رخصة

2022-10-11 - 1444/03/15

التعريف

التعريف:

الرخصة: في اللغة العربية: التيسير والتسهيل، قال الجوهري في الصحاح: الرخصة في الأمر: خلاف التشديد فيه، ومن ذلك: رخص السعر: إذا سهل وتيسر، وأرخصه الله فهو رخيص، وأما الرخصة - بفتح الخاء -: فهو الشخص الآخذ بالرخصة، كما قال الآمدي (مجلة مجمع الفقه الإسلامي (2-15563).

 

الرخصة عند الأصوليين: هي الأحكام التي شرعها الله تعالى بناء على أعذار العباد، رعاية لحاجاتهم، مع بقاء السبب الموجب للحكم الأصلي (مرآة الأصول: 2-394؛ التقرير والتحبير: (2-146)؛ فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت: (1-116)؛ شرح العضد على مختصر المنتهى لابن الحاجب: (2-8)؛ الإبهاج للسبكي: (1-51) ؛ روضة الناظر: (1-172)؛ المدخل إلى مذهب أحمد: (ص 71).

 

وعرفها الشاطبي بقوله: هي ما شرع لعذر شاق، استثناء من أصل كلي يقتضي المنع، مع الاقتصار على مواضع الحاجة فيه (الموافقات: (1-301). وذكر الشافعية تعريفها بقولهم: هي الحكم الثابت على خلاف الدليل لعذر (الإحكام في أصول الأحكام للآمدي: (1-68)؛ المستصفى للغزالي: (1-63)؛ شرح المحلي على جمع الجوامع: 1-92؛ شرح الإسنوي: (1-899).

 

وقال السبكي في تعريف الرخصة بأنها: الحكم الشرعي الذي غُيّر من صعوبة إلى سهولة لعذر اقتضى ذلك، مع قيام سبب الحكم الأصلي (ينظر: حاشية العطار على شرح المحلي (2-442)، وإعانة الطالبين (4-271)، وقرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي (159 ـ 160)، ومجلة المجتمع (1-41). أما تعريف تتبع الرخص فقد وردت عدة تعريفات في معنى تتبُّع الرُّخص، فمنها: ما عرَّفه «الزركشي" بأنه: اختيار المرء من كل مذهب ما هو الأهون عليه.. (البحر المحيط (8-381).

 

وعرَّفه "الجلال المحلي" بقوله: أن يأخذ من كل مذهب ما هو الأهون فيما يقع من المسائل (شرح المحلي على جمع الجوامع بحاشية البناني (2-400).

 

وقال عبد اللطيف بن عبدالله التويجري: فالمقصود هو تتبُّع رخص العلماء باتِّباع الأسهل من أقوالهم في المسائل العلمية، بحيث لا يكون اتِّباع المكلف لهذه الرُّخص بدافع قوة الدليل وسطوع البراهين، بل الرغبة في اتِّباع الأيسر والأخف، سواء كان ذلك بهوى في النفس أو بقصد التشهي أو الجهل أو لأسباب أخرى (مجلة البيان المؤلف: تصدر عن المنتدى الإسلامي (230-4).

 

العناصر

1- معنى الرخصة.

 

2- حكم الأخذ بالرخصة وحكم تتبع الرُّخص.

 

3- تحذير السلف من تتبع الرخص.

 

4- من أشكال تتبع الرخص.

 

5- إمكانية الإنكار في بعض المسائل الخلافية.

 

6- أهمية الاعتناء بتربية الناس على التسليم لله تبارك وتعالى، وتعظيم نصوص الشرع.

 

7- من آثار تتبع الرخص.

 

الايات

1- قال الله تعالى: (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)[الحج:78].

 

2- قوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)[البقرة:185].

 

3- قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَاْلإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا َلا تَعْلَمُونَ)[الأعراف:33].

 

4- قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ...)[المَائدة:101]. 

 

5- قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ)[البقرة:189].

 

6- قوله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ)[يونس:59].

 

7- قوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ)[الأنعام:93].

