صفر

2022-10-06 - 1444/03/10

التعريف

شهر صفر هو أحد الشهور الإثنى عشر الهجرية وهو الشهر الذي بعد المحرم قال بعضهم: سمِّي بذلك لإصفار مكَّة من أهلها ( أي خلّوها من أهلها ) إذا سافروا فيه، وقيل: سَمَّوا الشهر صفراً لأنهم كانوا يغزون فيه القبائل فيتركون من لقوا صِفْراً من المتاع -أي يسلبونه متاعه فيصبح لا متاع له- (لسان العرب لابن منظور:4-462-463).

 

ونذكر حكاية الجوهري عن ابن دريد: "الصفران شهران من السنة سمي أحدهما في الإسلام المحرم"(لسان العرب:٤-٤٦٣).

 

ويذكر الأخباريون أن الاسم القديم للمحرم هو صفر، وأنه كان يعرف عندهم بـ"صفر الأول"، ثم قيل له: "المحرم". وقد عرف الشهران: المحرم وصفر لذلك بـ"الصفرين"(اللسان:6-133، البخاري:2-257، تاج العروس:3-336).

 

ويظن أن هذه التسمية الجديدة -أي المحرم- لصفر الأول إنما ظهرت في الإسلام (تاج العروس:3-336).

 

وذهب بعض علماء اللغة إلى أن لفظة "موجب" هي الاسم العادي للمحرم. أي التسمية القديمة لهذا الشهر عند قدماء العرب(تاج العروس:1-502).

 

فلفظة "محرم" إذن، لم تكن تسمية لذلك الشهر، وإنما كانت صفة له؛ لحرمته ثم غلبت عليه، فصارت بمنزلة الاسم العلم عليه. وأما اسمه عند الجاهليين، فهو: صفر، أي: صفر الأول، تمييزا له عن صفر الثاني، الذي اختص بهذه التسمية أي: صفر بعد تغلب لفظة المحرم على صفر الأول (كتاب المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام:92).

 

 

 

 

قوله في الحديث: "لا عدوى ولا هامة ولا صفر"، قال أبو عبيد: فسر الذي روى الحديث أن صفر دواب البطن. وقال أبو عبيد: سمعت يونس سأل رؤبة عن الصفر، فقال: هي حية تكون في البطن تصيب الماشية والناس، قال: وهي أعدى من الجرب عند العرب، قال أبو عبيد: فأبطل النبي، صلى الله عليه وسلم، أنها تعدي. قال: ويقال إنها تشتد على الإنسان وتؤذيه إذا جاع. وقيل للحية التي تعض البطن صفر؛ لأنها تفعل ذلك إذا جاع الإنسان.

 

وقال أبو عبيدة في قوله: "لا صفر": يقال في الصفر أيضا: إنه أراد به النسيء الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية، وهو تأخيرهم المحرم إلى صفر في تحريمه ويجعلون صفرا هو الشهر الحرام فأبطله، قال الأزهري: والوجه فيه التفسير الأول. (لسان العرب:٤-٤٦٣)

 

والصفرية: نبات ينبت في أول الخريف يخضر الأرض ويورق الشجر. وقال أبو حنيفة: سميت صفرية لأن الماشية تصفر إذا رعت ما يخضر من الشجر وترى مغابنها ومشافرها وأوبارها صفرا، قال ابن سيده: ولم أجد هذا معروفا (لسان العرب:٤-٤٦٣).

 

قال أبو حنيفة: "الصفرية تولي الحر وإقبال البرد. وقال أبو نصر: الصقعي أول النتاج، وذلك حين تصقع الشمس فيه رؤوس البهم صقعا، وبعض العرب يقول له: الشمسي والقيظي ثم الصفري"(لسان العرب:٤-٤٦4).

 

 

العناصر

1- أهمية التوحيد وخطر التشاؤم عليه

 

2- من منكرات شهر صفر

 

3- من التشاؤمات في شهر صفر

 

4- أحاديث موضوعة في شهر صفر

 

5- من مدافعة البدعة بالبدعة

 

6- أحداث عظام وتواريخ جليلة في شهر صفر

 

الايات

قال الله -تعالي-: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)[التوبة:36]

 

الاحاديث

1- عن مالك بن أنس رضي الله عنه قال: سئل مالك عن قوله: "لا صفر" قال: إن أهل الجاهلية كانوا يحلون صفر يحلونه عاما ويحرمونه عاما فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا صفر"(رواه أبو داود:٣٩١٤، وقال الألباني: صحيح مقطوع).

