17/5/1434هـ بعنوان ( لذة السعادة )

الحمد لله الذي جعل سعادة القـلوب في الإقبال إليه ، وجعل راحة الأرواح في السجود بين يديه، والصلاة والسلام على أسعد الناس، وأعبد الناس، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي وضَّحَ لنا طريق السعادة، وأنار لنا سُبُل السكينة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )
إخوة الإيمان والعقيدة... كل الناس رجالاً ونساء، كباراً وصغار، يبحثون عن السعادة، والكل يتمنّاها.. فيا تُرى من الذي وجدها ؟
هل وجدها صاحب المحلات والعقارات ؟ أم هل وجدها ذلك الذي يُتابع القنوات ؟ أم هل وجدها ذلك الذي يسهر على المُحرَّمات ؟
من الذي ذاق طعم السعادة ؟ من هو السعيد ؟ وأين وجد السعادة ؟
إنَّ السعادة كنزٌ عظيم، وغايةٌ منشودة، ومطلبٌ نفيس.. السعادة تتحقق في العبودية لله تبارك وتعالى
أيها المسلمون ... إنَّ الإقبال على الله بالطاعات ودوام التقرب إليه سبحانه وتعالى بكثرة النوافـل ، والإنابة إليه عزَّ وجل ستوصلك إلى حلاوة الإيمان وجنة الدنيا ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِن ذَكَرٍ أو أُنثى وهو مُؤمِن فَلَـنُحيـينّهُ حَياةً طَيبة ) إنّها الحياة السعيدة، إنّها الطُمأنينة والسكون، إنّها الراحة والخشوع.. تلك هي اللَّذة التي يتذوقها كل من أقبل على ربه وأناب إليه، قال أحد الصالحين : مساكين أهل الدنيا ، خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها ، قالوا : وما أطيب ما فيها ؟ قال: معرفة الله.
فإذا كنت تريد السعادة فتعرف على الله، وأقبل على الله بالطاعات والعبادات، وستجد السعادة بإذن الله.
السعادة – يا عباد الله - في قراءة القرآن .. إنّه كتاب الحياة ، وباب السعادة ، كلما نظرت فيه كلما أشرق في قلبك نور الإيمان ( فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا ) إنّه القرآن - يا أمة الإسلام - فلماذا هجرناه وأعرضنا عنه ونسيناه ، ولماذا ألهتنا الدنيا عن قراءته وتدبره ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ) إنَّ القرآن علاج الهموم ، ومُزيل الغموم ، ومُذْهِب الحسرات ، وكاشفُ للبليَّات .
فيا من أحاطت به هموم الدنيا ، وأزعجـته المصائب ، اجلس مع القرآن في كل يوم، وتتأمل معانيه ، واعرض نفسك عليه ، فوالله سوف تشعر بالسعادة وتذوق طعم الحياة.
أهل السعادة هم أصحاب الأخلاق الحسنة.. فوالله إنَّ المُتَّصفين بالصفات الحسنة والأخلاق الحميدة ليجدون من الراحة والسعادة ما لا يخطر بالبال .
إنّهم أقوام أحبهم الله وأحبهم الناس ، فكيف لا يجدون السعادة ؟ إنّهم مُتواضعون مع الناس ، يبتسمون ، ويمزحون ، ويضحكون ، إنّهم يُساعدون المُحتاج ، ويعطِفون على المسكين ، إنّهم يُحسِنون الظن ، ويتجاوزون عن الخطأ. إنّهم طيبون ، ويرحمون ، وينفعون إذا رأيتهم رأيت فيهم أجمل الأخلاق وأحسن الصفـات، إنّهم يسيرون على منهج الرسول ــ صلى الله عليه وسلَّم ــ الذي مدحه الله فقال ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ).
عباد الله ... إن طريق السعادة في الإحسان إلى النّاس ، فإنْ كُنتَ تبحث عن الراحة والسكون والطمأنينة ، فأحسن إلى الناس امسح رأس اليتيم . . وقبـِّـل رأس ذلك العجوز الفـقـير. إنَّ الإحسان طريق مخـتـصـر إلى السعادة ، وباب يُدخلك على كنوزٍ من الطمأنينة ( وأحْسِنُوا إنَّ الله يُحِبُّ المُحسِنِين ) فهل عفوتَ عن من ظلمك؟ وهل سامحت من أساء إليك ؟ جرِّب ذلك . . فوالله ستجد طعماً للسعادة لا يُوازيه شيء.
السعادة – يا عباد الله - في ترك الذنوب، إنَّ الشهوات ومتابعة القنوات والسهر على المُحرمات طريق إلى الشقـاء في الدنيا والآخرة .
إنَّ الإعراض عن الله يجلب للعبد القلق والهمَّ والحزن ( ومَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإنَّ لهُ مَعِيشَةً ضَنكاً ) إنَّ الذنوب لها لذةٌ في لحظـتها ونشوةً في ساعتها ، ولكن بعد ذلك عذاب القـلب ، وسموم الروح.
رأيتُ الذنوب تُميتُ القـلوب وقـد يُـورِثُ الـذُلُّ إدمـانـُهــا
وتـركُ الذنــوبِ حيـاةُ القـلوب وخيــرٌ لـنـفـسـكَ عِـصـيـانــُها
فيا عبد الله ... أقبِل على ربك، وابكِ على خطيئـتِك، واستغفر لذنبك، وستجد السعادة بإذن الله.
