4 خطب .. عن أشراط الساعة الصغرى والكبرى (سلسلة)

عبدالله اليابس
1437/06/15 - 2016/03/24 14:06PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

الأخوة الأفاضل الكرام ..

أضع بين أيديكم أربع خطب تتحدث عن أشراط الساعة:

1/ الخطبة الأولى >>> أشراط الساعة الصغرى التي وقعت وانتهت والتي ما زالت مستمرة في الحدوث.

2/ الخطبة الثانية >>> أشراط الساعة الصغرى التي لم تقع بعد .

3/ الخطبة الثالثة >>> أشراط الساعة الكبرى (الجزء الأول).

4/ الخطبة الرابعة >>> أشراط الساعة الكبرى (الجزء الثاني).

وقد تم وضع كل خطبة في رد مستقل .. مرفق بها نص الخطبة بصيغة (word)

وجزاكم الله خيراً.
المشاهدات 5444 | التعليقات 4

علامات الساعة الصغرى الجمعة 3/5/1437هـ

الحمد لله خالق البريات، وباعث الأموات، وسامع الأصوات، ومجيب الدعوات، وكاشف الكربات، عالم الأسرار، وغافر الأوزار، ومنجي الأبرار، ومهلك الفجار، ورافع الدرجات، الذي علم وألهم، وأنعم وأكرم، وحكم وأحكم، وأوجب وألزم (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ).
وأشهد أن لا اله إلا الله, وحده لا شريك له, له الملك, وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وخليله.
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه*** فطاب من طيبهنَّ القاع والأَكَمُ
أنت النبي الذي ترجى شفاعته** عند الصراط إذا ما زلت القدم
أنت البشير النذير المستضاء به ***وشافع الخلق إذ يغشاهم الندم
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين.
أما بعدُ: فاتقوا الله عباد الله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم .. يقول الله جل وعلا: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء:1].
العالم اليوم يشهد تغيرات كثيرة، ولو نظرنا اليوم إلى ما حولنا فسنرى بعض الأمور التي نستنكرها، والتي لم نكن نراها من قبل، بل القارئ منا والمتصفح لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن الناس اليوم يرتقبون نهاية التاريخ وتوقف الزمان، ونهاية هذا العالم، بل لم يجتمع المسلمون والنصارى واليهود على شيءٍ مثلما اجتمعوا اليوم على أن الساعة قد اقتربت، وأن العالم سينتهي، وأن التاريخ يوشك على أن يتوقف، والله تعالى قد أخبرنا بذلك {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُون}.
لقد اقتربت الساعة منذ أن بعث النبي صلى الله عليه وسلم، واقتربت الدنيا من نهايتها.
وقد بعث الله عز وجل إلى هذه الأرض أنبياء ومرسلين، من آدم عليه السلام أول نبي، ونوح عليه السلام أول رسول وجعل آخر الأنبياء والمرسلين الذي تختم به الأمم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.

وسوف أذكر لكم بعض العلامات التي تدل على أن الساعة قد أوشكت على القيام، وأن التاريخ قد أوشك على الانتهاء، وأن الزمن قد أوشك أن يقف, وهذه العلامات تسمى بعلامات الساعة الصغرى, وقد جعلها الله تعالى تحذيرًا وإنذارًا لنا لنعلم قرب قيام القيامة فنستعد لها.
فمن هذه العلامات الصغرى بعثة النبي صلى الله عليه وسلم, يقول صلى الله عليه وسلم: (بعثت أنا والساعة كهاتين) وفرق بين السبابة والوسطى.
وقال صلى الله عليه وسلم: (بعثت في نَسَم الساعة) وأول الريح قبل أن تأتي يسمى نسيماً، فكأن بداية الساعة بعثة النبي عليه الصلاة والسلام.
ومن علامات الساعة كثرةُ الفتن, قام النبي عليه الصلاة والسلام يوماً من الأيام من نومه فزعاً فقال: (سبحان الله! ماذا أنزل الله من الفتن، ثم قال عليه الصلاة والسلام: من يوقظ صواحب الحجرات كي يصلين؟ رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة) .
التفِت من حولك اليوم, تصفح الأخبار, وشاهد الفتن التي تعصف بالعالم عصفًا, قتلى بالمئات يوميًا.. يموتون بدم بارد, قال صلى الله عليه وسلم: (يأتي يوم يكثر فيه الهرج -يعني: القتل- فلا يعرف القاتل لم قُتل، ولا يعرف المقتول لم قتل، حتى إن الرجل ليمر على القبر فيتمرغ فيه، فيقول: يا ليتني كنت مكانك).
تلفت من حولك وتأمل في فتن الدين, فالملهيات والمعاصي تتعرض للإنسان دون أن يبحث عنها.
{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ [الأنبياء:1-2].
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (سوف تأتي فتن يرقق بعضها بعضا) كلما جاءت فتنة أنستنا ما قبلها.
ومن علامات الساعة الصغرى: ما أخبر عنه النبي عليه الصلاة والسلام أنها ستخرج نار عظيمة من الحجاز، فقال: (لن تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل بـبصرى) يعني أن أهل الشام يرون هذه النار وهي تخرج من الحجاز! وهذه أخبر بها النبي عليه الصلاة والسلام في حياته.

