أصحاب الكهف

2024-02-24 - 1445/08/14

التعريف

العناصر

1- قصة أصحاب الكهف من أعجب القصص

2- تمسك أصحاب الكهف بالدين

3- خوف أصحاب الكهف من الاضطهاد وهروبهم منه

4- مجادلة بعض الناس في أصحاب الكهف

5- من أنواع حفظ الله لأصحاب الكهف

6- الاتعاظ والاعتبار من قصة أصحاب الكهف

الايات

1- قال الله تعالى: (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا * إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا * فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا * ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا * نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا * هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا * وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا * وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا * وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا * وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا * إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا * وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا * سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا * وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا * وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا * قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا) [الكهف: 9-26].

الاحاديث

1- عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن حَفِظَ عَشْرَ آياتٍ مِن أوَّلِ سُورَةِ الكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجّالِ". أخرجه مسلم: (٨٠٩).

2- عَنْ عبدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قالَ: "بَنِي إسْرائِيلَ، والكَهْفُ، ومَرْيَمُ، وطه، والأنْبِياءُ: هُنَّ مِنَ العِتاقِ الأُوَلِ، وهُنَّ مِن تِلادِي". رواه البخاري: (٤٧٣٩).

3- عن النواس بن سمعان الأنصاري رضي الله عنه قال: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الدَّجّالَ ذاتَ غَداةٍ، فَخَفَّضَ فيه وَرَفَّعَ، حتّى ظَنَنّاهُ في طائِفَةِ النَّخْلِ، فَلَمّا رُحْنا إِلَيْهِ عَرَفَ ذلكَ فِينا، فَقالَ: "ما شَأْنُكُمْ؟" قُلْنا: يا رَسُولَ اللهِ، ذَكَرْتَ الدَّجّالَ غَداةً، فَخَفَّضْتَ فيه وَرَفَّعْتَ، حتّى ظَنَنّاهُ في طائِفَةِ النَّخْلِ، فَقالَ: "غَيْرُ الدَّجّالِ أَخْوَفُنِي علَيْكُم، إنْ يَخْرُجْ وَأَنا فِيكُمْ، فأنا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ، وإنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ، فامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ، واللَّهُ خَلِيفَتي على كُلِّ مُسْلِمٍ، إنَّه شابٌّ قَطَطٌ، عَيْنُهُ طافِئَةٌ، كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بعَبْدِ العُزّى بنِ قَطَنٍ، فمَن أَدْرَكَهُ مِنكُمْ، فَلْيَقْرَأْ عليه فَواتِحَ سُورَةِ الكَهْفِ..." الحديث رواه مسلم: (٢٩٣٧).

4- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من قرأ سورةَ الكهفِ يومَ الجمعةِ أضاء له النُّورُ ما بينَه وبين البيتِ العتيقِ". أخرجه البيهقي (٦٢٠٩)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (٦٤٧١).

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من قرأ سورةَ الكهفِ في يومِ الجمعةِ، أضاء له من النورِ ما بين الجمُعتَينِ أخرجه البيهقي: (٦٢٠٩) واللفظ له، وأخرجه الحاكم: (٣٣٩٢) باختلاف يسير، وصححه الألباني في صحيح الترغيب: (٧٣٦).

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من قرأ الكهفَ كما أُنزِلَت كانت له نورًا يومَ القيامةِ من مَقامِه إلى مكةَ، ومن قرأ عشرَ آياتٍ من آخرِها ثم خرج الدَّجالُ؛ لم يُسلَّطْ عليه". أخرجه الحاكم: (٢٠٧٢) واللفظ له، وأخرجه النسائي في السنن الكبرى: (٩٩٠٩، ١٠٧٨٨) مفرقاً باختلاف يسير، والطبراني في المعجم الأوسط: (١٤٥٥) باختلاف يسير، وقال الألباني في صحيح الترغيب(١٤٧٣): "صحيح لغيره".

 

