مجاهدة

2022-10-11 - 1444/03/15

التعريف

المجاهدة لغة:

مصدر جاهد يجاهد جهادا ومجاهدة، وهو مأخوذ من مادّة (ج هـ د) الّتي تدلّ على «المشقّة» يقال: جهدت نفسي وأجهدت، والجهد الطّاقة، قال تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ) [التوبة: 79] ويقال: إنّ المجهود اللّبن الّذي أخرج زبده، ولا يكاد ذلك يكون إلّا بمشقّة ونصب، وقال الجوهريّ: الجهد والجهد: الطّاقة، وقرئت الآية الكريمة بالوجهين: جُهْدَهُمْ وجُهْدَهُمْ قال الفرّاء: الجهد بالضّمّ الطّاقة، والجهد المشقّة، يقال: جهد دابّته وأجهدها: إذا حمل عليها في السّير فوق طاقتها، وجهد الرّجل في كذا، أي جدّ فيه وبالغ، وجهد الرّجل فهو مجهود، من المشقّة، يقال: أصابهم قحوط من المطر فجهدوا جهدا شديدا، وجاهد في سبيل اللّه مجاهدة وجهادا، والاجتهاد والتّجاهد: بذل الوسع والمجهود .

وقال ابن منظور: الجهد والجهد: الطّاقة والمشقّة وبذل الوسع مصدر من جهد، والمجاهدة مصدر جاهد . والمجاهدة فطام النّفس عن الشّهوات، ونزع القلب عن الأماني والشّهوات [لسان العرب (3/ 133- 135). والصحاح (2/ 460). ومقاييس اللغة (1/ 486) ] .

 

المجاهدة اصطلاحا:

محاربة النّفس الأمّارة بالسّوء بتحميلها ما يشقّ عليها بما هو مطلوب في الشّرع [كتاب التعريفات (204) ] .

وقال المناويّ: وقيل (المجاهدة) هي حمل النّفس على المشاقّ البدنيّة ومخالفة الهوى، وقيل: هي بذل المستطاع في أمر المطاع (أي المولى- عزّ وجلّ) [التوقيف (ص 297)، وقد ذكر تعريفات أخرى أقرب إلى تجليات الصوفية] .

العناصر

1- فضل مجاهدة النفس .

 

 

2- مراتب مجاهدة النفس .

 

 

3- وجوب مجاهدة الكفار والمشركين .

 

 

4- المجاهدة والصبر سلاح المتعلم والداعي إلى الله تعالى .

 

 

5- أهمية مجاهدة النفس ومحاسبتها .

 

 

6- مجاهدة النفس فرض عين .

 

 

7- الصبر على مجاهدة النفس .

 

 

8- السبيل إلى مجاهدة النفس .

 

 

9- مجاهدة النفس تؤدي إلى محبة الطاعة وكره المعصية .

 

 

10- الجنة محفوفة بالمكاره .

 

 

11- الحياة كلها جهاد وتعب وكدح .

 

الايات

1- قَالَ الله تَعَالَى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِينَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت:69].
2- قالَ تَعَالَى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر:99].
3- قالَ تَعَالَى: (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) [المزمل:8]: أي انْقَطِعْ إِلَيْه.
4- قالَ تَعَالَى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) [الزلزلة:7]
5- قالَ تَعَالَى: (وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً) [المزمل:20].
6- قالَ تَعَالَى: (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) [البقرة:273].