وقد حدثت هذه العلامة العظيمة في القرن السابع الهجري قبل أكثر من (700) عام خرجت هذه النار، ووقعت وكان بعض أهل العلم قد عاصر هذه الأيام، خرجت نار عند المدينة، وسبقت هذه النار زلازل، ارتجف فيها الأرض وخاف الناس, وخرجت أصوات لا يعرف الناس ما سببها، ينظرون إلى الأرض ترجف تحتهم أياماً.
ثم فجأة تخرج بالقرب من المدينة نار عظيمة, خرجت من الأرض، ثم ترتفع ثم تسير في الأرض كالأنهار، نار وحمم وجحيم، تخرج النار من الأرض والناس يتذكرون هذا الحديث، وعلموا أن الساعة قد اقتربت، فذهب أهل العلم إلى الأمراء والحاكم ينصحونه في الله، ويذكرونه ويأمرونه بالمعروف، وينهونه عن المنكر، وإذا بالناس يبكون في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تجمع الأولاد والنساء والشيوخ والرجال في مسجد النبي عليه الصلاة والسلام حتى الأمراء والحكام، حتى الأغنياء كل الناس قد تجمعوا في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بين تائب وعابد ومصلٍ وخاشع وذاكر وساجد، وأرجعت المظالم وتحلل الناس من المظالم، وتابوا إلى الله جل وعلا.
ثم جاءت الأخبار من بصرى الشام أن الناس قد أبصرت نور هذه النار, فسبحان الله العظيم .. كيف تحقق خبر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
ومن علامات الساعة الصغرى ما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (يأتي على الناس سنون خداعة، يكذب فيها الصادق، ويصدق فيها الكاذب، ويخون فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن).
ولو تأملت حال الناس اليوم, ونظرت في وسائل الإعلام, وكيف يرفع الخونة والفساق ويمجدون, ثم يصبحون أبطالاً يقتدى بهم, ويتسنمون المناصب الرفيعة, في حين يطالُ أهلَ الخير والصلاح والأمانة التشويه والتحقير, ويلاحقون في كثير من بلدان العالم, ولا يمكنون من إظهار دينهم, فإلى الله المشتكى.
ومن علامات الساعة الصغرى ظهور المعازف والموسيقى وانتشارها, يقول عليه الصلاة والسلام: (سيكون في آخر الزمان خسف وقذف ومسخ، قالوا: متى يا رسول الله؟ قال: إذا ظهرت المعازف والقينات)
ولقد ظهرت المعازف في هذا الزمان وفشت فشواً كبيرًا, فأصبحت تسمعها في السيارات والطائرات والمطاعم بل حتى في دورات المياه أجلكم الله في بعض الفنادق أو المطاعم, بل وصل الأمر إلى وجودها في المساجد من خلال أجهزة الجوال, فأصبحنا نسمع الموسيقى أثناء الصلاة وداخل المسجد, ولا حول ولا قوة إلا بالله.
يوم القيامة لو علمت بهوله *** لفررت من أهل ومن أوطان
يوم تشققت السماء لهوله *** وتشيب منه مفارق الولدان
يوم عبوس قمطرير شره *** في الخلق منتشر عظيم الشان
باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ .. أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على إحسانِه, وأشكرُه على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له تعظيمًا لشأنه، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وإخوانه, وسلمَ تسليماً كثيراً، أما بعدُ:
فمن علامات الساعة الصغرى تباهي الناس بالمساجد وتزيينها وزخرفتها, فقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس بالمساجد), بل إن من علامات الساعة تزيين البيوت وزخرفتها والتطاول في البنيان, فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم عندما سأله جبريل عليه السلام عن الساعة قال: أخبرني عن أمارتها. فقال صلى الله عليه وسلم: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان. وروى أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: " لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَبْنِيَ النَّاسُ بُيُوتًا يُشَبِّهُونَهَا بِالْمَرَاحِلِ", قَالَ إِبْرَاهِيمُ ــ أحد رواة الحديث ــ: يَعْنِي الثِّيَابَ الْمُخَطَّطَةَ .
ومن علامات الساعة الصغرى تقارب الزمان ومروره سريعًا, جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يتقارب الزمان فتصبح السنة كالشهر، والشهر كالأسبوع، والأسبوع كيوم، واليوم كساعة، والساعة كحرق السعفة).
ومن علامات الساعة ما جاء في الحديث الذي رواه الهيثمي وغيره وحسنه الألباني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مِنَ اقترابِ الساعةِ أنْ يُرَى الهلالُ قُبُلًا فيُقالُ : لِلَيْلَتَيْنِ وأنْ تُتَّخَذَ المساجدُ طرُقًا وأنْ يَظهَرَ موتُ الفَجأةِ).
ومن علامات الساعة تشبه هذه الأمة باليهود والنصارى, روى البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبراً بشبر, وذراعاً بذراع) فقيل: يا رسول الله! كفارس والروم؟ فقال: (ومن الناس إلا أولئك).
ومن علامات الساعة الصغرى ما ورد في الحديث الذي رواه الإمام أحمد: (إن بين يدي الساعة: تسليم الخاصة, وفشو التجارة, حتى تعين المرأة زوجها على التجارة, وقطع الأرحام, وشهادة الزور, وكتمان شهادة الحق, وظهور القلم).
ومن علامات الساعة الصغرى ما ورد في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد وصححه الشيخ الألباني عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى تظهر الفتن ويكثر الكذب وتتقارب الأسواق), ولو تلفت من حولك قليلاً لرأيت كثرة الأسواق وانتشارها, فتجد في غالبية الطرق الأسواق عن اليمين والشمال, وأصبحنا نشاهد كثرة المجمعات التجارية بعد أن كان في البلد كله سوق واحد, وهذا من علامات الساعة.
ومن علامات الساعة تداعي الأمم على الأمة الإسلامية, روى أبو داوود وصححه الشيخ الألباني من حديث ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يوشَكُ أن تَداعَى عليكم الأممُ كما تداعَى الأكلةُ على قصعتِها، قيل : يا رسولَ اللهِ أمِن قلةٍ بنا؟ قال: لا, ولكنَّكم غثاءٌ كغثاءِ السيلِ, تُنزَعُ المهابةُ من قلوبِ عدوِّكم منكم, ويُوضعُ في قلوبِكم الوهنُ، قالوا : يا رسولَ اللهِ وما الوهنُ؟ قال : حبُّ الدنيا وكراهيةُ الموتِ).
أيها الإخوة. وبعد .. فهذه جملة من علامات الساعة الصغرى, وقد وقعت كلها, وهذا دليل أن القيامة قريبة, ولا ندري .. هل ندركها أم لا, ومن لم يدركها فإن قيامته تقوم بموته, فلنستعد لتلك اللحظات, ولنعلم أن الله تعالى يرسل لنا هذه العلامات نذرًا وتذكيرًا بأن لا ننشغل بهذه الدنيا على حساب الآخرة, { أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ * وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ * وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).
اللهم أحسن خاتمتنا في الأمور كلها, وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.

