رجاء

2022-10-05 - 1444/03/09

التعريف

المعنى اللغوي:

أصل مادة (رجا) تدل على الأمل (مقاييس اللغة، ابن فارس ٢-٤٩٤).

 

وهو نقيض اليأس، يقال: رجا يرجو (انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ١١-١٢٤).

 

وقد يجيئ الرجاء بمعنى: الخوف، ومنه قوله تعالى: (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا)[نوح:13]أي: تخافون عظمة الله (انظر: الصحاح، الجوهري ٦-٢٣٥٢).

 

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

قال الراغب: الرجاء: ظنّ يقتضي حصول ما فيه مسرّة (المفردات، ص ٣٤٦).

 

وعرفه الكفوي بأنه: الطمع فيما يمكن حصوله، ويرادفه الأمل (الكليات ص ٤٦٨).

 

وعرفه الجرجاني بأنه: تعلق القلب بمحصول محبوب في المستقبل (التعريفات ص ١٠٩).

 

العناصر

1- معاني الرجاء ودلالته

 

2- أنواع الرجاء

 

3- الفرق بين الرجاء والغرور 

 

4- نماذج من رجاء السلف 

 

5- فضائل الرجاء 

 

6- وسائل تحقيق المرجو

 

7- الجمع بين المحبة والخوف والرجاء

 

الايات

1- قال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[البقرة: 218].

 

2- قوله تعالى: (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً)[النساء: 104].

 

3- قوله تعالى: (إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ * إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ)[التوبة: 18].

 

4- قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[يونس: 7-8].

 

5- قوله تعالى: (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)[يونس: 11].

 

6- قوله تعالى: (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)[يونس: 15].

 

7- قوله تعالى: (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ)[يوسف: 21].

 

8- قوله تعالى: (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً)[الإسراء: 28].

 

9- قوله تعالى: (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً * قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا * أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً)[الإسراء: 55 - 57].

 

10- قوله تعالى: (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)[الكهف: 110].

 

11- قوله تعالى: (وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً)[الفرقان: 21].

 

12- قوله تعالى: (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[العنكبوت: 5].

 

13- قوله تعالى: (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)[العنكبوت: 36].

 

 

14- قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ)[فاطر: 29 - 30].

 

15- قوله تعالى: (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ)[الزمر: 9].

 

16- قوله تعالى: (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)[الممتحنة: 6].

 

17- قوله تعالى: (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا * لِلطَّاغِينَ مَآبًا * لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا * لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا * إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا * جَزَاءً وِفَاقًا * إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا * وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا * وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا *فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا)[النبأ: 21-30].

 

الاحاديث

1- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقف على أناس جلوس فقال: “ألا أخبركم بخيركم من شرّكم؟”. قال: فسكتوا. فقال ذلك ثلاث مرّات، فقال رجل: بلى. يا رسول اللّه أخبرنا بخيرنا من شرّنا. قال: “خيركم من يرجى خيره، ويؤمن شرّه. وشرّكم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شرّه”(رواه الترمذي 2263، وصححه الألباني).

 

2- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال لبلال عند صلاة الفجر: “يا بلال حدّثني بأرجى عمل عملته في الإسلام فإنّي سمعت دفّ نعليك  بين يديّ في الجنّة”. قال: ما عملت عملا أرجى عندي من أنّي لم أتطهّر طهورا في ساعة ليل أو نهار إلّا صلّيت بذلك الطّهور ما كتب لي أن أصلّي. (رواه البخاري 1149).

 

3- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: “إنّ لكلّ شيء شرّة  ولكلّ شرّة فترة فإن كان صاحبها سدّد وقارب فارجوه وإن أشير إليه بالأصابع فلا تعدّوه”(رواه الترمذي 2453، وصححه الألباني).

