7/1 التقاعد

ناصر محمد الأحمد
1436/06/24 - 2015/04/13 20:04PM
1/7
28/6/1436ه
د. ناصر بن محمد الأحمد

الخطبة الأولى :
إن الحمد لله ..
أما بعد: أيها المسلمون: يوم الاثنين القادم سيكون غرة رجب حسب التقويم. وفي غرة رجب من كل عام يتقاعد آلاف الموظفين من أعمالهم، وكما يقال يحالون للتقاعد. والتقاعد مرحلة نعيش جوها، إما ببلوغها أو بالعيش مع من بلغها لتمضي سُنّة الحياة، ضَعفٌ ثم قوةٌ ثم ضعف: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ). جيل يعقبه جيل لتتم سنة الاستخلاف، وعمارة هذه الأرض. وهذا التصنيف الوظيفي متقاعد وغير متقاعد فرضته أنظمة العمل، ليحل موظف بدل موظف آخر، ولكنه ليس حكماً على الإنسان بالموت، ولا منعاً له من العطاء في ميادين أخرى، فهو تصنيف لا يصح أبداً أن يسري إلى بقية حياة المتقاعد. فبعد حياة الكد والكدح وهموم العمل تأتي مرحلة التقاعد، مرحلة الطمأنينة والسكينة والتفكر والتدبر, وحري بمن أدرك مرحلة هذه صفاتها أن يرى الأشياء على حقيقتها، فلا يخطو خطوة إلا وهو يعلم موضع قدمه, ولا يمشي في طريق إلا وهو يلمح نهايته السعيدة, ولا يقدم على فعل إلا وهو يسمو إلى ثمرته اليانعة.
إن مرحلة التقاعد أهم المراحل لك الآن يا من تتقاعد، لأن الأعمال بالخواتيم، فيمكنك أن تزرعها بالرياحين إن كنت زرعت ما قبلها بالأشواك، ويمكنك أن تملأها بالذكر الحسن إن كنت قد ملأت ما قبلها بضده، ويمكنك أن تصحح علاقتك بربك الكريم إن كانت علاقتك به على غير صراطه المستقيم.
لئن ضعف بدنك في سن التقاعد فلقد قوي عقلك, ولئن رق عظمك فلقد زاد فهمك, ولئن لاح الشيب في رأسك فلقد ظهرت الحكمة في رأيك. فلا تظن أن التقاعد دعوة إلى القعود وركون إلى الخلود، بل هو توقف عن العمل الرسمي فقط وليس توقفاً عن العمل الرباني, والإنسان مكلف ما بقيت فيه عين تطرف وعقل يميز. وتأمل حال الصحابة رضوان الله عليهم عـند كبرهم وضعف قواهم تجدهم لم يتوقفوا عن الاستزادة من أبواب البر حتى لو كانت شاقة عليهم. لما خرج رسول صلى الله عليه وسلم إلى غزوة أحد بقي اليمان بن جابر وثابت بن وقش في المدينة، وكانا شيخين كبيرين لا يقويان على القتال, فقال أحدهما لصاحبه: لا أبا لك! ماذا ننتظر؟ فوالله ما بقي لواحد منا من عمره إلا وقت يسير, ألا نأخذ أسيافنا فنلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فلحقا بالجيش وقُتلا هنالك. فإذا كانت هذه أحوال الصحابة عند كبرهم مع الجهاد وما فيه من المشقة والمخاطر فكيف بحال المتقاعد مع الطاعات التي هي أقل بكثير من مشقة الجهاد وأخطاره.
أيها المتقاعد: إن لكل مرحلة من العمر جمالها. فالتقاعد عن العمل الرسمي هو في حقيقته انتقال من مرحلة إلى مرحلة أخرى من العطاء والعمل، إذ لا توقف في حياة العبد: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّر). وصاحب الهمة العالية إذا بلغ هدفاً، بحث عن هدف آخر مثله أو أعلى منه ليصل إليه، ولا يوقفه عن السباق إلى مجد الدنيا والآخرة إلا توقف نَفَسِه، ولئن توقفت دورة الدوام الرسمي، فلن تتوقف عجلة النفع والانتفاع، بعمل صالح، وصدقة جارية. لذا يجب أن يُفهم كلام العلماء الذين يتحدثون عن الاستعداد للآخرة على وجهه، فحينما يؤمر صاحب هذه السنّ بالذات بالإقبال على الله تعالى والدار الآخرة، فهذا لا يعني صورةً محددة من الطاعة، فالعبادات كالصلاة وقيام الليل وقراءة القرآن والصدقة والصيام والحج والعمرة كلها لون من ألوان القربات، وكذلك الجهاد بالمال والنفس لون من ألوان القربات، والتصدي لحل مشكلات الناس لونٌ، والشفاعة لمن يحتاجها عند المسؤولين لونٌ، المهم أن يجتهد في عمارة وقته بكل قربةٍ يستطيعها، وهذا ما فهمه أهل الإيمان من الأوائل والأواخر. لا أظن أحداً يجهل سماحة الإمام الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله، كان الشيخ قارب التسعين وقد ضعفت قواه، وكان يدير أعمالاً أثقلت كواهل عشرات الشباب، ولكنه يعمل بروحٍ لا تعرف الكلل، دأب في العلم والعمل، ونفعِ الخلق حتى آخر لحظة من لحظات حياته؟. لم يكن سبب ذلك كما يظن البعض علميةُ الشيخ، فمن العلماء من يصيبه ما يصيب كثيراً من الناس بسبب طريقة نظرته لهذه المرحلة، فالقضية هي حياة الروح، وحملُ الهمّ، وهذا قدرٌ مشترك بين الناس جميعاً، لا يختص به مسلم دون كافر.
وإذا كانت النفوس كـبارا تعـبت في مرادها الأجـسام
أيها المتقاعد: إن بلوغ سن التقاعد نعمةٌ عظيمة من الله ينبغي شكرها واستثمارها، فإن الفَسْحَ في أجل المؤمن خيرٌ له، فهو فرصةٌ للتزود من الأعمال الصالحة، الدينية والدنيوية. فبلوغ سن التقاعد يعني تجاوز سن الأشد وهو الأربعين بعشرين سنة، وهذا ما يجعل العبد المؤمن يفكر كثيراً في نصيبه من هذه الآية الكريمة: (وَوَصَّيْنَا الأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً، حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ، وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ). قال بعض المفسرين: وفي هذا دليل على أن اشتغال الإنسان بطاعة الله يقوى في هذا الوقت، ففي الأربعين تناهى العقل، وما قبل ذلك وما بعده منتقص عنه.
إن تجاوز الستين من العمر، يعني شيئاً آخر، ألا وهو الدخول إلى معترك المنايا، فتأمل هذا الحديث وشرحه. عن ‏ ‏أبي هريرة‏ رضي الله عنه عن النبي‏ ‏صلى الله عليه وسلم‏ ‏قال: ‏"‏أعذر الله إلى امرئ أخّر أجله حتى بلّغه ستين سنة" رواه البخاري. قال الإمام الحافظ ابن حجر رحمه الله: "والمعنى أنه لم يبق له اعتذار كأن يقول لو مُد لي في الأجل لفعلت ما أُمرت به, يقال أعذر إليه إذا بلغه أقصى الغاية في العذر ومكّنه منه. وإذا لم يكن له عذر في ترك الطاعة مع تمكنه منها بالعمر الذي حصل له فلا ينبغي له حينئذ إلا الاستغفار والطاعة والإقبال على الآخرة بالكلية". وقال ابن بطال رحمه الله: "إنما كانت الستون حدًّا لهذا لأنها قريبة من المعترك وهي سن الإنابة والخشوع وترقب المنية، فهذا إعذار بعد إعذار لطفاً من الله بعباده حتى نقلهم من حالة الجهل إلى حالة العلم, ثم أعذر إليهم فلم يعاقبهم إلا بعد الحجج الواضحة، وإن كانوا فُطروا على حب الدنيا وطول الأمل لكنهم أُمروا بمجاهدة النفس في ذلك ليتمثلوا ما أمروا به من الطاعة وينزجروا عما نهوا عنه من المعصية. وفي الحديث إشارة إلى أن استكمال الستين مظنة لانقضاء الأجل. وأصرح من ذلك ما أخرجه الترمذي بسند حسن إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رفعه "أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين, وأقلهم من يجوز ذلك".
