الأنصار

2024-02-14 - 1445/08/04

التعريف

الأنصار: جمع ناصر، كصاحب وأصحاب، كما تجمع ناصر على ناصرين ونصار، اسم فاعل من نصر.

 

أو جمع نصير، كشريف وأشراف، (ناصر أو نصير) وكلاهما صواب، والنصير: فعيل، بمعنى فاعل أو مفعول؛ لأن كل واحد من المتناصرين ناصر ومنصور.

 

ونصير: صيغة مبالغة من ناصر، ومعناه: المساعد، والمعين، والمناصر، والمؤيد.

 

يقال: نصره على عدوه ينصره نصرًا، واستنصره على عدوه: سأله أن ينصره عليهم، وتناصر القوم: إذا نصر بعضهم بعضًا، وانتصر منه: انتقم. انظر: مختار الصحاح: (١-٦٨٨)، معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد مختار عمر: (٣-٢٢٢٠).

 

ولفظ الأنصار يأتي بمعنى: الأعوان المناصرين والمؤازرين والأتباع والحلفاء، وأهل الاتباع والتصديق.

 

وهذا اللفظ (الأنصار) بهذا المعنى اللغوي يمكن إطلاقه لغةً على كل من اتصف بهذا الوصف.

 

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

 

وفي المعنى الاصطلاحي الأمر ليس ببعيد عن المعنى اللغوي، فأنصار الرجل هم حلفاؤه وأتباعه ومؤيدوه في النزاعات، ومعاونوه على أمره.

 

ومن هنا جاء تعريف الأنصار في الاصطلاح الشرعي بأنهم الأوس، والخزرج من الأزد: سماهم الله عز وجل بذلك لما نصروا رسوله، وآووه، وكانوا له نعم الحلفاء والأتباع. انظر: مغاني الأخيار في شرح أسامي رجال معاني الآثار، العيني: (٣-٣٨٢).

 

فالأنصار اصطلاحًا: يطلق على من أسلم من أهل المدينة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من الأوس، والخزرج، ومزينة، وسليم، وجهينة، وغفار، وأسلم، فكل هؤلاء يسمون الأنصار، وهو اسم سماه الله تعالى لكل من ناصر نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم وآواه في المدينة. انظر: مغاني الأخيار في شرح أسامي رجال معاني الآثار، العيني: (٣-٣٨٢).

وأولادهم يدخلونه بالنسب؛ فيقال: الأنصاري للواحد منهم ومن أبنائهم.

 

العناصر

1- مفهوم الأنصار ونسبهم

 

2- ثناء القرآن والسنة على الأنصار.

 

3- صفات الأنصار وأعمالهم

 

4- فضائل الأنصار

 

5- حق الأنصار على المسلمين

الايات

1- قال الله تعالى: (إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 122].

 

2- قال تعالى: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ) [الأنعام:89].

 

3- قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ * وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الأنفال:74-75].

 

4- قال تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رضي الله عنهمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: ١٠٠].

 

5- قال تعالى: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[التوبة: 117]

 

6- قال تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[الحشر: 9].

الاحاديث

1- عن غيلان بن جرير قال: قُلتُ لأنَسٍ: أرَأَيْتَ اسْمَ الأنْصارِ، كُنْتُمْ تُسَمَّوْنَ به، أمْ سَمّاكُمُ اللَّهُ؟ قالَ: بَلْ سَمّانا اللَّهُ عزَّ وجلَّ، كُنّا نَدْخُلُ على أنَسٍ، فيُحَدِّثُنا بمَناقِبِ الأنْصارِ، ومَشاهِدِهِمْ، ويُقْبِلُ عَلَيَّ، أوْ على رَجُلٍ مِنَ الأزْدِ، فيَقولُ: فَعَلَ قَوْمُكَ يَومَ كَذا وكَذا كَذا وكَذا. رواه البخاري: (٣٧٧٦)

 

2- عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: فِينا نَزَلَتْ: (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنكُم أنْ تَفْشَلا، واللَّهُ ولِيُّهُما) قالَ: نَحْنُ الطّائِفَتانِ بَنُو حارِثَةَ، وبَنُو سَلِمَةَ وما نُحِبُّ -وقالَ سُفْيانُ مَرَّةً- وما يَسُرُّنِي أنَّها لَمْ تُنْزَلْ لِقَوْلِ اللَّهِ: (واللَّهُ ولِيُّهُما) رواه البخاري: (٤٥٥٨) ومسلم: (٢٥٠٥).

 

3- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أنَّ امْرَأَةً مِنَ الأنْصارِ أتَتِ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- معها أوْلادٌ لَها، فَقالَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نَفْسِي بيَدِهِ، إنَّكُمْ لَأَحَبُّ النّاسِ إلَيَّ" قالَها ثَلاثَ مِرارٍ. رواه البخاري: (٦٦٤٥).

 

4- عن مالك بن ربيعة أبو أسيد الساعدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خَيْرَ دُورِ الأنْصارِ دارُ بَنِي النَّجّارِ، ثُمَّ عبدِ الأشْهَلِ، ثُمَّ دارُ بَنِي الحارِثِ، ثُمَّ بَنِي ساعِدَةَ، وفي كُلِّ دُورِ الأنْصارِ خَيْرٌ" فَلَحِقَنا سَعْدُ بنُ عُبادَةَ فقالَ: أبا أُسَيْدٍ ألَمْ تَرَ أنَّ رَسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَيَّرَ الأنْصارَ فَجَعَلَنا أخِيرًا؟ فأدْرَكَ سَعْدٌ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ خُيِّرَ دُورُ الأنْصارِ فَجُعِلْنا آخِرًا، فقالَ: "أوَليسَ بحَسْبِكُمْ أنْ تَكُونُوا مِنَ الخِيارِ". أخرجه البخاري: (٣٧٩١)، ومسلم: (١٣٩٢).

 

5- عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنَّها زَفَّتِ امْرَأَةً إلى رَجُلٍ مِنَ الأنْصارِ، فقالَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: يا عائِشَةُ، ما كانَ معكُمْ لَهْوٌ؟ فإنَّ الأنْصارَ يُعْجِبُهُمُ اللَّهْوُ. رواه البخاري: (٥١٦٢).