المرفقات

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/1/6/9/8/علامات%20الساعة%20الصغرى%202-5-1437.docx

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/1/6/9/8/علامات%20الساعة%20الصغرى%202-5-1437.docx


علامات الساعة الصغرى الجمعة 10/5/1437هـ

الحمد لله الواحد، العزيز العظيم الشاهد، سامع ذكر الذَّاكر وحمد الحامد، وعالم ضمير العبد ونية المقاصد، لعظمته خضع الراكع وذلَّ الساجد، رفع السماء فعلَّاها ولم يحتج إلى مُساعِد، وألقى في الأرض رواسيَ راسخاتِ القواعد، تنزَّه عن شريك مشاقِقٍ أو ندٍّ مُعاند، وعزَّ عن وَلَدٍ وجَلَّ عن والِد، وأحاط علمًا بالأسرار والعقائد، وأبصر حتى دبيب النمل في الجلامد، ويقول في الليل: هل من سائلٍ فانتبهْ يا راقد, ﴿ وَالصَّافَّاتِ صَفاّ * فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا * فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا * إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ ﴾[ الصافات: 1، 4].
أحمده على الرخاء والشدائد, وأقرُّ بتوحيده إقرارَ عابد، وأصلِّي على رسوله الذي كان لا يُخيِّب السائل القاصد, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الأماجد, وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ: فاتقوا الله عباد الله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم .. جرى الكلام في الجمعة الماضية عن بعض علامات الساعة الصغرى التي وقعت وانقضت, أو علامات حدثت وما زالت مستمرة في الحدوث, ونتحدث اليوم بإذن الله عن بعض علامات الساعة الصغرى التي لم تقع حتى الآن.
وليس المقصد من إيراد هذه العلامات مجرد العلم بها, بل المقصد هو السؤال الذي طرحه النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل عندما أتاه بصورة إنسان وسأله عن الساعة فقال: ماذا أعددت لها؟
فمن علامات الساعة الصغرى التي لم تقع بعد: نزول مطر من السماء لا تقي منه بيوت الطين والحجر, وإنما تقي منه الخيام المصنوعة من الشعر, فقد أخرج ابن حبان وأحمد من حديث إبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يُمطَر الناس مطرًا لا تُكِّن منه بيوت المدر ــ أي لا تقي منه بيوت الطين ــ, ولا تكن منه إلا بيوت الشعر).
ومن علامات الساعة الصغرى التي لم تقع بعد: أن يهزم المسلمون فيلجأون إلى المدينة ويحاصَروا فيها, أخرج أبو داوود والحاكم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يوشك المسلمون أن يحاصَروا إلى المدينة, حتى يكون أبعد مسالحَهم سَلاح) أي أبعد مواضع المخافة من العدو "سلاح" وهو موضع قريب من خيبر.
ومن العلامات التي لم تقع: ظهور المسخ والخسف والقذف, والمسخ هو قلب الخلقة من شيء إلى شيء آخر, كما قال تعالى: { فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ}.
والخسف: هو انشقاق الأرض وابتلاعها ما فوقها كما حدث لقارون.
والقذف: هو الرمي بحجارة من السماء كما وقع لقوم شعيب عليه السلام, وكما وقع لأصحاب الفيل.
روى ابن ماجه في سننه عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بين يدي الساعة مسخ وخسف وقذف), ووروى الطبراني في المعجم الكبير عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (سيكون في آخر الزمان خسف وقذف ومسخ, إذا ظهرت المعازف والقينات, واستُحلت الخمر).
ومن علامات الساعة الصغرى: جيش يغزوو البيت الحرام يُخسف بأوله وآخره, روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يغزو جيش الكعبة, فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم, قالت عائشة: قلت: يا رسول الله! كيف يُخسف بأولهم وآخرهم, وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟ قال: يخسف بأولهم وآخرهم ويُبعثون على نياتهم).
ومن علامات الساعة الصغرى التي لم تقع بعد: ما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم من تكلم السباع والوحوش, وتكلم طرف السوط وشراك النعل وفخذ الرجل, روى البيهقي وغيره وصححه الشيخ الألأباني من حديث أبي سعيد الحدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفْسِي بِيدِهِ، لا تَقومُ الساعةُ حتى تُكلِّمَ السِّباعُ الإنْسَ، وحتَّى يُكَلِّمَ الرجلُ عَذَبَةَ سوْطِهِ، وشِراكُ نعلِهِ، و يُخبِرَهُ فخِذُهُ بما يُحْدِثُ أهلُهُ بَعدَهُ).
ومن العلامات: انحسار نهر الفرات في العراق عن جبل من ذهب, وتقوم على على هذا الذهب مقتلة عظيمة بين الناس.
روى مسلم في صحيحه عن عبدالله بن الحارث بن نوفل رضي الله عنه قال: كنت واقفًا مع أُبَيِّ بن كعب رضي الله عنه فقال: لا يزال الناس مختلفة أعناقهم في طلب الدنيا, قلت: أجل, فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يوشك الفرات أن يَحسِر عن جبل من ذهب, فإذا سمع به الناس ساروا إليه, فيقول من عنده: لئن تركنا الناس يأخذون منه ليُذهبنَّ به كله, قال: فيقتتلون عليه, فيُقتل من كل مائة تسعة وتسعون).
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم من حضر هذا الجبل أن يأخذ من هذا الذهب شيئًا, كما جاء في الحديث عند مسلم: (يوشك الفرات أن يَحسر عن جبل من ذهب, فمن حضره فلا يأخذ منه شيئًا).
ومن العلامات: ما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تقيء الأرض أفلاذ كبدها, مثل الأسطوانات من الذهب والفضة, فيجيء القاتل فيقول: في هذا قَتلت, ويجيء القاطع فيقول: في هذا قطعت رحمي, ويجيء السارق فيقول: في هذا قُطعت يدي, ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئاً).