 

2- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ولا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر وفر من المجذوم كما تفر من الأسد"(رواه البخاري معلقا واللفظ له: ٥٧٠٧، مسلم:٢٢٢0). وفي رواية عند البخاري (٥٧٥٧): "لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر"

 

3- عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ يُعدى شيءٌ شيئًا". فقالَ أعرابيٌّ: يا رسولَ اللَّهِ البعيرُ الجرِبُ الحشفةُ بذنبهِ فيُجرِبُ الإبلَ كلَّها. فقالَ رسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "فمن أجربَ الأوَّلَ؟ لاَ عدوى ولاَ صفرَ خلقَ اللَّهُ كلَّ نفسٍ فَكتبَ حياتَها ورزقَها ومصائبَها"(رواه الترمذي:٢١٤٣، وصححه الألباني).

 

4- عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه قال: كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض ويجعلون المحرم صفرا، ويقولون إذا برا الدبر وعفا الأثر وانسلخ صفر حلت العمرة لمن اعتمر، قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة، فتعاظم ذلك عندهم فقالوا: يا رسول الله أي الحل؟ قال: "حل كله"(رواه البخاري:١٥٦٤ واللفظ له، ومسلم:١٢٤٠).

 

5- عن عبدالله بن عباس -رضي الله عنه- قال: ما أعْمرَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عائشةَ ليلةَ الحَصْبةِ إلا قَطْعًا لأمرِ أهلِ الشِّركِ فإنَّهم كانوا يقولونَ: إذا بَرأَ الدُّبرُ وعفا الأثرُ ودخلَ صفرُ فقد حلَّت العُمرةُ لِمن اعتمرَ (رواه أحمد ٤‏/١٠٧، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح).

 

6- ابتداءَ مرَضِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- كانَ يومَ السَّبتِ الثّاني والعشرينَ من صَفرَ، وماتَ يومَ الاثنينِ لليلتينِ خلَتا من ربيعٍ (فتح المغيث للسخاوي:٣‏-٣١٩،  إسناده صحيح).

 

القصص

1- قال ابن القيم -رحمه الله-: "ثم غزا بنفسه غزوة (الأبواء) ويقال لها ودَّان، وهي أول غزوة غزاها بنفسه، وكانت في صفر على رأس اثني عشر شهراً من مهاجره، وحمل لواءه حمزة بن عبد المطلب وكان أبيض، واستخلف على المدينة سعد بن عبادة، وخرج في المهاجرين خاصة يعترض عيراً لقريش، فلم يلق كيداً.

 

وفي هذه الغزوة وادع مخشيَّ بن عمرو الضمري وكان سيد بني ضمرة في زمانه على ألا يغزو بني ضمرة ولا يغزوه، ولا أن يكثِّروا عليه جمعاً ولا يعينوا عليه عدوا وكتب بينه وبينهم كتابا وكانت غيبته خمس عشرة ليلة"(زاد المعاد:3/164-165).

 

2- قال ابن القيم -رحمه الله-: "فلما كان صفر سنة ثلاث من الهجرة قدم عليه قوم من عَضَل والقارة، وذكروا أن فيهم إسلاما، وسألوه أن يبعث معهم من يعلِّمهم الدين، ويقرؤهم القرآن، فبعث معهم ستة نفر -في قول ابن إسحاق، وقال البخاري: كانوا عشرة- وأمَّر عليهم مرثد بن أبي مرثد الغنوي، وفيهم خبيب بن عدي، فذهبوا معهم، فلما كانوا بالرجيع -وهو ماء لهذيل بناحية الحجاز- غدروا بهم واستصرخوا عليهم هذيلا فجاؤوا حتى أحاطوا بهم فقتلوا عامتهم واستأسروا خبيب بن عدي وزيد بن الدَّثِنة، فذهبوا بهما وباعوهما بمكة وكانا قَتلا من رؤوسهم يوم بدر"().

