تكريم

2022-10-04 - 1444/03/08

التعريف

لغة:

التَّعْظِيمُ وَالإِجْلَالُ، تَقولُ: كَرَّمَهُ وَأَكْرَمَهُ إِذَا عَظَّمَهُ وَأَجَلَّهُ، وَضِدُّهُ الإِهَانَةُ، وَأَصْلُ الكَرَمِ: شَرَفُ الشَّيْءِ، يُقَالُ: كَرُمَ الشَّيْءُ يَكْرُمُ كَرَمًا أَيْ شَرُفَ، وَرَجُلٌ كَرِيمٌ أَيْ شَرِيفٌ ذُو فَضَائِلَ، وَيَأْتِي التَّكْرِيمُ بِمَعْنَى: التَّفْضِيلِ، وَالكَرَمُ: الفَضْلُ، وَمِنْ مَعَانِي التَّكْرِيمِ أَيْضًا: التَّوْقِيرُ والتَّنْزِيهُ والتَّقْدِيسُ والتَّكْثِيرُ والتَّعْزِيزُ. (مقاييس اللغة: 5-171، مقاييس اللغة: 5-172، الصحاح: 5-2021)

 

اصطلاحا:

قال الطبري -رحمه الله-: "تكريم الإنسان (بني آدم) هو تسليط الله -عز وجل- إياهم على غيرهم من الخلق، وتسخيره سائر الخلق لهم"(تفسير الطبري:15-85). 

 

وقال ابن كثير -رحمه الله-: "تكريم الله للإنسان يتجلى في خلقه له على أحسن الهيئات وأكملها، وفي أن جعل له سمعاً وبصراً وفؤاداً، يفقه بذلك كله وينتفع به، ويفرق بين الأشياء، ويعرف منافعها وخواصها، ومضارها في الأمور الدينية والدنيوية"(تفسير القرآن الكريم:3-55).

 

ونقل ابن عاشور عن الرّاغِبُ في تعريف الإكرام فقال: ”والإكْرامُ أنْ يُوصَلَ إلى الإنْسانِ كَرامَةٌ، وهي نَفْعٌ لا تَلْحَقُ فِيهِ غَضاضَةٌ ولا مَذَلَّةٌ، وأنْ يَجْعَلَ ما يُوصَلُ إلَيْهِ شَيْئًا كَرِيمًا؛ أيْ: شَرِيفًا، قالَ تَعالى: (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) [الأنبياء: ٢٦]، أيْ: جَعَلَهم كِرامًا ا.هـ. يُرِيدُ أنَّ الإكْرامَ يُطْلَقُ عَلى إعْطاءِ المَكْرُمَةِ ويُطْلَقُ عَلى جَعْلِ الشَّيْءِ كَرِيمًا في صِنْفِهِ“(التحرير والتنوير عند قوله تعالى: "فأكرمه ونعمه").

 

العناصر

1- التكريم الرباني للإنسان

 

2- الحث على التكريم 

 

3- أنواع التكريم 

 

4- مظاهر التكريم 

 

5- آثار التكريم

 

الايات

1- قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ)[البقرة: 21]. وهذا أعظم تكريم

 

قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ..) إلى أن قال تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ)[البقرة:30-34].

 

2- قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ)[البقرة: 168]

 

قوله تعالى: (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ) [يونس:99] .

 

3- قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) [الإسراء: 70] .

 

4- قوله تعالى: (وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ)[الزخرف: 12].

 

5- قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات:13].

 

6- قوله تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَا الأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) [الإنسان: 2-3].

 

7- قوله تعالى: (فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ)[الفجر:15-16].

 

8- قوله تعالى: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) [البلد: 10]

 

9- قوله تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)[العلق:1-5].

 

10- قوله تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [التين:4].

 

 

الاحاديث

1- عن زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه أَنَّ أُمَّ العَلاَء رضي الله عنها قالت عند موت عثمان بن مظعون رضي الله عنه: رَحْمَةُ الله عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ فشهادتي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ الله، فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: “وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ الله قَدْ أَكْرَمَهُ، فَقُلتُ: بأبي أَنْتَ يَا رَسُولَ الله فَمَنْ يُكْرِمُهُ الله؟ فَقال: أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ اليَقِينُ، وَالله إني لأَرْجُو لَهُ الخَيْرَ، وَالله مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ الله مَا يُفْعَلُ بِي؟ قَالَتْ: فَوَالله لاَ أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا”(رواه البخاري:1186).