ومن علامات الساعة الصغرى التي لم تقع بعد: عودة جزيرة العرب جنات ومروجًا وأنهاراً, فقد أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض, حتى يَخرج الرجل بزكاة ماله فلا يجد أحدًا يقبلها منه, وحتى تعود أرض العرب مروجًا وأنهاراً).
ومن علامات الساعة الصغرى التي تسبق قيام الساعة عودة الخلافة على منهاج النبوة, كما روى الإمام أحمد والبزار والطبراني عن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تكون النبوة فيكم ماشاء الله أن تكون, ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها, ثم تكون خلافة على منهاج النبوة, فتكون ماشاء الله أن تكون, ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها, ثم تكون ملكًا عاضَّا, فيكون ماشاء الله أن يكون, ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها, ثم تكون ملكًا جبرياً, فتكون ماشاء الله أن تكون, ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها, ثم تكون خلافة على منهاج النبوة, ثم سكت).
وروى أبو داوود عن عبدالله بن حوالة الأزدي رضي الله عنه قال: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على رأسي أو قال على هامتي, ثم قال: يا ابن حوالة, إذا رأيت الخلافة نزلت الأرض المقدسة, فقد دنت الزلازل والبلايا والأمور العظام, والساعة يومئذ أقرب إلى الناس من يدي هذه على رأسك) صححه الألباني.
باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ .. أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على إحسانِه, وأشكرُه على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له تعظيمًا لشأنه، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وإخوانه, وسلمَ تسليماً كثيراً، أما بعدُ:
فلا زلنا في تعداد بعض من علامات الساعة الصغرى التي لم تقع بعد, فمن ذلك: خراب المدينة النبوية وخلوها من أهلها, فقد روى الإمام مالك في موطئه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لتُترَكَنَّ المدينة على أحسن ما كانت, حتى يدخل الكلب أو الذئب فيغَّذى على بعض سواري المسجد أو على المنبر ــ يعني يبول عليه بولاً متقطعاً, فقالوا: يا رسول الله: فلمن تكون ثمارها ذلك الزمان؟ فقال: للعوافي, الطير والسباع), ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ذات يوم, قال عوف بن مالك رضي الله عنه: فنظر إلينا ثم قال: أما والله ليدعُنَّها أهلها مذللة أربعين عامًا للعوافي, أتدرون ما العوافي؟ الطير والسباع).
ومن علامات الساعة الصغرى التي لم تقع: هدم الكعبة, ثم لا تعمر بعد ذلك, روى الإمام أحمد في مسنده من خديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يُخَرِّب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة, ويسلبها حليتها, ويجردها من كسوتها, ولكأني أنظر إليه: أصيلع, أفيدع ــ وهو زائغ ما بين القدم وعظم الساق ــ, يضرب عليها بمسحاته ومعوله).
ومن علامات الساعة الصغرى: رفع القرآن من الصدور والمصاحف, ومحو الإسلام من قلوب الناس, كما في حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يُدرَسُ الإسلامُ كما يُدرَسُ وشْيُ الثَّوبِ, حتَّى لا يُدرَى ما صيامٌ ولا صلاةٌ ولا نُسكٌ ولا صدقةٌ, ويُسرى على كتابِ اللهِ في ليلةٍ, فلا يبقَى في الأرضِ منه آيةٌ, ويبقَى طوائفُ من النَّاسِ الشَّيخُ الكبيرُ والعجوزُ الكبيرةُ ، يقولون : أدركنا آباءَنا على هذه الكلمةِ : لا إلهَ إلَّا اللهُ فنحن نقولُها).
وأخرج مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله, الله).
ومن علامات الساعة الصغرى التي لم تظهر: خروج المهدي, فقد أخرج أبو داوود وغيره من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد, لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً مني ــ أو من أهل بيتي ــ يواطء اسمه اسمي, واسم أبيه اسم أبي).
وروى الإمام أحمد وابن ماجه عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( المهدي منا أهل البيت, يصلحه الله في ليلة), وأخرج أبو داوود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المهدي مني, أجلى الجبهة ــ أي واسع الجبهة ــ, أقنى الأنف ــ أي طويل الأنف مع دقة أرنبته وحدب في وسط الأنف ــ يملأ الأرض قسطاً وعدلاً, كما ملئت جوراً وظلماً, يملك سبع سنين).
ومن علامات الساعة الصغرى فتح المسلمين لروما عاصمة إيطاليا, أخرج الإمام أحمد عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المدينتين تفتح أولاً أقسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مدينة هرقل تفتح أولاً يعني القسطنطينية).
ومن العلامات: قتال اليهود وتكلم الحجر والشجر مع المسلمين, أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود, حتى يقول الحجر وراءه اليهودي: يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله) ولمسلم من حديث ابن عمر: (إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود).
ومن العلامات الصغرى التي لم تقع بعد: خروج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه كما صح بذلك الحديث عند البخاري ومسلم.
أيها الإخوة .. وبعد: فهذه مجموعة من علامات الساعة الصغرى التي لم تظهر بعد, أسأل الله تعالى أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن, وأن يعيننا على أنفسنا والشيطان, اللهم أحسن خاتمتنا في الأمور كلها, وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.

