ضيافة

2022-10-11 - 1444/03/15

التعريف

الضيافة في اللغة: من قولهم أضفْتَه وضيفْتَه، أي أنزلته عليك ضيفاً وأَملْتَه إليك وقَربتَه، ولذلك قيل: هو مضافٌ إلى كذا، أي ممالٌ إليه، ويقال أضافَ فلان فلاناً فهو يضيفُه إضافةً إذا أَلجأَه إلى ذلك، ومنه قولهم: ضافَتِ الشمس وضيفَت وتَضيفت، أي أنها (انظر: لسان العرب:٩-٢٠٨، المغرب في ترتيب المعرب:٢-١٥، كتاب العين:٧-٦٧) مالت للغروب، ولفظ الضيف يكون للواحد وللجمع، ويمكن جمعه على أضياف وضيفان وضيوف (انظر: تحرير ألفاظ التنبيه (لغة الفقه):١-٣١٩، مختار الصحاح:١-٤٠٣)، فالضيافة مصدر من ضاف، بمعنى إمالة الشيء إلى الشيء أو إحالته إليه.

 

الضيافة في الاصطلاح: هي اسم لإكرام الضيف والإحسان إليه (عمدة القاري:٢٢-١١٠)

 

العناصر

1- مكانة الضيافة في الإسلام

 

2- أحكام الضيافة 

 

3- الآداب التي يجب أن يراعيها المضيف مع ضيفه 

 

4- الآداب التي يجب أن يراعيها الضيف مع مضيفه

 

5- نماذج من كرم الأنبياء والمرسلين والسلف

 

الايات

1- قال الله تعالى في مدح قوم: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً) [الإنسان:8-9].

 

2- قوله تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر:9].

 

3- قوله تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) [النساء:36].

 

4- قوله تعالى: (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد:22-24].

 

5- قوله تعالى: (الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وبِالآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [البقرة:1-5].

 

6- قوله تعالى: (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) [هود:69].

 

7- قوله تعالى: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ) [الذاريات:24-26].

 

8- قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً) [الأحزاب:53].

الاحاديث

1- عن معاذ بن جبل ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا ، إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلك الله ، فإنما هو عندك دخيل، يوشك أن يفارقك إلينا"(رواه الترمذي:1174، وصححه الألباني).

 

2- عن أبي شريح خويلد بن عمرو الخزاعي -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَن كانَ يُؤْمِنُ باللهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، جائِزَتُهُ يَوْمٌ ولَيْلَةٌ، والضِّيافَةُ ثَلاثَةُ أيّامٍ، فَما بَعْدَ ذلكَ فَهو صَدَقَةٌ، ولا يَحِلُّ له أنْ يَثْوِيَ عِنْدَهُ حتّى يُحْرِجَهُ"(أخرجه البخاري:6019، ومسلم:48). وفي رواية لمسلم: "لا يحل لمسلم أن يقيم عند أخيه حتى يؤثمه" قالوا: يا رسول الله، وكيف يؤثمه؟ قال: "يقيم عنده ولا شيء له يقريه به".

 

3- عن المقدام أبي كريمة السامي رضي الله عنه قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ليلة الضيف حق واجب على كل مسلم فمن أصبح بفنائه فهو دين عليه فإن شاء اقتضاه وان شاء تركه"(رواه البخاري في الأدب المفرد:744، وصححه الألباني).

 

4- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى رجل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله أصابني الجهد فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا رجل يضيفه الليلة يرحمه الله". فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله فذهب إلى أهله فقال لامرأته: ضيف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا تدخريه شيئا. فقالت: والله ما عندي إلا قوت الصبية، قال: فإذا أراد الصبية العشاء فنوميهم وتعالي فأطفئي السراج ونطوي بطوننا الليلة، ففعلت. ثم غدا الرجل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: لقد عجب الله عز وجل أو ضحك من فلان وفلانة فأنزل الله عز وجل (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)"(رواه البخاري:٤٨٨٩).

 

5- عن أبي هريرة رضي الله عنه، "أن رجلا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فبعث إلى نسائه فقلن ما معنا إلا الماء فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من يضم أو يضيف هذا؟" فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمي ضيف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالت: ما عندنا إلا قوت صبياني، فقال: هيئي طعامك، وأصبحي سراجك، ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء. فهيات طعامها، وأصبحت سراجها، ونومت صبيانها، ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنهما يأكلان فباتا طاويين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ضحك الله الليلة أو عجب من فعالكما، فأنزل الله (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)"(رواه البخاري:3798).

 

6- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم"(رواه البخاري:3390).

 

7- عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَال: "مَن أَطْعَمَ أَخَاهُ خُبْزَاً حَتىَّ يُشْبِعَهُ، وَسَقَاهُ مَاءً حَتىَّ يَرْوِيَهُ: أَبْعَدَهُ اللهُ عَنِ النَّارِ سَبْعَ خَنَادِق، بُعْدُ مَا بَينَ الخَنْدَقَين: مَسِيرَةُ خَمْسِمِاْئَةِ سَنَة" (، رَوَاهُ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ:7172، وصَحَّحَهُ الإِمَامُ الذَّهَبيُّ في التَّلْخِيص).

