يوم من رمضان

هلال الهاجري
1446/09/05 - 2025/03/05 17:31PM

الحمدُ للهِ، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شُرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسـولُه.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) .. أما بعد:

ذَكرَ الشَّيخُ الحافظُ، والإمامُ الواعظُ ابنُ الجوزي رَحِمَهُ اللهُ في كتابِه (التَّبصرةِ) أُمنيةَ الموتى، فماذا عسى أن تكونَ أمنيةُ مَن عَاينَ حَقيقةَ الأمورِ، وأصبحَ أسيراً للقُبورِ؟، يَقولُ رَحمَه اللهِ: (تَاللَّهِ، لَوْ قِيلَ لأَهْلِ الْقُبُورِ تَمَنَّوْا، لَتَمَنَّوْا ‌يَوْمًا ‌مِنْ ‌رَمَضَانَ)، سُبحانَ اللهِ، لماذا أقسمَ على هذهِ الأمنيةِ، وهو لم يُجرِّبْ حالَ المَوتى؟.

عندما نَعلمُ أن الميِّتَ في أولِ ليلةٍ لهُ في القَبرِ، قَد فُتحَ لهُ بابٌ إلى الجنَّةِ، فرأى من نَعيمِها الذي لا يُوصفُ، وفُتحَ لهُ بابٌ إلى النَّارِ، فَنظرَ إليها يَحطمُ بَعضُها بَعضاً، فنعلمُ حِينَها أنَّه إذا تمنَّى فإنَّه سيتمنى الرُّجوعَ في يومٍ تَكونُ فيهِ أبوابُ الجَنةِ مَفتوحةً، وأبوابُ النَّارِ مَغلقةً، وهذا لا يكونُ إلا في أيامِ رمضانَ، كَمَا قَالَ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: (إذا جَاءَ رَمضانُ، فُتِّحَتْ أَبوابُ الجَنَّةِ، وغُلِّقَتْ أَبوابُ جَهنَّمَ).

عَندما يَعلمُ الميِّتُ عِلمَ يقينٍ، أنَّ وُعودَ الشَّيطانِ في الدُّنيا كانتْ كَذِبَّاً وزُوراً، وأنَّه كانَ (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا)، فيصيحُ بأعلى صَوتِه: (يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ)، فنَعلمُ حِينَها أنَّه إذا تمنى فإنَّه سيتمنى الرُّجوعَ في يَومٍ قَد حُبسَتْ فيهِ الشَّياطينُ، وهذا لا يكونُ إلا في أيامِ رمضانَ، جاءَ في الحديثِ: (إذا كان أولُ ليلةٍ من رمضانَ، صُفِّدَتِ الشياطينُ ومَرَدةُ الجنِّ).

عندما يَرى الميِّتُ في أعمالِه، أنَّ أجرَ عبادةِ ليلةٍ واحدةٍ تُساوي أكثرَ من عبادةِ ثلاثٍ وثمانينَ سنةٍ، فنَعلمُ حِينَها أنَّه إذا تمنى فإنَّه سيتمنى الرُّجوعَ في زمانٍ تكونُ فيه تلكَ الليلةُ، وهذا لا يكونُ إلا في رمضانَ، قالَ تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ).

عِندما يرى الميِّتُ أجرَ قِيامِ الليلِ، ويُريدُ أن يُكتبَ له قِيامُ ليلةٍ كاملةٍ في صلاةِ ساعةٍ، وهذا لا يكونُ إلا في رمضانَ، كما قالَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: (من قَامَ مع الإمامِ –في التَّراويحِ- حتى يَنصرفَ، كُتبَ لَهُ قِيامُ لَيلةٍ)، فنَعلمُ حِينَها أنَّه إذا تمنى فإنَّه سيَتمنى يوماً من رَمضانَ، وجاء في الحديثِ: (وَمَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ).

عِندما يُريدُ الميِّتُ في يَومٍ واحدٍ أن يكونَ له أجرَ حَجَّةٍ كاملةٍ معَ النَّبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ، وهذا لا يكونُ إلا في رمضانَ، كما قالَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ لامرأةٍ من الأنصارِ: (فإذا جَاءَ رَمضانُ فاعتمري، فإنَّ عُمرةً فِيهِ تَعدلُ حَجَّةً مَعي)، فنَعلمُ حِينَها أنَّه إذا تمنى فإنَّه سيَتمنى يوماً من رَمضانَ.

