إنصاف

2022-10-05 - 1444/03/09

التعريف

الإنصاف لغة:

مصدر قولهم: أنصف ينصف، وهو مأخوذ من مادّة «ن ص ف» الّتي تدلّ على معنيين: أحدهما: شطر الشّيء، والآخر: على جنس من الخدمة والاستعمال، فالأوّل: نصف الشّيء ونصيفه شطره، وفي الحديث: «ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه». ومن ذلك الإنصاف في المعاملة، وكأنّه الرّضا بالنّصف، والنّصف: الإنصاف أيضا [مقاييس اللغة لابن فارس (5/ 431- 432) ] .

والنّصف أحد شقّي الشّيء، والنّصف أيضا: النّصفة، وهي الاسم من الإنصاف، قال الفرزدق:

ولكنّ نصفا لو سببت وسبّني *** بنو عبد شمس من مناف وهاشم

يقال: أنصف النّهار: أي انتصف، وأنصف (الشّخص) إذا عدل، ويقال: أنصفه من نفسه، وانتصفت أنا منه، وتناصف القوم: أي أنصف بعضهم بعضا من نفسه [الصحاح (4/ 1432- 1434) ] . وقيل: إذا تعاطوا الحقّ بينهم [الجمهرة لابن دريد (3/ 82)] . وأنصفت الرّجل إنصافا: عاملته بالعدل والقسط [المصباح المنير (835) ] . وقيل: إذا أعطيته الحقّ [الجمهرة (3/ 82) ] .

وقال الفيروز اباديّ: يقال: نصفهم ينصفهم وينصفهم نصافا ونصافة إذا خدمهم، والنّصف والنّصفة: الاسم من الإنصاف، أي العدل، وتناصفوا:

أنصف بعضهم بعضا، قال ابن هرمة:

من ذا رسول ناصح فمبلّغ *** عنّي عليّه غير قيل الكاذب

أنّى غرضت إلى تناصف وجهها *** غرض المحبّ إلى الحبيب الغائب

يعني استواء المحاسن كأنّ بعض أجزاء الوجه أنصف بعضا في أخذ قسطه من الجمال [باختصار وتصرف يسير عن بصائر ذوي التمييز (5/ 71- 72)] .وقال في القاموس: انتصف منه: استوفى حقّه منه كاملا حتّى صار كلّ على النّصف سواء، كاستنصف منه، وتنصّف السّلطان سأله أن ينصفه  [القاموس المحيط (1107) ط. بيروت] .

وفي لسان العرب: النّصف: أحد شقّي الشّيء، وقيل أحد جزأي الكمال، ونصف الشّيء، وانتصفه، وتنصّفه ونصّفه: أخذ نصفه ونصف الشّيء الشّيء ينصفه: بلغ نصفه، وقيل: كلّ ما بلغ نصفه في ذاته فقد أنصف، وكلّ ما بلغ نصفه في غيره فقد نصف.

ومنصف الشّيء: وسطه، والمنصف: نصف الطّريق، وفي الحديث: حتّى إذا كان بالمنصف أي الموضع الوسط بين الموضعين، ومنتصف اللّيل والنّهار وسطه، ونصّفت الشّيء: إذا أخذت نصفه، وتنصيف الشّيء جعله نصفين. والنّصف والنّصفة والإنصاف: إعطاء الحقّ، وقد انتصف منه (أخذ حقّه)، وأنصف الرّجل صاحبه إنصافا، وقد أعطاه النّصفة وقال بعضهم: أنصف إذا أخذ الحقّ وأعطى الحقّ، وتفسير ذلك أن تعطي لغيرك من نفسك النّصف أي تعطيه من الحقّ كالّذي تستحقّ لنفسك، يقال: انتصفت من فلان: أي أخذت حقّي كملا حتّى صرت أنا وهو على النّصف سواء [لسان العرب (9/ 332) ط. بيروت]، وفي حديث عمر- رضي اللّه عنه- مع زنباع بن روح:

