10- مظهر التوسل بذوات الصالحين وجاههم
ماجد بن سليمان الرسي
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلـٰه إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون).
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيما).
أما بعد، فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
***
أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه، واعلموا أنه تعالى خلق الخلق ليعبدوه ولا يشركوا به شيئًا كما قال تعالى: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾، وأرسل الرسل لذلك قال: ﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إلـٰه إلا أنا فاعبدون﴾، ونهى عباده عن أن يشركوا معه في عبادته أحدًا غيره فقال: ﴿ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين * بل الله فاعبد وكن من الشاكرين﴾، وبـين لنا أن الشرك أعظم الذنوب فقال: ﴿إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما﴾.
***
أيها المؤمنون، تقدم في الخطب الماضية بيان بعض مظاهر الغلو في القبور المنتشرة في بعض بلاد المسلمين، واليوم نتكلم بما يسر الله عن مظهر جديد وهو مظهر التوسل بذوات الصالحين.
***
عباد الله، التوسل لغة هو التقَرُّب إلى المطلوب منه بوسيلة ما لتكون سببًا لقضاء حاجته، وشرعًا هو التقرب بطاعة الله للحصول على مصلحة شرعية.
قال ابن جرير في تفسير قوله عَزَّ ذِكرُه: ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة﴾: «يعني جل ثناؤه بذلك: يا أيها الذين صَدَّقوا اللهَ ورسوله فيما أَخبرهم ووَعَدَ من الثواب وأَوْعَد من العقاب؛ ﴿اتقوا الله﴾، يقول: أَجيبوا الله فيما أمركم ونهاكم بالطاعة له في ذلك، وحَقِّقوا إيمانكم وتصديقكم ربَّكم ونبيكم بالصالح من أعمالكم، ﴿وابتغوا إليه الوسيلة﴾، يقول: واطلبوا القُربة إليه بالعمل بما يُرضيه، والوسيلة هي من قول القائل: تَوَسَّلت إلى فلان بكذا، بمعنى: تقَرَّبْتُ إليه». انتهى باختصار.
وقد حكى ابنُ كثير )رحمه الله) الإجماعَ على أنَّ معنى الوسيلة القُربة إلى الله، حيث قال بعدما نقل كلام الأئمة في بَيان أنَّ معنى الوسيلة هي القُربة: وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خِلاف بين المُفَسِّرين فيه.
***
أيها المسلمون، والتوسل الشَّرعي يكون بثلاثةِ أمورٍ:
الأول: التوسل إلى الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُليا، كما قال تعالى: ﴿ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها﴾، والمعنى ادعوا الله متوسلين إليه بأسمائه الحسنى، كقول يا رحمـٰن ارحمني، يا رَزَّاق ارزقني، ويا غَفَّار اغفر لي ونحو ذلك، فهذا النوع من التوسل مَشروع، ومن أسباب قَبُول الدعاء.
***
الثاني: التوسل بدعاء صالحٍ حيٍّ حاضرٍ، كأن يقع المسلم في ضيق شديد، أو تَحل به مصيبة فيذهب إلى رجلٍ مِن أهل الصلاح والاستقامة ويطلب منه أن يَدعو له الله (عز وجل) أن يُفَرِّج عنه ما هو فيه من كربة، فإن هذا من أسباب إجابة الدعاء، ودليله قوله تعالى: ﴿ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله﴾، ولهذا كان الصحابة يَأتون إلى النبـي )صلى الله عليه وسلم) ليدعو لهم إذا نـزلت بهم نازلةٌ، فعَن خَبَّاب بن الأرَت (رضي الله عنه) قال: «شكونا إلى رسول الله )صلى الله عليه وسلم) وهو مُتوسِّد بُردةً له في ظِـلِّ الكعبة، قلنا له: أَلَا تَستـنصر لنا؟ ألا تَدعو لنا؟».([1])
وعن عمر بن الخطاب )رضي الله عنه) قال: «سـمعتُ رسولَ الله )صلى الله عليه وسلم) يقول: «إنَّ خيرَ التَّابعين رجلٌ يقال له أُوَيس، وله والدة، وكان به بَـياض، فَمُــرُوه فَلْيَستغفر لكم».
فكان عمرُ بن الخطاب إذا أتى عليه أمدادُ([2]) أهل اليمن سألهم: أَفِيكم أُويس بن عامر؟ حتى أتى على أُويس فقال له: (استغفر لي)، فاستغفَرَ له»([3]).
ومن ذلك أيضًا أنَّ أَمَة سَوداء أَتَــت النبـي )صلى الله عليه وسلم) فقالت: «إني أُصرع وإني أتكَشَّف فادع الله لي، قال: «إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنةُ، وإن شئت دعوتُ اللهَ أن يُعافيكِ». فقالت: أصبر، فقالت: إني أَتَكشف فادع الله لي أن لا أتكشف، فدعا لها»([4]).
