصيبة وإنى أردت أن أجبرهم وأتألفهم أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا وترجعون برسول الله إلى بيوتكم لو سلك الناس واديا وسلك الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار” رواه مسلم: (2486).

 

12- عن عائشة -رضي اللّه عنها- أنّها قالت: خرجنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في بعض أسفاره، حتّى إذا كنّا بالبيداء (أو بذات الجيش) انقطع عقد لي، فأقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على التماسه، وأقام النّاس معه، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فأتى النّاس إلى أبي بكر، فقالوا: ألا ترى إلى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وبالنّاس معه، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فجاء أبو بكر ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبست رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والنّاس، وليسوا على ماء وليس معهم ماء، قالت: فعاتبني أبو بكر. وقال ما شاء اللّه أن يقول. وجعل يطعن بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التّحرّك إلّا مكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على فخذي، فنام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى أصبح على غير ماء، فأنزل اللّه آية التّيمّم فتيمّموا، فقال أسيد بن الحضير (وهو أحد النّقباء): ما هي بأوّل بركتكم يا آل أبي بكر، فقالت عائشة: فبعثنا البعير الّذي كنت عليه، فوجدنا العقد تحته. رواه البخاري: (334)، ومسلم: (367).

 

الاثار

1- عن أبي الدرداء قال: "معاتبة الأخ خير لك من فقده من لك بأخيك كله أعط أخاك وهب له ولا تطع فيه كاشحا فتكون مثله كيف تبكيه بعدما مات وفي حياته تركت وصله غدا يأتيك الموت فيكفيك قبله". مجلس إملاء لأبي عبدالله الدقاق في رؤية الله تبارك وتعالى: (ص356).

 

2- قال عمر رضي الله عنه: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا، فإن أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر: (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) [الحاقة:18].

 

3- عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوماً وخرجت معه حتى دخل حائطاً فسمعته يقول وبيني وبينه جدار وهو في جوف الحائط: "عمر بن الخطاب أمير المؤمنين بخٍ بخ، والله لتتقين الله يا بن الخطاب أو لعيذبنك".

 

4- قال مالك بن دينار رحمه الله تعالى: "رحم الله عبداً قال لنفسه النفيسة: ألست صاحبة كذا؟ ألست صاحبة كذا؟ ثم ذمها ثم خطمها ثم ألزمها كتاب الله فكان لها قائدا".

 

 

 

القصص

1- عن عائشة أمّ المؤمنين -رضى اللّه عنها- أنّها خطبت على عبد الرّحمن بن أبي بكر قريبة بنت أبي أميّة فزوّجوه، ثمّ إنّهم عتبوا على عبد الرّحمن وقالوا: ما زوّجنا إلّا عائشة، فأرسلت عائشة إلى عبد الرّحمن فذكرت ذلك له، فجعل أمر قريبة بيدها فاختارت زوجها، فلم يكن ذلك طلاقا. تنوير الحوالك شرح موطأ مالك: (2-82).

 

2- قال منصور بن عمار: "سمعت في بعض الليالي بالكوفة عابداً يناجي ربه ويقول: يا رب! وعزتك ما أردت بمعصيتك مخالفتك، ولا عصيتك إذ عصيتك وأنا بمكانك جاهل، ولا لعقوبتك متعرض، ولا لنظرك مستخف، ولكن سولت لي نفسي، وأعانني على ذلك شقوتي، وغرني سترك المرخى علي، فعصيتك بجهلي، وخالفتك بفعلي، فمن عذابك الآن من يستنقذني؟! وبحبل من أعتصم إن قطعت حبلك عني؟ واسوأتاه من الوقوف بين يديك غداً إذا قيل للمخفين: جوزوا، وقيل للمثقلين: حطوا، أمع المخفين أجوز أم مع المثقلين أحط؟ ويلي كلما كبرت سني كثرت ذنوبي! ويلي كلما طال عمري كثرت معاصي! فإلى متى أتوب؟ وإلى متى أعود؟ أما آن لي أن أستحي من ربي؟!". إحياء علوم الدين: (4-384).