 

8- قوله تعال: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)[الأعراف:33].

 

9- قوله تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)[يونس:18].

 

10- قوله تعالى: (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَاذِبُونَ)[النحل:105].

 

11- قول تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَ إِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا)[المائدة:41].

 

الاحاديث

1- عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا"(رواه البخاري 69، ومسلم 1734).

 

2- عن أبي أمامة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لم أبعث باليهودية و لا بالنصرانية، و لكني بعثت بالحنيفية السمحة، والذي نفسي بيده لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا و ما فيها، و لمقام أحدكم في الصف خير من صلاته ستين سنة"(أخرجه أحمد:5-266 وصححه الألباني في الصحيحة 2924).

 

3- عن بن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته"(رواه أحمد في المسند 5866 وقال شعيب الأرنؤوط: صحيح).

 

4- عن عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً، ينتزعه من العباد. ولكن يقبض العلم بقبض العلماء. حتى إذا لم يبق عالماً، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضّلوا وأضلوا"(متفق عليه).

 

5- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أفتى بغير علم كان إثمه على من أفتاه و من أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه"(حسن. صحيح الجامع الصغير وزيادته للألباني:6068).

 

الاثار

1- قال عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه: "إن الذي يفتي الناس في كل ما يستفتونه لمجنون"(الآداب الشرعية، 2-155).

 

2- قال محمد بن المنكدر: "العالم بين الله وبين خلقه، فلينظر كيف يدخل بينهم"(الآداب الشرعية، 2-159).

 

3- قال سفيان: "أدركت الفقهاء وهم يكرهون أن يجيبوا في المسائل والفتيا، حتى لا يجدوا بدا من أن يفتوا. وقال: أعلم الناس بالفتيا أسكتهم عنها، واجهلهم بها أنطقهم فيها"(الآداب الشرعية، 2-160).

 

4- عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: "أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يُسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا، حتى ترجع إلى الأول. وفي رواية: ما منهم من يحدّث بحديث إلاَّ ودّ أن أخاه كفاه إياه، ولا يُستفتى عن شيء إلاَّ ودّ أن أخاه كفاه الفتيا"(المجموع شرح، المهذب، 1-72-73؛ الآداب الشرعية، 2-158).

 

5- عن محمد بن سيرين، قال: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم (صحيح مسلم بشرح النووي، 1-119).

 

6- قال سليمان التيمي: لو أخذت برخصة كل عالم، أو قال: زلة كل عالم، اجتمع فيك الشر كله (لوامع الأنوار البهية، 2-466).

 

7- قال يحيى بن سعيد الأنصاري: "لو أن رجلا عمل بكل رخصة: بقول أهل الكوفة في النبيذ، وأهل المدينة في السماع، وأهل مكة في المتعة لكان فاسقا" وقال بعض السلف: من تتبع الرخص تزندق"(الدرر السنية في الأجوبة النجدية المؤلف: علماء نجد:15-155).

 

8- قال الأوزاعي: "من أخذ بنوادر العلماء خرج من الإسلام"(رواه البيهقي في الكبرى:10-211).

 

9- قال الحسن البصري: شرار عباد الله: ينتقون شرار المسائل يُعمون بها عباد الله (الآداب الشرعية:2-77).

 

10- قال عبد الرحمن بن مهدي: "لا يكون إماماً في العلم من يحدث بالشاذ من العلم"(رواه أبو نعيم في الحلية:9-4).

 

القصص

1- سئل محمد بن القاسم عن شيء، فقال: إني لا أحسنه. فقال له السائل: إني جئتك لا أعرف غيرك. فقال له القاسم: لا تنظر إلى طول لحيتي وكثرة الناس حولي، والله ما أحسنه! فقال شيخ من قريش جالس إلى جنبه: يا ابن أخي الزمها! فوالله ما رأيناك في مجلس أنبل منك اليوم!! فقال القاسم: والله لأن يُقطع لساني أحب إليّ من أن أتكلم بما لا علم لي به. (إعلام الموقعين عن رب العالمين، 4-201).