وعن أنس بن مالك )رضي الله عنه)، أن عمر بن الخطاب )رضي الله عنه) كان إذا قَحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبـينا فتَسقينا، وإنا نتوسل إليك بعَمِّ نَبِـيِّنا فاسقنا، قال: فيُسقون.([5])
وقوله (نتوسل إليك بنبينا) أي بدعائه، وقوله (نتوسل إليك بعم نبينا) أي بدعائه.
عباد الله، ومما يستفاد من هذه القصة أنَّ صلاح المرء وتقواه سبب لقبول دعائه، فإن اجتمع مع هذا قَرابته لرسول الله )صلى الله عليه وسلم) كان خيرًا على خير، أما مجرد القرابة من غير صلاح فإنها ليست وسيلة مطلقًا، ولو كانت القرابة من النبي )صلى الله عليه وسلم) تُقَرِّب إلى الله لَنفعت عمَّه أبا طالب أو أبا لَهَب في الآخرة، وأنَّى لَهما ذلك؟
***
فالحاصل أنَّ طلب الدعاء من الصالحين الأحياءِ أمر مشروع، ولكن لا يَنبغي أن يجعل الإنسان هذا ديدنه، أو أن يترك العبد الدعاء في الشدة اعتمادًا على دعاء مَن طلب منه الدعاء من الصالحين، بل يعلق قلبه بالله، وإن طلب من أهل الصلاح الدعاء له فحسن، والله أعلم.
***
أيها المؤمنون، والنوع الثالث من أنواع التوسل المشروع توسل الدَّاعي بعمل صالح قام به، كأن يقول: اللهم بإيماني بك، واتِّباعي لرسولك، وبِبِرِّي بوالدي، اغفر لي وارحمني، أو فرِّج عني ما أنا فيه، أو ارزقني الولد، ونحو ذلك من الأدعية.
والدليل على مشروعية التوسل بالأعمال الصالحة ما ذكره الله في القرآن الكريم من توسل المؤمنين بإيمانهم ليكفر عنهم سيئاتهم كما في قوله تعالى: ﴿ربنا إنا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار﴾.
ومن الأدلة أيضًا توَسُّل الثَّلاثة الذين انطبق عليهم فَمُ الغار بأعمالهم الصَّالحة، فتَوَسَّل الأول بِبِرِّه بوالديه، وتوسل الثاني بتعَفُّفِه عن الزِّنا، وتوسل الآخر بأمانته، فانكشفت عنهم الصخرةُ فخرجوا.([6])
***
عباد الله، تم الكلام في تعريف التوسل الشرعي وأنواعه الثلاثة، وفي الخطبة الثانية نتكلم بما يسر الله عن التوسل البدعي.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
***
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد، فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن التوسل البدعي هو التوسل إلى الله بما لم يَجعله وسيلة لحصول المقصود، كالتوسل إلى الله بذواتِ المَوتى أو بجاههم أو بحقِّهم ونحو ذلك، كقول: اللهم بجاهِ النَّبـي، أو بحقِّ قبـره، أو ببركته، اغفر لي ذنبـي، أو فَرِّج عني كربتي، أو قول: اللهم بجاه فلان، أو بحقِّه عليك، ارزقني، أو اغفر لي ذنبـي.
والذين يفعلون هذا يعتقدون أن توسلهم هذا سببٌ لحصول المقصود، والحق أنَّ توسلهم هذا باطل وليس سببًا لحصول المقصود، بل هو بدعة، وما كان بدعة فهو سبب لحصول الإثم، وبيان ذلك من وجهين:
الأَوَّل: أن جاه الميت وقَدْرَه عند الله يعود نفعُه على الميت نفسه وليس على الآخرين، وعليه فلا يصح اعتقاد أن يكون السؤال بالجاه سببًا لإجابة سؤال مَن سأل الله به، لأنه لا تلازم بـين الأمرين، فيكون السائل قد سأل بأمر أجنبـي عنه ليس سببًا لحصول مقصوده، وهو كما لو أنَّ رجلًا قال لأميرٍ أو وزيرٍ: (أسألُك بطاعة فلانٍ لك وبجاهه عندك أن تُعطيني كذا وكذا)، فهذا سؤال بأمر أجنبـي عن السائل لا تعَلُّق له بحاجته، ولا يوجب على ذلك الأمير إجابة سؤاله من أجله، فكذلك إذا توسل إنسان بذات الرسول )صلى الله عليه وسلم) أن يُجيب الله دعاءه، فإن التوسل بذات الرسول )صلى الله عليه وسلم) وقَدْرِه عند الله بحدِّ ذاته لا تُوجب إجـابة الدعاء، بخلاف ما لو تَوَسَّل إنسانٌ إلى الله بطاعته للرسول )صلى الله عليه وسلم) واتِّباعه له فهذا من أسباب إجابة دعـائه، لأنه توسل بعمل يُوجب قبول دعائه، وهو طاعة الله ورسوله.
قال ابنُ تَيْمِية )رحمه الله): «وأمَّا إذا لم نتوسل إليه -سبحانه- بدعائهم ولا بأعمالنا، ولكن توسلنا بنفس ذواتهم؛ لم تكن نفس ذواتهم سببًا يقتضي إجابة دعائنا، فكنا مُتوسلين بغير وسيلة، ولهذا لم يكن هذا منقولًا عن النبي )صلى الله عليه وسلم) نقلًا صحيحًا، ولا مشهورًا عن السلف»([7]).
وقال أيضًا: «فإذا قال الدَّاعي: (أسألك بحقِّ فلان)، وفلان لم يدعُ له، وهو لم يسأله باتباعه لذلك الشخص ومحبته وطاعته، بل بنفس ذاته، وما جعله له ربُّه من الكرامة؛ لم يكن قد سأله بسبب يوجب المطلوب»([8]). انتهى كلامه.
عباد الله، والوجه الثاني من وجوه بطلان التوسل بجاه الأنبـياء والصَّالحين هو أن هذا الفعل ليس له أصل في كتاب الله ولا في سنة رسوله )صلى الله عليه وسلم)، ولم يُذكر عن أحدٍ من الصحابة أو التابعين أنَّه توسل بالنبـي )صلى الله عليه وسلم) عند قبـره أو بعيدًا عن قبـره، بل لم يكن ذلك معروفًا أصلًا في القرون الثلاث المُفَضَّلَةِ الأولى، ولا يُعرف ذلك في شيء من الأدعية الصحيحة، وإنما يُــنقل ذلك في أحاديث ضعيفة مرفوعة وموقوفة أو عمَّن قولُه ليس بحجة، ولو كان للتوسل بالموتى أصلٌ في دين الإسلام لِنُقِل ذلك إلينا قطعًا لأن الله تكفل بحفظ دينه، وقد كان الصحابة يُعذبون في مكة قبل هجرة الرسول )صلى الله عليه وسلم) على أيدي الكفار فما كانوا يتوسلون بذاتِ النبـي )صلى الله عليه وسلم) أو يقولون: اللهم بجاه نبـيِّك فَرِّج عنا ما نحن فيه، أو نحو ذلك من الأدعية، مع أنهم كانوا في حالة ضرورة، وإنما كانوا يَدعون اللهَ أن يُفَرِّج عنهم، أو يذهبون إلى النبـي )صلى الله عليه وسلم) ويَطلبون منه أن يدعو لهم كما تقدم.
ثم إن الصحابة تتابعوا على ذلك (رضي الله عنهم)، فهذا عمر بن الخطاب )رضي الله عنه)، العربـي الأصيل، ذُو السُّنَّة المُتَّبعة، الذي صَحِبَ النبـيَّ )صلى الله عليه وسلم) ولازمه في أكثر أحواله، وفَهِم دينَه حقَّ الفهم، وعرَفه حقَّ المعرفة، بل وافق القرآن قبل نـزوله مرارًا؛ لمَّا أصاب الناسَ قحطٌ شديدٌ في عهده في العام الذي عُرف بعدُ بعام الرَّمادة لم يتوسل بجاه النبـي )صلى الله عليه وسلم) ولا بذاته، بل طلب من العباس بن عبد المطلب عَمِّ النبـي )صلى الله عليه وسلم) أن يدعو اللهَ أن يُنـزل عليهم المطر لقرابته من النبـي )صلى الله عليه وسلم) من ناحية، ولصلاحه ودينه وتقواه من ناحية أخرى، فدل ذلك على أن التوسل بذات الرسول )صلى الله عليه وسلم) ليس مشروعًا وليس معلومًا أصلًا، بل المشروع هو ما فعله )رضي الله عنه)، وهو التوسل بدعاء الرجل الصَّالح الحَي الحاضر، ولو كان التوسلُ بذاتِ النبـي )صلى الله عليه وسلم) معروفًا عند الصحابة والتابعين لَوُجد مَن يعارض الفاروق )رضي الله عنه) من جُموع الصحابة والتابعين لعدوله عن الوسيلة الفاضلة إلى المفضولة، ولَقِيل له مثلًا: إنَّ التوسل بذاتِ النبـي )صلى الله عليه وسلم) أَوْلى من التوسل بِمَن ليس بنبـيٍّ.([9])
أيها المؤمنون، قال الشَّيخ محمد بن عُثيمين )رحمه الله): «والتوسل بالأنبياء على ضَرْبَيْن: توسُّلٌ بمحبتهم واتِّباعهم. فهذا مشروع، كما قصَّ الله عن أُولي الألباب في آخر سورة آل عمران.
