حسد

2022-10-12 - 1444/03/16

التعريف

الحسد لغة:

قال في لسان العرب: الحسد معروف، حسده يَحْسِدُه ويَحْسُدُه حسداً وحسَّده إذا تمنى أن تتحول إليه نعمته وفضيلته أو يسلبهما هو، وقال: الحسد أن يرى الرجل لأخيه نعمة فيتمنى أن تزول عنه وتكون له دونه. والغَبْطُ: أن يتمنى أن يكون له مثلها ولا يتمنى زوالها عنه [لسان العرب لابن منظور 3/148-149] .

 

واصطلاحاً:

هو تمني زوال نعمة المحسود وإن لم يَصِرْ للحاسد مثلها. أو تمني عدم حصول النعمة للغير [فتاوى الشيخ ابن جبرين (2/69) ] .

العناصر

1- معنى الحسد .

2- ذم الحسد والتحذير منه .

3- الفرق بين الحسد و الحقد و العين .

4- الفرق بين الحسد و الغبطة .

5- أسباب الحسد .

6- مظاهر الحسد .

7- علامات المحسود .

8- أنواع الحسد .

9 - عواقب الحسد .

10- علاج الحسد.

الايات

1- قال الله تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) [النساء:54] .

 

2- قوله تعالى: (وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ) [النساء:32] .

 

3- قوله تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة: 109] .

 

4- قوله تعالى : (وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا) [الحشر: 9] .

 

5- قوله تعالى: (قل أعوذ برب الفلق * من شر ما خلق * ومن شر غاسق إذا وقب * ومن شر النفاثات في العقد * ومن شر حاسد إذا حسد) [ سورة الفلق ] .

 

6- قوله تعالى : (لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [ يوسف : 5] .

 

7- قوله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 58] .

 

8- قوله تعالى : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى مَا مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى) [سورة طه: 131] .

الاحاديث

1- عن الزبير بن العوام - رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «دَبَّ إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبعضاء وهي الحالقة. أما إني لا أقول إنها تحلق الشعر ولكنها تحلق الدين» [قال الألباني حديث حسن. "تخريج مشكلة الفقر" (20/ التحقيق الثاني) ] .

 

2- عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل علمه الله القرآن، فهو يتلوه آناء الليل، وآناء النهار، فسمعه جار له، فقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل، ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحق، فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل» [صحيح البخاري (5026) ] .

 

3- عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله، ولا يحقره التقوى هاهنا» ويشير إلى صدره ثلاث مرات «بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه» [صحيح مسلم (2564) ] .

 

4- عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يؤمن أحدكم، حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» [صحيح البخاري (13) ] .

 

5- عن النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» [صحيح مسلم (65) ] .

 

6- عن عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: كان إذا اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم رقاه جبريل، قال: «باسم الله يبريك، ومن كل داء يشفيك، ومن شر حاسد إذا حسد، وشر كل ذي عين» [صحيح مسلم (39) ] .

 

7- عن أبي هريرة، قال: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أشتكي - قال عبد الرحمن في حديثه: يعودني - فقال: «ألا أعلمك؟»، قال عبد الرحمن: «ألا أرقيك برقية رقاني بها جبريل عليه السلام؟» قلت: بلى بأبي وأمي، قال: « بسم الله أرقيك، والله يشفيك من كل داء يؤذيك، ومن شر النفاثات في العقد، ومن شر حاسد إذا حسد »، وقال عبد الرحمن: من كل داء فيك [مسند أحمد (9757) وقال شعيب الأرناؤوط صحيح لغيره] .

 

8- عن عبد الله بن عمرو، قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أفضل؟ قال: «كل مخموم القلب، صدوق اللسان» ، قالوا: صدوق اللسان، نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: «هو التقي النقي، لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غل، ولا حسد» [سنن ابن ماجة (4216) وقال الألباني صحيح] .

