قبر

2022-10-11 - 1444/03/15

التعريف

تعريف المقابر لغة:

 

المقابر: جمع مقبرة، أو مقبرة - بفتح الباء وضمها - قال ابن فارس: القاف والباء والراء أصل صحيح، يدل على غموض في شيء وتطامن (معجم مقاييس اللغة 5-47). ويطلق على المقابر في اللغة ما يلي:

أولا: الأجداث جمع جدث (ينظر: الصحاح: 1-277)، ولسان العرب: 2-128) ومنه قوله تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) [يس: 51].

 

ثانيا: القرافة، أي المقبرة، وهو اسم قبيلة يمنية جاورت المقابر بمصر، فغلب اسمها على كل مقبرة (ينظر: معجم متن اللغة: 4-544، والمعجم الوسيط: 2-729).

 

ثالثا: الكدى، أي القبور، وهي في الأصل جمع كدية، وهي القطعة الصلبة من الأرض، والقبر إنما يحفر في الأرض الصلبة؛ لئلا ينهار، ومنه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “فلعلك بلغت معهم الكدى....” الحديث (أخرجه أبو داود في الجنائز، باب في التعزية 3-188، برقم: 3123، والنسائي 1-616، والحاكم 1/529-530، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي)، يعني القبور (ينظر: النهاية في غريب الحديث: 4/ 156).

 

فهذه الألفاظ إما مرادفة، أو أن المقبرة تسمى بها. ثانيا: تعريف المقابر شرعا: المقابر: جمع قبر، وهو مدفن الإنسان يقال: قبر الميت، إذا دفنه، ويقال: أقبر الميت: إذا أمر بدفنه. وكذا فسر أهل العلم قوله تعالى: (ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ) [عبس: 21]، أي جعله مقبورا أي مدفونا، ولم يجعله مما يلقى على وجه الأرض للطير والسباع (ينظر الجامع لأحكام القرآن 19/ 219).

 

فالمقابر شرعا هي مدافن الأموات، وهي ديار الموتى ومنازلهم، وعليها تنزل الرحمة على محسنهم، فإكرام هذه المنازل واحترامها من تمام محاسن الشريعة الإسلامية الزيارة: هي القصد، وهي قصد المزور إكراما له، واستئناسا به (انظر: المصباح المنير (1/ 260) وزيارة المقابر، القصد منها السلام على الأموات والدعاء لهم والاعتبار. وهي على نوعين:

النوع الأول: الزيارة الشرعية، وتكون بالسلام على الميت، والدعاء له، وهذه هي التي كان يفعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج لزيارة قبور أهل البقيع.

 

النوع الثاني: الزيارة البدعية، وهي زيارة أهل الشرك، وأهل البدع الذين يقصدون دعاء الأموات والاستغاثة بهم، وطلب الحوائج، وهذا لم يفعله أحد من السلف الصالح من الصحابة والتابعين وغيرهم (انظر: مجموع الفتاوى: 24/ 343، 326، 334)، (27/ 119، 164)، (وانظر مجلة البحوث (85/237-239).

 

العناصر

1- من أركان الإيمان باليوم الآخر الإيمان بحياة القبر نعيما وعذابا

 

2- أسباب نعيم القبر

 

3- أسباب عذاب القبر

 

4- أحكام زيارة القبور

 

5- فوائد كثرة ذكر القبر

 

6- بدعة البناء على القبور والعبادة عندها

 

7- من أنباء القبور

 

الايات

1- قال اللّه تعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [آل عمران:169].

 

2- قَوْلُهُ تَعَالَى (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ) [التوبة: 84]. 

 

3- قَوْلُهُ تَعَالَى (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ) [إِبْرَاهِيمَ: 27].

 

4- قال تعالى: (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى) [طه:55].

 

 

5- قَالَ تعالى: (وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ)[الْحَجِّ: 7].

 

6- قال تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)[المؤمنون: 99-100].

 

7- قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ)[فاطر:22].

 

8- قال تعالى: (وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)[غافر: 45-46].

 

9- قوله تعالى: (قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ)[عبس:17-21].

 

10- قوله تعالى: (وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ)[الانفطار: 4-5]

 

11- قوله تعالى: (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ* حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) [التكاثر: 1-2].

 

12- قال تعالى: (فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) [المائدة:31].

 

13- قال تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ)[الأنعام: 93].

 

14- قَالَ تعالى: (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طه: 124].

 

الاحاديث

1- عن أبي سعيد الخدريّ رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- قال: “نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإنّ فيها عبرة. ونهيتكم عن النّبيذ ألا فانتبذوا، ولا أحلّ مسكرا، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فكلوا وادّخروا”(أحمد (3/ 38)، وقال الحاكم في المستدرك (1/ 375) واللفظ له: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وأصله في الصحيحين من حديث بريدة).

 

2- عن بريدة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-: “نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنّ في زيارتها تذكرة”(رواه مسلم: 977).

 

3- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “زوروا القبور فإنها تذكر الموت”(رواه مسلم: 975).

 

4- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها؛ فإنها ترق القلب وتدمع العين وتذكر الآخرة ، ولا تقولوا هجرا”(مستدرك الحاكم: 1-532).

 

5- عن بريدة رضي الله عنه قال: “كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر فكان قائلهم يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون ، أسأل الله لنا ولكم العافية”(صحيح مسلم برقم (975).

 

6- عن أبي هريرة قال: زار النبي -صلى الله عليه وسلم- قبر أمه فبكى: وأبكى من حوله، فقال: “استأذنت ربي في أن أستغفر لها، فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت”(أخرجه مسلم: 3-65).

 

7- عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخرج إلى البقيع، فيدعو لهم، فسألته عائشة عن ذلك؟ فقال: “إني أمرت أن أدعو لهم”(أخرجه أحمد: 6-252، وصحح الألباني سنده على شرط الشيخين).

 

8- عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلما كان ليلتها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخرج من آخر الليل فيقول: “السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين، وإنا وإياكم وما توعدن غدا مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد”(أخرجه مسلم: 3-63).

 

9- عن جُنْدَب بن عبد الله البَجَلي -رضي الله عنه- أنَّه قال: سمعت النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يموت بخمسٍ وهو يقول: “أَلاَ وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَلاَ فَلاَ تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ”().

