تقليد

2022-10-05 - 1444/03/09

التعريف

تعريف التقليد لغة واصطلاحا

أ- أصل التقليد في اللغة: وضع الشيء في العنق محيطاً به، وذلك الشيء يسمى قلادة، والجمع قلائد، ومنه تقليد الهدي، فكأن المقلد جعل الحكم الذي قلد فيه المجتهد كالقلادة في عنق من قلده، ويستعمل التقليد - أيضاً - في تفويض الأمر إلى الشخص كأن الأمر جعل في عنقه كالقلادة، قالت الخنساء:

يقلده القوم ما نابهم *** وإن كان أصغرهم مولداً

[انظر في التعريف اللغوي لسان العرب (3/ 367)، مختار الصحاح (ص: 548)، البحر المحيط للزركشي (6/ 270)، الأحكام في أصول الأحكام للأمدي (4/ 221)، إرشاد الفحول للشوكاني (ص: 265)، مختصر حصول المأمول من علم الأصول) لصديق حسن خان، (ص: 118)، (شرح الورقات عبدالله بن صالح الفوزان (ص:170) وغيرها] .

 

ب- أما في الاصطلاح:

فتكاد تنحصر تعريفات الأئمة في ثلاثة تعريفات متقاربة المعنى.

الأول: أن التقليد: قبول قول القائل وأنت لا تعلم من أين قاله، (أي لا تعرف مأخذه) [وهذا التعريف نسب إلى القفال، انظر (البحر المحيط) (6/ 270)، و (إرشاد الفحول) (ص: 265) ] .

الثاني: قبول قول الغير بلا حجة [ذكره ابن حزم في الأحكام (2/ 836)، وابن تيمية (2/ 15، 16)، والجويني، والغزالي والآمدي وابن حزم في الأحكام (2/ 836)، وابن الحاجب وغيرهم انظر الأحكام للآمدي (4/ 221)، البحر المحيط (6/ 270)، شرح الورقات للفوزان (ص: 171) ] .

الثالث: اتباع قول من ليس قوله حجة [وهو ترجيح أبي عبدالله بن خويز منداد البصري المالكي، وابن الهمام في التحرير، والشوكاني وغيرهم انظر جامع بيان العلم وفضله (2/ 117)، إرشاد الفحول (265)]، وهو قريب من الثاني. (فخرج بقولنا: (من ليس قوله حجة) اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، واتباع أهل الإجماع، واتباع الصحابي إذا قلنا حجة فلا يسمى اتباع شيء من ذلك تقليداً لأنه اتباع للحجة .. ) [الأصول من علم الأصول للشيخ محمد العثيمين (ص: 100)، وانظر شرح الورقات لعبد الله الفوزان (ص: 171)] .

وبذلك نلاحظ تقارب هذه التعريفات، وأن التعريف الثالث أدق، لأن من يتبع من قوله حجة لا يحتاج إلى معرفة مأخذه، أو حجته باعتباره حجة بنفسه. [نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف لمحمد بن عبدالله بن علي الوهيبي- 2/ 39] .

العناصر

1- تعريف التقليد وبيان ما يحرم منه وما يجب .

2- تعريف الحجة .

3- حكم التقليد .

4- مواضع التقليد .

5- أركانُ التقليد .

6- أنواع التقليد .

7- حكم التزام مذهب معين من المذاهب الفقهية المعروفة .

8- الصحيح أن إيمان المقلد معتبر، ولا يشترط في الإيمان النظر والاستدلال .

9- ليس للمقلد أن يتخير في الخلاف .

10- التحذير من اتباع الهوى وتتبع رخص العلماء .

الايات

1- قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ) [لقمان: 21] .

2- قوله تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) [الإسراء: 36] .

3- قوله تعالى: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ) [الأعراف: 3] .

4- قوله تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [التوبة: 31 ] .

5- قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النحل: 43] .