 

2- رأى رجل ربيعة بن أبي عبد الرحمن يبكي، فقال: ما يبكيك؟ فقال: اُستفتي من لا علم له، وظهر في الإسلام أمر عظيم. ثم قال: ولبعض من يفتي ههنا أحق بالسجن من السُراق. قال بعض العلماء: فكيف لو رأى ربيعة زماننا، وإقدام من علم عنده على الفتيا، وتوثبه عليها، ومد باع التكلف إليها، وتسلقه بالجهل والجرأة عليها، مع قلة الخبرة وسوء السيرة وشؤم السريرة، وهو من بين أهل العلم منكر أو غريب، فليس له في معرفة الكتاب والسنة وآثار السلف نصيب، ولا يبدي جوابا بإحسان.(إعلام الموقعين عن رب العالمين، 4-190).

 

3- قال ابن سريج: سمعت إسماعيل بن إسحاق القاضي يقول: :" دخلت على المعتضد، فدفع إليّ كتاباً نظرت فيه وكان قد جمع فيه الرخص من زَلَلِ العلماء، وما احتج به كل منهم لنفسه، فقلت له: يا أمير المؤمنين ! مؤلف هذا الكتاب زنديق، فقال : لم تصح هذه الأحاديث ؟ قلت: الأحاديث على ما رويت ، ولكن من أباح المسكر لم يبح المتعة، ومن أباح المتعة لم يبح الغناء، وما من عالم إلا وله زلة، ومن جمع زلل العلماء ثم أخذ بها ذهب دينه. فأمر المعتضد فأحرق ذلك الكتاب"(السنن الكبرى للبيهقي، 10 : 356-357،ح: 20921).

 

 

 

الاشعار

1- ما أحسن ما قيل:

والعلم ليس بنافع أربابه ما *** لم يفد نظرا وحسن تبصر  

(الدرر السنية في الأجوبة النجدية المؤلف: علماء نجد الأعلام:9-295).

 

2- ما أحسن ما قال بعض العلماء، رحمه الله:

العلم قال الله قال رسوله *** قال الصحابة ليس خلف فيه

ما العلم نصبك للخلاف سفاهة *** بين الرسول ورأي كل فقيه

(الدرر السنية في الأجوبة النجدية المؤلف: علماء نجد الأعلام:11-322).

 

متفرقات

1- قال أبو عمر بن عبد البر رحمه الله: الاختلاف ليس بحجة عند أحد علمتُهُ من فقهاء الأمة إلا من لا بصر له ولا معرفة عنده ولا حجة في قوله (جامع بيان العلم وفضله:359).

 

2- يقول الإمام الشاطبي رحمه الله: إذا صار المكلف في كل مسألة عنت له يتبع رخص المذاهب وكل قول وافق فيها هواه فقد خلع ربقة التقوى وتمادى في متابعة الهوى ونقض ما أبرمه الشارع وأخر ما قدمه (الموفقات للشاطبي:3-123).

 

3- قال ابن القيم رحمه الله: وقولهم: إن مسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيح ؛ فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول والفتوى أو العمل. أما الأول: فإذا كان القول يخالف سنة أو إجماعاً شائعاً وجب إنكاره اتفاقاً ؛ وإنما دخل هذااللَّبْس من جهة أن القائل يعتقد أن مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد كما اعتقد ذلك طوائف من الناس ممن ليس لهم تحقيق في العلم ؛ والصواب ما عليه الأئمة أن مسائل الاجتهاد ما لم يكن فيها دليل يجب العمل به وجوباً ظاهراً مثل حديث صحيح لا معارض له من جنسه. والمسائلُ التي اختلف فيها السلف والخلف وقد تيقنَّا صحة أحد القولين فيها كثيرةٌ (إعلام الموقعين:3-288).