 

10- عن أم سلمة -رضي الله عنها- أنها ذكرت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- كنيسة رأتها بأرض الحبشة، وما فيها من الصور, فقال -صلى الله عليه وسلم-: “أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح، أو العبد الصالح، بنوا على قبره مسجدًا وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله”.

 

11- عن أبي الهيّاج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: “ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟؛ ألا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سوّيته”(رواه مسلم).

 

12- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ: “إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ, وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا: فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ وَأَمَّا الآخَرُ: فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَة”(متفق عليه).

 

13- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أن النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم لعن الله زوَّارات القبور”(أخرجه ابن ماجه: ١٥٧٤، وأحمد: ١٥٦٥٧، وحسنه الألباني).

 

14- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: “لأَنْ يَجْلِسَ أحَدُكُمْ على جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيابَهُ، فَتَخْلُصَ إلى جِلْدِهِ، خَيْرٌ له مِن أنْ يَجْلِسَ على قَبْرٍ”(رواه مسلم: ٩٧١).

 

15- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه لَمّا أُصِيبَ جَعَلَ صُهَيْبٌ يقولُ: وا أخاهُ، فَقالَ عُمَرُ: أما عَلِمْتَ أنّ النبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- قالَ: “إنّ المَيِّتَ لَيُعَذَّبُ ببُكاءِ الحَيِّ”(رواه البخاري: ١٢٩٠، ومسلم: ٩٢٧).

 

16- عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: “العَبْدُ إذا وُضِعَ في قَبْرِهِ، وتُوُلِّيَ وذَهَبَ أصْحابُهُ حتّى إنّه لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعالِهِمْ، أتاهُ مَلَكانِ، فأقْعَداهُ، فَيَقُولانِ له: ما كُنْتَ تَقُولُ في هذا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ -صلَّى الله عليه وسلَّم-؟ فيَقولُ: أشْهَدُ أنّه عبدُ اللهِ ورَسولُهُ، فيُقالُ: انْظُرْ إلى مَقْعَدِكَ مِنَ النّارِ أبْدَلَكَ اللهُ به مَقْعَدًا مِنَ الجَنَّةِ، قالَ النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: فَيَراهُما جَمِيعًا، وأَمّا الكافِرُ - أوِ المُنافِقُ - فيَقولُ: لا أدْرِي، كُنْتُ أقُولُ ما يقولُ النّاسُ، فيُقالُ: لا دَرَيْتَ ولا تَلَيْتَ، ثُمَّ يُضْرَبُ بمِطْرَقَةٍ مِن حَدِيدٍ ضَرْبَةً بيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُها مَن يَلِيهِ إلّا الثَّقَلَيْنِ”(أخرجه البخاري: ١٣٣٨ واللفظ له، ومسلم: ٢٨٧٠ بنحوه).

 

17- عن شداد بن أوس -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إنّ من أفضلِ أيّامِكم يومَ الجمعةِ، فيهِ خلقَ آدمُ، وفيهِ النَّفخةُ، وفيهِ الصَّعقةُ، فأَكثروا عليَّ منَ الصَّلاةِ فيهِ، فإنّ صلاتَكم معروضةٌ عليَّ، فقالَ رجلٌ: يا رسولَ اللهِ، كيفَ تعرضُ صلاتنا عليْكَ وقد أرمتَ؟ يعني بليتَ، فقالَ: إنّ اللهَ قد حرَّمَ على الأرضِ أن تأْكلَ أجسادَ الأنبياء”(رواه ابن ماجه ٨٩٦، وصححه الألباني).

 

18- عن بريدة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر، فكان قائلهم يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، أنتم لنا فرط، ونحن لكم تبع، أسأل الله لنا ولكم العافية (أخرجه مسلم: 975).

 

19- قالت أم عطية: نهينا عن اتباع الجنائز، ولم يعزم علينا (رواه البخاري: 1278، ومسلم: 938).

 

20- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “كُلُّ ابْنِ آدَمَ يَأْكُلُهُ التُّرابُ، إلّا عَجْبَ الذَّنَبِ منه، خُلِقَ وفيهِ يُرَكَّبُ”(أخرجه البخاري: ٤٩٣٥ مطولًا بنحوه، ومسلم: ٢٩٥٥ واللفظ له).

 

21- عن جابر -رضي الله عنه- قال: “نهى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أن تجصَّص القبور، وأن يكتب عليها، وأن يبنى عليها، وأن توطأ”(رواه مسلم: ٩٧٠، والترمذي: ١٠٥٢، واللفظ له).

 

22- عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: “استغفروا لأخيكم، وسألوا له التثبيت؛ فإنه الآن يسأل”(أخرجه أبو داود: ٣٢٢١، وصححه الألباني).

 

23- عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا صَلَّى صَلَاةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: “مَنْ رَأَى مِنْكُمْ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا”, قَالَ: فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ قَصَّهَا؛ فَيَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ, فَسَأَلَنَا يَوْمًا فَقَالَ: “هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا؟”, قُلْنَا: لَا! قَالَ: “لَكِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخَذَا بِيَدِي, فَأَخْرَجَانِي إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ, فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ وَرَجُلٌ قَائِمٌ بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ, يُدْخِلُ ذَلِكَ الْكَلُّوبَ فِي شِدْقِهِ حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ, ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الْآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ, وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا فَيَعُودُ, فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ!, قُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَا: انْطَلِقْ! فَانْطَلَقْنَا, حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ عَلَى قَفَاهُ وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بِفِهْرٍ أَوْ صَخْرَةٍ؛ فَيَشْدَخُ بِهِ رَأْسَهُ فَإِذَا ضَرَبَهُ تَدَهْدَهَ الْحَجَرُ, فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ لِيَأْخُذَهُ, فَلَا يَرْجِعُ إِلَى هَذَا حَتَّى يَلْتَئِمَ رَأْسُهُ, وَعَادَ رَأْسُهُ كَمَا هُوَ, فَعَادَ إِلَيْهِ فَضَرَبَهُ! قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَا: انْطَلِقْ! فَانْطَلَقْنَا إِلَى ثَقْبٍ مِثْلِ التَّنُّورِ, أَعْلَاهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ, يَتَوَقَّدُ تَحْتَهُ نَارًا, فَإِذَا اقْتَرَبَ ارْتَفَعُوا حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجُوا فَإِذَا َمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا, وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ! فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَا: انْطَلِقْ, فَانْطَلَقْنَا, حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ, فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى وَسَطِ النَّهَرِ, وَعَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ, فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ, فَجَعَلَ  كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ!, فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَا: انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا...”, إِلَى أَنْ قَالَ: “قُلْتُ: طَوَّفْتُمَانِي اللَّيْلَةَ فَأَخْبِرَانِي عَمَّا رَأَيْتُ, قَالَا: نَعَمْ! أَمَّا الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ: فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بِالْكَذْبَةِ فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الْآفَاقَ؛ فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ, وَالَّذِي رَأَيْتَهُ يُشْدَخُ رَأْسُهُ, فَرَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ؛ فَنَامَ عَنْهُ بِاللَّيْلِ وَلَمْ يَعْمَلْ فِيهِ بِالنَّهَارِ, يُفْعَلُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ”, وفي رواية: “فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ القُرَّآنَ فَيَرْفُضُهُ, وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاةِ المَكْتُوبَةِ”, وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي الثَّقْبِ فَهُمْ الزُّنَاةُ, وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُوا الرِّبَا”(رَوَاهُ البُخَارِي: ٧٠٤٧).