 

4- عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بسيسة عينا  ينظر ما صنعت عير أبي سفيان. فجاء وما في البيت أحد غيري وغير رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. (قال: لا أدري ما استثنى بعض نسائه). قال: فحدّثه الحديث. قال: فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فتكلّم. فقال: “إنّ لنا طلبة  فمن كان ظهره  حاضرا فليركب معنا”، فجعل رجال يستأذنونه في ظهرانهم  في علو المدينة. فقال: “لا. إلّا من كان ظهره حاضرا”، فانطلق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه. حتّى سبقوا المشركين إلى بدر وجاء المشركون. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “لا يقدّمنّ أحد منكم إلى شيء حتّى أكون أنا دونه “، فدنا المشركون، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “قوموا إلى جنّة عرضها السّماوات والأرض”. قال: يقول عمير بن الحمام الأنصاريّ: يا رسول اللّه، جنّة عرضها السّماوات والأرض؟. قال: نعم. قال: بخ بخ. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “ما يحملك على قولك بخ بخ”. قال: لا. واللّه يا رسول اللّه إلّا رجاءة  أن أكون من أهلها. قال: “فإنّك من أهلها”. فأخرج تمرات من قرنه. فجعل يأكل منهنّ. ثمّ قال: لئن أنا حييت حتّى آكل تمراتي هذه إنّها لحياة طويلة. قال فرمى بما كان معه من التّمر، ثمّ قاتلهم حتّى قتل. (رواه مسلم 1901).

 

5- عن أنس -رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم دخل على شابّ وهو في الموت فقال: “كيف تجدك؟”. قال: واللّه يا رسول اللّه إنّي أرجو اللّه وإنّي أخاف ذنوبي، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلّا أعطاه اللّه ما يرجو وآمنه ممّا يخاف”(رواه الترمذي 983، وقال النووي: إسناده جيد، وقال الشيخ الألباني حسن).

 

6- عن عبد اللّه بن عمرو- رضي اللّه عنهما- يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “أربعون خصلة أعلاهنّ منيحة العنز- ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلّا أدخله اللّه بها الجنّة”(رواه البخاري 2631).

 

7- عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: “قال اللّه: يابن آدم إنّك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السّماء ثمّ استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يابن آدم إنّك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثمّ لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة”(رواه الترمذي 3540، وحسنه الألباني).

 

8- عن سهل بن سعد -رضي الله عنه- أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: “لأعطينّ الرّاية غدا رجلا يفتح اللّه على يديه”، قال: فبات النّاس يدوكون  ليلتهم أيّهم يعطاها. فلمّا أصبح النّاس غدوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كلّهم يرجو أن يعطاها. فقال: “أين عليّ بن أبي طالب؟”. فقالوا: يشتكي عينيه يا رسول اللّه. قال: “فأرسلوا إليه فأتوني به”. فلمّا جاء بصق في عينيه ودعا له فبرأ حتّى كأن لم يكن به وجع فأعطاه الرّاية. فقال عليّ: يا رسول اللّه أقاتلهم حتّى يكونوا مثلنا. فقال: “انفذ على رسلك  حتّى تنزل بساحتهم ثمّ ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ اللّه فيه. فو اللّه لأن يهدي اللّه بك رجلا واحدا، خير لك من أن يكون لك حمر النّعم”(رواه البخاري 3701، ومسلم 2405).

 

9- قال كعب بن مالك -رضي الله عنه-: لم أتخلّف عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في غزوة غزاها قطّ. إلّا في غزوة تبوك. غير أنّي قد تخلّفت في غزوة بدر. ولم يعاتب أحدا تخلّف عنه. إنّما خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والمسلمون يريدون عير قريش حتّى جمع اللّه بينهم وبين عدوّهم، على غير ميعاد ... الحديث، وفيه: فقبل منهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم علانيتهم. وبايعهم واستغفر لهم. ووكل سرائرهم إلى اللّه. حتّى جئت. فلمّا سلّمت، تبسّم تبسّم المغضب، ثمّ قال: “تعال”. فجئت أمشي حتّى جلست بين يديه. فقال لي: “ما خلّفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟”. قال: قلت: يا رسول اللّه إنّي واللّه لو جلست عند غيرك من أهل الدّنيا، لرأيت أنّي سأخرج من سخطه بعذر. ولقد أعطيت جدلا. ولكنّي، واللّه لقد علمت، لئن حدّثتك اليوم حديث كذب ترضى به عنّي، ليوشكنّ اللّه أن يسخطك عليّ. ولئن حدّثتك حديث صدق تجد عليّ فيه ، إنّي لأرجو فيه عقبى اللّه. واللّه ما كان لي عذر. واللّه ما كنت قطّ أقوى ولا أيسر منّي حين تخلّفت عنك. قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “أمّا هذا- فقد صدق. فقم حتّى يقضي اللّه فيك”. فقمت ... واللّه ما تعمّدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى يومي هذا. وإنّي لأرجو أن يحفظني اللّه فيما بقي ... الحديث”(رواه البخاري 4418، ومسلم 2769).