 

3- قال ابن القيم -رحمه الله-: "وفي هذا الشهر -أي صفر- بعينه وهو صفر من السنة الرابعة كانت وقعة بئر معونة وملخصها: أن أبا براء عامر بن مالك المدعو ملاعب الأسنَّة قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فدعاه إلى الإسلام فلم يسلم، ولم يبعد، فقال: يا رسول الله لو بعثت أصحابك إلى أهل نجد يدعونهم إلى دينك لرجوت أن يجيبونهم، فقال: إني أخاف عليهم أهل نجد، فقال أبو براء: أنا جار لهم، فبعث معه أربعين رجلا في قول ابن إسحاق، وفي الصحيح أنهم كانوا سبعين، والذي في الصحيح: هو الصحيح، وأمَّر عليهم المنذر بن عمرو أحد بني ساعدة الملقب بالمعنق ليموت، وكانوا من خيار المسلمين وفضلائهم وساداتهم وقرائهم فساروا حتى نزلوا بئر معونة -وهي بين أرض بني عامر وحرة بني سليم- فنزلوا هناك، ثم بعثوا حرام بن ملحان أخا أم سليم بكتاب رسول الله إلى عدو الله عامر بن الطفيل فلم ينظر فيه، وأمَر رجلا فطعنه بالحربة من خلفه، فلما أنفذها فيه ورأى الدم قال: فزت ورب الكعبة، ثم استنفر عدو الله لفوره بني عامر إلى قتال الباقين فلم يجيبوه لأجل جوار أبي براء، فاستنفر بني سليم فأجابته عصية ورعل وذكوان، فجاؤوا حتى أحاطوا بأصحاب رسول الله فقاتلوا حتى قتلوا عن آخرهم إلا كعب بن زيد بن النجار فإنه ارتُثَّ -أي: رفع وبه جراح- بين القتلى فعاش حتى قتل يوم الخندق، وكان عمرو بن أمية الضمري والمنذر بن عقبة بن عامر في سرح المسلمين فرأيا الطير تحوم على موضع الوقعة فنزل المنذر بن محمد فقاتل المشركين حتى قتل مع أصحابه وأسر عمرو بن أمية الضمري، فلما أخبر أنه من مضر جز عامرٌ ناصيته وأعتقه عن رقبة كانت على أمِّه، ورجع عمرو بن أمية، فلما كان بالقرقرة من صدر قناة -اسم موضع- نزل في ظل شجرة، وجاء رجلان من بني كلاب فنزلا معه، فلما ناما فتك بهما عمرو وهو يرى أنه قد أصاب ثأراً من أصحابه، وإذا معهما عهدٌ من رسول الله لم يشعر به، فلما قدم أخبر رسول الله بما فعل فقال: لقد قتلتَ قتيلين لأَدِينَّهما"(زاد المعاد لابن القيم:3/246-248).

 

4- قال ابن القيم -رحمه الله-: "فإن خروجه -أي: إلى خيبر- كان في أواخر المحرم لا في أوله وفتحها إنما كان في صفر"(زاد المعاد:3/339-340).

 

5- قال ابن القيم -رحمه الله-: "فصل في ذكر سرية قطبة بن عامر بن حديدة إلى خثعم. وكانت في صفر سنة تسع، قال ابن سعد: قالوا: بعث رسول الله قطبة بن عامر في عشرين رجلا إلى حي من خثعم بناحية تبالة، وأمَره أن يشن الغارة، فخرجوا على عشرة أبعرة يعتقبونها، فأخذوا رجلا فسألوه فاستعجم عليهم، فجعل يصيح بالحاضرة، ويحذرهم، فضربوا عنقه، ثم أقاموا حتى نام الحاضرة فشنوا عليهم الغارة فاقتتلوا قتالاً شديداً حتى كثر الجرحى في الفريقين جميعاً، وقَتل قطبة بن عامر مَن قتل، وساقوا النَّعم والنساء والشاء إلى المدينة، وفي القصة أنه اجتمع القوم، وركبوا في آثارهم فأرسل الله سبحانه عليهم سيلاً عظيماً حال بينهم وبين المسلمين فساقوا النَّعم والشاء والسبي وهم ينظرون لا يستطيعون أن يعبروا إليهم حتى غابوا عنهم"(زاد المعاد:3-514).

