مسئولية

2022-10-11 - 1444/03/15

التعريف

المسئولية لغة:

المسئوليّة مصدر صناعيّ  مأخوذ من مادّة (س أل) الّتي تدلّ على استدعاء معرفة أو ما يؤدّي إلى المعرفة، أو استدعاء مال أو ما يؤدّي إلى المال، قال الرّاغب: فاستدعاء المعرفة جوابه على اللّسان، واليد خليفة له بالكتابة أو الإشارة، واستدعاء المال جوابه على اليد، واللّسان خليفة لها إمّا بوعد أو بردّ، والسّؤال للمعرفة يكون تارة للاستعلام، وتارة للتّبكيت كما في قوله تعالى: (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ) [التكوير: 8] والسّؤال إذا كان للتّعريف تعدّى إلى المفعول الثّاني تارة بنفسه وتارة بالجارّ، تقول سألته كذا، وسألته عن كذا وبكذا، والأكثر «عن»، وإذا كان السّؤال لاستدعاء مال فإنّه يتعدّى بنفسه أو بمن، وذلك كما في قول اللّه تعالى (وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً) [الأحزاب: 53] وقوله عزّ من قائل: (وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ) [النساء: 32]. يقال: سألته الشّيء، وسألته عن الشّيء سؤالا، ومسألة والأمر منه اسأل، وقد تخفّف همزته فيقال: سال، والأمر منه سل،  [انظر المفردات للراغب (250)، والصحاح (5/ 1723)، والنهاية (2/ 328)، ولسان العرب (س أل) (3/ 1906) ط. دار المعارف] .

ولفظ «المسئوليّة» من الألفاظ المحدثة الّتي يراد بها التّبعة يقال: أنا بريء من مسئوليّة هذا العمل أي من تبعته، وقيل: المسئوليّة ما يكون به الإنسان مسئولا ومطالبا عن أمور أو أفعال أتاها. والمسئوليّة عند أرباب السّياسة: هي الأعمال الّتي يكون الإنسان مطالبا بها [انظر المعجم الوسيط 1/ 413 والمنجد (316)، ومحيط المحيط (390)] .

واصطلاحا:

قال الدّكتور دراز: تعني المسئوليّة كون الفرد مكلّفا بأن يقوم ببعض الأشياء وبأن يقدّم عنها حسابا إلى غيره وينتج عن هذا التّحديد أنّ فكرة المسئوليّة تشتمل على علاقة مزدوجة من ناحية الفرد المسئول بأعماله وعلاقته بمن يحكمون على هذه الأعمال، والمسئوليّة قبل كلّ شيء هي استعداد فطريّ، إنّها هذه المقدرة على أن يلزم الإنسان نفسه أوّلا، والقدرة على أن يفي بعد ذلك بالتزامه بوساطة جهوده الخاصّة [دستود الأخلاق فى القرآن (138) ] .

وقال الخاقانيّ: يراد بالمسئوليّة الشّعور بأداء الواجب والإخلاص في العمل وليست المسئوليّة مجرّد الإقرار فإنّ الجزم بالشّيء لا يعطي صفة المسئوليّة وإنّما يجد المتحسّس بها أنّ هناك واجبات لا بدّ من الانقياد إليها بغضّ النّظر عن النّتائج، فإنّ إنقاذ الغريق ممّا يشعر الشّخص بالمسئوليّة في إنقاذه إذا كانت له القدرة على الإنقاذ وإنّ دفع الظّلم ممّن له القدرة على دفع الظّلم يجب على ذلك الشّخص أن يدفع عن المظلوم وهو مسئول عن التّرك، فالمسئوليّة تختلف بلحاظ الأفراد وبلحاظ المجتمعات [علم الأخلاق- النظرية والتطبيق (141) ] .

وقيل: المسئوليّة حالة يكون فيها الإنسان صالحا للمؤاخذة على أعماله وملزما بتبعاتها المختلفة.وقد قرّرها القرآن في آيات كثيرة، فقال تعالى: ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ ) [المؤمنون: 115].قوله تعالى:(أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً ) [القيامة: 26].قوله تعالى: (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) [الجاثية: 29].

