﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾

محمد البدر
1437/03/27 - 2016/01/07 11:35AM
[align=justify]الخطبة الأولى :
أما بعد : عباد الله : قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأنْثَى بِالأنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الألْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [ 178 - 179 ] .
فتطبيق الحدود الشرعية صمام أمان وسد منيع لكل الجرائم والأمن مطلب شرعي، فكل جريمة وكل ذنب رُتَّبَ عليه حد، فالحد مناسب وملائم لتلكم الجريمة، على اختلاف آثارها، فشرع الله حد الزنا مائة جلدة، أو الرجم للمحصن، لأن الإنسان تلذذ بهذه الفاحشة، فناسب أن تعمه جسده، وقطعت يد السارق عظة واعتباراً، لكي تكف عن أموال الناس، وشرع الله -جل وعلا- قتل القاتل وأخبر عنه بقوله:﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [البقرة:179] ، وشرع حد القاذف ،جلده ثمانين جلدة ، لأن قطع لسانه تفويت مصالح كثيرة قال تعالى : ﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [العنكبوت: 40] والمتأمل في العقوبات الشرعية يراها مناسبة وواقعية، إلا على من صرف الله قلبه وأعمى بصيرته ،فالذين ينكرون قتل القاتل ويدعون إلى السجن المؤبد أو نحو ذلك، هم رحموا المجرم ولم يرحموا من وقعت عليه الجريمة ،والذين جعلوا عقوبة الزنا مشروطة بالاغتصاب وأباحوها عند التراضي هم جَنَوْا على الأمة، حيث أباحوا لهم ما حرم الله عليهم، وسمحوا لهم بارتكاب الضرر لهم في دينهم ودنياهم كذلك الذين يعطلوا حدود الله كلها إنما هم في أنفسهم مجرمون آثمون، يعلمون أن هذه الحدود الشرعية ضدهم وضد أحوالهم وتصادم هواهم وشهواتهم، فيأبونها ولا يقبلونها .
عباد الله :حدود الله جاءت عادلة لتحقيق الخير والصلاح في المجتمع والله -جل وعلا- حين قال : ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [البقرة:179] فقوله : ﴿حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾ جزء من آية ينظر فيها المسلم : ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾ يعني: كيف يكون القصاص حياة؟ لأن القاتل إذا علم أن عقوبته أن تقطع رقبته، وأن يعامل بمثل ما عامل به المجني عليه سيرتدع، والسارق سيرتدع سيعلم أن يده تقطع، وكل من نظر إليه لسان حاله يقول : هذا سرق فقطعت يده ،وهي عظة وعبرة للسارق، وردعًا وزجرًا لمن تسول له نفسه الإقدام على هذه الجريمة .
قال تعالى : ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾ [المائدة:33]
هذه الآية تصف عقوبة المحاربين المفسدين في الأرض أشنع عقوبة ،فلكل إنسان تعدى حدود الله ما يناسبه من العقاب، فإقامة حدود الله على المفسدين والمجرمين رحمة لهم ، ولابد أن يردع برادع يجعل غيره يتعظ ويعتبر، ويعلم أن هذا مصير كل مفسد وكل مجرم، وكل عابث بالأمن والاطمئنان .
عبادالله :إن إقامة حدود الله نعمة تقيمها دولة الإسلام وتحافظ عليها، بلادنا ولله الحمد تحكم بالشريعة، وتقام فيها حدود الله، وهي من اجل النعم التي انعم الله بها علينا، ولهذا عَظُمَ الأمن واستتب بفضل الله وكرمه، قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [القصص:57 ] ، ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ﴾ [العنكبوت: 67] ، فلما أقيمت حدود الله -عز وجل- ساد الأمن في هذه البلاد وأمن الناس على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم ، وصارت السبل آمنة ولله الفضل والْمِنَّة، وهذا من فضل الله علينا، قال تعالى: ﴿سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ﴾ [سبأ: 18].
أقول قولي هذا ...

الخطبة الثانية :
عباد الله : إن الأمن من أعظم نعم الله على العباد ، ولا يحققه ويدعمه إلا شرع الله، لكي يعلم المسلم قدر عظم الدماء، وقدر المال، وقدر العرض، فإذا أقيمت الحدود علم الناس أن هناك رادعًا قويًا وفي الأثر لعثمان -رضي الله عنه- “إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن" فلا شك أنه مُؤثر، لكنه يؤثر في القلوب المؤمنة الْمُخْبِتَةِ، وضعيف الإيمان لا تؤثر فيه المواعظ، فلابد من عقوبة سُلطانية، فإنه لما سرقت المرأة المخزومية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فَعَنَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ». ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ فَقَالَ « أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها : فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْدُ، وَتَزَوَّجَتْ، وَكَانَتْ تَأتِينِي بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيقضيها.
الا وصلوا ...
[/align]
المشاهدات 1974 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا