أثرة

2022-10-05 - 1444/03/09

التعريف

الأثرة لغة:

الأثرة هي المصدر من قولهم أثر يأثر وهو مأخوذ من مادّة (أث ر) الّتي تدلّ على تقديم الشّيء [انظر مقاييس اللغة لابن فارس (1/ 53) ] . يقال: لقد أثرت بأن أفعل كذا وهو (أي الأثر) همّ في عزم، والأثير: الكريم عليك الّذي تؤثره بفضلك وكرمك، والمرأة الأثيرة، والمصدر الأثرة، تقول: عندنا أثرة، ورجل أثير على فعيل، وجماعة أثيرون، وهو بيّن الأثرة، ويقال: أخذت ذلك بلا أثرة عليك، أي لم أستأثر عليك، ورجل أثر على فعل، يستأثر على أصحابه. وفي الحديث: «سترون بعدي أثرة» أي من يستأثرون بالفيء، وهي الأثرة والإثرة والجمع إثر، والمأثرة والمأثرة بفتح الثّاء وضمّها: المكرمة لأنّها تؤثر، أي تذكر، ويأثرها قوم عن قوم يتحدّثون بها، وآثرت فلانا على نفسي من الإيثار، أي الإعطاء، واستأثر فلان ... بالشّيء أي استبدّ به، وقيل: استأثر بالشّيء على غيره: خصّ به نفسه واستبدّ به، ورجل أثر، على فعل، وأثر: يستأثر على أصحابه في القسم.

والاستئثار: الانفراد بالشّيء، ومنه حديث عمر: فو اللّه

ما استأثر بها عليكم، ولا أخذها دونكم. وهي الإثرة، وكذلك الأثرة والأثرة، وأنشد:

ما آثروك بها إذ قدّموك لها، *** لكن بها استأثروا، إذ كانت الإثر

[الصحاح للجوهري (574، 575). ولسان العرب (4/ 8)، ومقاييس اللغة لابن فارس (1/ 53) والنهاية لابن الأثير (1/ 22) ] .

الأثرة اصطلاحا:

قال الكفويّ: الأثرة هي التّقدّم والاختصاص [الكليات للكفوي (40) ] .

وقال ابن الأثير: أراد بالأثرة في الحديث الشّريف «ستلقون بعدي أثرة». أنّه يستأثر عليكم فيفضّل غيركم في نصيبه من الفيء.

وقال ابن حجر: أشار (بالأثرة) إلى أنّ الأمر يصير في غيرهم فيختصّون (أنفسهم) دونهم (أي دون الأنصار) بالمال وكان الأمر على ما وصف صلّى اللّه عليه وسلّم [النهاية (1/ 22). وفتح الباري (7/) 147] .

ويستخلص من جملة ما سبق أنّ الأثرة هي: أن يختصّ الإنسان نفسه أو أتباعه بالمنافع من أموال ومصالح دنيويّة ويستأثر بذلك فيحجبه عمّن له فيه نصيب أو هو أولى به.

العناصر

1- معنى الأثرة . 2- عواقب الأثرة على الفرد والمجتمع . 3- التعاون يقضي على عوامل الأثرة . 4- الزكاة وسيلة من وسائل القضاء على الأثرة . 5- العدو الحقيقي للعلم والدين هو الأثرة والشراهة والطمع . 6- التكالب والأثرة من الأسباب الرئيسة في هزائم الأمة . 7- الأثرة وحب الذات يقضيان ويتنافيان مع حقوق الأخوة وآدابها . 8- تربية المسلم على تذكر إخوانه وتقوية معاني الألفة في إزالة الأثرة .

الايات

1- قول الله تعالى: (فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى* يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى * فَأَمَّا مَنْ طَغى * وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) [النازعات:34-41]. 2- قوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى) [ الأعلى: 14-17]. 3- قوله تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [سورة التوبة:24].