 

6- عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: لَمّا كانَ يَومَ حُنَيْنٍ، أقْبَلَتْ هَوازِنُ وغَطَفانُ وغَيْرُهُمْ بنَعَمِهِمْ وذَرارِيِّهِمْ، ومع النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- عَشَرَةُ آلافٍ، ومِنَ الطُّلَقاءِ، فأدْبَرُوا عنْه حتّى بَقِيَ وحْدَهُ، فَنادى يَومَئذٍ نِداءَيْنِ لَمْ يَخْلِطْ بيْنَهُما؛ التَفَتَ عن يَمِينِهِ فَقالَ: "يا مَعْشَرَ الأنْصارِ"، قالوا: لَبَّيْكَ يا رَسولَ اللَّهِ، أبْشِرْ نَحْنُ معكَ، ثُمَّ التَفَتَ عن يَسارِهِ فَقالَ: "يا مَعْشَرَ الأنْصارِ"، قالوا: لَبَّيْكَ يا رَسولَ اللَّهِ، أبْشِرْ نَحْنُ معكَ، وهو على بَغْلَةٍ بَيْضاءَ، فَنَزَلَ فَقالَ: "أنا عبدُ اللَّهِ ورَسولُهُ". فانْهَزَمَ المُشْرِكُونَ، فأصابَ يَومَئذٍ غَنائِمَ كَثِيرَةً، فَقَسَمَ في المُهاجِرِينَ والطُّلَقاءِ ولَمْ يُعْطِ الأنْصارَ شيئًا، فَقالتِ الأنْصارُ: "إذا كانَتْ شَدِيدَةٌ فَنَحْنُ نُدْعى، ويُعْطى الغَنِيمَةَ غَيْرُنا"! فَبَلَغَهُ ذلكَ، فَجَمعهُمْ في قُبَّةٍ، فَقالَ: "يا مَعْشَرَ الأنْصارِ، ما حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟" فَسَكَتُوا، فَقالَ: "يا مَعْشَرَ الأنْصارِ، ألا تَرْضَوْنَ أنْ يَذْهَبَ النّاسُ بالدُّنْيا، وتَذْهَبُونَ برَسولِ اللَّهِ تَحُوزُونَهُ إلى بُيُوتِكُمْ؟" قالوا: بَلى، فَقالَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: لو سَلَكَ النّاسُ وادِيًا، وسَلَكَتِ الأنْصارُ شِعْبًا؛ لَأَخَذْتُ شِعْبَ الأنْصارِ. وقالَ هِشامٌ: قُلتُ: يا أبا حَمْزَةَ، وأَنْتَ شاهِدٌ ذاكَ؟ قالَ: وأَيْنَ أغِيبُ عنْه؟! أخرجه البخاري: (٤٣٣٧)، ومسلم: (١٠٥٩).

 

7- عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كانَتِ الأنْصارُ يَومَ الخَنْدَقِ تَقُولُ: نَحْنُ الَّذِينَ بايَعُوا مُحَمَّدا... على الجِهادِ ما حَيِينا أبَدا فَأَجابَهُمْ "اللَّهُمَّ لا عَيْشَ إلّا عَيْشُ الآخِرَهْ *** فأكْرِمِ الأنْصارَ والمُهاجِرَهْ. أخرجه البخاري: (٣٧٩٦)، ومسلم: (١٨٠٥).

 

8- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "آيَةُ الإيمانِ حُبُّ الأنْصارِ، وآيَةُ النِّفاقِ بُغْضُ الأنْصارِ". رواه البخاري: (٣٧٨٤).

 

9- عن البراء رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله". أخرجه البخاري (٣٧٨٣)، ومسلم (٧٥).

 

10- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أَتى رَجُلٌ رَسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، أصابَنِي الجَهْدُ، فأرْسَلَ إلى نِسائِهِ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُنَّ شيئًا، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "ألا رَجُلٌ يُضَيِّفُهُ هذِه اللَّيْلَةَ، يَرْحَمُهُ اللَّهُ؟ فَقامَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصارِ فَقالَ: أنا يا رَسولَ اللَّهِ، فَذَهَبَ إلى أهْلِهِ، فَقالَ لِامْرَأَتِهِ: ضَيْفُ رَسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لا تَدَّخِرِيهِ شيئًا، قالَتْ: واللَّهِ ما عِندِي إلّا قُوتُ الصِّبْيَةِ، قالَ: فَإِذا أرادَ الصِّبْيَةُ العَشاءَ فَنَوِّمِيهِمْ، وتَعالَيْ فأطْفِئِي السِّراجَ ونَطْوِي بُطُونَنا اللَّيْلَةَ، فَفَعَلَتْ، ثُمَّ غَدا الرَّجُلُ على رَسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقالَ: لقَدْ عَجِبَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ - أوْ ضَحِكَ - مِن فُلانٍ وفُلانَةَ فأنْزَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: (وَيُؤْثِرُونَ على أنْفُسِهِمْ ولو كانَ بهِمْ خَصاصَةٌ) رواه البخاري: (٤٨٨٩). وفي رواية في البخاري أيضًا: "ضحك الله الليلة، أو عجب من فعالكما".

 

11- عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: بايَعْنا رَسولَ اللهِ صَلّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ على السَّمْعِ والطّاعَةِ في العُسْرِ والْيُسْرِ، والْمَنْشَطِ والْمَكْرَهِ، وعلى أَثَرَةٍ عَلَيْنا، وعلى أَنْ لا نُنازِعَ الأمْرَ أَهْلَهُ، وعلى أَنْ نَقُولَ بالحَقِّ أَيْنَما كُنّا، لا نَخافُ في اللهِ لَوْمَةَ لائِمٍ". رواه البخاري: (٧١٩٩، ٧٢٠٠) ومسلم: (١٧٠٩).

 

12- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دَعا النبيُّ -صَلّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- الأنْصارَ لِيَكْتُبَ لهمْ بالبَحْرَيْنِ، فَقالوا: لا واللَّهِ حتّى تَكْتُبَ لِإِخْوانِنا مِن قُرَيْشٍ بمِثْلِها، فَقالَ: "ذاكَ لهمْ ما شاءَ اللَّهُ على ذلكَ"، يقولونَ له، قالَ: "فإنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أثَرَةً، فاصْبِرُوا حتّى تَلْقَوْنِي على الحَوْضِ". رواه البخاري: (٣١٦٣).

 

13- عن السائب بن يزيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا معشر الأنصار، ألم يمن الله عليكم بالإيمان، وخصكم بالكرامة، وسماكم بأحسن الأسماء: أنصار الله، وأنصار رسوله؟!" أخرجه الطبراني في الكبير: (٧-١٥١)، رقم: (٦٦٦٥).

 

14- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الإيمانَ لَيَأْرِزُ إلى المَدِينَةِ كما تَأْرِزُ الحَيَّةُ إلى جُحْرِها". رواه البخاري: (١٨٧٦).

 

15- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أُمِرْتُ بقَرْيَةٍ تَأْكُلُ القُرى، يقولونَ: يَثْرِبُ، وهي المَدِينَةُ، تَنْفِي النّاسَ كما يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ". رواه البخاري: (١٨٧١).