 

8- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يجتمع غبار في سبيل الله و دخان جهنم في جوف عبد أبدا و لا يجتمع الشح و الإيمان في قلب عبد أبدا"(شعب الإيمان للبيهقي:4257).

 

9- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "طعام الواحد يكفي الإثنين وطعام الإثنين يكفي الأربعة وطعام الأربعة يكفي الثمانية"(رواه مسلم:5489).

 

10- عن عقبة بن عامر رضي الله عنه: قلتُ: يا رسولَ الله، إنا نمرُّ بقومٍ فلا يُضيفُونا، ولا يؤُّدونا ما لنا عليهم من الحقِّ، ولا نحنُ نأخذُ منهم، فقال: "إنْ أبوا إلا أن تأخذوا منهم كرهًا فخذوه" (رواه البخاري:2461، ومسلم:1727).

 

11- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "شَرُّ الطَّعامِ طَعامُ الوَلِيمَةِ، يُدْعى لَها الأغْنِياءُ ويُتْرَكُ الفُقَراءُ، ومَن تَرَكَ الدَّعْوَةَ فقَدْ عَصى اللهَ ورَسوله -صلى الله عليه وسلم-"(أخرجه البخاري:٥١٧٧ واللفظ له، ومسلم:١٤٣٢).

 

12- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تصاحبْ إلّا مؤمنًا، ولا يأكلْ طعامَك إلّا تقيٌّ"(رواه الترمذي:٢٣٩٥، وحسنه الألباني).

 

13- عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: لَمّا قَدِمَ وفْدُ عبدِ القَيْسِ على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "مَرْحَبًا بالوَفْدِ، الَّذِينَ جاؤُوا غيرَ خَزايا ولا نَدامى..."(رواه البخاري:٦١٧٦).

 

14- عن فاختة بنت أبي طالب أم هانئ -رضي الله عنها- قالت: ذَهَبْتُ إلى رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عامَ الفَتْحِ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وفاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ، فَسَلَّمْتُ عليه، فَقالَ: "مَن هذِه؟" فَقُلتُ: أنا أُمُّ هانِئٍ بنْتُ أبِي طالِبٍ، فَقالَ: "مَرْحَبًا بأُمِّ هانِئٍ..."(رواه البخاري:٦١٥٨).

 

15- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: دَخَلَ عَلَيَّ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَذَكَرَ الحَدِيثَ يَعْنِي "إنّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا"(أخرجه البخاري:١٩٧٤ واللفظ له، ومسلم:١١٥٩).

 

16- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا دُعِيَ أحَدُكُمْ، فَلْيُجِبْ، فإنْ كانَ صائِمًا، فَلْيُصَلِّ، وإنْ كانَ مُفْطِرًا، فَلْيَطْعَمْ"(رواه مسلم:١٤٣١).

 

17- عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أفطرَ عندَكُمُ الصّائمونَ، وأكَلَ طعامَكُمُ الأبرارُ، وصلَّت عليكمُ الملائِكَةُ"(رواه أبو داود:٣٨٥٤).

 

18-  عبد الله بن بسر -رضي الله عنه- قال: نَزَلَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- على أبِي، قالَ: فَقَرَّبْنا إلَيْهِ طَعامًا ووَطْبَةً، فأكَلَ منها، ثُمَّ أُتِيَ بتَمْرٍ فَكانَ يَأْكُلُهُ ويُلْقِي النَّوى بيْنَ إصْبَعَيْهِ، ويَجْمَعُ السَّبّابَةَ والوُسْطى، قالَ شُعْبَةُ: هو ظَنِّي وهو فيه إنْ شاءَ اللهُ إلْقاءُ النَّوى بيْنَ الإصْبَعَيْنِ، ثُمَّ أُتِيَ بشَرابٍ فَشَرِبَهُ، ثُمَّ ناوَلَهُ الذي عن يَمِينِهِ، قالَ: فَقالَ أبِي: وأَخَذَ بلِجامِ دابَّتِهِ، ادْعُ اللهَ لَنا، فَقالَ: "اللَّهُمَّ بارِكْ لهمْ في ما رَزَقْتَهُمْ، واغْفِرْ لهمْ وارْحَمْهُمْ"(رواه مسلم:٢٠٤٢).

 

