خطبة

2022-10-06 - 1444/03/10

التعريف

تعريف الخطبة في اللغة:

 

الخطبة لغة: قال ابن فارس: الخاء والطاء والباء أصلان: أحدهما: الكلام بين اثنين. ثانيهما: اختلاف لونين. أما الأصل الأول - وهو المقصود - فيقال: خاطبه يُخاطبه خِطابًا، والخطبة من ذلك. والخَطْبُ: الشأن أو الأمر صغر أو عظم، وما خطبك؟ أي: ما شأنك الذي تخطبه، والخَطْبُ: سبب الأمر، تقول: ما خطبك؟ أي: ما أمرك؟ وتقول: هذا خطب جليل، وخطب يسير، والخطب: الأمر الذي تقع فيه المخاطبة والشأن، والحال. ومنه قولهم: حل الخطب، أي: عظم الأمر والشأن، وفي التنزيل: (قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ) [طه؛ 95]، وقال تعالى: (قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ) [الذاريات: 31]، وجمع الخطب: خُطُوب، والخَطْبُ: الأمر يقع، وإنما سمي بذلك لما يقع فيه من التخاطب والمراجعة. والخطب والمخاطبة والتخاطب: المراجعة في الكلام، ومنه الخُطبة والخِطبة (الصحاح 1-121، لسان العرب 2-194، تهذيب اللغة 7-245، معجم مقاييس اللغة 7-24).

 

وخَطَبْتُ على المنبر خُطْبةً بالضم، وخَطَبْتُ المرأةَ خِطْبةً بالكسر، ورجلٌ خطيبٌ: حَسَنُ الخطبة، وجمع الخطيب: خُطَبَاء. والخِطْبُ: الرجل الذي يَخْطُبُ المرأة، ويقال: هي خطْبُه وخطبتُهُ للتي يَخْطبُها. وخَطُب (بالضم) خَطَابةً (بالفتح): صار خطيبًا؛ والخُطْبة: الكلام المخطوب به.

 

ويقال: اختطب القوم فلانًا: إذا دعوه إلى تزويج صاحِبَتِهِمْ. والخِطْبُ أيضًا: المرأة المخطوبةُ، وقد خَطَبها خَطْبًا. والعرب تقول: فلان خِطْبُ فلانة؛ إذا كان يَخْطُبُها، ويقول الخاطب: خِطْبٌ، فيقول المخْطُوبُ إليهم: نِكْحٌ، وهي كلمة كانت العرب تتزوج بها، وكانت امرأة من العرب يقال لها: أم خارجة يضرب بها المثل؛ فيقال: أسرعُ من نكاح أُمِّ خارجة، وكان الخاطب يقوم على باب خبائها فيقول: خِطْبٌ، فتقول: نِكْحٌ، وخُطْبٌ، فيقال: نُكْحٌ. الأصل الثاني: اختلاف لونين، قال الفراء: الخَطْبَاء: الأتان التي لها خَطٌّ أسود على متنها، والحمار الذكر أخْطَبُ، والأخطَب: طائر، ولعله يختلف عليه لونان، والخُطْبان: الحنْظَلُ إذا اختلف ألوانه، وناقة خطباء بيِّنَةُ الخَطَبِ، والأخطبُ: الحمار تعلُوه خُضرة، وكل لونٍ يشبه ذلك فهو أخْطَبُ. والخُطْبَةُ: لون يَضربُ إلى الكدرة مشْرَبٌ حمرةً في صفرةٍ؛ كلون الحنظلة الخَطْبَاءِ قبل أن تَيْبَسَ، وكلون بعض حُمُرِ الوَحْشِ، والخُطْبَةُ الخُضْرةُ، وقيل: غُبْرَةٌ ترهقها خُضْرَةٌ. الخطبة اصطلاحًا: ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي (جواهر الإكليل: 1/ 275، المغني: 9-567). قال في مغني المحتاج: الخطبة: التماس الخاطب النكاح من جهة المخطوب: 3-135).

 

وقال القرطبي: الخطبة: فعل الخاطب من كلام وقصد واستلطاف بفعل أو قول (الجامع لأحكام القرآن: 3-189).

 

مما سبق؛ وبعد التأمل يمكن تعريف الخِطبة اصطلاحًا بالتعريف التالي: طلب الرجل من يرغب نكاحها، منها أو من وليها، تصريحًا أو تعريضًا. فقولنا: طلب الرجل: خرج به العرض والهبة؛ فإنهما يقعان من جهة المرأة أو وليها.

 

وقولنا: من يرغب نكاحها: يعني ولو ظاهرًا دخل في هذا من كان له قصد غير صحيح؛ كنكاح التحليل، أو المتعة، أو النكاح بنية الطلاق.

