أضحية

2022-10-05 - 1444/03/09

التعريف

الأضحية لغة: اسم لما يذبح أيام عيد الأضحى، أي الشاة التي يضحي بها، وهي تجمع على أضحى، وأضاح، وضحايا، وأضاحي، وبها سمي يوم الأضحى، أي اليوم الذي يضحي الناس فيه (لسان العرب، 4/2560-2561).

 

وفي الاصطلاح: اسم لما يذبح من الإبل والبقر والغنم يوم النحر، وأيام التشريق تقربا إلى الله تبارك وتعالى (انظر: منصور البهوتي في كشاف القناع، 2-530، وخالد علي محمد في أحكام العيد وآدابه، ص 47).

العناصر

1- تعريف الأضحية والحكمة من مشروعيتها.   2- حكم الأضحية.   3- أنواع الضحايا.   4- صفات الأضاحي والسن المشترط فيها ووقت التضحية.   5- مستحبات الأضحية.   6- مكروهات الأضحية.

الايات

1- قوله تعالى: (وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) [البقرة:267].   2- قوله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام:162-163].   3- قوله تعالى: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) [الحج:28].   4- قوله تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)[الحج:34-37].   5- قوله تعالى: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) [الصافات:102-107].   6- قال تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر:2].    

الاحاديث

1- عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما عمل ابن آدم يوم النحر عملا أحب إلى الله عز وجل من هراقة دم، وإنه ليأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطيبوا بها نفسا"(رواه الترمذي:1493، وضعفه الألباني).   2- عن مخنف بن سليم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يا أيها الناس إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة، هل تدرون ما العتيرة؟ هي التي تسمونها الرجبية"(رواه أبو داود الضحايا:2788، والترمذي:1518، وصححه الألباني).   3- عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمسن من شعره وبشره شيئا"(رواه مسلم:1977).   4- عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " من كان لهُ ذبحٌ يذبحُهُ، فإذا أَهَلَّ هلالُ ذي الحجةِ، فلا يأخذَنَّ من شعرِهِ ولا من أظفارِهِ شيئًا، حتى يُضحِّي"(رواه مسلم:1977).   5- عن جندب بن سفيان رضي الله عنه، قال: شهدت الأضحى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما قضى صلاته بالناس نظر إلى غنم قد ذبحت فقال: "من ذبح قبل الصلاة فليذبح شاة مكانها، ومن لم يكن ذبح فليذبح على اسم الله"(رواه البخاري:5181، ومسلم:1960).   6- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: صلى بنا النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم النحر بالمدينة، فتقدم رجال فنحروا وظنوا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد نحر، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- من كان نحر قبله أن يعيد بنحر أخرى ولا ينحروا حتى ينحر النبي -صلى الله عليه وسلم- (رواه مسلم:1964).   7- عن البراء بن عازب، قال: قام فينا رسول -صلى الله عليه وسلم- وأصابعي أقصر من أصابعه، وأناملي أقصر من أنامله، فقال: "أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء بين عورها، والمريضة بين مرضها، والعرجاء بين ظلعها، والكسير التي لا تنقي"(رواه أبو داود:2802، وصححه الألباني).   8- عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن"(رواه مسلم:1963).   9- عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته"(رواه مسلم:1955).   10- عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا نصلي ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح فإنما هو لحم قدمه لأهله، وليس من النسك في شيء"(رواه البخاري:925، ومسلم:1961).   11- عن سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثه وفي بيته منه شيء " فلما كان العام المقبل قالوا: يا رسول الله نفعل كما فعلنا العام الماضي؟ قال: " كلوا وأطعموا وادخروا فإن ذلك العام كان بالناس جهد فأردت أن تعينوا فيها"(رواه البخاري:5249، ومسلم:1974).   12- عن جابر رضي الله تعالى عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "نهى عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث، ثم قال بعد: "كلوا وتزودوا وادخروا"(رواه البخاري:1632، ومسلم:1972).   13- عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يضحي بكبشين وأنا أضحي بكبشين"(رواه البخاري:5233، ومسلم:1962).   14- عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما (رواه البخاري:5245، ومسلم:1966).   15- عن علي بن أبي طالب: أمرَنا رسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أن نَستَشرِفَ العينَ والأذُنَ، وأن لا نُضحِّيَ بعوراءَ، ولا مقابَلَةٍ، ولا مدابرةٍ، ولا شرقاءَ، ولا خرقاء قالَ زُهَيْرٌ: فَقلتُ لأبي إسحَقَ: أذَكَرَ عَضباءَ؟ قالَ: لا. قُلتُ: ما المقابَلةُ؟ قالَ: هيَ الَّتي يُقطَعُ طرفُ أذنِها، قُلتُ: فالمدابرةُ؟ قالَ: الَّتي يُقطَعُ مؤخَّرُ الأذنِ. قلتُ: ما الشَّرقاءُ؟ قالَ: الَّتي يُشقُّ أذنُها. قُلتُ: فَما الخرقاءُ؟ قالَ: الَّتي تُخرَقُ أذنَها السِّمةُ (رواه أبو داود:٢٨٠٤، والترمذي:١٤٩٨، وأحمد:١-١٤٩، واللفظ له، وصححه أحمد شاكر).   16- عن جابر رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مهلين بالحج فأمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدنة (رواه مسلم:1318).   17- عن جابر رضي الله عنه قال: نحرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة (رواه البخاري:3367، ومسلم:1318).   18- عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يذبح وينحر بالمصلى (رواه البخاري:5232).   19- عن عائشة رضي الله عنها: أنا فتلت قلائد هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيدي، ثم قلدها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيديه، ثم بعث بها مع أبي فلم يحرم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيء أحله الله له حتى نحر الهدي (رواه البخاري:1613، ومسلم:1321).   20- عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي رضي الله عنه أنه أخبره "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمره أن يقوم على بدنة وأن يقسم بدنة كلها، لحومها وجلودها وجلالها ولا يعطي في جزارتها شيئا"(رواه البخاري:1630، ومسلم:1317).   21- عن زيد بن أرقم قال قلت أو قالوا له: يا رسول الله ما هذه الأضاحي؟ قال: "سنة أبيكم إبراهيم" قالوا، فمالنا فيها يا رسول؟ قال: "بكل شعرة حسنة" قالوا: فالصوف يا رسول الله؟ قال: "بكل شعرة من الصوف حسنة"(رواه ابن ماجه:3127، وقال الألباني: ضعيف جداً).   22- عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنَّ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أمر بكبشٍ أقرنَ، يطأُ في سوادٍ، ويبركُ في سوادٍ، وينظرُ في سوادٍ، فأُتِيَ به، فقال لها: "يا عائشةُ ! هَلُمِّي المُدْيَةَ". ثم قال: "اشحَذِيها بحجرٍ" ففعلت. ثم أخذها، وأخذ الكبشَ فأضجَعَ، ثم ذبحَه. ثم قال: "باسمِ اللهِ. اللهم! تقبل من محمدٍ وآلِ محمدٍ، ومن أُمَّةِ محمدٍ" ثم ضحَّى به (رواه مسلم:١٩٦٧).   23- عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: شَهِدْتُ معَ رسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الأَضحى بالمصلَّى، فلمَّا قَضى خطبتَهُ نزلَ من منبرِهِ، وأُتِيَ بِكَبشٍ فذبحَهُ رسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بيدِهِ، وقالَ: "بسمِ اللَّهِ واللَّهُ أَكْبرُ، هذا عنِّي، وعمَّن لَم يضحِّ من أمَّتي"(رواه أبو داود:٢٨١٠، واللفظ له، والترمذي:١٥٢١، وصححه الألباني).   24- عن ابن عباس رضي الله عنهما في صفة أضحية النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: يطعم أهل بيته الثلث، ويطعم فقراء جيرانه الثلث، ويتصدق بالثلث (رواه الحافظ أبو موسى الأصفهاني في الوظائف وقال: حديث حسن، وحسنه أبو موسى المديني في كشاف القناع ٣/٢٢، وقال أحمد بن حنبل كما جاء في مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح:9-242: "نحن نذهب إلى حديث عبد الله"، وقال الألباني في إرواء الغليل:١١٦٠: لم أقف على سنده لأنظر فيه).   25- عن جبير بن مطعم رضي الله عنه- قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في كلِّ أيَّامِ التَّشريقِ ذبحٌ"(رواه ابن حبان في صحيحه:٣٨٥٤، وصححه الألباني في صحيح الجامع:٤٥٣٧).   26- عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنه سئل: كيف كانتِ الضحايا على عهدِ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فقال: "كان الرجلُ يُضحِّي بالشاةِ عنه وعن أهلِ بيتِه، فيأكُلونَ ويطعَمونَ حتى تَباهى الناسُ فصارَتْ كما تَرى"(رواه الترمذي:١٥٠٥، واللفظ له، وابن ماجه:٣١٤٧، وصححه الألباني).   27- عن عبدالله بن وقدان ابن السعدي رضي الله عنه قال:نهى رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عن أكلِ لحومِ الضحايا بعدَ ثلاثٍ، قال عبدُاللهِ ابنُ أبي بكرٍ: فذكرتُ ذلك لعمرةَ فقالت: صدق، سمعتُ عائشةَ تقول: دفَّ أهلُ أبياتٍ من الباديةِ حضرةَ الأضحى، زمنَ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-. فقال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "ادِّخروا ثلاثًا، ثم تصدَّقوا بما بقي" فلما كان بعد ذلك قالوا: يا رسولَ اللهِ! إنَّ الناسَ يتَّخذون الأسقيةَ من ضحاياهم ويُجمِّلون منها الوَدَكَ، فقال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "وما ذاك؟" قالوا: نهيتَ أن تُؤكلَ لحومُ الضحايا بعدَ ثلاثٍ، فقال: "إنما نهيتُكم من أجلِ الدَّافَّةِ التي دَفَّتْ، فكلوا وادِّخِروا وتصدَّقوا"(رواه مسلم:١٩٧١).   28- عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: "أقام رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بالمدينةِ عشرَ سنينَ يُضحِّي"(رواه الترمذي:١٥٠٧، وأحمد:٤٩٥٥، وصححه أحمد شاكر).