الاحاديث

1- عن أبي أميّة الشّعبانيّ، قال: أتيت أبا ثعلبة الخشنيّ، قال قلت: كيف تصنع في هذه الآية؟ قال: أيّة آية؟ قلت (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)،[المائدة: 105]. قال: سألت عنها خبيرا، سألت عنها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: " بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر. حتّى إذا رأيت شحّا مطاعا، وهوى متّبعا، ودنيا مؤثرة ، وإعجاب كلّ ذي رأي برأيه، ورأيت أمرا لا يدان لك به فعليك خويّصة نفسك. فإنّ من ورائكم أيّام الصّبر الصّبر فيهنّ على مثل قبض على الجمر. للعامل فيهنّ مثل أجر خمسين رجلا يعملون بمثل عمله"[ رواه أبو داود (4341). والترمذي (3058) وقال: حديث حسن غريب. وابن ماجة (4014) واللفظ له. والبغوي في شرح السنة (14/ 348) وقال محققه: للحديث شواهد يتقوى بها ] . 2- عن عبد اللّه بن مسعود- رضي اللّه عنه- قال: قال لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " إنّكم سترون بعدي أثرة وأمورا تنكرونها ". قالوا: فما تأمرنا يا رسول اللّه؟ قال: "أدّوا إليهم حقّهم، وسلوا اللّه حقّكم"[رواه البخاري- الفتح 13 (7052) ] . 3- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رجل فقال: يا رسول اللّه، أيّ الصّدقة أعظم؟. فقال: " أن تصدّق وأنت صحيح شحيح ، تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل حتّى إذا بلغت الحلقوم ، قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، ألا وقد كان لفلان" [رواه مسلم (1032) ] . 4- عن المقداد- رضي اللّه عنه- قال:أقبلت أنا وصاحبان لي وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فليس أحد منهم يقبلنا. فأتينا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فانطلق بنا إلى أهله. فإذا ثلاثة أعنز، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: " احتلبوا هذا اللّبن بيننا" قال: فكنّا نحتلب فيشرب كلّ إنسان منّا نصيبه. ونرفع للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم نصيبه قال: فيجيء من اللّيل فيسلّم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان. قال ثمّ يأتي المسجد فيصلّي. ثمّ يأتي شرابه فيشرب. فأتاني الشّيطان ذات ليلة، وقد شربت نصيبي. فقال: محمّد يأتي الأنصار فيتحفونه، ويصيب عندهم. ما به حاجة إلى هذه الجرعة فأتيتها فشربتها. فلمّا أن وغلت في بطني وعلمت أنّه ليس إليها سبيل، قال: ندّمني الشّيطان فقال: ويحك ما صنعت؟ أشربت شراب محمّد؟ فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلك. فتذهب دنياك وآخرتك ...الحديث[رواه مسلم (2055) ] . 5- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: " إنّ ثلاثة في بني إسرائيل:أبرص وأقرع وأعمى بدا للّه- عزّ وجلّ- أن يبتليهم فبعث إليهم ملكا ... الحديث وفيه: ثمّ إنّه أتى الأبرص في صورته وهيئته، فقال: رجل مسكين تقطّعت به الحبال في سفره، فلا بلاغ اليوم إلّا باللّه ثمّ بك. أسألك، بالّذي أعطاك اللّون الحسن والجلد الحسن والمال، بعيرا أتبلّغ به في سفري، فقال له: إنّ الحقوق كثيرة فقال له: كأنّي أعرفك، ألم تكن أبرص يقذرك النّاس؟ فقيرا فأعطاك اللّه؟ فقال: لقد ورثت لكابر عن كابر، فقال: إن كنت كاذبا فصيّرك اللّه إلى ما كنت، وأتى الأقرع في صورته وهيئته فقال له مثل ما قال لهذا. فردّ عليه هذا، فقال: إن كنت كاذبا فصيّرك اللّه إلى ما كنت، وأتى الأعمى في صورته.فقال: رجل مسكين وابن السّبيل، وتقطّعت به الحبال في سفره، فلا بلاغ اليوم إلّا باللّه ثمّ بك. أسألك بالّذي ردّ عليك بصرك، شاة أتبلّغ بها في سفري.وقال له: قد كنت أعمى فردّ اللّه بصري، وفقيرا فقد أغناني، فخذ ما شئت، فو اللّه لا أجهدك اليوم بشيء أخذته للّه، فقال: أمسك مالك، فإنّما ابتليتم، فقد رضي اللّه عنك، وسخط على صاحبيك" [رواه البخاري- الفتح 6 (3464) ] . 6- عن حكيم بن حزام- رضي اللّه عنه- قال: سألت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني، ثمّ قال: " إنّ هذا المال خضرة حلوة. فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالّذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السّفلى"[ رواه مسلم (1035) ] . 7- عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: " لو أنّ لابن آدم ملء واد مالا لأحبّ أن يكون إليه مثله، ولا يملأ نفس ابن آدم إلّا التّراب، واللّه يتوب على من تاب" [رواه مسلم (1049) ] . 8- عن كعب بن مالك الأنصاريّ- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشّرف لدينه" [رواه الترمذي (2376) وقال: حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح وضعيف الترمذي رقم (2376) ] .