 

24- عنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رَضِيَ اللهُ- قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ, فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدْ, فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ وَكَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ, وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ فِي الأَرْضِ, فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: “اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ”, مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا, ثُمَّ قَالَ: “إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الآخِرَةِ, نَزَلَ إِلَيْهِ مَلائِكَةٌ مِنْ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ؛ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الشَّمْسُ, مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ, وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ, ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ -عَلَيْهِ السَّلامُ- حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ؛ فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ, قَالَ: فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ, فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ, حَتَّى يَأْخُذُوهَا فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ, وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ, قَالَ: فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلا يَمُرُّونَ -يَعْنِي بِهَا- عَلَى مَلإٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ إِلا قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ؟ فَيَقُولُونَ: فُلانُ بْنُ فُلانٍ, بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا, حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ فَيُفْتَحُ لَهُمْ, فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا, حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ, فَيَقُولُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ, وَأَعِيدُوهُ إِلَى الأرْضِ؛ فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى, قَالَ: فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ, فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ! فَيَقُولان لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: دِينِيَ الإسلامُ! فَيَقُولانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَقُولانِ لَهُ: وَمَا عِلْمُكَ؟ فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ! فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ: أَنْ صَدَقَ عَبْدِي؛ فَأَفْرِشُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ, وَأَلْبِسُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ, وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ, قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا, وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ, قَالَ: وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ, حَسَنُ الثِّيَابِ, طَيِّبُ الرِّيحِ, فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ, هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ, فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ!, فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ! فَيَقُولُ: رَبِّ أَقِمْ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي.

 

قَالَ: وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا, وَإِقْبَالٍ مِنْ الآخِرَةِ, نَزَلَ إِلَيْهِ مِنْ السَّمَاءِ مَلائِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ مَعَهُمْ الْمُسُوحُ فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ, ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ, فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ! اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنْ اللَّهِ وَغَضَبٍ, قَالَ: فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ, فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ مِنْ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ, فَيَأْخُذُهَا, فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ, حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ, وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأرْضِ, فَيَصْعَدُونَ بِهَا, فَلا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلإٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ إِلا قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الْخَبِيثُ؟ فَيَقُولُونَ: فُلانُ بْنُ فُلانِ, بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا, حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا, فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ فَلا يُفْتَحُ لَهُ, ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ)[الأعراف: 40], فَيَقُولُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ فِي الأرْضِ السُّفْلَى, فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا, ثُمَّ قَرَأَ: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ)[الحج: 31], فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ, وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ, فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ, لا أَدْرِي! فَيَقُولانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ, لا أَدْرِي! فَيَقُولانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لا أَدْرِي! فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ السَّمَاءِ: أَنْ كَذَبَ فَافْرِشُوا لَهُ مِنْ النَّارِ, وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ, فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا! وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلاعُهُ!.

 

ويَأتيه رَجُلٌ قَبيحُ الوَجهِ، قَبيحُ الثِّيابِ، مُنتِنُ الرِّيحِ، فيَقولُ: أبشِرْ بالذي يَسوؤكَ، هذا يومُكَ الذي كنتَ تُوعَدُ، فيَقولُ: مَن أنت؟! فوَجهُكَ الوَجهُ يَجيءُ بالشَّرِّ، فيَقولُ: أنا عملُكَ الخَبيثُ، فيَقولُ: ربِّ، لا تُقِمِ السّاعةَ “(أخرجه أبو داود: ٤٧٥٤ باختلاف يسير، وأحمد: ١٨٥٣٤ واللفظ له، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح).

 

25- عن بشير بن معبد بن الخصاصية رضي الله عنه قال: كنتُ أمشي معَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فمرَّ على قبورِ المسلمينَ فقالَ: “لقد سبقَ هؤلاءِ شرًّا كثيرًا” ثمَّ مرَّ على قبورِ المشرِكينَ فقالَ: “لقد سبقَ هؤلاءِ خيرًا كثيرًا” فحانت منهُ التفاتةٌ فرأى رجلًا يمشي بينَ القبورِ في نعليهِ فقالَ: “يا صاحبَ السِّبتيَّتينِ ! ألقِهِما”(أخرجه النسائي ٢٠٤٧، وحسنه الألباني).

 

الاثار

1- قال أسيد بن حضير: “ما شهدت جنازة فحدثتني نفسي بشيء سوى ما هو مفعول به، وما هو صائر إليه”(إحياء علوم الدين: 4-484).

 

2- قال الأعمش: “كنا نشهد الجنائز، فلا ندري من نعزي لحزن الجميع”(إحياء علوم الدين: 4-484).

 

3- قال صفوان بن عمرو: “ذكروا النعيم فسموا أناسا فقال رجل أنعم الناس أجسادًا في التراب قد أمِنتِ العذاب، تنتظر الثواب”(أهوال القبور وأحوال أهلها إلى النشور

ابن رجب الحنبلي: 157).

 

4- كان الحسن بن صالح إذا أشرف على المقابر يقول: “ما أحسن ظواهرك! إنما الدواهي في بواطنك”(إحياء علوم الدين: 4-484).

