فتوى

2022-10-05 - 1444/03/09

التعريف

أ- معاني الإفتاء ومشتقاته في اللغة:

 

الإفتاء لغةً: مصدر بمعنى: الإبانة عن الأمر، ورفع الإشكال عنه. يقال: أَفْتَى الرجلُ في المسأَلة واسْتفتيته فيها فأَفتاني إفتاءً. ويقال: أفتيت فلانًا رؤيا رآها: إذا عبرتها له(لسان العرب لابن منظور، القاموس المحيط، الموسوعة الفقهية)، ومنه قوله تعالى حاكيًا: (يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ).

 

والفتوى: ما أفتى به الفقيه، والجمع: الفتاوَى والفتاوِي، يقال: أفتيته فتوى وفُتيا، إذا أجبته عن مسألته. والفتوى بفتح الفاء اتفاقًا، وأجاز بعض أهل اللغة فيها (الفُتوى) بضم الفاء. والفتح لغةُ أهل المدينة، وهو الجاري على القياس.

 

والفُتيا: تبيين المشكل من الأحكام. وهي اسم مصدر من الإفتاء.

 

والتفاتي: التخاصم. وتفاتَوا إلى فلان: تحاكموا إليه، وارتفعوا إليه في الفتيا.

 

والاستفتاء: طلب الجواب عن الأمر المشكل، يقال: استفتيته فأفتاني، أي: سألته أن يفتيَني (المصباح المنير مادة: ف ت ي)، ومنه قوله تعالى: (وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا). وقد يكون الاستفتاء بمعنى: مجرد السؤال، ومنه قوله تعالى: (فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا)، قال المفسرون: أي: اسألهم. (تفسير القرطبي 15/ 68، وتفسير ابن كثير 4/ 3، ط عيسى الحلبي، الموسوعة الفقهية).

 

والمفتي في اللغة: اسم فاعل أفتى، فهو المجيب عن سؤال المستفتي.

 

والمستفتي: اسم فاعل استفتى، فهو السائل الذي يسأل المفتي عما أشكل عليه.

 

وأصلُ مادة الإفتاء ومشتقاته من (الفَتَى): وهو الشاب الحدث الذي شَبَّ وقَوِي، فكأَن المفتيَ يُقَوّي ما أشكل؛ ببيانه للمستفتي.

 

ب- الإفتاء ومشتقاته في القرآن الكريم (من كتاب الإفتاء المصري، (ص 77-79)، بتصرف):

 

ورد ذكر الفتوى ومشتقاتها في القرآن الكريم في تسع آيات كريمات، كلها تحمل معنى السؤال عمَّا أشكل من سائر الأمور الدينية والدنيوية، وهذه الآيات هي:

اثنتان في سورة النساء بمعنى: الاستفتاء في أمور الدين، هما: قوله تعالى: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ)، وقوله تعالى: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ).

 

وثلاث في سورة يوسف بمعنى: تفسير الرؤيا، هن: قوله تعالى: (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ)، وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ)، وقوله تعالى: (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ).

 

وواحدة في سورة الكهف بمعنى (مطلق) السؤال، وهي قوله تعالى: (وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا) وهي هنا في حالة النهي بمعنى: لا تسأل. وفي ذلك يقول الإمام البيضاوي:(وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا): (أي): ولا تسأل أحدًا منهم عن قصتهم سؤال مسترشد، فإن فيما أوحي إليك لمندوحة عن غيره، مع أنه لا علم لهم بها، ولا سؤال متعنت تريد تفضيح المسؤول عنه وتزييف ما عنده، فإنه مُخِلٌّ بمكارم الأخلاق"(تفسير البيضاوي: ص 390).

 

وآية في سورة النمل بمعنى طلب النصح والمشورة، وهي قول الله تعالى على لسان بلقيس: (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي).

 

والآيتان الأُخريان في سورة الصافات بمعنى: السؤال المتعنت المطلوب من خلاله تفضيح المسؤول عنه وتزييف ما عنده؛ لأن الأمر هنا يتصل بموقف التحدي الذي وقفه الكفار من الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهما: قوله تعالى: (فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا)، وقوله تعالى: (فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ).

 

ج – الإفتاء ومشتقاته في الحديث الشريف (من كتاب الإفتاء المصري):

 

أما في الحديث الشريف فقد وردت كلمة "الفتوى" ومشتقاتها أكثر من ثمانِمئة مرة، نذكر منها: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “الإثْمُ ما حَاكَ في القلب وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتَوك”(رواه أحمد في مسنده). أي: وإن جعلوا لك فيه رخصة وأجازوه.

 

وقال -صلى الله عليه وسلم-: “من أُفْتِى بفُتيا غير ثَبْتٍ؛ فإنما إثمه على مَنْ أفتاه”. وفي رواية: “على الذي أفتاه”، وفي رواية أخرى: “من أُفتي بفتيا بغير علم كان إثم ذلك على الذي أفتاه”(رواه أبو داود). وهي هنا أيضًا بمعنى الرخصة أو الإجازة، فمن رخص لشخص أن يأتي عملا ما وهو غير متثبت من صحة الرخصة، فإن ارتكب المستفتي ذنبًا بموجب هذه الفتوى؛ فإن إثمه على المفتي.