متى ألق زنباع بن روح ببلدة *** لي النّصف منها، يقرع السّنّ من ندم النّصف بالكسر، الانتصاف، ومن ذلك أيضا قول عليّ- رضي اللّه عنه- «ولا جعلوا بيني وبينهم نصفا» أي إنصافا [النهاية لابن الأثير (5/ 66) ] . ويأتي النّصف والإنصاف والنّصافة بمعنى الخدمة، يقال نصفه ينصفه وينصفه نصفا ونصافة ونصافا ونصافا وأنصفه وتنصّفه كلّه: خدمه [لسان العرب (9/ 333) ط. بيروت ] . وأنشد الجوهريّ للّتنصّف بمعنى الخدمة قول حرقة بنت النّعمان:

فبينا نسوس النّاس والأمر أمرنا *** إذا نحن فيهم سوقة نتنصّف [الصحاح للجوهري (4/ 1433) ] .

وقد يأتي التّنصّف بمعنى العبادة، وأنشد ابن برّيّ شاهدا على ذلك قول الشّاعر:

فإنّ الإله تنصّفته *** بألّا أعقّ وألّا أحوبا

وقد يأتي التنصّف بمعنى طلب المعروف [لسان العرب (9/ 333) ط. بيروت] .

الإنصاف اصطلاحا:

قال المناويّ: الإنصاف: هو العدل في المعاملة بأن لا يأخذ من صاحبه من المنافع إلّا ما يعطيه، ولا ينيله من المضارّ إلّا كما ينيله [التوقيف على مهمات التعاريف (64) ] . وأضاف الرّاغب إلى ذلك: الإنصاف في الخدمة وهو أن يعطي صاحبه ما عليه بإزاء ما يأخذ من النّفع [المفردات (475) تحقيق محمد أحمد خلف اللّه] .

وقيل: هو استيفاء الحقوق لأربابها واستخراجها بالأيدي العادلة والسّياسات الفاضلة.

ويؤخذ من كلام اللّغويّين والمفسّرين وشرّاح الحديث أنّه يمكن تعريف الإنصاف أيضا بأنّه: أن تعطي غيرك من الحقّ مثل الّذي تحبّ أن تأخذه منه لو كنت مكانه ويكون ذلك بالأقوال والأفعال، في الرّضا والغضب، مع من نحبّ ومع من نكره.

 

العناصر

 

1- معنى الإنصاف .

 

 

2- الإنصاف والعدل توأمان .

 

 

3 - أهمية إنصاف المرء نفسه من نفسه .

 

 

4- من محاسن الشريعة أن أمرت بإنصاف العدو وتبرئة ساحته .

 

 

5- من الإنصاف قول الله تعالى للعبد يوم القيامة (اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) .

 

 

6- لا يتوقع من  أهل الكفر إنصاف مع المسلمين للعداوة التي ذكرها الله منهم لأهل الإسلام .

 

 

7- من أهم أسباب الائتلاف بين المسلمين اتصافهم بالعدل والإنصاف .

 

 

8- سلامة الصدر من أهم العوامل لتقوية الإنصاف في القلوب .

 

 

9- العدل والإنصاف في التعامل مع المخالف .

 

الايات

 

1- قول الله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) [النساء: 113] .

 

 

2- قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) [النساء: 135] .

 

 

3- قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) [المائدة: 8] .

 

 

4- قوله تعالى: ( وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [ الأنعام: 152] .

 

 

5- قوله تعالى: (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ) [ ص: 26] .

 

 

6- قوله تعالى: (لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الممتحنة: 8- 9] .

 