الاثار

1- عن عبد اللّه بن عبّاس- رضي اللّه عنهما- أنّ ملكا من الملوك خرج يسير في مملكته، وهو مستخف من النّاس. فنزل على رجل له بقرة، فراحت عليه تلك البقرة فحلبت، فإذا حلابها مقدار ثلاثين بقرة، قال: فأعجب الملك بها، وقال: ما صلحت هذه إلّا أن تكون لي، فإذا صرت إلى موضعي بعثت إليه فأخذتها. قال: وأقام إلى الغد فغدت البقرة إلى مرعاها ثمّ راحت فحلبت، فإذا حلابها قد نقص عن النّصف، وجاء حلاب خمس عشرة بقرة. قال: فدعا الملك ربّها، فقال له: هل رعت في غير مرعاها بالأمس، أو شربت في غير مشربها بالأمس؟ قال: ما رعت في غير مرعاها بالأمس، ولا شربت في غير مشربها بالأمس، قال: ما بال لبنها قد نقص؟ قال: يشبه أن يكون الملك قد همّ بأخذها. فقال له الملك: وأنت من أين يعرفك الملك؟ فقال له: هو كما أقول لك. فإذا الملك ظلم أو همّ بظلم ذهبت البركة، أو قال: ارتفعت البركة. قال: فعاهد الملك ربّه في نفسه أن لا يأخذها ولا تكون له في ملك أبدا. قال: وأقام الغد ثمّ غدت البقرة إلى مرعاها، فحلبت، فإذا حلابها قد عاد إلى ما كان. قال: فدعا صاحبها، فقال له: هل رعت بقرتك في غير مرعاها بالأمس، أو شربت في غير مشربها بالأمس؟ قال: لا. قال: فما بال لبنها قد عاد. قال: يشبه أن يكون الملك قد همّ بالعدل. قال: فاعتبر الملك، وقال: لا جرم ولأعدلنّ ولأكوننّ على أفضل من ذلك أو نحو هذا.[ مساوىء الأخلاق ومذمومها للخرائطي (227، 228) ] .

القصص

1- قال محمد بن سليمان القرشي: بينما أنا أسير في طريق اليمن إذا أنا بغلام واقف على الطريق في أذنيه قرطان وفي كل قرطه جوهرة يضيء وجهه من ضوء تلك الجوهرة وهو يمجد ربه بأبيات من شعر فسمعته يقول: مليك في السماء به افتخاري *** عزيز القدر ليس به خفاء فدنوت إليه فسلمت عليه فقال ما أنا براد عليك سلامك حتى تؤدي من حقي الذي يجب لي عليك قلت وما حقك قال أنا غلام على مذهب إبراهيم الخليل لا أتغدى ولا أتعشى كل يوم حتى أسير الميل والميلين في طلب الضيف فأجبته الى ذلك قال فرحب بي وسرت معه حتى قربنا من خيمة شعر فلما قربنا من الخيمة صاح يا أختاه فأجابته جارية من الخيمة يا لبيكاه قال قومي الى ضيفنا هذا قال فقالت الجارية أصبر حتى أبدأ بشكر المولى الذي سبب لنا هذا الضيف قال فقامت وصلت ركعتين شكر لله قال فأدخلني الخيمة فأجلسني فأخذ الغلام الشفرة وأخذ عناقا له ليذبحها فلما جلست في الخيمة نظرت الى جارية أحسن الناس وجها فكنت أسارقها النظر ففطنت لبعض لحظاتي فقالت لي مه أما علمت أنه قد نقل إلينا عن صاحب يثرب تعنى النبي صلى الله عليه وسلم أن زنا العينين النظر أما إني ما أردت بهذا أن أوبخك ولكني أردت أن أؤدبك لكيلا تعود لمثل هذا فلما كان وقت النوم بت أنا والغلام خارج الخيمة وباتت الجارية في الخيمة قال فكنت أسمع دوي القرآن الليل كله أحسن صوت يكون وأرقه فلما أن أصبحت قلت للغلام صوت من كان ذلك قال فقال تلك أختي تحيى الليل كله الى الصباح قال فقلت يا غلام أنت أحق بهذا العمل من أختك أنت رجل وهي أمرأة قال فتبسم ثم قال ويحك يا فتى أما علمت أنه موفق ومخذول. [روضة العقلاء ونزهة الفضلاء ص 203،204] .