الاثار

عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما قال: غزونا مع معاويةَ غزوةَ المصيفِ، فمَرُّوا بالكهفِ الذي فيهِ أصحابُ الكهفِ، الذين ذكر اللهُ في القرآنِ، فقال معاويةُ: لو كُشِفَ لنا عن هؤلاءِ، فنظرنا إليهم، فقال ابنُ عباسٍ: ليس ذلك لك قد منع اللهُ ذلك من هو خيرٌ منك، فقال: (لَوْ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا) قال معاويةُ: لا أنتهي حتى أعلمَ علمهم، قال: فبعث ناسًا، فقال: اذهبوا فانظروا فلمّا دخلوا الكهفَ، بعث اللهُ عليهم ريحًا، فأخرجتهم، فبلغ ذلك ابنُ عباسٍ، فأنشأَ يُحدِّثهم عنهم، فقال: إنَّهم كانوا في مملكةِ ملكٍ من هذهِ الجبابرةِ، فجعلوا يعبدونَ حتى عبدةَ الأوثانِ، قال: وهؤلاءِ الفتيةُ بالمدينةِ، فلمّا رأوا ذلك خرجوا من تلك المدينةِ على غيرِ ميعادٍ، فجمعهم اللهُ، عزَّ وجلَّ، على غيرِ ميعادٍ، فجعل بعضهم يقولُ لبعضٍ: أين تريدون؟ أين تذهبون، قال: فجعل بعضهم يُخفي من بعضٍ، لأنَّهُ لا يدري هذا على ما خرج هذا، فأخذ بعضهم على بعضٍ المواثيقَ أن يُخبرَ بعضهم بعضًا، فإنِ اجتمعوا على شيٍء، وإلا كتم بعضهم على بعضٍ، قال: فاجتمعوا على كلمةٍ واحدةٍ، ؟فقالوا رَبُّنا رَبُّ السَّمَواتِ والْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنا إِذًا شَطَطًا هَؤُلاءِ قَوْمُنا اتَّخَذُوْا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ، فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلى اللهِ كَذِبًا، وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ - إلى قولِهِ –مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا [الكهف: ١٤-١٦]،قال: فهذا قولُ الفتيةِ، قال: ففُقدوا فجاء أهلُ هذا يطلبونَهُ لا يدرون أين ذهب، وجاء أهلُ هذا يطلبونَهُ لا يدرون أين ذهب، فطلبهم أهلوهم، لا يدرون أين ذهبوا، فرُفِعَ ذلك إلى الملكِ، فقال: ليكونَنَّ لهؤلاءِ شأنٌ بعد اليومِ، قومٌ خرجوا ولا يُدرى أين توجهوا في غيرِ جنايةٍ، ولا شيٌء يُعرفُ، فدعا بلوحٍ من رصاصٍ، فكتب فيهِ أسماءهم، وطرحَهُ في خزانتِهِ، فذلك قولُ اللهِ تباركَ وتعالى الكهف [٩:] (إِنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ والرَّقِيمِ كانُوْا مِنْ آياتِنا عَجَبًا) والرقيمُ هو اللوحُ الذي كتبوا، قال: فانطلقوا حتى دخلوا الكهفَ، فضرب اللهُ على آذانهم، فناموا، قال: فقال ابنُ عباسٍ: واللهِ لو أنَّ الشمسَ تطلعُ عليهم لأحرقتهم، ولولا أنَّهم يُقلبونَ، لأكلتهمُ الأرضُ، فذلك قولُ اللهِ تباركَ وتعالى؟ وَتَرى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ، وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ؟يقولُ: بالفناءِ (وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ) ثم إنَّ ذلك الملكَ ذهب وجاء ملكٌ آخرُ، فكسر تلك الأوثانَ وعبدَ اللهَ، وعدلَ في الناسِ، فبعثهم اللهُ لما يريدُ، فقال بعضهم لبعضٍ: (كَمْ لَبِثْتُمْ) قال بعضهم: (يَوْمًا) وقال بعضهم: ؟بَعْضَ يَوْمٍ ؟،وقال بعضهم: أكثرُ من ذلك، فقال كبيرهم: لا تختلفوا، فإنَّهُ لم يختلف قومٌ قطُّ إلا هَلكوا، قال: فقالوا: (فابْعَثُوْا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكِمْ هَذِهِ إِلى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ) يعني بأزكى: بأطهرَ، إنَّهم كانوا يذبحونَ الخنازيرَ، قال: فجاء إلى المدينةِ، فرأى شارةً أنكرها، وبنيانًا أنكرَهُ، ثم دنا إلى خبازٍ، فرمى إليهِ بدرهمٍ، فأنكرَ الخبازُ الدرهمَ، وكانت دراهمهم كخفافِ الربعِ يعني والربعِ الفصيلَ، قال: فأنكر الخبازُ، وقال: من أين لك هذا الدرهمَ؟ لقد وجدتَ كنزًا لتَدُلَّني على هذا الكنزِ أو لأرفعنَّكَ إلى الأميرِ، قال: أَتُخَوِّفُنِي بالأميرِ، وإني لدهقانُ الأميرِ فقال: من أبوكَ؟ قال: فلانٌ، فلم يعرفْهُ، فقال: من الملكُ؟ فقال: فلانٌ، فلم يعرفْهُ، قال: فاجتمع الناسُ، ورفع إلى عاملهم، فسألَهُ، فأخبرَهُ، فقال: عليَّ باللوحِ، قال: فجيءَ بهِ، فسمّى أصحابَهُ فلانٌ وفلانٌ، وهم في اللوحِ مكتوبونَ قال: فقال الناسُ: قد دلَّكمُ اللهُ على إخوانكم، قال: فانطلقوا، فركبوا حتى أتوْا الكهفَ، فقال الفتى: مكانكم أنتم، حتى أدخلَ على أصحابي، لا تهجموا عليهم، فيفزعوا منكم، وهم لا يعلمونَ، أنَّ اللهَ قد أقبل بكم، وتاب عليكم، فقالوا: آللهِ لتَخْرُجَنَّ إلينا، قال: إن شاء اللهُ، فلم يَدْرِ أين ذهب، وعميَ عليهم المكانُ قال: فطلبوا وحرصوا، فلم يَقدروا على الدخولِ عليهم، فقالوا: أَكْرِمُوا إخوانكم، قال: فنظروا في أمرهم، فقالوا: (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا) فجعلوا يُصلُّونَ عليهم، ويستغفرونَ لهم، ويدعون لهم، فذلك قولُ اللهِ تعالى (فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلّا مِراءً ظاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا) يعني اليهودَ ؟وَلا تَقُولَنَّ لِشَيٍء إِنِّي فاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلّا أَنْ يَشاءَ اللهُ واذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) [الكهف : ٢٢-٢٤] فكان ابنُ عباسٍ، يقولُ: إذا قلتَ شيئًا فلم تقل: إن شاء اللهُ، فقل إذا ذكرتَ إن شاء اللهُ. الراوي: ابن حجر العسقلاني، تغليق التعليق (٤/٢٤٤) • إسناده صحيح • أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير: (١٢٧٢٠)، والواحدي في التفسير الوسيط: (٥٦٣)، وابن أبي شيبة كما في الدر المنثور؛ للسيوطي: (٥- ٣٦٦) باختلاف يسير.