 

وقولنا: منها أو من وليها: خرج بهذا مَنْ سواهما؛ لأن الطلب إلى غيرهما لا يسمى خِطبةً. وقولنا: تصريحًا أو تعريضًا فكل ما دل على طلبها والرغبة في نكاحها سُمي خِطبةً، واستحق الجواب: قبولاً أو ردًّا، سواءً كان تصريحًا وهو (ما يقطع بالرغبة في النكاح ولا يحتمل غيره (مغني المحتاج: 3-136)، الإقناع: 3-160)، كشاف القناع: 5-18) أم تعريضًا وهو ما يفهم منه النكاح مع احتمال غيره وبهذا يكون التعريف جامعًا لأركان الخطبة الأربعة: الأول: الخاطب الطالب، في قولنا: طلب الرجل. 

 

والثاني: المخطوبة المطلوبة، في قولنا: من يرغب نكاحها.

 

والثالث: من تُخْطَبُ إليه من النفس أو الولي، في قولنا: منها أو من وليها.

 

الرابع: صيغة الخطبة، في قولنا: تصريحًا أو تعريضًا (انظر مجلة البحوث الإسلامية - مجلة دورية تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد المؤلف: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد: 90-288).

 

 

العناصر

1- معنى الخطبة وتعريفها.

 

2- صفات المخطوبة.

 

3- شروط جواز الخطبة.

 

4- أنواع الخطبة.

 

5- حكم رؤية المخطوبة والاختلاط والخلوة.

 

6- مخالفات وأخطاء تتعلق بالخطوبة

 

7- حكم من عدل عن خطبته.

 

8- بيان حكم ما يبذله الخاطب من الهدايا والنفقة.

 

الايات

1- قال الله تعالى: (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ)[البقرة:235].

 

2- قوله تعالى: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [النور: 32].

 

الاحاديث

1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ “نَهَى عَنْ أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ”(متفق عليه).

 

2- عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “المؤمن أخو المؤمن؛ فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه، ولا يخطُب على خِطبة أخيه حتى يَذَرَ”(أخرجه مسلم: 1414).

 

3- عن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول: “نهى النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يبيع بعضكم على بيع بعض، ولا يخطُب الرجل على خِطبة أخيه، حتى يترك الخاطب قبله، أو يأذن له الخاطب”(أخرجه البخاري: 5142، ومسلم: 1412).

 

4- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير” قالوا يا رسول الله وإن كان فيه قال: “إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه” ثلاث مرات (رواه الترمذي وقال: حسن غريب وحسنه الألباني).

 

5- عن سهل بن سعد الساعدي أنه قال: مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لرجل عنده جالس “ما رأيك في هذا” فقال: رجل من أشراف الناس هذا والله حري إن خطب أن ينكح وإن شفع أن يشفع قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مر رجل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم “ما رأيك في هذا”. فقال يا رسول الله هذا رجل من فقراء المسلمين هذا حري إن خطب أن لا ينكح وإن شفع أن لا يشفع وإن قال أن لا يسمع لقوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “هذا خير من ملء الأرض مثل هذا”(رواه البخاري: 6082).

 

6- عن سهل بن سعد الساعدي قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله جئت أهب لك نفسي قال: فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد النظر فيها وصوبه ثم طأطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست فقام رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها فقال: “وهل عندك من شيء”. قال: لا والله يا رسول الله فقال: “اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا”. فذهب ثم رجع فقال: لا والله ما وجدت شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “انظر ولو خاتما من حديد”. فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله ولا خاتما من حديد ولكن هذا إزاري -قال سهل ما له رداء- فلها نصفه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: “وما تصنع بإزارك إن لبسته لم يكن عليها منه شيء وإن لبسته لم يكن عليك شيء”.

 

فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم موليا فأمر به فدعي فلما جاء قال: “ماذا معك من القرآن”. قال معي سورة كذا وسورة كذا عددها فقال: “تقرؤهن عن ظهر قلبك”. قال: نعم قال: “اذهب قد ملكتكها بما معك من القرآن”(رواه البخاري: 4799).

 

7- عن فاطمة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها في عدتها من طلاق زوجها:” فإذا حللت فآذنينى”. قالت: فلما حللت أخبرته أن معاوية وأبا جهم رضى الله عنهما خطباني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” أما معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه انكحي أسامة”. قالت: فكرهته فقال: “انكحى أسامة”. فنكحته فجعل الله فيه خيرا واغتبطت به. (رواه البيهقي في السنن الكبرى: 14418، ورواه مسلم في الصحيح).

 

8- عن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إنَّ مِن يُمْنِ المرأةِ تيسيرُ خِطْبَتِها، وتيسيرُ صداقِها، وتيسيرُ رَحِمِها”(رواه أحمد: 23338، وحسنه الألباني في صحيح الجامع: 2235).

 

8- عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا تنكح البكر حتى تستأذن ولا الثيب حتى تستأمر”. فقيل: يا رسول الله كيف إذنها؟ قال “إذا سكتت”(رواه البخاري: 6567).

 

9- عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: خطب أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فاطمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها صغيرة فخطبها علي فزوجها منه (رواه النسائي: 3221 وقال الشيخ الألباني: صحيح الإسناد). 

 

10- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لَمّا انْقَضَتْ عِدَّةُ زَيْنَبَ، قالَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لِزَيْدٍ: فاذْكُرْها عَلَيَّ، قالَ: فانْطَلَقَ زَيْدٌ حتّى أتاها وهي تُخَمِّرُ عَجِينَها، قالَ: فَلَمّا رَأَيْتُها عَظُمَتْ في صَدْرِي، حتّى ما أسْتَطِيعُ أنْ أنْظُرَ إلَيْها، أنّ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَكَرَها، فَوَلَّيْتُها ظَهْرِي، ونَكَصْتُ على عَقِبِي، فَقُلتُ: يا زَيْنَبُ: أرْسَلَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَذْكُرُكِ، قالَتْ: ما أنا بصانِعَةٍ شيئًا حتّى أُوامِرَ رَبِّي، فَقامَتْ إلى مَسْجِدِها، ونَزَلَ القُرْآنُ، وجاءَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَدَخَلَ عَلَيْها بغيرِ إذْنٍ، قالَ، فَقالَ: ولقَدْ رَأَيْتُنا أنّ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أطْعَمَنا الخُبْزَ واللَّحْمَ حِينَ امْتَدَّ النَّهارُ، فَخَرَجَ النّاسُ وبَقِيَ رِجالٌ يَتَحَدَّثُونَ في البَيْتِ بَعْدَ الطَّعامِ، فَخَرَجَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- واتَّبَعْتُهُ، فَجَعَلَ يَتَتَبَّعُ حُجَرَ نِسائِهِ يُسَلِّمُ عليهنَّ، ويَقُلْنَ: يا رَسولَ اللهِ، كيفَ وجَدْتَ أهْلَكَ؟ قالَ: فَما أدْرِي أنا أخْبَرْتُهُ أنّ القَوْمَ قدْ خَرَجُوا، أوْ أخْبَرَنِي، قالَ: فانْطَلَقَ حتّى دَخَلَ البَيْتَ، فَذَهَبْتُ أدْخُلُ معهُ، فألْقى السِّتْرَ بَيْنِي وبيْنَهُ، ونَزَلَ الحِجابُ، قالَ: ووُعِظَ القَوْمُ بما وُعِظُوا بهِ. زادَ ابنُ رافِعٍ في حَديثِهِ: (لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النبيِّ إلّا أنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إلى طَعامٍ غيرَ ناظِرِينَ إناهُ) إلى قَوْلِهِ: (واللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ)[الأحزاب:٥٣]. (رواه مسلم: ١٤٢٨).

 

11- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كُنْتُ عِنْدَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فأتاهُ رَجُلٌ فأخْبَرَهُ أنّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الأنْصارِ، فَقالَ له رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “أنَظَرْتَ إلَيْها؟” قالَ: لا، قالَ: “فاذْهَبْ فانْظُرْ إلَيْها، فإنّ في أعْيُنِ الأنْصارِ شيئًا”(رواه مسلم: ١٤٢٤).

 

12- عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: أتَيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فذَكرتُ لَهُ امرأةً أخطبُها فقالَ: “اذْهب فانظر إليْها فإنّهُ أجدرُ أن يؤدمَ بينَكُما” فأتيتُ امرأةً منَ الأنصارِ فخطبتُها إلى أبويْها وأخبرتُهما بقولِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَكأنّهما كرِها ذلِكَ قالَ” فسمعت ذلِكَ المرأةُ وهيَ في خدرِها فقالت إن كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أمرَكَ أن تنظرَ فانظُر وإلّا فأنشدُكَ كأنّها أعظَمت ذلِكَ قالَ: فنظرتُ إليْها فتَزوَّجتُها فذَكرَ من موافقتِها (رواه ابن ماجه: ١٥٢٤، وصححه الألباني).

 

13- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ذا خطبَ أحدُكمُ المرأةَ فإنِ استطاعَ أن ينظرَ إلى ما يدعوهُ إلى نِكاحِها فليفعل”. قالَ: فخطبتُ جاريةً فَكنتُ أتخبَّأُ لَها حتّى رأيتُ منْها ما دعاني إلى نِكاحِها وتزوُّجِها فتزوَّجتُها”(رواه أبو داود ٢٠٨٢، وحسنه الألباني)

 

 

 

الاثار

1- قال رجل للحسن: قد خطب ابنتي جماعة فمن أزوَّجها؟ قال: ممَّن يتقي الله فإن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها (إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي: 2/41).

 

2- قالت عائشة: النكاح رق، فلينظر أحدكم أين يضع كريمته (إحياء علوم الدين ورواه أبو عمر التوقاني في معاشرة الأهلين موقوفا على عائشة وأسماء ابنتي أبي بكر قال البيهقي وروى ذلك مرفوعا والموقوف أصح: 2-41).

 

القصص

1- جاء في ترجمة سعيد بن المسيب: أن عبد الملك بن مروان خطب ابنته لولده الوليد حين ولاه العهد، فأبي أن يزوجها، قال أبو وداعة: كنت أجالس سعيد بن المسيب ففقدني أيامًا، فلما جئت قال: أين كنت؟، قلت: توفيت أهلي، فاشتغلت بها، قال: فهلا أخبرتنا فشهدناها؟ قال: ثم أردت أن أقوم فقال: هل أحدثت امرأة غيرها؟ فقلت: يرحمك الله، ومن يزوجني وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة؟ فقال: إن أنا فعلت تفعل؟ قلت: عم، فحمد الله تعالى وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وزوجني على درهمين أو على ثلاثة، قال: فقمت وما أدري ما أصنع من الفرح، وصرت إلى منزلي، وجعلت أفكر ممن آخذ وأستدين؟، وصليت المغرب، وكنت صائمًا فقدمت عشائي لأفطر، وكان خبزًا وزيتًا، وإذا بالباب يقرع، فقلت: من هذا؟ فقال: سعيد، ففكرت في كل إنسان اسمه سعيد إلا سعيد بن المسيب، فإنه لم ير منذ أربعين سنة إلا ما بين بيته والمسجد، فقمت وخرجت، وإذا بسعيد بن المسيب، وظننت أنه بدا له فقلت: يا أبا محمد هلا أرسلت إلي فأتيتك؟ قال: لا، أنت أحق في أن تزار، قلت: فما تأمرني؟ قال: رأيتك رجلاً عزبًا قد تزوجت فكرهت أن تبيت الليلة وحدك، وهذه امرأتك، فإذا هي قائمة خلفه في طوله، ثم دفعها في الباب، ورد الباب، فسقطت المرأة من الحياء، فاستوثقت من الباب، ثم صعدت إلى السطح، وناديت الجيران، جاءوني وقالوا: ما شأنك؟ قلت: زوجني سعيد بن المسيب ابنته، وقد جاء بها على غفلة وها هي في الدار، فنزلوا إليها، وبلغ أمي فجاءت، وقالت: وجهي في وجهك حرام إن مسستها قبل أن أصلحها ثلاثة أيام، فأقمت ثلاثًا ثم دخلت بها، فإذا هي من أجمل الناس،ـ وأحفظهم لكتاب الله تعالى، وأعلمهم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعرفهم بحق الزوج، قال: فمكثت شهرًا لا يأتيني ولا آتيه ثم أتيته بعد شهر، وهو في حلقته فسلمت عليه فرد علي، ولم يكملني، حتى انفض من في المسجد، فلما لم يبق غيري، قال: ما حال ذلك الإنسان؟ قلت: على ما يحب الصديق ويكره العدو (من أخلاق العلماء لمحمد بن سليمان) ص (123-125).

 

