"يا عباد الله اثبتوا" خطبة مختصرة بتصرف من خطبة للشيخ عبدالله البصري
عبدالرحمن اللهيبي
هذه خطبة مختصرة بتصرف يسير من خطبة للشيخ عبدالله البصري جزاه الله خيرا
أَمَّا بَعدُ ، فَـ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ “
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، نِعَمُ اللهِ عَلَى خَلقِهِ كَثِيرَةٌ ، ومنة الله على عباده عظيمة جليلة, غَيرَ أَنَّ أَعظَمَ مَا مَنَّ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ المؤمنين هي نِعمَةُ الهِدَايَةِ لِهَذَا الدِّينِ ، والتفضلُ عليهم بالتمسك بما فيه من أحكام وتشريعات قَالَ – تَعَالى –” يَمُنُّونَ عَلَيكَ أَن أَسلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسلامَكُم بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيكُم أَن هَدَاكُم لِلإِيمَانِ إِن كُنتُم صَادِقِين " وَلأَنَّ نِعمَةَ الإِسلامِ وتشريعاته هِيَ أَجَلُّ النِّعَمِ وَأَعظَمُهَا لمن هداه الله إليها ، وَأَحمَدُهَا أَثَرًا وَأَحسَنُهَا عَاقِبَةً ، وَأَبرَكُهَا ثَمَرَةً في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ ، وَلِكَونِ الإِسلامِ بكل تشريعاته هُوَ الدِّينَ الَّذِي رَضِيَهُ اللهُ – تَعَالى – لِعِبَادِهِ وَلَن يَقبَلَ مِنهُم دينا سواه كَمَا قَالَ – سُبحَانَهُ – :” وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإِسلامِ دِينًا فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ في الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ ” لأَجلِ ذَلِكَ لم يَكُنْ غَرِيبًا أَن يُوجِبَ اللهُ عَلَى المُسلِمِينَ في كُلِّ رَكعَةٍ في صَلاتِهِم أَن يَسأَلُوهُ الهِدَايَةَ لِلإِسلامِ ، وَأَن يُجَنِّبَهُم سُبُلَ الغَاوِينَ وَالمُنحَرِفِينَ ، قَالَ – تَعَالى – ” اِهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ . صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِم وَلا الضَّالِّينَ “
أَيُّهَا المُسلِمُونَ إِنَّ التَّمَسُّكَ بِالإِسلامِ وتشريعاته وثوابته ومحكماته وقيمه وأحكامه لهُوَ الحَيَاةُ الحَقِيقِيَّةُ وَالسَّعَادَةُ الأَبَدِيَّةُ ، قَالَ – تَعَالى – : ” مَن عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ ” أَجَل – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – إِنَّ الإِسلامَ بشرائعه وأحكامه حَيَاةٌ طَيِّبَةٌ ، يَعِيشُهَا المُؤمِنُ بِقَلبِهِ وَإِنِ ابتُلِيَ في جَسَدِهِ إنها سرور وَنَعِيمٌ يَملأُ جَوَانِحَهُ وَإِن قَلَّ مَا في يَدِهِ ، إي والله ما أجملَ سعادةَ المؤمنِ المتمسكِ بدينه فَهُوَ يَحيَا مُطمَئِنَّ النَّفسِ مُنشَرِحَ الصَّدرِ ، سَعِيدًا بِطَاعَةِ رَبِّهِ فَرِحًا بِعِبَادَتِهِ ، مَسُرُورًا بِإِيمَانِهِ فرحا ومغتبطا بمَعرِفَة رَبّه ، وَمَحَبَّتِهِ وَالإِنَابَةِ إِلَيهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيهِ ، مُستَغنِيًا بِذَلِكَ عَمَّا يَفرَحُ بِهِ النَّاسُ مِن شهوات الدُّنيَا وَزَخَارِفِهَا وَزِينَتِهَا ، المؤمن الصادق يحب ما يحبه الله ورسوله من أقول وأعمال ويبغض ما يبغضه الله ورسوله من أقوال وأعمال حتى وإن مالت إليها نفسه وأهواؤه .. تسره طاعة الطائعين وتؤلمه معصية العاصين ويفرح بمشاهد الخير والفضيلة وتحزنه مشاهد الفسق والرذيلة ..