 

2- قال ابن عباس رضي الله عنه: "إنهم قوم هرَبوا من ملكهم حين دعاهم إلى عبادة الأصنام، فَمرُّوا براعٍ له كلب يتبعهم على دينهم، فآووا إلى كهف يتعبدون، وكان منهم رجل يبتاع لهم أرزاقهم من المدينة إلى أن جاءهم يومًا فأخبرهم أنهم قد ذكرهم الملك، فتعوَّذوا بالله من الفتنة، فضَرب الله على آذانهم، وأمر الملك فسُدَّ عليهم الكهف، وهو يظنُّهم أيقاظًا، وقد توفى الله أرواحهم، وفاة النوم، وكلبُهم قد غشيَه ما غشيهم، ثم إن رجلين مؤمنَين يكتمان إيمانهما كتبا أسماءهم وأنسابهم وخبَرَهم في لوح من رصاص وجعلاه في تابوت من نحاس، وجعلاه في البنيان، وقالا: لعلَّ الله - عز وجل - يُطلِع عليهم قومًا مؤمنين فيعلمون خبرهم". انظر: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم؛ لابن الجوزي أبو الفرج: (1-169).

 

3- يقول ابن إسحاق رحمه الله: "حدثني رجل من أهل مكة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أنزل الله في النضر ثماني آيات، قول الله تعالى: (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) وكل ما ذكر فيه الأساطير من القرآن.

فلما قال النضر ذلك، بعثوه وبعثوا معه عقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة، فقالوا لهما: سلوهم عن محمد، وصفوا لهم صفته، وأخبروهم بقوله فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء، فخرجا حتى قدما المدينة فسألا أحبار يهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصفوا لهم أمره، وأخبروهم ببعض قوله، وقالوا لهم: إنكم أهل التوراة فقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا، فقالت لهم أحبار يهود: سلوه عن ثلاث يأمركم بهن، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل، وإن لم يفعل فالرجل متقول، فَرَوْا فيه رأيكم ؛ سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم، فإنه كان لهم حديث عجب ... إلخ". السير والمغازي: (ص: 201). وأسنده أيضا الطبري في جامع البيان: (17-593).

القصص

رُوي عن وهب بن منبه أنه: "جاء حواريُّ عيسى ابن مريم إلى مدينة أصحاب الكهف، فأراد أن يدخلها، فقيل له: إن على بابها صنمًا لا يدخلها أحد إلا سجد له، فكره أن يدخلها، فأتى حمَّامًا، وكان فيه قريبًا من تلك المدينة، فكان يعمل فيه، يؤاجر نفسه من صاحب الحمام، ورأى صاحب الحمام في حمامه البركة، ودرَّ عليه الرزق، فجعل يعرض عليه الإسلام وجعل يَسترسِل إليه، وعلقه فتيةٌ من أهل المدينة وجعل يُخبرهم خبر السماء والأرض وخبر الآخرة، حتى آمنوا به وصدقوه، وكانوا على مثل حاله في حسن الهيئة، وكان يشرط على صاحب الحمام أن الليل لي، لا تَحول بيني وبين الصلاة إذا حضَرت، فكان على ذلك حتى جاء ابن الملك بامرأة، فدخل بها الحمام، فعيَّره الحواري، فقال: أنت ابن الملك وتدخل ومعك هذه الكذا! فاستحيا، فذهب، فرجع مرة أخرى فقال له مثل ذلك، وسبَّه وانتهره، ولم يلتفت حتى دخل، ودخلت معه المرأة فماتا في الحمام جميعًا، فأتى الملك فقيل له: قتل صاحب الحمام ابنك، فالتُمسَ، فلم يُقدَر عليه فهرب، قال: من كان يصحبه؟ فسمُّوا الفتية، فالتُمسوا فخرجوا من المدينة، فمروا بصاحب له في زرع له - وهو على مثل أمرهم - فذَكروا أنهم التُمسوا، وانطلق معهم ومعه الكلب، حتى آواهم الليل إلى الكهف، فدخلوه فقالوا: نَبيت ها هنا الليلة ثم نُصبح - إن شاء الله - فترون رأيكم، فضرب الله على آذانهم، فخرج الملك في أصحابه يتبعونهم، حتى وجدوهم قد دخلوا الكهف، فكلما أراد رجل أن يدخل أرعب، فلم يُطِق أحد أن يدخل، فقال قائل: أليس لو كنت قدرت عليهم قتلتهم؟ قال: بلى، قال: فابنِ عليهم باب الكهف، فدعْهم فيه يَموتوا عطشًا وجوعًا، ففعل، فغبروا -بعدما بُني عليهم باب الكهف- زمانًا بعد زمان". تاريخ الرسل والملوك؛ للطبري: (1-261).

 

متفرقات

1- قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "وقد ذُكر أنهم كانوا على دين عيسى ابن مريم عليه السلام، والله أعلم. والظاهر أنهم كانوا قبل ملة النصرانية بالكلية، فإنه لو كانوا على دين النصرانية، لما اعتنى أحبار اليهود بحفظ خبرهم وأمرهم، لمباينتهم لهم... فدل هذا على أن هذا أمر محفوظ في كتب أهل الكتاب، وأنه متقدم على دين النصرانية، والله أعلم" انتهى من". تفسير القرآن العظيم: (5-140).

 

2- قال الطاهر بن عاشور رحمه الله: "قصة أهل الكهف لها اتصال بتاريخ طور كبير من أطوار ظهور الأديان الحق، وبخاصة طور انتشار النصرانية في الأرض. وللكهوف ذكر شائع في اللوذ إليها والدفن بها.

 

وقد كان المتنصرون يُضطهدون في البلاد، فكانوا يَفرون من المدن والقرى إلى الكهوف يتخذونها مساكن، فإذا مات أحدهم، دُفن هنالك، وربما كانوا إذا قتلوهم وضعوهم في الكهوف التي كانوا يتعبدون فيها. ولذلك يوجد في رومية كهف عظيم من هذه الكهوف، اتخذه النصارى لأنفسهم هنالك، وكانوا كثيرا ما يستصحبون معهم كلبا ليدفع عنهم الوحوش من ذئاب ونحوها. وما الكهف الذي ذكره ابن عطية إلا واحد من هذه الكهوف.