2- ثابت بن إبراهيم رحمه الله تعالى يمر على بستان من البساتين وكان قد جاع حتى أعياه الجوع فوجد تفاحة ساقطة منه فأكل منها النصف ثم تذكر أنها لا تحل له إذ ليست من حقه، فدخل البستان فوجد رجلاً جالساً فقال: أكلت نصف تفاحة فسامحني فيما أكلت وخذ النصف الآخر فقال الرجل: أما إني لا أملك العفو ولكن أذهب إلي سيدي فالبستان ملك له فقال : أين هو؟ ، قال : بينك وبينه مسيرة يوم وليلة فقال : لأذهبن إليه مهما كان الطريق بعيداً لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « كل لحم نبت من سُحت فالنار أولى به “ (رواه الطبراني في الكبير: 19-136، وهو في صحيح الجامع: 4495)، حتى وصل إلى صاحب البستان فلما دخل عليه وقصَّ عليه القصص قال صاحب البستان: والله لا أسامحك إلا بشرط واحد فقال ثابت : خذ لنفسك ما رضيت من الشروط فقال : تتزوج ابنتي ولكن هي صماء عمياء بكماء مُقعدة فقال ثابت : قبلت خِطبتها وسأتاجر فيها مع ربي ثم أقوم بخدمتها وتم عقد الزواج فدخل ثابت لا يعلم هل يُلقي السلام عليها أم يسكت لكنه آثر إلقاء السلام لترد عليه الملائكة فلما ألقى السلام وجدها ترد السلام عليه بل وقفت وسلمت عليه بيدها فعلم أنها ليست كما قال الأب فسألها فقالت: إن أبي أخبرك بأني عمياء فأنا: عمياء عن الحرام فلا تنظر عيني إلى ما حرم الله صماء من كل ما لا يرضي الله بكماء لأن لساني لا يتحرك إلا بذكر الله مُقعدة لأن قدمي لم تحملني إلي ما يُغضب الله ونظر ثابت إلى وجهها فكأنه القمر ليلة التمام ، ودخل بها وأنجب منها مولوداً ملأ طباق الأرض علماً إنه الفقيه أبو حنيفة النعمان فمن نسل الورع جاء الفقيه (من تختارين؟ ندا أبو أحمد: 1-5).

 

 

متفرقات

1- قال الشيرازي رحمه الله تعالى: “يجوز للمرأة إذا أرادت أن تتزوج برجل أن تنظر إليه؛ لأنه يُعجبها من الرجل ما يُعجب الرجلَ منها، ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: لا تُزوِّجوا بناتِكم من الرجل الدميم؛ فإنه يُعجبُهنَّ منهم ما يُعجبُهم منهنَّ”(المهذب وشرحه المجموع: 15-289).

 

2- قال الفقيه المالكيّ الحطّاب رحمه الله في مسألة نظر المرأة المخطوبة إلى خاطبها: هل يُستحبّ للمرأة نظرُ الرجل؟ لم أرَ فيه نصًّا للمالكية، والظاهر استحبابُه وفاقًا للشافعية [مواهب الجليل بشرح مختصر خليل للحطّاب (3/105).

 

3- قال ابن قدامة: “ولا يجوز له الخَلوة بها؛ لأنها محرَّمة عليه، ولم يَرِدْ الشرع بغير النظر، فبَقيَت على التحريم، ولأنه لا يؤمَن مع الخَلوة مواقعةُ المحظور، فإن النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “لا يَخلُوَنَّ رجلٌ بامرأة؛ فإن ثالثَهما الشيطانُ”(المغني: 6-553).

 

4- يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي: ومما ذكرناه يظهر جليًّا أن ما اعتاده أكثر الناس أو بعضهم من موافقته على خَلوة الخاطب بابنتهم المخطوبة وموافقتهم على خروجهما سويًّا إلى الأسواق وغيرها بحجة أنهما خطيبان، هذا الاعتياد باطل ولا قيمة له ولا يغيِّر حكمَ الشرع في تحريم الخَلوة بينهما؛ لأنهما لا يزالان أجنبيَّين، لأن الخطبة وعد بالزواج وليست عقدًا للزواج، ولأن تعامل الناس أو اعتيادهم شيئًا ما إنما يكون مقبولًا إذا لم يخالف الشرع، فإذا خالفه كان باطلًا ولا اعتبار له ولا يجوز الأخذ به، قال الإمام السَّرخَسيّ بشأن تعامل الناس المخالف للشرع: لأن التعامل بخلاف النص لا يعتبَر، وإنما يعتبَر ما لا نَصَّ فيه [المبسوط للإمام السَّرخَسيّ (10/146)] وحيث إن النص الشرعيّ وهو حديث رسول الله جاء بتحريم الخَلوة بين الرجل والأجنبية منه، وأن المخطوبة تَبقَى أجنبية من خاطبها، فلا تجوز الخَلوة بينهما إلا إذا كان معها أحد من محارمها.

 

وإذا أراد الخاطب لقاء مخطوبته فيمكن أن يكون بحضور أهلها وأحد من أوليائها. وإذا تعذر على الخاطب أن يرى من يريد خطبتها فله أن يرسل امرأة ثقة أمينة لتنظر إليها وتخبره بما تراه منها من محاسنَ ومعايبَ، فقد روى الإمام البيهقيّ عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أراد أن يتزوج امرأة فبعث بامرأة تنظر إليها، وقال لها: «شمِّي عوارضها، وانظري إلى عُرقُوبَيها”.