عندما يرى الميِّتُ في قَبرِه كَثرةَ عُتقاءِ رمضانَ من النَّارِ، فنَعلمُ حِينَها أنَّه إذا تمنى فإنَّه سيتمنى يوماً من رمضانَ ليكونَ منهم، جاءَ في الحديثِ: (إذا كَانَ أَولُ لَيلةٍ من شَهرِ رَمضانَ، نَادى مُنادٍ: يا بَاغيَ الخيرِ أَقبلْ، ويَا بَاغيَ الشَّرِ أَقصرْ، وللهِ عُتقاءُ من النَّارِ، وذَلكَ كُلُّ لَيلةٍ).

أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفروه إنَّه هو الغفورُ الرَّحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، وأشهدُ أنَّ رسولَه المبعوثَ رحمةً للعالمينَ، مُحمدٌ صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه أَجمعينَ .. أما بعد:

عِندما تكونُ للميِّتِ دعوةٌ بالمَغفرةِ يُريدُ أن تُستجابَ، ويَعلمُ أنَّ الصَّائمَ لا تُردُّ دعوتُه، كما في الحديثِ: (ثَلَاثٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ، -ومنهم- وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ)، وتتأكدُ عِندَ الفُطورِ، كما جاءَ في الحديثِ: (إنَّ للصَّائمِ عِندَ فِطرِهِ دَعوةً لا تُرَدُّ)، فنَعلمُ حِينَها أنَّه إذا تمنى فسيتمنى يوماً من رمضانَ يدعو به بِما أرادَ.

عِندَما يرى الميِّتُ في قَبرِه أنَّ الأعمالَ قد تَضاعفتْ حسناتُها، إلا الصَّومَ فإنَّه لم يُضاعفْ، بل تُركَ جَزاءُه إلى يومِ القِيامةِ حتى يَجزيَ اللهُ بهِ، كما قالَ تعالى في الحديثِ القُدسيِّ: (كُلُّ عَملِ ابنِ آدمَ لَهُ، الحَسنةُ بِعَشرِ أَمثالِها، إلى سَبعمائةِ ضِعفٍ، إلى أَضعافٍ كَثيرةٍ، إلا الصَّومَ فإنَّهُ لي وأَنا أَجزي بهِ، يَدعُ طَعامَه وشَرابَه وشَهوتَهُ من أَجلي)، فنَعلمُ حِينَها أنَّه إذا تمنى فإنَّه سيتمنى يَوماً من رَمضانَ يصومُ فيهِ الفرضَ.

أجورٌ عظيمةٌ في أيامٍ مَعدوداتٍ، تُصبحُ أعظمَ أُمنيةٍ للأمواتِ، وأنتَ اليومَ وقَد أدركتَ هذا الشَّهرَ وما فيهِ من البركاتِ، أخبرني عن عَمَلِكَ فِي شهرِ الرَّحمةِ والغُفرانِ، أم سنتمنى بعدَ الموتِ يوماً من رمضانَ؟.

كَمْ كُنتَ تَعرِفُ ممَّنْ صَامَ في سَلَفٍ *** مِنْ بينِ أَهلٍ وجِيرانٍ وإخْوَانِ
أَفْنَاهُمُ المَوتُ واسْتبْقَاكَ بَعْدَهمُ *** حَيًّا فَمَا أَقْرَبَ القَاصِي مِنَ الدَّانِي

اللهمَّ إنا نسألُك بأسمائك الحُسنى وصفاتِك العُلى أن تجعلَنا من الذين تَقبلَهم في رمضانَ وتُعتقَهم من النيرانِ، اللهمَّ اجعلنا ممن يقومُ رمضانَ إيماناً واحتساباً فغفرتَ له ما تقدمَ من ذنبِه، اللهم اجعلنا ممن يصومُ رمضانَ إيماناً واحتساباً فغفرتَ له ما تقدمَ من ذنبِه، اللهم اجعلنا ممن يَقومُ ليلةَ القدرِ إيماناً واحتساباً فغفرتَ له ما تقدمَ من ذنبِه، اللهمَّ أنا نسألُك بأنكَ أنت اللهُ لا إله إلا أنتَ أن تَحقنَ دماءَ المسلمينَ في كلِّ أرضٍ يُراقُ فيها دمُ مسلم، اللهم فَرجْ همَّ المهمومينَ ونفِّسْ كربَ المكروبينَ، اللهم اجعلْ لنا من كلِّ همٍّ فرجاً ومن كلِّ ضِيقٍ مخرجاً، سُبحانَ ربِّك ربِّ العزةِ عمّا يصفونَ، وسلامٌ على المرسلينَ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.

المرفقات

1741185071_يوم من رمضان.docx

1741185077_يوم من رمضان.pdf

المشاهدات 2569 | التعليقات 1

جزاك الله خير الجزاء

ونفع الله بك وبخطبك

وزينها بالإخلاص

طرح متجدد