 

ومن الأحاديث أيضًا ما روي من أن “أربعة تَفَاتَوا إليه عليه السلام”، أي: تحاكموا إليه، وطلبوا منه الفتوى (الفتاوى الإسلامية من دار الإفتاء المصرية: 1-8).

 

ومنها أيضا قوله -صلى الله عليه وسلم-: “من أفتى الناس بغير علم لعنته ملائكة السماء وملائكة الأرض” ذكره ابن الجوزي في تعظيم الفتوى (صفة الفتوى والمفتي والمستفتي، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني: ص 5-6).

 

ومنها قوله -صلى الله عليه وسلم-: “إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من صدور الرجال، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، فإذا لم يبقَ عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا”(صفة الفتوى والمفتي والمستفتي: ص 6).

 

د- الإفتاء ومشتقاته في الاصطلاح:

تتقارب المعاني الاصطلاحية للإفتاء ومشتقاته مع المعاني اللغوية المتقدمة.

 

فالإفتاء في الاصطلاح: الإخبار عن حكم شرعي، لا على وجه الإلزام. "(مواهب الجليل: 1-32)".

 

وفائدة القيد الأخير (لا على وجه الإلزام) تمييز الإفتاء عن القضاء؛ لأن أظهر الفروق بينهما: أن فتوى المفتي غير ملزمة للمستفتي، بخلاف قضاء القاضي فهو ملزم للمحكوم عليه، وسيأتي المزيد من وجوه الافتراق بين الإفتاء والقضاء في الموضع المعد لذلك.

 

والفتوى في الاصطلاح عرفها ميارة بأنها: الإخبار بالحكم الشرعي من غير إلزام". (الإتقان والإحكام: 1-8)" وهو نفس تعريف الإفتاء السابق مع تغيير يسير في بعض الألفاظ.

 

وعرفها البهوتي بأنها: تبيين الحكم الشرعي لمن سأل عنه. "شرح منتهى الإرادات"، وهو قريب من التعريف السابق، غير أنه أهمل القيد الأخير. ولعله أهمله لأنه لا حاجة إليه؛ لأن القضاء لم يدخل في جنس الإفتاء أصلا حتى يحتاج إلى إخراجه بهذا القيد؛ لأن جنس الإفتاء هو الإخبار بالحكم أو التبيين، والقضاء إنشاء للحكم وليس إخبارًا به". (مواهب الجليل: 1-32)".

 

فالخلاصة: أن معنى الفتوى والفتيا في الاصطلاح: إخبار المفتي بالحكم الشرعي للواقعة المسؤول عنها. وهو لا يختلف عن معنى الإفتاء.

 

ومن تعريف الإفتاء والفتوى نعلم أن:

-المفتي هو المخبر بالحكم الشرعي للواقعة المسؤول عنها. وفي المعجم الوجيز: "المُفْتِي: فقيهٌ تُعَيِّنه الدولةُ ليُجيبَ عمَّا يُشكل من المسائل الشرعية. والجمع: مُفْتُونَ. ودار الإفتاء، ودار الفتوى: مكان المفتي"(مجمع اللغة العربية: المعجم الوجيز: ص 462).

 

والمستفتي هو: السائل عن الحكم الشرعي للواقعة.

 

العناصر

1- أهمية الفتوى ومنزلتها وعظم شأنها

 

2- مهابة السلف للفتوى وتدافعهم

 

3- وجوب معرفة حق العلماء وأهل الفتوى وتوقيرهم

 

4- بعض الآداب الواجب مراعاتها في المفتي والمستفتي

 

5- خطورة الفتوى من غير أهلها وآثارها

 

6- تحريم القول على الله بغير علم.

 

7- التحذير من تتبع الرخص والتساهل في شأن الفتوى

 

الايات

1- قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا)[الْبَقَرَةِ: 30-32].

 

2- قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ)[آل عمران:187].

 

3- قال تعالى: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُل اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ)[النساء:127].

 

4- قال تعالى: (يَسْتَفْتُونَكَ قُل اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ)[النساء:176].

 

5- قال تعالى: (فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[المائدة: 42].

 

6- قال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّل إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)[النحل:44].

 

7- قال تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إن كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [النحل: 43].

 

8- قال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [الأعراف: 33].

 

9- قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاَهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ) [الحج: 3-4].

 

10- قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَمٍ لِلْعَبِيدِ) [ الحج: 8- 10].

 

11- قوله تعالى (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء:83].

 

12- قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة: 168، 169].

 

13- قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الحجرات: 1].

 

14- قوله تعالى: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ..) [الأنعام: 144].

 

15- قوله تعالى: (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) [النحل: 116].

 

16- قوله تعالى: (سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) [الزخرف: 19].

 

17- قوله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ ءآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ * وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [يونس: 59، 60].

 

18- قوله تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا) [الإسراء: 36].

 

19- قوله تعالى: (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ) [النحل:25].

 

20- قوله تعالى: (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) [الأنعام: 140].

 

الاحاديث

1- قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا)[الْبَقَرَةِ: 30-32].

 

2- قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ)[آل عمران:187].

 

3- قال تعالى: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُل اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ)[النساء:127].

 

4- قال تعالى: (يَسْتَفْتُونَكَ قُل اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ)[النساء:176].