الاثار

1- قال ابن الزبير: ما حسدت أحداً على شيء من أمر الدنيا، إن كان من أهل الجنة فكيف أحسده على الدنيا وهي حقيرة في الجنة؟! وإن كان من أهل النار فكيف أحسده على أمر الدنيا وهو يصير إلى النار؟![فتاوى الشيخ ابن جبرين (4/69) ] . 2- قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: يكفيك من الحاسد أنه يغتمَّ وقت سرورك [مجمع الأمثال للميداني] . 3- قال معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: كل الناس أرضيته إلا حاسد نعمة؛ فإنه لا يرضيه إلا زوالها [بهجة المجالس وأنس المجالس لابن عبد البر] . 4- قال أنس بن مالك رضي الله عنه: إن الحسد ليطفئ نور الحسنات، والبغي يصدق ذلك أو يكذِّبه؛ فإذا حسدتم فلا تبغوا [مجمع الزوائد للهيثمي] . 5- قال الفضيل بن عياض: [المؤمن يغبط، ولا يحسد، والمنافق يحسد، ولا يغبط [سير أعلام النبلاء] . 6- قيل للحسن: يا أبا سعيد هل يحسد المؤمن؟ قال: ما أنساك ببني يعقوب؟ لا أبا لك! حيث حسدوا يوسف، ولكن غُمَّ الحسد في صدرك؛ فإنه لا يضرك ما لم يعْدُ لسانك، وتعمل به يدك [روضة العقلاء لابن حبان البسيتي] . 7- عن أبي حازم الديني قال: ليس للملوك صديق، ولا للحسود راحةٌ، والنظر في العواقب تلقيح العقول [تهذيب الكمال للمزي] .

القصص

1- قال أبو ضمرة الليثي: حج هشام بن عبد الملك في سالم بن عبد الله، فأعجبته سحنته، فقال: أي شيء تأكل؟ فقال: الخبز والزيت، قال: فإذا لم تشتهه؟ قال: أخمره حتى أشتهيه. فعانه هشام، فمرض ومات، فشهده هشام وأجفل الناس في جنازته فرآهم هشام فقال: إن أهل المدينة لكثير، فضرب عليهم بعثا أخرج فيه جماعة منهم، فلم يرجع منهم أحد. فتشاءم به أهل المدينة، فقالوا: عان فقيهنا، وعان أهل بلدنا.

 

2- عن يحيى بن معين قال: ولي عليُّ بن مسهر القرشي قضاء أرمينية، فلما سار إليها، اشتكى عينه، فجعل يختلف إليه متطبب. فقال القاضي الذي كان بأرمينية: أكحله بشيء يذهب عينه حتى أعطيك كذا وكذا، فكحله بشيء، فذهبت عينه فرجع إلى الكوفة أعمى.

 

3- روى أبو نعيم، عن أبيه، عن خاله، أن النباجي كان مجاب الدعوة، وله آيات وكرامات، كان في سفر، فأصاب رجل عائن ناقته بالعين، فجاءه النباجي، ودعا عليه بألفاظ، فخرجت حدقتا العائن، ونشطت الناقة.

الاشعار

1- رحم الله من قال:

وإذا أراد الله نشر فضيلةٍ *** طويت أتاح لها لسان حسود

لولا اشتعال النار في جزل العصا *** ما كان يُعرف طيب ريح العود

لولا التخوُّف للعواقب لم يزل *** للحاسد النُّعمى على المحسود

[المنتخب من الشعر والبيان ص 156] .

 

2- رحم الله من قال:

كُـلُّ الْعَـدَاوَةِ قَدْ تُرْجَى إِفَاقَتُهَـا *** إِلا عَـدَاوَةَ مَنْ عَـادَاكَ مِـنْ حَسَدِ

 

3- قال الطغرائي:

وَرِضَـا الْحَسُودِ زَوالُ نِعْمَتِكَ الَّتِي *** أُوتِيتَهَـا مِـنْ طَـارِفٍأَوْ تَـالِـدِ

فَأصْبِرْ عَلَى غَيْظِ الْحَسُـودِ فَنَـارُهُ *** تَرْمِـي حَشَـاهُ بِالْعَـذَابِ الْخَالِـدِ

أَوْ مَـا رَأْيَتَ النَّـارَ تَأْكُـلُ نَفْسَهَا *** حَتَّـى تَعُـودَ إِلَى الـرَّمَـادِ الْهَامِدِ

 

4- أبو الأسود الدؤلي:

حَسَـدُوا الْفَتَى إِذْ لَمْ يَنَـالُوا سَعْيَهُ *** فَالـنَّـاسُ أَعْـدَاءٌ لَـهُ وَخُـصُـومُ

كَضَـرَائِـرِ الْحَسْنَاءِ قُلْنَ لَوَجْهِهَا *** حَسَـدًا وَبَـغْـيًـا إِنَّـهُ لَدَمِـيـمُ

 

5- قال حبيب الطائي:

وَإِذَا أَرَادَ اللهُ نَشْـرَ فَـضِـيـلَـةٍ *** طُـوِيتْ أَتَـاحَ لَهَا لِسَـانَ حَسُودِ

لولااشْتِعَـالُ النَّارِ فِيمَا جَاوَزَتْ *** مَا كَـانَ يُعْـرَفُ طِيبُ عَرْفِ الْعُودِ

 

6- قال المتنبي:

وَأَظْلَـمُ أَهْلِ الظُّلْمِ مَنْ بَاتَ حَاسِدًا *** لِمَـنْ بَـاتَ فِي نَعْمَـائِهِ يَتَقَلَّـبُ

 

7- قال منصور الفقيه:

ألا قُـلْ لِمَـنْ ظَـلَّ لِي حَاسِـدًا *** أَتَدْرِي عَلَـى مَـنْ أَسَـأْتَ الأَدَبْ؟

أَسَـأْتَ عَلَـى اللهِ فِـي حُكْمِـهِ *** إِذَا أَنْـتَ لَمْ تَـرْضَ لِي مَا وَهَـبْ

 

8- قال البحتري:

إِيَّاكَ أَنْ تَطْمَـعَ فِـي حَـاسِـدٍ *** فِـي كُـلِّ مَـا يُـبْـدِيهِ مِـنْ وُدِّهِ

فَـإِنَّـهُ يَنْقُـضُ فِـي سُـرْعَـةٍ *** جَمِيـعَ مَـا يُـبْـرَمُ مِـنْ عَقْـدِهِ

الدراسات

متفرقات

1- قال ابن الجوزي: الإنسان مجبول على حب الترفع على جنسه؛ وإنما يتوجه الذم إلى من عمل بمقتضى التسخط على القدر، أو ينتصب لذم المحسود قال: وينبغي أن يكره ذلك من نفسه [المستدرك على مجموع فتاوى شيخ الإسلام155] .

 

2- قال الإمام الشَّافِعِي رحمه الله: إن الحسد إنما يكون من لؤم العنصر. [تفسير الإمام الشافعي1470] .

 

3- عن الأصمعي أنه قال: الحسد داء منصف، يعمل في الحاسد أكثر مما يعمل في المحسود. يعني: أن الحاسد إذا رأى أخاه في نعمة وصحة ورفاهية حسده وقام بقلبه حقد وبغض له، فهو كلما رآه في هذه النعمة اغتاظ لذلك، فيبقى دائماً مهموم القلب حزيناً، يتمنى ما لا يقدر عليه من إزالة تلك النعم، فهو يتقلب على فراشه من الغيظ، مع أن المحسود لا يشعر بألم، بل هو قرير العين مسرور لم يصل إليه في الغالب شيء من الضرر الذي في قلب الحاسد، وإن وصل إليه فإنه لا يتأثر به إلا قليلاً [فتاوى الشيخ ابن جبرين (4/69) ] .

 

4- قال الشيخ ابن جبرين: أما الحسد: فهو خلق ذميم، ومعناه تمني زوال النعمة عن المحسود، والسعي في إضراره حسب الإمكان وهو الخلق الذي ذم الله به اليهود بقوله تعالى: (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم) [البقرة:109] .

 

أي أنهم يسعون في التشكيك وإيقاع الريب، وإلقاء الشبهات حتى يحصلوا على ما يريدونه من صد المسلمين عن الإسلام، ولا شك أن الحسد داء دفين في النفس، وتأثيره على الحاسد أبلغ من تأثيره على المحسود، حيث إن الحاسد دائماً معذب القلب، كلما رأى المحسود وما هو فيه من النعمة والرفاهية تألم لها، فلذلك يقال: أصبر على كيد الحسود إن صبرك قاتله النار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله وقال بعض السلف: الحسد داء منصف، يعمل في الحاسد أكثر مما يعمل في المحسود [فتاوى الشيخ ابن جبرين (4/69) ] .