الاشعار

1- رحم الله من قال: وهبْني جمعتُ المالَ ثم خزنتُه *** وحانت وفاتي هل أُزادُ به عُمْرَا إذا خزن المالَ البخيلُ فإنه *** سيورثُه غماً ويُعقبه وِزرا 2- قال صالح اللخمي: لئن جمع الآفات فالبخل شرها *** وشر من البخل المواعيد والمطل ولا خير في وعد إذا كان كاذبا *** ولا خير في قول إذا لم يكن فعل [المنتخب من الشعر والبيان أمير بن محمد المدري] . 3- وقال آخر: لكل هم من الهموم سعه *** والبخل واللؤم لا فلاح معه قد يجمع المال غير آكله *** ويأكل المال غير من جمعه أقبل من الدهر ما أتاك به *** من قر عينا بعيشه نفعه [المنتخب من الشعر والبيان أمير بن محمد المدري (ص 31) ] . 4- قال أبو محمد إسحاق في ذم البخل: وآمرة بالبخل قلت لها أقصري *** فليس إلى ما تأمرين سبيل أرى الناس خلان الجود ولا أرى *** بخيلاً له في العالمين خليل وإني رأيت البخل يزري بأهله *** فأكرمت نفسي أن يقال بخيل ومن خير حالات الفتى لو علمته *** إذا نال شيئاً أن يكون ينيل عطائي عطاء المكثرين تجملاً *** ومالي كما قد تعلمين قليل وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى *** ورأي أمير المؤمنين جميل [جواهر الأدب لأحمد الهاشمي (2/63) ] .