 

5- قال تعالى: (فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[المائدة: 42].

 

6- قال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّل إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)[النحل:44].

 

7- قال تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إن كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [النحل: 43].

 

8- قال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [الأعراف: 33].

 

9- قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاَهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ) [الحج: 3-4].

 

10- قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَمٍ لِلْعَبِيدِ) [ الحج: 8- 10].

 

11- قوله تعالى (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء:83].

 

12- قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة: 168، 169].

 

13- قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الحجرات: 1].

 

14- قوله تعالى: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ..) [الأنعام: 144].

 

15- قوله تعالى: (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) [النحل: 116].

 

16- قوله تعالى: (سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) [الزخرف: 19].

 

17- قوله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ ءآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ * وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [يونس: 59، 60].

 

18- قوله تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا) [الإسراء: 36].

 

19- قوله تعالى: (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ) [النحل:25].

 

20- قوله تعالى: (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) [الأنعام: 140].

 

الاثار

1- عن ابنِ مسعودٍ وابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهم قال: "من أفتَى النَّاسَ في كلِّ ما يسألونَهُ عنه فهو مجنونٌ" أعلام الموقعين: (2-119).

 

2- قال ابن عباس رضي الله عنهما: "إذا ترك العالم لا أدري أصيبت مقاتله". الآداب الشرعية؛ لابن مفلح: (2-58).

 

3- قال سفيان: "من فتنة الرجل إذا كان فقيها أن يكون الكلام أحب إليه من السكوت". الآداب الشرعية: (2-45).

 

4- قال ابن وهب: وقال مالك: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إمام المسلمين، وسيد العالمين، يسأل عن الشيء فلا يجيب حتى يأتيه الوحي من السماء". إعلام الموقعين: (1-194).

 

5- عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "العلم ثلاثة كتاب ناطق، وسنة ماضية، ولا أدري". الآداب الشرعية؛ لابن مفلح: (2-58).

 

6- قال أحمد في رواية المروذي: "ليس كل شيء ينبغي أن يتكلم فيه وذكر أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم: " كان يسأل فيقول: "لا أدري حتى أسأل جبريل". الآداب الشرعية؛ لابن مفلح: (2-58).

 

7- قال أحمد بن حنبل: "من أفتى الناس ليس ينبغي أن يحمل الناس على مذهبه ويشدد عليهم". الآداب الشرعية؛ لابن مفلح: (2-58).

 

8- قال أحمد بن حنبل: في رواية ابن القاسم: "إنما ينبغي أن يؤمر الناس بالأمر البين الذي لا شك فيه وليت الناس إذا أمروا بالشيء الصحيح أن لا يجاوزوه". الآداب الشرعية؛ لابن مفلح: (2-58).

 

9- نقل محمد بن أبي طاهر عنه أنه سئل عن مسألة في الطلاق فقال: "سل غيري ليس لي أن أفتي في الطلاق بشيء". الآداب الشرعية؛ لابن مفلح: (2-58).

 

10- صح عن مالك أنه قال: "ذل وإهانة للعلم أن تجيب كل من سألك". الآداب الشرعية؛ لابن مفلح: (2-58).

 

11- قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: " أدركت مئة وعشرين من الأنصار من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يُسأل أحدهم المسألة فيردها هذا إلى هذا وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول وما منهم من أحد يحدث بحديث أو يُسأل عن شيء إلا ودّ أنّ أخاه كفاه". جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر: (ص1121).

 

12- قال سُفْيَانَ: "أَجْسَرُ النَّاسِ عَلَى الْفُتْيَا أَقَلُّهُمْ عِلْمًا باختلاف العلماء". جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر: (ص817).

 

13- قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: "تَعَلَّمْ لَا أَدْرِي فَإِنَّكَ إنْ قُلْتَ لَا أَدْرِي عَلَّمُوكَ حَتَّى تَدْرِيَ، وَإِنْ قُلْتُ: أَدْرِي سَأَلُوكَ حَتَّى لَا تَدْرِيَ". أعلام الموقعين: (2-163).

 

14- قال القاسم بن محمد رحمه الله تعالى -وهو من فقهاء المدينة السبعة-: "لأن يعيش المرء جاهلاً لا يعلم ما افترض عليه خير له من أن يقول على الله ورسوله ما لا يعلم". جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر: (ص837).

 

15- قال الحسن البصريّ -رحمه الله-: "الفتنة إذا أقبَلَت عرَفَها كلُّ عالِم، وإذا أدبرَتْ عرَفَها كلُّ جاهلٍ". الطبقات الكبرى 1-9 مع الفهارس ج7

 

16- قال محمد بن سيرين: "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم". الآداب الشرعية والمنح المرعية: (ج2-105).

 

القصص

1- عن أبي نضرة قال: قدم أبو سلمة - وهو ابن عبد الرحمن- فنزل دار أبي بشير، فأتيت الحسن، فقلت: إن أبا سلمة قدم وهو قاضي المدينة وفقيههم انطلق بنا إليه، فأتيناه، فلما رأى الحسن، قال: من أنت؟ قال: أنا الحسن بن أبي الحسن، قال: ما كان بهذا المصر أحد أحب إليّ أن ألقاه منك، وذلك أنه بلغني أنك تفتي الناس، فاتق الله يا حسن وأفت الناس بما أقول لك: أفتهم بشيء من القرآن قد علمته، أو سنة ماضية قد سنها الصالحون والخلفاء، وانظر رأيك الذي هو رأيك فألقه. تاريخ مدينة دمشق: (ج17-43).