 

16- عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا مَعشرَ الأَنصارِ، إنَّ اللَّهَ قَد أثنى عليكُم في الطُّهورِ، فما طُهورُكُم؟" قالوا: نتَوضَّأُ للصَّلاةِ، ونغتَسلُ منَ الجَنابةِ، ونَستَنجي بالماءِ. قالَ: "فَهوَ ذاكَ، فعليكُموه". رواه ابن ماجه: (٢٩٠)، وصححه الألباني.

 

17- عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: دَعانا النَّبيُّ صَلّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَبايَعْناهُ، فقالَ فِيما أخَذَ عَلَيْنا: أنْ بايَعَنا على السَّمْعِ والطّاعَةِ، في مَنْشَطِنا ومَكْرَهِنا، وعُسْرِنا ويُسْرِنا، وأَثَرَةً عَلَيْنا، وأَنْ لا نُنازِعَ الأمْرَ أهْلَهُ، إلّا أنْ تَرَوْا كُفْرًا بَواحًا، عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فيه بُرْهانٌ. رواه البخاري: (٧٠٥٥).

 

18- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِ، قَالَ: لَمَا أَعْطَى رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا أَعْطَى مِنْ تِلْكَ الْعَطَايَا فِي قُرَيْشٍ وَقَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ، وَجَدَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِهِمْ، حَتَى قَالَ قَائِلُهُمْ: لَقِيَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَوْمَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هَذَا الْحَيَّ قَدْ وَجَدُوا عَلَيْكَ فِي أَنْفُسِهِمْ لِمَا صَنَعْتَ فِي هَذَا الْفَيْءِ الَذِي أَصَبْتَ، قَسَمْتَ فِي قَوْمِكَ، وَأَعْطَيْتَ عَطَايَا عِظَامًا فِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَلَمْ يَكُ فِي هَذَا الْحَيِ مِنَ الْأَنْصَارِ شَيْءٌ.

 

فقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ؟" قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَنَا إِلَّا امْرُؤٌ مِنْ قَوْمِي، وَمَا أَنَا؟ قَالَ: "فَاجْمَعْ لِي قَوْمَكَ فِي هَذِهِ الْحَظِيرَةِ"، قَالَ: فَخَرَجَ سَعْدٌ، فَجَمَعَ الْأَنْصَارَ فِي تِلْكَ الْحَظِيرَةِ، قَالَ: فَجَاءَ رِجَالٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، فَتَرَكَهُمْ، فَدَخَلُوا وَجَاءَ آخَرُونَ، فَرَدَّهُمْ، فَلَمَا اجْتَمَعُوا أَتَاهُ سَعْدٌ فَقَالَ: قَدِ اجْتَمَعَ لَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْأَنْصَارِ.

 

قَالَ: فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، بِالَذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ، ثُمَ قَالَ: "يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، مَا قَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ، وَجِدَةٌ وَجَدْتُمُوهَا فِي أَنْفُسِكُمْ، أَلَمْ آتِكُمْ ضُلَالًا فَهَدَاكُمُ اللهُ؟ وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللهُ؟ وَأَعْدَاءً فَأَلَفَ اللهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ؟"، قَالُوا: بَلِ اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ وَأَفْضَلُ. قَالَ: "أَلَا تُجِيبُونَنِي يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ؟"، قَالُوا: وَبِمَاذَا نُجِيبُكَ يَا رَسُولَ اللهِ، وَلِلَهِ وَلِرَسُولِهِ الْمَنُّ وَالْفَضْلُ؟ قَالَ: "أَمَا وَاللهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ فَلَصَدَقْتُمْ وَصُدِّقْتُمْ، أَتَيْتَنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ، وَمَخْذُولاً فَنَصَرْنَاكَ، وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ، وَعَائِلاً فَآسَيْنَاكَ، أَوَجَدْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فِي لُعَاعَةٍ مِنَ الدُنْيَا، تَأَلَفْتُ بِهَا قَوْمًا لِيُسْلِمُوا، وَوَكَلْتُكُمْ إِلَى إِسْلَامِكُمْ؟ أَفَلَا تَرْضَوْنَ -يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ- أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَاةِ وَالْبَعِيرِ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللهِ فِي رِحَالِكُمْ؟ فَوَالَذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الْأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَاسُ شِعْبًا، وَسَلَكَتِ الْأَنْصَارُ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ، اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْأَنْصَارَ، وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ، وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ" قالَ: فبَكى القَومُ حتّى أخضَلوا لِحاهُم وقالوا: رَضينا بِرَسولِ اللَّهِ - صلّى اللَّهُ علَيهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ - قَسْمًا وحظًّا. ثمَّ انصَرفَ رسولُ اللَّهِ - صلّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ - وتفرَّقْنا. أخرجه أحمد: (١١٧٣٠)، وابن أبي شيبة: (٣٣٠١٨)، وأبو يعلى: (١٠٩٢)، وصححه الألباني في فقه السيرة (٣٩٥).

 

19- عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَوْلا الهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأنْصارِ، ولو سَلَكَ النّاسُ وادِيًا وشِعْبًا، لَسَلَكْتُ وادِيَ الأنْصارِ وشِعْبَها، الأنْصارُ شِعارٌ، والنّاسُ دِثارٌ، إنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أُثْرَةً، فاصْبِرُوا حتّى تَلْقَوْنِي على الحَوْضِ" رواه ابن ماجه: (١٣٥)، وصححه الألباني.

 

20- عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الأنْصارَ كَرِشِي وعَيْبَتِي، وإنَّ النّاسَ سَيَكْثُرُونَ ويَقِلُّونَ، فاقْبَلُوا مِن مُحْسِنِهِمْ واعْفُوا عن مُسِيئِهِمْ". رواه مسلم: (٢٥١٠).

 

21- عن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: صَعِدَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المِنْبَرَ، وكانَ آخِرَ مَجْلِسٍ جَلَسَهُ مُتَعَطِّفًا مِلْحَفَةً على مَنْكِبَيْهِ، قدْ عَصَبَ رَأْسَهُ بعِصابَةٍ دَسِمَةٍ، فَحَمِدَ اللَّهَ وأَثْنى عليه، ثُمَّ قالَ: أيُّها النّاسُ إلَيَّ، فَثابُوا إلَيْهِ، ثُمَّ قالَ: أمّا بَعْدُ، فإنَّ هذا الحَيَّ مِنَ الأنْصارِ، يَقِلُّونَ ويَكْثُرُ النّاسُ، فمَن ولِيَ شيئًا مِن أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فاسْتَطاعَ أنْ يَضُرَّ فيه أحَدًا أوْ يَنْفَعَ فيه أحَدًا، فَلْيَقْبَلْ مِن مُحْسِنِهِمْ ويَتَجاوَزْ عن مُسِيِّهِمْ". أخرجه البخاري: (٩٢٧).