 

5- قال بشر الحارث -رحمه الله-: “نعم النُّزُلُ القبرُ لمن أطاع الله عز وجل”(شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور: 80).

 

القصص

1- عثمان بن عفان رضي الله عنه، كان إذا وقف على قبر يبكي، حتى يبلَّ لحيته، فقيل له: تذكر الجنة والنار ولا تبكي، وتبكي من هذا؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه، فما بعده أيسر منه، وإن لم ينجُ منه، فما بعده أشد منه”، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما رأيت منظرًا قط إلا والقبر أفظع منه”؛ (أخرجه الترمذي، وابن ماجه، وحسنه العلامة الألباني).

 

2- عمرو بن العاص -رضي الله عنه- لمن عنده حال احتضاره، حين قال: “إذا دفنتموني فأقيموا حول قبري قدر ما تُنحر جزور ويقسم لحمها، حتَّى أستأنس بكم”.

 

3- قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: “في هذه السنة انفرج تلٌّ بنهر الصلة في أرض البصرة يعرف بتل بني شقيق، عن سبعة أقْبُرٍ في مثل الحوض، وفيها سبعة أبدان صحيحة أجسادهم وأكفانهم يفوح منها ريح المسك، أحدهم شاب وله جمة، وعلى شفته بلل كأنه قد شرب ماء الآن، وكأن عينيه مكحلتان وبه ضربة في خاصرته، وأراد أحدهم أن يأخذ من شعره شيئًا فإذا هو قوي الشعر كأنه حي فتركوا على حالهم”.

 

4- قال ميمون بن مهران: “خرجت مع عمر بن عبدالعزيز إلى المقبرة، فلما نظر إلى القبور بكى، ثم أقبل عليَّ، فقال: يا ميمون، هذه قبور آبائي بني أمية، كأنهم لم يشاركوا أهل الدنيا في لذاتهم وعيشهم، أما تراهم صَرْعَى قد حلَّت بهم المَثُلَات، واستحكم فيهم البِلَى، وأصابت الهُوام أبدانهم، ثم بكى”.

 

5- يقول محمد بن صالح التَّمار: “كان صفوان بن سليم يأتي البقيع فيمر بي، فاتبعته ذات يوم وقلت: لأنظرن ما يصنع، ففتح رأسه -كأنه رفع عمامته أو نحو ذلك- وجلس إلى قبر منها، فلما يزل يبكي حتى رحمتُه وظننت أنه قبر بعض أهله، ومر بي مرة أخرى فاتبعته فقعد إلى جنب قبر غيره ففعل مثل ذلك، فذكرت ذلك لمحمد بن المنكدر، وقلت له: إنما ظننت أنه قبر بعض أهله، فقال محمد: كلهم أهله وإخوته، إنما هو رجل يحرك قلبه بذكر الأموات كلما عرضت له قسوة، ثم جعل محمد يمر بي فيأتي البقيع، فسلمت عليه ذات يوم، فقال: أما نفعتك موعظة صفوان؟”(سير أعلام النبلاء: 5-367).

 

6- قال الأوزاعي -رحمه الله-: “جئت إلى بيروت أرابط فيها فلقيت سوداء -يعني جارية سوداء، عند المقابر فقلت لها: يا سوداء أين العمارة؟ -يعني أين البلد، وأين العمران؟- قالت: أنت في العمارة، وإن أردت الخراب فبين يديك”(سير أعلام النبلاء: 7-121).

 

الاشعار

1- قال أحدهم:

أتيتُ القبـورَ فناديتُـها *** أيـن المعظَّـمُ والمحتـقر

واين المذل بسلطانه *** وأين المذكى إذا ما افتخر

تفانـوا جميعـاً فما مخبر *** وماتُوا جميعاً ومات الخـبر

فيا سائلي عن أناسٍ مضوا *** أما لك في ما مضى معتبر

تروحُ وتغدو بناتُ الثرى *** فتمحو محاسنَ تلك الصور

(أدب زهاد التابعين، موضوعاته وفنونه؛ للهيبي)

 

2- قال زين العابدين بن علي:

كأنَّنِي بين جُلِّ الأهْلِ مُنْطَرِحٌ *** عَلى الفِراشِ وَأَيْديهِمْ تُقَلِّبُني

وقد تجمَّع حولي مَن ينوحُ ومَنْ *** يبكي عليَّ وينعاني ويندُبُني

وَقد أَتَوْا بِطَبيبٍ كَيْ يُعالِجَني***وَلَمْ أَرَ الطِّبَّ هذا اليومَ يَنْفَعُني

واشَتد نَزْعِي وَصَار المَوتُ يَجْذِبُها *** مِن كُلِّ عِرْقٍ بِلا رِفقٍ ولا هَوَنِ

واستخرج الروحَ مِنِّي في تَغَرْغُرِهَا *** وصار ريقِي مريراً حين غَرْغَرَنِي

وقام مَن كان حِبَّ الناس في عجَلٍ *** نحو الْمُغَسِّلِ يأتيني يُغسِّلني

فَجاءَني رَجُلٌ مِنْهُمْ فَجَرَّدَني *** مِنَ الثِّيابِ وَأَعْرَاني وأَفْرَدَني

وَأَوْدَعوني عَلى الأَلْواحِ مُنْطَرِحاً *** وَصارَ فَوْقي خَرِيرُ الماءِ يُنْظِفُني

وَأَسْكَبَ الماءَ مِنْ فَوقي وَغَسَّلَني *** غُسْلاً ثَلاثاً وَنَادَى القَوْمَ بِالكَفَنِ

وَأَلْبَسُوني ثِياباً لا كِمامَ لها * * * وَصارَ زَادي حَنُوطِي حينَ حَنَّطَني 

وأَخْرَجوني مِنَ الدُّنيا فَوا أَسَفاً *** عَلى رَحِيلٍ بِلا زادٍ يُبَلِّغُني

وَحَمَّلوني على الأْكتافِ أَربَعَةٌ *** مِنَ الرِّجالِ وَخَلْفِي مَنْ يُشَيِّعُني

وَقَدَّموني إِلى المحرابِ وانصَرَفوا *** خَلْفَ الإِمامِ فَصَلَّى ثمّ وَدَّعَني

صَلَّوْا عَلَيَّ صَلاةً لا رُكوعَ لها *** ولا سُجودَ لَعَلَّ اللهَ يَرْحَمُني

وَأَنْزَلوني إلى قَبري على مَهَلٍ *** وَقَدَّمُوا واحِداً مِنهم يُلَحِّدُني

فَقامَ مُحتَرِماً بِالعَزمِ مُشْتَمِلاً *** وَصَفَّفَ اللَّبِنَ مِنْ فَوْقِي وفارَقَني