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ – عِبَادَ اللهِ – وَعليكم بالصَّبر وَالتَّمَسُّك بِهَذَا الدِّينِ العَظِيمِ ، وَالاستِقَامَةِ عَلَى المَنهَجِ القَوِيمِ ، فَهَذَا وَاللهِ وَقتُ التَّمَسُّكِ بِالدِّينِ وَالاستِقَامَةِ عَلَيهِ ، وَهَذَا زَمَانُ الإِكثَارِ مِن عِبَادَةِ اللهِ وَالإِقبَالِ إِلَيهِ وَلْيُبشِرِ الصَّابِرُونَ المُستَقِيمُونَ عَلَى أَمرِ اللهِ وشرعه فأنتم في زمن كثرت فيه المنكرات وَعَظُمَت فيه الفِتَنُ وَرق الدين وضَعُفَ الإِيمَانُ ، وَكَثُرَ المُحَارِبُونَ لِدِينِ اللهِ والمستهزئون بشريعته وأحكامه والمحرفون لقيمه ومسلماته والمزعزعون لثوابته ومحكماته والمبدلون لتشريعاته والمستبيحون لحرماته ؛ فاثبتوا على الحق واصبروا وأبشروا فقد قَالَ نبيكم – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – : ” إِنَّ مِن وَرَائِكُم أَيَّامَ الصَّبرِ ، لِلمُتَمَسِّكِ فِيهِنَّ يَومَئِذٍ بِمَا أَنتُم عَلَيهِ أَجرُ خَمسِينَ مِنكُم ” قَالُوا : يَا نَبِيَّ اللهِ أَو مِنهُم ؟! قَالَ : ” بَلْ مِنكُم ” رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: لَتُنْقَضَنَّ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً، فَكُلَّمَا انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ النَّاسُ بِالَّتِي تَلِيهَا (أخرجه أحمد وابن حبان , وقال -صلى الله عليه وسلم- قال: “بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا، وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا”
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ ” إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ استَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيهِمُ المَلَائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحزَنُوا وَأَبشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِي كُنتُم تُوعَدُونَ . نَحنُ أَولِيَاؤُكُم في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَفي الآخِرَةِ وَلَكُم فِيهَا مَا تَشتَهِي أَنفُسُكُم وَلَكُم فِيهَا مَا تَدَّعُونَ . نُزُلاً مِن غَفُورٍ رَحِيمٍ “
الخطبة الثانية
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى – وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ ، وَاعلَمُوا أَنَّ أَعظَمَ كَنزٍ يَكنِزُهُ المُسلِمُ في حَيَاتِهِ لِينَفعَهُ بَعدَ مَمَاتِهِ ، هُوَ الثَّبَاتُ عَلَى الدِّينِ ، وَالتَّمَسُّكُ بتشريعاته وَالعَضُّ عَلَيهِا بِالنَّوَاجِذِ ، حَتَّى يَتَوَفَّاهُ اللهُ وهو على ذلك ، فهَذَا مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ وَوَصَّاهُم بِهِ حَيثُ قَالَ – سُبحَانَهُ – : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُسلِمُونَ ” وإن الممات على الإسلام دون تبديل أو تغيير لهُوَ أُمنِيَّةُ الأَنبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَأَعَزُّ مَطَالِبِهِم ، قَالَ يُوسُفُ – عَلَيهِ السَّلامُ ” تَوَفَّنِي مُسلِمًا وَأَلحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ” وَكَانَ مِن أَكثَرِ دُعَاءِ نَبِيِّنَا – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – ” يَا مُقَلَّبِ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلبِي عَلَى دِينِكَ ” وَمِن دُعَاءِ عِبَادِ اللهِ المُؤمِنِينَ قَولُهُم : ” رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعدَ إِذْ هَدَيتَنَا ”