الاحاديث

1- عن أنس- رضي اللّه عنه- قال: اشتكى ابن لأبي طلحة، فخرج أبو طلحة إلى المسجد فتوفّي الغلام، فهيّأت أمّ سليم الميّت، وقالت لأهلها: لا يخبرنّ أحد منكم أبا طلحة بوفاة ابنه، فرجع  إلى أهله، ومعه ناس من أهل المسجد من أصحابه، قال: ما فعل الغلام؟ قالت: خير ما كان، فقرّبت إليهم عشاءهم فتعشّوا، وخرج القوم، وقامت المرأة إلى ما تقوم إليه المرأة، فلمّا كان آخر الّليل قالت: يا أبا طلحة، ألم تر إلى آل فلان، استعاروا عاريّة  فتمتّعوا بها، فلمّا طلبت كأنّهم كرهوا ذاك، قال: ما أنصفوا قالت: فإنّ ابنك كان عاريّة من اللّه تبارك وتعالى، وإنّ اللّه قبضه، فاسترجع وحمد اللّه، فلمّا أصبح غدا على رسول اللّه فلمّا رآه قال: "بارك اللّه لكما في ليلتكما"، فحملت بعبد اللّه، فولدته ليلا، وكرهت أن تحنّكه حتّى يحنّكه رسول اللّه فحملته ومعي تمرات عجوة، فوجدته يهنأ  أباعر له أو يسمها ، قال: فقلت: يا رسول اللّه، إنّ أمّ سليم ولدت الّليلة فكرهت أن تحنّكه ، حتّى يحنّكه رسول اللّه فقال: " أمعك شيء" ، قلت: تمرات عجوة، فأخذ بعضهنّ فمضغهنّ، ثمّ جمع بزاقه فأوجره  إيّاه، فجعل يتلمّظ  فقال: "حبّ الأنصار التّمر"، قال:قلت يا رسول اللّه، سمّه قال: "هو عبد اللّه " [رواه أحمد في  المسند (3 / 105)(12047) وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين ] .

 

 

2- عن أنس بن مالك- رضي اللّه عنه-:أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار، ورجلين من قريش، فلمّا رهقوه  قال: " من يردّهم عنّا وله الجنّة، أو هو رفيقي في الجنّة؟ " فتقدّم رجل من الأنصار، فقاتل حتّى قتل، ثمّ رهقوه أيضا. فقال: " من يردّهم عنّا وله الجنّة، أو هو رفيقي في الجنّة؟" فتقدّم رجل من الأنصار، فقاتل حتّى قتل.فلم يزل كذلك حتّى قتل السّبعة. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " ما أنصفنا أصحابنا"[ رواه مسلم (1789) ] .

 

 

3- عن قتادة عن أنس عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه"[ رواه البخاري- الفتح (1/ 13)، ومسلم (71) ] .

 

 

4- عن المعرور قال: لقيت أبا ذرّ بالرّبذة  وعليه حلّة، وعلى غلامه حلّة، فسألته عن ذلك فقال:إنّي ساببت  رجلا فعيّرته بأمّه ، فقال لي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: " يا أبا ذرّ، أعيّرته بأمّه؟ إنّك امرؤ فيك جاهليّة.إخوانكم خولكم، جعلهم اللّه تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل، وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم، فإن كلّفتموهم فأعينوهم" [رواه البخاري- الفتح( 1 /30) ] .

 

 

5- عن عبد اللّه بن بريدة عن أبيه قال:«... فجاءت الغامديّة فقالت يا رسول اللّه، إنّي قد زنيت فطهّرني، وإنّه ردّها. فلمّا كان الغد قالت: يا رسول اللّه، لم تردّني؟ لعلّك أن تردّني كما رددت ماعزا.فو اللّه إنّي لحبلى. قال: " إمّا لا، فاذهبي  حتّى تلدي" ، فلمّا ولدت أتته بالصّبيّ في خرقة. قالت: هذا قد ولدته. قال: " اذهبي فأرضعيه حتّى تفطميه". فلمّا فطمته أتته بالصّبيّ في يده كسرة خبز، فقالت: هذا، يا نبيّ اللّه، قد فطمته، وقد أكل الطّعام، فدفع الصّبيّ إلى رجل من المسلمين، ثمّ أمر بها فحفر لها إلى صدرها، وأمر النّاس فرجموها. فيقبل خالد بن الوليد بحجر، فرمى رأسها، فتنضّح  الدّم على وجه خالد، فسبّها، فسمع نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سبّه إيّاها، فقال:"مهلا يا خالد! فوالّذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له" [رواه مسلم (1695) ] .