19- عن المقداد بن عمرو بن الأسود -رضي الله عنه- قال: أقْبَلْتُ أنا وصاحِبانِ لِي، وقَدْ ذَهَبَتْ أسْماعُنا وأَبْصارُنا مِنَ الجَهْدِ، فَجَعَلْنا نَعْرِضُ أنْفُسَنا على أصْحابِ رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فليسَ أحَدٌ منهمْ يَقْبَلُنا، فأتَيْنا النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فانْطَلَقَ بنا إلى أهْلِهِ، فَإذا ثَلاثَةُ أعْنُزٍ، فَقالَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: احْتَلِبُوا هذا اللَّبَنَ بيْنَنا، قالَ: فَكُنّا نَحْتَلِبُ فَيَشْرَبُ كُلُّ إنْسانٍ مِنّا نَصِيبَهُ، ونَرْفَعُ للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- نَصِيبَهُ، قالَ: فَيَجِيءُ مِنَ اللَّيْلِ فيُسَلِّمُ تَسْلِيمًا لا يُوقِظُ نائِمًا، ويُسْمِعُ اليَقْظانَ، قالَ: ثُمَّ يَأْتي المَسْجِدَ فيُصَلِّي، ثُمَّ يَأْتي شَرابَهُ فَيَشْرَبُ، فأتانِي الشَّيْطانُ ذاتَ لَيْلَةٍ وقَدْ شَرِبْتُ نَصِيبِي، فَقالَ: مُحَمَّدٌ يَأْتي الأنْصارَ فيُتْحِفُونَهُ، ويُصِيبُ عِنْدَهُمْ ما به حاجَةٌ إلى هذِه الجُرْعَةِ، فأتَيْتُها فَشَرِبْتُها، فَلَمّا أنْ وغَلَتْ في بَطْنِي، وعَلِمْتُ أنّهُ ليسَ إلَيْها سَبِيلٌ، قالَ: نَدَّمَنِي الشَّيْطانُ، فَقالَ: ويْحَكَ، ما صَنَعْتَ أشَرِبْتَ شَرابَ مُحَمَّدٍ، فَيَجِيءُ فلا يَجِدُهُ فَيَدْعُو عَلَيْكَ فَتَهْلِكُ فَتَذْهَبُ دُنْياكَ وآخِرَتُكَ، وعَلَيَّ شَمْلَةٌ إذا وضَعْتُها على قَدَمَيَّ خَرَجَ رَأْسِي، وإذا وضَعْتُها على رَأْسِي خَرَجَ قَدَمايَ، وجَعَلَ لا يَجِيئُنِي النَّوْمُ، وأَمّا صاحِبايَ فَناما ولَمْ يَصْنَعا ما صَنَعْتُ، قالَ: فَجاءَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-، فَسَلَّمَ كما كانَ يُسَلِّمُ، ثُمَّ أتى المَسْجِدَ فَصَلّى، ثُمَّ أتى شَرابَهُ فَكَشَفَ عنْه، فَلَمْ يَجِدْ فيه شيئًا، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إلى السَّماءِ، فَقُلتُ: الآنَ يَدْعُو عَلَيَّ فأهْلِكُ، فَقالَ: اللَّهُمَّ، أطْعِمْ مَن أطْعَمَنِي، وأَسْقِ مَن أسْقانِي، قالَ: فَعَمَدْتُ إلى الشَّمْلَةِ فَشَدَدْتُها عَلَيَّ، وأَخَذْتُ الشَّفْرَةَ فانْطَلَقْتُ إلى الأعْنُزِ أيُّها أسْمَنُ، فأذْبَحُها لِرَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَإذا هي حافِلَةٌ، وإذا هُنَّ حُفَّلٌ كُلُّهُنَّ، فَعَمَدْتُ إلى إناءٍ لِآلِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- ما كانُوا يَطْمَعُونَ أنْ يَحْتَلِبُوا فِيهِ، قالَ: فَحَلَبْتُ فيه حتّى عَلَتْهُ رَغْوَةٌ، فَجِئْتُ إلى رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقالَ: أشَرِبْتُمْ شَرابَكُمُ اللَّيْلَةَ، قالَ: قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، اشْرَبْ، فَشَرِبَ، ثُمَّ ناوَلَنِي، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، اشْرَبْ، فَشَرِبَ، ثُمَّ ناوَلَنِي، فَلَمّا عَرَفْتُ أنّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قدْ رَوِيَ وأَصَبْتُ دَعْوَتَهُ، ضَحِكْتُ حتّى أُلْقِيتُ إلى الأرْضِ، قالَ: فَقالَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: إحْدى سَوْآتِكَ يا مِقْدادُ، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، كانَ مِن أمْرِي كَذا وكَذا وفَعَلْتُ كَذا، فَقالَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: ما هذِه إلّا رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ، أفلا كُنْتَ آذَنْتَنِي فَنُوقِظَ صاحِبيْنا فيُصِيبانِ منها، قالَ: فَقُلتُ: والَّذِي بَعَثَكَ بالحَقِّ، ما أُبالِي إذا أصَبْتَها وأَصَبْتُها معكَ مَن أصابَها مِنَ النّاسِ (رواه مسلم:٢٠٥٥).

 

الاثار

1- عن الأبرش الكلبي أنه كان عنده ضيف، فقام الضيف يصلح المصباح، فقال له: مه ليس من المروءة أن يُستخدَم الضيف (شرح لامية العجم وهو مختصر شرح الصفدي المسمى الغيث المسجم:1-79).

 

2- قال حماد بن أبي حنيفة: "لم يكن بالكوفة أسخى على طعامٍ ومالٍ من حماد بن أبي سليمان، ومن بعده خلف بن حوشبٍ"(الكرم والجود وسخاء النفوس للبرجلاني:ص55).

 

3- قال أبو السوار العدوي: كان رجالٌ من بني عدي يصلون في هذا المسجد، ما أفطر أحدٌ منهم على طعامٍ قط وحده، إن وجد من يأكل معه أكل، وإلا أخرج طعامه إلى المسجد، فأكله مع الناس، وأكل الناس معه"(الكرم والجود وسخاء النفوس للبرجلاني:ص53).