 

2- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال: يَا رَسُولَ الله أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَجِدُ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً أَيَقْتُلُهُ؟ قَالَ رَسُولُ الله: “لاَ”، قَالَ سَعْدٌ: بَلَى والذي أَكْرَمَكَ بِالحَقِّ، فَقَالَ رَسُولُ الله: “اسْمَعُوا إِلَى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ”(رواه مسلم:1498). وفي تمام الرواية عند مسلم: "اسْمَعُوا إلى ما يقولُ سَيِّدُكُمْ، إنّه لَغَيُورٌ، وأَنا أغْيَرُ منه، واللَّهُ أغْيَرُ مِنِّي".

 

3- عن عوف بن مالك رضي الله عنه أنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول: “اللهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ”(رواه مسلم:963).

 

4- عن سهل بن حنيف وقيس بن سعد قالا: كانا قاعدين بالقادسية، فمروا عليهما بجنازة فقاما، فقيل لهما: إنها من أهل الأرض، أي من الفرس. فقالا: إن النبي صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام. فقيل له: إنها جنازة يهودي؟! فقال: “أليست نفساً”(أخرجه البخاري:1313، ومسلم:961).

 

5- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قيل للنبي -صلى الله عليه وسلم- من أكرم الناس؟ قال: “أكرمهم أتقاهم” قالوا: يا نبي الله، ليس عن هذا نسألك. قال: “فأكرم الناس يوسف نبي الله، ابن نبي الله، ابن نبي الله، ابن خليل الله”. قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: أفعن معادن العرب تسألونني؟ قالوا: نعم، قال: “فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا”(أخرجه البخاري:٣٣٧٤، ومسلم:٢٣٧٨).

 

6- عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: “لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة”. قال: “فينزل عيسى ابن مريم -صلى الله عليه وسلم- فيقول أميرهم: تعال صلِّ لنا. فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمه الله لهذه الأمة”(رواه مسلم:١٥٦).

 

7- عن أبي بكرة قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: “من أكرم سلطان الله -تبارك وتعالى- في الدنيا أكرمه الله يوم القيامة، ومن أهان سلطان الله -تبارك وتعالى- في الدنيا أهانه الله يوم القيامة”(رواه أحمد:٢٠٤٣٣، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة:٥-٣٧٦).

 

 

الاثار

1- عن ابن عباس في قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) قال: جعلناهم يأكلون بأيديهم (شعب الإيمان المؤلف : أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة الأولى، 1410 تحقيق : محمد السعيد بسيوني زغلول).

 

2- عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه في قوله: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ): "الكرامة الأكل بالأصابع"(رواه الديلمي وانظر كشف الخفاء المؤلف: إسماعيل بن محمد الجراحي العجلوني:2970).

 

3- يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "واللهِ إنْ كُنّا في الجاهِلِيَّةِ ما نَعُدُّ لِلنِّساءِ أمْرًا، حتّى أنْزَلَ اللهُ فِيهِنَّ ما أنْزَلَ، وقَسَمَ لهنَّ ما قَسَمَ"(رواه البخاري:٤٩١٣). 

 

4- قال الحسن البصري: "لما خلق الله عز وجل العقل، قال له: أقبل، فأقبل، ثم قال له: أدبر، فأدبر، وقال: ما خلقت خلقًا هو أحب إلىَّ منك، إني بك أُعبد، وبك أُعرف، وبك آخذ، وبك أُعطي"(شعب الإيمان للبيهقي:4-154 برقم:4632).

 

الاشعار

قال ابن حزم -رحمه الله-:

إنما العقل أسـاس *** فوق الأخلاق سورُ

فتحلى العقل بالعلم *** وإلا فهـو بـور

جاهل الأشياء أعمى *** لا يرى كيف يدور

وتمام العلم بالعدل ***   وإلا فهـو زور

وزمام العدل بالجود *** وإلا فنحـــور

وملاك الجود بالنجدة *** والجبن غـــرور

عفَّ إن كنت غيوراً *** ما زنى قط غـيور

وكمال الكل بالتقوى *** وقـول الحـق نور

ذي أصول الفضل عنها *** حدثت عنها البذور

(ديوان ابن حزم الأندلسي)

 

متفرقات

1- قال ابن سعدي رحمه الله: “وهذا من كرمه عليهم وإحسانه الذي لا يقادر قدره حيث كرم بني آدم بجميع وجوه الإكرام، فكرمهم بالعلم والعقل وإرسال الرسل وإنزال الكتب، وجعل منهم الأولياء والأصفياء وأنعم عليهم بالنعم الظاهرة والباطنة.

 

(وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ) على الركاب من الإبل والبغال والحمير والمراكب البرية.

 

(وَ) في (الْبَحْرِ) في السفن والمراكب (وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ) من المآكل والمشارب والملابس والمناكح. فما من طيب تتعلق به حوائجهم إلا وقد أكرمهم الله به ويسره لهم غاية التيسير.

 

(وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) بما خصهم به من المناقب وفضلهم به من الفضائل التي ليست لغيرهم من أنواع المخلوقات.

 

أفلا يقومون بشكر من أولى النعم ودفع النقم ولا تحجبهم النعم عن المنعم فيشتغلوا بها عن عبادة ربهم بل ربما استعانوا بها على معاصيه”(تفسير السعدي).

 

2- قال ابن سعدي رحمه الله: “قال الله تعالى للملائكة: (إِنِّي أَعْلَمُ) من هذا الخليفة (مَا لَا تَعْلَمُونَ)؛ لأن كلامكم بحسب ما ظننتم، وأنا عالم بالظواهر والسرائر، وأعلم أن الخير الحاصل بخلق هذا الخليفة، أضعاف أضعاف ما في ضمن ذلك من الشر فلو لم يكن في ذلك، إلا أن الله تعالى أراد أن يجتبي منهم الأنبياء والصديقين، والشهداء والصالحين، ولتظهر آياته للخلق، ويحصل من العبوديات التي لم تكن تحصل بدون خلق هذا الخليفة”(تفسير السعدي). وهذا كله تكريم لبني آدم

 

3- قال الرازي رحمه الله: "لَمّا قالَ: (فَأكْرَمَهُ) فَقَدْ صَحَّ أنَّهُ أكْرَمَهُ وأثْبَتَ ذَلِكَ، ثُمَّ إنَّهُ لَمّا حَكى عَنْهُ أنَّهُ قالَ: (رَبِّي أكْرَمَنِ) ذَمَّهُ عَلَيْهِ فَكَيْفَ الجَمْعُ بَيْنَهُما؟ والجَوابُ: لِأنَّ كَلِمَةَ الإنْكارِ هي قَوْلُهُ: (كَلّا) فَلِمَ لا يَجُوزُ أنْ يُقالَ: إنَّها مُخْتَصَّةٌ بِقَوْلِهِ: (رَبِّي أهانَنِ) سَلَّمْنا أنَّ الإنْكارَ عائِدٌ إلَيْهِما مَعًا ولَكِنْ فِيهِ وُجُوهٌ ثَلاثَةٌ: (وذكر منها) أنَّهُ اعْتَقَدَ حُصُولَ الِاسْتِحْقاقِ في ذَلِكَ الإكْرامِ"(مفاتيح الغيب).

 

4- قال ابن عاشور عند قوله تعالى: (فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ)[الفجر:15]: إذا جَعَلَ رَبُّهُ ما يَنالُهُ مِنَ النِّعْمَةِ أوْ مِنَ التَّقْتِيرِ مَظْهَرًا لِحالِهِ في الشُّكْرِ والكُفْرِ، وفي الصَّبْرِ والجَزَعِ، تَوَهَّمَ أنَّ اللَّهَ أكْرَمَهُ بِذَلِكَ أوْ أهانَهُ بِهَذا.

 

5- “إن الله تعالى لما خلق الإنسان خلقه بيديه، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وطرد إبليس من أجله لعصيانه أن يسجد لآدم، وأسكن آدم الجنة، وعلمه الأسماء كلها، وجعله خليفته في الأرض، فإن كان الإنسان لربه مطيعا مخبتا كان أفضل من الملائكة، وإن عصاه كان أدنى من البهائم، كل هذا دليل على التكريم، فهل تراه يسلمه ويذله ويخزيه ما دام يسير طبقا لخط السير الذي رسمه له ربه، كلا وحاشا أن يكون ذلك. فها هو سبحانه يقول في حقه: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) [الإسراء: 70] ويخلقه في أحسن صورة: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [التين ا: 4] وتتجلى فيه عظمته سبحانه فيقول: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) [المؤمنون: 14]. من أجل ذلك فقد تولاه ربه، وأوصى باحترامه في شرائعه، وحرم قتله بغير حق قال تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) [الإسراء: 33]” (مجلة البحوث الإسلامية المؤلف: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد:53-319).