 

5- قال ابن القيم: العاين والحاسد يشتركان في شيء، ويفترقان في شيء، فيشتركان في أن كلاً منهما تتكيف نفسه، وتتوجه نحو من يريد أذاه، فالعائن، تتكيف نفسه عند مقابلة المعين ومعاينته، والحاسد: يحصل له ذلك عند غيبة المحسود وحضوره، ويفترقان في أن العائن قد يصيب من لا يحسده: من جماد، أو حيوان، أو زرع أو مال، وإن كان لا يكاد ينفك من حسد صاحبه، وربما أصابت عينه نفسه، فإن رؤيته للشيء رؤية تعجب وتحديق، فمع تكيف نفسه بتلك الكيفية تؤثر في المعين [بدائع الفوائد (2/231) ] .

 

6- ذكر ابن سليمان في الموارد أن الحسد خمس:

المرتبة الأولى: أن يتمنى زوال النعمة عن الغير، ويسعى في الوسائل المحرمة لإزالتها بكل ما يستطيع، وهي الغاية في الخبث والنذالة، وهما الغالب في الحساد، خصوصاً المتزاحمين في صفة واحدة، كالتجار والعمال، وأهل الوظائف الحكومية، فمتى ربح أخوه ربحاً كثيراً أو حصل له لذة مما يتمناه، أو حصل على عمل أو منصب أرفع من غيره، فإن الحاسد يعمل في الإساءة إليه، ويسعى في حرمانه، ويلصق به العيوب، ويولد عليه الأكاذيب، ليزيحه عن ذلك العمل، وينصب نفسه مكانه.

المرتبة الثانية: أن يتمنى زوال تلك النعمة، ويحب ذلك، وإن كان لا يريدها لنفسه، ولا يطمع فيها، لكن من باب الحقد على أخيه والبغض له. 

المرتبة الثالثة: أن يجد من نفسه الرغبة في زوال النعمة عن المحسود، سواء انتقلت إليه أو إلى غيره، ولكنه لا يعمل شيئاً في إزالتها إلا أنه في جهاد مع نفسه، وكفها عما يؤذي أخاه، خوفاً من الله تعالى، وكراهة لظلم عباد الله، فهذا قد كفي شر غائلة الحسد، ودفع عن نفسه العقوبة الأخروية، ولكن ينبغي له أن يعالج نفسه عن هذا الوباء الذي هو بغض النعمة، ومحبة زوالها عن أخيه المسلم [فتاوى الشيخ ابن جبرين (4/69) ] .

المرتبة الرابعة: أن يتمنى زوال النعمة عن غيره بغضاً لذلك الشخص، لسبب شرعي، كأن يكون ظالماً يستعين على ظلمه بذلك المنصب، أو ذلك الجاه والمال، فيتمنى زوالها ليريح الناس من شره، وكالفاسق الذي يستعين بالمال أو المنصب على فسقه وفجوره، فتمني زوال ذلك والسعي فيه لا إثم فيه، بل قد يكون مثاباً إذا عمل على إراحة المسلمين من الشر والعسف، والظلم والتجبر الذي يتسلط به ذلك الظالم بسبب منصبه أو جاهه.

المرتبة الخامسة: أن يتمنى لنفسه مثلها، ولا يحب زوالها عن أخيه، ولا يسعى في ذلك، سواء كانت تلك النعمة من مباح متاع الدنيا كالمال والجاه، أو من النعم الدينية كالعلم الشرعي، والعبادة الدينية، وقد ثبت في الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل أتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها"، وهذا لا يسمى حسداً إلا من حيث الظاهر، وإلا فهو غبطة ومنافسة، ومحبة للحصول على الخير الدنيوي، والأجر الأخروي، فهو يحب أن يكون مثل أخيه، ويغبطه بذلك، وله مثل أجره على حسن نيته وقصده

 

7- ذكر ابن القيم أن شر الحاسد يندفع عن المحسود بعشرة أسباب: أحدها: التعوذ بالله من شره، والتحصن به واللجوء إليه. الثاني: تقوى الله وحفظه عند أمره ونهيه، فمن اتقى الله حفظه ولم يكله إلى غيره. الثالث: الصبر على عدوه، فلا يقاتله ولا يشتكيه، ولا يحدث نفسه بأذاه، فما نصر على حاسده بمثل الصبر، والتوكل على الله، ولا يستطيل الإمهال له، وتأخير الانتقام منه. 