 

4- قال ابن المبارك رحمه الله تعالى: "سخاء النفس عما في أيدي الناس أفضل من سخاء النفس بالبذل.. الإنسان إذا تعفف عن أموال الناس هذا أول مراتب الإيثار فإذا أعطاهم كان أرقى"(فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب المؤلف: محمد نصر الدين محمد عويضة:6-334).

 

5- قال سعيد بنُ الْمُسَيَّبِ: "كَانَ إِبْرَاهِيمُ أَوَّلَ النَّاسِ ضَيَّفَ الضَّيْفَ، وَأَوَّلَ النَّاسِ اخْتَتَنَ وَأَوَّلَ النَّاسِ قَصَّ شاربه وَأَوَّلَ النَّاسِ رَأَى الشَّيْبَ، فَقَالَ: يَا رَبِّ مَا هَذَا؟ قَالَ تَعَالَى: وَقَارٌ يَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ: رَبِّ زِدْنِي وَقَارًا" (مالك:2-703).

 

6- قال جابر بن عبد الله: هلاك الرجل أن يدخل عليه الرجل من إخوانه، فيحتقر ما في بيته أن يقدمه إليه، وهلاك القوم أن يحتقروا ما قدم إليهم (شرح السنة:11-338).

 

7- قيل للأوزاعي: ما إكرام الضيف؟ قال: بشاشة الوجه (شرح السنة:11-338).

 

8- قال مجاهد غي قول الله تعالى: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم)[النساء: 148]: "هو الرجل ينزل بالرجل، فلا يضيفه، ولا يقريه، فلا بأس أن يقول: لم تضفني ولم تقرني"(شرح السنة:11-339).

 

القصص

1- أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِى النَّوْمِ ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاَءُ فَكَانَ يَلْحَقُ بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ - قَالَ وَالتَّحَنُّثُ التَّعَبُّدُ - اللَّيَالِىَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ بِمِثْلِهَا ، حَتَّى فَجِئَهُ الْحَقُّ وَهْوَ فِى غَارِ حِرَاءٍ فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ اقْرَأْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- "مَا أَنَا بِقَارِئٍ". قَالَ "فَأَخَذَنِى فَغَطَّنِى حَتَّى بَلَغَ مِنِّى الْجُهْدُ ثُمَّ أَرْسَلَنِى. فَقَالَ اقْرَأْ. قُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِى فَغَطَّنِى الثَّانِيِةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّى الْجُهْدُ ، ثُمَّ أَرْسَلَنِى. فَقَالَ اقْرَأْ. قُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِى فَغَطَّنِى الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّى الْجُهْدُ ثُمَّ أَرْسَلَنِى. فَقَالَ (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ)".

 

الآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ (عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ فَقَالَ "زَمِّلُونِى زَمِّلُونِى". فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ قَالَ لِخَدِيجَةَ "أَىْ خَدِيجَةُ مَا لِى ، لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِى". فَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ. قَالَتْ خَدِيجَةُ كَلاَّ أَبْشِرْ ، فَوَاللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا ، فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ ، وَتَقْرِى الضَّيْفَ ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ....[ صحيح البخارى (4953) وصحيح مسلم (422).

 

2- كان حاتم الطائي من أشهر من عرف عند العرب بالجود والكرم حتى صار مضرب المثل في ذلك. قالت النوار امرأته: أصابتنا سنة اقشعرت لها الأرض، واغبر أفق السماء، وراحت الإبل حدبا حدابير، وضنت المراضع عن أولادها فما تبض بقطرة، وجلفت السنة المال، وأيقنا أنه الهلاك. فو الله إني لفي ليلة صنبر بعيدة ما بين الطرفين، إذ تضاغى صبيتنا من الجوع، عبد الله وعدي وسفانة، فقام حاتم إلى الصبيين، وقمت إلى الصبية، فو الله ما سكنوا إلا بعد هدأة من الليل، ثم ناموا ونمت أنا معه، وأقبل يعللني بالحديث، فعرفت ما يريد، فتناومت، فلما تهورت النجوم إذا شيء قد رفع كسر البيت، فقال: من هذا؟ فولى ثم عاد، فقال: من هذا؟ فولى ثم عاد في آخر الليل، فقال: من هذا؟ فقالت: جارتك فلانة، أتيتك من عند صبية يتعاوون عواء الذئاب من الجوع، فما وجدت معولا إلا عليك أبا عدي، فقال: والله لأشبعنهم، فقلت: من أين؟ قال: لا عليك، فقال: أعجليهم فقد أشبعك الله وإياهم، فأقبلت المرأة تحمل ابنين ويمشي جانبيها أربعة، كأنها نعامة حولها رئالها، فقام إلى فرسه فوجأ لبته بمديته، فخر، ثم كشطه، ودفع المدية إلى المرأة فقال: شأنك (الآن)، فاجتمعنا على اللحم، فقال: سوأة! أتأكلون دون الصرم؟! ثم جعل يأتيهم بيتا بيتا ويقول؛ هبوا أيها القوم، عليكم بالنار، فاجتمعوا، والتفع بثوبه ناحية ينظر إلينا، لا والله ما ذاق منه مزعة، وإنه لأحوج إليه منا، فأصبحنا وما على الأرض من الفرس، إلا عظم أو حافر، (فعذلته على ذلك)، فأنشأ حاتم يقول:

 

مهلا نوار أقلى اللوم والعذلا *** ولا تقولي لشيء فات: ما فعلا

ولا تقولي لمال كنت مهلكه *** مهلا، وإن كنت أعطي الجن والخبلا

يرى البخيل سبيل المال واحدة *** إن الجواد يرى في ماله سبلا

لا تعذليني في مال وصلت به *** رحماً، وخير سبيل المال ما وصلا

(الشعر والشعراء للدينوري (1/ 238)

 

وانظر موسوعة الأخلاق الإسلامية إعداد: مجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ عَلوي بن عبد القادر السقاف (1/182).