متفرقات

1- يقول الشيخ عبد العزيز بن محمد السلمان: البخل أنواع: بخل بالمال، وبخل بالعلم، وبخل بالطعام، وبخل بالسلام، وبخل بالكلام، وبخل على الأقارب دون الأجانب، وبخل بالجاه، وكلها نقائص ورذائل مذمومة عقلاً وشرعًا، وقد جاءت أحاديث في ذم البخل ومدح السماحة، فمما ورد في ذم البخل عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «خصلتان لا يجتمعان في مؤمن: البخل وسوء الخلق»، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «لا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدًا»، وفي أفراد مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الجبن والبخل»، وروى جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبني سلمة: «من سيدكم؟» قالوا: جد بن قيس على أننا نبخله، قال: «وأي داء أدوأ من البخل! بل سيدكم بشر بن البراء بن معرور»، وورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه». وقوله: { وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ } أي مع بخلهم وأمرهم به يكتمون العلم الذي آتاهم الله ليهتدي به الضالون ويسترشد به الجاهلون فيكتمونه عنهم ويظهرون لهم من الباطل ما يحول بينهم وبين الحق. وقال بعض المفسرين: الأولى أن تكون الآية عامة في كل من يبخل بأداء ما يجب عليه أداؤه ويأمر الناس به، وعامة في كل من كتم فضلاً أتاه الله تعالى من العلم وغيره من أنواع النعم التي يجب إظهارها ويحرم كتمانها، وفي الحديث: «إذا أنعم الله تعالى على عبد نعمة أحب أن يرى أثرها عليه» [الأنوار الساطعات لآيات جامعات (1/171، 172) ].   2- قال أبو حنيفة رحمه الله: لا أرى أن أعدل بخيلا لأن البخل يحمله على الاستقصاء فيأخذ فوق حقه خيفة من أن يغبن فمن كان هكذا لا يكون مأمون الأمانة [إحياء علوم الدين للغزالي (3/ 256) ].   3- قال الماوردي: الحرص والشح أصل لكل ذم، وسبب لكل لؤم؛ لأن الشح يمنع من أداء الحقوق، ويبعث على القطيعة والعقوق [أدب الدنيا والدين للماوردي (ص224)].   4- يقول الدكتور محمد بن سعيد القحطاني: ثم إن هذا البناء - بناء الإيمان بالله - لا يمكن توطيد دعائمه إلا إذا رأى المرء في باطن أمره رأيا جازماً، وقطع على نفسه بشعور كامل و إرادة قوية أنه هو وكل ما بيده ملك لله وراجع إلى مرضاته، وقضى على ما في نفسه من مقياس للرضا والسخط وجعله مذعناً لرضاء الرب تعالى وسخطه، ونفى عن نفسه الأثرة والكبرياء، وصاغ نظرياته وأفكاره وآراءه ونزعاته ومناهج تفكيره في قالب ذلك العلم الذي قد أنزله الله تعالى في كتابه العزيز [الولاء والبراء (1/371) ].   5- قال محمد بن إبراهيم الحمد: وهو التعبد لله ببذل القدر الواجب من الأموال الزكوية لمستحقيها. بحيث يخرج المسلم قدرا يسيرا محدودا من ماله ، ويدفعه إلى مستحقيه من الفقراء ، والمساكين ، ونحوهم. ومن ثمرات الزكاة: تطهير النفس من البخل ، وزيادة المال ، ونماؤه ، وسد حاجة المسلمين ، وشيوع المحبة بينهم ، والتخلص من الأثرة والاستبداد ، والسلامة من الحسد ، وحصول التواضع والرحمة ، والشعور بالآخرين [قصة البشرية (1/55) ].   6- يقول الشيخ محمد حسين يعقوب: كثيرٌ من الأخوة يشتكون من هذا السمت السيئ في بعض إخوانهم، فتجد الأخ يعرف ماله جيدا ويطالب أخاه أن يصنع كذا وكذا بموجب ماله من حق عليه، وينسى ويتغافل عن حقوق أخيه والواجبات التي عليه تجاه الآخرين. وهذه الأثرة آفة الإنسان وغول فضائله، إذا سيطرت نزعتها على المرء محقت خيره ونمت شره، وحاصرته في كل صنائعه، وجعلته محصورا في نطاق ضيق خسيس، ولا يعرف فيه غير شخصه، ولا يشعر بفرح أو حزن إلا لما يحسه من خير أو شر لنفسه. هذا الصنف من الناس وقع في عبودية الذات، ولا يحصل منه الخير أبدا، يعامل الناس في حدود ما يصل إليه عن طريقهم، لا يعرف إلا تحقيق آماله هو ولو على حساب الآخرين، وهذا عنوان الكبر الذي هو بطر الحق وغمط الناس، وهذا بريد التعاسة ـ علم الله ـ. إخوتاه.. لا ينبغي أن يكون فينا من هذا وصفه، فيا أيها الأناني يا صاحب الأثرة إن تعصبك لنفسك هو طريق الخذلان والحرمان، فلا تقلب الأمور فبدل أن تحب أخاك تحب نفسك، وبدل أن تؤثر أخاك تؤثر نفسك، فتتحول الأمور إلى صراعات بين عنصريات وقوميات وطبقيات، وتتعدد صور الهلاك والفساد نسأل الله لنا ولكم العافية. إخوتاه.. أحيوا خلق الإيثار، وحب الخير للمسلمين، والإعانة على الطاعة [الأخوة أيها الإخوة (1/221) ].   