مالك عليه السلام

2024-05-29 - 1445/11/21

التعريف

لغة:

خازن: "هو المؤتمن على الشيء الذي قد استحفظه". حادي الأرواح (ص: ٧٥)، وانظر بصائر ذوي التمييز: (٢/٥٣٥)، "والمفردات في غريب القرآن: (ص١٤٦ ـ ١٤٧).

 

اصطلاحا:

مَالِك “خازن جهنم”: مَلَك من الملائكة، وهو المَلَك المُكلّف بجهنم. وكبير خزنتها. تفسير ابن رجب: (2/ 240).

 

قال ابنُ القَيِّمِ: "سمَّى تعالى خازنَ النَّارِ مالِكًا، وهو اسمٌ مُشتَقٌّ مِن المَلْكِ، وهو القُوَّةُ والشِّدَّةُ حيث تصَرَّفَت حروفُه". حادي الأرواح (ص: 109).

 

قال الجوهريُّ: "الزَّبانِيَةُ عند العرَبِ: الشُّرَطُ، وسُمِّيَ بذلك بعضُ المَلائِكةِ؛ لدَفْعِهم أهلَ النَّارِ إليها". يُنظر: الصحاح: (5/ 2130).

 

صفته:

1- جاء في صفاته أنه لا يضحك، قال ابن إسحاق: وحدثني بعض أهل العلم عمن حدّثه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أنه قال: “تلقتني الملائكة حين دخلت السماء الدنيا، فلم يلقني مَلَك إلا ضاحكًا مستبشِرًا، يقول خيرًا ويدعو به، حتى لقيني ملك من الملائكة، فقال مثل ما قالوا، ودعا بمثل ما دعوا به، إلا أنه لم يضحك، ولم أر منه من البِشر مثل ما رأيت من غيره، فقلت لجبريل: يا جبريل من هذا الملك الذي قال لي كما قالت الملائكة ولم يضحك إلي، ولم أر منه من البِشر مثل الذي رأيت منهم؟ قال: فقال لي جبريل: أما إنه لو ضحك إلى أحد كان قبلك، أو كان ضاحكا إلى أحد بعدك، لضحك إليك، ولكنه لا يضحك، هذا مالك صاحب النار”. السيرة النبوية لابن هشام: (2/ 251).

 

2- كريه الوجه. عن سمرة بن جندب أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "فأتَيْنا على رَجُلٍ كَرِيهِ المَرْآةِ، كَأَكْرَهِ ما أنْتَ راءٍ رَجُلًا مَرْآةً". رواه البخاري: (٧٠٤٧).

 

3- غلاظ شداد. قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ). [التحريم: 6].

العناصر

1- ذكر مالك خازن جهنم وبعض صفاته.

 

2- بيان بعض صفات خزنة جهنم.

 

3- الخطاب بين أهل النار وخزنة جهنم ومالك خازن لنار خصوصا

 

4- الاستعاذة بالله من النار وعذابها.

 

الايات

1- قال تعالى: (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً) [الكهف: 29].

 

2- قال الله تعالى: (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ) [الزخرف:77].

 

3- قال تعالى: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا) [الزمر: 71].

 

4- قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ * قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ) [غافر: 49-50].

 

5- قال عَزَّ وجَلَّ: (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) [الملك: 8].

 

6- قال تعالى: (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ * وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ...) [المدثر: 26-31].

 

7- قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6].

الاحاديث

1- عن سمرة بن جندب قال: "كانَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ممّا يُكْثِرُ أنْ يَقُولَ لأصْحابِهِ: هلْ رَأى أحَدٌ مِنكُم مِن رُؤْيا قالَ: فَيَقُصُّ عليه مَن شاءَ اللَّهُ أنْ يَقُصَّ، وإنَّه قالَ ذاتَ غَداةٍ: إنَّه أتانِي اللَّيْلَةَ آتِيانِ، وإنَّهُما ابْتَعَثانِي،..." إلا أن  "قالَ: قالا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ قالَ: فانْطَلَقْنا، فأتَيْنا على رَجُلٍ كَرِيهِ المَرْآةِ، كَأَكْرَهِ ما أنْتَ راءٍ رَجُلًا مَرْآةً، وإذا عِنْدَهُ نارٌ يَحُشُّها ويَسْعى حَوْلَها قالَ: قُلتُ لهما: ما هذا؟ قالَ: قالا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ، فانْطَلَقْنا"... إلى أن ذكر جوابهما "وأَمّا الرَّجُلُ الكَرِيهُ المَرْآةِ، الذي عِنْدَ النّارِ يَحُشُّها ويَسْعى حَوْلَها، فإنَّه مالِكٌ خازِنُ جَهَنَّمَ..." الحديث رواه البخاري (٧٠٤٧).