 

3- قيل سأل رجل حاتماً الطائي فقال: يا حاتم هل غلبك أحد في الكرم؟ قال: نعم غلام يتيم من طيء نزلت بفنائه وكان له عشرة أرؤس من الغنم، فعمد إلى رأس منها فذبحه. وأصلح من لحمه، وقدم إلي، وكان فيما قدم إلي الدماغ، فتناولت منه فاستطبته، فقلت: طيب والله. فخرج من بين يدي، وجعل يذبح رأساً رأساً، ويقدم إلي الدماغ وأنا لا أعلم. فلما خرجت لأرحل نظرت حول بيته دماً عظيماً وإذا هو قد ذبح الغنم بأسره. فقلت له: لم فعلت ذلك؟ فقال: يا سبحان الله تستطيب شيئاً أملكه فأبخل عليك به، إن ذلك لسبة على العرب قبيحة. قيل يا حاتم: فما الذي عوضته؟ قال: ثلاثمائة ناقة حمراء وخمسمائة رأس من الغنم، فقيل أنت إذاً أكرم منه فقال: بل هو أكرم، لأنه جاد بكل ما يملكه وإنما جدت بقليل من كثير (المستجاد من فعلات الأجواد للتنوخي:1-58).

 

4- كان سلمان إذا دخل عليه رجل، فدعا بما حضر خبزا وملحا، وقال: لولا أنا نهينا أن يتكلف بعضنا لبعض، لتكلفت لك (شرح السنة:11-338).

 

5- قال أَبو عبيد القاسم بن سلام: زرت أَحمد بن حنبل في بيته فأجلسني في صَدْرِ دَارِهِ وجلس دوني. فقلت: يا أبا عبد اللَّه، أليس يُقال: صاحب البيت أَحق بصدر بيته؟ فقال: نعم! ويُقْعِدُ من يريد. قال: فقلت في نفسي: خُذْ إليك يا أَبا عبيد فائدة. قال: ثم قلت له: يا أبا عبد اللَّه لوكنت آتيك على نحو ما تستحق لأَتيتك كل يوم. فقال: لا تقل، إن لي إخوانا لا ألقاهم إلا في كل سنة مرة، أَنا أَوثق بمودتهم ممن أَلقى كل يوم. قال قلت: هذِه أُخرى يا أَبا عبيد. فلما أردت القيام قام معي. فقلت: لا تفعل يا أبا عبد اللَّه. قال الشعبي: من تمام زيارة الزائر أن تمشي معه إلى باب الدار وتأخذ بركابه. قال: قلت: يا أبا عبيد هذِه ثالثة. قال: فمشى معي إلى باب الدار وأخذ بركابي. (طبقات الحنابلة:٢-٢١١، والمناقب:١٥٢، والجوهر المحصل:٣٨).

 

الاشعار

1- قال حاتم الطائي:

أتت تشتكى عندى مزاولة القرى *** وقد رأت الضّيفان ينحون منزلى

فقلت كأنّى ما سمعت كلامها *** هم الضّيف جدّى فى قراهم وعجّلى

(التبيان:2-357).

 

2- قال حاتم الطائي يخاطب امرأته ماوية بنت عبد الله، كذا قال غير واحد [وكذا في حماسة الطائي 4/ 205 وفي الكامل منسوب لقيس بن عاصم المنقري. وقال محقق الكامل (هذا هو الصحيح في نسبة هذه الابيات، وأخطا التبريزي في شرح الحماسة، إذ نسبها لحاتم الطائي]. وقال في الأغاني (14/ 65 و 68 - 69): أخبرنا ابن دريد، حدثني عمي عن العباس بن هشام، عن أبيه، عن جدّه، قال: تزوّج قيس بن عاصم المنقري بنفوسة بنت زيد الفوارس الضّبيّ، وأتته في الليلة الثانية من بنائه بها بطعام، فقال: أين أكيلي؟ فلم تعلم ما يريد، فأنشأ يقول:

أيا ابنة عبد الله وابنة مالك *** ويا ابنة ذي البردين والفرس الورد

إذا ما صنعت الزّاد فالتمسي له *** أكيلا فإنّي لسث آكله وحدي

أخا طارقا أو جار بيت فإنّني *** أخاف مذمّات الأحاديث من بعدي

وكيف يسيغ المرء زادا وجاره *** خفيف المعابادي الخصاصة والجهد

وللموت خير من زيارة باخل *** يلاحظ أطراف الأكيل على عمد

وإنّي لعبد الضّيف ما دام ثاويا *** وما فيّ إلّا تلك من شيم العبد

(انظر شرح شواهد المغني المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي:2-586).