الاثار

1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن كانَ لَهُ سَعةٌ، ولم يضحِّ، فلا يقربنَّ مُصلَّانا"(أخرجه ابن ماجه:٢١٢٣، واللفظ له، وأحمد:٨٢٧٣، وقال ابن حجر في بلوغ المرام (٤٠٤): رجح الأئمة وقفه).   2- عن أبي أمامة بن سهل رضي الله عنه قال: "كنا نسمن الأضحية بالمدينة، وكان المسلمون يسمنون"(المغني لابن قدامة:13-367).   3- عن نافع مولى ابن عمر قال: أنَّ ابنَ عمرَ كان يقولُ: "الأيَّامُ المَعلوماتُ والمَعدوداتُ هُنَّ جميعًا أربعةُ أيَّامٍ، فالأيَّامُ المَعلوماتُ يومُ النَّحرِ ويَومانِ بعدَه والأيامُ المَعدوداتُ ثلاثةُ أيامٍ بعدَ يومِ النَّحرِ"(تفسير القرآن العظيم:٥-٤١٢، وصححه ابن كثير).   4- عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: "الأيَّامُ المعلوماتُ أيَّامُ العشرِ، والمعدوداتُ أيَّامُ التَّشريقِ"(أخرجه البخاري معلقاً بصيغة الجزم قبل حديث:٩٦٩، وصححه ابن حجر في التلخيص الحبير:٣-٩٤١).      