 

2- عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُلْقَى عَلَى أَهْلِ النَّارِ الْجُوعُ فَيَعْدِلُ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ، فَيَسْتَغِيثُونَ، فَيُغَاثُونَ بِطَعَامٍ مِنْ ضَرِيعٍ لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ، فَيَسْتَغِيثُونَ بِالطَّعَامِ فَيُغَاثُونَ بِطَعَامٍ ذِي غُصَّةٍ، فَيَذْكُرُونَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُجِيزُونَ الْغُصَصَ فِي الدُّنْيَا بِالشَّرَابِ فَيَسْتَغِيثُونَ بِالشَّرَابِ، فَيُرْفَعُ إِلَيْهِمُ الْحَمِيمُ بِكَلَالِيبِ الْحَدِيدِ، فَإِذَا دَنَتْ مِنْ وُجُوهِهِمْ شَوَتْ وُجُوهَهُمْ، فَإِذَا دَخَلَتْ بُطُونَهُمْ قَطَّعَتْ مَا فِي بُطُونِهِمْ، فَيَقُولُونَ: ادْعُوا خَزَنَةَ جَهَنَّمَ، فَيَقُولُونَ: (أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ) قَالَ: فَيَقُولُونَ: ادْعُوا مَالِكًا، فَيَقُولُونَ: (يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ)، قَالَ: فَيُجِيبُهُمْ (إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ). رواه الترمذي: (٢٥٨٦).

 

4- عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: كانَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يصلِّي فجاءَ أبو جهلٍ فقالَ: ألم أنهَكَ عن هذا؟ ألم أنهَكَ عن هذا؟ ألم أنهَكَ عن هذا؟ فانصرفَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- فزبرَه. فقالَ أبو جهلٍ: إنَّكَ لتعلمُ ما بها نادٍ أكثرُ منِّي. فأنزلَ اللَّهُ تبارك وتعالى (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) قالَ ابنُ عبّاسٍ: واللَّهِ لو دعا نادِيهُ لأخذتْهُ زبانيةُ اللَّهِ. أخرجه الترمذي: (٣٣٤٩)، وقال الألباني: "إسناده صحيح".

 

5- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قالَ أَبُو جَهْلٍ: هلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ قالَ: فقِيلَ: نَعَمْ، فَقالَ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ رَأيْتُهُ يَفْعَلُ ذلكَ لَأَطَأنَّ علَى رَقَبَتِهِ، أَوْ لأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ في التُّرَابِ، قالَ: فأتَى رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وَهو يُصَلِّي -زَعَمَ- لِيَطَأَ علَى رَقَبَتِهِ، قالَ: فَما فَجِئَهُمْ منه إلَّا وَهو يَنْكُصُ علَى عَقِبَيْهِ وَيَتَّقِي بيَدَيْهِ، قالَ: فقِيلَ له: ما لَكَ؟ فَقالَ: إنَّ بَيْنِي وبيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِن نَارٍ وَهَوْلًا وَأَجْنِحَةً. فَقالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لو دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ المَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا. قالَ: فأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، لا نَدْرِي في حَديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَوْ شيءٍ بَلَغَهُ: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى * أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى * كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ * كَلَّا لَا تُطِعْهُ) [العلق: 6-19]  زَادَ عُبَيْدُ اللهِ في حَديثِهِ قالَ: وَأمَرَهُ بما أَمَرَهُ بهِ. وَزَادَ ابنُ عبدِ الأعْلَى فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ يَعْنِي: قَوْمَهُ. أخرجه مسلم: (2797).