 

3- يقول مسكين الدّارمي أو عتبة بن بجير:

لِحَافِي لِحَافُ الضَّيْفِ والبيتُ بيتُهُ *** ولمْ يُلْهِني عنه الغَزالُ المُقنّعُ

أُحَدِّثهُ إنَّ الحديثَ مِنَ القِرَى *** وتَعْلَمُ نفسي أنّه سوف يَهْجَعُ

الغزال المقنّع: زوجته، ويهجع: ينام، يريد أنه يحدّثه ويقريه بهذا الحديث حتّى ينام. 

(الذخائر والعبقريات:1-134).

 

4- وقالوا في وصف الرجل الكريم يَسوء خلقه مع أهله خوف التقصير: والقائل زينب بنت الطّثَرِيَّة ترثي أخاها يزيد:

إذا نزَلَ الأضيافُ كان عَذَوَّراً *** على الأهلِ حتّى تسْتَقِلَّ مراجلُهْ

يُعِينُكَ مَظْلوماً ويُنجِيكَ ظالِماً *** وكُلُّ الذي حُمِّلْتَهُ فهو حامِلُهْ

 

العذوَّر: السيّئ الخُلق القليل الصبر فيما يريده ويهمُّ به، وإنما جعلته عذوَّراً لشدّة تهمُّمه بأمرِ الأضياف وحِرْصِه على تعجيل قِراهم حتى تستقل المراجل على الأثافيّ، والمراجل: القدور واحدها مِرْجل، وقوله: وينجيك ظالماً، أي إنْ ظَلَمْت فطُولبت بظُلْمك حَماك ومَنع منك (الذخائر والعبقريات:1-131).

 

5- قال دِعبل الخُزاعي:

يا تاركَ البيتِ على ضيفِه *** وهاربًا منه مِن الخوفِ

ضيفُك قد جاء بخبزٍ له *** فارجِعْ وكُنْ ضيفًا على الضيفِ

 

6- قال كلثوم بن عمرو التغلبي من شعراء الدولة العباسية:

إن الكريم ليخفى عنك عسرته *** حتى تراه غنياً وهو مجهود

وللبخيل على أمواله علل *** زرق العيون عليها أوجه سود

إذا تكرمت عن بذل القليل ولم *** تقدر على سعة لم يظهر الجود

بث النوال ولا تمنعك قلته *** فكل ما سد فقراً فهو محمود

(الحماسة البصرية لأبي الحسن البصري:2-63).

 

7- قال المنتصر بن بلال الأنصاري:

الجود مكرمة والبخل مبغضة *** لا يستوي البخل عند الله والجود

والفقر فيه شخوص والغنى دعة *** والناس في المال مرزوق ومحدود

(روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان البستي: ص235).

 

8- قال قيس بن عاصم لزوجته:

إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له *** أكيلاً فإني لست آكله وحدي

أخاً طارقاً أو جار بيت فإنني *** أخاف ملامات الأحاديث من بعدي

وإني لعبد الضيف من غير ذلة *** وما في إلا ذاك من شيمة العبد

(شرح ديوان الحماسة للتبريزي:2-310).

 

متفرقات

1- قال الإمامُ ابن القيِّم -رحمه الله-: وتأمَّل ثناءَ الله - سبحانه- عليه في إكرام ضيفِه من الملائكة، حيثُ يقول - سبحانه-: (هَلْ أتاكَ حَديثُ ضَيْفِ إبْرَاهِيمَ المُكْرَمينَ * إذْ دَخَلوا عليه فقالوا سَلامًا قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُّنكَرونَ * فراغَ إلى أهلِه فجاءَ بعِجْلٍ سَمينٍ * فقرَّبَه إليهِمْ قالَ أَلا تأكُلونَ) [الذاريات: 24-27]؛ ففي هذا ثناءٌ علَى إبراهيم من وجوه متعدِّدة: أحدها: أنَّه وَصَفَ ضيفَه بأنَّهم مكرَمون، وهذا - على أحد القولَيْنِ- أنَّه إكرام إبراهيم -عليه السَّلام- لهم.

 

والثَّاني: أنَّهم المكرَمون عند اللهِ - سُبحانَه-. ولا تنافيَ بين القولين؛ فالآية تدلُّ على المعنيَيْن. الثَّاني: قوله تعالى: (إذْ دَخَلوا عَلَيْهِ)، فلم يذكُر استئذانَهم؛ ففي هذا دليلٌ على أنَّه -صلى الله عليه وسلم- كان قد عُرِفَ بإكرام الضِّيفان، واعتياد قِراهم، فبقيَ مَنزِلُه مضيفةً، مطروقًا لمن وَرَدَه، لا يحتاجُ إلى الاستئذان؛ بل استئذانُ الدَّاخلِ دخولُه، وهذا غايةُ ما يكون من الكَرَم.

 

الثَّالث: قوله: (سَلامٌ) بالرَّفع، وهم سَلَّموا عليه بالنَّصْبِ. والسَّلامُ بالرَّفع أكملُ؛ فإنَّه يدلُّ على الجملة الاسميَّة الدَّالَّة على الثُّبوت، (وعدم التجدُّد)، والمنصوبُ يدلُّ على الفِعليَّة الدَّالَّة على الحدوثِ، والتَّجدُّدِ، فإبراهيمُ حيَّاهم بتحيَّة أحسن من تحيَّتهم؛ فإنَّ قولهم: (سَلامًا) (يدلُّ على: سلَّمنا سلامًا، وقوله: (سَلامٌ)؛ أي: سلامٌ عليكم. 