يا واعِظَ الناسِ عَمّا أَنتَ فاعِلُهُ يا مَن يُعَدُّ عَلَيهِ العُمرُ بِالنَفَسِ
اِحفَظ لِشَيبِكَ مِن عَيبٍ يُدَنِّسُهُ إِنَّ البَياضَ قَليلُ الحَملِ لِلدَنَسِ
كَحامِلٍ لِثِيابِ الناسِ يَغسِلُها وَثَوبُهُ غارِقٌ في الرِجسِ وَالنَجَسِ
تَبغي النَجاةَ وَلَم تَسلُك طَريقَتَها إِنَّ السَفينَةَ لا تَجري عَلى اليَبَسِ
رُكوبُكَ النَعشَ يُنسيكَ الرُكوبَ عَلى ما كُنتَ تَركَبُ مِن بَغلٍ وَمِن فَرَسِ
يَومَ القِيامَةِ لا مالٌ وَلا وَلَدٌ وَضَمَّةُ القَبرِ تُنسي لَيلَةَ العُرُسِ
أيها المتقاعد: لاشك أنك ستفقد بسبب التقاعد جزءاً من المال، لكنك ستكسب ما هو أغلى منه, ألا وهو الوقت، فالناس كلهم يبذلون الأموال ليكسبوا الأوقات فيملئوها بما يحبون. فاعتبر ما تفقد من مال ثمناً للوقت النفيس الذي سيتاح لك لتعمره بكل خير كنت تـتمنى أن تفعله وتداوم عليه. أما ما مضى من مراحل فقد ولَّى وراح فلا تستطيع أن تعيده ولا أن تفعل فيه شيئاً.
لقد امتن الله الكريم عليك بهذا التقاعد، وقد أمرك الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم باغتنام خمس قبل أن تمنعك خمس, وذكر منها "وفراغك قبل شغلك", فكيف إذا كان الأمر بالعكس بالنسبة إليك, فقد كنت مشغولاً ثم فرغت؟ أما وقد فرغت فعليك بما أوصاك به ربك بقوله تعالى: (فإذا فرغت فانصب, وإلى ربك فارغب). قال ابن كثير رحمه الله: "أي إذا فرغت من أمور الدنيا وأشغالها وقطعت علائقها فانصب إلى العبادة وقم إليها نشيطًا فارغ البال وأخلص لربك النية والرغبة".
لقد أكرمك ربك ومولاك بأن أمدَّ في عمرك حتى بلغت سن التقاعد، فأحسن العمل لتكون من خير الناس, فقد سَأل رجلٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: من خير الناس؟ قال: "من طال عمره وحسن عمله" رواه أحمد والترمذي .‏قال الطيبي رحمه الله: "إن الأوقات والساعات كرأس المال للتاجر فينبغي أن يتجر فيما يربح فيه، وكلما كان رأس ماله كثيراً كان الربح أكثر, فمن انتفع من عمره بأن حسن عمله فقد فاز وأفلح, ومن أضاع رأس ماله لم يربح وخسر خسراناً مبيناً".
أيها المتقاعد: ما أجمل العطاء وفي سن التقاعد خصوصاً! إنه ينبئ عن فقهٍ صحيح لحقيقة هذا المال الذي عما قريب سينتقل إلى الورثة! فمَالُ الإنسان ما قَدَّمَ، ومالُ وارثِه ما أخَّرَ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. فإن كنت ممن وسّع الله عليك، ورزقك من فضله، فكم هو جميل أن تبادر إلى تثبيت صدقةٍ جارية لك، يمتد أثرها لك من بعد موتك. بادر بها أنت الآن، فلعلك ترى ثمرتها قبل أن تموت، ولا تتأخر وتقول: سأوصي الأولاد أن ينفذوها، فخير البر عاجله، والوصية قد يعتري تنفيذها ما يعتريه، والإنسان عندما يريد السير في طريق مظلمة فإنه يجعل السراج أمامه لا خلفه.
وأخيراً: أذكرك متعك الله بالصحة والعافية بما بدأت به: إن هذا التصنيف الوظيفي متقاعد وغير متقاعد، فرضته أنظمة العمل، ولكنه ليس حكماً على الإنسان بالموت، ولا منعاً له من العطاء في ميادين أخرى، فهو تصنيف لا يصح أبداً أن يسري إلى بقية حياة المتقاعد.
اللهم متعنا بأسماعنا، وأبصارنا، وقواتنا، أبداً ما أبقيتنا، اللهم اجعلنا ممن طال عمره وحسن عمله.