 

4- قال ابن القيم أيضاً: من أفتى الناس وليس بأهل للفتوى، فهو آثم عاص، ومن أقره من ولاة الأمور على ذلك فهو آثم أيضا. قال أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله: ويلزم ولي الأمر منعهم كما فعل بنو أمية، وهؤلاء بمنزلة من يدل الركب وليس له علم بالطريق، وبمنزلة الأعمى الذي يرشد الناس إلى القبلة، وبمنزلة من لا معرفة له بالطب وهو يطب الناس، بل هو أسوأ حالا من هؤلاء كلهم! وإذا تعين على ولي الأمر منع من لم يحسن التطبب من مداواة المرضى، فكيف بمن لم يعرف الكتاب والسنة ولم يتفقه في الدين؟!! (إعلام الموقعين عن رب العالمين (4-199- 200).

 

5- قال العلامة ابن جماعة رحمه الله: وإذا سئل - أي العالم - عن ما لم يعلمه قال: لا أعلمه، أو لا أدري، فمن العلم أن يقول: لا أعلم. وعن بعضهم: لا أدري نصف العلم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: إذا أغفل العالم " لا أدري " أصيبت مقاتله. وقيل: ينبغي للعالم أن يورث أصحابه لا أدري لكثرة ما يقولها. قال محمد بن عبد الحكم: سألت الشافعي رضي الله عنه عن المتعة أكان فيها طلاق أو ميراث أو نفقة تجب أو شهادة؟ فقال: والله ما ندري (تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم::49).

 

6- قال الشافعي رحمه الله: ما رأيت أحدا جمع الله تعالى فيه من آلة الفتيا ما جمع في ابن عيينة، أسكت منه عن الفتيا. وقال أبو حنيفة: لولا الفَرَق من الله تعالى أن يضيع العلم ما أفتيت، يكون لهم المهنأ وعليّ الوزر (المجموع شرح المهذب:1-73).

 

7- قال ابن القيم رحمه الله: لا يجوز للمفتي تتبع الرخص لمن أراد نفعه... فإن حسن قصده في حيلة جائزة لا شبهة فيها ولا مفسدة لتخليص المستفتي بها من حرج جاز ذلك، بل استُحبّ، وقد أرشد الله نبيه أيوب عليه السلام إلى التخلص من الحنث: بأن يأخذ بيده ضغثاً فيضرب به المرأة ضربة واحدة... فأحسن المخارج ما خلص من المآثم، وأقبح الحيل ما أوقع في المحارم (إعلام الموقعين عن رب العالمين:4-205).

 

8- قال النووي رحمه الله: يحرم التساهل في الفتوى، ومن عرف به حرم استفتاؤه. فمن التساهل ألا يتثبت، ويسرع بالفتوى قبل استيفاء حقها من النظر والفكر. فإن تقدمت معرفته بالمسئول عنه فلا بأس بالمبادرة، وعلى هذا يحمل ما نقل عن الماضين من مبادرة. ومن التساهل أن تحمله الأغراض الفاسدة على تتبع الحيل المحرمة أو المكروهة، والتمسك بالشبه طلبا للترخيص لمن يروم نفعه، أو التغليظ على من يريد ضره. وأما من صح قصده فاحتسب في طلب حيلة لا شبهة فيها، لتخليص من ورطة يمين ونحوها، فذلك حسن جميل. وعليه يحمل ما جاء عن بعض السلف من نحو هذا، كقول سفيان: إنما العلم عندنا الرخصة من ثقة، فأما التشديد فيحسنه كل أحد (المجموع شرح المهذب:1/79-80).

 