المرفقات

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/1/6/9/8/علامات%20الساعة%20الصغرى%20(2)%2010-5-1437.docx

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/1/6/9/8/علامات%20الساعة%20الصغرى%20(2)%2010-5-1437.docx


علامات الساعة الكبرى (1) الجمعة 17/5/1437هـ

الحمد لله لم يزل عليّا، قطرة من بحر جوده تملأ الأرض رِيّا، { رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}, جعل الجنة لمن أطاعه ولو كان عبدًا حبشيًا, والنار لمن عصاه ولو كان شريفًا قرشيًا، أنزل على نبيه ومصطفاه قولاً بهيًا {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً} .
وكم لله من لطف خفي **** يدق خفاه عن فهم الذكيِّ
وكم أملٍ تساق به صباحًا **** فتأتيك المسرة ُبالعشيِّ
وكم يُسرٍ أتى من بعد عسرِ**** ففرَّج كربةَ القلبِ الشجيِّ
إذا ضاقت بك الأحوال يومًا **** فلُذ بالواحد الفرد العلي
وأصلي وأسلم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ..
ما جرّ أثواب الحرير ولا مشى * بالتاج من فوق الجبين مرصّعا
جاءت له الدنيا فأعرض زاهدا * يبغي من الأخرى المكان الأرفعا
من أَلبس الدنيا السعادة حلّة * فضفاضة لَبِس القميص مرقّعا
وهو الذي لو شاء نالت كفُّه * كلَّ الذي فوق البسيطة أجمعا
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فإنها وصيته تعالى للأولين والآخرين {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ}.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم .. جرى الكلام في الجمعتين الماضيتين عن بعض علامات الساعة الصغرى التي وقعت والتي لم تقع بعدُ, وحديثنا اليوم بإذن الله عن العلامات الكبرى لقيام الساعة.
وأشراط الساعة الكبرى إذا ظهرت أول علامة منها فإن بقية العلامات تتابع كتتابع الخرز في المسبحة إذا قطعت, يتبع بعضها بعضًا.
روى الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خروج الآيات بعضها على إثر بعض, يتتابعن كما تَتابع الخرز في النظام).
ولعلنا قبل أن نشرع في الحديث عن العلامات الكبرى لقيام الساعة أن نتحدث عن المهدي الذي سبق ذكره مختصرًا في الجمعة الماضية لأنه توطئة وتمهيد للعلامات الكبرى, بل عده بعض أهل العلم من العلامات الكبرى.
أما المهدي فهو كما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو داوود وغيره من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد, لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً مني ــ أو من أهل بيتي ــ يواطء اسمه اسمي, واسم أبيه اسم أبي).
وأخرج أبو داوود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المهدي مني, أجلى الجبهة ــ أي واسع الجبهة ــ, أقنى الأنف ــ أي طويل الأنف مع دقة أرنبته وحَدَب في وسط الأنف ــ يملأ الأرض قسطاً وعدلاً, كما ملئت جوراً وظلماً, يملك سبع سنين).
قال ابن كثير رحمه الله: "هو محمد بن عبدالله العلوي الفاطمي الحسني".
ومكان خروج المهدي من جهة المشرق, روى ابن ماجه والحاكم من حديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقتتل عند كنزكم ثلاثة, كلهم ابن خليفة, ثم لا يصير إلى واحد منهم, ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلاً لم يَقتُله قوم, قال الراوي: ثم ذكر شيئاً لا أحفظه, ثم قال: فإذا رأيتموه (يعني المهدي) فبايعوه ولو حبواً على الثلج).
قال ابن كثير - رحمه الله -: "والمراد بالكنز المذكور في هذا السياق كنز الكعبة، يقتتل عنده ليأخذه ثلاثة من أولاد الخلفاء، حتى يكون آخر الزمان فيخرج المهدي، ويكون ظهوره من بلاد المشرق لا من سرداب سامرَّا، كما يزعمه جهلة الرافضة من أنه موجود فيه الآن, وهم ينتظرون خروجه في آخر الزمان، فإن هذا نوع من الهذيان، وقسط كبير من الخذلان، شديد من الشيطان؛ إذ لا دليل على ذلك، ولا برهان, لا من كتاب ولا سنة ولا معقول صحيح ولا استحسان"، إلى أن قال: " ويؤيدُه بناسٍ من أهل المشرق ينصرونه ويقيمون سلطانه ويشدون أركانه، وتكون راياتهم سود أيضا، وهو زي عليه الوقار؛ لأن راية رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت سوداء يقال له العقاب" إلى أن قال: "والمقصود: أن المهدي الممدوح الموعود بوجوده في آخر الزمان يكون أصل خروجه وظهوره من ناحية المشرق، ويبايع له عند البيت كما دل على ذلك نص الأحاديث". ا.هـ
وفي آخر الزمان ــ ولعلها في عهد المهدي هذا ــ تكون ملحمة بين المسلمين والروم, روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقومُ الساعةُ حتَّى ينزِلَ الرومُ بالأعماقِ ، أوْ بدابقٍ, فيخرجُ إليهمْ جيشٌ مِنَ المدينةِ مِنْ خيارِ أهلِ الأرضِ يومئذٍ فإذا تصافُّوا قالتِ الرومُ: خلُّوا بينَنا وبينَ الذينَ سُبُوْا مِنَّا نقاتلُهُمْ. فيقولُ المسلمونَ: لا واللهِ! لا نُخلِّي بينَكمْ وبينَ إخوانِنا, فيقاتلونَهُمْ فينهزمُ ثُلُثٌ لا يتوبُ اللهُ عليهمْ أبدًا, ويُقتَلُ ثلثُهمْ، أفضلُ الشهداءِ عندَ اللهِ, ويَفتتحُ الثلثُ لا يُفتنونَ أبدًا, فيفتتحونَ قُسطنطينيةَ, فبينَما همْ يقتسمونَ الغنائمَ، قدْ علَّقوا سيوفَهُمْ بالزيتون، إذْ صاحَ فيهم الشيطانُ: إنَّ المسيحَ قدْ خلَفَكمْ في أهليكُمْ. فيخرجونَ وذلكَ باطلٌ , فإذا جاءُوا الشامَ خرجَ, فبينَما همْ يُعِدُّونَ للقتالِ ، يُسوونَ الصفوفَ، إذْ أُقيمتِ الصلاةُ, فينزلُ عِيسى ابنُ مريمَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ, فأمَّهُمْ, فإذا رآهُ عدوُّ اللهِ، ذابَ كما يذوبُ الملحُ في الماءِ, فلوْ تركَهُ لانذابَ حتى يهلكَ, ولكنْ يقتلُهُ اللهُ بيدِهِ, (أي بيد عيسى بن مريم عليه السلام) فيريهِمْ دمَهُ في حَربتِهِ.