6- قوله تعالى: (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ) [يونس: 94] .

7- قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) [البقرة: 170].

8- قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ) [المائدة: 104].

9- قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَهُمْ) [البقرة: 91].

10- قوله تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء: 65] .

الاحاديث

1- عن الأوزاعي، قال: بلغني أن عطاء بن أبي رباح، قال: إنه سمع ابن عباس، يخبر: أن رجلا أصابه جرح في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أصابه احتلام ، فأمر بالاغتسال، فمات، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: « قتلوه قتلهم الله، ألم يكن شفاء العي السؤال » [مسند أحمد (10096) وقال شعيب الأرناؤوط حسن] .

 

2- عن العرباض بن سارية ، قال : وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب ، فقال رجل : إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله ؟ قال : «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة ، وإن عبد حبشي ، فإنه من يعش منكم يرى اختلافا كثيرا ، وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ» [سنن الترمذي (2676) وقال الألباني صحيح] .

الاثار

1- عن الشعبي قال : سئل أبو بكر عن الكلالة ؟ فقال : إني سأقول فيها برأي فإن يكن صوابا فمن الله وان يكن خطأ فمني ومن الشيطان : اراه ما خلا الولد والوالد . فلما استخلف عمر قال : إني لأستحي الله أن أرد شيئا قاله أبو بكر [المنة الكبرى شرح وتخريج السنن الصغرى لمحمد ضياء الرحمن الأعظمي (2269)] .

 

2- عن طارق بن شهاب قال جاء وفد بزاخة أسد وغطفان إلى أبي بكر يسألونه الصلح فخيرهم أبو بكر بين الحرب المجلية أو السلم المخزية قال فقالوا هذا الحرب المجلية قد عرفناها فما السلم المخزية قال قال أبو بكر تؤدون الحلقة والكراع وتتركون أقواما تتبعون أذناب الابل حتى يرى الله خليفة نبيه صلى الله عليه و سلم والمسلمين أمرا يعذرونكم [ ص 438 ] به وتدون قتلانا ولا ندي قتلاكم وقتلانا في الجنة وقتلاكم في النار وتردون ما أصبتم منا ونغنم ما أصبنا منكم فقام عمر فقال قد رأيت رأيا وسنشير عليك إما أن يؤدوا الحلقة والكراع فنعم ما رأيت واما أن يتركوا أقواما يتبعون أذناب الابل حيى يرى الله خليفة نبيه صلى الله عليه و سلم والمسلمين أمرا يعذرونهم به فنعم ما رأيت واما أن نغنم ما أصبنا منهم ويردون ما أصابوا منا فنعم ما رأيت وإما أن قتلاهم في النار وقتلانا في الجنة فنعم ما رأيت وأما أن لا ندي قتلاهم فنعم ما رأيت واما أن يدوا قتلانا فلا قتلانا قتلوا عن أمر الله ديات لهم فتتابع الناس على ذلك [مصنف ابن أبي شيبة (32731) ] .

القصص

الاشعار

1- قال الشيخ أحمد حسن المعلم:

ونحارب التقليدَ طولَ زماننا *** مع حبّنا للعالِم المتجرّدِ

وكذا الأئمّة حبُّهم متمكّنٌ *** من كل نفسٍ يا بريّةُ فاشهدي

وترقّ أنفُسُنا لرؤية مَن غدا *** في ربقة التقليد شبه مقيَّدِ

إنّا نرى التقليدَ داءً قاتلًا *** حجب العقولَ عن الطريق الأرشدِ

جعل الطريقَ على المقلِّدِ حالكًا *** فترى المقلّدَ تائهًا لا يهتدي

فلذا بدأنا في اجتثاث جذوره *** من كلّ قلبٍ خائفٍ متردّدِ

ولسوف ندمل داءه وجراحَه *** بمراهمِ الوحي الشريف المرشِدِ

http://www.kulalsalafiyeen.com/vb/showthread.php?t=26060

 

2- قال الجاحظ:

لا تقنعنَّ ومذهبٌ لك ممكنٌ *** فإذا تضايقتِ المطامعُ فاقنعِ

ومِن المروءةِ قانعٌ ذو همَّةٍ *** يسمو لها فإذا نبتْ لم يهلعِ

ما كنت إمَّعةً ولكن همَّة *** تأبى الهوانَ وفسحة في المنْجَعِ

[الأمل والمأمول (1/2)].

 

3- قال الرَّبيع بن سليمان:

سئل الشافعي عن مسألة، فأُعجب بنفسه، فأنشأ يقول:

إذا المشكلاتُ تصدَّينني *** كشفتُ حقائقَها بالنَّظر

ولست بإمَّعة في الرِّجال *** أُسَائل هذا وذا ما الخبر؟

ولكنَّني مِدْرَهُ الأصغرين *** فتَّاح خير، وفرَّاج شر

[تاريخ دمشق لابن عساكر (51/377) ].

 

4- قال ابن عبد البر رحمه الله:

يا سائلي عن موضعِ التقليدِ خذْ *** عني الجوابَ بفهمِ لبٍّ حاضرِ

واصغِ إلى قولي ودنْ بنصيحتي *** واحفظْ عليَّ بوادري ونوادري

لا فرقَ بينَ مقلدٍ وبهيمةٍ *** تنقادُ بين جنادل ودعاثرِ

تبًّا لقاضٍ أو لمفتٍ لا يرى *** عللًا ومعنى للمقال

السائرِ فإذا اقتديت فبالكتابِ وسنةِ *** المبعوث بالدين الحنيف الطاهرِ

ثم الصحابةِ عند عدمك سنةً *** فأولاك أهلُ نهى وأهلُ بصائرِ

وكذاك إجماعُ الذين يلونهم *** من تابعيهم كابرًا عن كابرِ

إجماعُ أمَّتنا وقولُ نبينا *** مثلُ النصوص لذي الكتاب الزاهرِ

وكذا المدينةُ حجة إن أجمعوا *** متتابعين أوائلًا بأواخرِ

وإذا الخلافُ أتى فدونَك فاجتهدْ *** ومع الدليلِ فملْ بهمٍّ وافرِ

وعلى الأصولِ فقسْ فروعَك لا تقسْ *** فرعًا بفرعٍ كالجهول الحائرِ

والشرُّ ما فيه فديتك أسوةٌ *** فانظرْ ولا تحفلْ بزلةِ ماهرِ

[جامع بيان العلم وفضله (2/988) ].

 

5- قال محمد البلالي:

وليس الحقُّ يُعرف بالرجالِ *** وعكسُك ذا الصحيحُ من المقالِ

فكم ضلَّ الرجالُ لأن شيخاً *** لهم أفتى بفتيا من ضلالِ

إذا ما قال شيخهمُ كلاماً *** تراهم كالمسيَّر لا يبالي

وإن قلنا أليس الشيخُ يخطي *** كذاك يصيب ردوا بالمحالِ

ولم يتورعوا عن شتم شيخِ *** فبعداً للمقلِّد للرجالِ تطاول

بعضهم في السب حتى *** كأن السب في زنة الجبالِ

وإن عاينت حال الغِمر تلقه *** أخا جهلٍ من التعليم خالِ

أخا نُوكٍ وذا فهم ثقيلٍ *** ويا للنوك من داء عضالِ

ولا يسطيع أن يتلو قصاراً *** من الآيات فضلاً عن طوالِ

وإن يطق الجهول فلن تراهُ *** مجوداً القراءة باعتدالِ

فيا لك جاهلاً فدماً بليداً *** يقارن نفسه الدنيا بعالِ

فكيف يكون مَن ذا العيبُ فيه *** أقل السيئات من الخصالِ

يطيق يزاحم الأعلام زعماً ***حذارِ من مناطحة الجبالِ

رابط الموقع: http://ahlalloghah.com

الدراسات

متفرقات

1- قال ابن عبد البر: ولم تختلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها، وأنهم المرادون بقول الله عز وجل: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [النحل: 43، الأنبياء: 7]، وأجمعوا على أن الأعمى لا بد له من تقليد غيره ممن يثق بميزه بالقبلة إذا أشكلت عليه، فكذلك من لا علم له ولا بصر بمعنى ما يدين به لا بد له من تقليد عالمه [جامع بيان العلم وفضله (2/115) ] .

 

2- قال ابن تيمية: والذي عليه جماهير الأمة أن الاجتهاد جائز في الجملة، والتقليد جائز في الجملة، ولا يوجبون الاجتهاد على كل أحد ويحرمون التقليد، ولا يوجبون التقليد على كل أحد ويحرمون الاجتهاد [مجموع الفتاوى (20/203، 204) ] .

 

3- قال الشيخ الشنقيطي: اعلم أن موقفنا من الأئمة رحمهم الله، من الأربعة وغيرهم هو موقف سائر المسلمين المنصفين منهم، وهو موالاتهم ومحبتهم، وتعظيمهم وإجلالهم، والثناء عليهم بما هم عليه من العلم والتقوى، واتباعهم في العمل بالكتاب والسنة وتقديمهما على رأيهم، وتعلم أقوالهم للاستعانة بها على الحق، وترك ما خالف الكتاب والسنة منها. أما المسائل التي لا نص فيها، فالصواب النظر في اجتهادهم فيها، وقد يكون اتباع اجتهادهم أصوب من اجتهادنا لأنفسنا؛ لأنهم أكثر علمًا وتقوى منا، ولكن علينا أن ننظر ونحتاط لأنفسنا في أقرب الأقوال إلى رضي الله وأحوطها وأبعدها من الاشتباه، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»[رواه الترمذي (4/668) برقم (2518)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الألباني. انظر: "صحيح الجامع" (2/637) برقم (3378) ]، وقال: «فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه»[رواه البخاري (1/126) برقم (52)، ومسلم واللفظ له (11/26) ] .

وحقيقة القول الفصل في الأئمة رحمهم الله أنهم من خيار علماء المسلمين، وأنهم ليسوا معصومين من الخطأ، فكل ما أصابوا فيه فلهم فيه أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، وما أخطئوا فيه فهم مأجورون فيه باجتهادهم، معذورون في خطئهم، فهم مأجورون على كل حال، لا يلحقهم ذم ولا عيب ولا نقص في ذلك. ولكن كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - حاكمان عليهم وعلى أقوالهم كما لا يخفي:

فلا تغل في شيء من الأمر واقتصد *** كلا طرفي قصد الأمور ذميم

فلا تك ممن يذمهم وينتقصهم، ولا ممن يعتقد أقوالهم مغنية عن كتاب الله وسنة رسوله أو مقدمة عليهما [أضواء البيان (7/555، 556)] .

 

4- قال الشيخ العثيمين - رحمه الله -: الناس ينقسمون إلى ثلاثة أقسام:

1 ـ عالِم رزقه الله عِلماً وفهماً.

2ـ طالب علم عنده من العلم، لكن لم يبلغ درجة ذلك المتبحِّر.

3 ـ عامي لا يدري شيئاً.

أما الأول: فإن له الحق أن يجتهد وأن يقول، بل يجب عليه أن يقول ما كان مقتضى الدليل عنده مهما خالفه مَن خالفه من الناس، لأنه مأمور بذلك. قال تعالى: (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء: 83] وهذا من أهل الاستنباط الذين يعرفون ما يدل عليه كلام الله وكلام رسوله

أما الثاني: الذي رزقه الله علماً ولكنه لم يبلغ درجة الأول، فلا حرج عليه إذا أخذ بالعموميات والإطلاقات وبما بلغه، ولكن يجب عليه أن يكون محترزاً في ذلك، وألا يقصِّر عن سؤال مَن هو أعلى منه من أهل العلم؛ لأنه قد يخطأ، وقد لا يصل علمه إلى شيء خصَّص ما كان عامًّا، أو قيَّد ما كان مطلقاً، أو نَسَخَ ما يراه محكماً. وهو لا يدري بذلك. أما الثالث: وهو مَن ليس عنده علم، فهذا يجب عليه أن يسأل أهل العلم لقوله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النحل: 43]، وفي آية أخرى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ) [النحل: 43، 44]. فوظيفة هذا أن يسأل ... [الخلاف بين العلماء] .

 

5- قال الشيخ سعد الشثري: ذهب بعض أهل العلم إلى التفريق بين رتبة الإتباع والتقليد: فقالوا: التقليد التزام المكلف مذهب غيره بلا حجة. وأما الإتباع: فهو ما ثبت عليه حجة [التقليد وأحكامه (ص/31)] .

 

6- قال النووي: وينبغي للعامي أن لا يطالب المفتي بالدليل ولا يقل لم قلت فإن أحب أن تسكن نفسه بسماع الحجة طلبها في مجلس آخر أو في ذلك المجلس بعد قبول الفتوى مجردة ... [آداب الفتوى (ص / 85) ] .

 

7- قال الشيخ الشثري- رحمه الله -: يكون التقليد في موضعين: الأول: أن يكون المقلد عاميّاً لا يستطيع معرفة الحكم بنفسه ففرضه التقليد، ويقلد أفضل من يجده علماً وورعاً فإن تساوى عنده اثنان خير بينهما. الثاني: أن يقع للمجتهد حادثة تقتضي الفورية ولا يتمكن من النظر فيها فيجوز له التقليد حينئذ [التقليد وأحكامه (ص/29) ] .

 

8- يقول الدكتور محمد علي الصابوني: لقد انتشر مرض التعصب والتقليد في شعوب الأمة الإسلامية لاسيما في العصور المتأخرة، وأصبح هو الأساس والأصل، ونتج عن تفشيه نتائج وخيمة وأمور جسيمة. يصف الإمام الشوكاني - رحمه الله - حال الأمة الإسلامية عندما انقادت للتقليد واتبعت العوائد السيئة فيقول: «وبهذه الذريعة الشيطانية، والوسيلة الطاغوتية بقى المشرك من الجاهلية على شركه، واليهودي على يهوديته، والنصراني على نصرانيته، والمبتدع على بدعته، وصار المعروف منكرا والمنكر معروفا، وتبدلت الأمة بكثير من المسائل الشرعية وغيرها، وألفوا ذلك ومرنت عليه نفوسهم وقبلته قلوبهم وأنسوا إليه، حتى لو أراد من يتصدى للإرشاد أن يحملهم على المسائل الشرعية البيضاء النقية التي تبدلوا بها غيرها لنفروا عن ذلك، ولم تقبله طبائعهم، ونالوا ذلك المرشد بكل المكروه، ومزقوا عرضه بكل لسان، وهكذا كثير موجود في كل فرقة من الفرق لا ينكره إلا من هو منهم في غفلة [الدر النفيس في إخلاص كلمة التوحيد للشوكاني، ص(28 - 29) وانظر فقه النصر والتمكين في القرآن الكريم ص304]

 

9- أنواع التقليد:

1 - التقليد المباح: يكون في حق العامي الذي لا يعرف طرق الأحكام الشرعية، ويعجز عن معرفتها، ولا يمكنه فهم أدلتها، ولكن له طلب الدليل الشرعي من المفتي؛ لأن المسلم من حقه أن يستوثق من أمر دينه.