 

10- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فيما يحكي عن ربّه عزّ وجلّ قال: “أذنب عبد ذنبا، فقال اللّهمّ اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أنّ له ربّا يغفر الذّنب ويأخذ بالذّنب، ثمّ عاد فأذنب، فقال أي ربّ اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا فعلم أنّ له ربّا يغفر الذّنب ويأخذ بالذّنب. ثمّ عاد فأذنب. فقال أي ربّ اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أنّ له ربّا يغفر الذّنب ويأخذ بالذّنب. اعمل ما شئت فقد غفرت لك”(رواه البخاري 7506، ومسلم 2758).

 

الاثار

1- عن محمّد بن عبد الملك بن هاشم قال: "سمعت ذا النّون المصريّ يقول في دعائه: اللّهمّ إليك تقصد رغبتي، وإيّاك أسأل حاجتي، ومنك أرجو نجاح طلبتي، وبيدك مفاتيح مسألتي، لا أسأل الخير إلّا منك، ولا أرجوه من غيرك، ولا أيأس من روحك بعد معرفتي بفضلك" (حلية الأولياء، لأبي نعيم 9-333).

 

2- قال سفيان -رحمه اللّه-: "من أذنب ذنبا فعلم أنّ اللّه -تعالى- قدّره عليه، ورجا غفرانه، غفر اللّه له ذنبه" (إحياء علوم الدين، للغزالي 1-145).

 

3- عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: "أكبر الكبائر: الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله" (أخرجه عبد الرزاق في المصنف 10-459) والطبراني في الكبير 8783).

 

4- قَالَ دَاوُدُ الطَّائِيُّ: "الْيَأْسُ سَبِيلُ أَعْمَالِنَا هَذِهِ وَلَكِنَّ الْقُلُوبَ تَحِنُّ إِلَى الرَّجَاءِ" (محاسبة النفس لابن أبي الدنيا 1-87).

 

5- قال الحسن البصري: "إنّ خوفَك حتّى تلقى الأمن، خيرٌ من أمْنِك حتّى تلقى الخوف... وقال: ينبغي أن يكون الخوفُ أغلبَ على الرجاء، فإنَّ الرجاءَ إذا غلبَ الخوفَ فَسَدَ القلبُ" (الذخائر والعبقريات لعبد الرحمن البرقوقي الأديب المصري 1-167).

 

6- قال ابن عباس لعبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: أيُّ آيةٍ أرجى؟ قال: (إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ)، فقال: إنَّ هذه لمَرْجوّةٌ، وأرجى منها قوله تعالى: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ) (الذخائر والعبقريات لعبد الرحمن البرقوقي الأديب المصري 1-184).

 

7- قال الحسن البصري: "إنَّ المؤمن أَحْسَنَ الظنَّ بربه فأحسنَ العملَ، وإنَّ الفاجر أساء الظنَّ بربه فأساء العملَ"(الجواب الكافي 27).

 

8- قال يحيى بن معاذ: "مِنْ أعظمِ الاغترارِ عندي التمادي في الذنوب مع رجاء العفو من غير ندامة، وتوقُّع القُرْب من الله -تعالى- بغير طاعة"(إحياء علوم الدين 4-174).