 

الاثار

1- وقال محمد بن كعب القرظي: “بلغني -أو ذُكر لي- أن أهل النار استغاثوا بالخزنة فقال الله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ ٤٩)(غافر:49) فسألوا يومًا واحدًا يُخفف عنهم فيه العذاب، فردت عليهم: (قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ٥٠)(غافر:50) قال: فلما يئسوا مما عند الخزنة نادوا مالكًا، وهو عليهم وله مجلس في وسطها، وجسور تمّر عليها ملائكة العذاب، فهو يرى أقصاها كما يرى أدناها فقالوا: “يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ” سألوا الموت، قال: فسكت عنهم لا يجيبهم ثمانين سنة، قال: والسنة ستون وثلاثمائة يوم، والشهر ثلاثون يومًا، واليوم كألف سنة مما تعدُّون، ثم لحظ إليهم بعد الثمانين فقال: “إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ” وذكر الحديث، ذكره ابن المبارك”. تفسير القرطبي: (16/ 217).

 

2- قَالَ الْأَعْمَشُ نُبِّئْتُ أَنَّ بَيْنَ دُعَائِهِمْ وَبَيْنَ إِجَابَةِ مَالِكٍ إِيَّاهُمْ أَلْفَ عَامٍ، قَالَ: فَيَقُولُونَ ادْعُوا رَبَّكُمْ فَلَا أَحَدَ خَيْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ، فَيَقُولُونَ (رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ)، قَالَ: فَيُجِيبُهُمُ: (اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ) قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ يَئِسُوا مِنْ كُلِّ خَيْرٍ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَأْخُذُونَ فِي الزَّفِيرِ وَالْحَسْرَةِ وَالْوَيْلِ". رواه الترمذي: (٢٥٨٦).

 

3- وعن عطاء بن السائب عن أبي الحسن عن ابن عباس: "في قوله تعالى: (ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك) قال: فيتركهم ألف سنة ثم يقول: إنكم ماكثون". تفسير ابن رجب: (2/ 242).

 

4- وقال مجاهد ونوف البكالي: "بين ندائهم وإجابته إياهم مائة سنة". تفسير القرطبي: (16/ 217).

 

5- عن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو، في قولِه عزَّ وجلَّ: (وَنادَوْا يامالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) [الزخرف: ٧٧]، قال: يُخَلِّي عنهم أربعينَ عامًا لا يُجِيبُهم، ثمَّ أجابَهم: (إِنَّكُمْ ماكِثُونَ)، فيَقولُون: (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنّا ظالِمُونَ) [المؤمنون: ١٠٧]، قال: فيُخلِّي عنهم مِثلَ الدُّنيا، ثمَّ أجابَهم: (اخْسَئُوا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) [المؤمنون: ١٠٨]، قال: فواللهِ ما يَنبِسُ القومُ بعْدَ هذه الكلمةِ، إنْ كان الزَّفيرُ والشَّهيقُ". رواه الحاكم: (٨٩٩٥).

 

6- وخرج ابن أبي حاتم من رواية قتادة عن أبي أيوب العتكي، عن عبد الله ابن عمر قال: نادى أهل النار: يا مالك ليقض علينا ربك قال: فخلى عنهم أربعين عاما ثم أجابهم: قال: إنكم ماكثون فقالوا: (ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون) قال: فخلى عنهم مثل الدنيا - ثم أجابهم: قال: (اخسئوا فيها ولا تكلمون) قال: فأطبقت عليهم فبئس القوم بعد تلك الكلمة، وإن كان إلا الزفير والشهيق. تفسير ابن رجب: (2/ 240).

 

7- عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرو قال: إنَّ أهلَ النارِ يَدعون مالكًا، فلا يجيبُهم أربعينَ عامًا، ثم يقولُ (إِنَّكُمْ ماكِثُونَ) ثم يَدعون ربَّهم فيقولون (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنّا ظالِمُونَ) فلا يجيبُهم مثلُ الدنيا ثم يقول (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونَ) ثم ييأس القومِ فما هو إلا الزفيرُ والشهيقُ، تشبه أصواتُهم أصواتَ الحميرِ أولُها شهيقٌ، وآخرُها زفيرٌ". صحيح الترغيب: (٣٦٩١).

 

8- عنِ ابنِ عبّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهُما في قولِهِ عزَّ وجلَّ: (وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) [الزخرف: ٧٧] قالَ: "مَكَثَ عنهم ألفَ سنةٍ، ثُمَّ قالَ: إنَّكم ماكِثونَ". رواه الحاكم: (٣٧٢٢).