2 - التقليد المذموم: هو تقليد رجل واحد معين دون غيره من العلماء في جميع أقواله، أو أفعاله، ولا يرى الحق إلا فيه. ذهب جمهور أئمة أهل السنة والجماعة إلى جواز التقليد في العقائد والأحكام للعامي، والذي يعجز عن فهم الحجة والنظر والاستدلال.

ويحرم التقليد على العالم، أو الذي يستطيع النظر والاستدلال؛ إذا اجتهد وبان له الحق في المسألة أن يقلد غيره، سواء كان ذلك في العقائد أو الأحكام؛ لورود الأدلة في ذم التقليد والمقلدين. واتفقوا على أن التقليد من موانع التكفير؛ لأن المقلد جاهل لا يفهم الدليل أو الحجة، ولا بصيرة له ولا فقه؛ فهو معذور حتى تقام عليه الحجة ويعلم.

الإيمان حقيقته خوارمه نواقضه عند أهل السنة عبدالله بن عبدالحميد الأثري - ص272 يلخص شيخ الإسلام - رحمه الله - مذهب جماهير الأمة في التقليد والاجتهاد، فيقول: ( ... والذي عليه جماهير الأمة أن الاجتهاد في الجملة، والتقليد جائز في الجملة، لا يوجبون الاجتهاد على كل أحد ويحرمون التقليد، ولا يوجبون التقليد على كل أحد ويحرمون الاجتهاد، وأن الاجتهاد جائز للقادر على الاجتهاد، والتقليد جائز للعاجز عن الاجتهاد، فأما القادر على الاجتهاد، فهل يجوز له التقليد؟ هذا فيه خلاف، والصحيح أنه يجوز حيث عجز الاجتهاد: إما لتكافؤ الأدلة، وإما لضيق الوقت عن الاجتهاد، وإما لعدم ظهور دليل له، فإنه حيث عجز سقط عنه وجوب ما عجز عنه وانتقل إلى بدله وهو التقليد، كما لو عجز عن الطهارة بالماء، وكذلك العامي إذا أمكنه الاجتهاد في بعض المسائل جاز له الاجتهاد، فإن الاجتهاد منصب يقبل التجزئ والانقسام، فالعبرة بالقدرة والعجز ... ) [مجموع الفتاوى (20/ 203 - 204) ]، ويقول الإمام ابن عبد البر - رحمه الله - بعدما ساق من الأدلة والأقوال في إبطال التقليد وفساده -: (هذا كله لغير العامة، فإن العامة لابد لها من تقليد علمائها عند النازلة تنزل بها، لأنها لا تبين موقع الحجة ولا تصل بعدم الفهم إلى علم ذلك، لأن العلم درجات لا سبيل منها إلى أعلاها إلا بنيل أسفلها، وهذا هو الحائل بين العامة وبين طلب الحجة والله أعلم، ولم تختلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها) [جامع بيان العلم وفضله (2/ 114،115).].

وفصل الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في بيان التقليد الجائز وغير الجائز. فقال: (والتحقيق أن التقليد منه ما هو جائز، ومنه ما ليس بجائز، ومنه ما خالف فيه المتأخرون المتقدمين من الصحابة وغيرهم من القرون الثلاثة المفضلة، أما التقليد الجائز الذي لا يكاد يخالف فيه أحد من المسلمين فهو تقليد العامي عالماً أهلاً للفتيا في نازلة نزلت به، وهذا النوع من التقليد كان شائعاً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا خلاف فيه، فقد كان العامي، يسأل من شاء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حكم النازلة تنزل به، فيفتيه فيعمل بفتياه، وإذا نزلت به نازلة أخرى لم يرتبط بالصحابي الذي أفتاه أولاً، بل يسأل عنها من شاء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يعمل بفتياه، وأما ما لا يجوز من التقليد بلا خلاف، فهو تقليد المجتهد الذي ظهر له الحكم باجتهاد، مجتهد آخر يرى خلاف ما ظهر له هو، للإجماع على أن المجتهد إذا ظهر له الحكم باجتهاده، لا يجوز له أن يقلد غيره المخالف لرأيه، أما نوع التقليد الذي خالف فيه المتأخرون الصحابة وغيرهم من القرون المشهود لهم بالخير، فهو تقليد رجل واحد معين غيره من جميع العلماء، فإن هذا النوع من التقليد، لم يرد به نص من كتاب ولا سنة، ولم يقل به أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد القرون الثلاثة المشهود لهم بالخير، وهو مخالف لأقوال الأئمة الأربعة رحمهم الله، فلم يقل أحد منهم بالجمود على قول رجل واحد معين دون غيره من جميع علماء المسلمين، فتقليد العالم المعين من بدع القرن الرابع، ومن يدعي خلاف ذلك فليعين لنا رجلاً واحداً من القرون الأولى التزم مذهب رجل واحد معين ولن يستطيع ذلك أبداً، لأنه لم يقع ألبتة ... ) [أضواء البيان (7/ 487 - 489)، وهذا هو التقليد الذي تكلم الأئمة المحققون في بيان فساده وبطلانه] .