 

القصص

1- قال مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ: أُتِيَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بِبَطْرِيقٍ مِنْ بَطَارِقَةِ الرُّومِ مِنْ عُلَمَائِهِمْ، فَأَمَرَ بِهِ إِلَى الْحَبْسِ مَغْلُولًا مُقَيَّدًا، فَدَخَلَ عَلَيْهِ السَّجَّانُ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَأَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ، ثُمَّ خَرَجَ، فَلَمَّا بَكَّرَ عَلَيْهِ لَمْ يَجِدْهُ فِي الْحَبْسِ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ شَهْرٍ، جَاءَهُ كِتَابُ صَاحِبِ الثَّغْرِ، أَخْبِرْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ فُلَانًا الْبَطْرِيقَ وُجِدَ مَطْرُوحًا دُونَ مَنْزِلِهِ، فَدَعَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ السَّجَّانَ، فَقَالْ: أَخْبَرَنِي مَا فَعَلَ فُلَانٌ الْبَطْرِيقُ؟ قَالَ: يُنَجِّينِي الصِّدْقُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَأَخْبَرَهُ بِقِصَّتِهِ، قَالَ: فَمَا كَانَ عَمَلُهُ، وَمَا كَانَ يَتَكَلَّمُ بِهِ؟ قَالَ: كَانَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: يَا مَنْ يَكْتَفِي مِنْ خَلْقِهِ جَمِيعًا، وَلَا يَكْتَفِي مِنْهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ، يَا أَحَدَ مَنْ لَا أَحَدَ لَهُ، انْقَطَعَ الرَّجَاءُ إِلَّا مِنْكَ، أَغِثْنِي، أَغِثْنِي، أَغِثْنِي قَالَ: بِهَا نَجَا، بِهَا نَجَا"(مجابو الدعوة مطبوع ضمن مجموعة رسائل ابن أبي الدنيا 1-77).

الاشعار

1- قال الشّافعيّ -رحمه اللّه- في مرض موته:

فلمّا قسا قلبي وضاقت مذاهبي *** جعلت الرّجا منّي لعفوك سلّما

تعاظمني ذنبي فلمّا قرنته *** بعفوك ربّي كان عفوك أعظما

(دليل الفالحين، لابن علان 2-361).

 

2- قال أبو عمران السّلميّ منشدا:

وإنّي لآتي الذّنب أعرف قدره *** وأعلم أنّ اللّه يعفو ويغفر

لئن عظّم النّاس الذّنوب فإنّها *** وإن عظمت في رحمة اللّه تصغر

(حسن الظن، لابن أبي الدنيا ص 106).

 

3- قال الرّافعيّ -رحمه اللّه-:

إذا أمسى فراشي من تراب *** وصرت مجاور الرّب الرّحيم

فهنّوني أحبّائي وقولوا *** لك البشرى قدمت على كريم

(دليل الفالحين لابن علان 2-361).

 

4- ورحم الله من قال:

ليس من مات فاستراح بميت *** إنما الميت ميت الأحياء

إنما الميت من يعيش كئيباً ***  كاسف باله قليل الرجاء

(بيان المعاني للشيخ العلامة عبد القادر الديرزوري 1-58).

 

5- قال محمود الوراق:

يا ناظِراً يَرنْو بعيْنَيْ رافِدٍ *** ومُشاهِداً للأمْرِ غيرَ مُشاهِدِ

مَنَّيْتَ نفْسَكَ ضَلّةً وأَبَحْتَها *** طُرُقَ الرَّجاءِ وهُنَّ غيرُ قواصِدِ

تَصِلُ الذُّنوبَ إلى الذُّنوبِ وتَرْتَجي *** دَرَكَ الجِنانِ بها وفوْزَ العابِدِ

ونَسِيتَ أنَّ اللهَ أخْرجَ آدَماً *** منها إلى الدُّنيا بذَنْبٍ واحدِ

(الذخائر والعبقريات لعبد الرحمن البرقوقي الأديب المصري 1-167).

 

6- قال أحدهم:

تَرْجُو النَّجَاةَ وَلَمْ تَسْلُكْ مَسَالِكَهَا *** إِنَّ السَّفِينَةَ لَا تَجْرِي عَلَى الْيَبَسِ

(إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين 11-329)

 