 

 

6- جاء في حديث الإفك قول عائشة- رضي اللّه عنها-: وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يسأل زينب بنت جحش عن أمري فقال: "يا زينب، ماذا علمت أو رأيت؟" فقالت يا رسول اللّه، أحمي سمعي وبصري، ما علمت إلّا خيرا، قالت (عائشة)، وهي (أي زينب) الّتي كانت تساميني  من أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فعصمها اللّه بالورع.[جزء من حديث رواه البخاري- الفتح 8 (4750)، ومسلم (2770) ] .

 

الاثار

1- قال عمّار بن ياسر- رضي اللّه عنهما- ثلاث من جمعهنّ فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السّلام للعالم والإنفاق من الإقتار.[رواه البخاري- الفتح (1/ 103) ] .

 

 

2- سمعت عائشة- رضي اللّه عنها- عروة ابن الزّبير يسبّ حسّان بن ثابت، وكان ممّن خاض في حديث الإفك .. فقالت- رضي اللّه عنها-: يا ابن أختي دعه، فإنّه كان ينافح عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. مسلم (2487) ] .

 

 

3- عن عبد الرحمن بن شماسة قال: دخلت على عائشة، فقالت: ممّن أنت؟ قلت: من أهل مصر، قالت: كيف وجدتم ابن حديج في غزاتكم هذه؟ قلت: خير أمير، ما يقف لرجل منّا فرس ولا بعير إلّا أبدله مكانه بعيرا، ولا غلام إلّا أبدل مكانه غلاما، قالت: إنّه لا يمنعني قتله أخي أن أحدّثكم ما سمعت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، إنّي سمعته يقول: اللّهمّ من ولي من أمر أمّتي شيئا فرفق بهم فارفق به، ومن شقّ عليهم فاشقق عليه.[نزهة الفضلاء 1/ 215] .

 

 

4- عن عروة بن الزّبير أنّه سأل عائشة عن قول اللّه تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ... )،[النساء: 3] قالت: يا ابن أختي، هي اليتيمة تكون في حجر وليّها تشاركه في ماله، فيعجبه مالها وجمالها، فيريد وليّها أن يتزوّجها بغير أن يقسط في صداقها ، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا أن ينكحوهنّ إلّا أن يقسطوا لهنّ، ويبلغوا بهنّ أعلى سنّتهنّ  من الصّداق، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النّساء سواهنّ.قال عروة: قالت عائشة: ثمّ إنّ النّاس استفتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعد هذه الآية فيهنّ فأنزل اللّه- عزّ وجلّ-: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ)، [النساء: 127].قالت: والّذي ذكر اللّه تعالى، أنّه يتلى عليكم في الكتاب، الآية الأولى الّتي قال اللّه فيها: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ).قالت عائشة: وقول اللّه في الآية الأخرى: (وترغبون أن تنكحوهنّ)، رغبة أحدكم عن اليتيمة الّتي تكون في حجره، حين تكون قليلة المال والجمال. فنهوا أن ينكحوا ما رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النّساء إلّا بالقسط من أجل رغبتهم عنهنّ.[ رواه مسلم (3018) ] .

 

 

5- خطب عمّار بن ياسر- رضي اللّه عنهما- في أهل العراق- قبل وقعة الجمل- ليكفّهم عن الخروج مع أمّ المؤمنين عائشة- رضي اللّه عنها- فقال: واللّه إنّها لزوجة نبيّكم صلّى اللّه عليه وسلّم في الدّنيا والآخرة، ولكنّ اللّه تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم إيّاه تطيعون أم هي. ومعلوم أن عمّارا كان في صفّ عليّ- رضي اللّه عنهما- قال ابن هبيرة: في هذا الحديث أنّ عمّارا كان صادق اللّهجة، وكان لا تستخفّه الخصومة إلى أن ينتقص خصمه، فإنّه شهد لعائشة بالفضل التّام مع ما بينهما من الحرب.

وقال ابن حجر: مراد عمّار بذلك أنّ الصّواب في تلك القصّة كان مع عليّ، وأنّ عائشة مع ذلك لم تخرج عن الإسلام ولا أن تكون زوجة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في الجنّة، فكان ذلك يعدّ من إنصاف عمّار وشدّة ورعه وتحرّيه قول الحقّ.[ فتح الباري (13/ 58، 59) ] .