وقَالَ هُلُّوا عليه التُّرْبَ واغْتَنِموا *** حُسْنَ الثَّوابِ مِنَ الرَّحمنِ ذِي المِنَنِ

في ظُلْمَةِ القبرِ لا أُمٌّ هناك ولا *** أَبٌ شَفيقٌ ولا أَخٌ يُؤَنِّسُني

(قصيدة للإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي رضي الله عنه)

 

3- قال كعب بن زهير:

كلّ ابن انثى وإن طالت سلامته *** يوما على آلة حدباء محمول 

فإذا حملت إلى القبور جنازة *** فاعلم بأنّك بعدها محمول

(ديوان كعب بن زهير)

 

متفرقات

1- قال الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله-: “الميت قد يُشاهَد في قبره، حال المسألة، لا أثر فيه من إقعاد وغيره، ولا ضيق في قبره ولا سعة... والظاهر أن الله تعالى صرف أبصار العباد وأسماعهم عن مشاهدة ذلك، وستره عنهم إبقاء عليهم لئلا يتدافنوا”().

 

2- قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: “قال بعض السلف في معنى قوله تعالى: (وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) أي : “في القبر”؛ يعني: إن العمل الصالح يكون مهادًا لصاحبه في القبر؛ حيث لا يكون للعبد من متاع الدنيا فراش ولا وساد ولا مهاد، بل كل عامل يفترش عمله ويتوسَّده من خير أو شر”().

 

3- قال ابن عبد البر: “هذا يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء والصالحين مساجد”(التمهيد:1-167).

 

4- قال الشافعي: “وَقَدْ رَأَيْت مِنْ الْوُلَاةِ مَنْ يَهْدِمَ بِمَكَّةَ مَا يُبْنَى فِيهَا فَلَمْ أَرَ الْفُقَهَاءَ يَعِيبُونَ ذَلِكَ”(الأم:1-316).

 

5- قال ابن حجر الهيتمي: “وتجب المبادرة لهدم القباب التي هي على القبور؛ إذ هي أضرّ من مسجد الضرار، وتجب إزالة كل قنديل أو سراج على قبر”(الزواجر عن اقتراف الكبائر: 1-149).

 

6- قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: “لو أنَّ أهل القبور لا يشعرون بالزَّائر لما صحَّ تسميته زائراً، فإنَّ المزور إن لم يعلم بزيارة من زاره، لم يصحَّ أن يُقال: زارَهُ”.

 

7- قال العلامة ابن القيم -رحمه الله-: “عذاب القبر... نوعان:

نوع دائم، سوى ما ورد في بعض الحديث أنه يخفف عنهم ما بين النفختين؛ فإذا قاموا من قبورهم قالوا: (يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا) [يس: 52].

 

ويدل على دوامه قوله تعالى: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا) [غافر: 46].

 

ويدل عليه حديث سمرة الذي رواه البخاري في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: “فهو يُفعَل به بذلك إلى يوم القيامة”.

 

النوع الثاني: إلى مدة، ثم ينقطع، وهو عذاب بعض العصاة الذين خفَّت جرائمهم، فيعذب بحسب جرمه، ثم يخفف عنه، كما يعذب في النار مدة، ثم يزول عنه العذاب، وقد ينقطع عنه العذاب بدعاء، أو صدقة، أو استغفار، أو ثواب حج...”.

 

8- قال العلامة ابن القيم -رحمه الله-: “أكثر أصحاب القبور معذبون، والفائز منهم قليل، فظواهر القبور تراب، وبواطنها حسرات وعذاب، ظواهرها بالتراب والحجارة المنقوشة مبنيَّات، وفي باطنها الدواهي والبليَّات، تغلي بالحسرات، كما تغلي القدور بما فيها، ويحق لها، وقد حِيل بينها وبين شهواتها وأمانيها.

 

تالله لقد وعظتْ، فما تركت لواعظ مقالًا، ونادت: يا عُمَّار الدنيا، لقد أعمرتم دارًا موشكة بكم زوالًا، وخربتم دارًا أنتم مسرعون إليها انتقالًا، عمرتم بيوتًا لغيركم منافعها وسُكناها، خربتم بيوتًا ليس لكم مساكن سواها”.

 

9- قال العلامة ابن القيم -رحمه الله-: “من أنفعها: أن يجلس الإنسان عندما يريد النوم لله ساعةً، يحاسب نفسه فيها على ما خسره وربحه في يومه، ثم يجدد له توبة نصوحًا بينه وبين الله، فينام على تلك التوبة، ويعزم على ألَّا يعاود الذنب إذا استيقظ، ويفعل هذا كل ليلة، فإن مات من ليلته، مات على توبة، وإن استيقظ، استيقظ مستقبلًا للعمل، مسرورًا بتأخير أجله حتى يستقيل ربه، ويستدرك ما فاته.

 

وليس للعبد أنفع من هذه التوبة، ولا سيما إذا عقِب ذلك بذكر الله واستعمال السنن التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند النوم، حتى يغلبه النوم، فمن أراد الله به خيرًا وفقه لذلك، ولا قوة إلا بالله”.

 

10- قال الشيخ ابن باز: “والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وقد نص الأئمة من علماء المسلمين من جميع المذاهب الأربعة وغيرهم على النهي عن اتخاذ المساجد على القبور، وحذروا من ذلك عملاً بسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ونصحاً للأمة، وتحذيراً لها أن تقع فيما وقع فيه من قبلها من غلاة اليهود والنصارى وأشباههم من ضُلال هذه الأمة”(الفتاوى:1-433).

 

11- قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: “لا يُستحَبُّ للرجل أن يحفر قبره قبل أن يموت؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك هو ولا أحد أصحابه، وأيضًا فإن الله تعالى يقول: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) [لقمان: 34]، والعبد لا يدري أين يموت، وكم من أعد له قبرًا وبنى عليه بناءً، وقُتل أو مات في بلد آخر! وإذا كان مقصود الرجل الاستعداد للموت، فهذا يكون بالعمل الصالح”.