القصص

قال ابن كثير -رحمه الله- في قوله تعالى: (وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ* رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ ..) الآيات [الصافات:99-113]. يذكر تعالى عن خليله إبراهيم أنه لما هاجر من بلاد قومه سأل ربه أن يهب له ولدا صالحا فبشره الله تعالى بغلام حليم، وهو إسماعيل عليه السلام؛ لأنه أول من ولد له على رأس ست وثمانين سنة من عمر الخليل، وهذا ما لا خلاف فيه بين أهل الملل أنه أول ولده وبكره. وقوله: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) أي شب وصار يسعى في مصالحه كأبيه. قال مجاهد: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) أي شب وارتحل، وأطاق ما يفعله أبوه من السعي والعمل، فلما كان هذا أُري إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يؤمر بذبح ولده هذا. وفي الحديث عن ابن عباس مرفوعا: "رؤيا الأنبياء وحي". وهذا اختبار من الله -عز وجل- لخليله في أن يذبح هذا الولد العزيز الذي جاءه على كبر، وقد طعن في السن بعد ما أمر بأن يسكنه هو وأمه في بلاد قفر، وواد ليس به حسيس ولا أنيس ولا زرع ولا ضرع، فامتثل أمر الله في ذلك، وتركهما هناك ثقة بالله وتوكلا عليه فجعل الله لهما فرجا ومخرجا، ورزقهما من حيث لا يحتسبان، ثم لما أمر بعد هذا كله بذبح ولده هذا، الذي قد أفرده عن أمر ربه، وهو بكره ووحيده الذي ليس له غيره أجاب ربه وامتثل أمره وسارع إلى طاعته، ثم عرض ذلك على ولده؛ ليكون أطيب لقلبه وأهون عليه من أن يأخذه قسرا ويذبحه قهرا، (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى) فبادر الغلام الحليم يبر والده الخليل إبراهيم، ف (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ). وهذا الجواب في غاية السداد والطاعة للوالد ولرب العباد.   قال الله تعالى: (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ). قيل: أسلما أي استسلما لأمر الله وعزما على ذلك. وقيل: هذا من المقدم والمؤخر، والمعنى تله للجبين أي ألقاه على وجهه. قيل: أراد أن يذبحه من قفاه لئلا يشاهده في حال ذبحه. قاله ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة، والضحاك. وقيل: بل أضجعه كما تضجع الذبائح، وبقي طرف جبينه لاصقا بالأرض، وأسلما أي سمى إبراهيم وكبر وتشهد وسلم الولد للموت. قال السدي وغيره: أمر السكين على حلقه فلم تقطع شيئا. ويقال: جعل بينها وبين حلقه صفيحة من نحاس. والله أعلم. فعند ذلك نودي من الله عز وجل: (أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا). أي قد حصل المقصود من اختبارك وطاعتك ومبادرتك إلى أمر ربك وبذلك ولدك للقربان، كما سمحت ببدنك للنيران، وكما مالك مبذول للضيفان؛ ولهذا قال تعالى: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ). أي الاختبار الظاهر البين. وقوله: (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ). أي وجعلنا فداء ذبح ولده ما يسره الله تعالى له من العوض عنه، والمشهور عن الجمهور أنه كبش أبيض أعين أقرن رآه مربوطا بسمرة في ثبير. قال الثوري: عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفا. وقال سعيد بن جبير: كان يرتع في الجنة حتى تشقق عنه ثبير، وكان عليه عهن أحمر. وعن ابن عباس: هبط عليه من ثبير كبش أعين أقرن له ثغاء فذبحه، وهو الكبش الذي قربه ابن آدم فتقبل منه. رواه ابن أبي حاتم.   قال مجاهد: فذبحه بمنى. وقال عبيد بن عمير: ذبحه بالمقام. فأما ما روي عن ابن عباس أنه كان وعلا، وعن الحسن أنه كان تيسا من الأروى واسمه جرير فلا يكاد يصح عنهما، ثم غالب ما هاهنا من الآثار مأخوذ من الإسرائيليات، وفي القرآن كفاية عما جرى من الأمر العظيم والاختبار الباهر وأنه فدي بذبح عظيم. وقد ورد في الحديث أنه كان كبشا"(البداية والنهاية:1/181-182).