7- يقول محمد بن عبد الله بن إبراهيم الدويش: الآفة الثالثة من آفات الأخوة: الأثرة وحب النفس. إن من نتاج الأخوة أن يحب المرء لأخيه ما يحب لنفسه، بل لا يتم إيمانه إلا حين يرقى إلى هذه المنزلة، ويصل إلى هذه الدرجة، حين يحب لأخيه ما يحب لنفسه "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفس" [رواه البخاري (13)، ومسلم (45)] أما حين يرقى درجة أعلى من ذلك فهو يكون ممن أثنى الله عليهم في كتابه في آيات تتلى إلى يوم القيامة: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر:9]، فحين نطمع في الوصول إلى منزلة الأخوة، وإلى أن نجني ثمراتها في الدنيا والآخرة، فلنعلم أن غلاء الثمرة وصفاءها يفرض علينا أن ندفع ثمناً باهضاً، أوله أن نتخلى عن محبة ذواتنا وعن رغبات أنفسنا، أما حين يكون المرء لا يحب الخير إلا لنفسه، أما حين يفوز منطق الأثرة والأنانية، وتعلو وترتفع لغة (أنا) فهو أول وخز في بنيان هذه الأخوة، وأول دليل على أننا لسنا مؤهلين لأن نجني هذه الثمرة اليانعة، وأن نصل إلى هذه المنزلة العالية [دروس الشيخ محمد الدويش المؤلف: محمد بن عبد الله بن إبراهيم الدويش مصدر الكتاب: دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية http://www.islamweb.net (24/3) ]   8- للأثرة واختصاص الذّات أو الأقارب بالمصالح والمنافع دون غيرهم أضرار كثيرة على الفرد والمجتمع، لأنّها نوع من الأنانية البغيضة يجلب الحقد بين الأفراد، ويمنع من وصول الحقوق لأصحابها، وتلك حالة تدعو إلى تذمّر أصحاب الحقّ، وإلحاق الأذى بمن استأثر دونهم بالمال أو الوظيفة أو نحو ذلك ممّا ينبغي أن يكون الجميع فيه سواء. إنّ الأثرة والأنانية إذا شاعت في مجتمع من المجتمعات انحلّ عقده، وانفصمت عراه؛ لأنّ ذلك ظلم لأصحاب الحقوق، وظلم أيضا لذوي الأثرة الّذين يحصلون على حقوق الغير، ممّا يجعلهم كسالى مغرورين، وإذا ما حدث تبدّل في الأوضاع، فإنّهم يطالبون بردّ هذه الحقوق الّتي غالبا ما يكونون قد أضاعوها لعدم تعبهم في الحصول عليها، وحينئذ تنقلب المنافع إلى مهالك تهوي بهم في قاع السّجون، ولعذاب الآخرة أشدّ وأبقى، والأولى بالمسلم الحقّ ألّا يؤثر نفسه، أو أقاربه، أو أصهاره، أو مقرّبيه بنفع لا يستحقّونه، حتّى لا يعود ذلك وبالا عليه وعليهم، وعليه أن يتحلّى بعكس هذه الصّفة وهو الإيثار بأن يفضّل غيره على نفسه، وحينئذ فقط يصبح من المفلحين الّذين تخلّصوا من شحّ أنفسهم وبخلها بالمنافع على الغير، فإن لم يفعل فالواجب عليه العدل بأن يعطي كلّ ذي حقّ حقّه، وله في أنصار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أسوة طيّبة حيث مدحهم المولى- عزّ وجلّ- بقوله: (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر: 9] وعلى من وقعت عليه الأثرة أن يصبر ويحتسب من ناحية، وأن يطالب بحقّه بالمعروف، سائلا المولى- عزّ وجلّ- أن يعينه، فاللّه سبحانه خير معين [نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم المؤلف: عدد من المختصين بإشراف الشيخ/ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب الحرم المكي (9/3772) ].   9- الأثرة عكس الإيثار؛ لأنّ الأثرة تعني استئثار المرء عن أخيه بما هو محتاج إليه، قال ابن القيّم: وهي المرتبة الّتي قال فيها رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: "ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتّى تلقوني على الحوض" [مدارج السالكين (2/ 309) بتصرف].