الرابع: التوكل على الله، فمن توكل على الله فهو حسبه، فالتوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم، فمن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوه ولا يضره. الخامس: فراغ القلب من الاشتغال به، والفكر فيه، فيمحوه من باله، ولا يلتفت إليه، ولا يخافه، ولا يشغل قلبه بالفكر فيه، فمتى صان روحه عن الفكر فيه، والتعلق به، فإن خطر بباله بادله إلى محو ذلك الخاطر، والاشتغال بما هو أنفع له، بقي الحاسد يأكل بعضه بعضاً.

السادس: الإقبال على الله، والإخلاص له، وجعل محبته ورضاه والإنابة إليه في محل خواطر نفسه وأمانيها، بحيث تبقى خواطره وهواجسه كلها في محاب الله، والتقرب إليه، فيشغل بذلك عن الحاسد وحسده، ويكون قلبه معموراً بذكر ربه والثناء عليه، غير متشاغل بغيره.

السابع: تحريه التوبة من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه، فما سلط على العبد أحد إلا بذنبه، فعليه المبادرة إلى التوبة والاستغفار، فما نزل بالعبد بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة.

الثامن: الصدقة والإحسان مهما أمكن فإن لذلك تأثيراً عجيباً في دفع البلاء، وشر الحاسد، فلا يكاد الأذى والحسد يتسلط على متصدق، فإن أصابه شيء كان معاملاً باللطف والمعونة والتأييد. التاسع: إطفاء نار الحاسد والباغي والظالم بالإحسان إليه، فكلما ازداد أذاه وشره وبغيه، ازددت إليه إحساناً وله نصيحة، وعليه شفقة لقوله تعالى: ((ادفع بالتي هي أحسن السيئة)) (المؤمنون:96) .

العاشر: تجريد التوحيد لله تعالى، والترحل بالفكر في الأسباب إلى المسبب العزيز الحكيم، والعلم بأنها بيد الله تعالى، فهو الذي يعرفها عنه وحده إلى آخر كلامه، [بدائع الفوائد (2/239) ] .

 

8- قال الشيخ ابن جبرين: يمكن أن يلخص علاجه أي الحسد - في أمرين: العلم والعمل: أما العلم: ففيه مقامان: إجمال، وهو أن يعلم أن الكل بقضاء الله وقدره، وأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأن رزق الله لا يجره حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره. وتفصيل: وهو العلم بأن الحسد قذى في عين الإيمان، حيث كره حكم الله وقسمته في عباده، فهو غش للإخوان، وعذاب أليم، وحزن مقيم، ومورث للوسواس، ومكدر للحواس، ولا ضرر على المحسود في دنياه، لأن النعمة لا تزول عنه بحسدك، ولا في دينه، بل ينتفع به، لأنه مظلوم من جهتك، فيثيبه الله على ذلك، وقد ينتفع في دنياه أيضاً من جهة أنك عدوه، ولا يزال يزيد غمومك وأحزانك، إلى أن يقضي بك إلى الدنف والتلف، قال الشاعر:

اصبر على مضض الحسود فإن صبرك قاتله

النار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله

وقد يستدل بحسد الحاسد على كونه مخصوصاً من الله تعالى بمزيد الفضائل، قال الشاعر: لا مات أعداؤك بل خلدوا وحتى يروا منك الذي يكمد لا زلت محسوداً على نعمة فإنما الكامل من يحسد والحاسد مذموم بين الخلائق، ملعون عند الخالق، مشكور عند إبليس وأصدقائه، مدحور عند الخالق وأوليائه، فهل هو إلا كمن رمى حجراً إلى عدو ليصيب به مقتله، فرجع حجره إليه فقلع حدقته اليمنى، فغضب فرماه ثانياً فرجع ففقأ عينه الأخرى، فازداد غيظه فرماه ثالثاً فرجع إلى نفسه فشدخ رأسه، وعدوه سالم، وأعداؤه حواليه يفرحون ويضحكون: (ولعذاب الآخرة أشد وأبقى) [طه:127] .