 

الرَّابع: أنَّه حذفَ المبتدأ من قوله: (قَوْمٌ مُّنكَرونَ)، فإنَّه لَمَّا أنكرَهم، ولَمْ يعرفْهم؛ احتشمَ مِن مواجهتِهم بلفظٍ ينفِّر الضَّيف لو قالَ: أنتم قومٌ منكَرونَ، فحذفُ المبتدإِ هنا مِنْ ألطفِ الكلامِ.

 

الخامس: أنَّه بنَى الفعلَ للمفعول، وحذفَ فاعلَه، فقال: (مُنكَرُونَ)، ولم يقلْ: إنِّي أُنكِرُكم، وهو أحسنُ في هذا المقام، وأبعدُ من التَّنفيرِ، والمواجهةِ بالخُشونة. 

 

السَّادس: أنه راغَ إلى أهله؛ ليحييهم بنُزُلهم، والرَّوَغانُ: هو الذَّهاب في اختفاءٍ؛ بحيث لا يكاد يشعر به الضَّيف، وهذا من كرم ربِّ المنزل المضيف؛ أن يذهب في اختفاءٍ؛ بحيث لا يشعر به الضَّيف، فيشقّ عليه، ويستحي، فلا يشعر به إلاَّ وقد جاءه بالطَّعام، بخلافِ من يُسمِع ضيفَه، ويقول له، أو لِمَن حضر: مكانَكم حتَّى آتيكم بالطَّعام، ونحو ذلك مِمَّا يُوجِب حياء الضَّيف، واحتشامه.

 

السَّابع: أنَّه ذهب إلى أهله، فجاء بالضِّيافة، فدلَّ على أنَّ ذلك كان مُعَدًّا عندهم، مُهَيَّأً للضِّيفان، ولَمْ يَحْتَجْ (أن يذهبَ) إلى غيرِهم من جيرانِه، أو غيرهم؛ فيشتريَه، أو يستقرضَه.

 

الثَّامن: قوله: ((فجاءَ بعِجْلٍ سَمينٍ)) دلَّ على خدمته للضَّيف بنفسه، ولَمْ يَقُلْ: فأمرَ لهم؛ بل هو الذي ذهب، وجاء به بنفسِه، ولم يبعثْه مع خادمه، وهذا أبلغُ في إكرام الضَّيف.

 

التَّاسع: أنَّه جاء بعِجْلٍ كاملٍ، ولم يأتِ ببعضٍ منه، وهذا مِن تمام كَرَمِه -صلى الله عليه وسلم-.

 

العاشر: أنَّه سَمينٌ لا هزيلٌ، ومعلومٌ أنَّ ذلك مِن أفخرِ أموالهم، ومثلُه يُتَّخَذُ للاقتناءِ، والتربيةِ، فآثرَ به ضِيفانَه.

 

الحادي عشر: أنَّه قرَّبه (إليهم) بنفسِه، (ولَمْ) يأمرْ خادمَه بذلك.

 

الثَّاني عشر: أنَّه قرَّبه إليهم، ولَمْ يُقرِّبْهم إليه، وهذا أبلغُ في الكرامة؛ أن تُجلس الضَّيف، ثم تُقرِّب الطَّعام إليه، وتحمله إلى حضرتِه، ولا تضع الطَّعام في ناحية، ثم تأمر ضيفَك بأن يتقرَّب إليه.

 

الثَّالث عشر: أنَّه قال: (ألاَ تَأكُلُونَ)، وهذا عرضٌ، وتلطُّفٌ في القَوْل، وهو أحسنُ مِن قوله: كُلوا، أو مُدُّوا أيديَكم، ونحوها، وهذا مِمَّا يعلم النَّاس بعقولهم حسنَه، ولطفَه؛ ولهذا يقولون: باسمِ الله، أو ألا تتصدق! أو ألا تجبر! ونحو ذلك. الرَّابع عشر: أنَّه إنَّما عَرَضَ عليهم الأَكلَ؛ لأنَّه رآهم لا يأكلون، ولَمْ يكن ضيوفه يحتاجون معه إلى الإذنِ في الأكلِ؛ بل كان إذا قُدِّم إليهم الطَّعام؛ أكَلوا، وهؤلاء الضُّيوفُ لَمَّا امتنعوا مِن الأكلِ؛ قال لهم: ألا تأكلونَ! ولهذا: أَوْجسَ منهم خِيفةً؛ أي: أحسَّها، وأضمرَها في نفسِه، ولَمْ يُبْدِها لهم، وهو الوجه.

 

الخامس عشر: فإنَّهم لَمَّا امتنعوا من الأكل لطعامه؛ خافَ منهم، ولَمْ يُظهر لهم، فلمَّا علمتِ الملائكةُ منه ذلك؛ قالوا: لا تَخَفْ! وبشَّروه بالغُلام. فقد جمعت هذه الآيةُ آدابَ الضِّيافةِ الَّتي هي أشرف الآداب، وما عداها من التَّكلُّفات التي هي تخلُّف، وتكلُّف؛ إنَّما هي مِن أوضاع النَّاسِ، وعوائدهم، وكفَى بهذه الآداب شرفًا، وفخرًا، فصلَّى الله على نبيِّنا، وعلَى إبراهيمَ، وعلى آلِهما، وعلَى سائر النبيِّين"(جلاء الأفهام:394-397).