التحليلات

1- ذكر عرفات حلس أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر بغزة: أن تأثير البخل لا يمس بالعلاقة الإنسانية بين الزوج والزوجة فقط ،بل يمتد تأثيره وانعكاساته السلبية على أفراد الأسرة جميعهم. مؤكداً أن البخل على الزوجة والأبناء من شأنه أن يؤدي إلى انهيار الأسرة، خاصة إذا ما لجأ بعض أفرادها إلى سلوك طرق غير مشروعة للحصول على احتياجاتهم التي يرى رب الأسرة أنها غير ضرورية، أو أنه يوفرها بالحد الأدنى. أن أحد الظواهر السلبية التي تنشأ في المجتمع نتيجة البخل هي: تشرد الأبناء من خلال العمل المبكر، والتسرب المدرسي، بالإضافة إلى اضطرار الزوجة خاصة إذا كانت جاهلة غير متعلمة أو الأبناء إلى ممارسة التسول، ناهيك عن تحطم العلاقة بين الأب البخيل وأبنائه وزوجته من خلال تذمرهم الدائم من تصرفاته التي ترهقهم نفسياً واجتماعياً، وكذلك فقدان الثقة بين أفراد الأسرة نتيجة النقص في الإشباعات الأساسية لديهم، وبروز المشاكل الاجتماعية التي تؤدي بالنهاية إلى الطلاق وتفكيك الأسرة، وأيضاً تخريج أجيال ضعيفة لا تتمتع بالوعي نتيجة نقص الإشباع لديها في الحاجات الإنسانية اللازمة لبناء الإنسان القوي الواعي، ناهيك عن فقدان الاحترام بين الأب والأبناء والزوجة والزوج [رابط http://ejabat.google.com/ejabat/thread?tid=6a00622bc77c68ba] .

الإحالات

1- موسوعة الرد على المذاهب الفكرية المعاصرة 1-29جمع وإعداد : علي بن نايف الشحود (24/154) . 2- خلق المسلم - محمد الغزالي (ص: 82، 106، 207) . 3- في ظلال القرآن – سيد قطب (1/62، 63، 307، 311، 314، 414) . 4- نحو تفسير موضوعي (ص 45،110، ) - محمد الغزالي دار نهضة مصر الطبعة الأولي . 5- صحيح البخاري باب ما كان للنبي صلى الله عليه و سلم يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه دار ابن كثير ، اليمامة – بيروت الطبعة الثالثة ، 1407 – 1987 تحقيق : د. مصطفى ديب البغا أستاذ الحديث وعلومه في كلية الشريعة - جامعة دمشق . 6- سنن الترمذي باب في الأثرة وما جاء فيه . 7- شرح النووي على مسلم (6/310، 317) . 8- فتح الباري (13/6، 3/316) - أحمد بن حجر العسقلاني تحقيق عبد العزيز بن عبد الله بن باز ومحب الدين الخطيب رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه وذكر أطرافها : محمد فؤاد عبد الباقي طبعة دار الفكر . 9- البحوث العلمية هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية (7/122) الرئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء . 10- مجلة البحوث الإسلامية - الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد (17/178) . 11- اللطائف الروحية في الدروس الرمضانية - مشعل بن عبد العزيز الفلاحي (ص 73) . 12- القرآن منهاج حياة - غازي صبحي آق بيق قام بتنسيقه وفهرسته: علي بن نايف الشحود (2/306، 307، 375، 408، 459- 3/28 ) . 13- صفات المفلحين في القرآن والسنة - علي بن نايف الشحود (1/30) . 14- الأخوة أيها الإخوة - محمد حسين يعقوب (1/157) . 15- الأخوة الإسلامية هي الرابطة العالمية - د/ عبد العزيز بن عبد الله الحميدي الأستاذ بكلية الدعوة وأصول الدين جامعة أم القرى (1/54، 59، 60، 76) . 16- ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين - أبو الحسن علي الحسني (ص 292) الندوي الطبعة الرابعة . 17- نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم – (3/631، 9/3772- 3779) عدد من المختصين بإشراف الشيخ/ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب الحرم المكي دار الوسيلة للنشر والتوزيع، جدة الطبعة : الرابعة . 0