 

وقال البيهقيّ بعد أن روى هذا الحديث: كذا رواه شيخنا في المستدرك وأبو داود في المراسيل رواه البيهقيّ في السنن الكبرى (13501) والحاكم في المستدرك (2/166) وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبيّ. والمقصود بعارضها جانبُ الوجه وصفحةُ الخد [انظر المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم (6/58 ـ 73)، فتاوى النساء للشيخ الشعراوي (1/360).

 

5- قال النووي: “ قال أصحابنا: يستحب أن يكون نظره إليها قبل الخطبة حتى إن كرهها تركها من غير إيذاء بخلاف ما إذا تركها بعد الخطبة”(شرح مسلم للنووي: ج5-180).

 

6- قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : لا ترسل صورتها بالشبكة؛ لأنه قد يشاركه غيره في النظر إليها لأنه قد يشاركه غيره في النظر إليها، ولأن الصورة لا تحكي الحقيقة تماماً، فكم من صورة رآها الإنسان فإذا شاهد المصوَّر وجده مختلفاً، وربما تبقى الصورة عند الخاطب ويعدل عن الخطبة، فقد يلعب بها كما شاء”().

 

7- قال الإمام أحمد: “إذا خطب رجل امرأة سال عن جمالها أولا، فإنّ حمد سأل عن دينها، فإنّ حمد تزوّج، وإن لم يحمد يكون ردًا لأجل الدين، ولا يسأل أولا عن دينها، فإن حمد سأل عن الجمال، وإن لم يحمد ردّها للجمال لا للدين”(الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد: 18).

 

8- سئل العلامة ابن باز رحمه الله: هل يجوز للأخ المسلم عند خطبته لفتاة مسلمة أن يجلس معها ليعلمها القرآن، ويتعرف على أخلاقها قبل العقد بها، والارتباط بها ؟

 

فأجاب:

 

له أن ينظر إليها فقط، أما يجلس معها، ويخلو بها ليس له ذلك، لا للقرآن، ولا لغيره، لكن ينظر إليها بحضرة أبيها، أو أخيها، أو غيرهم، لا يخلو بها، وينظر إليها؛ لعل الله يأدم بينهما؛ لعلها توافقه، ثم بعد هذا يعقد عليها إذا ناسبته، أما أنه يخلو بها، أو يجلس معها للتعليم، فالشيطان لا يؤمن أن ينزغ بينهما.

 

فسئل: مرة، أو مرات؟

 

فأجاب: النظرة الواحدة الكافية، وإذا مكثت ما رآها النظر الكافي، لا بأس أن ينظر مرة أخرى؛ ليتحقق عنها ما يريد (موقع ابن باز).

 

9- سئل العلامة ابن باز رحمه الله عن: دبلة الخطوبة؟ 

 

فأجاب:

الدبلة ما لها أصل، غلط، ولا وجه لها، هذه تلقوها عن مشابهة أعداء الله، الشبكة يسمونها الشبكة، هذه ما لها أصل (موقع ابن باز).

 

10- سئل العلامة ابن باز رحمه الله: ما المسموح به بأن يراه الخطيبُ من خطيبته عند طلبه رؤيته؟

 

فأجاب:

في هذا خلافٌ بين أهل العلم، والأحوط في هذا أنه يكفي الوجه والكفَّان والقدمان، وإن رأى الشعر فلا بأس، لا نرى مانعًا؛ لأنَّ الشعر قد يظهر للمحارم وغير المحارم من الزوج، المقصود أنَّ هذا لا بأس به، لكن إذا اكتفت بوجهها وكفّيها وقدميها فلا بأس، ولو رأى من الشعر فلا حرج؛ لأنه قد يظهر في بعض الأحيان (موقع ابن باز).

 

11- سئل العلامة ابن باز رحمه الله: أريد منكم أن توجهوا كلمة للأم إذا جاءت لتأخذ رأي ابنتها للمتقدم، كيف توضح ذلك، نريد التوجيه من فضيلتكم، وفقكم الله؟ 

 

فأجاب:

يشرع للأم ولغير الأم كالأب والأخ عندما يستشير ابنته أو أخته في الزواج يقول لها: خطبك فلان، وصفته كذا وكذا، فلان بن فلان، من أسرة صفتها كذا وكذا، يشرح لها حالة الرجل وأسرته، وأنهم أناس معروفون بالديانة والخير، وحالهم من جهة الدنيا أيضاً لا بأس، وينصح لها بما يرى من قبول الخطبة وعدم ذلك، يعني: هو مؤتمن، فالواجب أن يبين لها الحقيقة، ولا يلبس عليها الأمر، فلا يقول: أنه طيب وهو ليس بطيب، ولا يقول: إنه جميل وهو ليس بجميل، ولا يقول: إنه بصير وهو أعمى، يبين لها الحقيقة على ما هي عليه، ويشرح لها الواقع كما هو، وينصح لها في أخذه أو عدم أخذه، هذا هو الواجب على الأم والجدة والأخت والخالة والأب والعم والأخ، كل واحد من هؤلاء إذا أراد يبين لموليته أو لمن له بها صلة يبين الحقيقة على الوجه الذي علمه من الخاطب، وإن تيسر أن يراها وتراه فهو أفضل؛ حتى لا تبقى شبهة ولا تبقى ريبة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل؛ فإن ذلك أقرب إلى أن يؤدم بينهما يعني: أقرب إلى أن يتفقا، ويحصل بينهما الوئام، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أخبره رجل أنه خطب من بني فلان، فقال: هل نظرت إليها؟ قال: لا، قال: اذهب فانظر إليها.

فالمقصود: أن الأفضل أن ينظر إليها وتنظر إليه إذا تيسر ذلك، ولكن يكون بدون خلوة، بأن يكون معهما أحد، إما أمها أو أختها الكبيرة أو أبوها أو عمها أو أخوها أو ما أشبه ذلك، لا يخلو الخاطب بالمخطوبة، ينظر إليها لكن بحضور من تزول معه الخلوة، ويؤمن معه ما يخاف منه من الخلوة. نعم. (موقع ابن باز).

 

12- سئل العلامة ابن باز رحمه الله:

 

أنا شاب وولي أمر فتاة -إن شاء الله- أنها صالحة، ومشكلتي: أن هذه الفتاة أختي، ولكن تقدم لخطبتها شاب صالح، ويحفظ القرآن، وأعرفه بحسن الخلق، وهي تريد هذا الشاب، بل أخبرتني أنها تحبه في الله، لكن هذا الشاب من عائلة أقل من عائلتنا في النسب، ماذا أعمل؟ فإن أختي تقول: لن أتزوج غيره، وأبناء عمها يهددون، ويقولون: لا تزوجوها، ماذا أعمل؟ وما الطريق، هل أزوجها هذا الشاب الصالح، وأدفع أبناء عمها؟

 

فأجاب:

الواجب على الأولياء أن ينظروا لمولاتهم من هو أصلح لها في دينها ودنياها، ولو كان من غير قبيلتهم، بل عليهم أن ينظروا الأصلح، ولو كان من أي قبيلة، إذا صلح دينه، واستقام أمره، فإذا لم يستقيموا على ذلك، ووجدوا لها من هو يناسبها؛ فعليها أن تجتهد في موافقتهم إذا كان مستقيمًا أيضًا، ولا بأس به، وإن تنازلت عن بعض هواها؛ لمراعاة أقاربها، وأوليائها، ولسد باب الشر، والقضاء على أسباب الفرقة، والاختلاف؛ فإن تنازلها عن بعض الشيء ما دام المتنازل له لا بأس به في دينه، وإن كان دون ما أرادت في نفسها، لكنه في نفسه طيب، وفي نفسه صالح في دينه، وهو من قبيلتها، أو من قبيلة يرضاها أولياؤها؛ فهذا أولى من النزاع في الشقاق.

 

فإذا اشتد الأمور فلم تتنازل هي، ولم يتنازل هم، رجع الأمر إلى المحكمة، وفي المحكمة الكفاية -إن شاء الله- تنظر في الأمر، وعندها الشرع المطهر، كافي في كل شيء، سبحان الذي أنزله، لكن إذا تنازل الأولياء، والتمسوا لها من هو أصلح، وتركوا تعصبهم لواحد معين، ولو كان ابن عم قريب، ما هو بلازم ابن عمه القريب، ولا هو بلازم من قبيلتها، العرب كلهم بعضهم لبعض أكفاء، وأهل الدين أكفاء، وإن كانوا ليسوا من العرب، لو زوجوها مولًى، أو عتيقًا من العتقاء، أو أعجميًا من العجم؛ فلا بأس، يقول الله -جل وعلا-: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13].

 

ليس شرطًا أن القحطانية ما تأخذ إلا قحطاني، والسبيعية ما تأخذ إلا سبيعي، والهاشمية ما تأخذ إلا هاشمي، ليس من شرط هذا، النبي صلى الله عليه وسلم زوج زينب بنت جحش أسدية أمها عمة النبي صلى الله عليه وسلم من بني هاشم، زوجها مولًى عتيقًا زيد بن حارثة، عتيق مولى، وزوج فاطمة بنت قيس قرشية من قريش، زوجها ابنه أسامة بن زيد، وهو مولى عتيق أيضًا، وبلال تزوج من زهرية من بني زهرة من قريشن وهو عتيق من الحبشة.