 

3- قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله: يؤخذ من قصة إبراهيم مع ضيفه هؤلاء أشياء من آداب الضيافة: منها تعجيل القرى ; لقوله: (فما لبث أن جاء بعجل حنيذ). ومنها كون القرى من أحسن ما عنده ; لأنهم ذكروا أن الذي عنده البقر وأطيبه لحما الفتي السمين المنصح. ومنها تقريب الطعام إلى الضيف. ومنها ملاطفته بالكلام بغاية الرفق ، كقوله (ألا تأكلون). ومعنى قوله (نكرهم)، أي: أنكرهم لعدم أكلهم ، والعرب تطلق نكر ، وأنكر بمعنى واحد (أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن:2-186).

 

4- قال المناوي رحمه الله: "كان يسمى أبا الضيفان – يعني إبراهيم عليه السلام-، كان يمشي الميل والميلين في طلب من يتغدى معه... وفي الكشاف: كان لا يتغدى إلا مع ضيف"(فيض القدير للمناوي:4-543).

 

5- قال الإمام النووي -رحمه الله- في شرح صحيح مسلم تعليقاً على قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "طعام الواحد يكفي الإثنين وطعام الإثنين يكفي الأربعة وطعام الأربعة يكفي الثمانية"(رواه مسلم:5489) قال: "هذا فيه الحث على المواساة في الطعام وأنه وإن كان قليلا حصلت منه الكفاية المقصودة ووقعت فيه بركة تعم الحاضرين عليه (شرح مسلم:١٤-٢٣).

 

6- يقول الدكتور محمد علي الهاشمي: "وبدهي أن المسلم الحق الذي أشربت روحه معاني الكرم مضياف، يهش لاستقبال الضيف، ويسارع إلى إكرامه، مستجيبا إلى خليقة الإسلام الأصيلة في نفسه، المنبثقة من الإيمان بالله واليوم الآخر فمكرم الضيف يؤكد بإكرامه ضيفه أنه مؤمن بالله واليوم الآخر، ومن هنا سمي هذا الإكرام جائزة، تقدم للضيف، وكأنها شكر له على ما أتاح للمضيف من عمل صالح، يحقق به إيمانه ويرضي ربه. إن إكرام الضيف في الإسلام عمل عزيز محبب للمسلم الصادق، يثاب عليه، وقد نظمه الإسلام ووضع له حدودا، فجائزة الضيف يوم وليلة، ثم يأتي واجب الضيافة، ومدته ثلاثة أيام، وما زاد على ذلك فهو صدقة تثبت في صحيفة الرجل الكريم المضياف. وليس إكرام الضيف في الإسلام أمرا اختياريا يتبع الأمزجة والنفسيات والاجتهادات الشخصية، وإنما هو واجب على المسلم، عليه أن يبادر إلى تأديته إذا ما قرع بابه طارق، أو نزل بفنائه ضيف. أما الذين يضيقون ذرعا باستقبال الضيف، ويغلقون دونه الأبواب، فلا خير فيهم. لقد جعل الإسلام الضيافة واجبة على كل مسلم، وعدها حقا مفروضا للضيف، لا ينبغي أن يقصر في أدائه مسلم، فإن استحكم شح النفوس في قوم، وبلغ بهم أن يمنعوا الضيف حقه، فإن الإسلام أذن للضيف أن يأخذ حقه منهم. إن الضيافة خلق إسلامي أصيل، ومن هنا لا تجد مسلما حسن إسلامه بخيلا ممسكا عن الضيف، مهما كانت حاله؛ ذلك أن الإسلام علمه أن طعام الاثنين يكفي الثلاثة، وطعام الثلاثة يكفي الأربعة، وأن لا خوف البتة من طروق الضيف المفاجئ. إن المسلم الحق لا يخاف كثرة الأيدي على الطعام، شأن الإنسان الغربي الذي لا يستقبل ضيفا مفاجئا لم يعد له طعاما من قبل، بل إن المسلم ليستقبل ضيفه المفاجئ، ويرحب في مشاركته طعامه، وما عليه إن نقص حظ معدته لقيمات معدودات؛ لأن الجوع أهون عند المسلم الحق من الإعراض عن الضيف الذي أمر الله رسوله بإكرامه، بل إن الله ليبارك في طعام الواحد فإذا هو يكفي الاثنين ويبارك في طعام الاثنين فإذا هو يكفي الأربعة، وهكذا... ولا داعي لذلك الجفاف المقيت الذي مني به الإنسان الغربي، ربيب المدنية المادية في الشرق والغرب سواء"(شخصية المسلم كما يصوغها الإسلام في الكتاب والسنة المؤلف: الدكتور محمد علي الهاشمي:1/286- 288 باختصار يسير).

 

 

 

الإحالات

1- قرى الضيف؛ لأبي الدنيا.

 

2- إكرام الضيف؛ لإبراهيم بن إسحاق الحربي.

 

3- الإنافة في الصدقة والضيافة إكرام الضيف وفضل الصدقات؛ لأبي العباس الهيثمي.