 

غير أن ما ذكر في سبب نزول السورة من علم اليهود بأهل الكهف، وجعلهم العلم بأمرهم أمارة على نبوءة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، يبعد أن يكون أهل الكهف هؤلاء من أهل الدين المسيحي؛ فإن اليهود يتجافون عن كل خبر فيه ذكر للمسيحية، فيحتمل أن بعض اليهود أووا إلى بعض الكهوف في الاضطهادات التي أصابت اليهود، وكانوا يأوون إلى الكهوف.

 

ويوجد مكان بأرض سكرة قرب المرسى من أحواز تونس، فيه كهوف صناعية حقق لي بعض علماء الآثار من الرهبان النصارى بتونس، أنها كانت مخابئ لليهود يختفون فيها من اضطهاد الرومان القرطاجنيين لهم.

 

ويجوز أن يكون لأهل كلتا الملتين، اليهودية والنصرانية، خبر عن قوم من صالحيهم، عرفوا بأهل الكهف، أو كانوا جماعة واحدة ادعى أهل كلتا الملتين خبرها لصالحي ملته، وبني على ذلك اختلاف في تسمية البلاد التي كان بها كهفهم". التحرير والتنوير: (15-264).

 

3- قال الطبري رحمه الله: "وقد حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: لقد حُدثت أنه كان على بعضهم من حداثة أسنانهم وضح الورق، وكانوا من قوم يعبدون الأوثان من الروم، فهداهم الله للإسلام، وكانت شريعتهم شريعة عيسى في قول جماعة من سلف علمائنا.

 

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا الحكم بن بشير، قال: حدثنا عمرو- يعنى ابن قيس الملائي- في قوله: (أن أصحاب الكهف والرقيم) كانت الفتيه على دين عيسى ابن مريم عليه السلام على الإسلام، وكان ملكهم كافرا.

 

وكان بعضهم يزعم أن أمرهم ومصيرهم إلى الكهف كان قبل المسيح، وإن المسيح أخبر قومه خبرهم، فإن الله عز وجل ابتعثهم من رقدتهم بعد ما رفع المسيح، في الفترة بينه وبين محمد صلى الله عليه وسلم، والله أعلم أي ذلك كان.

 

فأما الذي عليه علماء أهل الإسلام فعلى أن أمرهم كان بعد المسيح.

 

فأما أنه كان في أيام ملوك الطوائف، فإن ذلك مما لا يدفعه دافع من أهل العلم بأخبار الناس القديمة". تاريخ الرسل والملوك: (2/ 6-7).

 

4- قال ابن الأثير رحمه الله: "كان أصحاب الكهف أيام ملك اسمه دقيوس، ويقال دقيانوس، وكانوا بمدينة للروم اسمها أفسوس، وملكهم يعبد الأصنام ... وكانوا من الروم، وكانوا يعبدون الأوثان، فهداهم الله، وكانت شريعتهم شريعة عيسى عليه السلام.

 

وزعم بعضهم أنهم كانوا قبل المسيح، وأن المسيح أعلم قومه بهم، وأن الله بعثهم من رقدتهم بعد رفع المسيح، والأول أصح". الكامل في التاريخ: (1-325).

 

5- نقل العلامة القاسمي خبرهم عن أحد بطاركة الروم الكاثوليك، واسمه مكسيموس مظلوم، (ت1855م)، وذلك جوابا على شبهة إغفال ذكرهم في التاريخ – سوى القرآن - فقال رحمه الله: "لهؤلاء الفتية أصحاب الكهف ذكر في تواريخ المسيحيين، وعيد سنويّ يقام تذكارا لهم، في اليوم السابع والعشرين من شهر تموز. لكونهم اضطهدوا من قبل الأمراء اليونانيين، لإيمانهم بالله تعالى وحده ودخولهم في الملة المسيحية، ورفضهم الوثنية التي كانت عليها اليونان. وقد رأيت في كتاب (الكنز الثمين في أخبار القديسين) ترجمة عن أحوالهم واسعة تحت عنوان (فيما يخص السبعة القديسين الشهداء الذين من أفسس) نقتطف منها ما يأتي، دحضا لدعوى من يفتري أن نبأهم لا يعرف أصلا، كما قرأته في بعض كتب الملحدين.

 

قال صاحب الترجمة: هؤلاء الشهداء السبعة كانوا إخوة بالجسد ... قربوا حياتهم ضحية من أجل الإيمان بالمسيح، بالقرب من مدينة أفسس، نحو سنة (252) مسيحية. في زمن الاضطهاد القاسي الذي صنعه ضد المسيحيين، الملك داكيوس.

 

وقد أجلّهم المسيحيون كشهداء حقيقيين. فيقام لهم في الكنائس مدائح تنشر فيها صفاتهم الفاضلة يوم استشهادهم ثمة، في اليوم الرابع من شهر آب، المختص بتذكار الأعجوبة التي بواسطتها قد ظهرت أجسادهم المقدسة في المغارة القريبة من مدينة أفسس...

هذا ما اقتطفناه من كتاب (الكنز الثمين) وبه تعلم ما لدى أهل الكتاب المسيحيين من الاختلاف فيهم، الذي أشار له القرآن الكريم". محاسن التأويل: (7-27).

 

6- ذكر الفخر الرازي في تفسيره (21-453) عدة أقوال في تعيين زمان أصحاب الكهف ومكانهم ، ثم قال : "العلم بذلك الزمان وبذلك المكان ليس للعقل فيه مجال، وإنما يستفاد ذلك من نص، وذلك مفقود ، فثبت أنه لا سبيل إليه".