 

22- قَالَ أَنَسٌ: "خَرَجْتُ مَعَ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيِّ فِي سَفَرٍ، فَكَانَ يَخْدُمُنِي، فَقُلْتُ لَهُ: لَا تَفْعَلْ، فَقالَ: إنِّي قَدْ رَأَيْتُ الْأَنْصَارَ تَصْنَعُ بِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَيْئًا، آلَيْتُ أَلَا أَصْحَبَ أَحَدًا مِنْهُمْ إلَا خَدَمْتُهُ. وَكَانَ جَرِيرٌ أَكْبَرَ مِنْ أَنَسٍ، وَقَالَ ابْنُ بَشَارٍ: أَسَنَّ مِنْ أَنَسٍ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ: (٢٥١٣).

 

23- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَوْ أنَّ الأنْصارَ سَلَكُوا وادِيًا، أوْ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ في وادِي الأنْصارِ، ولَوْلا الهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأنْصارِ"، فقالَ أبو هُرَيْرَةَ: ما ظَلَمَ بأَبِي وأُمِّي، آوَوْهُ ونَصَرُوهُ، أوْ كَلِمَةً أُخْرى. أخرجه البخاري: (٣٧٧٩).

 

24- عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: كُنّا في غَزاةٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأنْصارِ، فَقالَ الأنْصارِيُّ: يا لَلْأَنْصارِ، وقالَ المُهاجِرِيُّ: يا لَلْمُهاجِرِينَ، فَسَمَّعَها اللَّهُ رَسوله -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "ما هذا؟" فَقالوا: كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأنْصارِ، فَقالَ الأنْصارِيُّ: يا لَلْأَنْصارِ، وقالَ المُهاجِرِيُّ: يا لَلْمُهاجِرِينَ، فَقالَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "دَعُوها فإنَّها مُنْتِنَةٌ" قالَ جابِرٌ: وكانَتِ الأنْصارُ حِينَ قَدِمَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أكْثَرَ، ثُمَّ كَثُرَ المُهاجِرُونَ بَعْدُ، فَقالَ عبدُ اللَّهِ بنُ أُبَيٍّ: أوَقَدْ فَعَلُوا، واللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنا إلى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ منها الأذَلَّ، فَقالَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: دَعْنِي يا رَسولَ اللَّهِ أضْرِبْ عُنُقَ هذا المُنافِقِ، قالَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "دَعْهُ لا يَتَحَدَّثُ النّاسُ أنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أصْحابَهُ". أخرجه البخاري: (٤٩٠٧)، ومسلم (٢٥٨٤).

 

25- عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنّا غُلامٌ فَسَمّاهُ القاسِمَ، فَقالتِ الأنْصارُ: لا نَكْنِيكَ أَبا القاسِمِ، ولا نُنْعِمُكَ عَيْنًا، فأتى النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، وُلِدَ لي غُلامٌ، فَسَمَّيْتُهُ القاسِمَ، فَقالتِ الأنْصارُ: لا نَكْنِيكَ أَبا القاسِمِ، ولا نُنْعِمُكَ عَيْنًا، فَقالَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَحْسَنَتِ الأنْصارُ، سَمُّوا باسْمِي ولا تَكَنَّوْا بكُنْيَتِي؛ فإنَّما أَنا قاسِمٌ". أخرجه البخاري: (٣١١٥)، ومسلم: (٢١٣٣).

 

26- عن البراء بن عازب رَضيَ اللهُ عنه يقولُ: نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ فِينا؛ كانَتِ الأنْصارُ إذا حَجُّوا فَجاؤُوا، لَمْ يَدْخُلُوا مِن قِبَلِ أبْوابِ بُيُوتِهِمْ، ولَكِنْ مِن ظُهُورِها، فَجاءَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصارِ، فَدَخَلَ مِن قِبَلِ بابِهِ، فَكَأنَّهُ عُيِّرَ بذلكَ، فَنَزَلَتْ: (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها) [البقرة: ١٨٩]. أخرجه البخاري: (١٨٠٣)، ومسلم: (٣٠٢٦).

 

27- عن زيد بن أرقم رَضيَ اللهُ عنه قال: قالتِ الأنْصارُ: يا رَسولَ اللَّهِ، لِكُلِّ نَبِيٍّ أتْباعٌ، وإنّا قَدِ اتَّبَعْناكَ، فادْعُ اللَّهَ أنْ يَجْعَلَ أتْباعَنا مِنّا. فَدَعا به. رواه البخاري: (٣٧٨٧).

 

28- عن عبدالرحمن بن عوف رَضيَ اللهُ عنه قال: بيْنا أَنا واقِفٌ في الصَّفِّ يَومَ بَدْرٍ، فَنَظَرْتُ عن يَمِينِي وعَنْ شِمالِي، فَإِذا أَنا بغُلامَيْنِ مِنَ الأنْصارِ حَدِيثَةٍ أَسْنانُهُما، تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بيْنَ أَضْلَعَ منهما، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُما فَقالَ: يا عَمِّ، هلْ تَعْرِفُ أَبا جَهْلٍ؟ قُلتُ: نَعَمْ، ما حاجَتُكَ إلَيْهِ يا ابْنَ أَخِي؟ قالَ: أُخْبِرْتُ أنَّهُ يَسُبُّ رَسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، والذي نَفْسِي بيَدِهِ، لَئِنْ رَأَيْتُهُ لا يُفارِقُ سَوادِي سَوادَهُ حتّى يَمُوتَ الأعْجَلُ مِنّا، فَتَعَجَّبْتُ لذلكَ، فَغَمَزَنِي الآخَرُ، فَقالَ لي مِثْلَها، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إلى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ في النّاسِ، قُلتُ: أَلا إنَّ هذا صاحِبُكُما الذي سَأَلْتُمانِي، فابْتَدَراهُ بسَيْفَيْهِما، فَضَرَباهُ حتّى قَتَلاهُ، ثُمَّ انْصَرَفا إلى رَسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فأخْبَراهُ، فَقالَ: أَيُّكُما قَتَلَهُ؟ قالَ كُلُّ واحِدٍ منهما: أَنا قَتَلْتُهُ، فَقالَ: هلْ مَسَحْتُما سَيْفَيْكُما؟ قالا: لا، فَنَظَرَ في السَّيْفَيْنِ، فَقالَ: كِلاكُما قَتَلَهُ، سَلَبُهُ لِمُعاذِ بنِ عَمْرِو بنِ الجَمُوحِ، وكانا مُعاذَ ابْنَ عَفْراءَ، ومُعاذَ بنَ عَمْرِو بنِ الجَمُوحِ. أخرجه البخاري: (٣١٤١)، ومسلم: (١٧٥٢).