 

3- عن يونس بن عبد الأعلى يقول: قال لي الشافعي ذات يوم: يا يونس إذا بلغت عن صديق لك ما تكرهه فإياك أن تبادر بالعداوة وقطع الولاية، فتكون ممن أزال يقينه بشك، ولكن ألقه وقل له: بلغني عنك كذا وكذا، وأجدر أن تسمى المبلغ، فإن أنكر ذلك فقل له: أنت أصدق وأبر، ولا تزيدن على ذلك شيئا. وإن اعترف بذلك فرأيت له في ذلك وجها بعذر فاقبل منه، وإن لم يرد ذلك فقل له: ماذا أردت بما بلغني عنك؟ فإن ذكر ماله وجه من العذر فاقبله، وإن لم يذكر لذلك وجها لعذر وضاق عليك المسلك فحينئذ أثبتها عليه سيئة أتاها. ثم أنت في ذلك بالخيار، إن شئت كافئه بمثله من غير زيادة، وإن شئت عفوت عنه، والعفو أبلغ للتقوى وأبلغ في الكرم، لقول الله تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين) [الشورى: 40].

 

فإن نازعتك نفسك بالمكافأة فاذكر فيما سبق له لديك، ولا تبخس باقي إحسانه السالف لهذه السيئة، فإن ذلك الظلم بعينه وقد كان الرجل الصالح يقول: رحم الله من كافأني على إساءتي من غير أن يزيد ولا يبخس حقا لي. يا يونس، إذا كان لك صديق فشد يديك به، فإن اتخاذ الصديق صعب ومفارقته سهل. وقد كان الرجل الصالح يشبه سهولة مفارقة الصديق بصبي يطرح في البئر حجرا عظيما فيسهل طرحه عليه، ويصعب إخراجه على الرجال البرك فهذه وصيتي لك. والسلام (حلية الأولياء لأبي نعيم: 9-122).

 

 

 

الاشعار

1- قال الشّاعر:

أعاتب ذا المودّة من صديق *** إذا ما رابني منه اجتناب

إذا ذهب العتاب فليس ودّ *** ويبقى الودّ ما بقي العتاب

لسان العرب «عتب».

 

2- قال أبو الحسن بن منقذ:

أخلاقك الغرّ السّجايا ما لها *** حملت قذى الواشين وهي سلاف

ومرآة رأيك في عبيدك ما لها *** صدئت وأنت الجوهر الشّفّاف

المستطرف: (1-283).

 

3- قال بشّار بن برد:

إذا كنت في كلّ الأمور معاتبا *** صديقك لن تلقى الّذي لا تعاتبه.

وإن أنت لم تشرب مرارا علي القذى *** ظمئت وأيّ النّاس تصفو مشاربه؟

فعش واحدا أو صل أخاك فإنّه *** مقارف ذنب مرّة ومجانبه

أدب الدنيا والدين: (179).

 

4- وقال آخر:

دعوت اللّه أن تسمو وتعلو *** علوّ النّجم في أفق السّماء

فلمّا أن سموت بعدت عنّي *** فكان إذا على نفسي دعائي

المستطرف: (1-283).

 

5- وقال آخر يعاتب صديقه على كتاب أرسله إليه:

اقرأ كتابك، واعتبره قريبا *** فكفى بنفسك لي عليك حسيبا

أكذا يكون خطاب إخوان الصّفا *** إن أرسلوا جعلوا الخطاب خطوبا

ما كان عذري إن أجبت بمثله *** أو كنت بالعتب العنيف مجيبا

لكنّني خفت انتقاص مودّتي *** فيعدّ إحساني إليك ذنوبا

المستطرف: (1-283).

 

6- وقال آخر:

أراك إذا ما قلت قولا قبلته *** وليس لأقوالي لديك قبول

وما ذاك إلّا أنّ ظنّك سيّء *** بأهل الوفا والظّنّ فيك جميل

فكن قائلا قول الحماسيّ تائها *** بنفسك عجبا وهو منك قليل

وننكر إن شئنا على النّاس قولهم *** ولا ينكرون القول حين نقول

المستطرف: (1- 283).

 

7- رحم الله من قال:

أَقُولُ، وَقَدْ فَاضَتْ بعَيْنِيَ عَبْرةٌ:*** أَرَى الدَّهْرَ يَبْقَى، والأَخِلَّاءُ تَذْهَبُ

أَخِلَّايَ لَوْ غَيْرُ الحِمام أَصابَكُمْ *** عَتَبْتُ، ولكنْ ليسَ للدَّهْرِ مَعْتَبُ

(شرح ديوان الحماسة)

 

8- قال بشر بن أبي حازم:

غضبت تميم أن تقتل عامر *** يوم النسار، فأعتبوا بالصيلم

 

9- قال شاعر:

فدع العتاب، فرب شر *** هاج، أوله، العتاب

(لسان العرب).

 

10- أنشد بعضهم:

إن الظنين من الإخوان يبرمه *** طول العتاب وتغنيه المعاذير

وذو الصفاء إذا مسته معتبة *** كانت له عظة فيها وتذكير

الآداب الشرعية والمنح المرعية: (1-302).