متفرقات

1- قال ابن عطية في تفسير قوله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر: 2]: قال بعض المفسرين: إن المراد بالصلاة هنا صلاة العيد، وبالنحر ذبح ونحر الضحايا يوم عيد الأضحى (المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز).   2- قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: بلغنا أن أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما كانا لا يضحيان كراهية أن يقتدى بهما، فيظن من رآهما أنها واجبة (السنن الكبرى للبيهقي، ج 9، ص 264، 265، في كتاب ( الضحايا ) باب: الأضحية سنة نحب لزومها ونكره تركها].   3- قال ابن القيم رحمه الله: الذبح في موضعه أفضل من الصدقة بثمنه. قال: ولهذا لو تصدق عن دم المتعة والقِرَان بأضعاف أضعاف القيمة لم يقم مقامه وكذلك الأضحية.   4- قال القرطبي عند قوله تعالى: (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ): "في هذه الآية دليل على أن الأضحية بالغنم أفضل من الإبل والبقر. وهذا مذهب مالك وأصحابه. قالوا: أفضل الضحايا الفحول من الضأن، وإناث الضأن أفضل من فحل المعز، وفحول المعز خير من إناثها، وإناث المعز خير من الإبل والبقر. وحجتهم قوله سبحانه وتعالى: وفديناه بذبح عظيم أي: ضخم الجثة سمين، وذلك كبش لا جمل ولا بقرة. وروى مجاهد وغيره عن ابن عباس أنه سأله رجل: إني نذرت أن أنحر ابني؟ فقال: يجزيك كبش سمين، ثم قرأ: وفديناه بذبح عظيم. وقال بعضهم: لو علم الله حيوانا أفضل من الكبش لفدى به إسحاق. وضحى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكبشين أملحين. وأكثر ما ضحى به الكباش"(الجامع لأحكام القرآن:18/73-74).   5- قال ابن الخطاب في شرحه لحديث: "إنما نهيتُكم من أجلِ الدَّافَّةِ التي دَفَّتْ، فكلوا وادِّخِروا وتصدَّقوا" قال: "قول دف ناس معناه أقبلوا من البادية والدف سير سريع يقارب فيه بين الخطو يقال دف الرجل دفيفا وهم دافة أي جماعة يدفون وإنما أراد قوماً أقحمتهم السنة وأقدمتهم الجماعة، يقول: إنما حرمت عليكم الادخار فوق ثلاث؛ لتواسوهم وتتصدقوا عليهم، فأما وقد جاء الله بالسعة فادخروا وما بدا لكم"( معالم السنن:2-232).   6- قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله عند قوله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي) قال: "أي: ذبحي، وذلك لشرف هاتين العبادتين وفضلهما، ودلالتهما على محبة الله تعالى، وإخلاص الدين له، والتقرب إليه بالقلب واللسان، والجوارح وبالذبح الذي هو بذل ما تحبه النفس من المال، لما هو أحب إليها وهو الله تعالى. ومن أخلص في صلاته ونسكه، استلزم ذلك إخلاصه لله في سائر أعماله"(تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان).   7- قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله عند قوله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي) قال: "قال بعض العلماء: المراد بالنسك هنا النحر، لأن الكفار كانوا يتقربون لأصنامهم بعبادة من أعظم العبادات: هي النحر, فأمر الله تعالى نبيه أن يقول إن صلاته ونحره كلاهما خالص لله تعالى، ويدل لهذا قوله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)، وقالَ بَعْضُ العُلَماءِ: النُّسُكُ جَمِيعُ العِباداتِ، ويَدْخُلُ فِيهِ النَّحْرُ، وقالَ بَعْضُهُمُ: المُرادُ بِقَوْلِهِ: وانْحَرْ وضْعُ اليَدِ اليُمْنى عَلى اليُسْرى تَحْتَ النَّحْرِ في الصَّلاةِ، واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ"(أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن).   8- قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله عند قوله تعالى: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ في أيّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهم مِن بَهِيمَةِ الأنْعامِ) قال: "وأذِّنْ في النّاسِ بِالحَجِّ يَأْتُوكَ مُشاةً ورُكْبانًا؛ لِأجْلِ أنْ يَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهم، ولِأجْلِ أنْ يَتَقَرَّبُوا إلَيْهِ بِإراقَةِ دِماءِ ما رَزَقَهم مِن بَهِيمَةِ الأنْعامِ، مَعَ ذِكْرِهِمُ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها عِنْدَ النَّحْرِ والذَّبْحِ، وظاهِرُ القُرْآنِ يَدُلُّ عَلى أنَّ هَذا التَّقَرُّبَ بِالنَّحْرِ في هَذِهِ الأيّامِ المَعْلُوماتِ، إنَّما هو الهَدايا لا الضَّحايا؛ لِأنَّ الضَّحايا لا يُحْتاجُ فِيها إلى الأذانِ بِالحَجِّ، حَتّى يَأْتِيَ المُضَحُّونَ مُشاةً ورُكْبانًا، وإنَّما ذَلِكَ في الهَدايا عَلى ما يَظْهَرُ، ومِن هُنا ذَهَبَ مالِكٌ، وأصْحابُهُ إلى أنَّ الحاجَّ بِمِنًى لا تَلْزَمُهُ الأُضْحِيَةُ ولا تُسَنُّ لَهُ، وكُلُّ ما يَذْبَحُ في ذَلِكَ المَكانِ والزَّمانِ، فَهو يَجْعَلُهُ هَدْيًا لا أُضْحِيَةً. وَقَوْلُهُ: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ في أيّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ) أيْ عَلى نَحْرِ وذَبْحِ ما رَزَقَهم (مِن بَهِيمَةِ الأنْعامِ)؛ لِيَتَقَرَّبُوا إلَيْهِ بِدِمائِها؛ لِأنَّ ذَلِكَ تَقْوى مِنهم، فَهو يَصِلُ إلى رَبِّهِمْ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: (لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها ولا دِماؤُها ولَكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنكُمْ)"(أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن).   9- قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله عند قوله تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا) [الحج:٣٤] قال: "أي: ولكل أمة من الأمم السالفة جعلنا منسكا، أي: فاستبقوا إلى الخيرات وتسارعوا إليها، ولننظر أيكم أحسن عملا، والحكمة في جعل الله لكل أمة منسكا، لإقامة ذكره، والالتفات لشكره، ولهذا قال: (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِد) وإن اختلفت أجناس الشرائع، فكلها متفقة على هذا الأصل، وهو ألوهية الله، وإفراده بالعبودية، وترك الشرك به ولهذا قال: (فَلَهُ أَسْلِمُوا)؛ أي: انقادوا واستسلموا له لا لغيره، فإن الإسلام له طريق إلى الوصول إلى دار السلام"(تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان).   10- قال ابن كثير رحمه الله عند قوله تعالى: (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) قال: "يقول تعالى: إنما شرع لكم نحر هذه الهدايا والضحايا لتذكروه عند ذبحها، فإنه الخالق الرازق، لا أنه يناله شيء من لحومها ولا دمائها؛ فإنه تعالى هو الغني عما سواه، وقد كانوا في جاهليتهم إذا ذبحوها لآلهتهم وضعوا عليها من لحوم قرابينهم، ونضحوا عليها من دمائها، فقال تعالى: (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا)"(تفسير القرآن العظيم).   11- قال سيد قطب رحمه الله عند قوله تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) قال: "الإسلام يوحد المشاعر والاتجاهات، ويتوجه بها كلها إلى الله. ومن ثم يعنى بتوجيه الشعور والعمل، والنشاط والعبادة، والحركة والعادة، إلى تلك الوجهة الواحدة. وبذلك تصطبغ الحياة كلها بصبغة العقيدة. وعلى هذا الأساس حرم من الذبائح ما أهل لغير الله به، وحتم ذكر اسم الله عليها؛ ليجعل ذكر اسم الله هو الغرض البارز، وكأنما تذبح الذبيحة بقصد ذكر اسم الله؛ (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ).   ويعقب بتقرير الوحدانية: (فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ)، وبالأمر بالإسلام له وحده: (فَلَهُ أَسْلِمُوا) .. وليس هو إسلام الإجبار والاضطرار، إنما هو إسلام التسليم والاطمئنان: (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ)؛ فبمجرد ذكر اسم الله يحرك الوجل في ضمائرهم ومشاعرهم، (وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ) فلا اعتراض لهم على قضاء الله فيهم. (وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ)؛ فهم يعبدون الله حق عبادته، (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُون) فهم لا يضنون على الله بما في أيديهم..   وهكذا يربط بين العقيدة والشعائر؛ فهي منبثقة من العقيدة وقائمة عليها. والشعائر تعبير عن هذه العقيدة ورمز لها. والمهم أن تصطبغ الحياة كلها ويصطبغ نشاطها كله بتلك الصبغة..   