 

العناصر

1- خطورة حصر المسئولية في بعض صورها، والذهول من الصور الأخرى .

 

 

2- مسئولية خطيب الجمعة في خطابه الإسلامي في مواجهة المستجدات .

 

 

3- مسئولية بيان الحق وهداية الناس تقع على أهل العلم والفقه والمعرفة فهم المكلفون بذلك .

 

 

4- العمل للدين والدعوة إلى الله تعالى مسئولية الجميع كل بحسبه .

 

 

5- مسئولية الفرد عمن يعول يشعره بالتبعة الشاقة فيتعاهدها بالرعاية والعناية ويراقب الله في هذه الأمانة .

 

 

6- بيان عظيم مسئولية الوالدين في تربية أبنائهما .

 

 

7- خطورة فقدان الشعور بالمسئولية عند بعض أهل العلم .

 

 

8- خطر الإعلام وقنواته على أبنائنا .

 

الايات

1- قوله تعالى: (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) [الحجر: 92- 93 ].

 

 

2- قوله تعالى: (وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ * وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ * وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما   يَحْكُمُونَ ) [النحل: 56- 59].

 

 

3- قوله تعالى: (وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [النحل: 93].

 

 

4- قوله تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا * وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا * وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا)[الإسراء: 34- 36 ].

 

 

5- قوله تعالى: (َوكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ * فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ * لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ )[الأنبياء: 11- 13].

 

 

6- قوله تعالى: (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ * لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ )[الأنبياء: 22- 23 ].

 

 

7- قوله تعالى: (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ) [العنكبوت: 13].

 

 

8- قوله تعالى: (وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا )[الأحزاب: 15].

 

 

9- قوله تعالى: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ * قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ)[سبأ: 24- 26].

 

 

10- قوله تعالى: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ)[الزخرف: 43- 44] .

 

 

11- قوله تعالى: (قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) [الأنعام: 104 ] .

 

 

12- قوله تعالى: (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً * مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) [الاسراء: 13- 15 ] .

 

 

13- قوله تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ) [المؤمنون: 115- 116 ] .

 

 

14- قوله تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا) [الأحزاب: 72 ] .

 

 

15- قوله تعالى: (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) [الزلزلة: 6- 8 ] .

 

الاحاديث

1- عن عبد اللّه بن عمر- رضي اللّه عنهما- أنّه قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «كلّكم راع وكلّكم مسئول عن رعيّته، الإمام راع ومسئول عن رعيّته، والرّجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيّته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيّتها، والخادم راع في مال سيّده ومسئول عن رعيّته». قال: وحسبت أنّه قد قال: «والرّجل راع في مال أبيه ومسئول عن رعيّته، وكلّكم راع ومسئول عن رعيّته» [البخاري- الفتح 2 (893) واللفظ له. ومسلم (1829) ] .

 

 

2- عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص- رضي اللّه عنهما- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ المقسطين عند اللّه على منابر من نور عن يمين الرّحمن- وكلتا يديه يمين- الّذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا» [مسلم (1827) ] .

 

 

3- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: تضمّن اللّه  لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلّا جهادا في سبيلي، وإيمانا بي، وتصديقا برسلي. فهو عليّ ضامن أن أدخله الجنّة. أو أرجعه إلى مسكنه الّذي خرج منه. نائلا ما نال من أجر أو غنيمة. والّذي نفس محمّد بيده! ما من كلم يكلم في سبيل اللّه ، إلّا جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم، لونه لون دم، وريحه مسك. والّذي نفس محمّد بيده! لولا أن يشقّ على المسلمين ما قعدت خلاف سريّة  تغزو في سبيل اللّه أبدا. ولكن لا أجد سعة فأحملهم. ولا يجدون سعة. ويشقّ عليهم أن يتخلّفوا عنّي. والّذي نفس محمّد بيده! لوددت أنّي أغزو في سبيل اللّه فأقتل. ثمّ أغزو فأقتل. ثمّ أغزو فأقتل» [البخاري- الفتح 1 (36). ومسلم (1876) ] .