والخلاصة مما سبق، أن التقليد يجوز العامي العاجز عن فهم الحجة، ويحرم على العالم إذا اجتهد وبان له الحق في المسألة أن يقلد مجتهداً مثله، أما إذا لم يجتهد في المسألة مع قدرته فيجوز له التقليد في حالات معينة على الصحيح والله أعلم. [نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف لمحمد بن عبدالله بن علي الوهيبي- 2/ 39] .

التحليلات

الإحالات

1- أثر التعصب المذهبي على وحدة الأمة – عبد القادر الحمادي 17/17 الأمة .

2- الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإملم – القرافي .

3- الأخلاق الإسلامية – عبد الرحمن الميداني 1/755 دار القلم الطبعة الأولى 1399 .

4- أضواء البيان – الشنقيطي 7/485 .

5- إعلام الموقعين – ابن القيم دار الفكر الطبعة الثانية 1397 .

6- الاعتصام – الشاطبي 2/342 مكتبة الرياض الحديثة .

7- الانحرفات المذهبية والعلمية – علي الزهراني ص 693 دار الرسالة .

8- بدعة التعصب المذهبي – محمد عيد عباسي المكتبة الإسلامية الطبعة الثانية 1406 .

9- تاريخ الفقه الإسلامي – عمر الأشقر 115، 146 مكتبة الفلاح الطبعة 1402 .

10- التقريب – بكر زيد ص 54 مطابع دار الهلال الطبعة الأولى 1401 .

11- السلفيون والأئمة الأربعة – عبد الرحمن عبد الخالق الدار السلفية الطبعة الثانية 1398 .

12- صيد الخاطر – ابن الجوزي ص 160 .

13- الفقيه والمتفقه – الخطيب البغدادي 2/66 دار الكتب العلمية الطبعة الثانية 1400 .

14- اللمع في أصول الفقه – إبراهيم الفيروزأبادي ص 125 دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1405 .

15- مجموعة الرسائل والفتاوى النجدية ص 5، الفهارس ص 34 مكتبة دار العاصمة الطبعة الثالثة 1412 .

16- المختصر في أصول الفقه – ابن اللحام .

17- المدخل إلى دراسة المدارس والمذاهب الفقهية – عمر الأشقر ص 171 دار النفائس الطبعة الأولى 1416 .

18- موقف الأمة من اختلاف الأئمة – عطية محمد سالم ص 122، 125 دار التراث الطبعة الأولى 1410 .

19- نهاية السول في شرح منهاج الوصول إلى علم الأصول – الأسنوي .

20- هدية السلطان إلى مسلمي بلاد اليابان – محمد الخجندي تحقيق سليم الهلالي المكتبة الإسلامية الطبعة الأولى 1398 .

21- الورقات في أصول الفقه – أبو المعالي عبد الملك الجويني .