 

فالمقصود: أن هذه الأمور انطلت على كثير من الناس في العرب، وآثروها على الحق والهدى؛ فغلطوا في ذلك، فالواجب على الأولياء أن يعنوا بالأمر الشرعي، وأن يجاهدوا الشر في ذلك، فإذا غلبت .. وخافوا من شر بينهم؛ فيلتمسوا لها من يناسبها، ولو من قبيلة أخرى، لا يلزموها بشيء ما ترضاه، ما هو بلزوم بابن عمها، لا يجوز يجبروها على ابن عمها أبدًا، ولا ابن خالها، يلتمس لها من بقية القبائل، والناس الآخرين من العرب، وإن كانوا بعيدين إذا لم يرضوا بتزويجها من غير العرب، يلتمس لها من العرب، وإن زوجوها من غير العرب، من الأعاجم، من الموالي من ذوي الدين، والتقوى؛ فلا بأس، ولا حرج، والحمد لله.

 

قد سبقهم في هذا الأخيار من هذه الأمة، وسبقهم إلى هذا الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فالأمر في هذا واسع يقول الله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا [الحجرات:13]، ثم قال بعدها إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13] ما قال: إن أكرمكم عند الله بنو هاشم، أو قريش، أو بنو تميم، أو بنو فلان لا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ[الحجرات:13] أتقاكم وإن كان أعجميًا، وإن كان مولى قد أعتقه فلان، أو فلان، هو الأكرم عند الله، وإن كان الذي ليس بتقي قرشيًا هاشميًا فلا قيمة له عند الله، هذا أبو لهب قرشي هاشمي من أهل النار، وأبو طالب كذلك، وأبو جهل كذلك، كلهم قرشيون، ومع ذلك صاروا إلى النار لأعمالهم الخبيثة.

 

ثم أمر آخر: وهو أن التعصب بين القبيلة لفلان، أو فلان، يضرون به بنتهم، ويضرون به مولاتهم، هذا ظلم لا يجوز لهم، بل إذا كرهته البنت لا يحجرون عليها، ولا يعطلونها، بدل ابن عمها غيره العرب كثيرون، وغير العرب كثيرين، فإذا خطبها كفء، ولو من غير قبيلتهم، ولو من غير بني عمهم؛زوجوا، العرب كثيرون، وإذا أبوا أن يزوجوا مولى، أو عبدًا منهم يزوجوا من العرب، العرب كثيرون يلتمسوا لها الأخ الطيب، وإذا خطبها الطيب في نفسه، وفي دينه، ولو كان بعيدًا منهم؛ فليزوجوه والحمد لله، ولا يجبرونها على من لا ترضاه من ابن عم، أو ابن خال، أو شيخ كبير لا ترضاه، وهي شابة.

 

الواجب: أن يراعى أمرها، وأن تراعى رغبتها، لا في الفاسدين، لكن في الصالحين، أما أنها تجبر لأجل شهوة وليها؛ لأن وليها هذا نسيبه آخذ بنته، أو آخذ أخته، يجبروها على والد نسيبه، أو أخت نسيبه، أو أخو زوجته .. هذا غلط، هذا ظلم، أو يجبروها على شيخ كبير؛ لأنه يزوجه بنته، أو يزوجه بنته شغارًا، زوجني، وأزوجك، يجبر بنته حتى الذي يزوجه يزوجه بنته، أو أخته، هذا ظلم أيضًا، النبي نهى عن الشغار، وحذر من الشغار -عليه الصلاة والسلام- ولا يجوز أنه يزوج شغارًا يقول: أعطني بنتك، وأعطك بنتي، أعطني أختك، وأعطك أختي، أو أعطني ولدك، وتعطي ولدي، هذا منكر، لا يجوز هذا، ولا يحل. 

 

الواجب على المؤمنين أن يتباعدوا عن هذا الشيء، وأن يزوجوه من غير إجبار للبنات، ولو كانت بنتك لا تجبرها، زوجها من ترضى من الأخيار الطيبين، وليس لك أن تجبرها إذا أبت لا تزوجها حتى يأتيها من ترضاه من المسلمين، ولو جلست إلى أن تشيب، لا يضرك ذلك مادام لم تجبرها فأنت في سلامة، أما أن تجبرها، وتضرها، فلا يجوز لك أبدًا، الحاجة لها. (موقع ابن باز).

 

الإحالات

1- خطبة النساء في الشريعة الإسلامية والتشريعات العربية للمسلمين وغير المسلمين؛ لعبد الناصر توفيق العطار.

 

2- فقه النساء في الخطبة والزواج؛ لمحمد رأفت عثمان.