فمن خلال الحديث السابق يتبين أن الدجال يظهر أولاً ثم يعقبه نزول عيسى بن مريم عليه السلام.
فمن هو المسيح الدجال؟ هذا هو موضوع حديثنا بعد جلسة الاستراحة بإذن الله تعالى.
باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ .. أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ رب العالمين, وصلى الله وسلم على النبي الأمين, وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعدُ:
فاتقوا الله عباد الله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
فإن المسيح الدجال سمي بالمسيح لأن إحدى عينيه ممسوحة أو لأنه يمسح الأرض في أربعين يومًا.
وسمي بالدجال لكذبه وتمويهه وتخليطه على الناس.
وقد وردت صفاته في مجموعة كبيرة من الأحاديث, حاصلها أنه رجل, شاب, أحمر, قصير, متجعد شعر الرأس كثيفه, أجلى الجبهة, عريض النحر,في جسده انحناء, ممسوح العين اليمنى, وهذه العين ليست ببارزة, وليست بغائرة, وعينه الممسوحة كأنها عنبة طافية, وعينه اليسرى عليها قطعة لحم غليظة, مكتوب بين عينيه (ك ف ر) بالحروف المقطعة, أو (كافر) بدون تقطيع, يقرؤها كل مسلم كاتب وغير كاتب, يراها المؤمن ولا يراها الكافر, وهو عقيم لا يولد له.
عن راشد بن سعد قال: لمَّا فُتحت إصطخرُ، فإذا منادٍ: ألَا إِنَّ الدجالَ قد خرجَ، قال: فلقيهم الصعبُ بنُ جثامةَ، قال: فقال: لولا ما تقولون لأخبرتُكم إني سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ: لا يَخْرُجُ الْدَجَّالُ حتى يَذْهَلَ النَّاسُ عَنْ ذكرِه، وحتى تتركَ الأئمَّةُ ذكرَه على المنابرِ.
فالدجال لا يخرج إلا في زمن قد ترك ذكره والتحذير منه.
والدجال يخرج من جهة خراسان, روى أبو بكر الصديق رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الدجال يخرج من أرض بالمشرق يقال لها: خراسان, يتبعه قوم كأن وجوههم المجان المُطرقة) والمجان هي التروس.
وروى أنس بن مالك رضي الله عنه كما في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يتبعُ الدجالَ من يهودِ أصبهانَ سبعونَ ألفًا عليهم الطَّيالِسَةُ)
والدجال يمكث في الأرض أربعين يومًا يمر فيها جميع أنحاء الكرة الأرضية, سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إسراع الدجال في الأرض فقال: (كالغيث استدبرته الريح) رواه مسلم.
لكن الدجال لا يستطيع أن يدخل مكة والمدينة, روى أنس بن مالك في الحديث المتفق عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة).
وعن أبي محجن الأدرع رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس وقال: يوم الخلاص, وما يوم الخلاص؟ ثلاثًا, فقيل له: وما يوم الخلاص؟ قال: يجيء الدجال فيَصعَدُ أُحُداً فينطر المدينة, فيقول لأصحابه: أترون هذا القصر الأبيض؟ هذا مسجد أحمد, ثم يأتي المدينة فيجد بكل نقب منها (أي على كل مدخل إليها) مَلَكًا مُصلِتًا (أي رافعاً سيفه مانعاً له من دخول المدينة) فيأتي سَبَخَةَ الجُرُف فيضرب رواقه, ثم ترجف المدينة ثلاث رجفات, فلا يبقى منافق ولا منافقة ولا فاسق ولا فاسقة إلا خرج إليه, فذلك يوم الخلاص.
والدجال من أعظم الفتن, روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لَأنا أعلمُ بما مع الدجالِ منه, معه نهرانِ يجريانِ أحدُهما رأْيَ العينِ ماءٌ أبيضُ, والآخرُ رأْيَ العينِ نارٌ تأجَّجَ, فإمَّا أدْرَكْنَ أحدًا فلْيأتِ النهرَ الذي يراه نارًا, ولْيُغمضْ ثم لِيطأطئُ رأسَه فيشربَ منه فإنه ماءٌ باردٌ).
ومن فتنته ما رواه النواس بن سمعان كما عند مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فيأتي على القومِ فيَدْعُوهُم، فيؤمنون به ويستجيبون له, فيأمر السماءَ فتمطر, والأرضَ فتنبتُ, فتروح عليهم سارحتُهم أطولَُ ما كانت ذُرًّا (أي شعرها طويل) ، وأسبغُه ضروعًا (ممتلئة بالحليب)، وأمدُّه خواصرَ (أي ممتلئة شبعى), ثم يأتي القومَ فيدعوهم فيردُّون عليه قولَه, فينصرف عنهم, فيصبحون مَمْحَلين ليس بأيديهم شيءٌ من أموالِهم, ويمرُّ بالخَرِبةِ فيقول لها: أَخرِجي كنوزَك, فتتبعُه كنوزُها كيعاسيبِ النحلِ, ثم يدعو رجلًا مُمتلئًا شبابًا, فيضربه بالسيفِ فيقطعه جَزلتَينِ رميةَ الغرضِ ثم يدعوه فيقبِلُ ويتهلَّلُ وجهُه يضحك).
والدجال فتنة عظيمة, فمن أدركه فليحذر أن يلقاه, روى أحمد وأبو داوود من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من سمع بالدجال فلينأ عنه, فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يُبعث به من الشبهات).
ومن سبل الوقاية منه لمن لقيه أن يستغيث العبد بالله منه, روى ابن ماجه من حديث أبي أمامه الباهلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فمن ابتلي بناره فليستغث بالله).
ومن سبل الوقاية منه ما رواه مسلم من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من حفظ عشر آيات من سورة الكهف عصم من فتنة الدجال), وهذه الآيات هي العشر الأولى من السورة كما روى مسلم من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف).
اللهم أجرنا من الفتن, ما ظهر منها وما بطن, اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم, ومن عذاب القبر, ومن فتنة المحيا ومن فتنة الممات ومن فتنة المسيح الدجال.
اللهم توفنا وأنت راض عنا غير غضبان, واجعل آخر كلامنا من الدنيا (لا إله إلا الله).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}
عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.

