إيمان

2022-11-05 - 1444/04/11

التعريف

أولًا: المعنى اللغوي:

 

الإيمان مصدر الفعل الرباعي آمن وأصله أأمن، وأعلت الهمزة الثانية بالقلب ألفًا؛ لكونها ساكنة والتي قبلها متحركة بالفتح، وهو أصل يدل على معنيين:

 

الأول: إعطاء الأمن والأمان والطمأنينة؛ الذي هو ضد الخوف، وآمنته ضد أخفته.

 

الثاني: التصديق الذي هو ضد التكذيب.

 

وإذا قال العبد: آمنت بالله تعالى ربًا، أي: صدقت به، واطمأننت لأمره.

 

فالإيمان في اللغة يراد به معنيان، يظهر معناهما بحسب السياق وهما: الأمن وضده الخوف، والتصديق وضده التكذيب، والمعنيان متداخلان (انظر: الصحاح، الجوهري، ٥/٢٠٧١، القاموس المحيط، الفيروزآبادي، ص١٥١٨، لسان العرب، ابن منظور، ١٣/٢١، المفردات، الأصفهاني، ص ٩٠).

 

ويرى ابن تيمية أن الإيمان بمعنى الإقرار؛ فيقول: ومعلوم أن الإيمان هو الإقرار؛ لا مجرد التصديق، والإقرار ضمن قول القلب الذي هو التصديق، وعمل القلب الذي هو الانقياد (انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ٧/٢٩١، الإيمان، حقيقته، خوارمه، نواقضه، عند أهل السنة والجماعة، عبد الله بن عبد الحميد، ص١٩، ٢١).

 

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

 

الإيمان: "التصديق الجازم، والاعتراف التام بجميع ما أخبر الله ورسوله عنه في القرآن والسنة، وأمر بالإيمان به، والانقياد له ظاهرًا وباطنًا"(التوضيح والبيان لشجرة الإيمان، السعدي، ص٤١).

 

فهو قول وعمل واعتقاد يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية (انظر: العقيدة الواسطية، ابن تيمية ص١٦١)، "ويشمل عقائد الإيمان، وأخلاقه، وأعماله"(التوضيح والبيان لشجرة الإيمان، السعدي، ص٤١).

 

وهو تصديق القلب واعتقاده، المتضمن لأعمال القلوب، وأعمال البدن، وذلك شامل للقيام بالدين كله؛ ولهذا كان الأئمة والسلف يقولون: الإيمان قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح (انظر: الإيمان، ابن تيمية، ص١٣٧).

العناصر

1- مفهوم الإيمان

 

2- اقتران الإيمان بالعمل الصالح

 

3- المؤمن من أسماء الله تعالى

 

4- أركان الإيمان في القرآن

 

5- زيادة الإيمان ونقصانه وقلته

 

6- أثر الإيمان في النفوس

 

7- ثمرات الإيمان في الدنيا والآخرة

الايات

1- قال الله تعالى: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ)[البقرة:177].

 

2- قال تعالى: (رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا)[آل عمران:193].

 

3- قال تعالى: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا)[الأنعام: 158]

 

4- قال تعالى: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ)[التوبة:19].

 

5- قال تعالى: (مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَن أُكرِهَ وَقَلبُهُ مُطمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ)[النحل:106].

 

6- قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ)[المؤمنون:1-6].

 

7- قال تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَانِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَْرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا * وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا)[الفرقان: 63-68].

 

8- قال تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ)[الْحُجُرَاتِ:7].

 

9- قال تعالى: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[الحجرات:14].

 

10- قال تعالى: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)[الحجرات:17].

 

11- قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ)[الطور:21].

 


 

الاحاديث

1- عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه" .. إلى أن قال: "فأخبرني عن الإيمان. قال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره". قال: صدقت"(رواه مسلم:102).

 

2- عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الإيمان بضع وستون شعبة والحياء شعبة من الإيمان"(رواه البخاري:9).

 

3- عن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار"(رواه البخاري:16).

 

4- عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يدخل أهل الجنةِ الجنةَ وأهل النارِ النارَ ثم يقول الله تعالى: أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فيخرجون منها قد اسودوا فيلقون في نهر الحيا أو الحياة -شك مالك- فينبتون كما تنبت الحبة في جانب السيل ألم تر أنها تخرج صفراء ملتوية"(رواه البخاري:22).

 

5- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل أي العمل أفضل فقال: "إيمان بالله ورسوله" قيل ثم ماذا؟ قال: "الجهاد في سبيل الله" قيل: ثم ماذا؟ قال: "حج مبرور"(رواه البخاري:26).

 

6- عن عبدالله بن عمرو الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّ الإيمانَ ليَخلَقُ في جوفِ أحدِكم كما يَخْلَقُ الثوبُ ، فاسأَلوا اللهَ أن يُجدِّدَ الإيمانَ في قلوبِكم"(أخرجه الطبراني:14-70 (14668)، والحاكم:5).

 

 

الاثار

1- كان من فقه ابن مسعود -رضي الله عنه- أن يقول في دعائه: "اللهم زدني إيمانا وفقها"(جزء من حديث أخرجه الحاكم في مستدركه:1/131-208، وصححه الألباني في الصحيحة:51).

 

2- قال معاذ -رضي الله عنه- لرجل: "اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنْ سَاعَةً"(كتاب الإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلام).

 

3- قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: "اليقين الإيمان كله، والصبر نصف الإيمان"(صحيح موقوفاً: وعلقه البخاري في صحيحه (1/47)كتاب الايمان وقال الحافظ في الفتح (1/48)، وصله الطبراني بسند صحيح... وأخرجه أبو نعيم في الحلية والبيهقي في الزهد من حديثه مرفوعاً ولا يثبت رفعه أ.ه).

 

4- قال أبو هريرةَ: "الإيمانُ نَزِهٌ فمن زنا فارقه الإيمانُ، فمن لام نفسَه وراجع راجعَه الإيمانُ"(الإيمان لابن أبي شيبة ١٦).

 

5- عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أَنَهُ كَتَبَ إِلَى عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ: "إِنَّ لِلْإِيمَانِ فَرَائِضَ، وَشَرَائِعَ ، وَحُدُودًا ، وَسُنَنًا، فَمَنْ اسْتَكْمَلَهَا اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهَا لَمْ يَسْتَكْمِلْ الْإِيمَانَ، فَإِنْ أَعِشْ فَسَأُبَيِّنُهَا لَكُمْ، حَتَّى تَعْمَلُوا بِهَا، وَإِنْ أَمُتْ فَمَا أَنَا عَلَى صُحْبَتِكُمْ بِحَرِيصٍ"(فتح الباري – كتاب الإيمان:1-45).

 

6- قال قتادة في قوله تعالى: (يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء) [إبراهيم: 27]: أما الحياة الدنيا فيثبتهم بالخير والعمل الصالح، وفي الآخرة في القبر (تفسير ابن كثير:2-651).

 

قال أبو العالية: "إن الله تعالى قضى على نفسه أن من آمن به هداه؛ وتصديق ذلك في كتاب الله (وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)، ومن توكل عليه كفاه، وتصديق ذلك في كتاب الله (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)، ومن أقرضه جازاه، وتصديق ذلك في كتاب الله (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً)؛ ومن استجار من عذابه أجاره، وتصديق ذلك في كتاب الله (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً)، والاعتصام الثقة بالله، ومن دعاه أجابه، وتصديق ذلك في كتاب الله (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)"(سير أعلام النبلاء:7-235).

الاشعار

1- قال أبو محمد الأندلسي القحطاني في نونيته:

إِيمَانُنَا بِاللهِ بَيْنَ ثَلاثَةٍ: *** عَمَلٍ وَقَولٍ واعْتِقَادِ جَنَانِ

وَيَزِيدُ بِالتَّقْوَى وَيَنْقُصُ بِالرَّدَى *** وَكِلاهُمَا فِي القَلْبِ يَعتَلِجَانِ

(نونية القحطاني).

 

2- قال ابن القيم رحمه الله:

وَاشْهَدْ عَلَيْهِمْ أَنِّ إِيمَانَ الْوَرَى *** قَوْلٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ عَقْدُ جَنَانِ

وَيَزِيدُ بِالطَّاعَاتِ قَطْعًا هَكَذَا *** بالضِّدِّ يُمْسِي وَهْوَ ذُو نُقْصَانِ

وَاللهِ مَا إِيمَانُ عَاصِينَا *** كَإيْمَانِ الأَمِينِ مُنَزِّلِ القُرْآنِ

كَلاَّ وَلا إِيْمَانُ مُؤْمِنِنَا *** كَإيْمَانِ الرَّسُولِ مُعَلِّمِ الإِيمانِ

(نونية ابن القيم:1-365).

 

 

متفرقات

1- قال شيخ الإسلام: "من كان إيمانه أقوى من غيره كان جنده من الملائكة أقوى"(النبوات لابن تيمية: ص416).

 

2- و قال أيضاً: "ليس في الدنيا نعيمٌ يشبه نعيم الآخرة إلا نعيم الإيمان والمعرفة"(مجموع الفتاوى:28-31).

 

3- قال -رحمه الله -: "رفع الدرجات و الأقدار على قدر معاملة القلوب بالعلم والإيمان"(مجموع الفتاوى:16-48).

 

4- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الدين القائم بالقلب من الإيمان علمًا وحالاً، هو الأصل، والأعمال الظاهرة هي الفروع، وهي كمال الإيمان؛ فالدين أول ما يبنى من أصوله ويكمل بفروعه"(مجموع الفتاوى:10-355).

 

5- قال القاضي عياض: "أطلق الشرع في غير موضع الإيمان على العمل، وحقيقة الإيمان مجرد التصديق المطابق للقول والعقد وتمامه بتصديق العمل بالجوارح، فهكذا أجمعوا أنه لا يكون مؤمن تام الإيمان إلا باعتقاد وقول وعمل، وهو الإيمان الذي ينجى رأساً من نار جهنم، ويعصم المال والدم. وإذا كان هكذا من الارتباط والاشتراط صلح إطلاق اسم الإيمان على جميعها وعلى بعضها من عقد أو قول أو عمل. وعلى هذا فلا يشك أن التصديق والتوحيد أفضل الأعمال؛ إذ هو شرط فيها"(إكمال المعلم شرح صحيح مسلم:1-239).

 

6- قال ابن بطال رحمه الله في قوله تعالى: (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ): "حجة في أن العمل تنال به درجات الجنة، وأن الإيمان قول وعمل، ويشهد لذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- حين سئل: أي العمل أفضل؟ فقال: "إِيمَانٌ بِاللَّهِ" ثم ذكر الأعمال معه في جواب السائل. فإن قيل: أليس قد تقدم من قولكم أن الإيمان هو التصديق؟ قيل: التصديق هو أول منازل الإيمان ويوجب للمصدق الدخول فيه، ولا يوجب له استكمال منازله، ولا يقال له مؤمن مطلقاً؛ لأن الله تعالى فرض على عباده فرائض، وشرع شرائع، لا يقبل تصديق من جحدها، ولم يرض من عباده المؤمنين بالتصديق والإقرار دون العمل"(شرح صحيح البخاري لابن بطال:1-78).

 

7- قال أبو العباس القرطبي رحمه الله تعالى في قوله عليه الصلاة والسلام وقد سئل عن أفضل الأعمال "الإيمان بالله": "يدل على أن الإيمان من جملة الأعمال وهو داخل فيها ، ولا يلتفت لخلاف من قال: إن الإيمان لا يُسمى عملاً ، لجهله بما ذكرناه، ولا يخفى أن الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال كلها، لأنه متقدم عليها، وشرط في صحتها، ولأنه من الصفات المتعلقة، وشرفها بحسب متعلقاتها، ومتعلق الإيمان هو الله تعالى وكتبه ورسله، ولا أشرف من ذلك، فلا أشرف في الأعمال من الإيمان ولا أفضل منه"(المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم بتصرف يسير:1-199).

 

8- قال النووي: "وأما قوله -صلى الله عليه وسلم- وقد سئل أي الأعمال أفضل؟ فقال: " إيمان بالله ورسوله " : ففيه تصريح بأن العمل يطلق على الإيمان، والمراد به والله أعلم الإيمان الذي يدخل به في ملة الإسلام، وهو التصديق بقلبه والنطق بالشهادتين، فالتصديق عمل القلب، والنطق عمل اللسان، ولا يدخل في الإيمان ههنا الأعمال بسائر الجوارح كالصوم والصلاة والحج والجهاد وغيرها، لكونه جُعل قِسماً للجهاد والحج، ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: " إيمان بالله ورسوله " ولا يقال هذا في الأعمال، ولا يمنع هذا من تسمية الأعمال المذكورة إيماناً"(شرح صحيح مسلم:2-78).

 

9- يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وكان من مضى من سلفنا، لا يفرقون بين الإيمان والعمل، العمل من الإيمان، والإيمان من العمل، وإنما الإيمان اسم يجمع الإقرار باللسان والتصديق بالقلب، ويصدقه العمل، فمن آمن بلسانه، وعرف بقلبه، وصدّق بعمله، فتلك العروة الوثقى التي لا انفصام لها، ومن قال بلسانه، ولم يعرف بقلبه، ولم يصدق بعمله، كان في الآخرة من الخاسرين وهذا معروف عن غير واحد من السلف والخلف، أنهم يجعلون العمل مصدقاً للقول"( مجموع الفتاوى:7-296).

 

10- يقول الحافظ ابن رجب: "والمشهور عن السلف وأهل الحديث أن الإيمان قول وعمل ونية، وأن الأعمال كلها داخلة في مسمى الإيمان، وحكى الشافعي على ذلك إجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم ممن أدركهم، وأنكر السلف على من أخرج الأعمال من الإيمان إنكاراً شديداً"(جامع العلوم والحكم: ص 16).

 

11- يقول ابن بطال رحمه الله: "هذا مذهب جماعة أهل السنة، أن الإيمان قول وعمل. شرح صحيح البخاري لابن بطال. قال أبو عبيد وهو قول مالك والثوري والأوزاعي ومن بعدهم من أرباب العلم والسنة الذين كانوا مصابيح الهدى، وأئمة الدين من أهل الحجاز والعراق والشام وغيرهم. وهذا المعنى أراد البخارى – رحمه الله – إثباته فى كتاب الإيمان، وعليه بوّب أبوابه كلها فقال: باب: أمور الإيمان، وباب: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، وباب إطعام الطعام من الإيمان، وباب: من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وباب: حب الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الإيمان، وباب: الصلاة من الإيمان، وباب: الزكاة من الإيمان، وباب: الجهاد من الإيمان، وسائر أبوابه"(شرح صحيح البخاري لابن بطال:1-79).

 

12- قال ابن بطال : والحجة على زيادته ونقصانه ، ما أورده البخاري من كتاب الله تعالى يعنى قوله عز وجل: ( لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ )، ( وَزِدْنَاهُمْ هُدًى )، (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى)، (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى )، (وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً)، ( أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً)، وقوله جل ذكره: (فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً)، وقوله تعالى: (وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً)، ثم قال ابن بطال: "وبيان ذلك أنه من لم تحصل له بذلك الزيادة ، فإيمانه أنقص من إيمان من حصلت له (شرح صحيح البخاري لابن بطال:1-56 بتصرف).

 

13- قال ابن بطال رحمه الله في قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) "حجة في زيادة الإيمان ونقصانه لأن هذه الآية نزلت يوم عرفة في حجة الوداع، يوم كملت الفرائض والسنن واستقر الدين، وأراد الله قبض نبيه صلى الله عليه وسلم، فدلت هذه الآية - أن كمال الدين إنما حصل بتمام الشريعة، فمن حافظ على التزامها فإيمانه أكمل من إيمان من قصَّر في ذلك وضيع، ولذلك قال البخاري: فإذا ترك شيئاً من الكمال فهو ناقص"(شرح صحيح البخاري لابن بطال:1-102).

الإحالات

1- كتاب الإيمان لابن تيمية.

 

2- حقيقةُ الإيمانِ ونَواقِضُه (قراءة وتعريف) القسم العلمي بمؤسسة الدرر السنية.

 

3- الايمان، أركانه، حقيقته، نواقضه‎؛ ‎لمحمد نعيم ياسين‎