 

12- قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: “العبد إنما يؤنسه في قبره عملُه الصالح، فكلما أكثر من الأعمال الصالحة – كالصلاة، والقراءة، والذكر، والدعاء، والصدقة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر - كان ذلك هو الذي ينفعه في قبره”.

 

13- قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: “الإنسان منذ أن تفارق روحُه بدنَه هو إما في نعيم وإما في عذاب، فلا يتأخر النعيم والعذاب عن النفوس إلى حين القيامة العامة، وإن كان كماله حينئذٍ، ولا تبقى النفوس المفارقة لأبدانهما خرجة عن النعيم والعذاب ألوفًا من السنين إلى أن تقوم القيامة الكبرى؛ ولهذا قال المغيرة بن شعبة: أيها الناس، إنكم تقولون: القيامةَ، القيامةَ، وإنه من مات فقد قامت قيامته”.

 

14- قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله-: “برزخ: هو الحاجز بين الشيئين، فهو هنا: الحاجز بين الدنيا والآخرة، وفي هذا البرزخ، يتنعم المطيعون، ويُعذَّب العاصون، من ابتداء موتهم واستقرارهم في قبورهم، إلى يوم يبعثون؛ أي: فليعدوا له عدته، وليأخذوا له أُهْبَتَه”.

 

15- قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: “وقد ذكر بعضهم السر في تخصيص البول والغيبة والنميمة بعذاب القبر، وهو أن القبر أول منازل الآخرة، وفيه أنموذج ما يقع في يوم القيامة من العقاب والثواب.

 

والمعاصي التي يُعاقَب عليها العبد يوم القيامة نوعان: حق الله، وحق العباد، وأول ما يُقضَى فيه يوم القيامة من حقوق الله الصلاةُ، ومن حقوق العباد الدماءُ.

 

وأما البرزخ، فيُقضى فيه في مقدمات هذين الحق ووسائلهما؛ فمقدمة الصلاة: الطهارة من الحدث والخبث، ومقدمة الدماء: النميمة والوقيعة في الأعراض، وهما أيسر أنواع الأذى، فيبدأ في البرزخ بالمحاسبة والمعاقبة عليهما”().

 

16- قال الإمام الغزالي -رحمه الله-: “البصير هو الذي ينظر إلى قبر غيره، فيرى مكانه بين أظهرهم، فيستعد للحوق بهم، ويعلم أنهم لا يبرحون مكانهم ما لم يلحق بهم، وليتحقق أنه لو عرض عليهم يوم من أيام عمره الذي هو مضيِّع له، كان أحب إليهم من الدنيا بحذافيرها؛ لأنهم عرفوا قدر الأعمار، فإنما حسرتهم على يوم من العمر ليتدارك المقصِّر به تقصيره، فيتخلص من العذاب، فإنهم عرفوا قدر العمر بعد انقطاعه، فحسرتهم على ساعة من الحياة، وأنت قادر على تلك الساعة، ثم أنت مضيِّع لها”.

 

17- قال الإمام الغزالي -رحمه الله-: “تفكَّر أولًا فيما يقرع سمع سكان القبور من شدة نفح الصور؛ فإنها صيحة واحدة، تنفرج بها القبور عن الموتى، فيثورون دفعة واحدة؛ قال تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ) [الزمر: 68]، فتفكر في الخلائق، وذلهم وانكسارهم، واستكانتهم عند الانبعاث؛ خوفًا من هذه الصعقة، وانتظارًا لما يُقضى عليهم من سعادة أو شقاوة، وأنت فيما بينهم منكسر كانكسارهم، متحير كتحيرهم، بل إن كنتَ في الدنيا من المترفين، والأغنياء المتنعمين، فملوك الأرض في ذلك اليوم أذلُّ أهل الأرض وأصغرهم وأحقرهم، فتفكر في حالك، وحال قلبك هنالك”.

 

18- قال العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-: “قال بعضهم: إذا أردت صورة مصغَّرة ليوم القيامة، فاخرج إلى المقبرة تجد فيها الشريف والوضيع، والذكر والأنثى، والصغير والكبير، كلهم سواء، كلهم تحت التراب... ما هناك أحد له قصرٌ، ولا أحد عنده خدم، ولا أحد عنده شيء، ولهذا قيل: أول عدل الآخرة القبور، ومما يدل على ذلك قصة الأعرابي؛ حيث جاء أعرابي إلى بلد فيها حاكم، فإذا الحاكم قد مات، فسأل عنه فقالوا: إنه مات، قال: أين ذهب؟ قالوا: ذهب إلى المقبرة، فجاء إلى المقبرة يرى الأبهة يريد الخدم والحشم، فلما دخل لم يجد إلا حفَّار القبور، قال: أين الحاكم الفلاني؟ قا ل: الحاكم الفلاني هذا، قال: يا ويله، ثم قال: وهذا الذي بجواره ما هو؟ قال: هذه امرأة عجوز ناقصة عقل مشهورة في السوق، وكان قبرها مرشوشًا إذ إنها قد دُفنت قريبًا، وقبر الحاكم يابس، قال: يا ويله هذه تُسقى ماء وهذا لا يُسقى ماء، وجلس يتعجب، فقال له حفار القبور: هذا الأمر كما رأيت... فهذا هو العدل رجل حاكم لا يُدخَل عليه إلا باستئذان وامرأة ناقصة العقل هما سواء”(شرح بلوغ المرام - كتاب الجنائز-حديث: “ كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها”).

 

19- قال العلامة ابن عثيمين -رحمه الله-: “بعض الناس يذهب إلى المقابر، ويضطجع في القبر، يقول: إني أفعل ذلك من باب الموعظة نقول: هذا ليس بسديد، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: اضطجعوا في القبور فإنها تذكر الآخرة، بل قال: “زوروا القبور”؛ فزيارة القبور يحصل بها من الاتعاظ وتذكُّر الآخرة ما لا يحصل بهذا، فهذا لا ينبغي فعله، والإنسان إذا كان لا يتعظ إلا إذا اضطجع في القبر، فهذا معناه أن قلبه أقسى من الحجر”. وقال -رحمه الله-: “كان بعض الناس فيما سبق يحفرون قبورًا لهم، ومِنَ الناس مَن أحدثوا في هذه بدعة، وصار كل يخرج يوم إلى هذا القبر الذي حفر ويضطجع فيه، ويزعم أن هذا موعظة وتذكير، ولا شك أن هذا بدعة”(شرح صحيح البخاري كتاب اللباس عند حديث سهل بن سعد أن امرأة قالت: يا رسول الله إني نسجت هذه بيدي أكسوكها).

