(1) مقدمة سلسلة علامات الساعة الكبرى
إبراهيم بن سلطان العريفان
(1) مقدمة سلسلة علامات الساعة الكبرى
الْحَمْدُ لِلّٰهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، الْمَلِكِ الْجَبَّارِ، يُدَاوِلُ الْأَيَّامَ بَيْنَ النَّاسِ، وَيُقَلِّبُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ، نَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ الَّتِي لَا تُحْصَى، وَنَشْكُرُهُ عَلَى آلَائِهِ الَّتِي لَا تُجْزَى، وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللّٰهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةً تُنْجِي قَائِلَـهَا يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الْهَادِي الْبَشِيرُ، وَالسِّرَاجُ الْمُنِيرُ، صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ..
عِبَادَ اللّٰهِ.. أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللّٰهِ الْعَظِيمِ، فَهِيَ الزَّادُ لِيَوْمِ الْمِيعَادِ، وَهِيَ الْعُدَّةُ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّ الْعِبَادِ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ.. إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا يُحْيِي الْقُلُوبَ، وَيُنَبِّهُ النُّفُوسَ، وَيُذَكِّرُهَا بِالْآخِرَةِ وَالْمَصِيرِ، التَّفَكُّرُ فِي أَمْرِ السَّاعَةِ وَأَشْرَاطِهَا. فَالْإِيمَانُ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ رُكْنٌ عَظِيمٌ مِنْ أَرْكَانِ الْإِيمَانِ، لَا يَسْتَقِيمُ قَلْبٌ وَلَا يُصْلِحُ عَمَلٌ إِلَّا بِتَحْقِيقِهِ وَتَصْدِيقِهِ.
وَلِذٰلِكَ تَكَرَّرَ ذِكْرُ السَّاعَةِ وَأَهْوَالِهَا فِي كِتَابِ اللّٰهِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، رَحْمَةً مِنَ اللّٰهِ بِعِبَادِهِ، وَتَذْكِيرًا لَهُمْ بِأَنَّ الدُّنْيَا مَهْمَا امْتَدَّتْ فَمَصِيرُهَا إِلَى الزَّوَالِ، وَأَنَّ وَرَاءَهَا يَوْمًا تُرَدُّ فِيهِ الْحُقُوقُ، وَيَقُومُ فِيهِ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيِ الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِ، قَالَ تَعَالَى ]اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ[ وَقَالَ سُبْحَانَهُ ]اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ[ هٰذَا تَنْبِيهٌ مِنَ اللّٰهِ، عَزَّ وَجَلَّ، عَلَى اقْتِرَابِ السَّاعَةِ وَدُنُوِّهَا، وَأَنَّ النَّاسَ فِي غَفْلَةٍ عَنْهَا، لَا يَعْمَلُونَ لَهَا، وَلَا يَسْتَعِدُّونَ مِنْ أَجْلِهَا.
وَالسَّاعَةُ -عِبَادَ اللّٰهِ- لَيْسَتْ خَبَرًا يُرْوَى، وَلَا حَدَثًا يُتَخَيَّلُ، بَلْ حَقِيقَةٌ مَوْقُوتَةٌ عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا يَعْلَمُ وَقْتَهَا إِلَّا هُوَ، وَلٰكِنَّ اللّٰهَ دَلَّنَا عَلَى أَشْرَاطِهَا وَعَلَامَاتِهَا، لِتَكُونَ جَرَسَ إِنْذَارٍ وَتَنْبِيهٍ، وَرَحْمَةً بِالْخَلْقِ، حَتَّى لَا يُفَاجَأُوا بِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ.. لَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ لِلسَّاعَةِ عَلامَاتٍ صُغْرَى ظَهَرَتْ وَتَمُرُّ مُتَتَابِعَةً، مِنْهَا مَا وَقَعَ وَانْقَضَى، وَمِنْهَا مَا يَزَالُ يَتَجَدَّدُ، وَمِنْهَا مَا لَمْ يَقَعْ، وَسَوْفَ يَقَعُ لَا مَحَالَةَ، مِصْدَاقًا لِقَوْلِ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ.
وَهٰذِهِ الْعَلَامَاتُ طَرَقَاتٌ عَلَى بَابِ الْغَفْلَةِ، تُوقِظُ الْقُلُوبَ قَبْلَ فَوَاتِ الْأَوَانِ؛ وَفِي ذٰلِكَ تَحْذِيرٌ مِنَ اللّٰهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ مِنَ الِانْغِمَاسِ فِي الْمُلْهِيَاتِ، وَالرُّكُونِ إِلَى الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا، وَحَثٌّ لَهُمْ عَلَى الْمُبَادَرَةِ إِلَى التَّوْبَةِ وَعَمَلِ الصَّالِحَاتِ، وَبَشَارَةٌ وَتَثْبِيتٌ لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُوَاظِبِينَ عَلَى الطَّاعَاتِ.
وَقَدْ كَانَ اهْتِمَامُ النَّبِيِّ ﷺ بِهٰذَا الْأَمْرِ اهْتِمَامًا بَالِغًا، نَابِعًا مِنْ شَفَقَتِهِ وَرَأْفَتِهِ وَرَحْمَتِهِ بِأُمَّتِهِ، فَمَا تَرَكَ خَيْرًا إِلَّا دَلَّنَا عَلَيْهِ، وَلَا شَرًّا إِلَّا حَذَّرَنَا مِنْهُ.