 

2- دخل رجل على ربيعة الرأي فوجده يبكي، فقال: ما يبكيك؟ أمصيبة دخلت عليك؟؛ وارتاع لبكائه، فقال: لا، ولكن استفتي من لا علم له، وظهر في الإسلام أمر عظيم". ثم قال: "ولبعض من يفتي هاهنا أحق بالحبس من السُّرَّاق. جامع الآداب: (2-22).

 

3- قال عبد الله بن أحمد بن حنبل سمعت أبي يقول: "كان سفيان لا يكاد يفتي في الطلاق ويقول من يحسن ذا؟ من يحسن ذا؟". الآداب الشرعية؛ لابن مفلح: (2-58).

 

4- قال سفيان: "لقد كان الرجل يستفتى فيفتي وهو يرعد". 

 

 5- عن ابنِ عمرَ رضي الله عنهما: أنه استفتى ابنَ مسعودٍ في البتةِ وأخذ بقولِه. أعلام الموقعين: (٢-٦٠).

 

6- عن أبي موسى الأشعري قَدِمْتُ على رسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهوَ بالبَطحاءِ فقالَ: بما أَهْللتَ قلتُ: بإِهْلالٍ كإِهْلالِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فقالَ: هل سقتَ من هديٍ؟ قلتُ: لا، قالَ: طُف بالبيتِ وبالصَّفا والمروةِ، ثمَّ حُلَّ، فطفتُ بالبيتِ وبالصَّفا والمروةِ ثمَّ أتيتُ امرأةً مِن قومي فمشَّطتني وغسَلَت رأسي، فَكُنتُ أُفتي النّاسَ بذلِكَ بإمارةِ أبو بَكْرٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ وإمارةِ عمرَ رضيَ اللَّهُ عنهُ فإنِّي لقائمٌ في الموسمِ، إذ جاءَني رجلٌ فقالَ: إنَّكَ لا تَدري ما أحدَثَ أميرُ المؤمنينَ في شأنِ النُّسُكِ، فقلتُ: أيُّها النّاسُ مَن كنّا أفتيناهُ فُتيا، فَهَذا أميرُ المؤمنينَ قادمٌ عليكم، فبِهِ فائتمُّوا، فلمّا قدِمَ قلتُ: ما هذا الَّذي قد أحدَثتَ في شأنِ النُّسُكِ؟ قالَ: إن نَأخذ بِكِتابِ اللَّهِ تعالى فإنَّ اللَّهَ تعالى قالَ: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ والْعُمْرَةَ لِلَّهِ وإن نأخُذْ بسنَّةِ نبيِّنا فإنَّهُ لم يَحِلَّ حتّى نحرَ الهَديَ. رواه وأحمد: (١٩٦٧١) واللفظ له، وأخرجه البخاري: (١٥٥٩)، ومسلم: (١٢٢١).

 

7- عن أبو هريرة رضي الله عنه قال: زنى رجُلٌ من اليهودِ وامرأةٌ، فقال بعضُهم لبعضٍ: اذهَبوا بنا إلى هذا النبيِّ، فإنَّه نبيٌّ بُعِث بالتخفيفِ، فإنْ أفتانا بفُتْيا دونَ الرَّجْمِ قبِلْناها، واحتَجَجْنا بها عندَ اللهِ، قُلْنا: فُتْيا نبيٍّ من أنبيائِك، قال: فأتَوُا النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- وهو جالسٌ في المسجِدِ في أصحابِه، فقالوا: يا أبا القاسمِ، ما ترى في رجُلٍ وامرأةٍ منهم زَنَيا؟ فلم يُكلِّمْهم كَلِمةً حتى أتى بيتَ مِدْراسِهم، فقام على البابِ، فقال: أنشُدُكم باللهِ الذي أنزَلَ التَّوْراةَ على موسى، ما تجِدونَ في التَّوْراةِ على مَن زنى إذا أُحصِنَ؟ قالوا: يُحمَّمُ ويُجبَّهُ ويُجلَدُ، والتَّجْبِيهُ: أنْ يُحمَلَ الزانيانِ على حِمارٍ، وتُقابَلَ أقفِيَتُهما، ويُطافَ بهما، قال: وسكَتَ شابٌّ منهم، فلمّا رآه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- سكَتَ ألَظَّ به النِّشْدةَ، فقال: اللهُمَّ إذ نشَدْتَنا فإنّا نجِدُ في التَّوْراةِ الرَّجْمَ، فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: فما أوَّلُ ما ارتَخَصتُم أمرَ اللهِ؟ قال: زنى ذو قَرابةٍ من مَلِكٍ من مُلوكِنا، فأُخِّرَ عنه الرَّجْمُ، ثم زنى رجُلٌ في أسرةٍ من الناسِ، فأرادَ رَجْمَه، فحال قومُه دونَه، وقالوا: لا يُرجَمُ صاحبُنا حتى تجيءَ بصاحِبِك فترجُمَه، فاصطَلَحوا على هذه العقوبةِ بينَهم، فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: فإنِّي أحكُمُ بما في التَّوْراةِ، فأمَرَ بهما فرُجِما. قال الزُّهْريُّ: فبلَغَنا أنَّ هذه الآيةَ نزَلَتْ فيهم: (إِنّا أَنْزَلْنا التَّوْراةَ فِيها هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِها النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا) [المائدة: ٤٤]، كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- منهم. رواه أبو داود: (٤٤٥٠)، وقال شعيب الأرناؤوط: صحيح لغيره.