 

20- قال العلامة عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين -رحمه الله-: “الميت يُعذَّب في البرزخ أو يُنَعَّم، سواء قُبِرَ أم لم يُقْبَرْ، فإن كان من أهل الخير ناله النعيم والفرح والسرور، وإن كان من أهل الشر ناله العذاب والألم والحزن الشديد، ويبقى كذلك كلٌّ منهما في هذا البرزخ الذي هو بين الدنيا والآخرة.

 

ويؤمن المؤمنون بأن هذا البرزخ حاجز بين الدنيا والآخرة، وأن الإنسان بعد مفارقته للدنيا لا تنعدم روحه، أما بدنه، فإنه ينعدم ويفنى، قد تأكله الأرض ويصير ترابًا ورفاتًا، وقد يُحرق ويُذرى ولا يبقى له بقية، ولكن روحه تبقى، وهي التي يكون عليها العذاب والنعيم، ويقدِّر الله أن يوصل إلى بدنه - ولو كان ترابًا - ما يتألم به أو ما يتنعم به.

 

والعبد متى آمن بهذا استعدَّ له، فمتى صدَّقت بأن هذا القبر إما نعيم، وإما جحيم، حملك ذلك على أن تتأهب بالأعمال الصالحة وبالعقيدة السليمة، حتى تنجو من العذاب، وحتى تَسْلَمَ منه، وحتى تظفر بالنعيم الذي هو مقدمة بين يدي نعيم الآخرة”(الإيمان بفتنة وعذاب القبر عبدالله الجبرين).

 

21- قال العلامة العثيمين -رحمه الله-: “عذاب القبر ثابت بالقرآن، والسنة، والحِسِّ، أدلة الحس: أنه قد يُكشف لبعض الناس عن عذاب القبر، واسأل الذين يكونون ليلًا عند المقابر تسمع عنهم ما يعجب؛ فأحيانًا يسمعون صياحًا عظيمًا، وإفظاعًا، وأهوالًا؛ مما يدل على ثبوت عذاب القبر”.

 

22- قال العلامة ابن عثيمين -رحمه الله-: “قوله صلى الله عليه وسلم: “أبدله دارًا خيرًا من داره”؛ الدار الذي سينتقل إليها أول ما ينتقل من الدنيا هي القبر، لكن هل يمكن أن تكون خيرًا من داره؟

 

الجواب: نعم، ولولا ذلك ما دعا الرسول بها؛ إذ إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا يدعو بأمر محال، والقبر يكون خيرًا من الدنيا إذا فُسح للإنسان مدَّ بصره، وقيل له: نم صالحًا، وفُتح له باب إلى الجنة، أتاه من روحها ونعيمها، وفُرش له من الجنة، فمن كانت هذه حاله، فوالله إنها أحسن من الدنيا بألف مرة، بل ولا يُنسب”(‏فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام: 2-569).

 

23- قال الشيخ الألباني -رحمه الله- تعالى: “والنساء كالرجال في استحباب زيارة القبور، لوجوه: الاول: عموم قوله صلى الله عليه وسلم “..فزوروا القبور” فيدخل فيه النساء. وبيانه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نهى عن زيارة القبور في أول الامر. فلا شك أن النهي كان شاملا للرجال والنساء معا، فلما قال “كنت نهيتكم عن زيارة القبور” كان مفهوما أنه كان يعني الجنسين ضرورة أنه يخبرهم عما كان في أول الامر من نهي الجنسين، فإذا كان الأمر كذلك، كان لزاما أن الخطاب في الجملة الثانية من الحديث وهو قوله: “فزوروها” إنما أراد به الجنسين أيضا. ويؤيده أن الخطاب في بقية الافعال المذكورة في زيادة مسلم في حديث بريدة المتقدم آنفا: “ونهيتكم عن لحوم الاضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم، ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الاسقية كلها ولا تشربوا مسكرا”، أقول: فالخطاب في جميع هذه الافعال موجه إلى الجنسين قطعا، كما هو الشأن في الخطاب الاول: “كنت: نهيتكم”، فإذا قيل بأن الخطاب في قوله “فزوروها” خاص بالرجال، اختل نظام الكلام وذهبت طراوته، الأمر الذي لا يليق بمن أوتي جوامع الكلم، ومن هو أفصح من نطق بالضاد، صلى الله عليه وسلم، ويزيده تأييدا الوجوه الاتية: الثاني: مشاركتهن الرجال في العلة التي من أجلها شرعت زيارة القبور: “فإنها ترق القلب وتدمع العين وتذكر الاخرة”. الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رخص لهن في زيارة القبور، في حديثين حفظتهما لنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:

1- عن عبد الله بن أبي مليكة: أن عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر، فقلت لها: يا أم المؤمنين من أين أقبلت؟ قالت: من قبر عبد الرحمن بن أبي بكر، فقلت لها: أليس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن زيارة القبور؟ قالت: نعم: ثم أمر بزيارتها. وفي رواية عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في زيارة القبور (أخرجه الحاكم: 1-376، وقال الألباني: سكت عنه الحاكم، وقال الذهبي: صحيح).

 

2- عن محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب أنه قال يوما: ألا أحدثكم عني وعن أمي؟ فظننا أنه يريد أمه التي ولدته، قال: قالت عائشة: ألا أحدثكم عني وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: بلى: قالت: (لما كانت ليلتي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها عندي، انقلب فوضع رداءه، وخلع نعليه، فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه، فاضطجع، فلم يلبث إلا ريثما ظهر أنه قد رقدت، فأخذ رداءه رويدا، وانتعل رويدا، وفتح الباب رويدا، فخرج، ثم أجافه رويدا، فجعلت درعي في رأسي واختمرت: وتقنعت إزاري، ثم انطلقت على اثره حتى جاء البقيع، فقام فأطال القيام، ثم رفع يديه ثلاث مرات، ثم انحرف فانحرفت، وأسرع فأسرعت.