 

7- قال ابن سعدي رحمه الله في تفسير آيات أصحاب الكهف: "هذا الاستفهام بمعنى النفي، والنهي. أي: لا تظن أن قصة أصحاب الكهف، وما جرى لهم، غريبة على آيات الله، وبديعة في حكمته، وأنه لا نظير لها، ولا مجانس لها، بل لله تعالى من الآيات العجيبة الغريبة ما هو كثير، من جنس آياته في أصحاب الكهف وأعظم منها، فلم يزل الله يري عباده من الآيات في الآفاق وفي أنفسهم، ما يتبين به الحق من الباطل، والهدى من الضلال، وليس المراد بهذا النفي أن تكون قصة أصحاب الكهف من العجائب، بل هي من آيات الله العجيبة، وإنما المراد، أن جنسها كثير جدا، فالوقوف معها وحدها، في مقام العجب والاستغراب، نقص في العلم والعقل، بل وظيفة المؤمن التفكر بجميع آيات الله، التي دعا الله العباد إلى التفكير فيها، فإنها مفتاح الإيمان، وطريق العلم والإيقان. وأضافهم إلى الكهف، الذي هو الغار في الجبل، الرقيم، أي: الكتاب الذي قد رقمت فيه أسماؤهم وقصتهم، لملازمتهم له دهرا طويلا.

 

ذكر قصتهم مجملة، وفصلها بعد ذلك فقال: (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ) أي: الشباب، (إِلَى الْكَهْفِ) يريدون بذلك التحصن والتحرز من فتنة قومهم لهم، (فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) أي تثبتنا بها وتحفظنا من الشر، وتوفقنا للخير (وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا) أي: يسر لنا كل سبب موصل إلى الرشد، وأصلح لنا أمر ديننا ودنيانا، فجمعوا بين السعي والفرار من الفتنة، إلى محل يمكن الاستخفاء فيه، وبين تضرعهم وسؤالهم لله تيسير أمورهم، وعدم اتكالهم على أنفسهم وعلى الخلق، فلذلك استجاب الله دعاءهم.

 

(فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ) أي أنمناهم (سِنِينَ عَدَدًا) وهي ثلاث مائة سنة وتسع سنين، وفي النوم المذكور حفظ لقلوبهم من الاضطراب والخوف، وحفظ لهم من قومهم وليكون آية بينة.

 

(ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ) أي: من نومهم (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا) أي: لنعلم أيهم أحصى لمقدار مدتهم، كما قال تعالى: (وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ) الآية، وفي العلم بمقدار لبثهم، ضبط للحساب، ومعرفة لكمال قدرة الله تعالى وحكمته ورحمته، فلو استمروا على نومهم، لم يحصل الاطلاع على شيء من ذلك من قصتهم.

 

هذا شروع في تفصيل قصتهم، وأن الله يقصها على نبيه بالحق والصدق، الذي ما فيه شك ولا شبهة بوجه من الوجوه، (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ) وهذا من جموع القلة، يدل ذلك على أنهم دون العشرة، (آمَنُوا) بالله وحده لا شريك له من دون قومهم، فشكر الله لهم إيمانهم، فزادهم هدى، أي: بسبب أصل اهتدائهم إلى الإيمان، زادهم الله من الهدى، الذي هو العلم النافع، والعمل الصالح، كما قال تعالى: (ويزيد الله الذين اهتدوا هدى).

 

(وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ) أي صبرناهم وثبتناهم، وجعلنا قلوبهم مطمئنة في تلك الحالة المزعجة، وهذا من لطفه تعالى بهم وبره، أن وفقهم للإيمان والهدى، والصبر والثبات، والطمأنينة.

(إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) أي: الذي خلقنا ورزقنا، ودبرنا وربانا، هو خالق السماوات والأرض، المنفرد بخلق هذه المخلوقات العظيمة، لا تلك الأوثان والأصنام، التي لا تخلق ولا ترزق، ولا تملك نفعا ولا ضرا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، فاستدلوا بتوحيد الربوبية على توحيد الإلهية، ولهذا قالوا: (لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا) أي: من سائر المخلوقات (لَقَدْ قُلْنَا إِذًا) أي: إن دعونا معه آلهة، بعد ما علمنا أنه الرب الإله الذي لا تجوز ولا تنبغي العبادة، إلا له (شَطَطًا) أي: ميلا عظيما عن الحق، وطريقا بعيدة عن الصواب، فجمعوا بين الإقرار بتوحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية، والتزام ذلك، وبيان أنه الحق وما سواه باطل، وهذا دليل على كمال معرفتهم بربهم، وزيادة الهدى من الله لهم.

 

لما ذكروا ما من الله به عليهم من الإيمان والهدى، والتفتوا إلى ما كان عليه قومهم، من اتخاذ الآلهة من دون الله، فمقتوهم، وبينوا أنهم ليسوا على يقين من أمرهم، بل في غاية الجهل والضلال فقالوا: (لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ) أي: بحجة وبرهان، على ما هم عليه من الباطل، ولا يستطيعون سبيلا إلى ذلك، وإنما ذلك افتراء منهم على الله وكذب عليه، وهذا أعظم الظلم، ولهذا قال: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا).

 

أي: قال بعضهم لبعض، إذ حصل لكم اعتزال قومكم في أجسامكم وأديانكم، فلم يبق إلا النجاء من شرهم، والتسبب بالأسباب المفضية لذلك، لأنهم لا سبيل لهم إلى قتالهم، ولا بقائهم بين أظهرهم، وهم على غير دينهم، (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ) أي: انضموا إليه واختفوا فيه (يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا) وفيما تقدم، أخبر أنهم دعوه بقولهم (ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشدا) فجمعوا بين التبري من حولهم وقوتهم، والالتجاء إلى الله في صلاح أمرهم، ودعائه بذلك، وبين الثقة بالله أنه سيفعل ذلك، لا جرم أن الله نشر لهم من رحمته، وهيأ لهم من أمرهم مرفقا، فحفظ أديانهم وأبدانهم، وجعلهم من آياته على خلقه، ونشر لهم من الثناء الحسن، ما هو من رحمته بهم، ويسر لهم كل سبب، حتى المحل الذي ناموا فيه، كان على غاية ما يمكن من الصيانة.