 

8- كان عامر بن الظرب ‌العدواني، لا يكون بين العرب نائرة إلا تحاكموا إليه فيرضون بما يقضي به فتحاكموا إليه مرة في ميراث خنثى فبات ليلته ساهرا يتروى ماذا يحكم به فرأته جارية له كانت ترعى عليه غنمه اسمها سخيلة فقالت له: ما لك - لا أبالك - الليلة ساهرا؟ فذكر لها ما هو مفكر فيه، وقال: لعلها يكون عندها في ذلك شيء فقالت: أتبع القضاء المبال. فقال: فرجتها والله يا سخيلة. وحكم بذلك. البداية والنهاية: (3-334).

 

* قال الأذرعي -معقبا على موقف العدواني والجارية-: "وفي ذلك عبرة ومزدجر لجهلة قضاة الزمان ومفتييه فإن هذا مشرك توقف في حكم حادثة أربعين يوما ولا قوة إلا بالله. انتهى من شرح شيخنا زكرياء للفصول". مواهب الجليل؛ للحطاب الرعيني: (٨-٦١٢).

 

* قال الإمام الأوزاعي رحمه الله معقباً على هذه القصة: هذا رجل مشرك لا يرجو جنة ولا يخاف من نار ولا يعبد الله، ويتوقف في مسألة أربعين يوماً حتى يفتي فيها، فكيف بمن يرجوا الجنة ويخاف النار؟! فينبغي عليه أن يتحرى إذا صُدِّر للإفتاء، ولقد أدركنا شيخنا الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى في مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وثبت عندنا أنه جاءه وفد من الكويت يسألونه عن مسائل شرعية، والرجل في آخر أيام حياته، ولو قال قائل: إنه ليس على وجه الأرض آنذاك أحد أعلم منه لما ابتعد عن الصواب، ومع ذلك لما سألوه قال: لا أدري لا أدري لا أدري، فلما أكثروا عليه غَيَّر هيئة جلسته ثم قال: أجيب فيها بكتاب الله، فانتظر الناس الجواب، فقال -رحمه الله وغفر الله له-: أقول كما قال الله: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) [الإسراء:36]، فلما أكثروا عليه رحمه الله قال: قال فلان كذا، وقال فلان كذا، وقال فلان كذا، أما أنا فلا أحمل ذمتي من كلام الناس شيئاً، لا أدري، قال هذا وهو هو في منزلته وعلمه.

 

9- قال شَقِيقٌ -رحمه الله-: "كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللهِ بن مسعود وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنهما-، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَجْنَبَ فَلَمْ يَجِدِ الْمَاءَ شَهْرًا، أَمَا كَانَ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي؟ فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) [النساء:43]؟ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: لَوْ رُخِّصَ لَهُمْ فِي هَذَا، لَأَوْشَكُوا إِذَا بَرَدَ عَلَيْهِمُ الْمَاءُ أَنْ يَتَيَمَّمُوا، قُلْتُ: وَإِنَّمَا كَرِهْتُمْ هَذَا لِذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَاجَةٍ فَأَجْنَبْتُ، فَلَمْ أَجِدِ الْمَاءَ فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا، فَضَرَبَ بِكَفِّهِ ضَرْبَةً عَلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ نَفَضَهَا ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا ظَهْرَ كَفِّهِ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: أَفَلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمَّارٍ؟! (رواه البخاري).

 

10- قال مسروق: "كان أصحابَ الفَتوى مِن أصحابِ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: عُمَرُ، وعليٌّ، وابنُ مَسعودٍ، وزَيدٌ، وأُبَيٌّ، وأبو موسى". سير أعلام النبلاء: (٢-٤٣٣).

 

11- الإمام القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، يأتيه رجل فيسأله عن شيء، فقال: لا أحسنه، فجعل الرجل يقول: إني دفعت إليك لا أعرف غيرك، فقال القاسم: لا تنظر إلى طول لحيتي وكثرة الناس حولي، والله ما أحسنه [أي: الجواب]، ثم قال: والله لأن يقطع لساني أحب إلي من أن أتكلم بما لا علم لي به. جامع بيان العلم وفضله: (ص 837).

 

12- عن الهيثم بن جميل قال: "شهدت مالك بن أنس سئل عن ثمان وأربعين مسألة، فقال في اثنتين وثلاثين منها: لا أدري". تفسير القرطبي: (1-240).

 

13- قال الإمام أبو حنيفة: "لولا الفرق -أي الخوف- من الله -تعالى- أن يضيع العلم ما أفتيت، يكون لهم المهنأ وعلي الوزر". المجموع شرح المهذب: (1-468).