المرفقات

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/1/6/9/8/علامات%20الساعة%20الكبرى%20(1)%2017-5-1437.docx

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/1/6/9/8/علامات%20الساعة%20الكبرى%20(1)%2017-5-1437.docx


علامات الساعة الكبرى (2) الجمعة 24/5/1437هـ

الحمد لله الذي أنشأ وبَرَا، وخلق الماء والثَّرى، وأبدع كل شيء ذَرَا، لا يغيب عن بصره دبيب النمل في الليل إذا سرى، ولا يعزب عن علمه ما عَنَّ وما طَرَا، اصطفى آدم ثم عفا عمَّا جرى، وابتعث نوحًا فبنى الفُلْك وسرى، ونجَّى الخليل من النار فصار حرها ثرى، ثم ابتلاه بذبح الولد فأدهش بصبره الورى: ﴿يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى﴾ .
أحمده ما قُطِع نهارٌ بسيرٍ وليلٌ بسُرى، وأصلي على رسوله محمد المبعوثِ في أمِّ القُرى، وعلى أبي بكر صاحبه في الدار والغار بلا مِرَا، وعلى عمرَ المحدَّث عن سرِّه فهو بنور الله يرى، وعلى عثمان زوج ابنته ما كان حديثًا يُفترى، وعلى عليٍّ بحر العلوم وأَسَد الشَّرى، وعلى بقية أصحاب رسول الله خير الورى.
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فإنها وصيته تعالى للأولين والآخرين {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ}.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم .. جرى الكلام في الجمعة الماضية عن بعض العلامات الكبرى التي تسبق قيام الساعة, فتكلمنا عن المهدي وظهوره وعلاماته, ثم جرى الكلام عن المسيح الدجال وأوصافه وفتنته وكيف نتقي هذه الفتنة.
ونكمل اليوم بإذن الله تعالى الحديث عن العلامات الكبرى لقيام الساعة ومنها نزول نبي الله المسيح عيسى عليه السلام.
وسمي عيسى عليه السلام بالمسيح لأنه ما مسح على ذي عاهة إلا برئ بإذن الله, وقال بعض السلف: سمي مسيحًا لمسحه الأرض، وكثرة سياحته فيها للدعوة إلى دين الله.
وعيسى عليه السلام حي لم يقتل ولم يصلب, قال الله تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}.
وقد وصف النبي صلى الله عليه عليه وسلم عيسى عليه السلام, كما عند البخاري ومسلم حيث رآه ليلة عُرج به إلى السماء فقال: "لقيت عيسى رَبعة, أحمر, كأنما خرج من ديماس (يعني الحمام)".
وروى البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت عيسى وموسى وإبراهيم, فأما عيسى فأحمر جعدٌ عريض الصدر".
وبعد خروج الدجال وإفساده في الأرض ــ كما مر في الجمعة الماضية ــ يبعث الله عيسى عليه السلام, فينزل إلى الأرض كما في حديث النواس بن سمعان في صحيح مسلم, وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِذْ بعث الله المسيح بن مريم, فينزِل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق, بين مهرودتين (أي ثوبين مصبوغين بورس ثم زعفران), واضعاً كفيه على أجنحة ملكين, إذا طأطأ رأسه قطَّر, وإذا رفعه تحدر منه جُمَان الؤلؤ, فلا يحل لكافر يجد ريح نَفَسِهِ إلا مات, ونَفَسُه ينتهي حيث ينتهي طَرْفُه, فيطلُبُه ــ أي يطلب الدجال ــ حتى يدركه بباب لُدٍّ (موضع في فلسطين) فيقتله, ثم يأتي عيسى بنَ مريمَ قومٌ قد عصمهم الله منه, فيمسح وجوههم, ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة".
وإذا نزل عيسى عليه السلام فإنه يحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم, يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: "فينزل عيسى بن مريم عليه السلام فيقول أميرهم: تعال صلِّ بنا, فيقول: لا, إن بعضكم على بعض أمراء, تكرمةُ الله هذه الأمة".
ويحج عليه السلام إلى مكة أو يعتمر, ففي صحيح مسلم عن حنظلة الأسلمي قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "والذي نفسي بيده لَيُهِلَّنَّ ابنُ مريم بفَجِّ الرَوْحاء (اسم موضع بين مكة والمدينة) حاجاً أو معتمراً, أو ليُثَنِّيهِما" أي يجمع بين الحج والعمرة.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: "والله لينزِلنَّ ابنُ مريم حَكَماً عَدلاً, فلَيكسِرنَّ الصليبَ, وليقتُلنَّ الخنزير, وليضَعنَّ الجزية".
وبعد نزول عيسى عليه السلام وقتلِهِ الدجالَ يخرج صنف من البشر يطلق عليهم (يأجوج ومأجوج) وهم من ذرية يافِث من ولد نوح عليه السلام, وهو أبو الترك.
وأما صفاتهم فقد جاء في مسند الإمام أحمد وصححه الألباني عن ابن حرملة عن خالته رضي الله عنها قالت: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عاصب أصبعه من لدغة عقرب فقال: "إنكم تقولون لا عدو, وإنكم لا تزالون تقاتلون عدوًا حتى يأتي يأجوج ومأجوج: عِراضُ الوجوه, صِغارُ العيون, شُهْبُ الشَعَاف (أي شهب الشعور), من كل حَدَبٍ ينسِلون, كأن وجوههم المِجَانُّ المُطرقة" (أي التروس التي طرقت بالمطارق).
وأما ما يذكر من صفاتهم من أنهم ثلاثة أصناف: صنف أجسادهم كالأرز وهو شجر كبار جدًا, وصنف أربعة أذرع في أربعة أذرع, وصنف يفترشون أُذُنًا ويلتحفون بالأخرى, أو ما جاء من أن طولهم شبر وشبرين وأطولهم ثلاثة أشبار, فكلها وردت في آثار ضعيفة جدًا, قال ابن كثير رحمه الله: (ومن زعم أن هذه صفاتهم فقد تكلف ما لا علم له به).
جاء في حديث النواس بن سمعان في صحيح مسلم عن صفة خروجهم: "إذ أوحى اللهُ إلى عيسى: إني قد أخرجتُ عبادًا لي لا يَدَانِ لأحدٍ بقتالهم, فحرِّزْ عبادي إلى الطور, ويبعثُ اللهُ يأجوجَ ومأجوجَ, وهم من كلِّ حَدَبٍ ينسِلونَ, فيَمُرُّ أوائلُهم على بحيرةِ طَبرِيَّةَ, فيشربون ما فيها, ويمرُّ آخرُهم فيقولون: لقد كان بهذه مرةً ماءٌ, "وفي رواية: ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبلِ الخَمَرِ وهو جبل بيت المقدس (وسمي بذلك للخَمَر فيه وهو الشجر الملتف الذي يستر من فيه), فيقولون : لقد قتَلْنا مَن في الأرضِ هَلُمَّ فلنقتلْ مَن في السماءِ, فيرمون بنُشَّابِهم إلى السماءِ, فيردُّ اللهُ عليهم نُشَّابَهم مخضوبةً دمًا", ويُحَصر نبيُّ اللهِ عيسى وأصحابُه, حتى يكونَ رأسُ الثَّورِ لأحدِهم خيرًا من مائةِ دينارٍ لأحدِكم اليومَ, فيرغبُ إلى اللهِ عيسى وأصحابُه, فيُرسِلُ اللهُ عليهم