وَإِنَّ أَمَامَنَا خُطُوبًا مُدْلَهِمَّةً، وَفِتَنًا عَاصِفَةً مُلِمَّةً، لَا يَثْبُتُ فِيهَا إِلَّا مَنْ ثَبَّتَ اللّٰهُ قَلْبَهُ؛ فَيَأْتِي هٰذَا الْعِلْمُ نُورًا فِي الظُّلُمَاتِ، وَحَبْلًا يُتَمَسَّكُ بِهِ عِنْدَ شِدَّةِ الْأَزَمَاتِ، وَدَلِيلًا يَهْدِي إِلَى سَبِيلِ النَّجَاةِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ.. إِنَّ مَعْرِفَتَنَا بِأَشْرَاطِ السَّاعَةِ لَيْسَتْ مَعْرِفَةً لِلتَّثَقُّفِ أَوْ لِلِاطِّلَاعِ فَحَسْبُ، بَلْ هِيَ مَعْرِفَةٌ تُحْيِي الْقُلُوبَ، وَتُجَدِّدُ الْإِيمَانَ، وَتَدْفَعُ الْعَبْدَ إِلَى الِاسْتِعْدَادِ لِلِقَاءِ رَبِّهِ. وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّ الدُّنْيَا – عَلَى مَا فِيهَا مِنْ مُتَعٍ وَشَوَاغِلَ – زَائِلَةٌ لَا مَحَالَةَ، وَأَنَّ الرَّحِيلَ عَنْهَا آتٍ لَا رَيْبَ فِيهِ.
فَمَنْ لَمْ تَقُمْ قِيَامَتُهُ الْكُبْرَى، فَإِنَّ قِيَامَتَهُ الصُّغْرَى تَقُومُ يَوْمَ يُقْبَضُ، وَالْكَـيِّسُ مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَتَزَوَّدَ لِيَوْمٍ تُبْلَى فِيهِ السَّرَائِرُ، وَتَظْهَرُ فِيهِ الْخَفَايَا وَالضَّمَائِرُ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ يَقِينًا صَادِقًا، وَقَلْبًا خَاشِعًا، وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا. اللَّهُمَّ هَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا، وَنَجِّنَا مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ. وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
الْحَمْدُ لِلّٰهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَهْدِيهِ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللّٰهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللّٰهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللّٰهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ..
عِبَادَ اللّٰهِ.. إِنَّ الْحَدِيثَ عَنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ الْكُبْرَى لَيْسَ مَقَالًا يُقَالُ، وَلَا مَعْلُومَةً تُسْرَدُ، بَلْ هُوَ تَذْكِرَةٌ تُحَرِّكُ الْقُلُوبَ، وَمَوْعِظَةٌ تُنِيرُ الدُّرُوبَ، وَرَبْطٌ لِلْعَبْدِ بِآخِرَتِهِ.
عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أُسَيْدٍ الْغِفَارِيِّ قَالَ: اطَّلَعَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ، فَقَالَ: "مَا تَتَذَاكَرُونَ؟" قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ. قَالَ: "إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْا قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ" فَذَكَرَ: الدُّخَانَ، وَالدَّجَّالَ، وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ﷺ، وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ: خَسْفًا بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفًا بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفًا بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَآخِرَ ذٰلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ، تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَىٰ مَحْشَرِهِمْ".
وَسَنَقِفُ – بِإِذْنِ اللّٰهِ – فِي الْخُطَبِ الْقَادِمَةِ مَعَ كُلِّ عَلامَةٍ مِنْ هٰذِهِ الْعَلَامَاتِ وَقْفَةَ تَدَبُّرٍ وَاتِّعَاظٍ، نَسْتَقْرِئُ فِيهَا مَا فِيهَا مِنْ عِبَرٍ، وَنَسْتَعِدُّ لِمَا بَعْدَهَا مِنْ أَحْوَالٍ وَفَزَعٍ.
يَا عِبَادَ اللّٰهِ.. إِنَّ هٰذِهِ الْعَلَامَاتِ لَيْسَتْ قِصَصًا تُرْوَى، وَلَا أَحَادِيثَ تُسْتَظْرَفُ، بَلْ هِيَ حَقَائِقُ ثَابِتَةٌ أَخْبَرَ بِهَا الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ ﷺ، لِتَكُونَ زَادًا لِلْإِيمَانِ، وَدَفْعًا لِلْعَمَلِ، وَنُورًا يُبَصِّرُ الْغَافِلِينَ، وَرُشْدًا لِمَنِ ابْتَغَى سَبِيلَ اللّٰهِ.
إِنَّ مَنْ نَظَرَ إِلَى هٰذِهِ الْآيَاتِ بِعَيْنِ الْبَصِيرَةِ عَلِمَ أَنَّ الدُّنْيَا مَمَرٌّ لَا مَقَرَّ، وَأَنَّ الْمَوْتَ أَقْرَبُ إِلَى الْعَبْدِ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ، وَأَنَّ الْعَاقِلَ حَقًّا هُوَ مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ، وَوَزَنَ أَعْمَالَهُ، وَاسْتَعَدَّ لِلَيْلَةٍ لَا صَبَاحَ بَعْدَهَا، وَلِقَاءِ لَا مَهْرَبَ مِنْهُ.
اللّٰهُمَّ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى الْإِيمَانِ، وَاحْفَظْنَا مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَارْزُقْنَا حُسْنَ الِاسْتِعْدَادِ لِلِّقَائِكَ. اللّٰهُمَّ اجْعَلْ هٰذِهِ الْمَوَاعِظَ نُورًا لَنَا فِي قُبُورِنَا، وَنَجَاةً لَنَا يَوْمَ نَلْقَاكَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا، وَلِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ.
وَصَلِّ اللّٰهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
المرفقات
1764276460_مقدمة سلسلة علامات الساعة الكبرى.pdf
1764276470_مقدمة سلسلة علامات الساعة الكبرى.docx