 

6- قال ابن القيم -رحمه الله-: "وقدم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفد عُذرة في صفر سنة تسع اثنا عشر رجلاً فيهم جمرة بن النعمان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن القوم ؟" فقال متكلمهم: من لا تنكره نحن بنو عذرة، إخوة قصي لأمِّه، نحن الذين عضدوا قصيّاً، وأزاحوا من بطن مكة خزاعة وبني بكر، ولنا قرابات وأرحام، قال رسول الله: "مرحبا بكم وأهلا ما أعرفني بكم"، فأسلموا، وبشرهم رسول الله بفتح الشام وهرَب هرقل إلى ممتنع من بلاده، ونهاهم رسول الله عن سؤال الكاهنة، وعن الذبائح التي كانوا يذبحونها، وأخبرهم أن ليس عليهم إلا الأضحية، فأقاموا أياماً بدار رملة ثم انصرفوا وقد أجيزوا"(زاد المعاد:3-657).

                                                  


 

متفرقات

1- قال ابن العربي في "كيفية النسيء ثلاثة أقوال:

الأول: عن ابن عباس -رضي الله عنه- أن جنادة بن عوف بن أمية الكناني كان يوافي الموسم كل عام، فينادي: ألا إن أبا ثمامة لا يعاب ولا يجاب، ألا وإن صفراً العام الأول حلال، فنحرمه عاما، ونحله عاما، وكانوا مع هوازن وغطفان وبني سليم. وفي لفظة: أنه كان يقول: إنا قدمنا المحرم وأخرنا صفراً، ثم يأتي العام الثاني فيقول: إنا حرمنا صفرا وأخرنا المحرم؛ فهو هذا التأخير.

 

الثاني: الزيادة. قال قتادة: عمد قوم من أهل الضلالة فزادوا صفرا في الأشهر الحرم، فكان يقوم قائمهم في الموسم فيقول: ألا إن آلهتكم قد حرمت العام المحرم، فيحرمونه ذلك العام، ثم يقوم في العام المقبل فيقول: ألا إن آلهتكم قد حرمت صفرا فيحرمونه ذلك العام، ويقولون: الصفران. وروى ابن وهب، وابن القاسم عن مالك نحوه قال: كان أهل الجاهلية يجعلونه صفرين، فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا صفر"، وكذلك روى أشهب عنه.

 

الثالث: تبديل الحج. قال مجاهد رحمه الله بإسناد آخر: "إنما النسيء زيادة في الكفر" قال: حجوا في ذي الحجة عامين، ثم حجوا في المحرم عامين، ثم حجوا في صفر عامين، فكانوا يحجون في كل سنة في كل شهر عامين حتى وافت حجة أبي بكر في ذي القعدة، ثم حج النبي في ذي الحجة، فذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح في خطبته: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض"، رواه ابن عباس وغيره، واللفظ له قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أيها الناس، اسمعوا قولي، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد يومي هذا في هذا الموقف أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم حرام إلى يوم تلقون ربكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا، وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم. وقد بلغت، فمن كان عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، وإن كل ربا موضوع، ولكم رءوس أموالكم، لا تظلمون ولا تظلمون، قضى الله أن لا ربا، وإن ربا عباس بن عبد المطلب موضوع كله، وإن كل دم في الجاهلية موضوع، وإن أول دمائكم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، كان مسترضعا في بني ليث فقتلته هذيل، فهو أول ما أبدأ به من دماء الجاهلية.

أما بعد: أيها الناس، فإن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم، ولكنه إن يطع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم فقد رضي به، فاحذروه أيها الناس على دينكم، وإن النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا إلى قوله ما حرم الله، وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم: ثلاث متواليات، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان"، وذكر سائر الحديث. (أحكام القرآن لأبن العربي:2/503-504).

 

2- قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "و(صفر) فُسِّر بتفاسير: الأول: أنه شهر صفر المعروف، والعرب يتشاءمون به.