 

29- عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: إنْ كُنّا لَنَنْظُرُ إلى الهِلالِ ثَلاثَةَ أهِلَّةٍ في شَهْرَيْنِ، وما أُوقِدَتْ في أبْياتِ رَسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نارٌ فَقُلتُ: ما كانَ يُعِيشُكُمْ؟ قالَتْ: الأسْوَدانِ التَّمْرُ والماءُ، إلّا أنَّه قدْ كانَ لِرَسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- جِيرانٌ مِنَ الأنْصارِ، كانَ لهمْ مَنائِحُ، وكانُوا يَمْنَحُونَ رَسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِن أبْياتِهِمْ فَيَسْقِيناهُ. رواه البخاري: (٦٤٥٩).

 

30- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَمْ يَكْذِبْ إبْراهِيمُ إلّا ثَلاثَ كَذَباتٍ: بيْنَما إبْراهِيمُ مَرَّ بجَبّارٍ ومعهُ سارَةُ فَذَكَرَ الحَدِيثَ، فأعْطاها هاجَرَ"، قالَتْ: كَفَّ اللَّهُ يَدَ الكافِرِ وأَخْدَمَنِي آجَرَ قالَ أبو هُرَيْرَةَ: فَتِلْكَ أُمُّكُمْ يا بَنِي ماءِ السَّماءِ. أخرجه البخاري: (٥٠٨٤)، ومسلم: (٢٣٧١).

 

31- عن قيس بن سعد بن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اللهم صل على الأنصار وعلى ذرية الأنصار وعلى ذرية ذرية الأنصار" أخرجه النسائي في السنن الكبرى رقم (10156) 6-89 ، وفي عمل اليوم والليلة رقـم (324) ص283 ، وابـن أبي شيبـة في المصنف رقم (32351) 6-398 ، وابن السني في عمل اليوم والليلة رقم (663) ص614، والطبراني في الكبير رقم (890) 18-349 ، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني رقم: (1765) 3-366 ، والبزار رقم: (3744) 9-196.

 

32- عن زيد بن أرقم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلأَنْصارِ، ولأَبْناءِ الأنْصارِ، وأَبْناءِ أبْناءِ الأنْصارِ. أخرجه البخاري: (٤٩٠٦)، ومسلم: (٢٥٠٦).

 

الاثار

1- قال عمر رضي الله عنه: "أوصي الخليفة بالمهاجرين الأولين أن يعرف لهم حقهم وأوصي الخليفة بالأنصار الذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبل أن يهاجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبل من محسنهم ويعفوا عن مسيئهم". رواه البخاري: (٤٨٨٨).

 

2- عن الضحاك قال في قوله تعالى: (فقد وكلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين): قال: "الأنصار". تفسير الطبري

 

3- قال قتادة في قوله: (لقد تاب الله على النبيّ والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوا في ساعة العسرة) [التوبة: ١١٧]، الآية "الذين اتبعوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك قِبَل الشأم في لهَبَانِ الحرّ على ما يعلم الله من الجهد، أصابهم فيها جهدٌ شديد، حتى لقد ذُكر لنا أن الرجلين كانا يشقّان التمرة بينهما، وكان النفر يتناولون التمرة بينهم، يمصُّها هذا ثم يشرب عليها، ثم يمصُّها هذا ثم يشرب عليها، فتاب الله عليهم وأقفلهم من غزوهم". تفسير الطبري

 

4- عن قتادة: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا) يقول: "مما أعطوا إخوانهم هذا الحيّ من الأنصار، أسلموا في ديارهم، فابتنوا المساجد والمسجد، قبل قدوم النبي -صلى الله عليه وسلم- فأحسن الله عليهم الثناء في ذلك، وهاتان الطائفتان الأوّلتان من هذه الآية، أخذتا بفضلهما، ومضتا على مَهَلهما، وأثبت الله حظهما في الفيء". تفسير الطبري

 

5- قال الحسـن البصري في قوله تعالى: (إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا)[آلِ عِمْرَانَ: 122] قال: "هما طائفتان من الأنصار همتا بذلك، فعصمهما الله، وقيل: لما رجع عبـد الله ابن أبي في أصحابـه يوم أحد همت الطائفتان باتباعه، فعصمهما الله". زاد المسير لابن الجوزي: (1-449).

الاشعار

1- قال حسان رضي الله عنه في مدح الأنصار:

سماهم الله أنصارًا بنصرهم *** دين الهدى وعوان الحرب تستعر

وسارعوا في سبيل الله واعترفوا *** للنائبات وما خافوا وما ضجروا

نزهة الأبصار في فضائل الأنصار؛ لغساني (ص: 120).

 

2- قال حسان بن ثابت رضي الله عنه وهو يخاطب أربد بن ربيعة وعامر بن الطفيل:

ألسنا ملوك الناس في جاهلية *** مضت وأولى الأفضال من آل عامر

فلما أتى الإسلام أصبح فخرنا *** ينير ويسري في النجوم الزواهري

ألسنا من الأنصار أصبح مجدنا *** يتيه ويستعلي على كل فاخر

ورثنا عن البهلول عمرو بن عامر *** مفاخر جماً تزدهي بمفاخر

ونحن بنو النضر المبين وديننا *** يدين المعبود إلى خير ناصر

عناصرنا صدق وحق ومفخر *** فأكرم بها من خطة لعناصر.

نزهة الأبصار في فضائل الأنصار؛ لغساني (ص: 174).

 

3- قال حسان بن ثابت الأنصاري في انتسابه في الأزد

يا بنت آل معاذ إنني رجل *** من معشر لهم في المجد بنيان

أما سألت فإنا معشر نجب *** الأزد نسبتنا والماء غسان

 

وقال أيضا:

فمن يك عنا معشر الأزد سائلاً *** فنحن بنو الغوث بن زيد بن مالك

وزيد بن كهلان الذي نال عزه *** قديما دراري النجوم الشوابك

إذا القوم عدوا مجدهم وفعالهم *** وأيامهم عند التقاء المناسك

وجدنا لنا فضلا يقر لنا به *** إذا ما فخرنا كل باق وهالك

 

وقال حسان أيضا:

ألم ترنا أبناء عمرو بن عامر *** لنا شرف يربي على كل مرتق

رسا في قرار الأرض ثم سمت له *** فروع تسامى كل نجم محلق

ملوك وأبناء الملوك كأنهم *** سواري نجوم تاليات ونفق

كجفنة والقمقام عمرو بن عامر *** وأبناء ماء المزن وابني محرق

الأنباه على قبائل الرواة للحافظ ابن عبد البر: (ص 103).