 

11- قال أبو العباس الناشي:

ولست معاتبًا خلا لأني *** رأيت العتب يغري بالعقوق

ولو أني أوقف لي صديقًا *** على ذنب بقيت بلا صديق

 

12- قال منصور النمري:

أقلل عتاب من استربت بوده *** ليست تنال مودة بعتاب

 

13- قال كثير بن عبد الرحمن الملحي:

ومن لم يغمض عينه عن صديقه *** وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب

ومن يتتبع جاهدًا كل عثرة *** يجدها ولم يسلم له الدهر صاحب

 

 

متفرقات

1- قال الماورديّ -رحمه اللّه-: "إنّ كثرة العتاب تكون سببا للقطيعة، واطّراح جميعه دليل علي قلّة الاكتراث بأمر الصّديق، وقد قيل: علّة المعاداة قلّة المبالاة، والمفروض أن تتوسّط الحال بين العتاب وتركه، فيسامح بالمتاركة، ويستصلح بالمعاتبة، لأنّ المسامحة والاستصلاح إذا اجتمعا، لم يلبث معهما نفور، ولم يبق معهما وجد، وقد قال بعضهم: لا تكثرنّ معاتبة إخوانك فيهون عليهم سخطك". أدب الدنيا والدين: (179).

 

2- قال الزّجّاج: قال الحسن في قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً) قال: "من فاته عمله من الذّكر والشّكر بالنّهار، كان له في اللّيل مستعتب، ومن فاته باللّيل، كان له في النّهار مستعتب، قال: أراه يعني وقت استعتاب أي وقت طلب عتبى، كأنّه أراد وقت استغفار". لسان العرب «عتب».

 

قال أبو عبد الرحمن السلمي رحمه الله تعالى آداب الصحبة: ومن آدابها: الصفح عن عثرات الإخوان وترك تأنيبهم عليها، قال الله تعالى: (فَاصْفَحِ الصّفْحَ الْجَمِيلَ) [الحجر: 85]، في التفسير: أن لا يكون فيه تقريع، ولا تأنيب، ولا توقيف، ولا معاتبة. وقيل أيضا: هو رضا بلا عتاب. فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب لمحمد نصر الدين محمد عويضة: (10-317).

 

6- قال عبد الله ابن الإمام أحمد: قال أبي: وجه إلي الواثق أن اجعل المعتصم في حل من ضربه إياك , فقلت ما خرجت من داره حتى جعلته في حل. وذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يقوم يوم القيامة إلا من عفا) فعفوت عنه. فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب لمحمد نصر الدين محمد عويضة: (10-317).

 

قال محمد بن إسحاق في قوله تعالى: (وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون): معاتبة للذين عصوا رسوله حين أمرهم بما أمرهم به في ذلك وفي غيره. تفسير ابن أبي حاتم: (3-173).

 

قال عبد الرحمن بن ناصر السعدي في تفسير قوله تعالى: (لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [الأنفال:68]: :هذه معاتبة من الله لرسوله وللمؤمنين يوم بدر إذ أسروا المشركين وأبقوهم لأجل الفداء وكان رأي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في هذه الحال قتلهم واستئصالهم:. تفسير السعدي: (ص 326).

 

 

3- يقول الدكتور سعيد بن علي بن وهب القحطاني: "إن الداعية الحريص على استقامة أصحابه على الخير يعاتبهم على تقصيرهم وما بدر منهم، حبّا لهم، ونصحا، وشفقة عليهم؛ ولهذا ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله أن ذلك مما يستنبط من حديث كعب رضي الله عنه، فقال: " ومنها: معاتبة الإمام والمطاع أصحابه، ومن يعز عليه، ويكرم عليه؛ فإنه صلى الله عليه وسلم عاتب الثلاثة دون سائر من تَخَلَّف عنه، وقد أكثر الناس من مدح عتاب الأحبة واستلذاذه، والسرور به، فكيف بعتاب أحبِّ الخلق على الإطلاق إلى المعتوب عليه، ولله ما كان أحلَى ذلك العتاب، وما أعظم ثمرته، وأجل فائدته، ولله ما نال به الثلاثة من أنواع المسرات وحلاوة الرضا". فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري: (ص119).

 

4- يقول مجدي الهلالي: ليتغاض كل منا عن عثرات الآخر وليترك تأنيبه عليها، وليصفح كل منا عن الآخر صفحًا جميلًا، بلا تقريع، ولا تأنيب، ولا معاتبة، وليبتعد كل منا عن تذكير الآخر بزلاته أو ماضيه، جادًّا أو مازحًا، لئلا يجرحه ذلك. ليعمل كل منا على ألا يحسد الآخر على ما يرى عليه من آثار نعم الله، بل يفرح بذلك، ويحمد الله على ما يرى من النعمة على أخيه، كما يحمده على نعمته على نفسه، كما قال صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” حديث صحيح، متفق عليه: أخرجه البخاري، ومسلم. رسالة إلى أخي في الله: (ص36).

 

 

7- قال الشيخ محمد صالح المنجد: ومن آداب الأخوة كذلك: الإغضاء عن العثرات، فعثرات الإخوان لا بد من حصولها, والصفح عنها من قيم الصاحب المؤمن، قال الفضيل بن عياض رحمه الله: "الفتوة: الصفح عن عثرات الإخوان" وكما يحب الإنسان أن يعامل إذا أخطأ بالصفح والتغافر فينبغي كذلك أن يعامل إخوانه، قال ابن الأعرابي: تناسَ مساوئ الإخوان يدم لك ودهم. ولا شك أن الذين لا يتناسون عثرات إخوانهم يقعون في مأزق عندما يفقدونهم الواحد تلو الآخر، والله سبحانه وتعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) [الحجر:85] ما هو الصفح الجميل؟ الذي ليس فيه تقريع ولا تأنيب وإنما هو معاتبة للرفيق، والمؤمن يألف ويؤلف، ومن الأشياء التي تجعل الإنسان يؤلف أن يتغاضى عن عثرات إخوانه سلسلة الآداب: (7-3).

 

الإحالات

عتاب الرسول صلى الله عليه وسلم في القرآن: تحليل وتوجيه؛ د. صلاح الخالدي.

الحكم

1- من أمثالهم في ترك العتاب قول الشاعر:

وليس ‌عتاب الناس للمرء نافعاً *** إذا لم يكن للمرء لب يعاتبه

الأمثال؛ لأبي عبيد: (ص 183).

 

2- يروى عن أوس بن حارثة إنّه كان فيما يقال لابنه مالك: "يا مالك: العتاب قبل العقاب، والمنية ولا الدنية". الأمثال؛ لأبي عبيد: (ص 183).

 

3- قال المتنبي:

ترفَّقْ أيها المولى عليهم *** فإنَّ الرفقَ بالجاني ‌عتابُ

الأمثال السائرة في شعر المتنبي: (ص 49).

 

4- "قَوْلهم إِنَّمَا يُعَاتب الاديم ذُو الْبشرَة".

مَعْنَاهُ إِنَّمَا يُرَاجع من تصلح مُرَاجعَته ويعاتب من الاخوان من لَا يحملهُ العتاب على اللجاج فِيمَا كره مِنْهُ وَعُوتِبَ من أَجله

وَأَصله أَن الْجلد إذا لم تصلحه الدبغة الاولى أُعِيد فِي الدّباغ إِن كَانَ ذَا قُوَّة ومسكة وَترك إِن كَانَ ضَعِيفا لِئَلَّا يزِيد ضعفا. وأصل الْبشرَة ظَاهر الْجلد والادمة بَاطِنه. جمهرة الأمثال: (1-69).

 

5- "وَيبقى الود مَا بَقِي العتاب". جمهرة الأمثال: (1-69).

 

6- "العتاب يبْعَث على التجني والتجني أَخُو المحاجة والمحاجة أُخْت الْعَدَاوَة والعداوة أم القطيعة". جمهرة الأمثال: (1-69).

 

7- "العتاب رَسُول الْفرْقَة وداعي القلى وَسبب السلوان وباعث الهجران". جمهرة الأمثال: (1-69).

 

8- قَالَ بعض الأوائل: "سَبِيل من يَأْخُذ على أَيدي الأحداث أَلا يكدهم بالتوبيخ لِئَلَّا يضطروا إِلَى القحة". جمهرة الأمثال: (1-96).

 

9- "العتاب دَاعِيَة الاجتناب فَإِذا انبسطت المعاتبة انقبضت المصاحبة". جمهرة الأمثال: (1-69).

 

10- قَالَ أحدهم: "حرك إخوانك بِبَعْض العتاب لِئَلَّا يستعذبوا أخلاقك واغض عَن بعض مَا تنكر لِئَلَّا يوحشهم إلحاحك وَهَذَا أقصد مَا قيل فِي هَذَا الْمَعْنى". جمهرة الأمثال: (1-70).