 

الثاني: أنه داء في البطن يصيب البعير، وينتقل من بعير إلى آخر، فيكون عطفه على العدوى من باب عطف الخاص على العام.

 

الثالث: صفر: شهر صفر، والمراد به النسيء الذي يُضل به الذين كفروا، فيؤخرون تحريم شهر المحرم إلى صفر، يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً.

 

وأرجحها: أن المراد: شهر صفر؛ حيث كانوا يتشاءمون به في الجاهلية.

 

والأزمنة لا دخل لها في التأثير وفي تقدير الله عز وجل، فهو كغيره من الأزمنة يُقدَّر فيه الخير والشر.

 

وبعض الناس إذا انتهى من عمل معين في اليوم الخامس والعشرين -مثلاً- من صفر أرَّخ ذلك وقال: انتهى في الخامس والعشرين من شهر صفر الخير، فهذا من باب مداواة البدعة بالبدعة؛ فهو ليس شهر خير ولا شر؛ ولهذا أنكر بعض السلف على من إذا سمع البومة تنعق قال: (خيراً إن شاء الله)؛ فلا يقال خير ولا شر، بل هي تنعق كبقية الطيور"(مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:2/113-115).

 

3- سئلت اللجنة الدائمة: إن بعض العلماء في بلادنا يزعمون أن في دين الإسلام نافلة يصليها يوم الأربعاء آخر شهر صفر وقت صلاة الضحى أربع ركعات، بتسليمة واحدة تقرأ في كل ركعة: فاتحة الكتاب وسورة الكوثر سبع عشرة مرة، وسورة الإخلاص خمسين مرة، والمعوذتين مرة مرة، تفعل ذلك في كل ركعة، وتسلم، وحين تسلم تشرع في قراءة قوله تعالى: (( الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون )) ثلاثمائة وستين مرة، وجوهر الكمال ثلاث مرات، واختتم بسبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

وتصدَّق بشيء من الخبز إلى الفقراء، وخاصية هذه الآية لدفع البلاء الذي ينزل في الأربعاء الأخير من شهر صفر.

وقولهم إنه ينزل في كل سنة ثلاثمائة وعشرون ألفاً من البليَّات، وكل ذلك يوم الأربعاء الأخير من شهر صفر، فيكون ذلك اليوم أصعب الأيام في السنة كلها، فمن صلَّى هذه الصلاة بالكيفيَّة المذكورة: حفظه الله بكرمه من جميع البلايا التي تنزل في ذلك اليوم، ولم يحسم حوله لتكون محواً يشرب منه من لا يقدر على أداء الكيفية كالصبيان، وهل هذا هو الحل ؟

 

فأجاب علماء اللجنة: الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه، وبعد:

 

هذه النافلة المذكورة في السؤال لا نعلم لها أصلاً من الكتاب ولا من السنَّة، ولم يثبت لدينا أنَّ أحداً من سلف هذه الأمَّة وصالحي خلفها عمل بهذه النافلة، بل هي بدعة منكرة.

 

وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) وقال: (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )).

 

و من نسب هذه الصلاة وما ذُكر معها إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى أحدٍ من الصحابة رضي الله عنهم: فقد أعظم الفرية، وعليه من الله ما يستحق من عقوبة الكذَّابين"(فتاوى اللجنة الدائم: 2-354).

 

4- قال الشيخ محمد عبد السلام الشقيري: "قد اعتاد الجهلاء أن يكتبوا آيات السلام كـ (سلام على نوح في العالمين) إلخ في آخر أربعاء من شهر صفر ثم يضعونها في الأواني ويشربون ويتبركون بها ويتهادونها لاعتقادهم أن هذا يُذهب الشرور، وهذا اعتقاد فاسد، وتشاؤم مذموم، وابتداع قبيح يجب أن يُنكره كل من يراه على فاعله"(السنن والمبتدعات:111-112).

الإحالات

1- زاد السفر فيما جاء في شهر صفر؛ لأبي معاذ محمد بن جابر الأسواني.

 

15 فائدة في شهر صَفَر؛ لمحمد بن صالح المنجد.