 

أي: حفظهم الله من الشمس فيسر لهم غارا إذا طلعت الشمس تميل عنه يمينا، وعند غروبها تميل عنه شمالا، فلا ينالهم حرها فتفسد أبدانهم بها، (وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ) أي: من الكهف أي: مكان متسع، وذلك ليطرقهم الهواء والنسيم، ويزول عنهم الوخم والتأذي بالمكان الضيق، خصوصا مع طول المكث، وذلك من آيات الله الدالة على قدرته ورحمته بهم، وإجابة دعائهم وهدايتهم حتى في هذه الأمور، ولهذا قال: (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ) أي: لا سبيل إلى نيل الهداية إلا من الله، فهو الهادي المرشد لمصالح الدارين، (وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا) أي: لا تجد من يتولاه ويدبره، على ما فيه صلاحه، ولا يرشده إلى الخير والفلاح، لأن الله قد حكم عليه بالضلال، ولا راد لحكمه.

 

(وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ) أي: تحسبهم أيها الناظر إليهم [كأنهم] أيقاظ، والحال أنهم نيام، قال المفسرون: وذلك لأن أعينهم منفتحة، لئلا تفسد، فالناظر إليهم يحسبهم أيقاظا، وهم رقود، (وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ) وهذا أيضا من حفظه لأبدانهم، لأن الأرض من طبيعتها، أكل الأجسام المتصلة بها، فكان من قدر الله، أن قلبهم على جنوبهم يمينا وشمالا، بقدر ما لا تفسد الأرض أجسامهم، والله تعالى قادر على حفظهم من الأرض، من غير تقليب، ولكنه تعالى حكيم، أراد أن تجري سنته في الكون، ويربط الأسباب بمسبباتها. (وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) أي: الكلب الذي كان مع أصحاب الكهف، أصابه ما أصابهم من النوم وقت حراسته، فكان باسطا ذراعيه بالوصيد، أي: الباب، أو فنائه، هذا حفظهم من الأرض. وأما حفظهم من الآدميين، فأخبر أنه حماهم بالرعب، الذي نشره الله عليهم، فلو اطلع عليهم أحد، لامتلأ قلبه رعبا، وولى منهم فرارا، وهذا الذي أوجب أن يبقوا كل هذه المدة الطويلة، وهم لم يعثر عليهم أحد، مع قربهم من المدينة جدا، والدليل على قربهم، أنهم لما استيقظوا، أرسلوا أحدهم، يشتري لهم طعاما من المدينة، وبقوا في انتظاره، فدل ذلك على شدة قربهم منها.

 

يقول تعالى: (وكذلك بعثناهم) أي: من نومهم الطويل (ليتساءلوا بينهم) أي: ليتباحثوا للوقوف على الحقيقة من مدة لبثهم.

(قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) وهذا مبني على ظن القائل، وكأنهم وقع عندهم اشتباه. في طول مدتهم، فلهذا (قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ) فردوا العلم إلى المحيط علمه بكل شيء، جملة وتفصيلا، ولعل الله تعالى -بعد ذلك- أطلعهم على مدة لبثهم، لأنه بعثهم ليتساءلوا بينهم، وأخبر أنهم تساءلوا، وتكلموا بمبلغ ما عندهم، وصار آخر أمرهم، الاشتباه، فلا بد أن يكون قد أخبرهم يقينا، علمنا ذلك من حكمته في بعثهم، وأنه لا يفعل ذلك عبثا. ومن رحمته بمن طلب علم الحقيقة في الأمور المطلوب علمها، وسعى لذلك ما أمكنه، فإن الله يوضح له ذلك، وبما ذكر فيما بعده من قوله.

(وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا) فلولا أنه حصل العلم بحالهم، لم يكونوا دليلا على ما ذكر، ثم إنهم لما تساءلوا بينهم، وجرى منهم ما أخبر الله به، أرسلوا أحدهم بورقهم، أي: بالدراهم، التي كانت معهم، ليشتري لهم طعاما يأكلونه، من المدينة التي خرجوا منها، وأمروه أن يتخير من الطعام أزكاه، أي: أطيبه وألذه، وأن يتلطف في ذهابه وشرائه وإيابه، وأن يختفي في ذلك، ويخفي حال إخوانه، ولا يشعرن بهم أحدا. وذكروا المحذور من اطلاع غيرهم عليهم، وظهورهم عليهم، أنهم بين أمرين، إما الرجم بالحجارة، فيقتلونهم أشنع قتلة، لحنقهم عليهم وعلى دينهم، وإما أن يفتنوهم عن دينهم، ويردوهم في ملتم، وفي هذه الحال، لا يفلحون أبدا، بل يحشرون في دينهم ودنياهم وأخراهم، وقد دلت هاتان الآيتان، على عدة فوائد.

منها: الحث على العلم، وعلى المباحثة فيه، لكون الله بعثهم لأجل ذلك.

ومنها: الأدب فيمن اشتبه عليه العلم، أن يرده إلى عالمه، وأن يقف عند حده.

ومنها: صحة الوكالة في البيع والشراء، وصحة الشركة في ذلك.

ومنها: جواز أكل الطيبات، والمطاعم اللذيذة، إذا لم تخرج إلى حد الإسراف المنهي عنه لقوله (فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ) وخصوصا إذا كان الإنسان لا يلائمه إلا ذلك ولعل هذا عمدة كثير من المفسرين، القائلين بأن هؤلاء أولاد ملوك لكونهم أمروه بأزكى الأطعمة، التي جرت عادة الأغنياء الكبار بتناولها.

 

ومنها: الحث على التحرز، والاستخفاء، والبعد عن مواقع الفتن في الدين، واستعمال الكتمان في ذلك على الإنسان وعلى إخوانه في الدين.

ومنها: شدة رغبة هؤلاء الفتية في الدين، وفرارهم من كل فتنة، في دينهم وتركهم أوطانهم في الله.