النَّغَفَ في رقابِهم ـــ أي على يأجوج ومأجوج ــ فيصبحون فَرْسَى (أي قتلى) كموتِ نفسٍ واحدةٍ, ثم يَهبط نبيُّ اللهِ عيسى وأصحابُه إلى الأرضِ, فلا يجِدون في الأرضِ موضعَ شبرٍ إلا ملأه زَهمُهم ونتْنُهم, فيرغبُ نبيُّ اللهِ عيسى وأصحابُه إلى اللهِ, فيُرسل اللهُ طيرًا كأعناقِ البُخْتِ (وهي جمال طويلة الأعناق), فتحملُهم فتطرحهم حيث شاء اللهُ, ثم يرسل اللهُ مطرًا لا يَكِنُّ منه بيتُ مَدَرٍ ولا وَبَرٌ, فيغسل الأرضَ حتى يتركها كالزَّلفَةِ, ثم يقال للأرض: أَنبِتي ثمرَك، ورُدِّي بركتَك, فيومئذٍ تأكل العصابةُ من الرُّمَّانةِ ويستظِلُّون بقِحْفِها ويبارَك في الرَّسْلِ (وهو اللبن), حتى أنَّ اللقحةَ من الإبلِ لتكفي الفِئامَ من الناس, واللَّقحةُ من البقرِ لتكفي القبيلةَ من الناس, والّلقحةُ من الغنمِ لتكفي الفَخِذَ من الناس, فبينما هم كذلك إذ بعث اللهُ ريحًا طيِّبَةً, فتأخذُهم تحت آباطِهم, فتقبض رُوحَ كلِّ مؤمنٍ وكلِّ مسلمٍ, ويبقى شِرارُ الناسِ، يتهارَجون فيها تهارُجَ الحُمُرِ، فعليهم تقوم الساعةُ".
باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ .. أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ رب العالمين, وصلى الله وسلم على النبي الأمين, وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعدُ:
فاتقوا الله عباد الله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
وبعد هلاك يأجوج ومأجوج وهبوط عيسى عليه السلام وأصحابِه إلى الأرض ينتشر الأمن وتظهر البركة ويفيض المال, وتذهب الشحناء والبغضاء والتحاسد.
جاء في مسند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فيُهلِكُ الله في زمانه المسيح الدجال, وتقع الأمنة على الأرض حتى ترتع الأسود مع الإبل, والنِمَارُ مع البقر, والذئاب مع الغنم, ويلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم".
وروى الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والله لينزلن عيسى بن مريم حَكَمَاً عدلاً, وليضعنَّ الجزية, ولتُترَكَنَّ القِلاص فلا يُسعى عليها (والقلاص جمع قَلوص وهي الناقة الشابة), ولتَذهَبنَّ الشحناء والتباغض والتحاسد, ولَيُدعَوُنَّ إلى المال فلا يقبَلُه أحد".
ويمكث عيسى عليه السلام عدة سنين في الأرض ــ قيل سبعًا وقيل أربعين ــ, ثم يُتوَفَّى عليه السلام ويصلي عليه المسلمون كما صح ذلك عند أحمد وأبي داوود, ثم يرسل الله تعالى ريحًا باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته.
أيها الإخوة.. ومن علامات الساعة الكبرى خسوفات ثلاث تقع في الأرض, روى حذيفة بن أسيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن الساعة: "لن تقوم حتى تروا عشر آيات.." وذكر منها: "... وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق, وخسف بالمغرب, وخسف بجزيرة العرب".
ومن علامات الساعة الكبرى أيضًا ظهور دُخَانٍ عظيم, وهو الذي أخبر الله تعالى عنه فقال: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}, وهذا الدخان عظيم مرعب مخيف.
ومن العلامات الكبرى لقيام الساعة طلوع الشمس من مغربها, روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقومُ السَّاعةُ حتَّى تطلُعَ الشَّمسُ من مغربِها، فإذا طلعت فرآها النَّاسُ آمنوا أجمعون، فذلك حين: لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا, ولتقومَنَّ السَّاعةُ وقد نشر الرَّجلان ثوبَهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يَطويانه ، ولتقومَنَّ السَّاعةُ وقد انصرف الرَّجلُ بلبنِ لَقحَتِه فلا يطعَمُه، ولتقومَنَّ السَّاعةُ وهو يُليطُ حوضَه (يعني يطينه ويصلحه) فلا يَسقي فيه، ولتقومَنَّ السَّاعةُ وقد رفع أَكْلتَه إلى فيه فلا يطعَمُها".
وطلوع الشمس من مغربها آية عظيمة, يراها كل من كان في ذلك الزمان, فعندها لا تقبل توبة العاصي, ولا يقبل إسلام الكافر, والله المستعان.
ومن العلامات الكبرى للقيام الساعة: ظهور الدابة, وهي التي أخبر الله تعالى عنها بقوله: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ}.
روى الإمام أحمد والترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تخرج الدابة ومعها عصى موسى وخاتم سليمان عليهما السلام, فتخطم الكافر بالخاتم, وتجلو وجه المؤمن بالعصا, حتى إن أهل الخِوان (وهو ما يوضع عليه الطعام عند الأكل) ليجتمعون على خوانهم, فيقول هذا: يا مؤمن, ويقول هذا: يا كافر.
وأغلب كلام أهل العلم يدل أن خروجها يكون من مكة المكرمة من المسجد الحرام والله أعلم.
وآخر علامات الساعة الكبرى: نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم, كما جاء في صحيح مسلم.
روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يُحشَرُ النَّاسُ على ثلاثِ طرائقَ: راغبين وراهبين، واثنان على بعيرٍ، وثلاثةٌ على بعيرٍ، وأربعةٌ على بعيرٍ، وعَشَرةٌ على بعيرٍ, وتَحشُرُ بقيَّتَهم النَّارُ، تُقيلُ معهم حيث قالوا، وتبيتُ معهم حيث باتوا، وتُصبِحُ معهم حيث أصبحوا وتُمسي معهم حيث أمسَوْا".
وهذه النار تسوق الناس إلى الشام والتي هي أرض المحشر, روى الإمام أحمد في مسنده عن حكيم بن معاوية البهزي عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشار بيده إلى الشام قال: "ها هنا تُحشرون, ها هنا تُحشرون, ها هنا تُحشرون, ركباناً ومشاة, وعلى وجوهكم".
وهذا الحشر المذكور يكون في الدنيا, وليس المراد به حشر الناس بعد البعث من القبور.
نسأل الله السلامة والعافية, وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن, ونسأله تعالى فعل الخيرات, وترك المنكرات, وحب المساكين, وإذا أراد بعباده فنتة أن يقبضنا إليه غير مفتونين.
عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.

المرفقات

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/1/6/9/8/علامات%20الساعة%20الكبرى%20(2)%2024-5-1437.docx

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/1/6/9/8/علامات%20الساعة%20الكبرى%20(2)%2024-5-1437.docx