 

 

4- عن أبي مريم الأزديّ- رحمه اللّه- قال: دخلت على معاوية، فقال: ما أنعمنا بك أبا فلان؟- وهي كلمة تقولها العرب- فقلت: حديثا سمعته أخبرك به، سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «من ولّاه اللّه- عزّ وجلّ- شيئا من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلّتهم وفقرهم احتجب اللّه عنه دون حاجته وخلّته وفقره»، قال: فجعل رجلا على حوائج النّاس . [أبو داود (2948) وقال الألباني (2/ 569): صحيح واللفظ من تحقيق الألباني. وقال محقق جامع الأصول (4/ 52): إسناده حسن ] .

 

 

5- عن الحسن، قال: عاد عبيد اللّه بن زياد، معقل بن يسار المزنيّ. في مرضه الّذي مات فيه. فقال معقل: إنّي محدّثك حديثا سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. لو علمت أنّ لي حياة ما حدّثتك. إنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «ما من عبد يسترعيه اللّه رعيّة، يموت يوم يموت وهو غاشّ لرعيّته، إلّا حرّم اللّه عليه الجنّة» [البخاري- الفتح 13 (7150). ومسلم (142) واللفظ له ] .

 

 

6- عن عديّ بن عميرة الكنديّ- رضي اللّه عنه- قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «ما من عبد استعملناه منكم على عمل، فكتمنا مخيطا فما فوقه، كان غلولا يأتي به يوم القيامة. قال: فقام إليه رجل أسود، من الأنصار. كأنّي أنظر إليه. فقال: يا رسول اللّه، اقبل عنّي عملك. قال: «ومالك؟» قال: سمعتك تقول كذا وكذا. قال: وأنا أقوله الآن. من استعملناه منكم على عمل فليجأ بقليله وكثيره. فما أوتي منه أخذ. وما نهي عنه انتهى» [مسلم (1833) ] .

 

 

7- عن أبي ذرّ- رضي اللّه عنه- قال: قلت: يا رسول اللّه، ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبيّ. ثمّ قال: «يا أبا ذرّ، إنّك ضعيف. وإنّها أمانة. وإنّها يوم القيامة خزي وندامة. إلّا من أخذها بحقّها، وأدّى الّذي عليه فيها» [مسلم (1825) ] .

 

 

8- عن محمّد بن عليّ، قال: دخلنا على جابر بن عبد اللّه. فسأل عن القوم. حتّى انتهى إليّ. فقلت: أنا محمّد بن عليّ بن حسين. فأهوى بيده إلى رأسي فنزع زرّي الأعلى. ثمّ نزع زرّي الأسفل. ثمّ وضع كفّه بين ثدييّ وأنا يومئذ غلام شابّ. فقال: «مرحبا بك. يا ابن أخي! سل عمّا شئت». فسألته ...الحديث وفيه: فخطب النّاس وقال: «إنّ دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كلّ شيء من أمر الجاهليّة تحت قدميّ موضوع، ودماء الجاهليّة موضوعة، وإنّ أوّل دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهليّة موضوع، وأوّل ربا أضع ربانا، ربا عبّاس ابن عبد المطّلب، فإنّه موضوع كلّه، فاتّقوا اللّه في النّساء، فإنّكم أخذتموهنّ بأمان اللّه، واسحللتم فروجهنّ بكلمة اللّه، ولكم عليهنّ أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهنّ ضربا غير مبرّح ، ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلّوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب اللّه، وأنتم تسألون عنّي، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت وأدّيت ونصحت، فقال بإصبعه السّبّابة يرفعها إلى السّماء وينكتها إلى النّاس: «اللّهمّ اشهد، اللّهمّ اشهد. ثلاث مرّات ثمّ أذّن، ثمّ أقام فصلّى الظّهر، ثمّ أقام فصلّى العصر، ولم يصلّ بينهما شيئا، ثمّ ركب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصّخرات  وجعل حبل المشاة بين يديه  واستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتّى غربت الشّمس، وذهبت الصّفرة قليلا حتّى غاب القرص، وأردف أسامة خلفه، ودفع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقد شنق للقصواء  الزّمام .. الحديث.[ مسلم (1218) ] .