 

9- قال قتادة: (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) [المدثر: 31]. قال: يصدق القرآن الكتب التي كانت قبله فيها كلها، التوراة والإنجيل أن خزنة النار تسعة عشر". وقال الضحاك بن مزاحم: "عدة خزنة جهنم تسعة عشر في التوراة والإنجيل". جامع البيان عن تأويل آي القرآن.

 

10- عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "يُلقى على أهلِ النّارِ الجوعُ فيعدلُ ما هم فيهِ منَ العذابِ فيستغيثونَ فيغاثونَ بطعامٍ من ضريعٍ لاَ يُسمِنُ ولاَ يُغني من جوعٍ فيستغيثونَ بالطَّعامِ فيغاثونَ بطعامٍ ذي غصَّةٍ فيذكرونَ أنَّهم كانوا يجيزونَ الغصصَ في الدُّنيا بالشَّرابِ فيستغيثونَ بالشَّرابِ فيرفعُ إليهمُ الحميمُ بكلاليبِ الحديدِ فإذا دنت من وجوههم شوت وجوههم فإذا دخلت بطونَهم قطَّعت ما في بطونِهم فيقولونَ ادعوا خزنةَ جهنَّمَ فيقولونَ (أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلّا فِي ضَلالٍ) قالَ فيقولونَ ادعوا مالكًا فيقولونَ (يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) قالَ فيُجيبُهم (إِنَّكُمْ ماكِثُونَ) قالَ الأعمشُ: نُبِّئتُ أنَّ بينَ دعائهم وبينَ إجابةِ مالكٍ إيّاهم ألفَ عامٍ قالَ فيقولونَ ادعوا ربَّكم فلاَ أحدَ خيرٌ من ربِّكم فيقولونَ (رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنّا قَوْمًا ضالِّينَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنّا ظالِمُونَ) قالَ فيجيبُهم (اخْسَئُوا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) قالَ فعندَ ذلكَ يئِسوا من كلِّ خيرٍ وعندَ ذلكَ يأخذُونَ في الزَّفيرِ والحسرةِ والويلِ". أخرجه الترمذي (٢٥٨٦)، والبيهقي في البعث والنشور (٥٤٧). موقوفا

 

القصص

1- عدم ضحك خازن النار للرسول صلى الله عليه وسلم

قال ابن إسحاق: وحدثني بعض أهل العلم عمن حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: تلقتني الملائكة حين دخلت السماء الدنيا، فلم يلقني ملك؟ إلا ضاحكا مستبشرا، يقول خيرا ويدعو به حتى لقيني ملك من الملائكة. فقال مثل ما قالوا، ودعا بمثل ما دعوا به، إلا أنه لم يضحك ولم أر منه من البشر مثل ما رأيت من غيره. فقلت لجبريل: يا جبريل من هذا الملك الذي قال لي كما قالت الملائكة ولم يضحك إلي، ولم أر منه من البشر مثل الذي رأيت منهم؟ قال: فقال لي جبريل: أما إنه لو ضحك إلى أحد كان قبلك، أو كان ضاحكا إلى أحد بعدك، لضحك إليك، ولكنه لا يضحك هذا مالك خازن النار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقلت لجبريل وهو من الله تعالى بالمكان الذي وصف لكم مطاع ثم أمين: ألا تأمره أن يريني النار؟ فقال: بلى، يا مالك، أر محمدا النار. قال: فكشف عنها غطاءها ففارت وارتفعت. حتى ظننت لتأخذن ما أرى قال: فقلت لجبريل: يا جبريل مره فليردها إلى مكانها. قال: فأمره، فقال لها: اخبي فرجعت إلى مكانها الذي خرجت منه. فما شبهت رجوعها إلا وقوع الظل حتى إذا دخلت من حيث خرجت رد عليها غطاءها. السيرة النبوية؛ لابن هشام: (1/ 405).

 

الحكم

1- "وكأنّه مالك لا يرحم من بكى". إذا كانت به قسوة. الأمثال المولدة (ص: 303).

 

2- "وكأنّه هرب من مالك". الأمثال المولدة (ص: 265).

 

3- "ذهب من مالك إلى مالك". تقول لمن جهل الشيء. الأمثال المولدة (ص: 164).

متفرقات

1- قال القرطبي: "خازن جهنم، خلقه لغضبه؛ إذا زجر النار زجرة أكل بعضها بعضًا". تفسير القرطبي: (16/ 216).

 

2- قال ابن كثير في قوله تعالى: (وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)؛ أي: "ولهم قوة على إبراز ما أمروا به من العزم إلى الفعل فلهم عزم صادق وأفعال عظيمة وقوة بليغة وشدة باهرة". النهاية لابن كثير: (٢/١٥٩).

 

3- قال السعدي في قوله تعالى: (إِنَّكُمْ ماكِثُونَ): “أي: مقيمون فيها، لا تخرجون عنها أبدًا، فلم يحصل لهم ما قصدوه، بل أجابهم بنقيض قصدهم، وزادهم غمًا إلى غمهم”. تفسير السعدي.

 

4- قال القُرطبيُّ: "(سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ) [العلق: 18]؛ أي: المَلائِكةَ الغِلاظَ الشِّدادَ... وقال قتادةُ: هم الشُّرَطُ في كلامِ العَرَبِ. وهو مأخوذٌ مِنَ الزَّبْنِ، وهو الدَّفعُ... وقيل: إنما سُمُّوا الزَّبانِيَةَ لأنَّهم يَعمَلون بأرجُلِهم كما يَعمَلون بأيديهم... وقيل: إنَّهم أعظَمُ المَلائِكةِ خَلْقًا، وأشَدُّهم بَطشًا، والعَرَبُ تُطلِقُ هذا الاسمَ على من اشتَدَّ بَطْشُه". يُنظر: تفسير القرطبي. وقال السعدي: "(سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ) [العلق: 18]؛ أي: خَزَنةَ جَهنَّمَ، لِأَخْذِه وعُقوبتِه". تفسير السعدي.

 

5- قال ابنُ رَجَب عند حديث: "إنَّه أتاني اللَّيلةَ آتيانِ -فذَكَرَ رُؤيا طَويلةً وفيها-: قال: فأتينا على رَجُلٍ كَريهِ المَرآةِ" قال: "قَولُه: (كَريهُ المَرآةِ)، أيِ المَنظَرِ، وقَولُه: يَحُشُّها، أي: يُوقِدُها". يُنظر: التخويف من النار (ص: 99).

 

6- قال ابنُ حَجَرٍ: "قَولُه: (خازِنُ جَهَنَّم)، إنَّما كانَ كَريهَ الرُّؤيةِ؛ لِأنَّ في ذَلِكَ زيادةً في عَذاب أهلِ النَّارِ". يُنظر: فتح الباري: (12/ 445).

 

7- قال ابنُ جرير عند قوله تعالى: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا...) [الزمر: 71]. "خَزَنَتُهَا قُوَّامُها". يُنظر: تفسير ابن جرير: (20/ 264). وقال ابنُ كثيرٍ: "يقولُ لهم خَزَنَتُها من الزَّبانِيَةِ -الذين هم غِلاظُ الأخلاقِ، شِدادُ القُوى- على وَجهِ التقريعِ والتوبيخِ والتنكيلِ: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ)". يُنظر: تفسير ابن كثير: (7/ 118).

 

8- قال ابنُ كثيرٍ عند قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ) [غافر: 49]. قال: "سأَلوا الخَزَنةَ -وهم كالبوَّابِينَ وفي نسخةٍ: كالسَّجَّانينَ لأهلِ النَّارِ- أن يَدْعُوا لهم اللهَ أن يُخَفِّفَ عن الكافِرينَ ولو يومًا واحدًا من العذابِ". يُنظر: تفسير ابن كثير: (7/ 149).

 

9- قال النَّسَفيُّ عند قوله تعالى: (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) [الملك: 8]. قال: "سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا مالِكٌ وأعوانُه مِنَ الزَّبانِيَةِ توبيخًا لهم: أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ رسولٌ يخَوِّفُكم من هذا العَذابِ". يُنظر: تفسير النسفي: (3/ 513).

 

10- قال ابن سعدي عند قوله تعالى: (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ * وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ...) [المدثر: 26-31]. قال: "من الملائكة، خزنة لها، غلاظ شداد، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون". قال ابنُ رَجَب: "المَشهورُ بينَ السَّلَفِ والخَلفِ أنَّ الفِتنةَ إنَّما جاءَت مِن حيثُ ذِكْرُ عَدَدِ المَلائِكةِ الَّذينَ اغتَرَّ الكُفَّارُ بقِلَّتِهم، وظَنُّوا أنَّهم يُمكِنُهم مُدافَعَتُهم ومُمانَعَتُهم، ولَم يَعلَمُوا أنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنَ المَلائِكةِ لا يُمكِنُ البَشَرَ كُلَّهم مُقاومَتُه!".

 

11- قال ابنُ جَريرٍ عند قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6]. قال: "قَولُه: عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ يَقُولُ: على هذه النَّارِ مَلائِكةٌ مِن مَلائِكةِ اللهِ، غِلاظٌ على أهلِ النَّارِ، شِدادٌ عليهم لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ يَقُولُ: لا يُخالِفُونَ اللهَ في أمرِه الَّذي يَأمُرُهم به وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ يَقُولُ: ويَنتَهونَ إلى ما يَأمُرُهم به رَبُّهم". وقال ابنُ كَثيرٍ: "قَولُه: عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ أي: طِباعُهم غَليظةٌ، قَد نُزِعَت مِن قُلُوبهمُ الرَّحِمةُ بالكافِرين باللهِ، شِدَادٌ أي: تَركيبُهم في غايةِ الشِّدَّةِ والكَثافةِ والمَنظَرِ المُزعِجِ".

 

 

12- قال ابن عثيمين رحمه الله: يقول: (ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ) [غافر: ٤٩]، ويقولون: هذا -والله أعلم- حين يقولون لربهم عز وجل: (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ) [المؤمنون ١٠٧-١٠٨]؛ حينئذ يتوسلون بغيرهم أن يكلموا الله، يقولون: ادعوا ربكم، ولم يقولوا: ادعوا ربنا؛ لأنهم قد كُسِرُوا من جهة ربهم، قال لهم: (اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ)، لكن توسلوا بعد ذلك بطلب من الملائكة أن يدعوا الله لهم (ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ) (يُخَفِّفْ) بالجزم جوابًا للأمر، وهو قوله: (ادْعُوا) وأقول: للأمر باعتبار صيغته، وإلا فهو في الحقيقة دعاء وسؤال.

 

(ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ) ما الذي طلبوا؟ طلبوا تخفيفًا لا رفعًا، وطلبوا يومًا لا دوامًا لأنهم آيسون، لكن قال: لعل المسألة تنفع ولو بتخفيف يومًا من العذاب، نسأل الله العافية، ومقتضى هذا أنهم في أشد ما يكونوا من العذاب، وأنهم طلبوا أن يستريحوا ولو يومًا.

 

(يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا) قال المؤلف (لتفسير الجلالين): (أي: قَدْرَ يومٍ) وإنما قال: قَدْرَ يوم؛ لأنه في يوم القيامة ليس هناك يوم ولا ليلة، الشمس والقمر مُكَوَّران في نار جهنم، وكل شيء من أمور الدنيا منتهٍ، ما فيه إلا أمر الآخرة، سبحان الله! فيقول المؤلف: (قدر يوم) (مِنَ الْعَذَابِ).

 

قال لهم الخزنة: (قَالُوا) أي: (الخزنة تهكمًا) هكذا قال المؤلف: تَهَكُّمًا، ويحتمل أنهم قالوا ذلك تقريعًا وتوبيخًا وتنديمًا ليس تهكمًا، لأن الأمر واقع، فهم يُقَرِّرُونَهُم بشيء حاصل تنديمًا لهم ليزدادوا حُزْنًا.

 

(أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ) (بالمعجزات الظاهرات) ليته قال: بالآيات الظاهرات، لأن الرسل جاؤوا بالآيات لا بالمعجزات، لكن الآيات أمر خارق للعادة فهي معجزة، وقد بَيَّنَّا في كرامة الأولياء في التوحيد أن الأولى أن يُسَمَّى ما جاءت به الرسل من الدلالة على رسالتهم آيات.

 

(بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى) أي: فكفروا بهم (قَالُوا فَادْعُوا) هذا التهكم. شرح ابن عثيمين على تفسير الجلالين