ومنها: ذكر ما اشتمل عليه الشر من المضار والمفاسد، الداعية لبغضه، وتركه، وأن هذه الطريقة، هي طريقة المؤمنين المتقدمين، والمتأخرين لقولهم: (وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا).

 

يخبر الله تعالى، أنه أطلع الناس على حال أهل الكهف، وذلك -والله أعلم- بعدما استيقظوا، وبعثوا أحدهم يشتري لهم طعاما، وأمروه بالاستخفاء والإخفاء، فأراد الله أمرا فيه صلاح للناس، وزيادة أجر لهم، وهو أن الناس رأوا منهم آية من آيات الله، المشاهدة بالعيان، على أن وعد الله حق لا شك فيه ولا مرية ولا بعد، بعدما كانوا يتنازعون بينهم أمرهم، فمن مثبت للوعد والجزاء، ومن ناف لذلك، فجعل قصتهم زيادة بصيرة ويقين للمؤمنين، وحجة على الجاحدين، وصار لهم أجر هذه القضية، وشهر الله أمرهم، ورفع قدرهم حتى عظمهم الذين اطلعوا عليهم.

و (فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا) الله أعلم بحالهم ومآلهم، وقال من غلب على أمرهم، وهم الذين لهم الأمر: (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا) أي: نعبد الله تعالى فيه، ونتذكر به أحوالهم، وما جرى لهم، وهذه الحالة محظورة، نهى عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-، وذم فاعليها، ولا يدل ذكرها هنا على عدم ذمها، فإن السياق في شأن تعظيم أهل الكهف والثناء عليهم، وأن هؤلاء وصلت بهم الحال إلى أن قالوا: ابنوا عليهم مسجدا، بعد خوف أهل الكهف الشديد من قومهم، وحذرهم من الاطلاع عليهم، فوصلت الحال إلى ما ترى.

وفي هذه القصة، دليل على أن من فر بدينه من الفتن، سلمه الله منها. وأن من حرص على العافية عافاه الله ومن أوى إلى الله، آواه الله، وجعله هداية لغيره، ومن تحمل الذل في سبيله وابتغاء مرضاته، كان آخر أمره وعاقبته العز العظيم من حيث لا يحتسب (وما عند الله خير للأبرار.

 

يخبر تعالى عن اختلاف أهل الكتاب في عدة أصحاب الكهف، اختلافا صادرا عن رجمهم بالغيب، وتقولهم بما لا يعلمون، وأنهم فيهم على ثلاثة أقوال:

منهم: من يقول: ثلاثة، رابعهم كلبهم، ومنهم من يقول: خمسة، سادسهم كلبهم. وهذان القولان، ذكر الله بعدهما، أن هذا رجم منهم بالغيب، فدل على بطلانهما.

ومنهم من يقول: سبعة، وثامنهم كلبهم، وهذا -والله أعلم- الصواب، لأن الله أبطل الأولين ولم يبطله، فدل على صحته، وهذا من الاختلاف الذي لا فائدة تحته، ولا يحصل بمعرفة عددهم مصلحة للناس، دينية ولا دنيوية، ولهذا قال تعالى: (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ) وهم الذين أصابوا الصواب وعلموا إصابتهم. (فَلا تُمَارِ) أي: تجادل وتحاج (فيهم إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا) أي: مبنيا على العلم واليقين، ويكون أيضا فيه فائدة، وأما المماراة المبنية على الجهل والرجم بالغيب، أو التي لا فائدة فيها، إما أن يكون الخصم معاندا، أو تكون المسألة لا أهمية فيها، ولا تحصل فائدة دينية بمعرفتها، كعدد أصحاب الكهف ونحو ذلك، فإن في كثرة المناقشات فيها، والبحوث المتسلسلة، تضييعا للزمان، وتأثيرا في مودة القلوب بغير فائدة.

(وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ) أي: في شأن أهل الكهف (مِنْهُمْ) أي: من أهل الكتاب (أَحَدًا) وذلك لأن مبنى كلامهم فيهم على الرجم بالغيب والظن، الذي لا يغني من الحق شيئا، ففيها دليل على المنع من استفتاء من لا يصلح للفتوى، إما لقصوره في الأمر المستفتى فيه، أو لكونه لا يبالي بما تكلم به، وليس عنده ورع يحجزه، وإذا نهي عن استفتاء هذا الجنس، فنهيه هو عن الفتوى، من باب أولى وأحرى.

وفي الآية أيضا، دليل على أن الشخص، قد يكون منهيا عن استفتائه في شيء، دون آخر. فيستفتى فيما هو أهل له، بخلاف غيره، لأن الله لم ينه عن استفتائهم مطلقا، إنما نهى عن استفتائهم في قصة أصحاب الكهف، وما أشبهها.

 

هذا النهي كغيره، وإن كان لسبب خاص وموجها للرسول صل الله عليه وسلم، فإن الخطاب عام للمكلفين، فنهى الله أن يقول العبد في الأمور المستقبلة، (إني فاعل ذلك) من دون أن يقرنه بمشيئة الله، وذلك لما فيه من المحذور، وهو: الكلام على الغيب المستقبل، الذي لا يدري، هل يفعله أم لا؟ وهل تكون أم لا؟ وفيه رد الفعل إلى مشيئة العبد استقلالا، وذلك محذور محظور، لأن المشيئة كلها لله (وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين) ولما في ذكر مشيئة الله، من تيسير الأمر وتسهيله، وحصول البركة فيه، والاستعانة من العبد لربه، ولما كان العبد بشرا، لا بد أن يسهو  فيترك ذكر المشيئة، أمره الله أن يستثني بعد ذلك، إذا ذكر، ليحصل المطلوب، وينفع المحذور، ويؤخذ من عموم قوله: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ) الأمر بذكر الله عند النسيان، فإنه يزيله، ويذكر العبد ما سها عنه، وكذلك يؤمر الساهي الناسي لذكر الله، أن يذكر ربه، ولا يكونن من الغافلين، ولما كان العبد مفتقرا إلى الله في توفيقه للإصابة، وعدم الخطأ في أقواله وأفعاله، أمره الله أن يقول: (عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا) فأمره أن يدعو الله ويرجوه، ويثق به أن يهديه لأقرب الطرق الموصلة إلى الرشد. وحري بعبد، تكون هذه حاله، ثم يبذل جهده، ويستفرغ وسعه في طلب الهدى والرشد، أن يوفق لذلك، وأن تأتيه المعونة من ربه، وأن يسدده في جميع أموره.