 

القصص

1- بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عبد اللّه بن رواحة إلى خيبر ليخرص لهم الثّمار، فأرادوا أن يرشوه، فقال عبد اللّه: يا معشر اليهود، أنتم أبغض الخلق إليّ، قتلتم أنبياء اللّه- عزّ وجلّ-، وكذبتم على اللّه، وليس يحملني بغضي إيّاكم على أن أحيف عليكم. فقال اليهود: بهذا قامت السّموات والأرض [الحديث أخرجه أحمد (3/ 367)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 121): ورجاله رجال الصحيح، إلا أن أبا الزبير مدلس وقد عنعنه، وللحديث شواهد في موطأ مالك (439)، وأبي داود (347)، وابن ماجة (1/ 557- 558)، والظاهر أن مجموع الأحاديث يحدث منها قوة تدل على أن له أصلا].

 

2- عن ابن أبي زائدة قال: سمعت عامرا يقول: تزوّج عليّ (بن أبي طالب)- رضي اللّه عنه- أسماء بنت عميس، فتفاخر ابناها: محمّد بن أبي بكر، ومحمّد بن جعفر (الطّيّار)، فقال كلّ منهما أنا أكرم منك وأبي خير من أبيك. فقال لها عليّ كرّم- اللّه وجهه- اقض بينهما. قالت- رضي اللّه عنها- ما رأيت شابّا من العرب خيرا من جعفر، ولا رأيت كهلا خيرا من أبي بكر. فقال عليّ: ما تركت لنا شيئا، ولو قلت غير الّذي قلت لمقتّك. قالت: إنّ ثلاثة أنت أخسّهم خيار [نزهة الفضلاء (1/ 148) ووجه الانصاف هنا أنها أعطت زوجيها الراحلين: أبو بكر الصديق وجعفر بن أبي طالب حقهما أمام زوجها الثالث وهو عليّ كرم اللّه وجهه- ولم تمنع وفاة كل منهما أن يعطى حقه، وكان من انصاف علي- رضي اللّه عنهم أجمعين- أن أقرها على ما قالت رغما عن أنها لم تبق له (من المديح) شيئا، كما أنه لم يغضب عند ما ذكرت أنّه أقل الثلاثة رتبة وإن كانوا جميعا من الأخيار انظر نضرة النعيم (3591) ].

 

3- خطب عمّار بن ياسر- رضي اللّه عنهما- في أهل العراق- قبل وقعة الجمل- ليكفّهم عن الخروج مع أمّ المؤمنين عائشة- رضي اللّه عنها- فقال: واللّه إنّها لزوجة نبيّكم صلّى اللّه عليه وسلّم في الدّنيا والآخرة، ولكنّ اللّه تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم إيّاه تطيعون أم هي. ومعلوم أن عمّارا كان في صفّ عليّ- رضي اللّه عنهما- قال ابن هبيرة: «في هذا الحديث أنّ عمّارا كان صادق اللّهجة، وكان لا تستخفّه الخصومة إلى أن ينتقص خصمه، فإنّه شهد لعائشة بالفضل التّام مع ما بينهما من الحرب قال ابن حجر: مراد عمّار بذلك أنّ الصّواب في تلك القصّة كان مع عليّ، وأنّ عائشة مع ذلك لم تخرج عن الإسلام ولا أن تكون زوجة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في الجنّة، فكان ذلك يعدّ من إنصاف عمّار وشدّة ورعه وتحرّيه قول الحقّ [فتح الباري (13/ 58، 59) ].