 

14-نُقِل عَنِ الإِمَامِ مَالِكٍ أَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ يُسْأَل عَنْ خَمْسِينَ مَسْأَلَةً فَلاَ يُجِيبُ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهَا، وَكَانَ يَقُول: "مَنْ أَجَابَ فَيَنْبَغِي قَبْل الْجَوَابِ أَنْ يَعْرِضَ نَفْسَهُ عَلَى الْجَنَّةِ وَالنَّارِ". المجموع؛ للنووي: (1-73).

 

15- سُئِلَ الشَّافِعِيُّ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَسَكَتَ، فَقِيلَ: أَلَا تُجِيبُ؟ فَقَالَ: "حَتَّى أَدْرِيَ الْفَضْلُ فِي سُكُوتِي أَوْ فِي الْجَوَابِ". أعلام الموقعين عن رب العالمين: (2-163).

 

16- قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْأَزْدِيُّ: "إنَّ أَحَدَهُمْ لَيُفْتِي فِي الْمَسْأَلَةِ لَوْ وَرَدَتْ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لَجَمَعَ لَهَا أَهْلَ بَدْرٍ". أعلام الموقعين عن رب العالمين: (2-163).

 

17- سُئِلَ الشَّعْبِيُّ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ: لَا أَدْرِي، فَقِيلَ لَهُ: أَلَا تَسْتَحْيِي مِنْ قَوْلِكَ لَا أَدْرِي وَأَنْتَ فَقِيهُ أَهْلِ الْعِرَاقِ؟ فَقَالَ: "لَكِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمْ تَسْتَحِي حِينَ قَالُوا: (لَا عِلْمَ لَنَا إلَّا مَا عَلَّمْتَنَا)". أعلام الموقعين عن رب العالمين: (2-163).

 

18- قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: "ما رأيت أحدًا جمع الله تعالى فيه من آلة الفتيا ما جمع في ابن عيينة، أسْكَتَ عن الفتيا منه". الفقيه والمتفقه: (2-350)، آداب الفتوى والمفتي والمستفتي: (ص 16).

 

 

 

الاشعار

1- قال أحدهم:

الله أكبر، يا مسرعين إلى الفتاوى *** هَوِّنُوا فَلَرُبَّ فتوى أهلكَتْ مَنْ قالَها

وَلَرُبَّ فتوى شكَّكَتْ مُتدِّينًا *** فِيمَا لَدَيْهِ وأَحدَثَتْ زِلزَالَها

تَشكُو الفتاوى في زمانكَ حالَها *** مِنْ بعد ما سلَب الفضاءُ جَمالَها

صَارَتْ مبلبلةَ الفؤادِ، أتشتكي *** عُلماءها؟ أم تشتكي جُهَّالها؟!

 

2- قال صفي الدين الحلي:

إِذا لَم تَكُن عالِماً بِالسُؤالِ *** فَتَركُ الجَوابِ لَهُ أَسلَمُ

فَإِن أَنتَ شَكَّكتَ فيما سُئِلـ *** ـتَ فَخيرُ جَوابِكَ لا أَعلَمُ

 صيد الأفكار في الأدب والأخلاق والحكم والأمثال؛ لحسين المهدي: (1/38-39).

 

3- قال أحدهم:

وَمَن كانَ يَهوى أَن يُرى مُتَصَدِّراً *** وَيَكرَهُ لا أَدري أَصيبَت مَقاتِلُه

صيد الأفكار في الأدب والأخلاق والحكم والأمثال؛ لحسين المهدي: (1-39).

 

متفرقات

1- قال الإمام أحمد: "من عرض نفسه للفتيا، فقد عرضها لأمر عظيم إلا أنه قد تلجئ إليها الضرورة"، قيل له: فأيما أفضل الكلام أو السكوت؟ قال: "الإمساك أحبُّ إليَّ" قيل له: فإذا كانت ضرورة؟ فجعل يقول: "الضرورة الضرورة" قال: "الإمساك أسلم". إعلام الموقعين لابن القيم: (9-134).

 

2- قال ابن الصلاح -رحمه الله-: "هاب الفُتيا مَنْ هابَها من أكابر العلماء العاملينَ، وأفاضلِ السالفينَ والخالفينَ، وكان أحدُهم لا تمنعه شهرتُه بالأمانة، واضطلاعُه بمعرفة المعضِلات في اعتقاد مَنْ يسأله من العامَّة، مِنْ أَنْ يدفعَ بالجواب، أو يقول: لا أدري، أو يؤخر الجواب إلى حين يدري".

 

3- قال ابن عبد البر -رحمه الله-: "الإمامُ والحاكمُ إذا نزلَتْ به نازلةٌ لا أصلَ لها في الكتاب ولا في السُّنة، عليه أن يَجمَع العلماءَ وذوي الرأي، ويُشاوِرَهم".

 

4- قَال النَّوَوِيُّ: "مَنْ لَمْ يَجِدْ بِبَلَدِهِ مَنْ يَسْتَفْتِيهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّحِيل إِلَى مَنْ يُفْتِيهِ وَإِنْ بَعُدَتْ دَارُهُ، وَقَدْ رَحَل خَلاَئِقُ مِنَ السَّلَفِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْوَاحِدَةِ اللَّيَالِيَ وَالأَيَّامَ".