بارك الله ..


الخطبة الثانية :
الحمد لله ..
أما بعد: أيها المسلمون: فترة ما بعد التقاعد من الوظيفة فترة مهمة من فترات العطاء في حياة الإنسان، ولكننا في العالم الإسلامي لدينا فهم ناقص لهذه الفترة، ويجب أن ننظر إلى هذه الفترة على أنها فترة عطاء جديد يختلف عن عطاء ما قبل التقاعد أو عطاء الشباب، فهذه الفترة فترة ما بعد التقاعد هي فترة العطاء بالخبرة، فترة العطاء بالتوجيه والإرشاد، وفترة الصفاء مع النفس. في هذه الفترة اكتَسبْتَ أخي النتقاعد خبرات متنوعة في الحياة لأربعين أو خمسين سنة أو أكثر، وفي هذه الفترة بلغت سناً يحترمه كل الناس الأسوياء، فاحترام الكبير خلق فطري في الناس، وفي هذه الفترة وصلت إلى درجة أعلى من صفاء النفس، فليس لديك مشوشات الشباب ونزعاتهم، ولما يكون الشخص في تلك الحالة من الخبرة والسن والصفاء إلا ترى أنه مستودع عطاء يحتاج إلى أن ينتشر إلى الناس، وهنا أقول أن أول ما يجعل استثمار الوقت نافعاً في الدنيا والآخرة هي النية الصالحة، ثم بعد ذلك التوكل على الله خير ما يكون النفع للأهل والأقربين والجيران، ثم الأقرب فالأقرب.
أخي المتقاعد: صنف خبراتك ومعارفك، وانظر أي قطاعات المجتمع يمكن أن يستفيدوا منك، وتتعاون معها.
أيضاً: إن المرحلة التي أنت فيها هي من المراحل الجيدة للاستزادة من العلم وخصوصاً العلم الشرعي، وقد يدّعي البعض أن كبر السن يمنع التعلم، ولكن هذا ليس صحيحاً على إطلاقه، فقد رأينا العديد من الناس ممن حفظوا القرآن بعد سن الخمسين، ومن تجارب المتقاعدين الناجحة في اليابان والتي ربما لا تكون مناسبة عندنا أن بعض المتقاعدين كونوا جمعية خيرية مهمتها مرافقة أطفال المدارس أثناء عبورهم الطريق حتى يصلوا بأمان وذلك أثناء ذهاب الطلاب وأثناء عودتهم.
ولكن مما هو مناسباً عندنا ويمكنك أن تمارسه أيها المتقاعد:
تكوين وإدارة برنامج لصلة الأرحام على مستوى عائلتك أو قبيلتك، ويشتمل هذا البرنامج على لقاءات تعريفية بين الأقارب وندوات تثقيفية عن صلة الرحم وفضائلها. ليكن لك دور فاعل مع أقاربك وجيرانك, شارك في حل الخلافات الأسرية أو الزوجية التي عندهم لتـنال بإذن الله درجةً أفضل من درجة الصيام والصدقة والصلاة النافلة. قال رسـول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصدقة والصلاة, فقال أبو الدرداء: قلنا بلى يا رسول الله, قال: إصلاح ذات البين" رواه أبو داود.
أو تكوين جمعية أو التعاون مع جمعية ومركز قائم لتوجيه الطلاب الجامعيين من نفس تخصصك وتثقيفُهم عن سوق العمل.
إن استطعت أن تكون من خيار أهل الإسلام فلا تـتردد, وذلك بتعليمك القرآن الكريم للمسلمين في أحد المساجد القريبة من بيتك، وبخاصة شريحة طلاب الجامعة والموظفين, فخيركم من تعلم القرآن وعلمه.
اعرض علمك وخبراتك على الجهات الخيرية, فهي في أشد الحاجة إليك وإلى أمثالك, وهي من أبرز الوسائل لتقدم من خلالها صدقة جارية تبقى لك إلى يوم الجزاء والحساب, فربَّ رأي أو فكرة أو جهد تقدمه لمؤسسة خيرية ينتفع بها خلق كثير نفعًا يدوم ولا ينقطع.
اجعل للقراءة المفيدة حظاً من وقتك، فكلما زادت حصيلة الإنسان العلمية والثقافية زادت قدراته الذهنية وبَعُد نظره وقَويت حكمته, فالقراءة ترفع المرء إلى طبقة المثقفين في المجتمع.