الاحاديث

1- عن أبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الله تَعَالَى قَالَ: مَنْ عادى لي وَلِيّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدي بشَيءٍ أَحَبَّ إلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حَتَّى أحِبَّهُ، فَإذَا أَحبَبتُهُ كُنْتُ سَمعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشي بِهَا، وَإنْ سَأَلَني أعْطَيْتُهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ) رواه البخاري.
(آذَنتُهُ): أعلمته بأني محارِب لَهُ. (اسْتَعَاذَني) روي بالنون وبالباءِ.
2- عن أنس رضي الله عنه، عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربّه عز وجل، قَالَ: (إِذَا تَقَربَ العَبْدُ إلَيَّ شِبْراً تَقَربْتُ إِلَيْه ذِرَاعاً، وَإِذَا تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِرَاعاً تَقَربْتُ مِنهُ بَاعاً، وِإذَا أتَانِي يَمشي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً) رواه البخاري.
3- عن ابن عباس رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (نِعْمَتَانِ مَغبونٌ فيهما كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ، وَالفَرَاغُ) رواه البخاري.
4- عن عائشة رَضي الله عنها: أنَّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يقُومُ مِنَ اللَّيلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ فَقُلْتُ لَهُ: لِمَ تَصنَعُ هَذَا يَا رسولَ الله، وَقدْ غَفَرَ الله لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: (أَفَلا أُحِبُّ أنْ أكُونَ عَبْداً شَكُوراً) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، هَذَا لفظ البخاري.
ونحوه في الصحيحين من رواية المغيرة بن شعبة.
5- عن عائشة رضي الله عنها، أنَّها قَالَتْ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ العَشْرُ أَحْيَا اللَّيلَ، وَأيْقَظَ أهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ المِئْزَر. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
والمراد: العشر الأواخر مِنْ شهر رمضان. و(المِئْزَرُ): الإزار، وَهُوَ كناية عن اعتزالِ النساءِ. وقيلَ: المُرادُ تَشْمِيرُهُ للِعِبَادةِ، يُقالُ: شَدَدْتُ لِهَذَا الأمْرِ مِئْزَري: أي تَشَمَّرْتُ وَتَفَرَّغْتُ لَهُ.
6- عن أبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعيفِ وَفي كُلٍّ خَيرٌ. احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، واسْتَعِنْ بِاللهِ وَلاَ تَعْجَزْ. وَإنْ أَصَابَكَ شَيءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أنّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدرُ اللّهِ، وَمَا شَاءَ فَعلَ؛ فإنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيطَانِ) رواه مسلم.
7- عَنْهُ: أنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (حُجِبَتِ النَّارُ بالشَّهَواتِ، وَحُجِبَتِ الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية لمسلم: (حُفَّتْ) بدل (حُجِبَتْ) وَهُوَ بمعناه: أي بينه وبينها هَذَا الحجاب فإذا فعله دخلها.
8- عن أبي عبد الله حُذَيفَةَ بنِ اليمانِ رضي الله عنهما، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيلَةٍ فَافْتَتَحَ البقَرَةَ، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ المئَةِ، ثُمَّ مَضَى. فَقُلْتُ: يُصَلِّي بِهَا في ركعَة فَمَضَى، فقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا، يَقرَأُ مُتَرَسِّلاً: إِذَا مَرَّ بآية فِيهَا تَسبيحٌ سَبَّحَ، وَإذَا مَرَّ بسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإذَا مَرَّ بتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: (سُبْحَانَ رَبِّيَ العَظِيمِ) فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحواً مِنْ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: (سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ) ثُمَّ قَامَ طَويلاً قَريباً مِمَّا رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ، فَقَالَ: (سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى) فَكَانَ سُجُودُهُ قَريباً مِنْ قِيَامِهِ. رواه مسلم.
9- عن ابن مسعود رضي الله عنه، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم لَيلَةً، فَأَطَالَ القِيامَ حَتَّى هَمَمْتُ بأمْرِ سُوءٍ ! قيل: وَمَا هَمَمْتَ بِهِ؟ قَالَ: هَمَمْتُ أنْ أجْلِسَ وَأَدَعَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
10- عن أنس رضي الله عنه، عن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (يَتْبَعُ المَيتَ ثَلاَثَةٌ: أهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَملُهُ، فَيَرجِعُ اثنَانِ وَيَبْقَى وَاحِدٌ: يَرجِعُ أهْلُهُ وَمَالُهُ، وَيَبقَى عَملُهُ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
11- عن ابن مسعود رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: (الجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ، وَالنَّارُ مِثلُ ذلِكَ) رواه البخاري.
12- عن أبي فِراسٍ ربيعةَ بنِ كعبٍ الأسلميِّ خادِمِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أهلِ الصُّفَّةِ رضي الله عنه، قَالَ: كُنْتُ أبِيتُ مَعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فآتِيهِ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَقَالَ: (سَلْنِي) فقُلْتُ: اسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ في الجَنَّةِ. فَقَالَ: (أَوَ غَيرَ ذلِكَ)؟ قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ، قَالَ: (فأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ) رواه مسلم.