 

6- يقول الشيخ عمر بن إبراهيم الحافظ الأنصاري القرطبي رحمه الله: “اصطفى الله تعالى من هذا الجنس الحيواني نوع بني آدم، كما قال تعالى : (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً). ويكفيك من ذلك كله : أن الله تعالى خلق العالم كلَّه لأجله، كما قد صرح بذلك عنه لما قال تعالى : (وسخر لكم ما في السموات والأرض جميعًا منه). ثم إن الله تعالى اختار من هذا النوع الإنساني من جعله معدن نبوته، ومحل رسالته”(المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم كتاب النبوات:18-129).

 

7- قال وهبة بن مصطفى الزحيلي: “ومن تمام نعمة اللّه وفضله ورحمته تكريم الإنسان في قوله : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ ..) أي ولقد كرمنا بني آدم، أي جعلنا لهم كرما أي شرفا وفضلا، بخلقهم على أحسن صورة وهيئة، ومنحناهم السمع والبصر والفؤاد للفقه والفهم، وجمّلناهم وميزناهم بالعقل الذي يدركون به حقائق الأشياء، ويهتدون به إلى الصناعات والزراعات والتجارات، ومعرفة اللغات، ويفكرون في اكتشاف خيرات الأرض، والإفادة من الطاقات، وتسخير ما في العالم العلوي والسفلي، وما في الكون من وسائل النقل وأسباب الحياة والمعيشة، والتمييز بين الأشياء وخواصها ومضارها في الأمور الدينية والدنيوية. وحملناهم في البر على الدواب من الأنعام والخيل والبغال، وفي الوقت الحاضر على القطارات والطائرات وغيرها، وفي البحر أيضا على السفن الكبيرة والصغيرة، وهو حمل لا يصح لغير بني آدم بإرادته وقصده وتدبيره. ورزقناهم من الطيبات، أي من زروع وثمار ولحوم وألبان من سائر أنواع الطعوم والألوان المشتهاة، والمناظر الحسنة، والملابس الرفيعة”(التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج:16-129).

 

8- “لم يتحقق في الديمقراطية تكريم الإنسان التكريم اللائق به وإنما تكريمه يتم حسب الأمزجة ومن خلال اعتبارات كثيرة بينما الإسلام يكرمه في كل أحواله سواء أكان فقيرا أم غنيا قبيحا أم جميلا وهذا هو المكسب الحقيقي الذي يجب أن يعض الإنسان عليه بالنواجذ فإن الإسلام يكرم الإنسان حيا وميتا يكرمه في حياته فلا يجوز الاعتداء عليه لا في ماله ولا في نفسه ولا في عرضه إلا بشروط ولا يجوز تعييره بذنب تاب منه ويكرمه وهو ميت فلا يجوز أخذ شيء منه ولا الاستهانة بقبره بل ولا يجوز مجرد الجلوس على قبره ولا أن يذكر بشر إلا لمصلحة راجحة ولا يجوز إخضاعه واستعباده إلا لربه سبحانه ولا أن ينفذ تشريع أحد من البشر لم يرد به تشريع من عند خالق البشر، بينما الديمقراطية قائمة على تشريع الناس بعضهم لبعض متمثلة في مجموعة من الناس يسمون شرعيين أو مجلس النواب أو البرلمان ثم يسمون ذلك لجهلهم مكاسب ديمقراطية. (موسوعة المذاهب الفكرية المعاصرة إعداد: مجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ عَلوي بن عبد القادر السقاف).

