﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾

محمد البدر
1433/10/06 - 2012/08/24 18:46PM
[align=justify]الخطبة الأولى :
أمّا بعد: فيا عِبادَ الله، إنّ في وصلِ البرِّ بالبِرّ وإتباع الخير بالخيرِ والحسَنَة بالحسنة آيةً بيِّنةً على حُسنِ وعيٍ وصِحّة فهمٍ وكمال توفيقٍ، حظِي به المتّقون من عباد الرحمن والصَّفوة من عباد الله والأفذاذِ من أولي الألبابِ، الذين يرونَ في استدامةِ أمدِ الطاعةِ وفي امتداد زمانها نعيمًا لا يعدله في الدنيا نعيمٌ وأملاً باسمًا لا يماثله أملٌ؛ ذلك أنّهم يستيقنون أنّ الطاعةَ ليس لها زمنٌ محدود تنتهي بانتهائه، وأنّ العبادةَ ليس لها أجل معيَّنٌ تنقضي بانقضائه، بل هي حقُّ الله على العباد يعمُرون به الأوقاتَ ويستغرقون فيه الأزمانَ؛ رغبةً في الظفَر بموعود الله لهم الواردِ في قوله عزّ اسمه:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍوَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنينَ } [المرسلات: 41-44]، وتأسّيًا بهدي خير العبادِ صلوات الله وسلامه عليه الذي كان عملُه ديمةً أي: دائمًا لا يختصّ بزمان كما أخبرت بذلك أمّ المؤمنين عائشةُ رضي الله عنها في الحديث المتفق عليه قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ ». ؛ لأنّه بدوام القليل ـ كما قال بعض أهل العلم ـ تدوم الطاعةُ والذكرُ والمراقبة والنيّة والإخلاص والإقبالُ على الخالق سبحانه، ويُثمر القليل بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافًا كثيرةً.
عبادَ الله :إنَّ ربَّكم الذي عبَدتم في رمضانَ هو الربّ العظيم الحقّ الذي هو أحقُّ أن يُعبَدَ في كلِّ زمان ومكان، فعِزُّك ـ يا ابنَ آدم ـ وفوزُك ونجاتُك من كلِّ شرٍّ هو في الذّلّ والخضوعِ لله والحبِّ له ودوام العبوديّةِ لله عزّ وجلّ، قال الله تعالى{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [هود:112]
ولقد كان شهرُ رمضان ـ يا عباد الله ـ ميدانَ تنافُس الأبرارِ ومجالَ تسابُق الأخيار وعاملَ تهذيبٍ وترويضٍ لنفوسِ أهلِ الإيمان ومدرسةً رائعة للسموّ الروحيّ والكمال النفسيّ والإصلاح الخُلُقيّ، فليس عجبًا إذًا أن يُدعى المؤمنُ إلى الحرصِ على استمرار السّير على طريق رمضان ومواصَلَة الخُطَى على نهجِ الخير الذي سمت به ومسلك الرشدِ الذي ارتقت به النفوسُ في هذا الموسم العظيمِ؛ حفاظًا على هذه المكاسبِ العظيمة الكريمة، وحَذَرًا من النكوص على الأعقاب بالعودة إلى طاعة الشيطان واتِّباع خطواته بعدما ذاقت لذّةَ القرب في طاعة الرحمن والاستقامة على أمره، وهل يصحُّ لمن صام حرًّا بعتقِ الله له من النار هل يصحّ له أن يعودَ طوعًا إلى رقِّ الخطايا وعبودية الأوزار؟!
فاتَّقوا الله عبادَ الله، واعملوا على مرضاةِ ربّكم بالاستدامة على طاعته والاستمرار على عبادته، وحذارِ من التردّي في وهدةِ المعصية بعدما ترقّيتم في مدارجِ الطاعة، وأتبعوا السيّئةَ الحسنةَ كلّما زلّت بكم الأقدام أو طاشتِ الأحلام؛ يمحُ الله بها الخطايا ويرفَع بها الدّرجات.
أقولُ قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم الجَليلَ لي ولَكم ولِسائِر المسلِمين مِن كلّ ذنبٍ فاستغفِروه، إنّه هو الغَفورُ الرّحِيمُ.

الخطبة الثانية :
الحمدُ للهِ المعبودِ في كلّ حين، أحمدُه سُبحانَه وليّ الصالحين، وأشهَد أَن لاَ إلهَ إلاَّ الله وَحدَه لا شَريكَ له، وأَشهَد أنَّ نبيَّنا محمّدًا عبدُه ورَسولُه المبعوث رحمةً للعالمين، اللّهمّ صلّ وسلّم على عَبدك ورسولِك محمّد، وعلى آله وصحبِه.
أمّا بعد: فيا عبادَ الله، نُقل عن الحسن البصريّ رحمه الله قولُه: "إنّ الله لم يجعل لعملِ المؤمنِ أجلاً دون الموت"، ثمّ قرأ: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]، وقيل لبشرٍ الحافي رحمه الله: إنَّ قومًا يجتَهدون في رمضان، فإذا ذهب رمضانُ تركوا، قال: "بِئس القومُ لا يعرِفون الله إلا في رمضان".
فاتّقوا الله عبادَ الله، واعملوا على دوام طاعة الله مستغرقين به اللياليَ والأيامَ، واذكروا أنّ ثوابَ الحسنةِ الحسنة بعدها، فمن عمل حسنة ثمّ أتبعها بمثلها دلَّ ذلك على قبولها، ومن عمل حسنةً ثمّ أتبعها بسيّئةٍ دلَّ ذلك على ردِّ الحسنة وعدم قبولها كما نقِل ذلك عن بعض السلف رضوان الله عليهم.

ألا وصلّوا وسلّموا على خير خلق الله محمد بن عبد الله  .


[/align]
المشاهدات 2965 | التعليقات 1

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ؛؛ وبعد
الاخوة المسؤولين عن هذا الموقع ، حاولت أكثر من مرة إرفاق ملف الخطب عن طريق ارفاق ملف فلم يقبل وتأتيني رسالة أن الملف خاطيء فكيف اصنع وجزاكم الله خيرا


اخوكم امام وخطيب جامع الشيخ صالح العمودي بجدة
محمد أحمد الذماري