 

11- كتب أحدهم إِلَى بعض إخوانه: "العتاب مُقَدّمَة القطيعة وطليعة الْفرْقَة فتجنبه قبل أَن يجنبك حظك من السرُور بِرُؤْيَة أحبائك وانتقل عَنهُ قبل أَن ينْتَقل بك عَن مقرّ غبطتك بمشاهدة أودائك وَإِن لم تَجِد مِنْهُ بدا فاقتصد فِيهِ وَلَا تكْثر مِنْهُ فَإِن الْكثير من المحبوب مملول فَكيف من الْمَكْرُوه والاقتصاد فِي الْمَحْمُود ممدوح فَكيف المذموم". جمهرة الأمثال: (1-70).

 

12- "لا ‌عِتَاب بَعْدَ المَوْتِ". يضرب في الحث على الإعتاب. مجمع الأمثال: (2-227).

 

13- لَا ‌عِتَابَ عَلَى الجَنْدَلِ

ذكر بعضُهم أن مَلِكة كانت بسبأ، فأتاها قوم يخطبونها، فَقَالت: لِيَصِفْ كلُّ رجلٍ منكم نفسه، ولبَصْدُقْ وليُوجِزْ، لأتقدم إن تقدمت أو أدَعَ إن تركت على عِلْم، فتكلم رجل منهم يُقَال له مُدْرِك فَقَال: إن أبي كان في العز الباذخ، والحسَبِ الشامخ، وأنا شرس الخليقة، غيرُ رِعْدِيد عند الحقيقة، قَالت: لا ‌عتابَ على الجندل، فأرسلتها مَثَلاً.

يضرب في الأمر الذي إذا وَقَعَ لا مَرَدَّ له قَال أبو عمرو.

ثم تكلم آخر منهم يُقَال له ضَبِيسُ بن شرس، فَقَال: أنا في مال أثيثٍ، وخُلُق غير خبيث، وحسَب غير عَثيث، وأخذُو النعلَ بالنعل، وأجْزَى القَرْضَ بالقرض، فَقَالت: لا يَسُرُّكَ غائبا من لا يسرك شاهدا، فأرسلتها مَثَلاً.

ثم تكلم آخر منهم يُقَال له شَمَّاس بن عبَّاس، فَقَال: أنا شَمَّاس بن عباس، معروف بالنَّدَى والباس، حُسْنُ الخلق في سجيته، والعدل في قضيتي، مالى غير مَحْظُور على القُلِّ والكُثْر، وبابي غيرُ محجوبٍ على العُسْر واليُسْر، قَالت: الخير مُتَّبَع والشرُّ محذور، فأرسلتها مَثَلاً.

ثم قَالت: اسمع يا مُدْرِك وأنت يا ضَبيس، لن يستقيم معكما مُعاشرة لعشير حتى يكون فيكما لين عَرِيكة، وأما أنت يا شَمَّاس فقد حَلَلْتَ منى محلَّ الأهزَعِ (الهزع: آخر ما يبقى من السهام في الكنانة، والكنانة: وعاء السهام). من الكِنَانة والواسطة من القلادة؛ لدَمَاثة خُلُقك وكَرَم طِبَاعك، ثم اسْعَ بِجِدٍّ أودَعْ، فأرسلتها مَثَلاً، وتزوجت شماسا. مجمع الأمثال: (2-227).

 

14- "يُحْفَظُ المَرْءُ مِنْ كل شيء إلَا منْ نفسِهِ". يضرب في ‌عتاب المخُطىء من نفسه. مجمع الأمثال: (2-423).

 

15- إذا ما الشيَّخُ عوتِبَ زادَ شراً *** ويُعتِبُ بعدَ هَفْوتِه الوليدْ

‌عتاب الشيخ يزيده شراً وعتاب الصبي ينفعه ويرده. نظر اللآل في الحكم والأمثال: (ص 4).

 

16- تَحَمَّلْ من حَبيبِكَ كل ذَنْبٍ *** وعُدَّ خطاه في وَفْقِ الصوابِ

ولا تعتبْ على ذنبٍ حبيباً *** فكم هجراً تولدَ من ‌عتابِ

صفي الدين الحلبي: (2-286).

 

17- قال بعض الحكماء: "العتاب الوفاء، وسلاح الأكفاء ، وحاصل الجفاء". الآداب الشرعية والمنح المرعية: (1-304).

 

18- قال العتابي: "ظاهر العتاب خير من مكنون الحقد، وصرفة الناصح خير من تحية الشاني". الآداب الشرعية والمنح المرعية: (1-304).

 

19- قال بعض الحكماء: "من كثر حقده قل عتابه". الآداب الشرعية والمنح المرعية: (1-304).

 

20- قال محمد بن داود: "من لم يعاتب على الزلة، فليس بحافظ للخلة". الآداب الشرعية والمنح المرعية: (1-304).