 

 

9- عن أبي حميد السّاعديّ- رضي اللّه عنه- قال: استعمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رجلا من الأسد يقال له ابن اللّتبيّة- قال عمرو وابن أبي عمر: على الصّدقة- فلمّا قدم قال: هذا لكم. وهذا لي، أهدي لي. قال: فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على المنبر. فحمد اللّه وأثنى عليه. وقال: «ما بال عامل أبعثه فيقول: هذا لكم وهذا أهدي لي! أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمّه حتّى ينظر أيهدى إليه أم لا. والّذي نفس محمّد بيده! لا ينال أحد منكم منها شيئا إلّا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه، بعير له رغاء. أو بقرة لها خوار. أو شاة تيعر ».

ثمّ رفع يديه حتّى رأينا عفرتي إبطيه ». ثمّ قال: اللّهمّ! هل بلّغت؟». مرّتين.[البخاري- الفتح 13 (7197). ومسلم (1832) واللفظ له] .

 

الاثار

1- دخل أعرابيّ على سليمان بن عبد الملك، فقال: تكلّم يا أعرابيّ. فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي مكلّمك بكلام فاحتمله وإن كرهته، فإنّ وراءه ما تحبّ إن قبلته. فقال: «يا أعرابيّ، إنّا نجود بسعة الاحتمال على من لا نرجو نصحه ولا نأمن غشّه فكيف بمن نأمن غشّه ونرجو نصحه؟ فقال الأعرابيّ: يا أمير المؤمنين، إنّه قد تكنّفك رجال أساءوا الاختيار لأنفسهم، ابتاعوا دنياهم بدينهم، ورضاك بسخط ربّهم، خافوك في اللّه تعالى، ولم يخافوا اللّه فيك، فلا تأمنهم على من ائتمنك اللّه عليه، فإنّهم لم يألوا في الأمانة تضييعا، وفي الأمّة خسفا وعسفا، وأنت مسئول عمّا اجترحوا، وليسوا بمسئولين عمّا اجترحت، فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك، فإنّ أعظم النّاس غبنا من باع آخرته بدنيا غيره.[كلمات في الأخلاق الإسلامية (129) ] .

 

 

2- عن ابن عمر- رضي اللّه عنهما- قال: دخلت على حفصة فقالت: أعلمت أنّ أباك غير مستخلف؟ قال قلت: ما كان ليفعل. قالت: إنّه فاعل. قال: فحلفت أنّي أكلّمه في ذلك. فسكتّ.حتّى غدوت. ولم أكلّمه. قال: فكنت كأنّما أحمل بيميني جبلا حتّى رجعت فدخلت عليه. فسألني عن حال النّاس. وأنا أخبره. قال: ثمّ قلت له: إنّي سمعت النّاس يقولون مقالة. فآليت أن أقولها لك.زعموا أنّك غير مستخلف. وإنّه لو كان لك راعي إبل أو راعي غنم ثمّ جاءك وتركها رأيت أن قد ضيّع. فرعاية النّاس أشدّ. قال: فوافقه قولي. فوضع رأسه ساعة ثمّ رفعه إليّ. فقال: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يحفظ دينه. وإنّي لئن لا أستخلف فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لم يستخلف. وإن أستخلف فإنّ أبا بكر قد استخلف.قال: فو اللّه! ما هو إلّا أن ذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأبا بكر.فعلمت أنّه لم يكن ليعدل برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أحدا. وأنّه غير مستخلف.[ البخاري- الفتح 13 (7218). ومسلم (1823) واللفظ له] .