السعادة وجدها التائبون إلى الله .. إنَّ هناك أقوام صدقوا مع ربهم وأقبلوا عليه تائبين ، نادمين ، مُعترفين ، فكان لهم نصيب من السعادة على قدر صدقهم مع الله ( مِنَ المؤمِنين رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيه فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَـحْبَهُ ومِنْهُمْ مَن ينتظر ومَا بَدَّلوا تبديلاً ) إنَّ للتوبة حلاوة ولذة وسعادة لا يشعر بها إلاَّ من ذاقها . . واسألوا التائبين، فالـتائب من الذنب كمن لا ذنب لـه. ألم يفوزوا بمحبة الله لهم ( إنَّ الله يُحِبُّ التوابين ) أليس هذا شرفٌ لهم ؟ إنَّ الله يفرحُ بتوبة التائبين، أليس لهذا الفرح الرَّباني ثمرة في قـلوب التائبين والتائبات. إنَّ التائب قد ترك كل شيء لا يُرضي الله، إنّه يُريدُ بذلك ما عند الله، وسوف يُعوضه الله خيراً ( ومَن يَـتَّـقِ الله يَجعل لَّه مَخْرجاً * ويرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يحْتَسِب )
نسأل الله أن يرزقنا توبة قبل الموت ، وراحة عند الموت ، نسأل الله أن يجعلنا من عباده السعداء.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
معاشر المؤمنين ... هناك سعادة خاصة للمؤمن الصالح الذي أفنى حياته في طاعة الله تعالى ، فهذا له موعد مع السعادة عند مماته ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ )
تأمل معي ما في هذه الآية (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا ) فهذه أول بشارة أنَّ الملائـكة تنزل عليهم عند موتهم وتطمئنهم وتنهاهم عن الخوف.
(وَلا تَحْزَنُوا ) أي لا تحزنوا على أي شيء سيـفـوتـكم من هذه الحياة ، لأنـكم ستجدون عند الله أعظم منه وأحسن ( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى )
( وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ) إنّها البشارة عند الممات، إنّها البشارة بالجنة ، إنّه يرى مقعده من الجنة ، فتطير روحه شوقـاً إلى ما عند الله . . وفَرَحَـاً بما أعدَّه الله. إنّها السعادة الحقيقية ( وفِي ذَلك فَـليـتَـنَـافَسِ المُـتـَنَـافِسُون ).
يا عبد الله ... إن السعادة الكُبرى عندمـا تأخذ كتابك باليمين، وتصيح أمام العالمين ( هَآؤُمُ اقْرَءُوا كِـتابِـيـهْ * إنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابـيـه ) السعادة عندما تمشي بأقدامك إلى جنة الخُلد، عندما تنظر إلى قصورك في الجنة وترى الأنهار تجري من تحتها.
السعادة الكبرى عندما تدخـل قصرك في الجنة وترى الأشجار من ذهب قد أحاطت بذلك القـصر.
إي والله . . . تلك هي السعادة في الجنة عندما ( ويَطُوفُ عليهِم وِلدَانٌ مُخَلَّدُون) .
السعادة عندما ترى زوجاتك من الحور العين ، فإذا بِكَ ترى ذلك الجمال الباهـر ( كَأنّهُنَّ الياقُوتُ والمَرجَان ) ( كأنّهُنَّ بَيضٌ مكْنُون ).
وأعظم سعادة لأهل الجنة حين يجتمعون في مكان واحد، إذ سطع لهم نور أشرقت له الجنة، فإذا الجبار جل جلاله وتقدست أسمائه، قد أشرق عليهم من فوقهم وقال: يا أهل الجنة سلام عليكم، فلا ترد هذه التحية بأحسن من قولهم: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت ياذا الجلال والإكرام. فيتجلى لهم الرب تبارك وتعالى، يضحك إليهم ويقول: يا أهل الجنة، ويكون أول ما يسمعون منه تعالى: أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني؟ هذا يوم المزيد، سلوني فهذا يوم المزيد، فيجتمعون على كلمة واحدة: أن قد رضينا، فارض عنا، فيقول: لو لم أرض عنكم لم أسكنكم جنتي، سلوني فهذا يوم المزيد، فيجتمعون على كلمة واحدة: أن ربنا أرنا وجهك ننظر إليه. فيكشف لهم الرب جل جلاله الحجب ويتجلى لهم، فيغشاهم من نوره ما لولا أنه تعالى قد قضى ألا يحترقوا لاحترقوا. فيا لذة الأسماع بتلك المحاضرة، ويا لذة الأنظار بتلك المناظرة، ويا قرة عيون الأبرار في الدار الآخرة ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نّاضِرةٌ * إِلَى رَبِّهَـا نَاظِرةٌ ).
اللهم إنّا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الرضا والغضب، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك نعيماً لا ينفد، ونسألك قرة عين لا تنقطع، ونسألك الرضا بعد القضاء، ونسألك برد العيش بعد الموت، ونسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك من غير ضرَّاء مضرة ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين.
المشاهدات 2122 | التعليقات 0