 

 5-قال ابنُ القيمِ -رحمه الله-: "المفتي بمن يُوَقِّعُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فقال: "هُوَ الْمَنْصِبُ الَّذِي تَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ رَبُّ الْأَرْبَابِ، فَقَالَ تَعَالَى: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ)[النساء: 127]، وَكَفَى بِمَا تَوَلَّاهُ اللَّهُ -تَعَالَى- بِنَفْسِهِ شَرَفًا وَجَلَالَةً". إعلام الموقعين لابن القيم: (1-17).

 

6- قال ابن القيم رحمه الله: "لما كان التبليغ عن الله يعتمد العلمَ بما يبلغ والصدق فيه لم تصلح مرتبة التبليغ بالرواية والفتيا إلا لمن اتصف بالعلم والصدق، فيكون عالماً بما يبلغ صادقاً فيه ويكون مع ذلك حسن الطريقة مرضيّ السيرة عدلاً في أقواله وأفعاله متشابه السر والعلانية في مدخله ومخرجه وأحواله، وإذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا يُنكر فضله ولا يُجهل قدره، وهو من أعلى المراتب السنيات فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسماوات". إعلام الموقعين لابن القيم: (1-17).

 

7- قال الخطيب البغدادي: "وقل من حرص على الفتوى، وسابق إليها، وثابر عليها إلا قل توفيقه، واضطرب في أمره، وإذا كان كارهاً لذلك غير مختار له ما وجد مندوحة عنه، وقدر أن يحيل بالأمر فيه على غيره كانت المعونة له من الله أكثر والصلاح في فتواه وجوابه أغلب". الفقيه والمتفقه: (2-350). 

 

8- قال الخطيب البغدادي:: "ينبغي لإمام المسلمين أنْ يتصفح أحوال المفتين، فمَن كان يصلح للفتوى أَقَرَّهُ عليها، ومَن لم يكن مِن أهلها منعه منها، وتقدّم إليه بأن لا يتعرَّض لها، وأوعده بالعقوبة إن لم ينته عنها". الفقيه والمتفقه: (2-324).

 

9- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فكان من الأصول المتفق عليها بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان أنه لا يقبل من أحد قط أن يعارض القرآن لا برأيه ولا ذوقه ولا معقوله ولا قياسه ولا وجده، فإنهم ثبت عنهم بالبراهين القطعيات والآيات البينات أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاء بالهدى ودين الحق وأن القرآن يهدي للتي هي أقوم… ولهذا لا يوجد في كلام أحد من السلف أنه عارض القرآن بعقل ولا برأي ولا قياس، ولا قال قط قد تعارض في هذا العقل والنقل، فضلاً عن أن يقول فيجب تقديم العقل. ولم يكن السلف يقبلون معارضة الآية إلا بآية أخرى تفسرها أوتنسخها، أو بسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- تفسرها. مجموع الفتاوى الكبرى: (13-28).

 

10- قال الإمام ابن تيمية -رحمه الله-: "إِذَا تَرَجَّحَ عِنْدَ الْمُسْتَفْتِي أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ: إمَّا لِرُجْحَانِ دَلِيلِهِ بِحَسَبِ تَمْيِيزِهِ وَإِمَّا لِكَوْنِ قَائِلِهِ أَعْلَمَ وَأَرْوَعَ: فَلَهُ ذَلِكَ".

 

11- قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-: "كَانَ صِدِّيقُ الْأُمَّةِ وَأَفْضَلُهَا بَعْدَ نَبِيِّهَا يَقُولُ: أَطِيعُونِي مَا أَطَعْت اللَّهَ فَإِذَا عَصَيْت اللَّهَ فَلَا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ. وَاتَّفَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مَعْصُومًا فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلِهَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ: كُلُّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إلَّا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ -رضي الله عنهم- قَدْ نَهَوْا النَّاسَ عَنْ تَقْلِيدِهِمْ فِي كُلِّ مَا يَقُولُونَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ؛ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: "هَذَا رَأْيِي وَهَذَا أَحْسَنُ مَا رَأَيْت؛ فَمَنْ جَاءَ بِرَأْيٍ خَيْرٍ مِنْهُ قَبِلْنَاهُ". وَمَالِكٌ كَانَ يَقُولُ: "إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أُصِيبُ وَأُخْطِئُ فَاعْرِضُوا قَوْلِي عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ". وَالشَّافِعِيُّ كَانَ يَقُولُ: "إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَاضْرِبُوا بِقَوْلِي الْحَائِطَ، وَإِذَا رَأَيْت الْحُجَّةَ مَوْضُوعَةً عَلَى الطَّرِيقِ فَهِيَ قَوْلِي". وَالْإِمَامُ أَحْمَد كَانَ يَقُولُ: "لَا تُقَلِّدُونِي وَلَا تُقَلِّدُوا مَالِكًا وَلَا الشَّافِعِيَّ"

 

 

12- قال ابن مفلح رحمه الله تعالى: "وإن كان من يفتي يعلم من نفسه أنه ليس أهلا للفتوى، لفوات شرط، أو وجود مانع، ولا يعلم الناس ذلك منه، فإنه يحرم إفتاء الناس في هذه الحال بلا إشكال، فهو يسارع إلى ما يحرم، لا سيما إن كان الحامل على ذلك غرض الدنيا". الآداب الشرعية: (2-66).