 

فهرول فهرولت. فأحضر فأحضرت، فسبقته، فدخلت، فليس إلا أن اضجعت، فدخل فقال: “مالك يا عائش حشيا رابية؟” قالت: قلت: لا شئ يا رسول الله، قال: “لتخبرني أو ليخبرني اللطيف الخبير”، قالت: قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، فأخبرته الخبر، قال: “فأنت السواد الذي رأيت أمامي؟” قلت: نعم، فلهزني في صدري لهزة أوجعتي، ثم قال: “أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله!؟” قالت: مهما يكتم الناس يعلمه الله، قال: “نعم” قال: “فإن جبريل أتاني حين رأيت فناداني - فأخفاه منك، فأجبته، فأخفيته منك، ولم يكن ليدخل عليك، وقد وضعت ثيابك وظننت أن قد رقدت، فكرهت أن أوقظك. وخشيت أن تستوحشي-” فقان: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم، قالت: قلت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: قولي: “السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون” (أخرجه مسلم: 3-14). 

 

الرابع: إقرار النبي صلى الله عليه وسلم المرأة التي رآها عند القبر في حديث أنس رضي الله عنه: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة عند قبر وهي تبكي، فقال لها: “اتقي الله واصبري..”(رواه البخاري وغيره، قال الحافظ في (الفتح): "وموضع الدلالة منه أنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على المرأة قعودها عند القبر، وتقريره حجة". 

وقال العيني في العمدة: "وفيه جواز زيارة القبور مطلقا، سواء كان الزائر رجلا أو امرأة: وسواء كان المزور مسلما أو كافرا، لعدم الفصل في ذلك". وذكر نحوه الحافظ أيضا في آخر كلامه على الحديث فقال عقب قوله (لعدم الاستفصال في ذلك): "قال النووي: وبالجواز قطع الجمهور، وقال صاحب الحاوي: لا تجوز زيارة قبر الكافر وهو غلط انتهى وما دل عليه الحديث من جواز زيارة المرأة هو المتبادر من الحديث، ولكن إنما يتم ذلك إذا كانت القصة لم تقع قبل النهي، وهذا هو الظاهر، إذا تذكرنا ما أسلفناه من بيان أن النهي كان في مكة، وأن القصة رواها أنس وهو مدني جاءت به أمه أم سليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة، وأنس ابن عشر سنين، فتكون القصة مدنية، فثبت أنها بعد النهي. فتم الاستدلال بها على الجواز"، وأما قول ابن القيم في (تهذيب السنن): وتقوى الله، فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه، ومن جملتها النهي عن الزيارة. فصحيح لو كان عند المرأة علم بنهي النساء عن الزيارة وأنه استمر ولم ينسخ، فحينئذ يثبت قوله: (ومن جملتها النهي عن الزيارة) أما وهذا غير معروف لدينا فهو استدلال غير صحيح، ويؤيده أنه لو كان النهي لا يزال مستمرا لنهاها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الزيارة صراحة وبين ذلك لها، ولم يكتف بأمرها بتقوى الله بصورة عامة، وهذا ظاهر إن شاء الله تعالى (أحكام الجنائز بتلخيص يسير: 1-180).

 

قال الألباني -رحمه الله تعالى-: "لكن لا يجوز لهن الاكثار من زيارة القبور والتردد عليها، لان ذلك قد يفضي بهن إلى مخالفة الشريعة، من مثل الصياح والتبرج واتخاذ القبور مجالس للنزهة، وتضييع الوقت في الكلام الفارغ، كما هو مشاهد اليوم في بعض، البلاد الاسلامية، وهذا هو المراد - إن شاء الله - بالحديث المشهور: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم" وفي لفظ: "لعن الله" زوارات القبور). وقد روي عن جماعة من الصحابة: أبو هريرة، حسان بن ثابت، وعبد الله ابن عباس"(أحكام الجنائز: 1-185).

 

24- قال الألباني -رحمه الله تعالى-: "وأما قراءة القرآن عند زيارتها، فمما لا أصل له في السنة، بل الاحاديث المذكورة في المسألة السابقة تشعر بعدم مشروعيتها، إذ لو كانت مشروعة، لفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمها أصحابه، لا سيما وقد سألته عائشة رضي الله عنها - وهي من أحب الناس إليه صلى الله عليه وسلم - عما تقول إذا زارت القبور؟ فعلمها السلام والدعاء. ولم يعلمها أن تقرأ الفاتحة أو غيرها من القرآن، فلو أن القراءة كانت مشروعة لما كتم ذلك عنها، كيف وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز كما تقرر في علم الاصول، فكيف بالكتمان، ولو أنه صلى الله عليه وسلم علمهم شيئا من ذلك لنقل إلينا، فإذ لم ينقل بالسند الثابت دل على أنه لم يقع"(أحكام الجمائز: 1-191).

 

25- قال شيخ الاسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "ومذهب الائمة الاربعة: مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم من أئمة الاسلام أن الرجل إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وأراد أن يدعو لنفسه فإنه يستقبل القبلة، واختلفوا في وقت السلام عليه، فقال الثلاثة مالك والشافعي وأحمد: يستقبل الحجرة ويسلم عليه من تلقاء وجهه، وقال أبو حنيفة: لا يستقبل الحجرة وقت السلام كما لا يستقبلها وقت الدعاء باتفاقهم، تم في مذهبه قولان: قيل: يستدبر الحجرة، وقيل يجعلها عن يساره. فهذا نزاعهم في وقت السلام. وأما في وقت الدعاء فلم يتنازعوا في أنه إنما يستقبل القبلة، لا الحجرة (القاعدة الجليلة، في التوسل والوسيلة: ص 125).

 

الإحالات

1- إثبات عذاب القبر وسؤال الملكين؛ المؤلف: البيهقي؛ أحمد بن الحسين بن علي، أبو بكر.

 

2- القبور المؤلف: ابن أبي الدنيا.

 

3- القبر عذابه ونعيمه؛ المؤلف: حسين العوايشة.

 

4- صحيح المسند في عذاب القبر ونعيمه؛ المؤلف: عكاشة عبد المنان الطيبي.

 

5- الاستعداد للموت وسؤال القبر؛ المؤلف: زين الدين المعبري المليباري.

 

6- سكب العبرات للموت والقبر والسكرات؛ المؤلف: سيد حسين العفاني.

 

الحكم

القبور مليئة برجال ظنوا أنه لا يمكن الاستغناء عنهم

(شارل ديغول)