وأما العمل: فهو أن يأتي بالأفعال المضادة لمقتضيات الحسد، فإن بعثه الحسد على القدح فيه كلف لسانه المدح له، وإن حمله على التكبر عليه كلف نفسه التواضع له، وإن حمله على قطع أسباب الخير سعى في إيصال الخير إليه، حتى يصير المحسود محبوباً محباً له، على حد قوله تعالى: (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) [فصلت:34] .

فذلك التكلف يصير في النهاية طبعاً.[فتاوى الشيخ ابن جبرين (12/69) ] .

9- قال القرطبي: ويقال‏:‏ الحسد أول ذنب عصي الله به في السماء، وأول ذنب عصي به في الأرض؛ فأما في السماء فحسد إبليس لآدم، وأما في الأرض فحسد قابيل لهابيل‏ [تفسير القرطبي].

10- قال النووي: وَهُوَ تمني زوالُ النعمة عن صاحبها، سواءٌ كَانَتْ نعمة دينٍ أَوْ دنيا [شرح صحيح مسلم] .

التحليلات

الإحالات

1- الآداب - البيهقي تحقيق عبد القدوس نذير ص 60 مكتبة الرياض الطبعة الأولى 1407 .

2- آفات اللسان - إبراهيم المشوخي ص 126 مكتبة المنار .

3- الأخلاق الإسلامية - عبد الرحمن الميداني 1/726 دار القلم الطبعة الأولى 1399 .

4- إصلاح المجتمع البيحاني ص 102 مكتبة أسامة بن زيد الطبعة الثانية 1392 .

5- بدائع الفوائد - ابن القيم 2/229 دار الفكر .

6- بهجة المجالس وأنس المجالس - ابن عبد البر تحقيق محمد الخولي 2/406 دار الكتب العلمية .

7- تنبية الغافلين عن أعمال الجاهلين - ابن النحاس ص 168 الطبعة الثالثة 1407 .

8- جامع الأصول - ابن الأثير 3/624 الرئاسة العامة 1389 .

9- جامع العلوم والحكم ابن رجب الحنبلى حديث ص 35 .

10- الحسد وكيف نتقيه - إبراهيم محمد الجمل .

11- حقيقة الحسد وعلاج المحسود - مجدي محمد الشهاوي .

12- روضة العقلاء ونزهة الفضلاء - ابن حبان تحقيق محمد عبد الحميد ص 132 دار الكتب العلمية .

13- رياض الصالحين - النووي تحقيق الألباني ص 506 المكتب الإسلامي الطبعة الثانية 1404 .

14- صيد الخاطر- ابن الجوزي ص 422 .

15- عيون الأخبار - ابن قتيبة تحقيق يوسف الطويل 2/11 دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1406 .

16- غذاء الألباب لشرح منظومة الأداب - السفاريني 2/283 مؤسسة قرطبة .

17- فتح الباري - ابن حجر 9/73 دار الفكر .

18- الفوائد - ابن القيم تحقيق بشير عيون ص 105 مكتبة دار البيان الطبعة الأولى 1408 .

19- مجموع الفتاوى - ابن تيمية 10/111 الطبعة الأولى 1398 .

20- مختصر منهاج القاصدين - ابن قدامة المقدسي تحقيق على عبد الحميد ص 239 دار الفيحاء- دار عمار الطبعة الأولى 1406 .

21- المنهج المسلوك فى سياسة الملوك - عبد الرحمن الشيزري ص 425 مكتبة المنار الطبعة الأولى 1407 .

22- موارد الظمآن لدروس الزمان - عبد العزيز السلمان 3/365 الطبعة الثامنة 1408 .

23- موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين القاسمي ص 322 دار النفائس الطبعة الرابعة 1405 .

24- نزهة الفضلاء تهذيب سير أعلام النبلاء - محمد حسن موسى ص 1766 دار الأندلس جدة الطبعة الأولى 1411 .