وتوسُّلٌ بِذَوَاتهم، فهذا ممنوع، لأنَّه لم يأت عن النبي )صلى الله عليه وسلم) شيء في ذلك، ولم يُعَلِّمه أُمَّتَه، ولم يفعله الصحابة رضوان الله عليهم»([10]). انتهى كلامه.
فالحاصل أنَّ التوسل بذوات الصالحين -سواء كانوا أحياء أو أمواتًا- لا وجود له في القرون الثلاثة المُفَضَّلة الأولى، وإنما كان التوسل بدعاء الصَّالحين- كالنَّبـي )صلى الله عليه وسلم) وغيره من الصحابة وتابعيهم- لمَّا كانوا أحياء، وأما بعد مماتهم فلم يقع توَسُّلٌ بهم البتة، لا بدعائهم ولا بِذَواتهم، فتَعَيَّن القولُ بأنه بدعة يجب الحذر منها لقوله )صلى الله عليه وسلم): «مَنْ عَمِل عملًا ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ»، أي مَردود على صاحبه غير مَقبول، وكذا قوله )صلى الله عليه وسلم): «وإيَّاكم ومُحدثات الأمور، فإنَّ كلَّ مُحدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة».
غير أنه ينبغي التـنبهُ أيها المسلمون إلى أن القول بتحريم التوسل بجاه النبـي )صلى الله عليه وسلم) لا يقتضي إنكار أن للنبـي )صلى الله عليه وسلم) جاهًا عند الله، فأهل السنة يؤمنون بذلك ويعتقدونه اعتقادًا جازمًا من غير توسل به، بل ويؤمنون- أيضًا- بأنَّ لغير النبـي محمد )صلى الله عليه وسلم) من الأنبـياء جاهًا، ولكن الشأن في التوسل بذلك الجاه، فهو بِدعة في دين الله، لم يأمر بها اللهُ ولا رسولُه )صلى الله عليه وسلم).
***
عباد الله، وختاما فقد وردت أحاديث ضعيفة ومكذوبة في باب التوسل بذوات الصالحين وجاههم، تعلق بها من يفعل ذلك وهو لا يدري أنها ضعيفة لا يعتمد عليها في الدين، مِن أشهر الأحاديث المكذوبة على النبـي )صلى الله عليه وسلم) في باب التوسل بجاه الأنبياء حديث: «توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم».
قال شيخ الإسلام ابن تيمية )رحمه الله): «وهذا الحديث كذبٌ، ليس في شيء من كتب المسلمين التي يَعتمد عليها أهلُ الحديث، ولا ذَكَرَه أحدٌ من أهل العلم بالحديث»([11]).
وقال الشيخُ بكر أبو زيد )رحمه الله): «أحاديث السؤال بالمخلوقين واهية أو موضوعة، وهذه من المسائل التي نفخ فيها أهل الأهواء حتى صَيَّروها من مسائل العِلم الكِبار، ووقعت بسببها أمورٌ ذات أذيال، ووهاءُ ما وَرَدَ فيها واضح لكل مُنصف، وقد جَلَّى شيخُ الإسلام عنها في مواضع من كتبه، رحمه الله تعالى»([12]). انتهى كلامه.
***
ثم اعلموا رحمكم الله أن الله سبحانه وتعالى أمركم بأمر عظيم فقال (إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تسليما)، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض عن أصحابه الخلفاء، وارض عن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين. اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا، والزلازل والمحن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
أعد الخطبة: ماجد بن سليمان، واتس: 00966505906761
([1]) رواه البخاري (3612).
([2]) الأمداد هم الجماعة الغُزاة الذين يُـمِدُّون جيوش الإسلام في الغزو، واحدهم: مَدَدٌ. «شرح النووي على صحيح مسلم».
([3]) رواه مسلم (2542).
([4]) رواه البخاري (5652)، ومسلم (2576) عن ابن عباس (رضي الله عنه).
([5]) رواه البخاري (1010).
([6]) رواه البخاري (2215) واللفظ له، ومسلم (2743).
([7]) «قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة» (ص 275).
([8]) «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/786).
([9]) انظر «التوسل» للألباني (ص 61).
([10]) ملخصًا من إجابة شفهية في برنامج «نور على الدرب».
([11]) «قاعدة جليلة» (ص252).
([12]) «التحديث بما قيل: لا يصح فيه حديث» (ص132).
المرفقات
1737641895_خطبة جمعة- التحذير من مظهر التوسل بذوات الصالحين وجاههم_.doc
1737641895_خطبة جمعة- التحذير من مظهر التوسل بذوات الصالحين وجاههم_.pdf