متفرقات

1- قال ابن القيّم- رحمه اللّه-: الرّجاء هو عبوديّة، وتعلّق باللّه من حيث اسمه: البرّ المحسن فذلك التّعلّق والتّعبّد بهذا الاسم، والمعرفة باللّه: هو الّذي أوجب للعبد الرّجاء من حيث يدري ومن حيث لا يدري. فقوّة الرّجاء على حسب قوّة المعرفة باللّه وأسمائه وصفاته، وغلبة رحمته غضبه ولولا روح الرّجاء لعطّلت عبوديّة القلب والجوارح، وهدّمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم اللّه كثيرا. بل لولا روح الرّجاء لما تحرّكت الجوارح بالطّاعة. ولولا ريحه الطّيّبة لما جرت سفن الأعمال في بحر الإرادات. ولي من الأبيات:

لولا التّعلّق بالرّجاء تقطّعت *** نفس المحبّ تحسّرا وتمزّقا

لولا الرّجا يحدو المطيّ لما سرت *** بحمولها لديارهم ترجو اللّقا

 

فتأمّل هذا الموضع حقّ التّأمّل يطلعك على أسرار عظيمة من أسرار العبوديّة والمحبّة، فكلّ محبّة مصحوبة بالخوف والرّجاء. وعلى قدر تمكّنها من قلب المحبّ يشتدّ خوفه ورجاؤه، ولكنّ خوف المحبّ لا يصحبه وحشة. بخلاف خوف المسيء. ورجاء المحبّ لا يصحبه علّة، بخلاف رجاء الأجير، وأين رجاء المحبّ من رجاء الأجير وبينهما كما بين حاليهما؟. (انظر مدارج السالكين 1/ 43- 44).

 

2- قال الحافظ ابن حجر- رحمه اللّه-: المقصود من الرّجاء أنّ من وقع منه تقصير فليحسن ظنّه باللّه ويرجو أن يمحو عنه ذنبه، وكذا من وقع منه طاعة يرجو قبولها، وأمّا من انهمك على المعصية راجيا عدم المؤاخذة بغير ندم ولا إقلاع فهذا في غرور. وما أحسن قول أبي عثمان الجيزيّ: من علامة السّعادة أن تطيع، وتخاف أن لا تقبل، ومن علامة الشّقاء أن تعصي، وترجو أن تنجو. (انظر فتح الباري لابن حجر 11-301).

 

3- قال الغزاليّ- رحمه اللّه-: إنّ الرّجاء والخوف جناحان بهما يطير المقرّبون إلى كلّ مقام محمود، ومطيّتان بهما يقطع من طرق الآخرة كلّ عقبة كئود. (إحياء علوم الدين، للغزالي 1-142).

 

4- قال شاه الكرمانيّ:علامة صحّة الرّجاء حسن الطّاعة. (مدارج السالكين 2-37).

 

5- قال ابن القيّم- رحمه اللّه-: الرّجاء حاد يحدو القلوب إلى بلاد المحبوب وهو اللّه والدّار الآخرة، ويطيّب لها السّير. (مدارج السالكين 2-36).

 

6- قال النووي: "قال العلماء: معنى حسن الظن بالله تعالى أن يظن أنه يرحمه ويعفو عنه، قالوا: وفي حالة الصحة يكون خائفًا راجيًا، ويكونان سواءً، وقيل: يكون الخوف أرجح، فإذا دنت أمارات الموت غلب الرجاء أو محضه؛ لأن مقصود الخوف الانكفاف عن المعاصي والقبائح، والحرص على الإكثار من الطاعات والأعمال، وقد تعذر ذلك أو معظمه في هذا الحال، فاستحب إحسان الظن المتضمن للافتقار إلى الله تعالى، والإذعان له"(شرح النووي على صحيح مسلم ١٧-٢١٠).

 

7- قال ابن عثيمين: "والرجاء: الطمع في حصول ما هو قريب، ومعلوم أن الطمع بما هو قريب لا يكون قريبًا إلا بفعل ما يكون قريبًا به، وهؤلاء فعلوا ما تكون الرحمة قريبة منهم، والذي فعلوه: الإيمان والهجرة والجهاد، فإذا لم يرج هؤلاء رحمة الله فمن الذي يرجوها؟ فهؤلاء هم أهل الرجاء، فالرجاء لا بد له من أسباب، وحسن الظن لا بد له من أسباب"(تفسير القرآن الكريم، ابن عثيمين، الفاتحة والبقرة ٣-٦٤).

 

الإحالات

كتاب ‫الرجاء؛‬ لمحمد صالح المنجد.‬