 

4- قال أبو الجود محمد منذر سرميني:

انظُرْ إلى رِفقِ الرسولِ بمَن رعَى *** واسمَعْ لقولٍ كانَ فيهِ الأَروَعا

انظُر إليهِ موجِّهاً أنصارَهُ *** في فضِّ خُلْفٍ كادَ أن يتوسَّعا

أهدَى مِن الأموالِ ساعةَ نصرهِ *** مُهَجاً يؤلِّفُ بينَها كَي تَسمعا

وغَفا عنِ الأنصارِ حَيثُ أبَى لهُمْ *** إلاَّ الرسولَ معيَّةً أومَرجعا

لكنَّ أنصارَ الرسولِ أهاجَهُمْ  *** ما جَدَّ من أمرٍ أُثيرَ فأَفزعا

فتوافَقوا ما بينَهُم قولاً يجدِّدُ *** أزمةً هَوجاءَ إنْ هوَ وُزِّعا

لكنَّ حكمةَ أحمدَ الهادي تولَّتْ *** مَوقفاً بالرِّفقِ كانَ مُضَوَّعا

أذِنَ الرسولُ بجَمعِ مَن نقلَ الدِّعايةَ *** والأذاةَ إلى الصُّفوفِ أوِ ادَّعَى

فتجمَّعوا أملاً بحَسمِ تَنازُعٍ *** سَريانهُ في القومِ ساءَ وضيَّعا

وإذا بأحمدَ آسراً تلكَ الجموعَ *** بكِلمَةٍ أدمَت ولكِن أَدمُعا

هل ساءكُم أني أجَزتُ بِذا المتاعِ *** لمَن أتى مُتردِّدا مُتَزعزعا

كَيما يذُوقَ فؤادُهُ زينَ الطَّريقِ *** إلى الهُدى.. ليَميلَ مِنهُ ويَقنعا

وتركتُكم لضَميركمٍ ولِدينكُم *** ولربِّكُم، وعَساهُ يَهدي مَن وَعى

هلاَّ رضِيتم قسمةً أن يَظفروا *** بعَطيةٍ هيَ قد تكونُ الأَنفَعا

أو تظفروا بنبيِّكُمْ في صفِّكمْ *** أنَّى اتجَهتُم أو سَلَكتُم مَوضِعا

فتبادرَ الأنصارُ حَولَ نبيِّهِم *** يُبكونَ قلباً كادَ أن يتقَطَّعا

قالوا رضِينا قِسمةً، ولَنا الفخارُ *** إذِ ارتضَيتَ الصَّفحَ عنَّا أجمَعا

فدِيارُنا وقُلوبنا، بَل أهلُنا *** خَدمٌ لدَيكَ.. وما أُحَيلانا مَعا

فتبسَّمَ الهادي ونادَى في المَدينَةِ: *** إنَّ أنصارَ الهُدى لَن تُفجَعا

أنا واحدٌ مِنهُم، وَلم أهنَأْ بغَيرِ *** دِيارهِمْ، وبِهم رأيتُ المَفزَعا

يا ربِّ، فارحَمهُمْ وأبناءً لهُمْ *** واجعَل لهُم في كلِّ قَلبٍ مَرْبَعا

المصدر: موقع الألوكة

متفرقات

1- قال ابن كثير عند قوله تعالى: (لقد كان لسبأ في مسكنهم آية) [سبأ: ١٥]: "فأسلم قبيلة من الأنصار والأنصار أوسها وخزرجها من غسان من عرب اليمن من سبإ نزلوا بيثرب لما تفرقت سبأ في البلاد حين بعث الله عز وجل عليهم سيل العرم ونزلت طائفة منهم بالشام وإنما قيل لهم غسان بماء نزلوا عليه قيل باليمن وقيل إنه قريب من المشلل كما قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:

أما سألت فإنا معشر نجب *** الأزد نسبتنا والماء غسان". تفسير ابن كثير

 

2- قال ابن حجر في شرحه لحديث: (أُوصِيكُمْ بالأنْصارِ، فإنَّهُمْ كَرِشِي وعَيْبَتِي، وقدْ قَضَوُا الذي عليهم، وبَقِيَ الذي لهمْ): "قوله: (كرشي وعيبتي) أي بطانتي وخاصتي قال القزاز: ضرب المثل بالكرش؛ لأنه مستقر غذاء الحيوان الذي يكون فيه نماؤه، ويقال: لفلان كرش منثورة أي عيال كثيرة، والعَيْبَة: ما يحرز فيه الرجل نفيس ما عنده، يريد أنهم موضع سره وأمانته. قال ابن دريد: هذا من كلامه -صلى الله عليه وسلم- الموجز الذي لم يسبق إليه.

وقال غيره: الكرش بمنزلة المعدة للإنسان، والعيبة مستودع الثياب والأول أمر باطن والثاني أمر ظاهر، فكأنه ضرب المثل بهما في إرادة اختصاصهم بأموره الباطنة والظاهرة، والأول أولى، وكل من الأمرين مستودع لما يخفى فيه.

 

قوله: (وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم) يشير إلى ما وقع لهم ليلة العقبة من المبايعة، فإنهم بايعوا على أن يؤووا النبي -صلى الله عليه وسلم- وينصروه على أن لهم الجنة، فوفوا بذلك". فتح الباري: (٧-١٢٢).

 

3- قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: "وقوله: (فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ) [الأنعام:89] يعني: أهل مكة، قاله ابن عباس وسعيد بن المسيب والضحاك وقتادة والسدي وغير واحد، وقوله: (فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ) [الأنعام:89]؛ أي: إن يكفر بهذه النعم من كفر بها من قريش وغيرهم من سائر أهل الأرض، من عرب وعجم، ومليين وكتابيين، فقد وكلنا بها قومًا آخرين، أي: المهاجرين والأنصار، وأتباعهم إلى يوم القيامة". تفسير ابن كثير

 

4- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ذهب جمهور العلماء إلى أن السابقين في قوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ) [التوبة: ١٠٠]. هم هؤلاء الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، وأهل بيعة الرضوان كلهم منهم، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة". منهاج السنة النبوية: (١-١٥٤).