 

متفرقات

1- قال د. حسن عليّ الحجّاجيّ: يرى ابن القيّم أنّ مسئوليّة التّربية تقع على الآباء والمربّين لا سيّما إذا كان النّاشىء في أوّل مراحل نموّه، فإنّه في أمسّ الحاجة إلى تقويم أخلاقه وتوجيه سلوكه، وهو بمفرده لا يستطيع القيام بذلك، فالمسئوليّة على وليّ أمره، يقول- رحمه اللّه-: (... وممّا يحتاج إليه الطّفل غاية الاحتياج الاعتناء بأمر خلقه، فإنّه ينشأ على ما عوّده المربّي في صغره من حرد وغضب، ولجاج، وعجلة، وخفّة مع هواه وطيش، وحدّة، وجشع، فيصعب عليه في كبره تلافي ذلك. وتصير هذه الأخلاق صفات وهيئات راسخة، فلو تحرّز منها غاية التّحرّز فضحته ولا بدّ يوما ما، ولهذا تجد أكثر النّاس منحرفة أخلاقهم، وذلك من قبل التّربية الّتي نشأ عليها). فابن القيّم يبيّن أنّ للتّربية أهمّية قصوى في تهذيب الخلق وتقويم السّلوك، كما يوضّح أنّ التّربية السّليمة هي الّتي تجعل للتّدريب والتّعويد شأنا في رسوخ الصّفات الطّيّبة. وفي هذا القول أيضا يحمّل ابن القيّم التّربية مسئوليّة انحراف الأخلاق والسّلوك. [عن كتاب الفكر التربوي عند ابن القيم (162) ] .

 

 

2- قال د. محمّد عليّ الهاشميّ: الفرد المسلم يشعر بمسئوليّته عن رعيّته: ذلك أنّه ما من تقصير أو تهاون أو تفريط في جنب اللّه ورسوله، يقع فيه أحد أفراد أسرة هذا المسلم إلّا وهو مسئول عنه: «كلّكم راع، وكلّكم مسئول عن رعيّته ...». وهذه المسئوليّة الّتي يحسّها المسلم الصّادق من جرّاء تفريط أحد أفراد أسرته تخزّ جنبه، فلا يطيق عليها صبرا، ويسارع في إزالة أسبابها مهما تكن النّتائج، فما يصبر على هذه المسئوليّة، وما يطيق السّكوت عليها إلّا رجل في إيمانه ضعف، وفي دينه رقّة.[ شخصية المسلم (14- 15) ] .

 

 

3- قال الدّكتور عليّ أبو العينين: من المقوّمات الأساسيّة الّتي يقوم عليها المجتمع المسلم أنّه مجتمع مسئول، كلّ فرد فيه مطالب بالمشاركة في تسيير أمور مجتمعه، والمسلمون مسئولون عن بعضهم، ومأمورون بالدّعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.[التربية الإسلامية وتنمية المجتمع الإسلامي (54) ] .

 

الإحالات

1- الأخلاق الإسلامية وأسسها - عبد الرحمن الميداني 1/109 -2 /177 .

2- أصول الدعوة - عبد الكريم زيدان ص 124 مؤسسة الرسالة 1401 .

3- آفات علي الطريق - السيد محمد نوح 2/57 .

4- أين الخلل - يوسف القرضاوي ص 25 .

5- تفسير و بيان مفردات القرآن - محمد حسن الحمصي ص 270 دار الرشيد مؤسسة الإيمان .

6- دستور الأخلاق في القرآن - محمد عبد الله دراز ص 134 مؤسسة الرسالة الطبعة الرابعة 1402 .

7- سبيل الدعوة الإسلامية - محمد المصري ص 35 دار الأرقم الطبعة الأولى 1400 .

8- المراهقون - عبد العزيز النغيمشي ص 101 دار المسلم الطبعة الثانية 1414 .

9- المسؤولية -محمد أمين المصري - دار الأرقم الطبعة الثانية 1400 .

10- المسؤولية في الإسلام - محمد حجازي - الدار السعودية .

11- المسؤولية في الإسلام -عبد الله أحمد قادري .

12- المسؤولية والجزاء في الإسلام - علي وافي - مكتبة عكاظ 1983 م .

13- المسؤولية و صلتها بالتكاليف الشرعية في ضوء القرآن الكريم - عبد الصمد بن بكر بن إبراهيم رسالة ماجستير جامعة أم القري .

14- مشكلات الدعوة والداعية - فتحي يكن ص 89 .

15- المنهاج - هاشم محمد علي 2/33 .

16- النهضة الإسلامية بين مسؤولية القيادة و واجبات الأمة - عبد الرحيم عويس - دار الثقافة 1992 .