 

13- قال الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى: "ينبغي للإمام أن يتصفح أحوال المفتين، فمن صلح للفتيا أقره، ومن لا يصلح منعه، ونهاه أن يعود، وتواعده بالعقوبة إن عاد. وطريق الإمام إلى معرفة من يصلح للفتيا أن يسأل علماء وقته، ويعتمد أخبار الموثوق بهم". المجموع شرح المهذب: (1/73-74).

 

14- قال الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى: "وقلَّ من حرص على الفتوى؛ وسابق إليها؛ وثابر عليها؛ إلا قل توفيقه؛ واضطرب في أمره، وإذا كان كارهًا لذلك، غير مختار له ما وجد مندوحة عنه؛ وقدر أن يحيل بالأمر فيه على غيره؛ كانت المعونة له من الله أكثر؛ والصلاح في فتواه وجوابه أغلب". الفقيه والمتفقه: (2-350)، ونسبه النووي في آداب الفتوى والمفتي والمستفتي للصيمري من أئمة الشافعية: (ص 17).

 

15- قال ابن عثيمين -رحمه الله-: "الإنسان إذا اختلفت عليه الفتوى فإنه يتبع من يراه أقرب إلى الحق، لغزارة علمه، وقوة إيمانه، كما أن الإنسان إذا كان مريضًا ثم اختلف عليه طبيبان فإنه يأخذ بقول من يرى أنه أرجح لما وصفه له من دواء.

 

وإن تساوى عنده الأمران -أي لم يرجح أحد العالمين المختلفين- فقال بعض العلماء: إنه يتبع القول الأشد؛ لأنه أحوط. وقال بعض العلماء: يتبع الأيسر؛ لأنه الأصل في الشريعة الإسلامية، وقيل: يخيَّر بين هذا وهذا. والراجح: أنه يتبع الأيسر؛ لأن هذا موافق ليسر الدين الإسلامي؛ لقول الله -تبارك وتعالى-: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة:185] وقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج:78]، ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: "يسروا ولا تعسروا" (متفق عليه). ولأن الأصل براءة الذمة حتى يثبت ما يرفع هذا الأصل، وهذه القاعدة لمن لا يستطيع أنه يتوصل إلى معرفة الحق بنفسه، فإن كان يستطيع ذلك كطالب العلم الذي يستطيع أن يقرأ ما قيل في هذه المسألة فيرجح ما يراه راجحًا بالأدلة الشرعية عنده، فإنه في هذه الحال لابد أن يبحث ويقرأ ليعرف ما هو أصح من هذه الأقوال التي اختلف فيها العلماء".

 

16- قال ابن عثيمين -رحمه الله-: "ويؤسفنا كثيراً؛ أنْ نجدَ في الأمةِ الإسلاميةِ فِئةً تختلفُ في أمورٍ يسوغُ فيها الخلافُ، فتجعل الخلافَ فيها سبباً لاختلاف القلوبِ، فالخِلافُ في الأمةِ موجودٌ في عهد الصَّحابةِ، ومع ذلك بقيت قلوبُهم متَّفقةٌ، فالواجب على الشبابِ خاصَّة، وعلى كلِّ المستقيمين أن يكونوا يداً واحدة، ومظهراً واحداً؛ لأنَّ لهم أعداء يتربَّصونَ بهم الدَّوائر"

 

17- قال الشيخ عبد الرحمن السديس: "إذا التمست أسباب هذه القضية، -يعني القول على الله بغير علم- فإن أهمها ضعف الوازع، وقلة الرادع، والتقصير في التقوى والإيمان ومخافة الواحد الديان، وعدم المنهج الصحيح في التلقي والتحصيل، إضافة إلى قاصم الظهور داء الشهرة وحب الظهور، واستشراء التعالم المذموم، وغلبة الهوى، وقعود الأكفاء والمؤهلين عن البلاغ والبيان، ولا يدفعنَّ بعض المؤهلين ورع كاذب، وتثبت بارد في تبليغ ما يعلموا من دين الله عز وجل، فلا تنافي بين التثبت مما لا يعلم، وتبليغ ما يعلم، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما صح عنه: « بلغوا عني ولو آية » وعلاج هذا الداء بتقوية الإيمان والخوف من الله في النفوس، والسير على المنهج الصحيح في التعلم والأخذ من أهل العلم والرد إليهم للعلم والإيضاح (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء:83] لا سيما في المعضلات التي تحتاج إلى مرجعية علمية موثوقة، وما عم فيه التنازع والاختلاف: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) [النساء:59]. ومن العلاج: القراءة في سير الأسلاف، والتحلي بأدب الخلاف، والتواضع الجم، والورع الصادق، وقبل ذلك وبعده إخلاص النية لله عز وجل، وسؤاله التوفيق والتسديد". دروس للشيخ عبد الرحمن السديس المؤلف: أبو عبد العزيز عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن محمد بن عبد الله الملقب بالسديس: (10-107).

 

 

 

الإحالات

1- أعلام الموقعين؛ لابن القيم.

 

2- حقيقة الفتوى وشروط المفتي؛ لعبد الله بن عبد الرحمن الجبرين.

 

3- الفتوى في الشريعة الإسلامية؛ لعبدالله بن محمد بن سعد آل خنين.

 

4- الفتوى وأثرها؛ د. فهد الجهني.