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – وَاذكُرُوهُ ذِكرًا كَثِيرًا ، وَاستَعِيذُوا بِهِ مِن الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بَطَنَ ، وَاحفَظُوا اللهَ في أَمرِهِ وَنَهيِهِ يَحفَظْ عَلَيكُم إِيمَانَكُم وَيُثَبِّتْكُم ، وَاحذَرُوا المنافقين والليبراليين وَمَا يَبُثُّونَهُ فِيكُم مِن شُبَهٍ ليبدلوا دينكم ويزعزعوا محكماتكم وينكسوا قيمكم، فوالله إنهم لا يريدون بكم خيرا, فاعتزوا بدينكم ولا تخجلوا من هدي نبيكم ودافعوا عن شريعة ربكم , وأنكروا المنكرات بألسنتكم وقلوبكم وحافظوا على أسركم وأهليكم وأولادكم
وَالحَذَرَ الحَذَرَ مِمَّا ابتُلِيَت بِهِ القُلُوبُ اليَومَ وَأُشرِبَتهُ مِن حُبِّ الشهوات وَطَلَبِ الملذات والفرح بها وَلَو عَلَى حِسَابِ ذَهَابِ الدِّينِ ؛ فَإِنَّ أَشرَفَ الشَّرَفِ وَأَعظَمَ الكَسبِ هو الثَّبَاتُ عَلَى الدِّينِ والممات عليه، فإن ابتليت يا عبد الله بمعصية فلا تستبيحها ولا تشيعها ولا تجاهر بها ولا تجادل عنها فإنّ فعلك للمعصية مع الانكسار والاستخفاء والاستغفار خير لك من فعلها مع المجاهرة والاستباحة والاستكبار , ومن أنت حتى تعاند الله في تشريعاته أليس هو الخالق القوي الكبير وأنت المخلوق الضعيف الذليل الفقير. لا تنس نفسك فإنه الخالق وأنت المخلوق لا يحق لك الاعتراض على شرعه ألا له الخلق والأمر وهو يحكم لا معقب لحكمه وليس لنا إلا الإيمان والتسليم لشرعه والإذعان لحكمه ولا يثبت الإسلام إلا على قدم التسليم والاستسلام
هذا وصلوا وسلموا عباد الله على نبيكم كما أمركم بذلك ربكم فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الْأَحْزَابِ: 56].
اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الكفر والكافرين، اللهم انصر دينَكَ وكتابك وسنة نبيك -صلى الله عليه وسلم- وعبادك الصالحين.
اللهم عليك بمن يستهدف ديار المسلمين ومقدساتهم وحرماتهم، اللهم من أرادنا أو أراد ديننا وبلادنا وأمننا بسوء أو كيد فأشغله بنفسه واجعل تدبيره تدميره واجعل الدائرة عليه، وأنزل به المثلات، وأنزل به بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين.
اللهم آمِنَّا في الأوطان والدُّور، وَأَصْلِحِ الأئمةَ وولاةَ الأمورِ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم.
اللهم انصر مَنْ نصر الدين، واخذل الطغاة والملاحدة والمفسدين، اللهم انصر إخواننا المستضعفين والمجاهدين في سبيلك والمرابطين على الثغور وحماةِ الحدود، اللهم قوِّ عزائمهم واربط على قلوبهم، وثبِّت أقدامهم ووحد صفوفهم وانصرهم على مَنْ بغى عليهم وخذ بثأرهم منه، يا سميع الدعاء.
اللهم انصر إخواننا في الشام على الرافضة والصليبيين وفي فلسطين على اليهود الغاصبين وفي بورما على البوذيين الوثنيين وفي اليمن على الحوثيين المعتدين ، اللهم كُنْ لهم معينا ونصيرا ومؤيدا وظهيرا يا رب العالمين، اللهم أحينا مسلمين وتوفنا مسلمين غير مبدلين ولا مغيرين ولا مفتونين وأوردنا حوض نبيك غير مردودين