 

5- قال الرازي: "اختلفوا في السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار من هم؟ وذكروا وجوهًا..."، ثم قال: "والصحيح عندي أنهم السابقون في الهجرة وفي النصرة، والذي يدل عليه أنه ذكر كونهم سابقين، ولم يبين أنهم سابقون في ماذا؟ فبقي اللفظ مجملًا، إلا أنه وصفهم بكونهم مهاجرين وأنصارًا، فوجب صرف ذلك اللفظ إلى ما به صاروا مهاجرين وأنصارًا، وهو الهجرة والنصرة، فوجب أن يكون المراد منه السابقون الأولون في الهجرة والنصرة؛ إزالة للإجمال عن اللفظ... ثم قال: و أيضًا فالسبق إلى الهجرة طاعة عظيمة من حيث إن الهجرة فعل شاق على النفس، ومخالف للطبع، فمن أقدم عليه أولًا صار قدوة لغيره من هذه الطاعة، وكان ذلك مقويًا لقلب الرسول عليه الصلاة والسلام، وسببًا لزوال الوحشة عن خاطره، وكذلك السبق في النصرة، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام لما قدم المدينة، فلا شك أن الذين سبقوا إلى النصرة والخدمة، فازوا بمنصب عظيم". قال الشوكاني رحمه الله على كلام الرازي: "ولا مانع من حمل الآية على هذه الأصناف كلها". فتح القدير: (٢-٥٧٧).

 

 

6- قال شهاب الدين القسطلاني عند حديث "فإنَّ هذا الحَيَّ مِنَ الأنْصارِ، يَقِلُّونَ ويَكْثُرُ النّاسُ": قال: "هو من إخباره -عليه الصلاة والسلام- بالمغيبات، فإن الأنصار قلّوا، وكثر الناس". إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري: (2-185).

 

7- قال ابن كثير رحمه الله عند قوله تعالى: (رضي الله عنهم ورضوا عنه) [التوبة: ١٠٠]: "يخبر تعالى عن رضاه عن السابقين من المهاجرين والأنصار، والتابعين لهم بإحسان، ورضاهم عنه بما أعد لهم من جنات النعيم، والنعيم المقيم". تفسير ابن كثير

 

8- قال ابن كثير أيضًا عند قوله تعالى: (رضي الله عنهم ورضوا عنه) [التوبة: ١٠٠]: "فقد أخبر الله العظيم أنه قد رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، فيا ويل من أبغضهم أو سبهم، أو أبغض أو سب بعضهم". تفسير ابن كثير

 

9- قال الطبري في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ)[الأنفال: 75] قال: "يقول تعالى ذكره: (والذين آمنوا)، بالله ورسوله، من بعد تبياني ما بيَّنت من ولاية المهاجرين والأنصار بعضهم بعضًا، وانقطاع ولايتهم ممن آمن ولم يهاجر حتى يهاجر = (وهاجروا)، دارَ الكفر إلى دار الإسلام = (وجاهدوا معكم)، أيها المؤمنون = (فأولئك منكم)، في الولاية، يجب عليكم لهم من الحق والنصرة في الدين والموارثة، مثل الذي يجب لكم عليهم، ولبعضكم على بعض، كما جاء عن ابن إسحاق، قال: "ثم ردّ المواريث إلى الأرحام ممن أسلم بعد الولاية من المهاجرين والأنصار دونهم، إلى الأرحام التي بينهم"، فقال: (والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله)، أي: بالميراث". تفسير الطبري

 

10- قال ابن سعدي عند قوله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ)[الأنفال: 75] قال: "وكذلك من جاء بعد هؤلاء المهاجرين والأنصار، ممن اتبعهم بإحسان فآمن وهاجر وجاهد في سبيل اللّه‏.‏ (فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ‏)‏ لهم ما لكم وعليهم ما عليكم فهذه الموالاة الإيمانية - وقد كانت في أول الإسلام - لها وقع كبير وشأن عظيم، حتى إن النبي -صلى الله عليه وسلم- آخى بين المهاجرين والأنصار أخوة خاصة، غير الأخوة الإيمانية العامة، وحتى كانوا يتوارثون بها، فأنزل اللّه (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ‏)‏ فلا يرثه إلا أقاربه من العصبات وأصحاب الفروض، فإن لم يكونوا، فأقرب قراباته من ذوي الأرحام، كما دل عليه عموم هذه الآية الكريمة، وقوله‏:‏ (فِي كِتَابِ اللَّهِ‏)‏ أي‏:‏ في حكمه وشرعه‏.‏ (إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ‏)‏ ومنه ما يعلمه من أحوالكم التي يجري من شرائعه الدينية عليكم ما يناسبها‏‏". تفسير السعدي

 

11- قال الهروي في شرحه لحديث: "لِكُلِّ نَبِيٍّ أتْباعٌ، وإنّا قَدِ اتَّبَعْناكَ، فادْعُ اللَّهَ أنْ يَجْعَلَ أتْباعَنا مِنّا أي أن لكل نبي" قال: "أتباع، ونحن أتباعك؛ لأنا قد اتبعناك، فادع الله أن يكون أتباعنا منا؛ أي متصلين بنا، مقتفين آثارنا بإحسان؛ كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ)، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل أتباعهم منهم" مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح:. (9-4030).

 

12- قال سيد قطب في الكلام عند قوله تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ ...)[الحشر: 9]. قال: "وهذه كذلك صورة وضيئة صادقة تبرز أهم الملامح المميزة للأنصار، هذه المجموعة التي تفردت بصفات، وبلغت إلى آفاق، لولا أنها وقعت بالفعل، لحسبها الناس أحلامًا طائرة، ورؤًى مجنحة، ومثلًا عليا قد صاغها خيال محلق. . .، ولم يعرف تاريخ البشرية كله حادثًا جماعيًا كحادث استقبال الأنصار للمهاجرين بهذا الحب الكريم، وبهذا البذل السخي، وبهذه المشاركة الرضية، وبهذا التسابق إلى الإيواء واحتمال الأعباء، حتى ليروى أنه لم ينزل مهاجر في دار أنصاري إلا بقرعة؛ لأن عدد الراغبين في الإيواء المتزاحمين عليه أكثر من عدد المهاجرين". في ظلال القرآن

 

13- قال القاسمي: "وقوله: (يُحِبُّونَ) [الحشر: 9]؛ أي: لوجود الجنسية -أي المجانسة- في الصفاء، والموافقة في الدين والإخاء، قال الشهاب: المراد بمحبتهم المهاجرين هنا مواساتهم، وعدم الاستثقال والتبرم منهم، إذا احتاجوا إليهم، فالمحبة كناية عما ذكر". محاسن التأويل

 

14- قال العيني: "في قوله: (يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ)[الحشر: 9]؛ أي: من المسلمين، حتى بلغ من محبتهم أن نزلوا لهم عن نسائهم، وشاطروهم أموالهم ومساكنهم" عمدة القاري: (٢٤-٤١١).

 

15- قال القرطبي عند قوله: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ)[الحشر: 9]: "الإيثار: هو تقديم الغير على النفس في حظوظها الدنيوية؛ رغبة في الحظوظ الدينية، وذلك ينشأ عن قوة اليقين، وتوكيد المحبة، والصبر على المشقة". تفسير القرطبي

 

16- قال ابن العربي عند قوله: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ)[الحشر: 9]: "قال الخلق بأجمعهم: يريد بذلك الأنصار الذين آووا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين طرد، ونصروه حين خذل، فلا مثل لهم، ولا لأجرهم". أحكام القرآن

 

17- قال شيخ الإسلام في الفتاوى: "وبهذا أثنى الله تعالى على الأنصار، فقال: (وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) ‏[الحشر: ٩]. قال: "أي: مما أوتي إخوانهم المهاجرون، قال المفسرون: لا يجدون في صدورهم حاجة أي: حسدًا وغيظًا، مما أوتي المهاجرون، ثم قال بعضهم: من مال الفيء، وقيل: من الفضل والتقدم". مجموع الفتاوى

 

18- قال الشوكاني عند قوله تعالى: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ)[الْأَنْفَالِ: 75] قال: "أي: بعضهم أولياء بعض في النصرة والمعونة، وقيل المعنى: إن بعضهم أولياء بعض في الميراث، وقد كانوا يتوارثون بالهجرة والنصرة، ثم نسخ ذلك بقوله سبحانه: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ)[الْأَنْفَالِ: 75]. فتح القدير

 

19- قال ابن جزي في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ)[الحشر: 9].  قال: "فإن قيل: كيف قال: تبوءوا الدار والإيمان، وإنما تتبوأ الدار، أي: تسكن ولا يتبوأ الإيمان؟ فالجواب من وجهين:

الأول: أن معناه تبوءوا الدار، وأخلصوا الإيمان، فهو كقولك: علفتها تبنًا وماء باردًا. تقديره: علفتها تبنًا، وسقيتها ماء باردًا.

 

والثاني: أن المعنى: أنهم جعلوا الإيمان كأنه موطن لهم؛ لتمكنهم فيه، كما جعلوا المدينة كذلك".

 

"فإن قيل: قوله: (من قبلهم) [الحشر: ٩]. يقتضي أن الأنصار سبقوا المهاجرين بنزول المدينة وبالإيمان، فأما سبقهم لهم بنزول المدينة فلا شك فيه؛ لأنها كانت بلدهم، وأما سبقهم لهم بالإيمان فمشكل؛ لأن أكثر المهاجرين أسلم قبل الأنصار.

 

قال: والجواب من وجهين:

أحدهما: أنه أراد بقوله: (من قبلهم) [الحشر: ٩] من قبل هجرتهم.

 

والآخر: أنه أراد تبوءوا الدار مع الإيمان معًا، أي: جمعوا بين الحالتين قبل المهاجرين؛ لأن المهاجرين إنما سبقوهم بالإيمان لا بتبوء الدار، فيكون الإيمان على هذا مفعولًا معه، وهذا الوجه أحسن؛ لأنه جواب عن هذا السؤال، وعن السؤال الأول فإنه إذا كان الإيمان مفعولًا معه لم يلزم السؤال الأول؛ إذ لا يلزم إلا إذا كان الإيمان معطوفًا على الدار". التسهيل لعلوم التنزيل

 

20- قال الألوسي في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ)[الحشر: 9] قال: "ذلك من قبل تقدير مضاف، حيث قال: «والكلام بتقدير مضاف، أي: من قبل هجرتهم، فنهاية ما يلزم سبق الإيمان الأنصار على هجرة المهاجرين، ولا يلزم منه سبق إيمانهم على إيمانهم؛ ليقال: إن الأمر بالعكس، وجوز أن لا يقدر مضاف، ويقال: ليس المراد سبق الأنصار لهم في أصل الإيمان، بل سبقهم إياهم في التمكن فيه؛ لأنهم لم ينازعوا فيه لما أظهروه.

 

وقيل: الكلام على التقديم والتأخير، والتقدير: تبوءوا الدار من قبلهم والإيمان، فيفيد سبقهم إياهم في تبوء الدار فقط، وهو خلاف الظاهر، على أن مثله لا يقبل ما لم يتضمن نكتة سرية، وهي غير ظاهرة ها هنا؛ وقيل: لا حاجة إلى شيء مما ذكر، وقصار ما تدل الآية عليه تقدم مجموع تبوء الأنصار وإيمانهم على تبوء المهاجرين وإيمانهم، ويكفي في تقديم المجموع تقدم بعض أجزائه، وهو ها هنا تبوء الدار، وتعقب بمنع الكفاية، ولو سلمت لصح أن يقال: بتقدم تبوء المهاجرين وإيمانهم على تبوء الأنصار وإيمانهم؛ لتقدم إيمان المهاجرين". روح المعاني

 

21- قال الشوكاني عند قوله تعالى: (والذين استجابوا لربهم)[الشورى: ٣٨] قال: "قال ابن زيد: هم الأنصار بالمدينة استجابوا إلى الإيمان بالرسول حين أنفذ إليهم اثني عشر نقيبًا منهم قبل الهجرة، وأقاموا الصلاة لمواقيتها بشروطها وهيئاتها". فتح القدير

 

22- قال ابن عاشور عند قوله تعالى: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ...)[التوبة: 117] قال: "وافتتاح الله هذه الآية بحرف التحقيق (لَقَدْ)؛ تأكيدًا لمضمونها المتقرر فيما مضى من الزمان، حسبما دل عليه الإتيان بالمسندات كلها أفعالًا ماضية.

 

ومن المحسنات افتتاح هذا الكلام بما يؤذن بالبشارة لرضا الله على المؤمنين الذين غزوا تبوك، وتقديم النبي صلى الله عليه وسلم في تعلق فعل التوبة بالغزاة؛ للتنويه بشأن هذه التوبة، وإتيانها على جميع الذنوب؛ إذ قد علم المسلمون كلهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر". التحرير والتنوير

 

23- قال الطبري عند قوله تعالى: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ...)[التوبة: 117] قال: "يقول تعالى ذكره: لقد رزق الله الإنابة إلى أمره وطاعته نبيه محمدًا، والمهاجرين  منهم من النفقة والظهر والزاد والماء". تفسير الطبري

 

الإحالات

1- نزهة الأبصار في فضائل الأنصار؛ للقاضي أبو بكر عتيق ابن الفراء الغساني الأندلسي.

 

2- تاريخ قبائل الأنصار في سائر البلدان والأقطار؛ لياسر حميد حامد.