" لا تَمْرَ في العِراق " عبد الله بن عبد العزيز الهدلق

" لا تَمْرَ في العِراق "
عبد الله بن عبد العزيز الهدلق



كنتُ من قريبٍ في زيارةٍ لأخي الشيخ عبدالمحسن العسكر, فوافيتُ عنده فضيلة الدكتور العراقي نعمان السامرائي ..
ولمّا أُحضرت القهوة مع الرُّطَب تحدثنا – كعادة الناس أول ورود الرُّطب – عن أنواع التمر وما إلى ذلك , فأخذ بنا الكلام إلى تمور العراق وماهي عليه من الجودة وكثرة الأنواع , وما في العراق من غابات النخيل .. فقال الدكتور نعمان : إن إحدى قريباتي في العراق قد أرسلت إلينا هنا تطلب منا أن نبعث إليها بشيءٍ من التمر , لأن رمضان قادم ولا تمر عندهم !


فوجمتُ لِهَول ماقاله , ونظرتُ إلى أخي الشيخ عبدالمحسن فإذا به قد أصابه الذي أصابني , والْتقتْ عينانا على عِظةٍ من عِظات هذه الدنيا حُقَّ لها أن تُروى ..


أيُصدّر التمر من نجدٍ إلى العراق ؟


لقد حدّث بعض أهل التواريخ : بأن أعرابياً من بادية هذا البلد شوى – في أيام مضت – جِلْدَ نَعْله يتبلّغ به لِما مسّه من أليم الجوع , هذا في زمن كان الضيف ينزل فيه على أصحاب النخيل في البصرة ؛ فيُضيَّف في كل يوم نوعاً من التمر حتى يستوفيَ السنة ماتكرّر عليه نوع من أنواعه ..


ثم إن الدنيا دارت دورتها ؛ فأصبح بعض أهل هذه البلاد التي هجرها ناسٌ من سكانها في خاليةٍ من السنين إلى الزُّبير طلباً للرزق ؛ أصبح يطلب أطفالُه الأكل من المطعم فيوصله إليهم عامل آسيوي لاتقف الأمطار في بلاده عن الهطول أكثر السنة .. ولقد سمعتُ من أحد العامة : أن رجلاً له ثلاثةٌ من الأبناء ؛ طلب كلٌّ منهم نوعاً من الطعام من المحل الذي يُحبّ , فاتفق أن وقفت السيارات الثلاث عند الباب مجتمعةً كلُّ واحدةٍ تحمل لوناً من الطعام مختلفاً !


إننا لسنا بمنجاةٍ من طالة أقدارالله , وليس بيننا وبين الدنيا عهدٌ على ألا تدور علينا فتطحنَنا كما فعلت بغيرنا .. فالدنيا شرودٌ قُلّب , وكم من شمس يومٍ أشرقت على أهلها بغير ماغابت عنهم عليه ..


أفلا نتقي الله في هذه النِّعم التي خَوَّلنا , أفلا ننهى سفهاءنا عن هذا السَّرَف في ولائمنا .. وهذا الترف , وخِزي التفسّخ الذي عمَّ أفراحنا ؛ حتى أصبح نساؤنا يحضرن الدعوات شبه عرايا , والولع بالسفر ننثر فيه ألوف الألوف في ديار الغرب لانبالي أن صارت أعراضنا يقتات عليها أغراب الدنيا .. أفما نعوذ بالله من عادية الشّرّ أن تغتالنا , فإننا – والله - إن غادرتنا هذه النعمة فلن يرحمنا من الناس راحم ..


فسترَك اللهمّ ؛ قد أصبح العراق اليوم ولا تمر فيه ..


قال المؤرخ المقريزي في خِططه عند ذكر ابتداء أمر الفاطميين في مصر :


" وكانت أُمّ الأمراء قد وجّهت من المغرب صَبِيّةً لتباع بمصر , فعرضها وكيلها في مصر للبيع وطلب فيها ألف دينار , فحضر إليه في بعض الأيام امرأةٌ شابّة على حمار لتُقلّب الصّبِيّة , فساومته فيها وابتاعتها منه بستمئة دينار , فإذا هي ابنة الإخشيد محمد بن طُغْج , وقد بلغها خبر هذه الصبيّة , فلما رأتها شغفتها حباً فاشترتها لتستمتع بها .. فعاد الوكيل إلى المغرب وحدّث المُعزّ بذلك فأحضر الشيوخ , وأمر الوكيل فقصّ عليهم خبر ابنة الإخشيد مع الصبيّة إلى آخره , فقال المُعز : ياإخواننا انهضوا إلى مصر فلن يحول بينكم وبينها شيء , فإن القوم قد بلغ بهم الترف إلى أن صارت امرأة من بنات الملوك فيهم تخرج بنفسها وتشتري جارية لتتمتع بها , وماهذا إلا من ضعف نفوس رجالهم وذهاب غَيرتهم , فانهضوا لمسيرنا إليهم .. " .

المصدر: نور الإسلام
المشاهدات 2735 | التعليقات 0