 

4- عن عائشة- رضي اللّه عنها- قالت: لم أعقل أبويّ قط إلّا وهما يدينان الدّين، ولم يمرّ علينا يوم إلّا يأتينا فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم طرفي النّهار: بكرة وعشيّة. فلمّا ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا نحو أرض الحبشة حتّى بلغ برك الغماد. لقيه ابن الدّغنّة وهو سيّد القارة. فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربّي. قال ابن الدّغنّة: فإنّ مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج، إنّك تكسب المعدوم، وتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ، فأنا جار. إرجع واعبد ربّك ببلدك. فرجع، وارتحل معه ابن الدّغنّة، فطاف ابن الدّغنّة عشيّة في أشراف قريش فقال لهم: إنّ أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم، ويصل الرّحم، ويحمل الكلّ، ويقري الضّيف، ويعين على نوائب الحقّ؟ فلم تكذّب قريش بجوار ابن الدّغنّة [وجه الإنصاف هنا أن ابن الدّغنّة وهو كافر قد أنصف أبا بكر وأقرته قريش على هذا الإنصاف مما يدل على أن التحلي بالإنصاف من الأمور التي يقرها الطبع السليم انظر محاسن التأويل (14/ 5095) و نضرة النعيم (3591)].

الاشعار

 

1- قال شوقي مخاطبا المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم:

 

 

أنصفت أهل الفقر من أهل الغنى *** فالكلّ في حقّ الحياة سواء

 

 

[ديوان شوقي (1/ 39) ] .

 

 

2- قال ابن وكيع:

 

لاق بالبشر من لقيت من النـاس *** وعاشر بأحسن الإنصــاف

 

 

لا تخالف وإن أتوا بـخـــلافٍ *** تستدم ودهم بترك الـخـلاف

 

 

وإذا خفت فرط غيظك فانهض *** مسرعاً عنهم إلى الإنصــراف

 

 

إنما الناس إن تـأمـلت داءٌ  *** ماله غير أن تداويه شافـي

 

متفرقات

1- قال ابن القيّم: كيف ينصف الخلق من لم ينصف الخالق؟ جاء في أثر إلهيّ يقول اللّه عزّ وجلّ:«ابن آدم ما أنصفتني، خيري إليك نازل، وشرّك إليّ صاعد، كم أتحبّب إليك بالنّعم وأنا غنيّ عنك وكم تتبغّض إليّ بالمعاصي وأنت فقير إليّ، ولا يزال الملك الكريم يعرج إليّ منك بعمل قبيح» [زاد المعاد (2/ 409) ] .

 

 

2- قال الإمام الشّافعيّ في الإمام أحمد رحمهما اللّه-: خرجت من بغداد وما خلّفت بها أحدا أورع ولا أتقى ولا أفقه ولا أعلم من أحمد بن حنبل.[ غذاء الألباب شرح منظومة الآداب 1/ 299] .

 

 

3- قال محمّد بن سيرين: ظلم لأخيك أن تذكر منه أسوأ ما رأيت وتكتم خيره.[ البداية والنهاية لابن كثير 9/ 275] .

 

 

4- قال الإمام الذّهبيّ في ترجمته لقتادة بن دعامة: وكان من أوعية العلم، وممّن يضرب به المثل في قوّة الحفظ، وهو حجّة بالإجماع إذا بيّن السّماع، فإنّه مدلّس معروف بذلك، وكان يرى القدر- نسأل اللّه العفو- ومع هذا فما توقّف أحد في صدقه، وعدالته وحفظه، ولعلّ اللّه يعذر أمثاله ممّن تلبّس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه، وبذل وسعه، واللّه حكم عدل لطيف بعباده، ولا يسأل عمّا يفعل. ثمّ إنّ الكبير من أئمّة العلم إذا كثر صوابه، وعلم تحرّيه للحقّ، واتّسع علمه، وظهر ذكاؤه، وعرف صلاحه وورعه واتّباعه، يغفر له زللّه، ولا نضلّله ونطرحه وننسى محاسنه. نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه ونرجو له التّوبة من ذلك.[ نزهة الفضلاء 1/ 489] .

 

 

5- قال ابن تيميّة- رحمه اللّه- في تفسيره لقوله تعالى: (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى .. )قال: فنهى أن يحمل المؤمنين بغضهم للكفّار على ألّا يعدلوا، فكيف إذا كان البغض لفاسق أو مبتدع أو متأوّل من أهل الإيمان؟ فهو أولى أن يجب عليه ألّا يحمله ذلك على ألّا يعدل على مؤمن وإن كان ظالما له.[ الاستقامة (1/ 38) تحقيق د/ محمد رشاد سالم] .