لديك مخزون ضخم من تجارب الحياة وعـندك رصيد كبير من الخبرات, فجرب أن تنفع المجتمع بها بالكتابة في المجالات التي تـتقنها وتميل إليها.
يعاني كثير من الأبناء والبنات من ضعف تواصل آبائهم معهم طوال سنوات عملهم, مما ترتب عليه جفوة في العلاقات وقصور في تحقيق الإشباع النفسي والعاطفي, وفي التقاعد فرصة ثمينة لردم الهوة بين الآباء وأولادهم, والتقرب إليهم ومشاركتُهم في همومهم وأفراحهم. ومن جهة أخرى فقد يكون التقاعد وبالاً على الزوجة والأولاد إذا أصبح الأب بسبب فراغه يتابع وينتقد كل شاردة وواردة في البيت، فيزيد أهله رهقاً حتى يتمنوا أنه لم يتقاعد, والواجب غض الطرف والتغافل عن الأحداث الصغيرة في البيت.
أيها المسلمون: لماذا لم يحدد الإسلام سناً للتقاعد عن العمل؟.
عندما بدأ الغرب ثورته العلمية أراد أن يضع تشريعاً يضمن سلامة ورفاهية الناس فحدّد سناً للتقاعد عن العمل ستين سنة، ظناً منه أن هذا القانون يخدم البشرية ويضمن لها السعادة والوقاية من الأمراض الجسدية والنفسية.
الإسلام ليس فيه سن تقاعد عن العمل! بل يبقى المسلم يعمل حتى آخر لحظة من حياته، يقول الله تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) واليقين هو الموت، إذاً العبادة مستمرة حتى ولو كنتَ على فراش الموت.
والنبي صلى الله عليه وسلم بقي يعمل ويمارس جميع نشاطاته في الدعوة إلى الله وقتال المشركين ويعمل كقائد سياسي وعسكري ومرشد اجتماعي للأمة حتى لحق بالرفيق الأعلى، ولم يتوقف لحظة عن العمل: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)، أذاً فالعمل مستمر حتى لقاء الله.
ولكن الغرب خالف هذه السنَّة الإلهية، وقال بأنه ينبغي على الإنسان أن يستريح من العمل بعد سن محددة، وسبحان الله والآن رجعوا إلى تشريع القرآن واعترفوا بأن سن التقاعد خطأ، وأن هذا القانون سبب الخرف للكثيرين ممن تقاعدوا عن العمل بعد سن الستين، كما سبب لهم العزلة الاجتماعية والكآبة وبعض الأمراض الجسدية. أكدت دراسة أمريكية جديدة نشرتها "الدورية الدولية للصحة المهنية" أن الأشخاص الذين يعملون بعد سن التقاعد يتمتعون بصحة أفضل مقارنة مع غيرهم من المتقاعدين. وتقول الدراسة التي صدرت عن الرابطة النفسية الأميركية: "إن الأفراد الذين يعملون بعد بلوغ سن التقاعد في مهن مؤقتة أو وظائف تتطلب العمل بدوام جزئي يعانون بدرجة أقل من المشكلات الصحية ويتمتعون بحيوية أكبر مقارنة مع المتقاعدين الآخرين".
وهناك دراسة بريطانية وجدت ارتباطاً بين تأخير التقاعد من العمل وتأخر ظهور أعراض مرض "ألزهايمر"، وأن الاستمرار في العمل بعد سن التقاعد قد يساعد على تجنب المرض. فإبقاء الدماغ نشطاً في وقت لاحق من العمر، يقلل من فرص الظهور المبكر لهذا المرض.
إذاً سن التقاعد غير صحيح علمياً، ولهذا لم يحدد الإسلام سناً للتقاعد؟.
أيها المتقاعد: رسالة الحياة العامة هدفها الأساسي مرضاة الله تعالى وتحقيق العبودية له وحده سبحانه، فهي لا تعرف تقاعداً ولا إجازة ولا راحة، فالعمر كله يُستنفر لعبادة الله وحده حتى آخر نفس: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِين) (الأنعام : 162-163)، قال الله تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِين) (الحجر : 99).

اللهم ..
المشاهدات 2246 | التعليقات 0