 

لما نهاه الله عن استفتاء أهل الكتاب، في شأن أهل الكهف، لعدم علمهم بذلك، وكان الله عالم الغيب والشهادة، العالم بكل شيء، أخبره بمدة لبثهم، وأن علم ذلك عنده وحده، فإنه من غيب السماوات والأرض، وغيبها مختص به، فما أخبر به عنها على ألسنة رسله، فهو الحق اليقين، الذي لا يشك فيه، وما لا يطلع رسله عليه، فإن أحدا من الخلق، لا يعلمه.

 

وقوله: (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ) تعجب من كمال سمعه وبصره، وإحاطتهما بالمسموعات والمبصرات، بعد ما أخبر بإحاطة علمه بالمعلومات. ثم أخبر عن انفراده بالولاية العامة والخاصة، فهو الولي الذي يتولى تدبير جميع الكون، الولي لعباده المؤمنين، يخرجهم من الظلمات إلى النور وييسرهم لليسرى، ويجنبهم العسرى، ولهذا قال: (مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ) أي: هو الذي تولى أصحاب الكهف، بلطفه وكرمه، ولم يكلهم إلى أحد من الخلق.

 

(وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا) وهذا يشمل الحكم الكوني القدري، والحكم الشرعي الديني، فإنه الحاكم في خلقه، قضاء وقدرا، وخلقا وتدبيرا، والحاكم فيهم، بأمره ونهيه، وثوابه وعقابه.

ولما أخبر أنه تعالى، له غيب السماوات والأرض، فليس لمخلوق إليها طريق، إلا عن الطريق التي يخبر بها عباده، وكان هذا القرآن، قد اشتمل على كثير من الغيوب".

 

8- قال الدكتور أحمد المجذوب: "لم يرد لأصحاب الكهف ذكر في المصادر اليهودية، ولذلك فإن قصة أصحاب الكهف التي وردت في القرآن الكريم تعد من القصص القليلة التي لم يرد لها ذكر في التراث الديني لليهود، بعكس قصص القرآن الأخرى التي نجد لها ما يقابلها في قصص التوراة وغيرها من القصص الديني الذي وقعت أحداثه بعد التوراة، ثم أقحمه اليهود على كتبهم الدينية.

 

وعدم وجود ما يشير -ولو من بعيد- إلى قصة أصحاب الكهف في كتب اليهود ، يرجع إلى سبب واحد، وهو أن الفتية الذين قال عنهم يهود المدينة إنهم "ذهبوا في الدهر الأول" أي أصحاب الكهف، كانوا من اليهود الذين آمنوا بالمسيح عيسى بن مريم بشرا رسولا، وهو الذي بشرت به التوراة على لسان أنبياء بني إسرائيل المتعاقبين، ومهد لظهوره النبي يحيى بن زكريا (يوحنا المعمدان).

 

ولما كان زعماء اليهود وكذلك عامتهم يتوقعون أن يكون النبي المرتقب على شاكلة موسى وداود وسليمان، أي نبيا محاربا وقائدا عسكريا، وزعيما سياسيا يحقق لهم النصر على أعدائهم، وينكل بأعدائهم ، بل ويذبحهم، ويسبي نساءهم، وينهب أموالهم، كما هي عادة بني إسرائيل دائما، وكما تحدثت توراتهم، فإنهم – أي اليهود – أصيبوا بخيبة أمل عظيمة عندما وجدوا النبي الجديد (المسيح) يدعوهم إلى السلام والتسامح والحب والاستعداد لقيام ملكوت الله، فسخروا منه، وناصبوه العداء، وغضبوا على كل من تبعه منهم وآمن بدعوته، واعتبروه خارجا على شريعة موسى وعدوًّا لليهود ، يجب عقابه والتنكيل به، فكانوا يرجمون من تصل أيديهم إليهم من هؤلاء المؤمنين، أما من لم تصل أيديهم إليهم كأصحاب الكهف، فإنهم عاقبوهم بالتجاهل وتحريم ذكرهم، وهو ما فعلوه حين تعمدوا أن تخلو أسفارهم من أي إشارة إلى الفتية الذين ذهبوا في الدهر الأول.

 

ومع ذلك -طبقا لما ورد في كتب السيرة والتفسير الإسلامية- فإن الذين حرضوا مشركي قريش على توجيه بعض الأسئلة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بقصد اختبار صحة نبوته، ومن بينها السؤال الخاص بأصحاب الكهف، أو "الفتية الذين ذهبوا في الدهر الأول وما كان من أمرهم" كانوا هم يهود المدينة (يثرب)، مما يدل على أنهم كانوا يعرفون قصتهم.

 

وعلى أي الأحوال فإن عدم وجود قصة أصحاب الكهف في التراث اليهودي ، لا يعني أنها لم تحدث، فوجودها أو عدم وجودها لا أهمية له، خاصة بعد ما تبين من أن اليهود قد زوروا التاريخ وشوهوا وقائعه خدمة لمصالحهم، وتأييدا لمزاعمهم وافتراءاتهم، فهم معروفون بالجرأة على الحق إلى الدرجة التي لم يتورعوا معها عن الكذب على الله وتزوير كتابه المنزل على موسى عليه السلام". أهل الكهف في التوراة والإنجيل والقرآن: (ص57-58).

 

 

الإحالات

أهل الكهف في التوراة والإنجيل والقرآن؛ د. محمد علي المجدوب.