 

 

6- قال ابن كثير في قوله تعالى: (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى ... )أي: لا يحملنّكم بغض قوم على ترك العدل، فإنّ العدل واجب على كلّ أحد، في كلّ حال، وقد قال بعض السّلف: ما عاملت من عصى اللّه فيك بمثل أن تطيع اللّه فيه.[ تفسير ابن كثير (2/ 7) ] .

 

 

7- قال القرطبيّ في قوله تعالى: (قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً)،[النمل: 34] أهانوا شرفاءها لتستقيم لهم الأمور. فصدّق اللّه قولها (وكذلك يفعلون). قال ابن الأنباريّ: قوله تعالى: (وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً) هذا وقف تامّ. فقال اللّه عزّ وجلّ تحقيقا لقولها (وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) ، قال الشّيخ ابن غازي: فعلى هذا يكون قوله تعالى: (وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) من تصديق اللّه تعالى لقول ملكة سبأ وهي كافرة. وهذا غاية العدل والإنصاف.[ الإنصاف (18) ] .

 

 

8- قال القاسميّ في قوله تعالى: (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ...)، قال: في الآية بيان وجوب الحكم بالحقّ، وألّا يميل إلى أحد الخصمين لقرابة أو رجاء أو سبب يقتضي الميل.[ محاسن التأويل (14/ 5095) ] .

 

الإحالات

1- موسوعة البحوث والمقالات العلمية جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة حوالي خمسة آلاف وتسعمائة مقال وبحث علي بن نايف الشحود .

2- نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم المؤلف : عدد من المختصين بإشراف الشيخ/ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب الحرم المكي الناشر : دار الوسيلة للنشر والتوزيع، جدة الطبعة : الرابعة (3/577) .

3- التحرير والتنوير المعروف بتفسير ابن عاشور المؤلف : محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى : 1393هـ) الناشر : مؤسسة التاريخ العربي، بيروت – لبنان الطبعة : الأولى، 1420هـ/2000م (1/566- 3/114- 5/150- 25/130) .

4- آداب الصحبة المؤلف : أبي عبد الرحمن السلمي الناشر : دار الصحابة للتراث - طنطا – مصر الطبعة الأولى ، 1410 – 1990 تحقيق : مجدي فتحي السيد 01/109) .

5- المنتقى من كتاب مكارم الأخلاق ومعاليها ومحمود طرائقها أبي بكر محمد بن جعفر بن سهل الخرائطي سنة الولادة / سنة الوفاة 327هـ تحقيق أبو طاهر أحمد بن محمد السلقي الأصبهاني الناشر دار الفكر- سنة النشر 1986م مكان النشر دمشق سورية (1/80) .

6- مجلة البحوث الإسلامية - مجلة دورية تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد المؤلف: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد – العدالة والتنفيذ (23/333) – المساواة بين المتخاصمين (17/229) .

7- سنن الدارقطني، كتاب الأقضية والأحكام جـ 3 ص 205 والسنن الكبرى، كتاب آداب القاضي، باب إنصاف الخصمين في المدخل عليه والاستماع منهما جـ 10 ص 135.

8- دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ (موضوعات للخطب بأدلتها من القرآن الكريم والسنة الصحيحة) مع ما تيسر من الآثار والقصص والأشعار المؤلف: شحاتة محمد صقر الناشر: جـ1 / دَارُ الفُرْقَان للتُرَاث – البحيرة جـ 2/ دار الخلفاء الراشدين - دار الفتح الإسلامي (الإسكندرية)- الإصلاح بتن الناس وآداب المصلح (1/283) .

9- مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة المؤلف : الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة – العدد45- لا.. بل فلنعود أنفسنا أسلوب النقد النزيه..

10- مجلة البيان (215/3) الحكم على المسلم لمحمد بن عبد الله السحيم ، (19/9) (ولا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ) د . عبد الكريم بكار .