9- قال الشاطبي رحمه الله: المفتي البالغ ذروة الدرجة هو الذي يَحمِل الناس على الوسط المعهود فيما يليق بالجمهور، فلا يذهب بهم مذهب الشدة، ولا يميل بهم إلى طرف الانحلال. والدليل على صحة هذا أنه الصراط المستقيم الذي جاءت به الشريعة... بلا إفراط ولا تفريط، فإذا خرج عن ذلك في المستفتين خرج عن قصد الشارع، ولذلك كان ما خرج عن المذهب الوسط مذموما عند العلماء الراسخين... وقد رد النبي صلى الله عليه وسلم (على عثمان بن مظعون رضي اللّه عنه) التبتل. (متفق عليه. اللؤلؤ والمرجان رقم: (886) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه] وقال لمعاذ رضي اللّه عنه لما أطال بالناس الصلاة: أفتّان أنت يا معاذ ؟ (متفق عليه. اللؤلؤ والمرجان، 266. من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.)... ورد عليهم الوصال، وكثير من هذا... ولأنه إذا ذهب بالمستفتي مذهب العنت والحرج بُغّض إليه الدين، وأدى إلى الانقطاع عن سلوك طريق الآخرة... وأما إذا ذهب به مذهب الانحلال كان مظنة للمشي مع الهوى والشهوة (الموافقات في أصول الشريعة:4/607-608).

 

10- قال ابن القيم رحمه الله: لا يجوز العمل بمجرد فتوى المفتي إذا لم تطمئن نفسه، وحاك في صدره من قبوله... ولا تخلصه فتوى المفتي من الله إذا كان يعلم أن الأمر في الباطن بخلاف ما أفتاه، كما لا ينفعه قضاء القاضي له بذلك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من قضيت له بحق مسلم، فإنما هي قطعة من النار، فليأخذها أو فليتركها (متفق عليه. اللؤلؤ والمرجان رقم: (1114) من حديث أم سلمة رضي الله عنها.]، (إعلام الموقعين عن رب العالمين (4/236-237).

 

11- قال الإمام أحمد رحمه الله: لا ينبغى للرجل أن ينصب نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال: أولها أن تكون له نية فإن لم تكن له نية لم يكن عليه نور ولا على كلامه نور، والثانية: أن يكون له علم وحلم ووقار وسكينة، الثالثة: أن يكون قويا على ماهو فيه وعلى معرفته، الرابعة: الكفاية وإلا مضغه الناس، الخامسة: معرفة الناس (إعلام الموقعين:4-199).

 

12- قال النووي أيضًا: وينبغي أن يكونَ المفتي ظاهرَ الوَرَع، مشهورًا بالدِّيانة الظاهرة، والصِّيانة الباهرة. وكان مالكٌ رحمه الله يعمل بما لا يُلْزِمُهُ الناسَ، ويقول: لا يكونُ عالمًا حتى يعملَ في خاصَّةِ نفسِهِ بما لا يُلزمه الناسَ ؛ مما لو تَرَكَهُ لم يأثمْ، وكان يحكي نحوَهُ عن شيخِه ربيعةَ"(آداب الفتوى:17).

 

13- قال عبد الله بكر ابو زيد: "والمفتي والقاضي في هذا سواء، ولا يظن المستفتي أن مجرد فتوى الفقيه تبيح له ما سأل عنه... سواء تردّد أو حاك في صدره، لعلمه بالحال في الباطن، أو لشكه فيه، أو لجهله به، أو لعلمه جهل المفتي، أو محاباته في فتواه، أو عدم تقييده بالكتاب والسنة، أو لأنه معروف بالفتوى بالحيل والرُّخص المخالفة للسُّنة، أو غير ذلك من الأسباب المانعة من الثقة بفتواه وسكون النفس إليها. فإن كان عدم الثقة والطمأنينة لأجل المفتي، يسأل ثانياً وثالثاً حتى تحصل له الطمأنينة، فإن لم يجد فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، والواجب تقوى الله بحسب الاستطاعة"(التعالم وأثره على الفكر والكتاب:50).  

 

14- قال الإمام أحمد رضي الله عنه قال: لو أن رجلاً عمل بكل رخصة: يعمل بمذهب أهل الكوفة في النبيذ، وأهل المدينة في السماع (يعني الغناء)، وأهل مكة في المتعة، لكان فاسقاً (لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية، للعلامة محمد السفاريني، 2-466).

 

 

 

 

الإحالات

1- الترخُّص بمسائل الخلاف ضوابطه وأقوال العلماء فيه الدكتور: خالد العروسي.

 

2- التحذير من تتبع رخص الفقهاء للشيخ خالد بن عثمان السبت.