13- عن أبي عبد الله، ويقال: أَبُو عبد الرحمان ثوبان -مولى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم- رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: (عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ؛ فَإِنَّكَ لَنْ تَسْجُدَ للهِ سَجْدَةً إلاَّ رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرجَةً، وَحَطَّ عَنكَ بِهَا خَطِيئةً) رواه مسلم.
14- عن أَبي صَفوان عبد الله بنِ بُسْرٍ الأسلمي رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (خَيرُ النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمُرهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ) رواه الترمذي، وَقالَ: حديث حسن.
(بُسْر) بضم الباء وبالسين المهملة.
15- عن أنس رضي الله عنه، قَالَ: غَابَ عَمِّي أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ رضي الله عنه عن قِتالِ بدرٍ، فَقَالَ: يَا رسولَ الله، غِبْتُ عَنْ أوّل قِتال قَاتَلْتَ المُشْرِكِينَ، لَئِن اللهُ أشْهَدَنِي قِتَالَ المُشركِينَ لَيُرِيَنَّ اللهُ مَا أصْنَعُ. فَلَمَّا كَانَ يَومُ أُحُدٍ انْكَشَفَ المُسْلِمونَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أعْتَذِرُ إلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هؤُلاءِ - يعني: أصْحَابهُ - وأبْرَأُ إلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هؤُلاءِ - يَعني: المُشركِينَ - ثُمَّ تَقَدَّمَ فَاسْتَقْبَلهُ سَعدُ بْنُ مُعاذٍ، فَقَالَ: يَا سعدَ بنَ معاذٍ، الجَنَّةُ وربِّ الكعْبَةِ إنِّي أجِدُ ريحَهَا منْ دُونِ أُحُدٍ. قَالَ سعدٌ: فَمَا اسْتَطَعتُ يَا رسولَ الله مَا صَنَعَ ! قَالَ أنسٌ: فَوَجَدْنَا بِهِ بِضْعاً وَثَمانينَ ضَربَةً بالسَّيفِ، أَوْ طَعْنةً بِرمْحٍ، أَوْ رَمْيَةً بسَهْمٍ، وَوَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ وَمَثَّلَ بِهِ المُشْرِكونَ فما عَرَفهُ أَحَدٌ إلاَّ أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ. قَالَ أنس: كُنَّا نَرَى أَوْ نَظُنُّ أن هذِهِ الآية نزلت فِيهِ وفي أشباهه: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) [الأحزاب: 23] إِلَى آخِرها. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
قوله: (لَيُرِيَنَّ اللهُ) روي بضم الياء وكسر الراء: أي لَيُظْهِرَنَّ اللهُ ذلِكَ للنَّاس، وَرُويَ بفتحهما ومعناه ظاهر، والله أعلم.
16- عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ آيةُ الصَّدَقَةِ كُنَّا نُحَامِلُ عَلَى ظُهُورِنَا، فَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِشَيءٍ كَثيرٍ، فقالوا: مُراءٍ، وَجَاءَ رَجُلٌ آخَرُ فَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ، فقالُوا: إنَّ اللهَ لَغَنيٌّ عَنْ صَاعِ هَذَا ! فَنَزَلَتْ: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ) [التوبة: 79]. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، هذا لفظ البخاري.
وَ(نُحَامِلُ) بضم النون وبالحاء المهملة: أي يحمل أحدنا عَلَى ظهره بالأجرة ويتصدق بِهَا.
17- عن سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد، عن أَبي إدريس الخولاني، عن أبي ذر جندب بن جُنادة رضي الله عنه، عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم فيما يروي، عن اللهِ تَبَاركَ وتعالى، أنَّهُ قَالَ: (يَا عِبَادي! إنِّي حَرَّمْتُ الظُلْمَ عَلَى نَفْسي وَجَعَلْتُهُ بيْنَكم مُحَرَّماً فَلا تَظَالَمُوا.
يَا عِبَادي! كُلُّكُمْ ضَالّ إلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ فَاستَهدُوني أهْدِكُمْ.
يَا عِبَادي! كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلاَّ مَنْ أطْعَمْتُهُ فَاستَطعِمُوني أُطْعِمْكُمْ.
يَا عِبَادي! كُلُّكُمْ عَارٍ إلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ فاسْتَكْسُونِي أكْسُكُمْ.
يَا عِبَادي! إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ باللَّيلِ وَالنَّهارِ وَأَنَا أغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً فَاسْتَغْفِرُوني أغْفِرْ لَكُمْ.
يَا عِبَادي! إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغوا ضُرِّي فَتَضُرُّوني، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفعِي فَتَنْفَعُوني.
يَا عِبَادي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذلِكَ في مُلكي شيئاً.
يَا عِبَادي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا نَقَصَ ذلِكَ من مُلكي شيئاً.
يَا عِبَادي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجنَّكُمْ قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَألُوني فَأعْطَيتُ كُلَّ إنْسَانٍ مَسْألَتَهُ مَا نَقَصَ ذلِكَ مِمَّا عِنْدِي إلاَّ كما يَنْقصُ المِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ البَحْرَ.
يَا عِبَادي! إِنَّمَا هِيَ أعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا؛ فَمَنْ وَجَدَ خَيراً فَلْيَحْمَدِ الله وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إلاَّ نَفْسَهُ).

الاثار

1- قال علي رضي الله عنه: " سيما الصالحين: صفرة الألوان من السهر، وعمش العيون من البكاء، وذبول الشفاه من الصوم، عليهم غبرة الخاشعين " إحياء علوم الدين.
2- روي عن بعض الصحابة رضي الله عنه أنه قال: " من أراد فضل المجاهدين والغزاة وهو قاعد في بيته – فليجاهد الشيطان ".
3- سئل أحد الزهاد عن سبيل المسلم؛ ليكون من صفوة الله، قال: " إذا خلع الراحة، وأعطى المجهود في الطاعة " تاريخ دمشق.
4- قال الجنيد في قول الله تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا): " والذين جاهدوا أهواءهم فينا بالتوبة لنهدينهم سبل الإخلاص، ولا يتمكن من جهاد عدوه في الظاهر إلا من جاهد هذه الأعداء باطناً؛ فمن نُصِر عليها نُصِر على عدوه، ومن نُصِرَتْ عليه نُصِر عليه عدوُّه " الفوائد.
5- قال سفيان الثوري: " ما عالجت شيئاً أشد علي من نفسي؛ مرة عليَّ، ومرة لي " إحياء علوم الدين.
6- وقال أيضاً: " إلهي؛ البهائم يزجرها الراعي فتنزجر عن هواها، وأراني لا يزجرني كتابك عما أهواه؛ فيا سوأتاه ".
7- قال ابن الجوزي: " المؤمن مع نفسه لا يتوانى عن مجاهدتها، وإنما يسعى في سعادتها؛ فاحترز عليها، واغتنم لها منها؛ فإنها إن علمت منك الجد - جدت، وإن رأتك مائلاً عنها - صدت، وإن حثها الجد بلحاق الصالحين سعت وقفت، وإن توانى في حقها قليلاً وقفت، وإن طالبها بالجد لم تلبث أن صفت وأنْصفت، وإن مال عن العزم أماتها، وإن التفت عربدت ".
8- وقال رحمه الله: " وفي قوة قهر الهوى لذة تزيد على كل لذة؛ ألا ترى إلى كل مغلوب بالهوى كيف يكون ذليلاً؛ لأنه قُهِر، بخلاف غالب الهوى فإنه يكون قوي القلب عزيزاً؛ لأنه قَهَر " صيد الخاطر.
9- وقال رحمه الله: " بالله عليك يا مرفوع القدر بالتقوى! لا تبع عزها بذل المعاصي، وصابر عطش الهوى في هجير المشتهى وإن أمَضَّ وأرمض " صيد الخاطر.
10- وقال رحمه الله: " بالله عليك تذوَّق حلاوة الكفِّ عن المنهي؛ فإنها شجرة تثمر عز الدنيا وشرف الآخرة، ومتى اشتد عطشك إلى ما تهوى فابسط أنامل الرجاء إلى من عنده الرِّيُّ الكامل، وقل:(قَدْ عِيل صبر) الطبع في سِنِيِّه العجاف؛ فعَجِّلْ لي العام الذي فيه أُغاث، وأعصر " صيد الخاطر.
11- وقال رحمه الله: " وعلى قدر المجاهدة في ترك ما يهوى تقوى محبتُه، أو على مقدار زيادة دفع ذلك المحبوب المتروك يزيد الطِّيب، ويتفاوت تفاوتَ العود؛ فترى عيونَ الخلقِ تُعظِّم هذا الشخص، وألسنتُهم تمدحُه، ولا يعرفون لِمَ، ولا يقدرون على وصفه.
وقد تمتد تلك الأراييحُ -أي الروائح الطيبة- بعد الموتِ على قَدْرِها، فمنهم من يُذْكَرُ بالخير مدةً مديدةً، ثم ينسى، ومنهم من يذكر مائةَ سنةٍ ثم يخفى ذكره، ومنهم من يبقى ذكرهم أبداً " صيد الخاطر.
12- قال ابن عقيل الحنبلي - رحمه الله -: " ولو لم يكن من بركات مجاهدة النفس في حقوق الله، والانتهاء عن محارم الله - إلا أنه يعطف عليك، فيسخّرها لك، ويطوّعها لأمرك، حتى تنقاد لك، ويسقط عنك مؤونة النزاع لها، حتى تصير طوع يدك وأمرك، تعاف المستطاب عندها إذا كان عند الله خبيثاً، وتُؤْثر العمل لله وإن كان عندها بالأمس كريهاً، وتستخفه وإن كان عليها ثقيلاً، حتى تصير رقَّاً لك بعد أن كانت تَسْتَرقُّك.
وكذا كل من حقق العبودية لسيده استعبد له من كان يملكه، وألان له ما كان يعجزه ".
إلى أن قال -رحمه الله-: " ما أبرك طاعة الله على المطيع؛ قوم سخر لهم الرياح، والمياه، والحيوانات، وقوم أعاق عليهم الحوائج، وكسرها في صدورهم " التوبة وظيفة العمر للشيخ محمد الحمد.

القصص

1- قال بعض أصحاب عمر القدامى لعمر: لو تفرغت لنا؟ فقال: وأين الفراغ؟ ذهب الفراغ فلا فراغ إلا عند الله.
2- سيد التابعين وزاهد العصر أبو مسلم الخولاني كان يؤدب ويروض نفسه بضربها.
* قال عثمان بن أبي العاتكة: علق أبو مسلم سوطاً في المسجد، فكان يقول: أنا أولى بالسوط من البهائم، فإذا فتر مشق ساقيه سوطاً أو سوطين -أي ضرب بسرعة-. وكان يقول: لو رأيت الجنة عياناً أو النار عياناً ما كان عندي مستزاد.
3- قال ابن المنكدر: كابدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت.
4- قالوا عن محمد بن أحمد الدباهي: " لازم العبادة، والعمل الدائم والجد، واستغرق أوقاته في الخير، صَلْب في الدين، وينصح الإخوان، وإذا رآه إنسان: عرف الجد في وجهه ".

الاشعار

إِنَّ الأَذِلَّـةَ وَاللِّـئَـامَ مَعَـاشِـرٌ *** مَوْلاهُـمُ الْمُتَهَضِّـمُ الْمَظْلُـومُ
[المتوكل الليثي]

إِنَّ اللِّئَـامَ إِذَا أَذْلَلْتَهُـمْ صَلَحُـوا *** عَلَى الْهَوَانِ وَإِنْ أَكْرَمْتَهُمْ فَسَدُوا
[..........]

إِنَّ الْكَـرِيـمَ إِذَا تَشَـاءُ خَدَعْتَـهُ *** وَتَـرَى اللَّئِيمَ مُجَرَّبًا لا يُجْـدَعُ
[نِفْطَوَيه]

لا تَطْلُبَنَّ إِلَى لَـئِـيـمٍ حَـاجَـةً *** وَاقْعُـدْ فَإِنَّـكَ قَائِمًا كَالْقَاعِـدِ
[.............]

رَأَيْتُ الْحَـقِّ يَعْرِفُـهُ الْكَـرِيـمُ *** لِصَـاحِبِـهِ وَيُنْكِـرُهُ اللَّئِـيـمُ
إذَا كَـانَ الْفَتَى حَسَنًـا كَرِيـمًا *** فَكُـلُّ فِعَالـِهِ حَسَـنٌ كَرِيـمُ
وَإِنْ أَلْفَـيْـتَـهُ سَمِجًـا لَئِيمًـا *** فَكُـلُّ فِعَـالِـهِ سَمِـجٌ لَئِيـمُ
[محمد زنجي البغدادي]

مَا بَالُ قـوْمِ لِئَـامٍ لَيْـسَ عِنْدَهُمُ *** عَهْـدٌ وَلَيْسَ لَهُمْ دِينٌ إِذَا ائْتُمِنُوا
إِنْ يَسْمَعُوا رِيبَةً طَـارُوا بِهَـا فَرَحًا *** مِنِّي وَمَا سَمِعُـوا مِنْ صَالِحٍ دَفَنُوا
صُمٌّ إِذَا سَمِعُوا خَيْـرًا ذُكِـرْتُ بِهِ *** وَإِنْ ذُكِرْتُ بِسُـوءٍ عِنْدَهُمْ أَذِنُوا
[الكريزي]

وَإِنَّ امْـرَأً لَمْ يَرْبَحِ النَّـاسُ نَفْعَـهُ *** وَلَمْ يَأْمَنُـوا مِنْـهُ الأَذَى لَلَئِيـمُ
[أبو العتاهية]

وَلَلْكَفُّ عَـنْ شَتْـمِ اللَّئِيمِ تَكَرُّمًـا *** أَضَـرُّ لَهُ مِنْ شَتْمِـهِ حِينَ يُشْتَمُ
[...........]

إِذَا أَنْتَ أَكْرَمْـتَ الْكَرِيمَ مَلَكْتَـهُ *** وَإِنْ أَنْتَ أَكْـرَمْتَ اللَّئِيمَ تَمَـرَّدَا
[المتنبي]

إِذَا المَرْءُ لَمْ يَدْنَسْ مِنَ اللَّؤْمِ عِرْضُـهُ *** فَكُـلُّ رِدَاءٍ يَرْتَـدِيـهِ جَمِيـلُ
[السموءل]

وَاحْـذَرْ مُصَاحَبَـةَ اللَّئِيـمِ فَإِنَّـهُ *** يُعْدِي كَمَا يُعْدِي الصَّحِيحَ الأَجْرَبُ
[............]

لَعَـلَّ لَهَـا عُـذْرًا وَأَنْتَ تَلُـومُ *** وَرُبَّ امْـرِئٍ قَـدْ لامَ وَهْوَ مُلِيمُ
[منصور النَّمِيريّ]

أَلَمْ تَرَيَـا أَنَّ الْمَـلامَـةَ نَفْعُهَـا *** قَلِيـلٌ إِذَا مَـا الشَّيءُ وَلَّى فَأَدْبَرَا
[النابغة الجعدي]

يَا صَاحِبـيَّ دَعَا لَوْمِي وَتَفْنِيـدِي *** فَلَيْسَ مَا فَاتَ مِنْ أَمْرِي بِمَـرْدُودِ
[............]

إِذَا كُنْتَ فِي كُـلِّ الأُمُـورِ مُعَاتِبًا *** صَدِيقَكَ لَنْ تَلْقَى الَّذِي لا تُعَاتِبُهْ
[بشار بن بُرْد]

فَخُذْ مِنْ أَخِيكَ الْعَفْوَ وَاغْفِرْ ذُنُوبَـهُ *** وَلا تَكُ فِي كُـلِّ الأُمُورِ تُعَاتِبُـهْ
[بشار بن بُرْد]

وَمِنَ الْبَلِيَّةِ عَذْلُ مَـنْ لا يَرْعَـوِي *** عَنْ غَيِّـهِ وَخِطَابُ مَنْ لا يَفْهَـمُ
[المتنبي]

وَمَنْ لَمْ يُغَمِّضْ عَيْنَـهُ عَنْ صَدِيقِـهِ *** وَعَنْ بَعْضِ مَا فِيهِ يَمُتْ وَهْوَ عَاتِبُ
[كثير الخُزاعي]

إِذَا أَنَـا عَاتَبْـتُ الْمَلُـولَ فَإِنَّمَـا *** أَخُـطُّ بِأَقْلامِي عَلَى المَاءِ أَحْرُفَـا
وَهَبْهُ ارْعَـوَى بَعْدَ الْعِتَابِ أَلَمْ يَكُنْ *** تَـوَدُّدُهُ طَبْعًـا فَصَـارَ تَكَلُّفًـا
[ابن الرومي]

وَاللَّـوْمُ للحُـرِّ مُـقِـيـمٌ رَادِعٌ *** وَالْعَبْـدُ لاَ يَرْدَعُـهُ إِلاَّ العَصَـا
[ابن دُرَيد]

لَعَـلَّ عَتْبَـكَ مَحْمُـودٌ عَوَاقِبُـهُ *** فَرُبَّمَـا صَحَّتِ الأَجْسَـامُ بِالعِلَلِ
[المتنبي]

أُعَاتِبُ ذَا الْمَـوَدَّةِ مِـنْ صَـدِيقٍ *** إِذَا مَـا رَابَنِـي مِنْـهُ اجْتِنَـابُ
إِذَا ذَهَـبَ الْعِتَـابُ فَلَـيْـسَ وُدٌّ *** وَيَبْقَى الْـوُدُّ مَا بَقِـي الْعِتَـابُ
[علي بن الجهم]

وَكَثْـرَتُ الْعِـتَـابِ لِلإِخْـوَانِ *** مَجْلَبَـةُ الْفُـرْقَـةِ والْهُجْـرَانِ
[عبد الله السَّابوري]

تَـرْكُ الْعِـتَـابِ إِذَا اسْتَحَـقَّ أَخٌ *** مِنْكَ الْعِتَـابَ ذَرِيعَـةُ الْهَجْـرِ
[...........]

مَا عَاتَبَ الْمَـرْءَ الْكَرِيـمَ كَنَسْفِهِ *** والْمَـرْءُ يُصْلِحُهُ الْجَلِيسُ الصَّالِحُ
[لبيد بن ربيعة]

وَلَيْسَ عِتَـابُ النَّاسِ لِلْمَـرْءِ نَافِعًا *** إِذَا لَمْ يَكُـنْ لِلْمَـرْءِ لُبٌّ يُعَاتِبُهْ
[بشار بن بُرْد]

وَأَسْـوَأُ أَيَّامِ الْفَتَى يَـوْمَ لا يَـرَى *** لَهُ أَحَـدٌ يُـزْري عَلَيْهِ وَيُنْكِـرُ
[...........]

أُعَاتِبُ إِخُـوَانِي وَأَبْقِـي عَلَيْهُـمُ *** وَلَسْتُ لَهُـمْ بَعْدَ الْعِتَابِ بِقَاطِعِ
[علي البسامي]

لَوْ كُنْتَ تَعْلَـمُ مَا أَقُـولُ عَذَرْتَنِي *** أَوْ كُنْتَ تَجْهَلُ مَا أَقُـولُ عَذَلْتُكَا
لَكِـنْ جَهِلْـتَ مَقَالَتِي فَعَذَلْتَنِـي *** وَعَلِمْتُ أَنَّكَ جَاهِـلٌ فَعَـذَرْتُكَا
[الخليل بن أحمد الفراهيدي]

أَلا لا تَلُومَانِـي كَفَـى اللَّوْمَ مَا بِيَا *** وَمَا لَكُمَـا فِي اللَّوْمِ خَيْرٌ وَلا لِيَا
أَلْـمْ تَعْلَمَـا أَنَّ الْمَلامَـةَ نَفْعُهَـا *** قَلِيلٌ وَمَا لَـوْمِي أَخِي مِنْ شِمَالِيَا
[عبد يغوث بن وقاص]

أَتَأنِي -أَبَيْتَ اللَّعْنَ- أَنَّـكَ لُمْتَنِـي *** وَتِلْكَ الَّتِـي أَهْتَمُّ مِنْهَا وَأَنْصَبُ
فَبْتُّ كَأَنَّ الْعَائِـدَاتِ فَرَشْـنَ لِـي *** هَرَاسًا بِهِ يُعْلَـى فِرَاشِي وَيُقْشَبُ
[النابغة الذيباني]

متفرقات

1- قال ابن الجوزي : المؤمن مع نفسه لا يتوانى عن مجاهدتها، وإنما يسعى في سعادتها؛ فاحترز عليها، واغتنم لها منها؛ فإنها إن علمت منك الجد - جدت، وإن رأتك مائلاً عنها - صدت، وإن حثها الجد بلحاق الصالحين سعت وقفت، وإن توانى في حقها قليلاً وقفت، وإن طالبها بالجد لم تلبث أن صفت وأنْصفت، وإن مال عن العزم أماتها، وإن التفت عربدت

 

2- وقال رحمه الله : وفي قوة قهر الهوى لذة تزيد على كل لذة؛ ألا ترى إلى كل مغلوب بالهوى كيف يكون ذليلاً؛ لأنه قُهِر، بخلاف غالب الهوى فإنه يكون قوي القلب عزيزاً؛ لأنه قَهَر [ صيد الخاطر] .

 

3- وقال رحمه الله : بالله عليك يا مرفوع القدر بالتقوى! لا تبع عزها بذل المعاصي، وصابر عطش الهوى في هجير المشتهى وإن أمَضَّ وأرمض [ صيد الخاطر] .

 

4- وقال رحمه الله : بالله عليك تذوَّق حلاوة الكفِّ عن المنهي؛ فإنها شجرة تثمر عز الدنيا وشرف الآخرة، ومتى اشتد عطشك إلى ما تهوى فابسط أنامل الرجاء إلى من عنده الرِّيُّ الكامل، وقل:(قَدْ عِيل صبر) الطبع في سِنِيِّه العجاف؛ فعَجِّلْ لي العام الذي فيه أُغاث، وأعصر [ صيد الخاطر] .

 

5- وقال رحمه الله : وعلى قدر المجاهدة في ترك ما يهوى تقوى محبتُه، أو على مقدار زيادة دفع ذلك المحبوب المتروك يزيد الطِّيب، ويتفاوت تفاوتَ العود؛ فترى عيونَ الخلقِ تُعظِّم هذا الشخص، وألسنتُهم تمدحُه، ولا يعرفون لِمَ، ولا يقدرون على وصفه. وقد تمتد تلك الأراييحُ - أي الروائح الطيبة- بعد الموتِ على قَدْرِها، فمنهم من يُذْكَرُ بالخير مدةً مديدةً، ثم ينسى، ومنهم من يذكر مائةَ سنةٍ ثم يخفى ذكره، ومنهم من يبقى ذكرهم أبداً [ صيد الخاطر] .

 

6- قال ابن عقيل الحنبلي - رحمه الله - : ولو لم يكن من بركات مجاهدة النفس في حقوق الله، والانتهاء عن محارم الله - إلا أنه يعطف عليك، فيسخّرها لك، ويطوّعها لأمرك، حتى تنقاد لك، ويسقط عنك مؤونة النزاع لها، حتى تصير طوع يدك وأمرك، تعاف المستطاب عندها إذا كان عند الله خبيثاً، وتُؤْثر العمل لله وإن كان عندها بالأمس كريهاً، وتستخفه وإن كان عليها ثقيلاً، حتى تصير رقَّاً لك بعد أن كانت تَسْتَرقُّك . وكذا كل من حقق العبودية لسيده استعبد له من كان يملكه، وألان له ما كان يعجزه . إلى أن قال - رحمه الله- : ما أبرك طاعة الله على المطيع؛ قوم سخر لهم الرياح، والمياه، والحيوانات، وقوم أعاق عليهم الحوائج، وكسرها في صدورهم [ التوبة وظيفة العمر للشيخ محمد الحمد] .

 

7- قال ابن علّان: المجاهدة: مفاعلة من الجهد : أي الطّاقة، فإنّ الإنسان يجاهد نفسه باستعمالها فيما ينفعها حالا ومآلا، وهي تجاهده بما تركن إليه [دليل الفالحين (1/ 302) ] .

 

8- قال ابن حجر- رحمه اللّه- في قوله- يعني البخاري- باب من جاهد نفسه في طاعة اللّه- عزّ وجلّ- : يعني بيان فضل من جاهد، والمراد بالمجاهدة: كفّ النّفس عن إرادتها من الشّغل بغير العبادة . وقال ابن بطّال: جهاد المرء نفسه هو الجهاد الأكمل، قال اللّه تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى) [النازعات: 40]. ويقع بمنع النّفس عن المعاصي، وبمنعها من الشّبهات، وبمنعها من الإكثار من الشّهوات المباحة لتتوفّر لها في الآخرة. قلت: ولئلّا يعتاد الإكثار فيألفه فيجرّه إلى الشّبهات، فلا يأمن أن يقع في الحرام [فتح الباري (11/ 345- 346) ] .

 

9- قال الغزاليّ- رحمه اللّه- : قد اتّفق العلماء على أن لا طريق إلى سعادة الآخرة إلّا بنهي النّفس عن الهوى ومخالفة الشّهوات. فالإيمان بهذا واجب. وأمّا علم تفصيل ما يترك من الشّهوات وما لا يترك فلا يدرك إلّا بطريق الشّرع. وطريق المجاهدة والرّياضة لكلّ إنسان تختلف بحسب اختلاف أحواله. والأصل فيه أن يترك كلّ واحد ما به فرحه من أسباب الدّنيا، فالّذي يفرح بالمال، أو بالجاه، أو بالقبول في الوعظ، أو بالعزّ في القضاء والولاية، أو بكثرة الأتباع في التّدريس والإفادة، فينبغي أن يترك أوّلا ما به فرحه، فإنّه إن منع عن شيء من ذلك وقيل له: ثوابك في الآخرة لم ينقص بالمنع، فكره ذلك وتألّم به فهو ممّن فرح بالحياة الدّنيا واطمأنّ بها، وذلك مهلك في حقّه. ثمّ إذا ترك أسباب الفرح فليعتزل النّاس، ولينفرد بنفسه، وليراقب قلبه، حتّى لا يشتغل إلّا بذكر اللّه تعالى والفكر فيه. وليترصّد لما يبدو في نفسه من شهوة ووسواس، حتّى يقمع مادتّه مهما ظهر، فإنّ لكلّ وسوسة سببا، ولا تزول إلّا بقطع ذلك السّبب والعلاقة. وليلازم ذلك بقيّة العمر فليس للجهاد آخر إلّا بالموت [إحياء علوم الدين (3/ 67- 69) ] .

 

10- قال ابن حجر- رحمه اللّه- في شرح المشكاة في شرح حديث ربيعة بن كعب عندما سأل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم المرافقة في الجنّة: جاهد نفسه بكثرة سجوده حصلت له تلك الدّرجة العليّة الّتي لا مطمع في الوصول إليها إلّا بمزيد الزّلفى عند اللّه في الدّنيا بكثرة السّجود المومإ إليه بقوله تعالى: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) [العلق: 19] فكلّ سجدة فيها قرب مخصوص لتكفّلها بالرّقيّ إلى درجة من درجات القرب وهكذا حتّى ينتهي إلى درجة المرافقة لحبيبه صلّى اللّه عليه وسلّم، فنتج من هذا الّذي هو على منوال قوله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) [آل عمران: 31] أنّ القرب من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لا يحصل إلّا بالقرب من اللّه تعالى. وأنّ القرب من اللّه تعالى لا ينال إلّا بالقرب من رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم. فالقربان متلازمان لا انفكاك لأحدهما عن الآخر البتّة. ومن ثمّ أوقع تعالى متابعة رسوله بين تلك المحبّتين ليعلّمنا أنّ محبّة العبد للّه ومحبّته للعبد متوقّفتان على متابعة رسوله [دليل الفالحين (1/ 318) ] .

 

11- قال الغزاليّ- رحمه اللّه- : إنّ النّفس عدوّ منازع، يجب علينا مجاهدتها [إحياء علوم الدين (3/ 65) ] .

الإحالات

1- نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم المؤلف : عدد من المختصين بإشراف الشيخ/ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب الحرم المكي الناشر : دار الوسيلة للنشر والتوزيع، جدة الطبعة : الرابعة (8/3303) .

2- مقالات موقع الدرر السنية المؤلف: مجموعة من المؤلفين الناشر: موقع الدرر السنيةdorar.net (1/426)

3- مجموع رسائل الحافظ ابن رجب الحنبلي المؤلف: زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، السَلامي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحنبلي (المتوفى: 795هـ) المحقق: أبو مصعب طلعت بن فؤاد الحلواني الناشر: الفاروق الحديثة للطباعة والنشر الطبعة: جـ 1، 2/ الثانية، 1424 هـ - 2003 م جـ 3/ الأولى، 1424 هـ - 2003 م جـ 4/ الأولى، 1425 هـ - 2004 (4/34) .

4- دروس للشيخ عبد الرحمن السديس المؤلف : أبو عبد العزيز عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن محمد بن عبد الله الملقب بالسديس مصدر الكتاب : دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية http://www.islamweb.net – الطريق إلى مجاهدة النفس .

5- فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب المؤلف: محمد نصر الدين محمد عويضة (3/527) .

6- الإِعلامُ بـ حُرمةِ أهلِ العلمِ والإِسلامِ المؤلف: محمد بن أحمد بن إسماعيل المقدم الناشر: دارُ طيبة - مَكتبةٌ الكوثر، الرياض الطبعة: الأولى، 1419 هـ - 1998 م (1/69) .

7- فتاوى نور على الدرب المؤلف: عبد العزيز بن عبد الله بن باز (المتوفى: 1420هـ) جمعها: الدكتور محمد بن سعد الشويعر قدم لها: عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ (4/56) .

8- موسوعة البحوث والمقالات العلمية جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة حوالي خمسة آلاف وتسعمائة مقال وبحث علي بن نايف الشحود – التربية الجهادية .

9- شرح رياض الصالحين المؤلف : محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى : 1421هـ) – باب المجاهدة (1/114) .

10- التوضيح لشرح الجامع الصحيح المؤلف: ابن الملقن سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري (المتوفى: 804هـ) المحقق: دار الفلاح للبحث العلمي وتحقيق التراث الناشر: دار النوادر، دمشق – سوريا الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م – باب من جاهد نفسه في طاعة الله تعالى (29/581) .

11- فتح الباري المؤلف : أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى : 852هـ) المحقق : عبد العزيز بن عبد الله بن باز ومحب الدين الخطيب رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه وذكر أطرافها : محمد فؤاد عبد الباقي الناشر : دار الفكر (11/338) .