 

9- يقول الشيخ محمد إسماعيل المقدم: من أوجه تكريم الله لبني آدم وجود اللحى في الرجال يقول تبارك وتعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) [الإسراء:70] يقول بعض العلماء في تفسير الآية: من تكريمه إياهم: خلقه لهم على أكمل الهيئات وأحسنها. وذكر بعض العلماء من أمثلة هذا التكريم: تزيين الرجال باللحى والنساء بالذوائب. وقال عز وجل: (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً) [البقرة:138]. وقال عز وجل: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [التين:4] وقال جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) [الانفطار:6-8]. وقال سبحانه وتعالى: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) [النمل:88]. وقال عليه الصلاة والسلام كما في الحديث الصحيح: «كل خلق الله عز وجل حسن». فلابد أن نوقن أن هذه الهيئة التي خلقنا الله عليها هي نعمة من الله سبحانه وتعالى وتكريم لنا، فوجود اللحية في الرجل نعمة، فحلق اللحية والإطاحة بها طعن في هذه الحكمة، وجحود لهذه النعمة، وكأنك تقول: الهيئة التي خلقتني عليها -يا رب- هيئة قبيحة! معاذ الله! إذاً: هذا كفر بهذه النعمة العظيمة، وانتكاس عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وانحطاط إلى مستوى الكفرة الذين زين لهم سوء أعمالهم، فحلق اللحية ليس رقياً، بل يعتبر انحطاطاً عن هدي الرسول عليه الصلاة السلام، وانحطاطاً إلى مستوى الكفار الذين يحسبون أن التمدن والكمال إنما يكون في القضاء على أكثر الفوارق الظاهرة بين الرجل والمرأة، يقول الشاعر: يقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن (دروس الشيخ محمد إسماعيل المقدم المؤلف: محمد أحمد إسماعيل المقدم http://www.islamweb.net).

 

الإحالات

1- مظاهر تكريم الإنسان في القرآن الكريم؛ أ.د. الشاهد البوشيخي.

 

2- تكريم الانسان بالعقل؛ لعبدالعزيز عويضة الجهني.

 

التعريف

لغة:

التَّعْظِيمُ وَالإِجْلَالُ، تَقولُ: كَرَّمَهُ وَأَكْرَمَهُ إِذَا عَظَّمَهُ وَأَجَلَّهُ، وَضِدُّهُ الإِهَانَةُ، وَأَصْلُ الكَرَمِ: شَرَفُ الشَّيْءِ، يُقَالُ: كَرُمَ الشَّيْءُ يَكْرُمُ كَرَمًا أَيْ شَرُفَ، وَرَجُلٌ كَرِيمٌ أَيْ شَرِيفٌ ذُو فَضَائِلَ، وَيَأْتِي التَّكْرِيمُ بِمَعْنَى: التَّفْضِيلِ، وَالكَرَمُ: الفَضْلُ، وَمِنْ مَعَانِي التَّكْرِيمِ أَيْضًا: التَّوْقِيرُ والتَّنْزِيهُ والتَّقْدِيسُ والتَّكْثِيرُ والتَّعْزِيزُ. (مقاييس اللغة: 5-171، مقاييس اللغة: 5-172، الصحاح: 5-2021)

 

اصطلاحا:

قال الطبري -رحمه الله-: "تكريم الإنسان (بني آدم) هو تسليط الله -عز وجل- إياهم على غيرهم من الخلق، وتسخيره سائر الخلق لهم"(تفسير الطبري:15-85). 

 

وقال ابن كثير -رحمه الله-: "تكريم الله للإنسان يتجلى في خلقه له على أحسن الهيئات وأكملها، وفي أن جعل له سمعاً وبصراً وفؤاداً، يفقه بذلك كله وينتفع به، ويفرق بين الأشياء، ويعرف منافعها وخواصها، ومضارها في الأمور الدينية والدنيوية"(تفسير القرآن الكريم:3-55).

 

ونقل ابن عاشور عن الرّاغِبُ في تعريف الإكرام فقال: ”والإكْرامُ أنْ يُوصَلَ إلى الإنْسانِ كَرامَةٌ، وهي نَفْعٌ لا تَلْحَقُ فِيهِ غَضاضَةٌ ولا مَذَلَّةٌ، وأنْ يَجْعَلَ ما يُوصَلُ إلَيْهِ شَيْئًا كَرِيمًا؛ أيْ: شَرِيفًا، قالَ تَعالى: (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) [الأنبياء: ٢٦]، أيْ: جَعَلَهم كِرامًا ا.هـ. يُرِيدُ أنَّ الإكْرامَ يُطْلَقُ عَلى إعْطاءِ المَكْرُمَةِ ويُطْلَقُ عَلى جَعْلِ الشَّيْءِ كَرِيمًا في صِنْفِهِ“(التحرير والتنوير عند قوله تعالى: "فأكرمه ونعمه").