ويستطرد السياق في تقرير هذا المعنى وتوكيده وهو يبين شعائر الحج بنحر البدن: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)..   ويخص البدن بالذكر؛ لأنها أعظم الهدي، فيقرر أن الله أراد بها الخير لهم، فجعل فيها خيرا وهي حية تركب وتحلب، وهي ذبيحة تهدى وتطعم؛ فجزاء ما جعلها الله خيرا لهم أن يذكروا اسم الله عليها ويتوجهوا بها إليه وهي تهيأ للنحر بصف أقدامها: (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ). والإبل تنحر قائمة على ثلاث معقولة الرجل الرابعة – (فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا) واطمأنت على الأرض بموتها أكل منها أصحابها استحبابا، وأطعموا منها الفقير القانع الذي لا يسأل، والفقير المعتر الذي يتعرض للسؤال؛ فلهذا سخرها الله للناس ليشكروه على ما قدر لهم فيها من الخير حية وذبيحة: (كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون)..   كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ).. فقد هداكم إلى توحيده والاتجاه إليه وإدراك حقيقة الصلة بين الرب والعباد، وحقيقة الصلة بين العمل والاتجاه.   (وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ).. الذين يحسنون التصور، ويحسنون الشعور، ويحسنون العبادة، ويحسنون الصلة بالله في كل نشاط الحياة.   وهكذا لا يخطو المسلم في حياته خطوة، ولا يتحرك في ليله أو نهاره حركة، إلا وهو ينظر فيها إلى الله. ويجيش قلبه فيها بتقواه، ويتطلع فيها إلى وجهه ورضاه؛ فإذا الحياة كلها عبادة تتحقق بها إرادة الله من خلق العباد، وتصلح بها الحياة في الأرض وهي موصولة السبب بالسماء"(في ظلال القرآن؛ لسيد قطب).   12- قال سيد قطب رحمه الله عند قوله تعالى: (وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) قال: "ومضت بذلك سنة النحر في الأضحى ذكرى لهذا الحادث العظيم الذي يرتفع منارة لحقيقة الإيمان، وجمال الطاعة، وعظمة التسليم، والذي ترجع إليه الأمة المسلمة لتعرف فيه حقيقة أبيها إبراهيم، الذي تتبع ملته، والذي ترث نسبه وعقيدته، ولتدرك طبيعة العقيدة التي تقوم بها أو تقوم عليها، ولتعرف أنها الاستسلام لقدر الله في طاعة راضية واثقة ملبية لا تسأل ربها لماذا؟ ولا تتلجلج في تحقيق إرادته عند أول إشارة منه وأول توجيه، ولا تستبقي لنفسها في نفسها شيئا، ولا تختار فيما تقدمه لربها هيئة ولا طريقة لتقديمه إلا كما يطلب هو إليها أن تقدم!   ثم لتعرف أن ربها لا يريد أن يعذبها بالابتلاء; ولا أن يؤذيها بالبلاء، إنما يريد أن تأتيه طائعة ملبية وافية مؤدية، مستسلمة لا تقدم بين يديه، ولا تتألى عليه، فإذا عرف منها الصدق في هذا أعفاها من التضحيات والآلام، واحتسبها لها وفاء وأداء، وقبل منها وفداها، وأكرمها كما أكرم أباها"(في ظلال القرآن).   13- قال ابن كثير رحمه الله عند قوله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ): "أَيْ: كَمَا أَعْطَيْنَاكَ الْخَيْرَ الْكَثِيرَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، ومن ذلك نهر الكوثر -فَأَخْلِصْ لِرَبِّكَ صَلَاتَكَ الْمَكْتُوبَةَ وَالنَّافِلَةَ ونَحْرَك، فَاعْبُدْهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَانْحَرْ عَلَى اسْمِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الْأَنْعَامِ:١٦٢-١٦٣] .. وَهَذَا بِخِلَافِ مَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِ مِنَ السُّجُودِ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَالذَّبْحِ عَلَى غَيْرِ اسْمِهِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ..) الْآيَةَ [الْأَنْعَامِ:١٢١]"(تفسير القرآن العظيم).  

الإحالات

1- أحكام الأضحية والذكاة؛ للشيخ محمد بن صالح العثيمين.   2- أحكام الأضحية في الفقه الإسلامي؛ لمحمد الهزاع.   3- المفصل في أحكام الأضحية؛ للدكتور حسام الدين عفانه.   4- أحكام الأضحية في الكتاب والسنة؛ للشيخ أبوسعيد بلعيد بن أحمد الجزائري.   5- أحكام الأضحية والعقيقة والتذكية؛ لمحمد أديب كلكل.